الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85422
تحميل: 5984

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85422 / تحميل: 5984
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

إسرائيل.

إنّ الاعتماد على هذه الاَحاديث وأمثالها جرّ الويلات على المسلمين حيث حشُّوا كتبهم بخرافات وأقاصيص بني إسرائيل لا يصدّقها العقل والنقل.

ثمّ إنّ التمسك بجواز النقل عن أهل الحديث بعمل الصحابة كما ترى، فإنّ الحجة هي قول المعصوم وفعله وتقريره لا قول الصحابي، فهم معذورون في نقل هذه الاَحاديث.

قال ابن حجر في تفسير الحديث المروي في صحيح البخاري:« إنّ عمر أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه، فغضب، وقال: لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو انّ موسى كان حياً ما وسعه إلاّ أن يتبعني»: إنّ رجاله موثقون إلاّ أنّ في مجالد ضعفاً وأخرج البزار أيضاً من طريق عبد اللّه بن ثابت الاَنصاري انّعمر نسخ صحيفة من التوراة، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء و في سنده جابر الجعفي وهو ضعيف.(١)

وعلى أية حال فما روي عن بني إسرائيل في كتبنا بحاجة إلى تمحيص علمي كي يميز المخالف للكتاب عن موافقه، و ما لا يصدقه العقل عمّا يصدقه، وما يخالف اتفاق المسلمين عمّا يوافقه.

وقد بلغ اعتماد الصحابة على مستسلمة الاَحبار والرهبان بمكان أنّهم كانوا يسندون ما سمعوه من كعب الاَحبار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظناً منهم بصدق الخبر، وانّ الخبر ينتهي إلى الوحي السماوي، وقد وضعنا أمامك نموذجاً واضحاً على ذلك عند دراسة روايات أبي هريرة، فلاحظ.

هذه دراسة إجمالية لبعض ما أسند إلى ذلك الصحابي الجليل أبي سعيد الخدريّ، من الاَخبار السقيمة، والاَقاصيص الباطلة.

____________________

١ فتح الباري: ١٣/٣٣٤، باب قول النبي لا تسألوا أهل الكتاب.

٥٤١

٣١- عبد اللّه بن عمر

(١٠ق.ه- - ٧٤ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. ليس الاَمر بيد الاِنسان

٢. النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمنع البكاء على حمزة

٣. طلب العلم لغير اللّه

٤. أفضل الناس بعد النبي ثلاثة

٥. أصحابي كالنجوم

٦. أوّل من تنشق عنه الاَرض

٧. الحط من منزلة بعض الصحابة

٨. عدم وقوفه على أبسط المسائل

٩. نفي العدوى

١٠. النبي يأكل ممّا ذبح على الانصاب

هو عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، أسلم بمكة ولم يكن بلغ يومئذ، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وكان يكنّى أبا عبد الرحمان.

عرض نفسه يوم بدر و أُحد للمشاركة في الجهاد فلم يقبل رسول اللّه، وعرضها في غزوة الخندق و له من العمر ١٥ سنة، فقبله.(١)

موقفه من نقل السنة النبوية

قال ابن حزم في كتاب الاِحكام في الباب الثامن والعشرين: المكثرون من

____________________

١ طبقات ابن سعد:٤/١٤٢.

٥٤٢

الفتيا من الصحابة: عمر، وابنه عبد اللّه، علي، عائشة، ابن مسعود، ابن عباس، زيد بن ثابت فهم سبعة.

ولابن عمر في «مسند بَقيّ» ألفان وستمائة وثلاثون حديثاً بالمكرر، واتّفقا له على مائة وثمانية وستين حديثاً، وانفرد له البخاري بأحد وثمانين حديثاً، ومسلم بأحد وثلاثين حديثاً.(١)

وقد جُمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت١١٤٥ حديثاً في مختلف الاَبواب(٢) ونقل ابن سعد في طبقاته عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال: لم يكن من أصحاب رسول اللّهأحد أحذر إذا سمع من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً ألاّ يزيد فيه ولا ينقص منه ولا ولا من عبد اللّه بن عمر.(٣)

ويدل على شدّة تمسكه بالسنّة شواهد:

منها: انّه كان يشترط على من صحبه في السفر الفطر والاَذان والذبيحة، وكان يقول: و لئن أُفطِرَ في السفر فآخذَ برخصة اللّه أحبّ إليَّ من أن أصوم.

