الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85401
تحميل: 5984

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85401 / تحميل: 5984
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

٢٧- زيد بن أرقم الاَنصاري

( - ٦٨ ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

حديثه السقيم:

سحر اليهود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

هو ابن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الحارث بن الخزرج.

قال ابن سعد: يكنّى أبا سعد، وقيل: أبا أنيس، أوّل مشاهده مع النبي، المريسيع، ونزل الكوفة وابتنى بها داراً في كندة وتوفي بها أيّام المختار سنة ٦٨.(١)

قال الجزري: روى عنه: ابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو إسحاق السبيعي، وابن أبي ليلى ، ويزيد بن حبان، شهد مع رسول اللّه سبع عشرة غزوة، واستصغر يوم أُحد وكان يتيماً في حجر عبد اللّه بن رواحة وسار معه إلى موَتة، وشهد مع عليٍّ صفين، وهو معدود في خاصّة أصحابه، روى حديثاً كثيراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجه الثلاثة.(٢)

يذكر المفسرون في تفسير قوله سبحانه:( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا على

____________________

١ طبقات ابن سعد:٦/١٨.

٢ أُسد الغابة: ٢/٢١٩.

٤٨١

مَنْ عِنْدَ رَسُولِاللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا ) (المنافقون/٧) قصة ملخصها مايلي:

قال كنت مع عمّي فسمعت عبد اللّه بن أبي بن سلّول يقول لاَصحابه: لا تنفقوا على مَنْ عند رسول اللّه حتى ينفضّوا ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الاَعزّ منها الاَذل، فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمّي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحدّثته، فأرسل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عبد اللّه وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول اللّهوصدّقهم، فأصابني شيء لم يصبني قط مثله، فجلست في البيت، فقال عمّي: ما أردت إلى ان كذّبك رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقتك، فأنزل اللّه تعالى:( إِذا جاءك المُنافِقُون ) ، فبعث إليَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأها عليَّ، ثمّ قال: إنّ اللّه قد صدّقك.(١)

وقيل انّه توفي بعد قتل الحسين بقليل، وقد ترجمه ابن عساكر ترجمة مفصلة.(٢)

وجمعت أحاديثه في المسند الجامع فناهزت ٥٢ حديثاً(٣) ولكن هذا العدد بالنسبة إلى ما ذكره الجزري قليل، لاَنّه قال: روى حديثاً كثيراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإليك شيئاً من روائع أحاديثه وما أكثرها.

روائع أحاديثه:

١. أخرج أحمد في مسنده، عن العزيز بن حكيم، قال: صليت خلف زيد ابن أرقم على جنازة فكبّر خمساً، ثمّ التفت، فقال: هكذا كبّر رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أو نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤)

____________________

١ أُسد الغابة: ٢/٢١٩.

٢ انظرتاريخ ابن عساكر:٦/٢٦٨- ٢٧٨.

٣ المسند الجامع: ٥/٤٧٩ برقم ٢١٤.

٤ مسند أحمد: ٤/٣٧١.

٤٨٢

وهذا هو المروي أيضاً عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام من أنّ التكبيرة على الجنازة هي الخمس.

نعم روى مسلم، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال: كان زيد يكبّر على جنائزنا أربعاً وانّه كبَّر على جنازة خمساً، فسألته، فقال: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّرها.(١)

أقول: الرواية الثانية لا يمكن تصديقها، لاَنّه لو كان الاقتصار بالتكبيرات الاَربع جائزاً، فالمصلّي يخرج من الفريضة بالتكبيرة الرابعة وتكون الخامسة ذكراً زائداً على الصلاة لا تمت لها بصلة فلا يصحّ القول بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة يكبّر أربعاً وأُخرى خمساً.

نعم يعارض الاُولى ما رواه أحمد عن أبي سليمان الموَذن، قال: توفي أبو سريح فصلى عليه زيد بن أرقم، فكبر عليه أربعاً وقال: كذا فعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)

فالرواية الاُولى تفرض الخمس، والثانية تخير بين الاَربع والخمس، والثالثة تفرض الاَربع.

