الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85406
تحميل: 5984

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85406 / تحميل: 5984
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

وعلى ضوء ذلك فالدجال إذا قام بما يقوم به المسيحعليه‌السلام من الاِبراء والاِحياء مع تقوّله بأنّه «ربّكم» يكون ذلك سبباً لاِضلال الناس، فمقتضى الحكمة عدم تزويده بهذه القدرة منذ أوّل الاَمر إذا كان متقوّلاً به، أو عدم إمهاله إذا صار سبباً لاِضلالهم.

٧. وحي الشيطان إلى حواء

أخرج الترمذي، عن الحسن، عن سمرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لما حملت حواء طاف بها إبليس و كان لا يعيش لها ولد، فقال: سمّيه عبد الحارث، فسمّته بعبد الحارث، فعاش ذلك، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره.(١)

وثمة تساوَلات:

أوّلاً: انّه سبحانه يصف إبليس بأنّه عدو لآدم و زوجه، يقول سبحانه:( فَقُلنا يا آدَمُ إِنّ هذا عَدُوٌ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرجَنّكُما مِنَالجَنَّةِ فَتَشْقى ) (طه/١١٧) ومع ذلك كيف أسدى لها النصح، وقال: لها سمّيه عبد الحارث فسمّته به، فصار سبباً لحياته، وهذا أشبه بكلام الناصح لا العدو؟!

ثانياً: انّ معنى الحديث انّ تسمية حواء ابنها بعبد الحارث - الذي فيه شائبة الشرك والوثنية- كانت موَثرة في بقاء طفلها، وهل يصح ذلك؟ إذ معناه أنّ التسمية لو تغيرت إلى عبد اللّه لما أثّر في بقاء الطفل.

ثالثاً: لم يذكر في التاريخ أبداً انّه كان لحواء ابن اسمه عبد الحارث، سوى ولدين ذكرين: قابيل و هابيل، فمن أين هذا الولد مع اسمه؟!

____________________

١ سنن الترمذي:٥/٢٦٧ برقم ٣٠٧٧؛ ورواه الاِمام أحمد في مسنده: ٥/١١.

٤٠١

٢٣- عبد اللّه بن مُغفَّل المزني

( - ٦٠ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. المرأة والكلب والحمارتقطع الصلاة

٢. ترك البسملة في الصلاة

ابن عبد نهم بن عفيف المزني، يكنّى أبا سعيد وقيل أبا عبد الرحمان. سكن المدينة ثمّالبصرة، وله عدّة أحاديث.

حدّث عنه: الحسن البصري، ومطرّف بن الشّخّير، وابن بريدة، وسعيد بن جبير، ومعاوية بن قرّة، وحميد بن هلال، وثابت البناني،وغيرهم.

وكان أبوه من الصحابة، فتوفي عام الفتح في الطريق.

وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهون الناس، وهو أوّل من دخل من باب مدينة «تستر» لما فتحها المسلمون.

توفي عبد اللّه بن مغفل بالبصرة سنة ستين للهجرة أيام أمارة ابن زياد بالبصرة، وصلّى عليه أبو برزة الاَسلمي بوصية منه.(١)

____________________

١ أُسد الغابة: ٣/٢٦٤؛ سير أعلام النبلاء: ٢/٤٨٣ برقم ٩٩.

٤٠٢

وهو من المقلّين في الرواية، وقد أُحصيت رواياته في المسند الجامع فبلغت ٢٦.(١)

من روائع رواياته:

١. أخرج مسلم في صحيحه، عن مطرف، عن عبد اللّه بن مغفل، قال:

أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الكلاب، قال: ما بالهم وبال الكلاب، قال: ورخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الاِناء فاغسلوه سبعة مرات وعفِّروا الثامنة بالتراب.(٢)

٢. أخرج أبو داود، عن الحسن، عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قال:

إنّ اللّه رفيق يحب الرفق و يرضاه، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف.(٣)

وقد عزِّي إليه بعض مالا يصلح، نذكر منها ما يلي:

١. المرأة والكلب والحمار تقطع الصلاة:

أخرج ابن ماجة، عن الحسن، عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال:

«يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار».(٤)

إنّ التتبع في الاَحاديث المنسوبة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشدنا إلى ظاهرة «الحط من شأن المرأة» فتارة تعرِّف المرأة بأنّها مما يتطير بها،

____________________

١ المسند الجامع:١٢/٢٥٠ برقم ٣٩٨.

