شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة0%

شرح حكم نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 313

  • البداية
  • السابق
  • 313 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64103 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

١٦٣ عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله.(١) يعني أنّ الحاسد لا يزال مجتهدا في إظهار معايب المحسود و إخفاء محاسنه، فلّما كان عجب الإنسان بنفسه كاشفا عن نقص عقله كان كالحاسد الذي دأبه إظهار عيب المحسود و نقصه.

١٦٤ العجب لغفلة الحسّاد، عن سلامة الأجساد(٢) لمّا كان الغالب أنّ الحسد إنّما يكون بالغنى و الجاه، و سائر قينات الدّنيا فترك الحسّاد الحسد بصحّة الجسد مع كونها أكبر نعم الدّنيا محلّ التعجّب.

١٦٥ عرفت اللّه سبحانه بفسخ العزائم، و حلّ العقود.(٣) هذا أحد الطرق إلى معرفة الباري سبحانه، و هو أن يعزم الإنسان على أمر، و يصمّم رأيه عليه، ثمّ لا يلبث أن يخطر اللّه بباله خاطرا صارفا له عن ذلك الفعل، و لم يكن في حسابه، أي لو لا أنّ في الوجود ذاتا مدبّرة لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن محتسبة.

١٦٦ العمر الّذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستّون سنة.(٤) « أعذر اللّه فيه » أي سوّغ لابن آدم أن يعتذر، يعني أنّ ما قبل

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢١٢.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٢٢٥.

(٣) في نهج البلاغة، الحكمة ٢٥٠ زيادة: « و نقض الهمم ».

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٣٢٦.

١٤١

الستّين هي أيّام الصبا و الشبيبة و الكهولة، و قد يمكن أن يعذر الإنسان فيه على اتّباع هوى النفس لغلبة الشهوة، و شره الحداثة، فإذا تجاوز الستّين دخل في سنّ الشّيخوخة، و ذهبت عنه غلواء شهرته، فلا عذر له في الجهل.

و قد قالت الشعراء نحو هذا المعنى في دون هذه الّتي عيّنها عليه السلام.

قال بعضهم:

إذا ما المرء قصّر ثمّ مرّت * عليه الأربعون عن الرجال

و لم يلحق بصالحهم فدعه * فليس بلا حق أخرى الليّالي

١ و قال الشيخ الشيرازيّ بالفارسيّة:(٢)

چو دوران عمر از چهل درگذشت * مزن دست و پا كابت از سر گذشت

نزيبد مرا با جوانان چميد * كه بر عارضم صبح پيرى دميد

١٦٧ العلم علمان: مطبوع و مسموع، و لا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع.(٣)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٣٨.

(٢) كليّات سعدي، ص ٣٨٣ ٣٨٤.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٣٣٨.

١٤٢

المراد من المطبوع هو العقل بالملكة و هو الاستعداد بالعلوم الضروريّة للانتقال منها إلى العلوم المكتسبة و المسموعة من العلماء،

فإذا لم يكن هناك استعداد لم ينفع الدرس و التكرار.

و قد ذكر الغزّاليّ في أقسام العلوم هذين القسمين أيضا، ثم قال:

و كلا القسمين قد يسمّى عقلا، قال علي عليه السلام:(١)

رأيت العقل عقلين * فمطبوع و مسموع

و لا ينفع مسموع * إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس * وضوء العين ممنوع

١٦٨ عند تناهي الشّدّة تكون الفرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرّخاء.(٢) الفرجة بفتح الفاء: التفصّي من الهمّ، قال الشاعر:

ربّما تجزع النفوس من الأمـ * ـر له فرجة كحل العقال

٣ و من كلامه عليه السلام: إنّ للنكبات غايات.(٤) و كان يقال: إذا اشتدّ المضيق، اتّسعت الطريق، و يقال أيضا:

____________________

(١) إحياء علوم الدين ١ ٧٦، في بيان حقيقة العقل و أقسامه.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٣٥١.

(٣) البيت لأمية بن أبي الصلت. الصحاح ١ ٣٣٤ فرج.

(٤) تحف العقول، باب قصارى كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، الحديث ١٢.

١٤٣

توقّعوا الفرج عند ارتتاج المخرج.(١) ١٦٩ العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، و العلم يهتف بالعمل، فإن أجاب و إلاّ ارتحل.(٢) إنّ اللّه تعالى جعل للنفس العاقلة قوّتين: علميّة و علميّة، و جعل كمالها باستكمال هاتين القوّتين بالعلم و العمل، و لا كمال لها بالعلم دون اقترانه بالعمل بل هو حجّة على صاحبه، و كذلك العكس.