والعجب انّ الصحابة لم يحتفظوا بسنة نبيّهم في مسألة بسيطة كانت محلاً للابتلاء.

٢. أخرج النسائي ،عن الشعبي، عن عبد اللّه بن أبي الخليل، عن زيد بن أرقم، قال: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليٌّ(رض) يومئذ باليمن، فأتاه رجل، فقال: شهدت عليّاً أُتي في ثلاثة نفر ادّعوا ولد امرأة، فقال عليّ لاَحدهم: تدعه لهذا؟ فأبى، وقال لهذا :تدعه لهذا ؟ فأبى، وقال لهذا: تدعه لهذا ؟فأبى.

____________________

١ صحيح مسلم: ٣/٥٦، باب القيام للجنازة.

٢ مسند أحمد: ٤/٣٧٠.

٤٨٣

قال علي (رض) أنتم شركاء متشاكسون، وسأقرع بينكم فأيكم أصابته القرعة فهو له وعليه ثلثا الدية، فضحك رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجذه.(١)

ولا غرو فانّعليّاً باب علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد وصفه النّبيّ بقوله: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها.(٢)

٣. أخرج أحمد في مسنده عن قطبة بن مالك، قال: سبَّ أمير من الاَُمراء عليّاً (رض)، فقام زيد بن أرقم، فقال:

أما علمت أنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن سبّ الموتى فَلِمَ تسبُّ عليّاً، وقد مات؟!(٣)

كان في وسع الصحابي الجليل زيد بن أرقم أن يحتج على الاَمير السابّ بما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير واحد من الصحابة من أنّ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، فالاَمير بسبه هذا قد فسق سواء أكان المسبوب حياً أم ميتاً، ولكن الظروف العصيبة حالت دون أن يحتج«زيد» عليه بهذا الحديث، ولذلك التجأ إلى الاحتجاج عليه بأُسلوب آخر.

٤. أخرج الترمذي في سننه، عن أبي عثمان، عن زيد بن أرقم، قال: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل والعجز والبخل.(٤)

٥. أخرج مسلم في صحيحه،عن يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه، قال له حصين، لقد

____________________

١ سنن النسائي: ١/١٨٣، باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه.

٢ أخرجه غير واحد من الحفاظ ناهز ١٤٢ محدثاً وعالماً، وقد جاء في كتاب الغدير مصادر الحديث مفصلاً، راجع الغدير: ٦/١٦١- ١٧٧.

٣ مسند أحمد: ٤/٣٦٩.

٤ سنن الترمذي: ٥/٥٦٦ برقم ٣٥٧٢.

٤٨٤

لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدِّثنا يا زيد، ما سمعت من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: يا ابن أخي واللّه لقد كبرت سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما حدثتكم فأقبلوا، وما لا، فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول اللّهيوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد اللّه وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثمّ قال: أمّا بعد: ألا يا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما: كتاب اللّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به فحثّ على كتاب اللّه ورغَّب فيه.

ثمّقال: وأهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي ، فقال له حصين: ومَنْ أهل بيته يا زيد؟ أليس نساوَه من أهل بيته؟ قال: نساوَه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال ومن هم؟ قال: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هوَلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.(١)

هذا ما أخرجه مسلم و من الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق وذلك لوجهين:

الاَوّل: انّ مقتضى قوله : أوّلهما، أن يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ثانيهما أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة ثانيهما.

وقد رواها الاِمام أحمد بصورة أفضل مما سبق كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك.

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، عن زيد بن الاَرقم، قال: لما رجع

____________________

١ صحيح مسلم: ٧/١٢٢، باب فضائل عليعليه‌السلام .

٤٨٥

رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثمّ قال: كأنّي قد دُعيت فأُجبت: إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.