ونقل نافع انّعبد اللّه بن عمر لم يكن يصوم في السفر.(٤) ولقد أثبتنا في محلّه(٥) انّ السنّة هي الاِفطار في السفر و انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّى الصائم في السفر عاصياً.

ومنها: ما أخرجه الترمذي في سننه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، انّ سالم بن عبد اللّه حدثه انّه سمع رجلاً من أهل الشام، وهو يسأل عبد اللّه بن

____________________

١ سير أعلام النبلاء:٣/٢٣٧.

٢ المسند الجامع، الجزء العاشر ،وقد خصص هذا الجزء لرواياته.

٣ طبقات ابن سعد: ٤/١٤٤.

٤ طبقات ابن سعد: ٤/١٤٨.

٥ البدعة على ضوء الكتاب والسنة: ٢٦٤- ٢٩٦.

٥٤٣

عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج.

فقال عبد اللّه بن عمر: هي حلال، فقال الشامي: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال عبد اللّه بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها و صنعها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أ أمرَ أبي نتبع، أم أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال الرجل: بل أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: لقد صنعها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)

ومنها: ما رواه نافع انّ ابن عمر كان يتبع آثار رسول اللّه كلّ مكان صلّى فيه حتى انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، ويصبُّ في أصلها الماء لكي لا تيبس.(٢)

وكان إذا قدم بسفر بدأ بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر، فيقول: السّلام عليك يا رسول اللّه. السّلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه.(٣)

والعجب انّه مع زهده و تقشفه كان يتسامح مع الخلفاء الظالمين.

روى الثوري، عن عبد اللّه بن دينار ، قال: لما اجتمعوا على عبد الملك كتب إليه ابن عمر، أمّا بعد: فانّ-ي قد بايعت لعبد اللّه عبد الملك أمير الموَمنين بالسمع والطاعة على سنة اللّه وسنة رسوله فيما استطعت وانّ بنيّ قد أقرّوا بذلك.(٤)

كما نقل عن زيد بن أسلم انّ ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلاّ صلّى خلفه وأدى إليه زكاة ماله، ثمّ نقل عن سيف المازني، قال: كان ابن عمر، يقول: لا أُقاتل في الفتنة وأُصلّي وراء من غلب.(٥)

____________________

١ سنن الترمذي: ٣/١٨٦ برقم ٨٢٤.

٢ سير أعلام النبلاء:٣/٢١٣.

٣ طبقات ابن سعد:٤/١٥٦.

٤ سير أعلام النبلاء: ٣/٢٣١؛ ورواه ابن سعد في طبقاته: ٤/١٥٢.

٥ طبقات ابن سعد: ٤/١٤٢- ١٤٩.

٥٤٤

ولهذه الشخصية مواقف متناقضة فتارة يتعاطف مع أئمة أهل البيت ويشهد على ذلك أُمور:

١. يقول في سوَال السائل عن رأيه في عثمان وعلي: أمّا عثمان فقد عفا اللّه عنه و كرهتم أن يعفو اللّه عنه.

وأمّا علي: فابن عمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وختنه وأشار بيده هذا بيته حيث ترون.(١)

٢. نقل البخاري عن محمد بن أبي يعقوب، سمعت ابن أبي نُعْم سمعت عبد اللّه بن عمرو سأله عن المُحْرِم - قال شعبة - أحسبه يقتل الذباب فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هما ريحانتاي من الدنيا.(٢)

٣. أخرج ابن ماجة عن نافع، عن ابن عمر ، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما.(٣)

إلى غير ذلك من الاَحاديث التي تكشف النقاب عن تعاطفه مع أهل البيتعليهم‌السلام في حين انّه كانت له مواقف أُخرى كعدم مبايعته لعليٍّ عند بيعة المهاجرين والاَنصار له.

يقول الطبري: جاءوا بعبد اللّه بن عمر حتى يبايع علياً، فقال: بايع، قال: لا أُبايع حتى يبايع الناس، قال علي: دعوه، انّه لسيّء الخلق صغيراً وكبيراً.(٤)

وقال أيضاً لما قتل عثمان: بايعت الاَنصار علياً إلاّ نُفَيراً يسيراً، منهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري،

____________________

١ سير أعلام النبلاء: ٣/٢٢٩.

٢ صحيح البخاري: ٥/٢٧.

٣ سنن ابن ماجة:١/٤٤ برقم ١١٨.

٤ تاريخ الطبري: ٣/٤٥١.