قال عليه السلام: قصم ظهري رجلان، عالم متهتّك، و جاهل متنسّك.(٣) ١٧٠ العين حقّ، و الرّقى حقّ، و السّحر حقّ، و الطّيرة ليست بحقّ،

و العدوى ليست بحقّ، و الطّيب نشرة، و العسل نشرة، و الرّكوب نشرة،

و النّظر إلى الخضرة نشرة.(٤) و يروى: « الغسل نشرة » بالغين المعجمة، أي التطهير بالماء.(٥) و في الحديث: العين حقّ، و لو كان شي‏ء يسبق القدر لسبقته العين.(٦)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٦٧.

(٢) في نهج البلاغة، الحكمة ٣٦٦: فإن أجابه و إلاّ ارتحل عنه.

(٣) منية المريد ١٨١.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٠٠.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٧٢.

(٦) المصدر السابق.

١٤٤

و الإصابة بالعين هي أن تستحسن النفس صورة مخصوصة و تتعجّب منها، و تكون تلك النفس خبيثة جدّا، فينفعل جسم تلك الصورة مطيعا لتلك النفس كما ينفعل البدن للسمّ.

و حكي أنّ علماء الفرس و الهند و أطباء اليونانييّن و دهاة العرب و أهل التجربة يكرهون الأكل بين يدي السباع يخافون عيونها للّذي فيها من النّهم و الشره، و لما ينحلّ عند ذلك من أجوافها من البخار الردي‏ء، و ينفصل من عيونها ممّا إذا خالط الإنسان نقض بنية قلبه و أفسده. و كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذابّ(١) و الأشربة على رؤوسهم خوفا من أعينهم و شدّة ملاحظتهم إيّاهم، و كانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا، و كانوا يقولون في الكلب و السنّور إمّا أن يطرد أو يشغل بما يطرح له.(٢) و قالت الحكماء: نفوس السباع أردأ النفوس و أخبثها لفرط شرهها و شرّها.(٣) و عن الكافي مسندا عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

الكلاب من ضعفة الجنّ، فإذا أكل أحدكم الطعام و شي‏ء منها بين يديه

____________________

(١) جمع المذبّة، و هو ما يذبّ به الذباب. منه (ره).

(٢) كتاب الحيوان، للجاحظ ٢ ١٣١ ١٣٢.

(٣) نفس المصدر ٢ ١٣٢.

١٤٥

فليطعمه أو ليطرده فإنّ لها أنفس سوء.(١) و عن الأصمعيّ، قال: رأيت رجلا عيونا(٢) كان يذكر عن نفسه أنّه إذا أعجبه الشي‏ء وجد حرارة تخرج من عينه.(٣) و قد حكي من تأثير العين آثار عجيبة، منه ما نقل أنّه سمع عيون صوت بول من وراء جدار حائط، فقال: إنّك كثير الشخب، فقالوا:

هو ابنك، فقال: أوه انقطع ظهره فقيل: لا بأس عليه إن شاء اللّه،

فقال: و اللّه لا يبول بعدها أبدا، فما بال حتّى مات.(٤) و الكلام في كلّ ذلك يخرج عن وضع الكتاب، و قد أطنب الفاضل ابن أبي الحديد في شرحه لهذا الكلام و ذكر حكايات كثيرة تتعلّق بالطير و الفأل و نكتا ممتّعة من مذاهب العرب و تخيّلاتها و خرافاتها و الأعاجيب الكثيرة من اعتقاداتها، من أرادها فليراجع ثمّة.(٥) و النشرة كالعوذة و الرقية، نشّرت فلانا تنشيرا، أي رقيته و عوّذته.(٦)

____________________

(١) الكافي ٦ ٥٥٣ الحديث ٩.

(٢) أي الشديد الإصابة بالعين.

(٣) شرح بن أبي الحديد ١٩ ٣٧٧.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٧٧.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٧٢ ٤٢٩.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٤٢٩.

١٤٦

١٧١ علامة(١) الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك ٢، و أن تتّقي اللّه في حديث غيرك.(٣) ينبغي أن يكون هذا الحكم مقيّدا لا مطلقا، أي إذا كان الضرر غير عظيم، لأنّه إذا أضرّ الصدق ضررا عظيما يؤدّي إلى تلف النفس أو قطع العضو لم يجز فعله صريحا، و لزمت المعاريض حينئذ.