ثمّ قال: إنّ اللّه مولاي، وأنا ولي كلّموَمن، ثمّ أخذ بيد عليّ، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه.(١)

الثاني: فسر أهل البيت في الحديث بالبيوت الاَربعة: آل علي، آل عقيل، آل جعفر، آل عباس، وجعل حديث الغدير هادفاً إلى تكريم أهل بيته، ومن المعلوم انّه خلاف المراد، لاَنّ النبي جعل أهل بيته عدلاً لكتاب اللّه عز وجلّ، فيجب أن يُفسر ببيت يكون عدلاً للقرآن وملجأً للمسلمين بعد كتاب اللّه، وهل لهذه البيوت الثلاثة: آل عباس، آل عقيل، آل جعفر هذه المنزلة والمرتبة؟

نعم إذا تفحصنا سائر مصادر الحديث نقف على أنّ الرواة لعبوا بالحديث، وتصرّفوا فيما نقله ذلك الصحابي الجليل، وإليك بعض ما روي في هذا المضمار عن زيد.

روى الاِمام أحمد، عن ميمون أبي عبد اللّه، قال: قال زيد بن أرقم، وأنا أسمع: نزلنا مع رسول اللّه بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها «بهجير» ثمّقال: فخطبنا، وظلّل لرسول اللّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألستم تعلمون، أولستم تشهدون، انّي أولى بكلّموَمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فانّ علياً مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.(٢)

وأخرج أيضاً في فضائل الصحابة شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت

____________________

١ المسند الجامع: ٥/٥٠٥ برقم ٣٨٢٨، نقلاً عن مسند أحمد: ١/١١٨.

٢ مسند أحمد: ٤/٣٧٢؛ و فضائل الصحابة: ٢/٥٩٧، الحديث ١٠١٧.

٤٨٦

أبا الطفيل يحدّث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

قال سعد بن جبير وأنا سمعت مثل هذا عن ابن عباس، قال محمد: أظنه قال وكتمته.(١)

كلّ ذلك يدل على أنّ الرواة كانوا ينقلون الحديث مع الخوف والوجل، ولاَجل ذلك لم تنقل الخطبة في الروايتين الاَخيرتين، ولكن نقل نص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ولاية عليّعليه‌السلام عكس ما رواه مسلم حيث نقل الخطبة دون التنصيص على الولاية.

هذه نزر من روائع رواياته، وقد عزي إلى ذلك الصحابي مالا يصح وفقاً للموازين المذكورة.

سحر اليهود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج النسائي، عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن أرقم، قال:

سحر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أيّاماً، فأتاه جبريلعليه‌السلام ، فقال: إنّ رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عُقداً في بئر كذا وكذا، فأرسل رسول اللّهفاستخرجوها فجيء بها ،فقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لذلك اليهوديّ ولا رآه في وجهه قطُّ.(٢)

أقول: إنّ السحر حسب ما جاء في الذكر الحكيم لا يضرّ إلاّ بإذن اللّه تبارك و تعالى، قال سبحانه:( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّبِإِذْنِ اللّهِ ) (البقرة/١٠٢).

إنّ سحر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس كسحر الآخرين، إذ ربّما

____________________

١ فضائل الصحابة: ٢/٥٦٩، الحديث ٩٥٩.

٢ سنن النسائي : ٧/١١٢- ١١٣، باب سحرة أهل الكتاب.

٤٨٧

يكون الساحر قادراً على أن يسحر إنساناً عاديّاً ويضرّ به بإذن اللّه سبحانه، ولكن لا سبيل له إلى سحر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلاّ لوجب تسلّطه وهيمنته عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولربّما يسفر عن تزلزل عقيدة الناس الذين آمنوا به، فحكمته سبحانه تصدّه عن أن يأذن لاَحد بالهيمنة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

انّه سبحانه يحكي عن موسى مخاطباً سحرة فرعون، بقوله:( ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ ) (يونس/٨١).

