الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85509
تحميل: 6000

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85509 / تحميل: 6000
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

أطيط الرحل بالراكب إنّما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.(١) ووصفه سبحانه بهذا النحو لاَجل افهام الاَعرابي بأنّه من له هذه العظمة لا يكون شفيعاً، لدى الغير.

هذا هو مفاد الحديث وهو كما ترى نص في التجسيم وذلك:

أوّلاً: أثبت للّه مكاناً، وهو العرش وأخلى العالم كلّه من وجوده المحيط القيوم.

ثانياً: أثبت انّ اللّه مماس للعرش مماسّة الراكب بالرحل.

ثالثاً: أثبت له الثقل الذي هو من خصائص المادة، وانّ العرش يئنّ من حمله، كما يئنّ الرحل من ثقل الراكب.

هذا هو التجسيم الواضح الذي عليه اليهود و الوثنيون تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

وقد انقسم المحدثون وغيرهم في تفسير هذه الرواية ونظائرها التي يعبّر عنها في علم الكلام بالصفات الخبريّة إلى طوائف.

الاُولى: المشبهة:وهم الذين يجرون هذه الصفات على اللّه سبحانه بنفس المعاني المرتكزة في أذهان الناس دون أيّ تصرف، ولذلك قالوا: إنّ للّه يدين ورجلين وعينين مثل الاِنسان.

ويعرفهم الشهرستاني في ملله و نحله بقوله:

أمّا ما ورد في التنزيل من الاستواء، والوجه واليدين والجنب، والمجيء والاِتيان والفوقية وغير ذلك فأجروها على ظاهرها، أعني ما يفهم عند إطلاق هذه الاَلفاظ على الاَجسام، وكذلك ما ورد في الاَخبار من الصورة وغيرها في

____________________

١ عون المعبود في شرح سنن أبي داود: ١٣/١٤.

٣٨١

قوله عليه الصلاة والسلام: «خلق آدم على صورة الرّحمن» و قوله: «حتى يضع الجبار قدمه في النار» و قوله: «قلبُ الموَمن بين أصبعين من أصابع الرّحمن» وقوله: «خَمَّر طينةَ آدم بيده أربعين صباحاً» وقوله: «وضع يده أو كفّه على كتفي» وقوله:«حتى وجدتُ بردَ أنامله على كتفي» إلى غير ذلك، أجروها على ما يتعارف في صفات الاَجسام، وزادوا في الاَخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأكثرها مقتبسة من اليهود، فانّ التشبيه فيهم طباع، حتى قالوا: اشتكت عيناه (اللّه) فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، و انّ العرش ليئط من تحته كاطيط الرحل الجديد، و انّه ليفضل من كلّ جانب، أربع أصابع، وروى المشبهة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لقيني ربّي فصافحني وكافحني ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله».(١)

ولا أظن لمسلم أن يعتنق التشبيه والتجسيم فانّه كفر وضّاح مخالف للذكر الحكيم، لاَنّه سبحانه ليس كمثله شيء.

الثانية: المفوضة: وهم طائفة من الاَشاعرة اختاروا مسلك التفويض، وحاصله: الاِيمان بكلّ ما جاء من القرآن والسنة من الصفات التي وصف اللّه سبحانه نفسه بها إجمالاً، وتفويض ما يراد منها إليه، وربّما يظهر ذلك من الرازي، حيث يقول: إنّ هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها غير ظاهري، كما يجب تفويض معناها إلى اللّه ولا يجوز الخوض في تفسيرها.(٢)

يلاحظ عليه: انّ معنى التفويض تعطيل العقول عن التفكير في المعارف والاَصول، فكأنّ القرآن الغاز نزلت على قلب النبيوليس كتاب هداية وتعليم وإرشاد، قال تعالى:( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلٍّ شَيءٍ ) (النحل / ٨٩) فإذا كان

____________________

١ الملل والنحل:١/١٠٥- ١٠٦.

٢ أساس التقديم، ص ٢٢٣ كما في علاقة الاثبات، ص ١٠٢.

٣٨٢

تبياناً لكلّشيء، فلماذا لا يكون تبياناً لنفسه أيضاً ؟

وكيف يكون الواجب، الاعتقاد من دون فهم معناه؟ وما فائدة ذلك الاعتقاد إذا لم يعلم واقع المعتَقَد ومفهومه؟

ومذهب التفويض يلازم ترك البحث في قسم من الآيات الواردة في القرآن الكريم فكأنّها وردت للقراءة والتلاوة لا للفهم والدراية ولا للتدبّر والتفكر.