قوله عليه السلام: « و أن تتّقي اللّه في حديث غيرك »، قيل: أراد به أن يحتاط في النقل و الرواية فيرويه كما سمعه من غير تحريف.(٤) ١٧٢ العين وكاء السّته.(٥) قال السيّد (ره): و هذه من الاستعارات العجيبة، كأنّه شبّه الستة بالوعاء، و العين بالوكاء، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء. و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام، و ذكر ذلك في المبرّد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ

____________________

(١) ليست كلمة « علامة » في النهج.

(٢) في النهج: عن عملك.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٨.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٥.

(٥) في نهج البلاغة، الحكمة ٤٦٦: وكاء السه.

١٤٧

المعروف.(١) و قد تكلّمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية.(٢) انتهى.

استعار عليه السلام لفظ الوكاء و هو رباط القربة للعين باعتبار حفظ الإنسان في يقظته لنفسه من أن يخرج منه ريح و نحوها كما يحفظ الوكاء ما يوكى به، و في ذلك ملاحظة تشبيه السته بالوعاء كالقربة.

و من تمام الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.(٣)

____________________

(١) في النهج: اللفظ بالحروف.

(٢) نهج البلاغة، ص ٥٥٧.

(٣) شرح ابن ميثم ٥ ٤٦٢.

١٤٨

حرف الغين

١٧٣ الغنى في الغربة وطن، و الفقر في الوطن غربة.(١) قال رجل لسقراط ٢: ما أشدّ فقرك أيّها الحكيم؟ قال: لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجّع لنفسك عن التوجّع لي، الفقر ملك ليس عليه محاسبة.(٣) قال بعض الحكماء: ألا ترون ذا الغنى ما أدوم تعبه، و أقلّ راحته،

و أخسّ من ماله حظّه، و أشدّ من الأيّام حذره، و أغرى الدهر بنقصه و ثلمه و قد بعث الغنى عليه من سلطانه العناء، و من أكفائه الحسد،

و من أعدائه البغي، و من ذوي الحقوق الذمّ، و من الولد الملامة و تمنّي

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٥٦.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد: لبقراط.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٩٠.

١٤٩

الفقدان، لا كذي البلغة فقنع فدام له السرور.(١) و قالوا: حسبك من شرف الفقر أنّك لا ترى أحدا يعصي اللّه ليفتقر، أخذه الشاعر فقال:(٢)

يا عائب الفقر ألا تزدجر * عيب الغنى أكبر لو تعتبر

إنّك تعصي اللّه تبغي الغنى * و ليس تعصي اللّه كي تفتقر

١٧٤ غيرة الرّجل إيمان، و غيرة المرأة كفر.(٣) أمّا الأوّل فلأنّ غيرة الرجل يستلزم سخطه لما سخط اللّه من اشتراك رجلين في امرأة و ذلك إيمان بخلاف المرأة فلأنّها تقوم بغيرتها في تحريم ما أحلّ اللّه و هو اشتراك مرأتين فما زاد في رجل واحد و يقابله بالردّ و الإنكار و تحريم ما أحلّ اللّه و سخطه ما رضيه ردّ عليه و هو لا محالة كفر.

و أيضا فإنّ المرأة قد تؤدّي بها الغيرة إلى ما يكون كفرا على الحقيقة كالسحر، فقد ورد في الحديث: أنّه كفر.(٤) ١٧٥ الغنى الأكبر اليأس عمّا في أيدي النّاس.(٥)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٩١.

(٢) نفس المصدر ١٨ ١٩٠.

(٣) في نهج البلاغة، الحكمة ١٢٤ تقديم و تأخير في الفقرتين.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٣١٢.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٣٤٢.

١٥٠

أشار بهذا إلى ذمّ الطمع و مدح الناس و قد أكثر الناس في هذا المعنى نظما و نثرا، و ممّا يروى لعبد اللّه بن المبارك الزاهد:(١)

قد أرحنا و استرحنا * من غدوّ و رواح

و اتّصال بأمير * و وزير ذي سماح

بعفاف و كفاف * و قنوع و صلاح

و جعلنا اليأس مفتا * حا لأبواب النجاح

١٧٦ الغنى و الفقر بعد العرض على اللّه.(٢) أي لا يعدّ الغني غنيّا في الحقيقة، إلاّ من حصل له ثواب الآخرة،

و لا يعدّ الفقير فقيرا إلاّ من لم يحصل له ذلك، فإنّه لا يزال شقيّا معذّبا، و ذاك هو الفقر بالحقيقة.