فإذا كان هذا حال موسى، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى به منه، فبإمكانه أن يبطل السحر في أوّل لحظاته،لا أن يتأثر به أيّاماً ويتخلص منه بعد معونة جبرئيل له، كل ذلك يعرب عن وهن الحديث وضعفه بل كذبه على لسان زيد بن أرقم -رضي‌الله‌عنه -.

٤٨٨

٢٨- البراء بن عازب الاَنصاري

(١٠ق.ه- - ٧٢ه-)

سيرته و أحاديثه الرائعة

حديثه السقيم:

نزول الوحي عند رغبة ابن أُمّ مكتوم

البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة الاَنصاري الاَوسي الحارثي، يُكنّى أبا عمارة، ردّه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بدر استصغره، وأوّل مشاهده أحد، وقيل: الخندق، وغزا مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع عشرة، غزوة وهو الذي افتتح الري سنة ٢٤ه-، كما شهد فتح «تستر».

وشهد البراء مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين والنهروان هو وأخوه عبيد ابن عازب، و نزل الكوفة وابتنى بها داراً ومات أيام مصعب بن الزبير.(١)

قال الذهبي: البراء بن عازب الاَنصاري نزيل الكوفة من أعيان الصحابة روى حديثاً كثيراً، حدَّث عنه: عبد اللّه بن يزيد الخطمي، وأبو جحيفة السوائي، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زاذان، وأبوإسحاق السّبيعي.

____________________

١ أُسد الغابة: ١/١٧١.

٤٨٩

مسنده ثلاثمائة وخمسة أحاديث، له في الصحيحين اثنان وعشرون حديثاً، وانفرد البخاري بخمسة عشر حديثاً ومسلم بستة.(١)

وهو أحد رواة حديث غدير خم من الصحابة، رواه عنه غير واحد من التابعين مفصلاً.(٢)

قال الخطيب البغدادي: وكان رسول عليّ بن أبي طالب إلى الخوارج بالنهروان يدعوهم إلى الطاعة وترك المشاقة، ثمّروى بسنده عن أبي الجهم، قال: بعث عليٌّ البراء بن عازب إلى أهل النهروان يدعوهم ثلاثة أيام فلما أبوا سار إليهم.(٣)

وقد بلغت أحاديثه في المسند الجامع ١٣٦ حديثاً(٤) وإليك شيئاً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه

١. أخرج الترمذي في سننه، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حقّعلى المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمسّ أحدهم من طيب أهله، فإن لم يجد فالماء له طيب.(٥)

٢. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، قال: فاحرمنا بالحجّ فلمّا قدمنا مكة، قال: اجعلوا حجَّكم عمرة، قال: فقال الناس يا رسول اللّه قد أحرمنا بالحجّ، فكيف نجعلها عمرة؟قال: انظروا، ما آمركم به فافعلوا، فردّوا عليه القول، فغضب ثمّ انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه،

____________________

١ سير أعلام النبلاء: ٣/١٩٤ برقم ٣٩.

٢ الغدير: ١/٢٩٤.

٣ تاريخ بغداد: ١/١٧٧.

٤ المسند الجامع: ٣/١٨٥.

٥ سنن الترمذي: ٢/٤٠٧ برقم ٥٢٨.

٤٩٠

فقالت من أغضبك أغضبه اللّه؟ قال: ومالي لا أغضب وأنا آمر بالاَمر فلا اتّبع.(١)

وفي الحديث دلالة واضحة على أنّ لفيفاً من أصحابه ربما كانوا يخالفونه ويغضبونه ويوَذونه، قال سبحانه:( وَالَّذِينَ يُوْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (التوبة/٦١). وقال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ يُوَذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ في الدُّنيا وَالآخرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (الاَحزاب/٥٧).