٥٤٥

ومحمد ابن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة، كانوا عثمانية.

فقال رجل لعبد اللّه بن حسن: كيف أبى هوَلاء بيعة علي، و كانوا عثمانية؟ قال: أمّا حسّان فكان شاعراً لا يبالي ما يصنع، وأمّا زيد بن ثابت فولاّه عثمان الديوان و بيت المال،... فامّا كعب بن مالك فاستعمله على صدقة «مزينة» وترك ما أخذ منهم له... الخ.(١) هذا يكشف عن أنّ الامتناع عن البيعة كان لغايات دنيوية.

هذا بعض ما يمكن أن يذكر في ترجمته، وقد ترجمه بإسهاب ابن سعد في طبقاته، وابن الاَثير في أُسد الغابة، والذهبي في سير أعلام النبلاء إلى غير ذلك.

وقبل كلّ شيءنذكر أوّلاً نماذج من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه

١. أخرج الترمذي في سننه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بُني الاِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وانّ محمّداً رسول اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت.(٢)

٢.أخرج البخاري، عن واقد بن محمد، قال: سمعت أبي يحدّث عن ابن عمر ، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أُمرت أن أُقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، وانّمحمّداً رسول اللّه، ويقيموا الصلاة، ويوَتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ الاِسلام وحسابهم على اللّه.(٣)

____________________

١ تاريخ الطبري:٣/٤٥٢.

٢ سنن الترمذي: ٥/٥ برقم ٢٦٠٩.

٣ صحيح البخاري: ١/١٠، باب «فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم» من كتاب الاِيمان.

٥٤٦

٣. أخرج ابن ماجة في سننه، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يُلدغ الموَمن من جُحْر مرتين.(١)

٤. أخرج الترمذي عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة على كثبان المسك - أراه قال يوم القيامة - : عبد أدّى حقّاللّه وحقّمواليه ، ورجل أمَّ قوماً و هم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كلّيوم و ليلة.(٢)

٥. أخرج ابن خزيمة، عن نافع، عن ابن عمر: انّالشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فظنّ الناس انّها كسفت لموته، فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: «أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه لا يُكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى الصلاة ، وإلى ذكر اللّه و ادعوا وتصدَّقوا».(٣)

٦.أخرج ابن ماجة في سننه، عن محارب بن دثار، عن عبد اللّه بن عمر ، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق.(٤)

٧. أخرج ابن ماجة في سننه عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : التاجر الاَمين الصدوق المسلم، مع الشهداء يوم القيامة.(٥)

٨. أخرج ابن ماجة في سننه، عن أبي شجرة كثير بن مرّة، عن ابن عمر ، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إقامة حدٍّ من حدود اللّه خير من مطر أربعين ليلة في بلاد اللّه عزّوجلّ.(٦)

____________________

١ سنن ابن ماجة: ٢/١٣١٨ برقم ٣٩٨٣.

٢ سنن الترمذي: ٤/٣٥٥ برقم ١٩٨٦.

٣ المسند الجامع: ١٠/١٧٧ برقم ٧٣٩١.

٤ سنن ابن ماجة: ١/٦٥٠ برقم ٢٠١٨.

٥ سنن ابن ماجة: ٢/٢٧٤ برقم ٢١٣٩.

٦ سنن ابن ماجة: ٢/٨٤٨ برقم ٢٥٤٧.

٥٤٧

٩. أخرج البخاري في صحيحه، عن عمر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت انّه سيورِّثه.(١)

١٠. أخرج أحمد في مسنده، عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله. ويقول: والذي نفس محمّد بيده ما توادّ اثنان ففُرِّق بينهما إلاّ بذنب يحدثه أحدهما.

وكان يقول: للمرء المسلم على أخيه من المعروف ست: يسمِّته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، و يُنصحه إذا غاب، ويشهده و يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات، و نهى عن هجرة المسلم أخاه فوق ثلاث.(٢)

١١. أخرج مسلم في صحيحه، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، انّه قال: ألا كلّكم راع و كلّكم مسوَول عن رعيته، فالاَمير الذي على الناس راع وهومسوَول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسوَول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسوَولة عنهم، و العبد راع على مال سيده وهو مسوَول عنه، ألا فكلكم راع و كلّكم مسوَول عن رعيته.(٣)

١٢. أخرج أحمد في مسنده، عن محارب بن دثار ،عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيها الناس اتقوا الظلم فانّه ظلمات يوم القيامة.(٤) هذه نماذج من روائع أحاديثه، وإليك بعض ما عُزيت إليه من الروايات السقيمة التي لا يذعن بها الكتاب ولا السنة ولا العقل الحصيف.