٢ صحيح مسلم: ١/١٦٢، باب حكم ولوغ الكلب.

٣ سنن أبي داود:٤/٢٥٤ برقم ٤٨٠٧.

٤ سنن ابن ماجة: ١/٣٠٦ برقم ٩٥١.

٤٠٣

فقد روي عن سعد بن مالك انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: و إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس و المرأة والدار.(١)

وأُخرى بمنعها من التصرف في مالها، فروى أبو داود في سننه، عن عمرو ابن شعيب، عن جده انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يجوز لامرأة أمر في مالها، إذا ملك زوجُها عصمتَها.(٢)

وثالثة بكونها ممنوعة التصرف في ما لها بالعطية، كما جاء في رواية أُخرى انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يجوز لامرأة عطية إلاّبإذن زوجها.(٣)

ورابعة بأنّها أكثر أهل النار، أخرج الاِمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: تصدقنَّ يا معشر النساء ولو من حليكنَّ فانّكنّ أكثر أهل النار.(٤)

وخامسة بأنّها تشارك الكلب والحمار في قطع الصلاة أثناء المرور بين يدي المصلي كما في هذه الرواية.

وأين هذا من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حبّب إليَّ من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة»؟(٥)

وتتكرس ظاهرة الحط من شأن المرأة أكثر إذا علمنا انّ بعض الروايات تجوّز قتال المارّ بين يدي المصلي.

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، انّ رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه،

____________________

١ سنن أبي داود: ٣/١٩ برقم ٣٩٢١.

٢ سنن أبي داود: ٣/٢٩٢ برقم ٣٥٤٦.

٣ نفس المصدر: برقم ٣٥٤٧.

٤ مسند أحمد:١/٣٧٦.

٥ مسند أحمد:٣/١٢٨.

٤٠٤

وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان.(١)

وعلى ذلك فيجوز قتل المرأة بلا محاباة كقتل الكلب و الحمار.

كلّ ذلك يجعل الرواية من الموضوعات المندسة في الروايات الاِسلامية، وقد أوضحنا مفاد المنع من عبور المار بين يدي المصلّي عند دراسة روايات أبي سعيد الخدري، فلاحظ.

٢. ترك البسملة في الصلاة

أخرج أحمد في مسنده، عن ابن عبد اللّه بن مغفل يزيد بن عبد اللّه، قال:

سمعني أبي وأنا أقول:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فقال: أي بنيَّ إيّاك، قال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبغض إليه حدثاً في الاِسلام منه، فانّي قد صليت مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر و عمر و مع عثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت قرأت فقل: «الحمد للّه ربّ العالمين».(٢)

والرواية لا تخلو من إشكالات:

الاَوّل: انّها تخالف الذكر الحكيم ، يقول سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ المَثانِي وَالقُرآنَ العَظِيم ) (الحجر/٨٧).

والمراد من السبع المثاني هو فاتحة الكتاب، وآياته سبع إذا عُدَّت البسملة آية مستقلة وإلاّ تعود ست، قال سبحانه:( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم* اَلْحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَومِ الدِّين* إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ* اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالين ) .

____________________

١ صحيح مسلم: ٢/٥٧، باب منع المار بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة.

٢ مسند أحمد:٤/٨٥.

٤٠٥

الثاني: انّه يخالف ما روي عن أنس بن مالك، قال: صلّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لاَُمّ القرآن، ولم يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، فلما سلّم، ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والاَنصار من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلّى بعد ذلك قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعد أُمّ القرآن.(١)

وأخرجه غير واحد من أصحاب المسانيد كالاِمام الشافعي في مسنده.(٢)

ورُوي أيضاً عن أنس من طريق آخر قال: سمعت رسول اللّه يجهر بالصلاة ببسم اللّه الرحمن الرحيم.(٣)

وهناك روايات تدل على أنّ البسملة جزء من الفاتحة.