ويظهر من غير واحد من التواريخ انّ العرب لم تكن تجمع بين العمرة والحج وإنّما يأتون بالعمرة في غير أشهر الحجّ، ولما كان أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخالفاً لما كانوا عليه في العصر الجاهلي استغربوه، وقالوا: كيف نجعلها عمرة وقد أحرمنا للحج؟

وعلى أيّة حال فهوَلاء هم الذين يصفهم اللّه سبحانه في سورة الحجرات بقوله:( يا أَيُّ-ها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْ-نَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليمٌ ) (الحجرات/١).

٢. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: أقبلنا مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته التي حجّ، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ، فقال: «ألست أولى بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى، قال: «ألست أولى بكلّموَمن من نفسه؟» قالوا: بلى، قال:فهذا وليّ من أنا مولاه، اللّهمّ وال من والاه، اللّهمّ عاد من عاداه.(٢)

٣. أخرج الترمذي عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشين وأمّر على أحدهما عليَّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: إذا كان القتال فعليّ، قال: فافتتح عليّحصناً،

____________________

١ مسند أحمد: ٤/٢٨٦.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٤٣برقم ١١٦.

٤٩١

فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشي به، قال: فقدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأ الكتاب فتغيّر لونه، ثمّ قال: ما ترى في رجل يحبُّ اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله؟ قال: قلت: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله، وإنّما أنا رسول، فسكت.(١)

٤. أخرج البخاري في صحيحه ،عن شعبة، قال أخبرني عديّ، قال: سمعت البراء، قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسن على عاتقه يقول: اللّهمّ إنّي أُحبُه، فأحبَّه.(٢)

٥. أخرج البخاري في صحيحه عن المسيب بن رافع، قال: لقيت البراء بن عازب، فقلت: طوبى لك، صحبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، انّك لا تدري ما أحدثنا بعده.(٣)

ويوَيّده ما رواه البخاري في كتاب الفتن من إحداث لفيف من أصحابه بِدَعاًً وتبديلهم لدينه سبحانه، أخرج البخاري عن أبي وائل، قال: قال عبد اللّه: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا فَرَطُكم على الحوض ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويتُ لاَناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.

أخرج البخاري عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا فَرَطُكم على الحوض، من ورد شرب منه، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يُحال بيني و بينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أُحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً ؟ فقلت: نعم، قال: وأنا اشهد على أبي سعيد

____________________

١ سنن الترمذي: ٥/٦٣٨ برقم ٣٧٢٥.

٢ صحيح البخاري: ٥/٢٦، باب مناقب الحسن والحسينعليهما‌السلام .

٣ صحيح البخاري: ٥/١٢٥، باب غزوة الحديبية.

٤٩٢

الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي.(١)

أخرج مسلم عن الاَعمش، عن شفيق، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا فرطكم على الحوض ولاُنازعنّ أقواماً ثم لاَغلبن عليهم، فأقول: يا ربّ أصحابي، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(٢)

والعجب انّ الذين يروون هذه الاَحاديث من الصحيحين - اللّذين يُعدان عندهم من أصحّ الكتب بعد كت-اب اللّه - يحكمون بلزوم الاقتداء بكلّ صحابي وأخذ الحديث منه، ولا يجوّزون رمي واحد منهم بالجرح مع أنّ بينهم من بدّل دين اللّه وغيّره وأحدث وقال في حقّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سحقاً، سحقاً.

هذه طائفة من روائع أحاديثه، وإليك هذا الحديث المنسوب إليه والذي يخالف القواعد السالفة الذكر.

نزول الوحي عند رغبة ابن امّ مكتوم

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي إسحاق، أنّه سمع البراء يقول في هذه الآية: «لا يستوي القاعدون من الموَمنين والمجاهدون في سبيل اللّه» فأمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيداً فجاء بكتف يكتبها، فشكا إليه ابن أُمّمكتوم ضرارته، فنزلت:( لا يَسْتَوي القاعِدونَ مِنَ المُوْمنينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَر ) .(٣)

ومعنى ذلك انّ الوحي نزل لرغبة ابن أُمّ مكتوم ولولا شكايته لكان الوحي مثل ما نزل أوّلاً، وقد مرّ الكلام فيه عند دراسة أحاديث زيد بن ثابت.