____________________

١ صحيح البخاري: ٨/١٠ ، باب الوصاة بالجار من كتاب البر والصلة.

٢ مسند أحمد: ٢/٦٨.

٣ صحيح مسلم: ٦/٨، باب فضيلة الاِمام العادل.

٤ مسند أحمد: ٢/٩٢.

٥٤٨

١.ليس الاَمر بيد الاِنسان أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن يحيى بن يعمر، قلت لابن عمر: إنّ عندنا رجالاً يزعمون انّ الاَمر بأيديهم فإن شاءوا عملوا و إن شاءوا لم يعملوا، فقال: أخبرهم إنّي منهم بريء وإنّهم مني بُرآء. ثمّ قال: جاء جبرئيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد ما الاِسلام؟ فقال: تعبد اللّه لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة، إلى أن قال: فما الاِيمان؟ قال: توَمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله و البعث من بعد الموت والجنّة والنار والقدر كلّه، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا موَمن؟ قال: نعم، قال: صدقت.(١) إنّ المروي موَلف من كلام ابن عمر وكلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالكلام في صحّة ما استنبطه هو من كلام الرسول. لا يشكّ أيّ مسلم و موَمن في أنّ للّه سبحانه تقديراً في عالم التكوين والتشريع وتدلّ عليه طائفة من الآيات والروايات. قال سبحانه:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الاَرْضِوَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّفي كِتابٍمِنْ قَبل أَنْ نَبْرَأَها انّذلِكَ على اللّه يَسِير ) (الحديد/٢٢). وقال سبحانه:( انّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكة إِنّا كُنْا مُنْذِرينَ* فِيها يُفرقُ كُل أمرٍ حَكيمٍ ) (الدخان/٣و٤). كما لا شكّ انّ هناك أُموراً ليس للاِنسان فيها دور شاء أم لم يشاء، فقد كتب على كلّ إنسان عدم الخلود، قال سبحانه:( وَما جَعَلْنا لِبَشَ-رٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخالِدُونَ ) (الاَنبياء/٣٤).

____________________

١ مسند أحمد:٢/١٠٧.

٥٤٩

إلى غير ذلك من الحوادث والنوازل التي تنهب نفس الاِنسان ونفيسه ومن حسن الحظ انّ تلك الاُمور الخارجة عن إطار الاختيار ليست ملاكاً للثواب والعقاب ولا للحسن والقبح، فليس لمشيئة الاِنسان أيّ دور فيها. إنّما الكلام فيما يقوم به الاِنسان من الاَعمال التي عليها يدور رحى الاِيمان والكفر ، والثواب والعقاب، وقد سئل ابن عمر عن هذا القسم من الاُمور، حيث قال السائل: « إنّ عندنا رجالاً يزعمون انّ الاَمر بأيديهم فإن شاءوا عملوا و إن شاءوا لم يعملوا» و لا شكّ انّ هذا القسم من الاَفعال بيد الاِنسان ومشيئته فعلاً وتركاً فهو بحول اللّه وقوته يقوم بهذا الاَمر أو يتركه في ضوء الاختيار الذي فطر اللّه الاِنسان عليه، فإنكار المشيئة في هذا النوع من الاَفعال يلازم الجبر المطلق ويعارض الهدف الذي بعث لاَجله الاَنبياء.وبالتالي يكون الاِنسان مكتوف اليدين في مسرح الحياة فما استنتجه ابن عمر من حديث الرسول فرض على الحديث وليس الحديث ناظراً إلى سلب الاختيار، بل تقديره سبحانه في حقّ الاِنسان هو أن يكون إنساناً مختاراً، يعمل بما شاء وفق مشيئته واختياره. وبعبارة أُخرى لا مانع أن يكون هذا القسم من الاَفعال مقدراً من جانبه سبحانه، وفي نفس الوقت يكون فعله وتركه بيد الاِنسان ، وذلك لاَنّ المقدر فيه هو كون الاِنسان مختاراً، وأن يكون الفعل والترك باختياره، فالقول بالاختيار لا يخالف التقدير. فكما انّ أصل الفعل مقدّر من جانبه سبحانه، كذلك وصفه أي صدوره عن فاعل مختار باختياره أيضاً مقدّر ، فلو أنكرنا مشيئتهم ودورهم في أفعالهم فقد أنكرنا تقدير اللّه سبحانه في أفعال الاِنسان.