١. ما أخرجه الحاكم، عن ابن جريج ،عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْناك سَبْعاً مِنَ المَثاني) قال: فاتحة الكتاب، ثمّ قال: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم*الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمين) وقرأ السورة، قال ابن جريج: فقلت لاَبي: لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس انّه قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية؟ قال: نعم.

وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، كما أورده الذهبي في تلخيصه وصححه.(٤)

٢. ما صحّ عن ابن عباس أيضاً، قال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جاء جبرائيل فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم علم أنّها سورة.

____________________

١ الحاكم، المستدرك:١/٢٣٣.

٢ لاحظ مسند الشافعي:٤٧.

٣ الحاكم، المستدرك:١/٢٣٣، وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات.

٤ المستدرك: ٢/٢٥٧، تفسير سورة الفاتحة.

٤٠٦

وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.(١)

٣. ما صحّ عن ابن عباس أيضاً، قال: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلم ختم السورة حتى نزل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وقد صرح الحاكم والذهبي في تلخيص المستدرك بصحته.(٢)

٤. ما صحّ عنه أيضاً قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة، حتى تنزل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فإذا نزلت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم علموا أنّ السورة قد انقضت.(٣)

قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،وقد أقرّه الذهبي في تلخيصه.

٥. ما صحّ عن أُم سلمة، قالت: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم*الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمين ) يقطعها حرفاً حرفاً(٤) وقد صرّح بصحّته على شرط الشيخين.

٦. وعن أُم سلمةأيضاً من طريق آخر قالت: إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ في الصلاة: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم) فعدّها آية،( الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمين ) آيتين،( الرّحمن الرَّحيم ) ثلاث آيات ،( مالكِ يَومِ الدّين ) أربع آيات،( إِيّاكَ نَعْبُدُوَإِيّاكَ نَسْتَعين ) وجمع خمس أصابعه.(٥)

٧. ما صحّ عن نعيم المجمر، قال: كنت وراء أبي هريرة فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ثمّ قرأ بأُمّ القرآن حتى بلغ (ولا الضّالين) قال: آمين، وقال الناس: آمين ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده انّي لاَشبهكم صلاة برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦)

٨. وعن أبي هريرة أيضاً، قال: كان رسول اللّه يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.(٧)

____________________

١ المستدرك: ١/٢٣١.

٢ المستدرك: ١/٢٣١.

٣ المستدرك: ١/٢٣٢.

٤ المستدرك: ١/٢٣٢.

٥ المستدرك: ١/٢٣٢.

٦ المستدرك: ١/٢٣٢.

٧ المستدرك:١/٢٣٢-٢٣٣.

٤٠٧

٩. ما صحّ عن أنس من طريق آخر، قال: سمعت رسول اللّه يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.(١)

١٠. ما صحّ عن محمد بن السري العسقلاني، قال: صليت خلف المعتمر ابن سليمان ما لا أُحصي، صلاة الصبح و المغرب فكان يجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها و سمعت المعتمر ، يقول: ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن اقتدي بصلاة أنس بن مالك، و قال أنس: ما آلو أن اقتدي بصلاة رسول اللّه(٢)

هذه عشرة كاملة من الروايات الدالة على أنّ البسملة جزء من أُمّ الكتاب، بل من سائر السور أيضاً، وقد نقلها الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك.

وقد نقل الرازي في تفسيره الكبير انّ البيهقي روى الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في سننه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر ، و ابن الزبير ، ثمّ قال الرازي ما هذا لفظه:

وأمّا انّ علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه كان يجهر بالبسملة فقد ثبت بالتواتر، و من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، قال والدليل عليه: قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللّهمّ أدر الحق معه حيث دار».(٣)

ثمّ إنّه أورد حجج المخالفين و قال: والجواب عنها من وجوه:

الاَوّل: قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني:روى عن أنس في هذا الباب ست روايات:

امّا الحنفية، فقد رووا عنه ثلاث روايات:

إحداها: قوله: صليت خلف رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد للّه ربّ العالمين.

____________________

١ المستدرك:١/٢٣٣، باب الحمد بالبسملة.

٢ المستدرك: ١/٢٣٤.

٣ الرازي، مفاتيح الغيب:١/٢٠٥.

