شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة0%

شرح حكم نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 313

  • البداية
  • السابق
  • 313 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64090 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

حرف الباء

٩٣ بقيّة السّيف أنمى عددا، و أكثر ولدا.(١) قال ابن ميثم: لا أرى ذلك إلاّ للعناية الإلهيّة ببقاء النوع و حفظه و إقامته.(٢) و قال ابن أبي الحديد في شرحه: قال شيخنا أبو عثمان: ليته لمّا ذكر الحكم ذكر العلّة ثمّ قال: قد وجدنا مصداق قوله في أولاده و أولاد الزبير و بني المهلّب و أمثالهم ممّن أسرع القتل فيهم.

و أتي زياد بامرأة من الخوارج فقال: أما و اللّه لأحصدنّكم حصدا، و لأفنينّكم عدّا، فقالت: كلاّ، إنّ القتل ليزر عنا، فلمّا همّ بقتلها

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٨٤.

(٢) شرح ابن ميثم ٥ ٢٨٣.

٨١

تستّرت بثوبها، فقال: اهتكوا سترها لحاها اللّه(١) فقالت: إنّ اللّه لا يهتك ستر أوليائه، و لكن الّتي هتك(٢) سترها على يد ابنها سميّة، فقال:

عجّلوا قتلها أبعدها اللّه فقتلت.(٣) ٩٤ بئس الزّاد إلى المعاد، العدوان إلى(٤) العباد.(٥) لأنّ الظلم رذيلة عظيمة مستلزمة للشقاء الأشقى في يوم الطامة(٦) الكبرى.

و في الحديث: الظلم ظلمات يوم القيامة.

٩٥ بكثرة الصّمت تكون الهيبة، و بالنّصفة يكثر الواصلون،(٧) و بالافضال تعظم الأقدار، و بالتّواضع تتمّ النّعمة، و باحتمال المؤن يجب السّؤدد، و بالسّيرة العادلة يقهر المناوى، و بالحلم عن السّفيه تكثر

____________________

(١) قال في الصحاح ٦ ٢٤٨١ مادّة لحي: و قولهم: لحاه اللّه، أي قبّحه و لعنه.

(٢) إشارة إلى ما وقع في زمان معاوية بن أبي سفيان من إلحاق زياد بأبيه بشهادة أبي مريم السّلوليّ في محضر زياد بزناء أبي سفيان بسميّة. منه (ره).

انظر تفصيل ذلك في شرح ابن أبي الحديد ١٦ ١٨٧ نقلا عن المدائنيّ.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٢٣٥.

(٤) في النهج: على.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٢٢١.

(٦) الكافي ٢: ٣٣٢.

(٧) في النهج: المواصلون.

٨٢

الأنصار عليه.(١) قال يحيى بن خالد: ما رأيت أحدا قطّ صامتا إلاّ هبته حتّى يتكلّم، فإمّا أن تزداد تلك الهيبة أو تنقص.(٢) و لا ريب أنّ الإنصاف سبب انعطاف القلوب إلى المصنف، و أنّ الإفضال و الجود يقتضي عظم القدر، لأنّه إنعام، و المنعم مشكور،

و هكذا إلى آخره، فإنّ الاستقراء و اختبار العادات تشهد بجميع ذلك.

قوله: « و بالسيرة العادلة يقهر المناوئ »، المناواة: المعاداة، و ذلك لأنّ العدوّ لا يجد لصاحب السيرة العادلة عيبا يستظهر به عليه،

و يسعى به في فساد أمره فيبقى مقهورا مأمورا.

٩٦ بينكم و بين الموعظة حجاب من الغرّة.(٣) اعلم أنّ الدنيا بشهواتها و لذّاتها حجاب بين العبد و بين الموعظة،

لأنّ الإنسان يغترّ بالعاجلة، و يتوهّم دوام ما هو فيه، و إذا خطر بباله الموت وعد نفسه رحمة اللّه و عفوه، هذا إذا كان ممّن يعترف بالمعاد،

و إلاّ فإنّ كثيرا ممّن يظهر القول بالمعاد فهو في الحقيقة غير مستيقن له.

و بالجملة، الإخلاد إلى عفو اللّه و الاتّكال على المغفرة مع الإقامة

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢٢٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٤٨.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٢٨٢.

٨٣

على المعصية، غرور لا محالة، و الحازم من عمل لما بعد الموت، و لم يمنّ نفسه الأمانيّ الباطلة.