قال سبحانه:( أَفَلا يَتَدبَّرُونَ القرآنَ أَمْ عَلى قُلوبٍ أَقْفالُها ) (محمد/٢٤).

الثالثة: المثبتة للصفات بلا تكيف: انّ هذه الطائفة تجري الصفات الخبرية على اللّه سبحانه بالمعنى المتبادر منها، لكن مع التنزيه عن التشبيه والتجنب عن التكييف.

قال الاِمام الاَشعري في الاِبانة: «وانّ اللّه استوى على عرشه»، كما قال:( الرّحمنُ على العرشِ استوى ) (١) انّ له وجهاً بلا كيف، كما قال:( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والاِكْرام ) (٢) وانّ له يدين بلا كيف، كما قال:( خَلقْتُ بِيَدَيّ ) (٣) وكما قال:( بَلْيَداهُ مَبْسُوطَتان ) (٤) وانّ له عيناً بلا كيف، كما قال:( تَجرِي بِأَعْيُنِنا ) (٥) .(٦)

يلاحظ عليه: أنّ هذا المذهب جَمع بين الضدين أو النقيضين، فمن جانب يحاول أن يجري الصفات بالمعنى المتبادر منها في العرف، ومن جانب آخر ينفي الكيفية، ومن المعلوم انّ الجمع بينهما جمع بين الوجود والعدم، و ذلك لاَنّ واقع اليد بالمعنى العرفي و هكذا العين بالمعنى اللغوي، يتقوّم بالكيفية فنفيها في مورده سبحانه نفي لهذه الصفات بمعانيها العرفية، فكيف يُثبتها بمالها من المعاني العرفية مع نفي الكيفية، لاَنّاليد مثلاً حقيقة في اليد بما لها من

____________________

١ طه: ٥.

٢ الرحمن: ٢٧.

٣ ص: ٧٥.

٤ المائدة: ٦٤.

٥ القمر: ١٤.

٣٨٣

الكيفية فنفي الكيفية في الحقيقة نفي للاَمر المقوّم بمالها من المفهوم العرفي.

وبعبارة أُخرى انّإجراء هذه الصفات على اللّه سبحانه بنفس معانيها العرفية لا ينفك عن إثبات الكيفية والسمات البشرية لها، لاَنّ المفروض انّها وضعت لمعان بكيفيات خاصة، فإثبات العين بالمعنى العرفي، و نفي الكيفية إثبات للشيء حين نفيه، و بذلك يظهر انّ عقيدة الاَشعري أعني الاِثبات بلا كيف يلازم التعقيد و الاِبهام في العقيدة.

ولو صحّ إثبات هذه المعاني على اللّه بقيد نفي الكيف، فليصح أن يقال: إنّ اللّه جسم لا كالاَجسام، عرض لا كسائر الاَعراض.

وبطلانه من الوضوح بمكان.

الرابعة: الموَوّلة

المراد من الموَولة من يحملون هذه الصفات على المعاني الكنائية، مثلاً يفسرون اليد بالنعمة، والقدرة، والاستواء على العرش بالاستيلاء، وإظهار القدرة، وهوَلاء هم المعتزلة، وربّما يوجد بين المحدثين من يعتقد بذلك.

قال الخطابي في تفسير الحديث الذي نحن بصدده:

هذا الكلام إذا أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن اللّه تعالى وعن صفاته منفية، فعُقِل ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنّما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة اللّه وجلاله جلّ جلاله، وإنّما قصد به افهام السائل بقدر فهمه إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني ما دق من الكلام و ما لطف منه عن إدراك الافهام.(١)

____________________

١ عون المعبود: ١٣/١٥.

٣٨٤

أقول: إذا أريد من التأويل: هو صرف ظاهر القرآن والسنة عن معناه الجُمْلي والمضمون التصديقي لاَجل كونه مخالفاً للعقل، فهو أمر غير صحيح وذلك لاَنّ الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة منزّهان عمّا يخالف صريح العقل ولا أظن انّ مسلماً واعياً يتفوه بذلك.فالتأويل بغية رفع التعارض بين العقل و النقل، أمر مرفوض لامتناع وجود التعارض بين النقل القطعي والعقل الصريح حتى نعالجه بالتأويل، فأحد الاَمرين باطل، امّا النقل، وامّا العقل.