٤٠٨

وثانيتها قوله : إنّهم ما كانوا يذكرون بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.

وثالثتها قوله: لم أسمع أحداً منهم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.

فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية - قال - :وثلاث أُخرى تناقض قولهم.

إحداها: ذكر انّ أنساً روى أنّ معاوية لما ترك بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والاَنصار، و قد بيّنا انّ هذا يدل على أنّ الجهر بالبسملة كان كالاَمر المتواتر عندهم المسلم فيما بينهم.

وثانيتها: روى أبو قلابة عن أنس انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر و عمر كانوا يجهرون ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم.

وثالثتها: انّه سئل عن الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم والاسرار به فقال: لا أدري هذه المسألة - قال -: فثبت انّ الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل(١)

وأيضاً ففيها تهمة أُخرى، وهي انّ عليّاًعليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما تسلم بنو أُمية زمام الحكم بالغوا في المنع من الجهر بها سعياً في إبطال آثار عليّعليه‌السلام - قال - : فلعل أنس خاف منهم، فلهذا السبب اضطربت أقواله - ونحن مهما شككنا في شيء فلا نشك في أنّه إذا وقع التعارض بين قول أمثال أنس و ابن المغفل و بين قول علي بن أبي طالب «عليه‌السلام » الذي بقي عليه طول عمره فإنّ الاَخذ بقول عليّأولى (قال) فهذا جواب قاطع في المسألة إلى أن قال: و من اتخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه و نفسه إلى آخر كلامه.(٢)

وبذلك تعلم قيمة خبر عبد اللّه بن مغفل، وقد أورده ابن رشد عند التكلم في البسملة ونقل عن ابن عبد البرّ انّ ابن مغفل رجل مجهول.(٣)

____________________

١ إلى هنا انتهى ما نقله عن أبي حامد الاسفرائيني.

٢ مفاتيح الغيب:١/٢٠٦- ٢٠٧، وقد اقتصرنا في نقل أجوبته على وجه واحد.

٣ بداية المجتهد:١/١٢٤.

٤٠٩

٢٤- بريدة بن الحصيب الاَسلمي

( -٦٢ أو ٦٣ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١.خمس لا يعلمهن إلاّ اللّه

٢. القضاة ثلاثة

٣. الملك لا يدخل بيتاً فيه كلب

٤. غزا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع عشرة غزوة

٥. تحرك الجبل والاَمر بثباته

٦. ضرب الدف عند رأس الرسولص

٧. خير القرون قرني

٨. سبق بلال النبي إلى الجنة

بريدة بن الحصيب بن عبد اللّه بن الحارث بن عامر الاَسلمي، يُكنّى أبا حصيب، و«أسلم» فيمن انخزع من بطون خزاعة، قيل: لما هاجر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة إلى المدينة فانتهى إلى الغميم أتاه بريدة بن الحصيب فدعاه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الاِسلام فأسلم هو ومن معه، و كانوا زهاء ثمانين بيتاً، فصلّى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العشاء الآخرة فصلّوا خلفه. وأقام بأرض قومه ثمّ قدم على رسول اللّهبعد أُحد فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان من ساكني المدينة ثمّتحوّل إلى البصرة وابتنى بها داراً، ثمّ خرج منها غازياً إلى خراسان فأقام بمرو حتى مات و دفن بها وبقي ولده بها.(١)

____________________

١ طبقات ابن سعد: ٤/٢٤١- ٢٤٢؛ أُسد الغابة:١/١٧٥.

٤١٠

روى عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول اللّه عليّاً إلى خالد بن الوليد ليقسِّم الخمس، وقال روح مرّة ليقبض الخمس، قال: وأصبح علي ورأسه يقطر، قال: فقال خالد لبريدة: ألا ترى إلى ما يصنع هذا ؟قال: فلما رجعتُ إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرته بما صنع عليّعليه‌السلام ، قال: و كنت أبغض عليّاً، فقال يا بريدة: أتبغض عليّاً ؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه، وقال «روح » مرّة: فأحبه فانّ له في الخمس أكثر من ذلك. أخرجه الثلاثة.(١)

أقول: لو صحّ الحديث فقد استأثر عليّعليه‌السلام بما استأثره من باب انّ خمس الغنائم للّه سبحانه وللرسول ولذي القربى وعليعليه‌السلام منهم، فلم يكن استئثاراً بمال المسلمين، فأعظم ذنب اقترفه«بريدة»، هو بغضه لصدّيق الاُمة وأوّل من آمن باللّه ورسوله في الاُمّة وجاهد بنفسه ونفيسه إلى أن لقي اللّه سبحانه وتعالى في محراب عبادته.