٥٥٠

٢. النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمنع من البكاء على حمزة أخرج ابن ماجة في مسنده، عن نافع، عن ابن عمر: انّ رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » مرَّ بنساء عبد الاَشهل يبكين هلكاهنَّ يوم أُحد، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكنَّ حمزة لا بواكي له. فجاء نساء الاَنصار يبكينَ حمزة، فاستيقظ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: «ويحهنَّ ما انقلبنَ بعدُ؟ مروهنَّ فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم».(١) والحديث لا يخلو عن إشكالات: الاَوّل: انّ الاِسلام دين الفطرة، وتشريعاته تطابق ما جُبل عليه الاِنسان ولا شكّ انّ الاِنسان عند فقدان الاَحبّة يلوع قلبه وتدمع عينه ويعلو صوته بالبكاء، فالنهي عن مثل هذا الاَمر، نهي عن مقتضى الفطرة والتي عليها بُني الدين، قال سبحانه:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتي فَطَرَ النّاس عَلَيْها ) (الروم/٣٠). لما أُصيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوفاة ولده إبراهيم، ذرفت عيناهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، و يحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، ولولا انّه وعد صادق وموعود جامع فإنّ الآخر منا يتبع الاَوّل وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً أشد من هذا، وانّا بك يا إبراهيم لمحزونون.(٢) فإذا كان كذلك فالنهي عنه أمر غير معقول إلاّ إذا تكلم بما فيه سخط الرب والاِطاحة بتقديره سبحانه وقضائه، وأمّا إظهار حزنه بذرف الدموع على

____________________

١ سنن ابن ماجة: ١/٥٠٧ برقم ١٥٩١.

٢ السيرة الحلبية:٣/٣١٠؛ سنن ابن ماجة:١/٥٠٦ برقم ١٥٨٩ ولاحظ بحار الاَنوار: ٢٢/١٥٧ إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

٥٥١

صفحات الوجه، وإظهار اللوعة بالنوح فهذا ممّا لا شبهة في جوازه. وعلى ضوء ذلك رغّب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبكاء على حمزة لما دخل المدينة بعد غزوة أُحد ورأى النساء يبكين على قتلاهنّ، بكى، وقال: أمّا حمزة فلا بواكي له.(١) وبذلك حرّض النساء على البكاء على حمزة. لما استشهد جعفر في موَتة دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيت جعفر ليعزي أسماء بنت عميس، فلمّا أراد أن يخرج قال:على مثل جعفر فلتبكي البواكي.(٢) أخرج الحاكم بسنده، عن أبي هريرة، قال: خرج النبي على جنازة ومعه عمر ابن الخطاب فسمع نساءً يبكين، فضربهنَّ عمر، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمر دعهنَّ، فانّ العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب.(٣) كلّ ذلك يعرب عن موقف الاِسلام من البكاء على الميت وانّه لم ينه من البكاء وإنّما نهى عن الكلمات التي تُسخط الرب. الثاني: انّ ذيل الحديث يناقض صدره فانّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: «لكن حمزة لا بواكي له» يحرِّض النساء على البكاء على حمزة، وعلى ذلك فقد اجتمعت النساء للبكاء عليه بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما معنى لما جاء في ذيل الحديث «فاستيقظ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: ويحهنَّ ما انقلبن بعدُ، مروهنّ فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم» ؟! الثالث: استشهد حمزة في غزوة أُحد و هو في السنة الثانية من الهجرة مع أنّ الرسول بكى بعده مرات، حيث بكى على ابنه الذي توفي في العام العاشر من الهجرة، كما بكى عند قبر أُمّه.

____________________

١ مسند أحمد: ٢/٤٠؛ والاستيعاب بهامش الاِصابة: ١/٢٧٥؛ إلى غير ذلك من المصادر.

٢ أنساب الاَشراف:٢/ ٤٣.

٣ الحاكم ، المستدرك: ١/٣٨١، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ ولاحظ سنن النسائي: ٤/١٩٠، إلى غير ذلك من المصادر.

٥٥٢

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: زار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبر أُمّه في ألف مقنع فلم ير باكياً أكثر من يومئذ. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(١) وأمّا ما أثر عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام وغيره من الاَئمة المعصومينعليهم‌السلام فحدِّث عنه ولا حرج.