وأمّا إذا أريد من التأويل: هو صرف الكلام عن معناه التصوري والمضمون الابتدائي والتأكّد من معناه التصديقي والجُمْلي، فهذا أمر معقول جدّاً عملاً بما دعا إليه القرآن الكريم بالتدبّر في آياته وليس هذا تأويلاً في الحقيقة.

وعليه فتفسير آية الاستواء واليد والعين بما ذكر في الكلام السابق إنّما هو تأويل بالنسبة إلى الظهور الابتدائي الاِفرادي لكلّ من العين و اليد و الاستواء، بأفرادها.

وأمّا بالنسبة إلى الظهور التصديقي والمضمون الجملي لهذه الآيات فليس تأويلاً، وإنّما هو حمل على المعنى العرفي لا على خلافه.

مثلاً قولنا: زيد كثير الرماد، له ظهور تصوري وهو انّ لزيد رماداً كثيراً وظهور تصديقي وهو انّه جواد، فلو صحّ التأويل فإنّما هو بالنسبة إلى المعنى الاِفرادي لكلّ من لفظي الرماد و الكثير وأمّا بالنسبة إلى المعنى الجملي فليس تأويلاً بل من قبيل حمل اللفظ على ظاهره.

وهذا هو الحقّ القراح في تفسير الصفات الخبرية الواردة في القرآن الكريم، وانّه يجب على المفسر التفتيش عن الظهور الابتدائي أو الاِفرادي، ثمّ الظهور النهائي و الجُمْلي، بالامعان في القرائن الموجودة في نفس الآيات امّا قبلها أو بعدها، فتفسيرها اعتماداً عليها، ليس تأويلاً، ولو أطلق عليه فإنّما هو

٣٨٥

باعتبار ظهوره البدائي لا النهائي. نعم ما ذكرنا إنّما يتمشّى في آيات الذكر الحكيم لا في مثل الرواية فانّه نصّ في التجسيم غير قابل للتأويل المقبول عند العقلاء، وإنّما يصلح الكلام له إذا كان المعنى الثاني ملازماً للمعنى الاَوّل في نظر العرف كالجود في كثير الرماد، والمراقبة في العين، والتدبير في الاستواء على العرش، لا في مثل الرواية فهي ساقطة من رأس.

والعجب انّ القوم طرقوا في تفسير الرواية كلّ باب ولم يطرقوا باب القرآن والعقل.

وهذا هو مصنّف عون المعبود قد بسط الكلام في نقل الحديث واسناده وما ذكره المحدثون حول سنده فانتهى إلى تسويد عشرين صفحة في هذا المورد وغفل عن أنّ مفتاح حلّ تلك المعضلة بيد القرآن والعقل، لا في الرجوع إلى كلمات المحدثين ولا المناقشة في الاسناد.

ثمّ إنّ البيهقي - من الاَشاعرة التي تميل إلى التنزيه - ناقش في سند الحديث، وقال: هذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار ،عن يعقوب بن عتبة. وصاحبا الصحيح لم يحتجا به، وإنّما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة اظنهنّ خمسة قد رواهنّ غيره إلى آخر ما ذكر.(١)

٢. نزول اللّه في كلّليلة إلى السماء الدنيا

أخرج أحمد في مسنده، عن نافع بن جبير، عن أبيه، عن النبيقال: ينزل اللّه عزّ وجلّ في كلّليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ حتى يطلع الفجر.(٢)

____________________

١ عون المعبود: ١٣/٩، ولاحظ الاَسماء و الصفات للبيهقي.

٢ مسند أحمد:٤/٨١.

٣٨٦

ويكفي في كون الحديث مندسّاً في الاَحاديث الاِسلامية انّه يثبت النقلة والحركة للّه تبارك و تعالى أوّلاً، كما يثبت له مكاناً ثابتاً مستقراً فيه ثانياً، ونداءً ثالثاً.

و من الواضح انّ كلّ ذلك من صفات الممكن لا الواجب، فليس له سبحانه مكان خاص حتى ينتقل منه إلى السماء الدنيا وليس له صوت و نداء، ومع غض النظر عن ذلك، فما هي فائدة هذا النزول إلى السماء الدنيا ؟ إذ في وسعه أن يغفر لكلّ المستغفرين من دون أن يتحمل أعباء الحركة. وما فائدة هذا النداء الذي لا يسمعه أحد من العباد؟

كلّذلك يجعل الحديث في عداد الموضوعات التي تسرّبت إلى الاَحاديث الاِسلامية.