هذا هو الذنب العظيم الذي اقترفه بريدة، لا ما ينقله الذهبي عنه، حيث قال: شهدت خيبر و كنت فيمن صعد الثلمة فقاتلت حتى رُئي مكاني وعليَّ ثوب أحمر، فما أعلم انّي ركبت في الاِسلام ذنباً أعظم عليَّ منه - أي الشهرة -.(٢)

إنّ ما يحكيه الرجل عن مكانه في خيبر لا يعدُّ ذنباً إذا كانت النيّة صادقة، وأمّا إذا كانت النيّة غير صادقة فلا يترتب عليها ثواب لا انّه يعدّذنباً، وهذا يكشف عن قلّة فهمه للدين آنذاك.

وعلى أية حال فقد توفي بريدة سنة ٦٢ أو ٦٣ ه- ، و روي لبريدة نحواً من ١٥٠ حديثاً.(٣)

____________________

١ أُسد الغابة: ١/١٧٦.و«روح» من رواة الحديث واقع في اسناده.

٢ سير أعلام النبلاء: ٢/٤٧٠.

٣ المصدر السابق.

٤١١

وقد جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت مائة حديث(١) .وله روايات يحكي سمّوها عن صحّة نسبتها إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله روايات شاذة عن القواعد الصحيحة، وإليك نزراً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه:

١. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العهد الّذي بيننا و بينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.(٢)

الظاهر انّالضمير في «بينهم» يرجع إلى العباد بقرينة رواية جابر بن عبد اللّه الاَنصاري، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة، وروى أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: ليس بين العبد والشرك إلاّ ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك.(٣)

ثمّ لو كان ترك الصلاة دليلاً على إنكار وجوبها، فالتارك كافر كفرَ جحود، وأمّا لو كان التركُ، تركَ تساهل وتسامح، فالكفر كفر النعمة، مثل قوله سبحانه:( وَللّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًوَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين ) (آل عمران/٩٧). فقد فُسِّر الكفر فيها بكفر النعمة بترك الحج تساهلاً، لا عناداً وإنكاراً.

٢. أخرج أبو داود في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: خطبنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل الحسن والحسينرضي‌الله‌عنه ما ، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فصعد بهما المنبر،

____________________

١ المسند الجامع: ٣/١٨٦-٢٤٦.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٣٤٢ برقم ١٠٧٩.

٣ المصدر السابق: برقم ١٠٧٨و١٠٨٠.

٤١٢

ثمّ قال: صدق اللّه( إِنّما إِموالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَة ) رأيت هذين فلم أصبر. ثمّ أخذ في الخطبة.(١)

٣. أخرج النسائي في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر وعمر، فاطمةَ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّها صغيرة فخطبها عليٌّ فزوّجها منه.(٢)

نعم كانت فاطمةعليها‌السلام صغيرة ومع ذلك كان تزويجها بعليٍّ ثمة مرجحات وموَهّلات توَهلها للزواج منهعليه‌السلام .

٤. أخرج الترمذي في سننه عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: يا عليّ لا تتبع النَّظرة، النَّظرة، فإنّ لك الاُولى وليست لك الآخرة.(٣)

والخطاب في قوله: لا تتبع من قبيل قوله: إيّاك أعني و اسمعي يا جارة، قال سبحانه مخاطباً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرين ) (الزمر/٦٥).

٥. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّهذكرت عليّاً فتنقصته، فرأيت وجه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير، فقال: يا بريدة ألست أولى بالموَمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.(٤)

هذا هو و اقع الحديث، وقد لعب البخاري به وذكره بنحو آخر يخلو من الفقرة الاَخيرة،أعني قوله: «ألست أولى...» حيث قال: عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس،

____________________

١ سنن أبي داود: ١/٢٩٠ برقم ١١٠٩؛ وأخرجه ابن ماجة في سننه: ٢/١١٩٠ برقم ٣٦٠٠.