٩٧ البخل جامع لمساوئ العيوب، و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء.(١) البخل رذيلة التفريط من فضيلة السخاء، و هي مستلزمة للجهل و الفجور و حبّ الدّنيا و الجبن و الظلم و الحرص و الحسد و الشرّ و دناءة الهمّة و الكذب و الغدر و الخيانة و قطع الرحم و عدم المواساة.

و بالجملة، أكثر الرذائل من توابع البخل و لواحقه، و إنّه زمام إلى كلّ منها.

و في الحديث النبويّ صلّى اللّه عليه و آله: « ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، و هوى متّبع، و إعجاب المرء بنفسه ».(٢)

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٣٧٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣١٦.

٨٤

حرف التاء

٩٨ تذلّ الأمور للمقادير، حتّى يكون الحتف في التّدبير.(١) قال ابن أبي الحديد: إذا تأملت أحوال العالم وجدت صدق هذه الكلمة ظاهرا، و لو شئنا أن نذكر الكثير من ذلك لذكرنا ما يحتاج في تقييده بالكتابة مثل حجم كتابنا هذا.(٢) أي كتاب شرحه على النهج.

ثمّ ذكر قليلا منه، طوينا عن ذكره كشحا.

٩٩ توقّوا البرد في أوّله، و تلقّوه في آخره، فإنّه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوّله يحرق، و آخره يورق.(٣) هذه مسألة طبيعيّة قد ذكرها الحكماء، قالوا: لمّا كان تأثير

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ١٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٢٠.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ١٢٨.

٨٥

الخريف في الأبدان، و توليده الأمراض كالزكام و السعال و غيرهما أكثر من تأثير الربيع، مع أنّهما جميعا فصلا اعتدال، و أجابوا بأنّ برد الخريف يفجأ الإنسان و هو معتاد للحرّ بالصيف فينكأ فيه، و يسدّ مسامّ دماغه، لأنّ البرد يكثف و يسدّ المسامّ فيكون كمن دخل من موضع شديد الحرارة إلى خيش(١) بارد.

فأمّا المنتقل من الشتاء إلى فصل الربيع فإنّه لا يكاد برد الربيع يؤذيه ذلك الأذى، لأنّه قد اعتاد جسمه برد الشتاء، فلا يصادف من برد الربيع إلاّ ما قد اعتاد ما هو أكثر منه، فلا يظهر لبرد الربيع تأثير في مزاجه، على أنّ الصيف و الخريف يشتركان في اليبس فإذا ورد البرد حينئذ ورد على أبدان استعدّت بحرارة الصيف و يبسه للتخلخل و تفتّح المسامّ و الجفاف، فاشتدّ انفعال البدن عنه، و أسرع تأثيره في قهر الحرارة الغريزيّة، فيقوى بذلك في البدن قوّتا البرد و اليبس اللّتان هما طبيعة الموت، فيكون بذلك يبس الأشجار و احتراق أوراقها،

و ضمور الأبدان و ضعفها.

فأمّا لم أورقت الأشجار و أزهرت في الربيع دون الخريف؟ فلما في الربيع من الكيفيّتين اللّتين هما منبع النموّ و النفس النباتيّة، و هما الحرارة

____________________

(١) الخيش: قيل: هو بيت يتّخذ من أغصان الخلاف بورقها، و يرشّ عليه الماء ليضربه الهواء فيبرد، يتّخذ للجلوس فيه بالصيف. كذا قيل. منه (ره)

٨٦

و الرطوبة، و الخريف خال من هاتين الكيفيّتين و مستبدل بهما ضدّهما،

و هما البرودة و اليبس المنافيان للنشوء و حياة الحيوان و النبات.(١) ١٠٠ تنزل المعونة على قدر المؤونة.(٢) المؤونة: التعب و الشدّة، و المراد أنّ الشدّة و الثقل بالعيال و نحوهم معدّ لاستنزال معونة اللّه برزقه و قوّته على القيام بأحوالهم و دفع المؤونة من جهتهم.

و قد مرّ قريبا من هذا في قوله عليه السلام: « استنزلوا الرزق بالصدقة ».(٣) ١٠١ ترك الذّنب أهون من طلب التّوبة.(٤) إذ الترك لا كلفة فيه لكونه عدما، بخلاف التوبة، فإنّه إذا واقع الإنسان الذنب، ثمّ طلب التوبة، فقد لا يخلص داعيه إليها، ثمّ لو خلص فكيف له بحصولها على شروطها، و لا ريب أنّ ترك الذنب من الابتداء أسهل من طلب توبة هذه صفتها.