نعم ربّما يوَول الحديث بأنّه كناية عن نزول رحمته في الليل إلى طلوع الفجر، ولكنه تأويل باطل لا يصار إليه بلا قرينة، فإنّ الكناية بلفظ عن معنى إنّما يصحّ إذا كانت بين المعنيين ملازمة عرفية، بحيث ينتقل العرف من المعنى الاَوّل إلى المعنى الثاني كقولنا: زيد طويل النجاد، الملازم لكونه شجاعاً، لا ما إذا لم يكن كذلك، فلا يكنّى بالنزول إلى السماء الدنيا، عن نزول رحمته ولم يلتزم القائل بهذا المعنى إلاّ لرفع التعارض بين النقل و العقل.

وللاِمام الطاهر موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام كلام حول هذه الرواية: روى يعقوب بن جعفر الجعفري عنهعليه‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون انّ اللّه تبارك و تعالى ينزل إلى السماء الدّنيا، فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنّما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد،ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول، لا إله إلاّهو العزيز الحكيم، أمّا قول الواصفين: إنّه تبارك وتعالى ينزل فإنّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكلُّ متحرك محتاج إلى من يحركه أو

٣٨٧

يتحرك به، فظن باللّه الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حدٍّ تحدّوه بنقص أو زيادة أو تحرّك أو زوال أو نهوض أو قعود، فانّ اللّه جلّ عن صفة الواصفين و نعت الناعتين وتوهم المتوهمين، وتوكّل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.(١)

____________________

١ الصدوق، التوحيد،١٨٣، باب نفي المكان برقم ١٨.

٣٨٨

٢٢- سمرة بن جندب

( - ٥٩ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. الميت يعذب بالنياحة عليه.

٢. لا عبرة بأذان بلال.

٣. خلق المرأة من ضلع.

٤. جواز حلب الماشية بغير إذن أصحابها.

٥. الاِذن في شرب النبيذ بعد ما نهي عنه.

٦. الدجال يبرىَ الاَكمه و الاَبرص.

٧. وحي الشيطان إلى حواء.

هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري.

يعرِّفه الذهبي في تاريخه و يقول: له صحبة و رواية وشرف، ولي إمرة الكوفة و البصرة خلافة لزياد، و كان شديداً على الخوارج وقَتَلَ منهم جماعة، فكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه.(١)

وقال أيضاً في سير اعلام النبلاء: انّه من علماء الصحابة، نزل البصرة، له أحاديث صالحة، روى عنه: ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة.

____________________

١ الذهبي: تاريخ الاِسلام، في الجزء المختص بحوادث عهد معاوية، ص ٢٣١.

٣٨٩

هذا ما يذكره الذهبي في بدء ترجمته و يصرّح بأنّه من علماء الصحابة، والصحابة عنده كلّهم عدول، و لكنّه يذكر في حقّه ما يدلّ على فسقه حيث يقول: عن أنس بن حكيم، قال: كنت أمرّ بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيءحتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته فرح، فقال: إنّا كنّا عشرة في بيت فنظر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوهنا ثمّ قال: «آخركم موتاً في النار» فقد مات منّا ثمانية فليس شيء أحبّ إليّ من الموت».

وروى أيضاً عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لاَبي محذورة في ذلك، فقال: إنّي كنت أنا و هو وأبو هريرة في بيت فجاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فقال: آخركم موتاً في النار، فمات أبو هريرة ثمّ مات أبو محذورة.

وروي عن ابن طاووس وغيره قال النبي لاَبي هريرة وسمرة بن جندب وآخر: «آخركم موتاً في النار» فمات الرجل قبلهما، فكان إذا أراد الرجل أن يُغيض أبا هريرة، يقول: مات سمرة، فيُغشى عليه ويصعق، فمات قبل سمرة.

ثمّ قال: وقتل سمرة بشراً كثيراً. ونقل عن عامر بن أبي عامر ، قال: كنّا في مجلس يونس بن عبيد فقالوا: ما في الاَرض بقعة نشفت من الدم مثل ما نشفت هذه - يعنون دار الاَمارة - قُتِلَ بها سبعون ألفاً فسألت يونس، فقال: نعم من بين قتيل و قطيع، قيل من فعل ذلك؟ فقال: «زياد و ابنه وسمرة».