٢ سنن النسائي: ٦/٦٢ باب تزوج المرأة مثلها في السن.

٣ سنن الترمذي: ٥/١٠١ برقم ٢٧٧٧.

٤ مسند أحمد بن حنبل: ٥/٣٤٧.

٤١٣

وكنت أبغض عليّاً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلمّا قدمنا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض عليّاً، فقلت: نعم، فقال: لا تبغضه فانّ له في الخمس أكثر من ذلك.(١)

٦. أخرج الترمذي عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّاللّه أمرني بحبِّ أربعة، وأخبرني انّه يحبُّهم، قيل: يا رسول اللّه سمِّهم لنا، قال: عليٌّ منهم ، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذرّ، والمقداد وسلمان، أمرني بحبِّهم، وأخبرني انّه يحبُّهم.(٢)

٧. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له، ثمّ أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّي دافع اللواء غداً إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له، فبتنا طيبة أنفسنا انّ الفتح غداً، فلما ان أصبح رسول اللّه صلّى الغداة، ثمّ قام قائماً فدعا باللواء و الناس على مصافّهم، فدعا عليّاً وهو أرمد فتفل في عينيه، ودفع إليه اللواء وفتح له.

قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.(٣)

ولعلّ الفاعل في قوله:«ثم أخذه من الغد» هو عمر دون أبي بكر أي أخذ عمر الراية من الغد بشهادة انّ الاِمام أحمد نقله أيضاً عن بريدة في موضع آخر بهذا النحو.

أخرج أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: لما نزل

____________________

١ صحيح البخاري: ٥/١٦٣، باب بعث علي بن أبي طالب و خالد بن الوليد إلى اليمن.

٢ سنن الترمذي: ٥/٦٣٦ برقم ٣٧١٨؛ وأخرجه ابن ماجة في سننه: ١/٥٣ برقم ١٤٩.

٣ مسند أحمد بن حنبل: ٥/٣٥٤.

٤١٤

رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحصن أهل خيبر أعطى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض معه من نهض من المسلمين فلقوا أهل خيبر، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لاَعطينّاللواء غداً...».(١)

هذه نخبة من روائع أحاديثه تلوناها لتكون نموذجاً لما لم نذكر.

نعم عزيت إليه روايات لا تستقيم مع الضوابط و الموازين التي حررناها في صدر الكتاب.

١. خمس لا يعلمهنّ إلاّ اللّه

أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عبيد اللّه بن بريدة، عن أبيه، يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: خمس لا يعلمهنّ إلاّاللّه، إنّ اللّه عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الاَرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت انّاللّه عليم خبير».(٢)

لا شكّ انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أخبر بأنّ ثمة أُموراً خمسة لا يعلمها إلاّ اللّه يحتم علينا القبول لاَنّه خبر صادق مصدق.

إنّما الكلام إذا حاولنا استخراج هذا الخبر الغيبي من الآية الواردة في آخر سورة لقمان، فالظاهر انّ الآية لا تدل على الانحصار إلاّفي موارد ثلاثة.

أ. علم الساعة:( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعةِ ) .

ب. العلم بما يكسبه الاِنسان في غده:( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً ) .

____________________

١ مسند أحمد بن حنبل: ٥/٣٥٨.

٢ مسند أحمد بن حنبل: ٥/٣٥٣.

٤١٥

ج. العلم بالاَرض التي تموت فيها:( وَما تَدْري نفس بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوت ) هذه الاُمور الثلاثة مما استأثر اللّه سبحانه علمها لنفسه، وأمّا الاَمران الباقيان فلا دلالة في الآية على الاستئثار.

أمّا الاَوّل أعني قوله:( وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ ) فهو اخبار عن كونه سبحانه منزلَ الغيث، ولا دلالة في قوله على استثار علم النزول بنفسه، ويشهد لذلك تغيير الصيغة بين المعطوف عليه و المعطوف.