____________________

(١) نقل المؤلّف الشارح (ره) أقوال الحكماء من شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٣١٩ و شرح ابن ميثم ٥ ٣١١.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ١٣٩.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ١٣٧.

(٤) في نهج البلاغة، الحكمة ١٧٠: طلب المعونة.

٨٧

١٠٢ تكلّموا تعرفوا، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه.(١) قال ابن أبي الحديد: هذه إحدى كلماته عليه السلام الّتي لا قيمة لها، و لا يقدر قدرها ٢، و المعنى قد تداوله الناس قال:

و كائن ترى من صامت لك معجب

زيادته أو نقصه في التكلّم

٣

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده

فلم يبق إلاّ صورة اللّحم و الدّم

٤ ١٠٣ التّقى رئيس الأخلاق.(٥) التّقى هو الورع و الخوف من اللّه، و إذا حصل حصلت الطاعات كلّها، و انتفت القبائح كلّها، و تلك طبقة عالية أشرف من جميع الطبقات الّتي يمدح بها الإنسان.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٣٩٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٤٠.

(٣) أي: و كم صامت يعجبك صمته فتستحسنه و إنّما تظهر زيادته و نقصانه عن غيره عند التكلّم.

(٤) البيتان لزهير بن أبي سلمى، من معلّقته بشرح الزوزني، ص ٨٠.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٤١٠.

٨٨

حرف الثاء

١٠٤ ثمرة التّفريط النّدامة، و ثمرة الحزم السّلامة.(١) التفريط: إضاعة الحزم في الأمور، و أصل الحزم قوّة العقل، و كثرة التجربة، فإنّ العاقل خائف أبدا، و الأحمق لا يخاف، و من خاف أمرا توقّاه، فهذا هو الحزم.

١٠٥ الثّناء بأكثر من الاستحقاق ملق، و التّقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد.(٢) الملق هو اللطف الشديد بالقول، و الإفراط في المدح، و أمّا إذا قصّر به عن استحقاقه كان المانع إمّا من جانب المثني فقطّ من

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ١٨١.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٣٤٧.

٨٩

غير تعلّق له بالمثنى عليه، أو مع تعلّق به، فالأوّل هو العيّ و الحصر،

و الثاني هو الحسد و المنافسة.

٩٠

حرف الجيم

١٠٦ الجود حارس الأعراض، و الحلم فدام السّفيه، و العفو زكاة الظّفر، و السّلوّ عوضك ممّن غدر، و الاستشارة عين الهداية. و قد خاطر من استغنى برأيه، و الصّبر يناضل الحدثان، و الجزع من أعوان الزّمان.

و أشرف الغنى ترك المنى. و كم من أسير عند(١) هوى أمير و من التّوفيق حفظ التّجربة، و المودّة قرابة مستفادة، و لا تأمننّ مملولا [ ملولا خ ل ].(٢) مثل قوله عليه السلام: « الجود حارس الأعراض » قولهم: كلّ عيب فالكرم يغطّيه.(٣) و الفدام: خرقة تجعل على فم الإبريق، فشبّه الحلم بها، فإنّه يردّ

____________________

(١) في النهج: تحت.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٢١١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣١.

٩١

السفيه عن السفه كما يردّ الفدام الخمر عن خروج القذى منها إلى الكأس.(١) و المناضلة: المراماة.(٢) قوله: « و الجزع من أعوان الزمان »، يعني أنّ الإنسان إذا جزع عند المصيبة فقد أعان الزمان على نفسه، و أضاف إلى نفسه مصيبة أخرى.

و قد سبق القول في ترك المنى.

و حفظ التجربة: لزومها و مداومتها لغاية الانتفاع بها.

« و لا تأمننّ ملولا » لأنّ الملول يصرفه ملاله عن الثبات على الصداقة و العهد و كتمان السرّ و نحوها.

١٠٧ جاهلكم مزداد، عالمكم(٣) مسوّف.(٤) أي مزداد من الإثم، مسوّف بالتوبة

____________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) لسان العرب ١٤ ١٨١ نضل.

(٣) في النهج: و عالمكم.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٢٨٣.