ثمّ نقل عن أبي بكر البيهقي انّه قال: نرجو له بصحبته.(١)

وذكر ابن الاَثير ما نقلناه عن الذهبي و قال: سكن البصرة و كان زياد يستخلفه عليها إذا صار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا صار إلى البصرة فكان يكون في كلّ واحدة منهما ستة أشهر إلى آخر ما ذكر.(٢)

____________________

١ سير أعلام النبلاء: ٣/١٨٣-١٨٥.

٢ الجزري، أُسد الغابة: ٢/٣٥٤.

٣٩٠

روى الطبري في حوادث سنة ٥٠، قال: عن محمد بن سليم قال: سألت أنس بن سيرين، هل كان سمرة قتل أحداً؟ قال: وهل يحصى من قتله سمرة بن جندب، استخلفه زياد على البصرة، وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له: هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً بريئاً ؟ قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت.

وروى أيضاً عن أبي سوار العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن.(١)

ونقل ابن أبي الحديد عن أُستاذه أبي جعفر انّه قال: و قد روي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي انّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام :( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الخِصامِ* وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الاَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ ) (البقرة/٢٠٤-٢٠٥).

وانّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم. وهي قوله تعالى :( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه ) (البقرة/٢٠٧) فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك.(٢)

هذه الروايات التي يعضد بعضها بعضاً، تعرب عن عدم صلاحه وفلاحه على خلاف ما ذكره الذهبي، و ذلك لا َمور :

أوّلاً: انّ الرجل كان خليفة زياد بن أبيه السفّاح الذي ارتكب جرائم كثيرة

____________________

١ تاريخ الطبري: ٣/١٧٦.

٢ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ٤/٧٣.

٣٩١

في حقّ المسلمين وقتل الاَبرياء منهم بلا ذنب اقترفوه، أمثال حجر بن عدي وأصحابه فكيف يكون خليفته رجلاً صالحاً ؟!

ولا نريد هاهنا تعريفك بزياد بن عبيد، و يكفي في حقّه انّه ولد على فراش عُبيد، وكان أبو سفيان قد أتى الطائف قبل ذلك فسكر وطلب بغيّاً فواقع سمّية وكانت مزوجة بعُبيد فولدت زياداً من جماعة، فلما رآه معاوية استلحقه بأنّه أخوه، وكانت سمّية مولاة للحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب.

فهو ابن زانية ولد على فراش عُبيد، وانّ معاوية ألحقه بأبي سفيان، مع أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر.(١)

وكفى في كونه سفّاكاً قول جابر بن زيد: كان زياد أقتل لاَهل دينه ممن يخالف هواه من الحجاج، و كان الحجاج أعلم بالقتل.

وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر انّ زياداً كتب إلى معاوية انّي قد ضبطت العراق بيميني، و شمالي فارغة، وسأله أن يولّيه الحجاز، فقال ابن عمر: اللّهمّ انّك إنْ تجعل في القتل كفارة فموتاً لابن سميّة لا قتلاً.

فخرج في إصبعه طاعون، فمات.

وقال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي انّ زياداً يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه.

وروى ابن الكلبي: أنّ زياداً جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من علي، فخرج خارج من القصر فقال: أمّا الاَمير فمشغول، فانصرفوا، فإذا الطاعون قد ضربه سنة ثلاث و خمسين ومات على أثرها.(٢)

____________________

١ سير أعلام النبلاء:٣/٤٩٤ برقم ١١٢.

٢ تاريخ الاِسلام للذهبي، في الجزء المختص بعهد معاوية، ص ٢٠٩.

٣٩٢

ثانياً: انّ سمرة كان سفّاكاً، وقد بلغ سفكه الدماء بمكان انّه بعد ما قتل ثمانية آلاف من أهل البصرة لما خشي أن يقتل مثلهم أيضاً كما مرّفي حديث أنس ابن سيرين.

وثالثاً: انّ سمرة ردّ طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره و خالفه حتى أسماه النبي بأنّه رجل مضار ، وإليك الحديث:

أخرج أبو داود عن واصل مولى أبي عيينة قال: سمعت أبا جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام يحدِّث عن سمرة، انّه كانت لسمرة عضد من نخل في حائط رجل من الاَنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى، قال: فهبه له ولك كذا و كذا أمراً رغبة فيه، فأبى، فقال: أنت مضار، فقال رسول اللّهللاَنصاري: اذهب فاقلع نخله.(١)

وعلى ضوء ذلك فالرجل فاسق و لم تصدُّه صحبته عن اقتراف الجرائم والآثام ولو كان مجرد الصحبة منقذاً، لما كان مصير امرأتي نوح و لوط هو النار كما قال سبحانه:( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَينِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا مِنَ اللّهِ شَيئاً ) .