____________________

١ صحيح البخاري: ٩/٤٦، كتاب الفتن.

٢ صحيح مسلم:٧/٦٨، باب إثبات حوض نبيّنا.

٣ صحيح مسلم: ٦/٤٢، باب سقوط فرض الجهاد على المعذورين؛ صحيح البخاري: ٤/٢٤- ٢٥، باب قوله تعالى:( لا يستوي القاعدون ) (النساء/٩٥).

٤٩٣

٢٩- عبد اللّه بن الزبير

(٢- ٧٣ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. تقديم صلاة الجمعة على الخطبتين

٢. خطبة علي بنت أبي جهل

عبد اللّه بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الاَسدي، كنيته أبو بكر، وأُمّه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وهو أوّل مولود ولد في الاِسلام بعد الهجرة للمهاجرين.

ولد بالمدينة على رأس سنتين من الهجرة، أحضره أبوه الزبير عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبايعه وعمره سبع سنين.

وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث، روى عنه: أخوه «عروة» وابناه «عامر» و«عباد»، وعبيدة السلماني، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وغيرهم.

شهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلاً لعليٍّ، فكان عليعليه‌السلام يقول: مازال الزبير منّا أهلَ البيت حتى نشأ له عبد اللّه، وامتنع من بيعة يزيد بن معاوية بعد موت معاوية فأرسل إليه يزيد، مسلم بن عقبة «المُرّي»، فحصر المدينة

٤٩٤

وأوقع بأهلها وقعة الحرة المشهورة، ثمّسار إلى مكة ليقاتل ابن الزبير فمات في الطريق، ثمّ استخلف الحصين بن نمير السكوني وحاصر ابن الزبير بمكة، ودام الحصر إلى أن مات يزيد، وبويع عبد اللّهبن الزبير بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان.(١)

كان ابن الزبير يسوس الحجاز والعراق وفيهما عمّاله إلى ان استولى عبد الملك على العراق عام إحدى وسبعين من الهجرة وانحصرت امارة ابن الزبير بالحجاز ، وعند ذاك وجّه عبد الملك، الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش كثيف من أهل الشام لقتال عبد اللّه بن الزبير، وقدم مكة وحصر ابن الزبير، والتجأ هو وأصحابه إلى المسجد الحرام، ونصب الحجاج المنجنيق على «جبل أبي قبيس» ورمى به الكعبة إلى ان خرج أصحابه إلى الحجاج بالاَمان، وقتل ابن الزبير يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة عام ثلاث و سبعين من الهجرة.(٢)

قال الذهبي: مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثاً، اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث ومسلم بحديثين.

وقبل ان نتناول أحاديثه بالبحث والتمحيص نذكر لمحة خاطفة عن سيرته والدور الذي لعبه في حرب الجمل.

التاريخ يصرح بأنّه هو الذي أشعل نائرة الحرب بين عليعليه‌السلام وأبيه، وكان أبوه على عتبة الندم والرجوع إلى المدينة وترك الحرب، ولكن ابنه عبد اللّه حال دون ذلك والجأ أباه إلى الاستمرار في موقفه المتصلِّب ضد عليّعليه‌السلام الذي كانت تربطه به أواصر القرابة، فقد كان عليعليه‌السلام ابن خاله وكان الزبير ابن عمة عليعليه‌السلام ، وكانت الاَواصر الودية مستوثقة إلى ان شبّ ابنه عبد اللّه فتعكّر صفو تلك الروابط.

____________________

١ أُسد الغابة: ٣/١٦١.

٢ الطبري، التاريخ: ٥/٢٤؛ الكامل لابن الاَثير: ٤/٣٤٩- ٣٥٦.