٩٢

حرف الحاء

١٠٨ الحذر الحذر فو اللّه لقد ستر، حتّى كأنّه قد غفر.(١) حذّر من سخط اللّه بسبب معصيته لطول إمهاله و ستره إلى الغاية المذكورة، فيجب أن يحذر غضبه، و يجتنب معصيته، و يرجع إلى طاعته الّتي هي الغاية من عنايته بستره.

١٠٩ حسد الصّديق من سقم المودّة.(٢) إذا حسدك صديقك على نعمة أعطيتها لم تكن صداقته صحيحة،

فإنّ الصديق حقّا من يجري مجرى نفسك، و الإنسان لم يحسد نفسه.

١١٠ الحجر الغصب(٣) في الدّار رهن على خرابها.(٤)

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٣٠.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٢١٨.

(٣) في النهج: الغصيب.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٢٤٠.

٩٣

قال الرضيّ (ره): و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لا عجب أن يشتبه الكلامان، فإنّ مستقاهما من قليب،

و مفرغهما من ذنوب.

الذنوب بالفتح: الدلو الملأى، و لا يقال لها و هي فارغة.

و معنى الكلمة أنّ الدار المبنيّة بالحجارة المغصوبة و لو بحجر واحد، لا بدّ أن يتعجّل خرابها، و كأنّما ذلك الحجر رهن على حصول التخرّب، أي كما أنّ الرهن لا بدّ أن يفتكّ، كذلك لا بدّ لما جعل ذلك الحجر رهنا عليه أن يحصل.

و قال ابن بسّام لأبي عليّ بن مقلة لمّا بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعيّة:

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنّما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور الناس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيّام

و كان ما تفرّسه ابن بسّام فيه حقّا، فإنّ داره نقضت حتّى سوّيت

____________________

(١) نهج البلاغة، ص ٥١١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٧٢.

٩٤

بالأرض في أيّام الراضي باللّه.(١) ١١١ الحدّة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم.(٢) كأن يقال: لا يصحّ لحديد رأي، لأنّ الحدّة تصدي‏ء العقل كما يصدئ الخلّ المرآة فلا يرى صاحبه فيه صورة حسن فيفعله، و لا صورة قبيح فيجتنبه.(٣) و كان يقال أيضا: أوّل الحدّة جنون، و آخرها ندم.(٤) ١١٢ الحلم عشيرة.(٥) لأنّه يحمي صاحبه ممّن ينافره و يعاديه كما يحميه عشيرته.

قالوا: من غرس شجرة الحلم، اجتنى ثمرة السلم.(٦) و قالوا أيضا: الحلم جنود مجنّدة لا أرزاق لها.(٧) قال الشاعر:

و للكفّ عن شتم اللئيم تكرّما

أضرّ له من شتمه حين يشتم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٧٩ ٧٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٢٥٥.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٩٦.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٩٦.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٤١٨.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٦١.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٦١.

(٨) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٦١.

٩٥

١١٣ الحلم غطاء ساتر، و العقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، و قاتل هواك بعقلك.(١) لمّا جعل اللّه الحلم غطاء، و العقل حساما، أمره أن يستر خلل خلقه بذلك الغطاء، و أن يقاتل هواه بذلك الحسام، و كون الحلم غطاء باعتبار انّه يستر سورة الغضب و قبيح ما يصدر عنه من الأفعال.

١١٤ الحلم و الأناة توأمان، ينتجهما علوّ الهمّة.(٢) و ذلك لأنّ عالي الهمّة يستحقر كلّ ذنب و مذنب في حقّه، فيحلم عنه و يتأنّى عن المبادرة إلى مقابلته.

قالوا: علّمنا اللّه تعالى فضيلة الأناة بما حكاه عن سليمان،

سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.(٣) ٤ و كان يقال: الأناة حصن السلامة، و العجلة مفتاح الندامة.(٥) و قيل أيضا: التأنّي مع الخيبة خير من التهوّر مع النجاح.(٦)

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٢٤.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٦٠.

(٣) سورة النمل (٢٧) ٢٧.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٧.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٧.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٧.

٩٦

حرف الخاء

١١٥ خالطوا النّاس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم، و إن عشتم حنّوا إليكم.(١) حنّوا بالحاء المهملة من الحنين، و هو الشوق و توقان النفس،

من حنّ إليه يحنّ بالكسر حنينا.(٢) و قال ابن أبي الحديد: و قد روي « خنّوا » بالخاء المعجمة، من الخنين، و هو صوت يخرج من الأنف عند البكاء. و إلى تتعلّق بمحذوف،

أي حنّوا شوقا إليكم.(٣) و فيه كما ترى.