والعجب انّه روى عنه أصحاب الصحاح والمسانيد، و مع غض النظر عن مناقشة السند نذكر بعض أحاديثه الرائعة التي لها عبق من أنوار النبوة ثمّنأتي ببعض رواياته السقيمة التي لا تصحّ نسبتها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمخالفتها للاَصول المسلمة التي أشرنا إليها في مقدمة الكتاب.

____________________

١ سنن أبي داود:٣/٣١٥ برقم ٣٦٣٦، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

٣٩٣

روائع أحاديثه

١. أخرج أبو داود، عن الهياج بن عمران، انّعمران أبق له غلام فجعل للّه عليه لئن قدر عليه ليقطعنّ يده، فأرسلني لاَسأل له: فأتيت سمرة بن جندب فسألته، فقال: كان نبي اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحثّنا على الصدقة و ينهانا عن المثلة.(١)

٢. أخرج الترمذي عن الحسن، عن سمرة بن جندب: انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أيّ امرأة زوّجها وليّان، فهي للاَوّل منهما، و من باع بيعاً من رجلين فهو للاَوّل منهما.(٢)

٣. أخرج الاِمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: البيّعان بالخيار مالم يفترقا.(٣)

٤. أخرج الاِمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة انّ رسول اللّهنهى أنْ يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبتاع على بيعه.(٤)

٥. أخرج الاِمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » : الرجل أحقّ بعين ماله إذا وجده و يتبع البائع من باعه.(٥)

٦. أخرج الاِمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحاط حائطاً على أرض فهي له.(٦)

____________________

١ سنن أبي داود:٣/٥٤ برقم ٢٦٦٧؛ مسند أحمد: ٤/٤٢٨.

٢ سنن الترمذي: ٣/٤١٨ برقم ١١١٠، وأخرجه أبو داود في سننه برقم ٢٠٨٨.

٣ مسند أحمد: ٥/٢٢.

٤ مسند أحمد: ٥/١١.

٥ مسند أحمد: ٥/١٣.

٦ مسند أحمد: ٥/١٢؛ سنن أبي داود:٣/١٧٩ برقم ٣٠٧٧.

٣٩٤

٧. أخرج أبو داود، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي قال: على اليد ما أخذت حتّى توَدي.(١)

٨. أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب انّ رسول اللّه قال: من حدّث عني حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين.(٢)

٩. أخرج ابن ماجة، عن ابن سمرة بن جندب، عن أبيه،قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قتل فله السّلب.(٣)

١٠. أخرج ابن ماجة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسب المال، والكرم التقوى.(٤)

هذه جملة من أحاديثه التي يوَيد مضامينها الكتاب والسنة و اتّفاق المسلمين والعقل الحصيف، استعرضناها في مقابل ما نستعرضه من رواياته السقيمة وما أكثرها ونقتصر على قسم منها.

١. الميت يعذب بالنياحة عليه

أخرج أحمد، عن قتادة ،عن الحسن، عن سمرة ،عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الميت يعذّب بما نيح عليه.(٥)

هذه الرواية رواها غيره أيضاً ، و قد سبق منّا انّها تخالف الكتاب العزيز

____________________

١ سنن أبي داود: ٣/٢٩٦ برقم ٣٥٦١؛ مسند أحمد:٥/٨.

٢ صحيح مسلم:١/٧، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكاذبين.

٣ سنن ابن ماجة: ٢/٩٤٧ برقم ٢٨٣٨.

٤ سنن ابن ماجة: ٢/١٤١٠ برقم ٤٢١٩؛ مسند أحمد: ٥/١٠.

٥ مسند أحمد:٥/١٠.

٣٩٥

والعقل الحصيف، وذكرنا انّ الرواية لم تنقل على وجه صحيح، وذكرنا كلام السيدة عائشة في هذا المضمار وما فيه من الاِشكال.