فأمّا غنى الدّنيا و فقرها عرضيّان، زوالهما سريع، و انقضاؤهما وشيك.

١٧٧ الغيبة جهد العاجز.(٣) أكثر ما تصدر الغيبة عن الأعداء و الحسّاد الذين يعجزون عن بلوغ أغراضهم، و شفاء صدورهم فيعدلون إلى إظهار المعايب لما

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٤٦.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٢.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٤٦١.

١٥١

يجدون فيه من اللّذّة.

و نفّر عنها بنسبة فاعلها إلى العجز، و أنّها غاية جهده ليأنف من ذلك النقصان و لا يرضى به.

قيل للأحنف: من أشرف الناس؟ قال: من إذا حضر هابوه، و إذا غاب اغتابوه.(١)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٩.

١٥٢

حرف الفاء

١٧٨ فاعل الخير خير منه، و فاعل الشّرّ شرّ منه.(١) و ذلك لأنّ الخير و الشرّ ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة، و إنّما هما فعلان، أو عدمان، أو مختلفان، فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة الّتي يصدران عنها، لما انتفع أحد بهما و لا استضرّ، فالنفع و الضرر إنّما حصلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما،

فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشرّ شرّا من الشرّ.

قال ابن أبي الحديد:(٢)

خير البضائع للإنسان مكرمة * تنمي و تزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير و خير منه فاعله * و الشرّ شرّ و شرّ منه صانعه

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٣٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٤٩.

١٥٣

١٧٩ فقد الأحبّة غربة.(١) استعار لفظ الغربة لفقد الأحبّة باعتبار ما يلزمهما من الوحشة و عدم الأنس.

و مثله قوله عليه السلام: الغريب من ليس له حبيب.(٢) قال الشاعر:

إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم * و خلّفت في قرن فأنت غريب

٣ ١٨٠ فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.(٤) قال كمال الدين بن ميثم: غير أهلها هم اللئام و محدثو النعمة و ساقطو الأصول، و إنّما كانت أهون لأنّ فوتها يستلزم غمّا واحدا و أمّا طلبها إلى غير أهلها فإنّها لا تحصل غالبا فيستلزم غمّ فوتها ثمّ ثقل الاستنكاف و الندم [ الذمّ ظ ] من رفعها إليهم ثمّ غمّ ذلّ الحاجة إلى اللئام و له ألم عظيم، كما قال: الموت أحلى من سؤال اللئام. ثمّ غمّ ردّهم لها، و هي غموم أربعة. و كذلك إن قضيت كان فيها غمّ ثقل الاستنكاف، ثمّ ذلّ الحاجة إليهم فكان فوتها أهون على كلّ حال.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٦٥.

(٢) في نهج البلاغة، الكتاب ٣١، ص ٤٠٤: الغريب من لم يكن له حبيب.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٢١٠.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٦٦.

١٥٤

و هذه الكلمة تجذب إلى فضيلتي القناعة و علوّ الهمّة.(١) انتهى.

و من كلامهم: لا تطلبوا الحوائج إلى ثلاثة: إلى عبد يقول: الأمر إلى غيري، و إلى رجل حديث الغنى، و إلى تاجر همّته أن يستربح في كلّ عشرين دينارا حبّة.(٢) ١٨١ الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه، و لم يؤيسهم من روح اللّه، و لم يؤمنهم من مكر اللّه.(٣) قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلاّ و يمزجه بالوعد، مثل أن يقول: « إنّه شديد العقاب » ثمّ يقول: « و إنّه لغفور رحيم »، فالفقيه التامّ في العلم من يعلم فقه وضع الكتاب العزيز و جذب الناس إلى اللّه بوجوه من الترغيب و الترهيب و الوعد و الوعيد و البشارة و النذارة و لم يكتف مثلا على قوله تعالى: يَا عِبَاديَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً(٤) بل على قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.(٥)

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٥ ٢٧٢ ٢٧٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٩٥.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٩٠.

(٤) سورة الزمر (٣٩) ٥٣.

(٥) سورة الأعراف (٧) ٩٩.