٣. طلب العلم لغير اللّه أخرج ابن ماجة في مسنده، عن خالد بن درْيك، عن ابن عمر ، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من طلب العلم لغير اللّه، أو أراد به غير اللّه، فليتبوّأ مقعده من النار.(٢) يلاحظ عليه: أنّ مفاد الحديث هو انّ طلب العلم فريضة عبادية لا تطلب إلاّ لوجه اللّه فلو طلب لغيره، فقد ترك الفريضة. توضيحه: انّ الواجب على قسمين: تعبدي و توصلي، ويراد من الاَوّل ما يوَتى به لوجه اللّه تبارك و تعالى و امتثال أمره بحيث لو قصد به غيره لبطل العمل، كما إذا صلّى رياءً وسمعة. ويراد من الثاني ما يكون المطلوب نفس العمل سواء أتى به لوجه اللّه أو لغيره، وهذا كما في تطهير الثوب للصلاة فلو طهّره لا للصلاة بل لغاية أُخرى صحّ تطهيره وصحّت إقامة الصلاة فيه. وعلى ضوء هذا نقول: إنّ طلب العلم يوصف بالوجوب تارة والندب أُخرى والاِباحة ثالثاً والكراهة رابعاً والحرمة خامساً.

____________________

١ الحاكم، المستدرك:١/٣٧٥.

٢ سنن ابن ماجة:١/٩٥ برقم ٢٥٨؛ سنن الترمذي: ٥/٢٣ برقم ٢٦٥٥.

٥٥٣

فطلب علم الشريعة وأحكامها واجب توصلي لا تعبدي، فلو طلبه لغايات دنيوية فقد امتثل الواجب غاية الاَمر لا يترتب عليه ثواب إذا لم يقصد به وجه اللّه لا انّه يوعد بالنّار كما في الحديث. كما أنّ طلب العلم إذا كان مستحباً فهو مطلوب توصلي يقصد به أن يقف الطالب على ما دعا إليه الشارع والغاية حاصلة وان طلبها لاَجل أُمور أُخرى ولا يحكم عليه بالفسق والعصيان. وأمّا ما في الرواية فمعناه انّ طلب العلم فيما يرتبط بالواجبات والمستحبات يجب أن يقصد به وجه اللّه، فمن ترك الشرط وطلبه لغير اللّه فلم يأت بالفريضة، وهذا أمر لا يوافق عليه أحد هذا حكم الواجب أو المستحب من طلب العلم وأمّا طلب العلم المباح وغيره فلا أظن أحداً يشترط فيه وجه اللّه على نحو لو طلب العلوم الرياضية أو الفيزياوية لرفاه حاله وحال عياله فقد ارتكب معصية موبقة يتبوّأ مقعده من النار. ولعلّ المراد من العلم هو علم الشريعة والاِيعاد بالنار يختص بما إذا كانت الغاية من تعلّمه، أمراً حراماً، فعندئذٍ عليه أن يتبوّأ مقعده من النار، فتدبّر.٤. أفضل الناس بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أخرج البخاري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنخير أبا بكر ثمّ عمر بن الخطاب ثمّ عثمان بن عفان.(١) أخرج أحمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر ، قال: كنّا

____________________

١ صحيح البخاري: ٥/٤، باب فضل أبي بكر.

٥٥٤

نعدّ ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ وأصحابه متوافرون أبو بكر وعمر و عثمان ثمّ نسكت.(١) أخرج أبو داود، عن سالم بن عبد اللّه، عن ابن عمر، قال: كنّا نقول و رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ: أفضل أُمّة النبيبعده أبو بكر ثمّ عمر ثم عثمانرضي‌ الله ‌عنه م أجمعين.(٢) أخرج أبو داود عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنّا نقول في زمن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » : لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ نترك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نفاضل بينهم.(٣) يستفاد من الحديث أمران: الاَوّل : أفضلية الثلاثة على غيرهم من الناس. الثاني: الناس بعد الثلاثة كلّهم في الفضل سواء فيقع الكلام في مقامين:الاَوّل: أفضلية الثلاثة على غيرهم: إنّ ما عُزِي إلى ابن عمر إنّما هو استنباط شخصي يعود إليه، و لم يعرج المستنبط فيه على دليل واضح وبرهان ساطع إنّ تفضيل الثلاثة على غيرهم فرع وجود ملاكات توفرت فيهم دون غيرهم وعلى أساسها فُضِّلوا بها على غيرهم. إنّ هذه الملاكات لا تخرج عن أحد أمرين:

____________________

١ مسند أحمد: ٢/١٤.