٢. لا عبرة بأذان بلال

أخرج الترمذي، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال و لا الفجر المستطيل و لكن الفجر المستطير(١) في الاُفق.(٢)

وأخرج أحمد في مسنده، عن سمرة قال: لا يغرّنكم أذان بلال و لا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير.(٣)

أقول: لولا انّ الرواية تضمنت حكماً صحيحاً، و هو عدم الاعتداد بعمود الصبح، وإنّما العبرة باعتراض البياض كان في وسع الباحث أن يتردد في صحّة الرواية، ويقول إذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي نصب بلالاً للاَذان وكان بلال يوَذّن قبل الوقت، فلماذا نصب إنساناً لانجاز عمل غير عارف به؟

أضف إلى ذلك انّه إذا كان بلال يوَذّن قبل الوقت في أغلب الاَحيان على وجه يفسد عبادات الناس و صلواتهم كان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرشاده.

٣. خلق المرأة من ضلع

أخرج أحمد في مسنده، عن عون قال: و حدّثني رجل، قال : سمعت سمرة يخطب على منبر البصرة و هويقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ

____________________

١ يريد من المستطير الذي ينتشر ضووَه ويعترض في الاَُفق ويقابله المستطيل.

٢ سنن الترمذي: ٣/٨٦ برقم ٧٠٦؛ وأخرجه الاِمام أحمد في مسنده: ٥/٩.

٣ مسند أحمد: ٥/١٣.

٣٩٦

المرأة خلقت من ضلع وانّك إنْ ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها تعش بها.(١)

إنّ الحديث - مع إرساله - من الاِسرائيليات المندسّة في أحاديث المسلمين وهو موجود في التوراة المحرّف في سفر التكوين.قال:و بنى الرب الاِله الضلع التي أخذها من آدم، امرأة واحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي....(٢)

إنّ مضمون الحديث يخالف القرآن الكريم حيث يرى للمرأة خلقاً مستقلاً مماثلاً مع خلق الرجل، قال سبحانه:( يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهما رِجالاً كثِيراً ونِساءً ) (النساء/١).

والمراد من قوله :( وخَلَقَ مِنْها زَوجَها ) أي خلق من جنسها زوجها فالذكر و الاَُنثى من جنس واحد و إن كانا يختلفان صنفاً.

ولفظة «من» في «منها» لبيان الجنسية كقولك: خاتم من فضة.

٤. جواز حلب الماشية بغير إذن صاحبها

أخرج أبو داود، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب انّالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحلب وليشرب، فإن لم يكن فيها فليصوِّت ثلاثاً، فإن أجابه فليستأذنه، وإلاّفليحتلب و ليشرب ولا يحمل.(٣)

ورواه الترمذي في باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن مالكها، ثمّ قال: حديث سمرة حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٨٥.

٢ التوراة، سفر التكوين، الاصحاح الثاني برقم ٢٣-٢٤.

٣ سنن أبي داود: ٣/٣٩ برقم ٢٦١٩.

٣٩٧

العلم، و به يقول أحمد و إسحاق.(١)

ولنا معه وقفة قصيرة وذلك انّه مخالف لما اتّفق عليه المسلمون من أنّه لا يجوز التصرف في مال الغير دون إذنه، ورووا عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال: لا يحلّمال امرىَ مسلم إلاّبطيب نفس منه.(٢)

وقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته المعروفة في حجّة الوداع: «إنّ اللّه قد حرّم عليكم دماءكم و أموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة بلدكم هذا».(٣) و الحديث وإن كان يحتمل أن يكون مخصصاً للعموم لكن لسان العموم آبٍ عن التخصيص ولذلك يكون المضمون منكراً غير مطابق للاَُصول.

٥. الاِذن في شرب النبيذ بعدما نُهي عنه

أخرج الاِمام أحمد، عن منذر أبي حسان، عن سمرة بن جندب انّالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذن في النبيذ بعدما نهى عنه.(٤)

أقول: اجتمعت الاُمّة الاِسلامية على تحريم الخمر، وهي عصير العنب الذي اشتد وأسكر، وأمّا غيرها المتخذ من الزبيب أو التمر أو الشعير أو الذّرة ففيها اختلاف وتفصيله لا يسع المقام.

والذي يمكن أن يقال: إنّكلّ شراب كان بجنسه مسكراً فهو حرام، سواء صار سبباً للاِسكار أو لا، و يدلّ على ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة، قالت:

____________________

١ سنن الترمذي: ٣/٥٩٠ برقم ١٢٩٦.

٢ مسند أحمد:٥/٧٢.

٣ السيرة النبوية لابن هشام:٤/٢٥٢.

٤ مسند أحمد:٥/١٢.