٤٩٥

قال الطبري: فلما تواقفوا خرج عليّعلى فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال علي للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الاَمر أهلاً، ولا أولى به منّا.

فقال عليعليه‌السلام : لست له أهلاً بعد عثمان! قد كنا نعدُّك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك، وعظّم عليه أشياء، فذكر انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّعليهما، فقال لعليّ: «ما يقول ابن عمتك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم».

فانصرف عنه الزبير، وقال: فإنّي لا أُقاتلك. فرجع إلى ابنه عبد اللّه، فقال: مالي في هذه الحرب بصيرة.

فقال له ابنه: إنّك قد خرجت على بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت انّ تحتها الموت، فجبُنتَ، فأحفظه حتى أرعد وغضب.

وقال: ويحك ! إنّ-ي قد حلفت له ألاّأقاتله.

فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه وقام في الصف معهم.

وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟! سلط اللّه على أشدِّنا عليه اليوم ما يكره.(١)

وعلى هذا فقد شبّ الرجل وشاب على عداء عليٍّ وحمل الضغن عليه.

ومما يكشف عن عدائه المتأصل ما نقله ابن الاَثير ما هذا لفظه بتلخيص: انّ ابن الزبير دعا محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة الذي له صحبة ليبايعوه. فامتنعوا، وقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الاَُمة، فأكثر الوقيعة بابن الحنفية

____________________

١ تاريخ الطبري: ٣/٤١، حوادث سنة ٣٦، ونقله أيضاً ابن الاَثير في الكامل، لاحظ ٣/٢٣٩.

٤٩٦

وذمّه، فأخبروا ابن الحنفية بما كان منهم، فأمرهم بالصبر، ولم يلحّ عليهم ابن الزبير.

فلما استولى المختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به، فألحّ عليه وعلى أصحابه في البيعة له، فحبسهم بزمزم وتوعدهم بالقتل والاِحراق، وإعطاء اللّه عهداً إن لم يبايعوه أن ينفِّذ ما توعَّدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلاً.

ولما اطّلع المختار على حقيقة الاَمر بعث ظبيان بن عُمارة أخا بني تميم ومعه أربعمائة وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم، فساروا نحو مكة حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم الرايات وهم ينادون: يا لثاراث الحسين، حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعدَّ ابن الزبير الحطب ليُحرقهم وكان قد بقي من الاَجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خلِّ بيننا وبين عدو اللّه ابن الزبير.

فقال لهم: إنّي لا أستحل القتال في الحرم إلى آخر ما ذكره.(١)

فإذا كان هذه هي شيمة الرجل و سيرته مع آل علي، فهل يصحّ أن يعتمد على ما يرويه في حقّهم كما سيوافيك؟!

وعلى أية حال فهو من المقلِّين في نقل الحديث، ومن روائع رواياته ما يلي:

روائع أحاديثه:

١. أخرج أحمد في مسنده، عن عطاء، عن عبد اللّه بن الزبير، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلاّ

____________________

١ الكامل في التاريخ: ٤/٢٤٩- ٢٥١.

٤٩٧

المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا.(١)

٢. أخرج النسائي في سننه، عن يوسف بن الزبير، عن عبد اللّه بن الزبير، قال:

جاء رجل من خثعم إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: إنّ أبي شيخ كبير، لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة اللّه في الحج، فهل يجزي أن أحج عنه؟

قال: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: أرايت لو كان عليه دين، أكنت تقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه.(٢)

ثمّ إنّ هنا روايات رويت عنه، تخالف الضوابط المذكورة في صدر الكتاب.

١. تقديم صلاة الجمعة على الخطبتين

أخرج أحمد في مسنده، عن وهب بن كيسان مولى ابن الزبير، قال:

سمعت عبد اللّه بن الزبير في يوم العيد، يقول، حين صلّى قبل الخطبة، ثمّ قام يخطب النّاس: يا أيّها النّاس، كلاًّ سنّة اللّه وسنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣)

الظاهر انّ الرواية موقوفة، لاَنّ ابن الزبير ولد في السنة الثانية من الهجرة، وتوفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وله ثمان سنين.