فالمعطوف عليه جملة اسمية أعني قوله: (عنده علم الساعة).

والمعطوف جملة فعلية أعني قوله: (وينزّل الغيث) فلو كانت الجملة الثانية هادفة لبيان الانحصار كان الاَنسب أن يقول: «ونزول الغيث»، فتكون الآية بالشكل التالي: انّاللّه عنده علم الساعة ونزول الغيث.

وأمّا الثاني: أعني قوله «ويعلم ما في الاَرحام» فهو بصدد إثبات العلم للّه سبحانه لا بصدد النفي عن غيره، واستفادة النفي منه يحتاج إلى دليل قاطع.

٢. القضاة ثلاثة

أخرج الترمذي، عن ابن بريدة، عن أبيه، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحقّ فعلم ذاك، فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة.(١)

والوارد عن أئمّة أهل البيت انّ القضاة أربعة:

أخرج الكليني عن أحمد، عن أبيه(٢) رفعه عن أبي عبد اللّه، قال: القضاة

____________________

١ سنن الترمذي: ٣/٦١٣ برقم ١٣٢٢.

٢ المراد، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ووالده هو محمد بن خالد.

٤١٦

أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم(١) غاً فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة.(٢)

٣. الملك لا يدخل بيتاً فيه كلب

أخرج أحمد في مسنده،عن عبد اللّه بن بريدة ، عن أبيه، قال:

احتبس جبريلعليه‌السلام على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: ما حبسك؟ قال: انّا لا ندخل بيتاً فيه كلب.(٣)

والحديث من دلائل القول باحتباس الوحي على رسول اللّهوقد ذكر المفسرون تبعاً لاَصحاب الحديث، احتباس الوحي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير قوله سبحانه:( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلَى ) (الضحى/٣) وقد اختلفوا في مدّة الاحتباس وسببه اختلافاً كثيراً، يعرب عن كون الحديث منقولاً على غير الوجه الصحيح، أو موضوعاً على لسان النبي ونقل القرطبي(٤)

والطبرسي(٥) ما نشير إليه من الاختلافات.

أمّا مدّة الاحتباس فقيل: كان اثني عشر يوماً.

قال ابن عباس: خمسة عشر يوماً.

وقيل: خمساً وعشرين يوماً.

____________________

١ وهذا القسم سقط من الحديث النبوي.

٢ الوسائل: ١٨، الباب الرابع، من أبواب صفات القاضي، الحديث ٦.

٣ مسند أحمد: ٥/٣٥٣.

٤ تفسير القرطبي: ٢٠/٩٢-٩٤.

٥ مجمع البيان: ١٠/٧٦٤.

٤١٧

وقال مقاتل: أربعين يوماً.

فقال المشركون: إنّ محمّداً ودّعه ربُّه وقلاه، ولو كان أمره من اللّه لتاب عليه كما كان يفعل بمن كان قبله من الاَنبياء.

وفي البخاري عن جندب بن سفيان، قال: اشتكى رسول اللّهفلم يقم ليلتين أو ثلاث فجاءت امرأة (زوج أبي لهب) فقالت: يا محمد إنّي لاَرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل اللّه عزّوجلّ:( وَالضُّحى* واللَّيلِ إِذا سَجَى* ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) .

وأمّا سبب الاحتباس ففيه الاَقوال التالية:

١. انّ جرواً دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أياماً لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيتي؟ ما لجبرئيل لا يأتيني؟ قالت خولة: فقلت: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبي اللّه ترعد لَحِيْاه وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة، فقال: يا خولة: دثريني، فأنزل اللّه هذه السورة، ولما نزل جبرئيل سأله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التأخر، فقال: أما علمت أنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة.

٢. سألته اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأخبركم غداً ولم يقل إن شاء اللّه فاحتبس عنه الوحي إلى أن نزل جبرئيل عليه بقوله:( وَلا تَقُولَنَّ لِشيءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غداً* إِلاّأَن يَشاءَ اللّهُ ) (الكهف٢٣ - ٢٤). فأخبره بما سأل عنه وفي هذه القصة نزلت (ما ودّعك ربّك وما قَلى).