٣٩٨

سئل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن البتع، فقال: كل شراب أسكر فهو حرام.(١)

وفي رواية أُخرى عنها: سئل رسول اللّه عن البتع و هو نبيذ العسل و كان أهل اليمن يشربونه، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل شراب أسكر فهو حرام.(٢)

والمراد من قوله: أسكر، أي ما كان بجنسه مسكراً لا ما يكون مسكراً لنفس الشارب، و إلاّ يلزم أن يكون حراماً لشخص إذا أسكره و غير حرام لشخص آخر إذا لم يسكره لوجود الاختلاف في الاَمزجة و غيرها.

وعلى ضوء ذلك فما رواه سمرة من نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النبيذ ثمّ تجويزه يجب أن يتوارد المنع والجواز على موضوع واحد، فلا يخلو إمّا أن يكون الموضوع هو النبيذ المسكر أو غيره، أمّا الثاني فيبعد ورود النهي عليه ثمّ رفعه، و قد كان أهل المدينة ينبذون تمراً في المياه المعدّة للشرب في أوّل الليل لاِذهاب مرّها ثمّ يشربونها صباحاً، فلا وجه لورود المنع والاِباحة على مثله، فينحصر الموضوع بالمسكر منه، وهذا يعني انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه ثمّرخص فيه مع أنّه مناف لما رواه البخاري عن السيدة عائشة انّه حرم كلّمسكر.

مضافاً إلى أنّه كيف يمكن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرخص ما يزيل العقل ويسكره؟!

وللكلام صلة، فمن أراد فليرجع إلى الخلاف للشيخ الطوسي.(٣)

٦. الدجال يبرىَ الاَكمه والاَبرص

أخرج الاِمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب انّ نبي اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كان يقول: إنّ الدجال خارج و هو أعور عين الشمال، عليها

____________________

١ البخاري، الصحيح: ٧/١٠٥، كتاب الاَشربة.

٢ البخاري، الصحيح: ٧/١٠٥، كتاب الاَشربة.

٣ الخلاف: ٥/٤٧٣- ٤٨٨.

٣٩٩

ضفرة غليظة، و انّه يبرىَ الاَكمه و الاَبرص ويحيي الموتى، ويقول للناس: أنا ربّكم، فمن قال: أنت ربّي فقد فتن، و من قال: ربّي اللّه حتى يموت فقد عصم من فتنته ولا فتنة بعده عليه ولا عذاب، فيلبث في الاَرض ما شاء اللّه، ثمّ يجيىَ عيسى ابن مريمعليهما‌السلام من قبل المغرب مصدقاً بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى ملته فيقتل الدجال، ثمّ إنّما هو قيام الساعة.(١)

أقول: إنّ مضمون الحديث يخالف العقل و النقل.

أمّا العقل فلاَنّه يستقل بقبح منح القدرة الخارجة عن العادة للكذابين الموجب لافتتان الناس، والظاهر من الرواية أعني قوله: «فيلبث في الاَرض ما شاء اللّه» انّه يعيش في الاُمّة الاِسلامية سنين متمادية، و يقوم بما يقوم به المسيح من إبراء الاَكمه والاَبرص و إحياء الموتى، فيضلُّ الناس بمعاجزه وكراماته التي أعطاها اللّه سبحانه له هذا من جانب و من جانب آخر انّ الناس بطبيعتهم مفتونون بمن يصدر عنه المعاجز حيث يجعلون قدرته على أُمور خارقة للعادة دليلاً على صدق مدّعاه أعني قوله: «أنا ربّكم» فيَضلّون واحد بعد آخر، وعندئذٍ فما ذنبهم إذا آمنوا به مع وجود أرضية خصبة للاِيمان به؟!

وأمّا النقل، فإنّه سبحانه يقول:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الاَقاوِيل * لاَخَذْنا مِنْهُ بِاليَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحدٍ عَنْهُ حاجِزِين ) (الحاقة/٤٤ - ٤٧).

يستدل سبحانه على صدق كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لو تقوَّل علينا هذا الرسول (الذي زوّدناه بمعاجز من أهمها القرآن الكريم) و نسب إلينا ما لم نقله لانتقمنا منه بشدة وقتلناه، فما منكم من أحد عنه حاجزين، و ما ذلك إلاّ لاَنّ تسليط الاِنسان الكاذب المفتري، على قوّة خارقة يوجب افتتان الناس به، و يصير سبباً لاِضلالهم، فمقتضى حكمته أن لا يمهله بل يأخذه باليمين.

____________________

١ مسند أحمد: ٥/١٣.

٤٠٠