و بالجملة، هذا الكلام في الأمر بإحسان العشرة مع الناس، و قد

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ١٠.

(٢) الصحاح ٥ ٢١٠٤ حنن.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٠٧.

٩٧

ورد في هذا الباب كثير واسع.

قال محمّد بن الحنفيّة: قد يدفع باحتمال المكروه ما هو أعظم منه.(١) و روي: حسن السؤال نصف العلم، و مداراة الناس نصف العقل،

و القصد في المعيشة نصف المؤونة.(٢) و في معنى كلامه عليه السلام قول السعديّ بالفارسيّة:(٣)

چنان زى كه ذكرت به تحسين كنند

چو مردى نه بر گور نفرين كنند

١١٦ خذ الحكمة أنّى كانت، فإنّ الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتّى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن.(٤) قال الرضيّ رضى اللّه عنه: و قال عليه السلام في مثل ذلك:

١١٧ الحكمة ضالّة المؤمن، فخذ الحكمة و لو من أهل النّفاق.(٥) أمر عليه السلام بأخذ الحكمة و تعلّمها أين وجدت، و لو من المنافقين،

و رغّب من عساه يستنكف من أخذها من بعض المواضع أن يأخذها من كلّ موضع وجدها.

و كنّى بتلجلجها أو اختلاجها على الروايتين عن اضطرابها،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٠٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٠٨.

(٣) كليّات سعدي، ص ٢٦٠.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٧٩.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٨٠.

٩٨

و عدم ثباتها في صدر المنافق إلى أن تخرج إلى مظنّها و هي صدر المؤمن، فتسكن إلى صواحبها من الحكم فيه.

و استعار لفظ الضالّة للحكمة، بالنسبة إلى المؤمن باعتبار أنّها مطلوبه الّذي يبحث عنها و ينشدها كما ينشد الضالّة صاحبها.

و حكي أنّه خطب الحجّاج فقال: إنّ اللّه أمرنا بطلب الآخرة،

و كفانا مؤونة الدّنيا، فليتنا كفينا مؤونة الآخرة، و أمرنا بطلب الدّنيا فسمعها الحسن ١، فقال: هذه ضالّة المؤمن خرجت من قلب المنافق.(٢) ١١٨ الخلاف يهدم الرّأي.(٣) أصله: أنّ رأي الجماعة يجتمع على أمر تكون المصلحة فيه، فيقع من بعضهم خلاف فيه، فيهدم ما اجتمعوا عليه و رأوه من المصلحة.

كما رأى هو عليه السلام و جماعة من أصحابه عند رفع أهل الشام المصاحف صبيحة ليلة الهرير من إتمام القتال، و هو المصلحة، فهدم ذلك الرأي من خالف فيه من أصحابه حتّى وقع بذلك ما وقع.(٤) ١١٩ خيار خصال النّساء شرار خصال الرّجال: الزّهو، و الجبن،

____________________

(١) أي البصريّ. منه (ره)

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٢٢٩.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٢١٥.

(٤) شرح ابن ميثم ٥ ٣٥٢.

٩٩

و البخل، فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها، و إذا كانت بخيلة حفظت مالها و مال بعلها، و إذا كانت جبانة فرقت من كلّ شي‏ء يعرض لها.(١) الأخلاق الثلاثة المذكورة رذائل للرجال و هي فضائل للنساء،

و بيان ذلك ما ذكره عليه السلام.

و المزهوّة: المتكبّرة، تقول: زهي الرجل علينا، فهو مزهوّ، إذا افتخر. و فرقت: خافت.(٢) ١٢٠ خذ من الدّنيا ما أتاك، و تولّ عمّا تولّى عنك، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطّلب.(٣) الإجمال في طلب الدّنيا طلبها برفق من الوجه الذي ينبغي، و على الوجه الّذي ينبغي، و هي من الألفاظ النبويّة، قال صلّى اللّه عليه و آله: « إنّ روح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، [ ألا ظ ] فأجملوا في الطلب.(٤)

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢٣٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٦٥.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٣٩٣.

(٤) الكافي ٢ ٧٤.

قال في النهاية ٥ ٨٨ مادّة نفث: نفث في روعي: أي أوحى و ألقى، من النفث

١٠٠