٢ سنن أبي داود: ٤/٢٠٦ برقم ٤٦٢٨.

٣ سنن أبي داود:٤/٢٠٦ برقم ٤٦٢٧.

٥٥٥

أ. ملاكات روحية وفضائل نفسانية. ب. ملاكات عملية وسلوكية. وإليك الكلام في كلا الملاكين: أ. الملاكات الروحية والفضائل النفسانية لا شكّ انّ الملاكات الروحية كالسبق إلى الاِسلام والاِيمان باللّه والخشوع امامه و العلم الغزير الذي يفيد الناس تعد سبباً للتقدّم، ولكن لا أظن سبق الخلفاء الثلاثة على غيرهم في هذا المضمار وفي الاُمّة مثل علي بن أبي طالب «عليه‌السلام » أوّل الناس إسلاماً وأتقاهم وأزهدهم وأقضاهم وأعلمهم. ويكفي في ذلك، الاِمعان فيما نزل في حقّه في سورة الاِنسان ، فقد اتّفقت الاُمّة على نزولها في حقّه وزوجته وأولاده، قال سبحانه:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُريدُمِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً * إِنّا نَخافُمِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً * فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرةً وَسُروراً ) (الاِنسان/ ٨ - ١١). وقد ضحّى بنفسه عندما نام على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت في حقّه الآية التالية:( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللّهِ وَاللّهُ رَوَوفٌ بِالعِباد ) (البقرة/٢٠٧) وهذا غاية الزهد في الدنيا والتجافي عنها. وقد بلغ من الاِيمان بمكان عُدّ تأمينه لدعاء النبي موجباً لنزول العذاب حيث شارك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المباهلة مع زوجته وولديه، ونزل قوله سبحانه:( فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُل تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلى الكاذِبينَ ) (آل عمران/٦١).

٥٥٦

فهذه الآيات وما ورد حولها من الكلمات تعرب عن وجود فضائل و مناقب فائقة لعليعليه‌السلام أدّت إلى تفضيله على غيره، فكيف يقول ابن عمر: «كنّا نعدّ ورسول اللّه حيّ وأصحابه متوافرون أبو بكر وعمر و عثمان ثمّ نسكت». وقد بلغ في العلم بالعقيدة والشريعة مقاماً كان يربو بعلمه على جميع الصحابة وكانوا يرجعون إليه في القضايا والمشكلات دون غيره وانّ أوّل من صرح له بالاَعلمية نبي الاِسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله لفاطمة «عليها‌السلام »: أما ترضين انّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً.(١) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: زوجتك خير أُمّتي، أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً.(٢) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: إنّه لاَوّل أصحابي إسلاماً، وأقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.(٣) وقد اعترف ثلة من الصحابة والصحابيات بفضيلته وهذه عائشة تقول: عليّ أعلم الناس بالسنة.(٤) ويقول عمر: علي أقضانا.(٥) وقد اشتهر قول عمر: لولا علي لهلك عمر اشتهاراً لا حاجة به إلى تخريج سنده.(٦)

____________________

١ كنز العمال: ١١/٦٠٥ برقم ٣٢٩٢٤ - ٣٢٩٢٥.

٢ أخرجه الخطيب في المتفق والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه :٦/٣٩٨.

٣ مسند أحمد:٥/٢٦.

٤ الاستيعاب: ٣/٤٠ هامش الاصابة، طبعة عام ١٣٥٨ه-.

٥ حلية الاَولياء: ١/٦٥.

٦ صحيح مسلم: ٧/١٢٠، باب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٥٥٧

ب. الملاكات العملية والسلوكية

ثمة ملاكات عملية يقوَّم بها الموَمن حال حياته وأفضلها الجهاد في سبيل اللّه قال سبحانه:( فَضَّلَ اللّهُ المُجاهِدينَ عَلى القاعِدينَ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء/٩٥).

ولا شكّ انّ عليّاًعليه‌السلام أكثر الناس جهاداً وقد شارك في جميع الغزوات إلاّ غزوة تبوك فخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة بأمره.