٣. انّ المسلمين قالوا: يا رسول اللّه ما لك لا ينزل عليك الوحي؟

فقال: وكيف ينزل عليَّ وأنتم لا تنقون رواجبكم.

٤١٨

ولا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم، فنزل جبرئيل بهذه السورة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً ولكنّي عبد مأمور.

٤. عن جندب البجلي قال: كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غار فدميت اصبعه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هل أنت إلا اصبع دميت، وفي سبيل اللّه ما لقيت» وابطأ عليه جبرئيل، فقال المشركون قد ودع محمد، فأنزل اللّه تبارك و تعالى :( ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) .

هذا ما رواه المحدثون وتبعهم المفسرون في تفسير الآية، وفي الجميع تأملات:

الاَوّل: انّالاختلاف في المدة والسبب خير دليل على أنّ الحديث موضوع على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو كان السبب موت الجرو تحت السرير فيرجع زمان الاحتباس إلى أوائل البعثة. ولو كان السبب هو عدم الاستثناء، فيرجع زمنه إلى السنة السابعة أو الثامنة من البعثة.

الثاني: كيف يمكن أن نتصور انّ الجرو مات ومكثت جيفته تحت السرير دون أن يشعر بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أهل بيته، مع انّطبيعة الحال تقتضي أن تكون منتنة في هذه المدّة، فيشعر بها كلّ من مرّ على البيت فضلاً عمن يقطن فيه لا سيما في أجواء حارة كأجواء الجزيرة العربية التي سرعان ما يفسد فيها كلّشيء؟!

الثالث: كيف يكون عدم قصِّ الاَظفار وأخذ الشوارب سبباً لاحتباس الوحي، وهل هذا إلاّ أخذ البريء بذنب المجرم؟! قال سبحانه:( وَلا تَزِرُ وازرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (الاَنعام/١٦٤).

فعلى ضوء ذلك يجب أن لا ينزل الوحي على أيِّ نبيّ طيلة عمره، لاَنّ

٤١٩

الاَنبياء والمرسلين كانوا على مقربة من المشركين والعصاة الذين لم يكونوا يقصُّون أظفارهم ولا يأخذون شواربهم بل يقترفون أشدّ المعاصي.

والحقّ انّه لم يكن هناك أيّ احتباس، بل تعلقت مشيئته تبارك و تعالى بإنزال الوحي بالتدرج حسب طروء الاَسباب والحوادث التي تقتضي نزوله.

قال سبحانه:( وَقالَالَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرآن جُمْلَةً واحِدةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُوَادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) (الفرقان/٣٢).

وقد أشارت الآية إلى سبب من أسباب نزول الوحي تدريجاً وهو تثبيت فوَاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،لاَنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما كان إنساناً مثالياً، فهو بحاجة ماسّة إلى إمدادات غيبية من قبل اللّه سبحانه و تعالى في خضمّ الحياة المليئة بالطوارىَ، والحوادث العصيبة، فاتصاله بعالم الغيب تدريجاً يخلق في روحه نشاطاً دوَوباً للعمل، يزيح عنها غبار التعب والهموم وبذلك يثبت قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلته بعالم الوحي.

وهذا الاَثر الاِيجابي رهن نزول الوحي تدريجاً، وأمّا نزوله دفعة واحدة وإقفال بابه إلى آخر عمره فهو يخلو عن ذلك الاَثر.(١)

هذا، ولنزول الوحي تدريجاً آثار ايجابية أُخرى، أشار إليها الذكر الحكيم في بعض آياته، ولنقتصر على هذا المقدار.

وعلى ضوء ما ذكرنا فلم يكن أيّ احتباس وانقطاع للوحي، وإن زعم المشركون خلافه. وبالتالي لم يكن هناك سبب غير ما ذكرنا وبذلك يظهر وهن الرواية وعدم صحتها.

____________________

١ ما ذكرناه في تفسير الآية( وَقالَ الَّذِينَ كفروا... ) هو الاَولى بالاَخذ، وقد ذكر السيد الطباطبائي وجهاً آخر ومثله السيد قطب، فراجع الميزان:١٥/٢١٠- ٢١١؛ وفي ظلال القرآن :١٩/٣٤- ٣٥ في تفسير سورة الفرقان.

٤٢٠