١٥٥

١٨٢ الفقر الموت الأكبر.(١) أمّا كونه موتا فلانقطاع الفقير عن مشتهياته و مطلوباته التي هي مادّة الحياة، و تألّمه لفقدها.

و أمّا أنّه أكبر فلتعاقب آلامه على الفقير مدّة حياته.

و أمّا ألم الموت ففي وقت واحد، و هو مبالغة في شدّته.

١٨٣ في تقلّب الأحوال، علم جواهر الرّجال.(٢) أي في تقلّب أحوال الدّنيا على المرء كرفعته بعد اتّضاعه و بالعكس، و كنزول الشدائد به، يعلم جوهره و باطنه من خير و شرّ و جلادة و ضعف.

قال الشاعر:

لا تحمدنّ امرأ حتّى تجرّبه * و لا تذمّنّه إلاّ بتجريب

٣ ١٨٤ في القرآن(٤) نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم.(٥) الأقسام الثلاثة كلّها موجود في القرآن، فنبأ ما قبلهم أخبار

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ١٦٣.

(٢) هكذا ضبطها الشارح (ره)، و في نهج البلاغة، الحكمة ٢١٧ ضبطت هكذا:

علم جواهر الرّجال.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٨.

(٤) في النهج: و في القرآن.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٣١٣.

١٥٦

القرون الماضية، و خبر ما بعدهم ذكر أحوال الموت و القيامة و الوعد و الوعيد و غيرها، و حكم ما بينهم بيان الأحكام الخمسة المتعلّقة بأفعالهم.

١٨٥ الفكر مرآة صافية، و الاعتبار منذر ناصح، و كفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته لغيرك.(١) و في المثل: كفى بالاعتبار منذرا، و كفى بالشيب زاجرا، و كفى بالموت واعظا.(٢) و قال بعض الحكماء: إذا أحببت أخلاق امرى‏ء فكنه، و إن أبغضتها فلا تكنه. أخذه شاعر فقال:

إذا أعجبتك خصال امرى‏ء * فكنه يكن منك ما يعجبك

فليس على المجد و المكرمات * إذا جئتها حاجب يحجبك

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٣٦٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٨٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٨٣.

١٥٧

١٥٨

حرف القاف

١٨٦ قرنت الهيبة بالخيبة، و الحياء بالحرمان، و الفرصة تمرّ مرّ السّحاب، فانتهزوا فرص الخير.(١) كانت العرب إذا أوفدت وافدا قالت له: إيّاك و الهيبة، فإنّها خيبة،

و لا تبت عند ذنب الأمر و بت عند رأسه.(٢) ١٨٧ قدر الرّجل على قدر همّته، و صدقه على قدر مروءته،

و شجاعته على قدر أنفته، و عفّته على قدر غيرته.(٣) اعلم أنّ كبر الهمّة خلق مختصّ بالإنسان فقط، و أمّا سائر الحيوانات فليس يوجد فيها ذلك، و إنّما يتجرّ أكلّ نوع منها الفعل بقدر

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٣١.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٤٧.

١٥٩

ما في طبعه.

و علوّ الهمّة حال متوسّطة بين التفتّح و هو تأهّل الإنسان لما لا يستحقّه و بين دناءة الهمّة و هو صغر الهمّة أي تركه لما يستحقّه لضعف في نفسه. ثمّ اعلم أنّ كبير الهمّة من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة،

و لا يقنع لنفسه أن يكون عند رعاية بطنه و فرجه، بل يجتهد في معرفة صانع العالم و مصنوعاته، و في اكتساب المكارم الشرعيّة ليكون من أولياء اللّه في الدنيا و مجاوريه في الآخرة.

١٨٨ قلوب الرّجال و خشيّة، فمن تألّفها أقبلت عليه.(١) جعل عليه السلام أصل طبيعة القلوب التوحّش، و إنّما تستمال لأمر من خارج و هو التألّف و الإحسان.

و في معنى كلامه قولهم: من لان استمال، و من قسا نفّر، و ما استعبد الحرّ بمثل الإحسان إليه.(٢) ١٨٩ القناعة مال لا ينفد.(٣) قال رجل لسقراط(٤) الحكيم ورآه يأكل العشب: لو خدمت الملك لم تحتج إلى أن تأكل الحشيش، و قال له الحكيم: و أنت لو أكلت

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٥٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٨٠.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٥٧.

(٤) في شرح ابن أبي الحديد: لبقراط.

١٦٠