والعجب انّ عبد اللّه بن عمر صاحب هذا الاجتهاد، استنتج خلاف ما جاء في هذا الحديث، في حديث آخر أخرجه عنه الاِمام أحمد في مسنده عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر ، قال: كنّا نقول في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول اللّه خير الناس ثمّ أبو بكر ثمّ عمر ولقد أُتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لاَن تكون لي واحدة منهن أحبُّ إليَّ من حُمر النعم زوّجه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته وولدت له، وسدّ الاَبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر.(١)

ترى فيه تراجعاً عن رأيه في حقّ الشيخين، فمع انّه يعترف في صدر الحديث بأفضليتهما، ولكن يستدرك بأنّ ابن أبي طالب أُتي ثلاث خصال ليس له فيها نظير.

وأظن انّ ابن عمر اقتبس ما استنبطه في حقّ عليعليه‌السلام من كلام سعد بن أبي وقاص على ما أخرجه مسلم في صحيحه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، قال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب، فقال: امّا ما ذكرت ثلاثاً، قالهنّ له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبَّه، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حمر النعم، سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبي بعدي.

____________________

١ مسند أحمد: ٢/٢٦.

٥٥٨

وسمعته يقول يوم خيبر: لاَعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياًعليه‌السلام ، فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبناءَكُمْ ) دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناًعليهم‌السلام فقال: اللهمّ هوَلاء أهلي.(١)

إنّ ما استنتجه عبد اللّه بن عمر إنّما يصحّ إذا لم يكن بين الصحابة من هو أفضل منهم، وهل يتصور أن يكون الثلاثة أفضل من أبي ذر الذي عرّفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبيه عيسى»؟(٢)

لقد كان بين الصحابة من ملىَ إيماناً إلى مشاشه و ما عرض عليه أمران إلاّ اختار الاَرشد منهما و انّرسول اللّه أمر بحبه.

أخرج ابن ماجة، عن علي بن أبي طالب، قال: كنت جالساً عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستأذن عمّار بن ياسر ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائذنوا له مرحباً بالطيب المطيب.(٣)

وروي أيضاً انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ملىَ عماراً إيماناً إلى مشاشه.(٤)

وروي عن عائشة قالت: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ صحيح مسلم: ٧/١٢٠-١٢١ باب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢ وقد أخرجه غير واحد من الحفاظ وأهل الحديث نذكر منهم مسند أحمد:٢/١٦٣؛ مستدرك الحاكم: ٣/٣٤٤ صحّحه وأقره الذهبي ؛ سنن ابن ماجة: ١/٥٥ برقم ١٥٦؛ سنن الترمذي: ٥/٦٦٩ برقم ٣٨٠١- ٣٨٠٢.

٣ ابن ماجة: السنن: ١/٥٢ برقم ١٤٦؛ الترمذي، السنن: ٥/٦٦٨ برقم ٣٧٩٨.

٤ ابن ماجة: السنن: ١/٥٢ برقم ١٤٧.

٥٥٩

عمار ما عرض عليه أمران إلاّ اختار الاَرشد منهما.(١)

وروي عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ اللّه أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنّه يحبهم قيل: يا رسول اللّه من هم؟ قال: علي منهم، يقول ذلك ثلاثاً، و أبو ذر و سلمان والمقداد.(٢)

الثاني: كلّ الناس بعد الثلاثة في الفضل سواء:

إنّ الحديث كما كان يتضمن أفضلية الثلاثة من جميع الناس، يتضمن أيضاً انّ سائر الناس في الفضل سواسية، وهذا أيضاً مخالف لاِجماع المسلمين على أفضلية علي عن غير الثلاثة من الصحابة كما هو واضح، و لذلك نرى انّ ابن عبد البر أنكر صحّة الحديث، ويقول:

قال أبو عمرو : من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر، ثمّ، ثمّ، ثمّ عثمان، ثم نسكت - يعني فلا نفاضل - و هو الذي أنكر ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لاَنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه و الاَثر: انّ علياً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه و إنّما اختلفوا في تفضيل عليّوعثمان.(٣)

٥. أصحابي كالنجوم

أخرج ابن حميد عن نافع، عن ابن عمر ، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: مثل أصحابي مثل النجوم يهتدي به، فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم.(٤)

____________________

١ ابن ماجة: السنن: ١/٥٢ برقم ١٤٨؛ الترمذي، السنن: ٥/٦٦٨ برقم ٣٧٩٩.

٢ ابن ماجة: السنن: ١/٥٣ برقم ١٤٩.

٣ الاستيعاب:٣/٥٢.

٤ المسند الجامع: ١٠/٧٨٢ برقم ٨٢١٩ نقله عن مسند عبد بن حميد.

٥٦٠