فيبدو انّه لم ير واقعة تقديم الصلاة على الخطبتين من قبل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فتكون الرواية موقوفة وليست بحجّة.

على أنّ الظاهر من كلمات الفقهاء شرطية تقدّم الخطبة.

قال في المغني: الرابع من الشروط أن يتقدمها خطبتان من شرط

____________________

١ مسند أحمد : ٤/٥.

٢ سنن النسائي: ٥/١١٧، تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين.

٣ مسند أحمد:٤/٤.

٤٩٨

صحتهما، وقد كان عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تقديم الخطبة بينهما فصل من جلوس، و قد قال: صلوا كما رأيتموني أُصلي، فالعكس يحتاج إلى الدليل.(١) وقال العلاّمة الحلّي: الثاني من الشروط تقديمهما على الصلاة لاَنّهما شرط فيها، والشرط مقدم ولانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داوم على ذلك، وقال: صلّوا كما رأيتموني أُصلي، ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن خطبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الصلاة أو بعدها، قال: قبل الصلاة ثمّ يصلي(٢) وأغلب الظن انّ المصلحة الشخصية دفعته إلى تقديم الصلاة على الخطبتين فلما اعترض عليه، اضطر إلى عزو ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخرج من هذا المأزق.

٢. خِطْبَةُ عليّ بنت أبي جهل

أخرج الترمذي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن الزبير؛ انّ عليّاً ذكر بنت أبي جهل، فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنّما فاطمة بضعة منّي، يوَذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها.(٣)

ولكن البخاري نقله في غير واحد من الاَبواب عن مِسْوَر بن مَخْرمة، وإليك صور ما نقله:

١. ما نقله في «باب ما ذكر من درع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بسند ينتهي إلى ابن شهاب انّ علي بن الحسينعليهما‌السلام حدثه أنّ-هم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية،بعد مقتل الحسين بن علي «عليهما‌السلام » ، لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت له: لا، فقال له: فهل أنت مُعطِيَّ سيف رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فانّي أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم اللّه لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليهم أبداً، حتى تبلغ نفسي.

____________________

١ المغني، ابن قدامة ومعه الشرح الكبير: ٢/١٨١.

٢ التذكرة: ٤/٦٩.

٣ سنن الترمذي: ٥/٦٩٩ برقم ٣٨٦٩؛ ورواه أحمد في مسنده: ٤/٥.

٤٩٩

انّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل على فاطمةعليها‌السلام ،فسمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه.

قال: حدَّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أُحرِّم حلالاً ولا أحلُّ حراماً، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبنت عدو اللّه أبداً.(١)

٢. ما أخرجه عن الزهري، قال: حدثني علي بن الحسينعليهما‌السلام : انّ المسور ابن مخرمة، قال: إنّعليّاً خطب بنت أبي جهل، فسمعتْ بذلك فاطمة، فأتت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت: يزعم قومك انّك لاتغضب لبناتك، وهذا عليّناكح بنت أبي جهل.

فقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعتُه حين تشهد، يقول: أمّا بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع فحدَّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي وإنّي أكره أن يسوأها، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبنت عدو اللّه عند رجل واحد. فترك عليّ الخطبة و زاد محمد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن شهاب، عن علي، عن مسور : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن.قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.(٢) ٣. ما نقله أيضاً مرسلاً وقال: قال المسور: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر صهراً له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.(٣)

____________________

١ صحيح البخاري: ٤/٨٣، باب ما ذكر من درع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ صحيح البخاري: ٥/٢٢-٢٣، باب ذكر اصهار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ صحيح البخاري: ٧/٢٠، باب الشروط في النكاح.

٥٠٠