الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85438
تحميل: 5984

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85438 / تحميل: 5984
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

ومع ذلك فقد عزيت إليه روايات سقيمة لا تخلو عن إشكال ووهن لكونها مخالفة للكتاب والسنّة أو الموازين الاَُخرى التي أوعزنا إليها في صدر الكتاب وإليك بعض ما وقفنا عليه:١. مجيء الاُمّة يوم القيامة غرّاً محجّلين أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عتبة الكندي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من أُمّتي أحد إلاّوأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: يا رسول اللّه، من رأيت ومن لم تر ؟ قال: من رأيت ومن لم أر غرّاً محجّلين من أثر الطهور.(١) إنّ قوله: «ما من أُمّتي أحد إلاّوأعرفه» من الصيغ التي تفيد العموم أوّلاً، والحصر ثانياً، وعلى ضوء ذلك يدل الحديث على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف جميع أُمّته، وآية عرفانه كونهم غرّاً محجلين من أثر الطهور مع أنّ تلك العلامة، ليست عامة، بل تختصّ بطائفة من الاُمّة وهم المتطهرون المصلون، فكيف يعرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الا َُمّة بعلامة في جبين طائفة منهم. ولا محيص في تصحيح الرواية عن حمل الفقرة الاُولى من الحديث على المصلّين المتطهّرين، فيكون معنى قوله: «ما من أُمتي»، أي ما من أُمّتي الذين يتطهرون ويصلون أحد إلاّ وأنا أعرفه، وهو خلاف الظاهر ، ولعلّ الحديث لم ينقل صحيحاً.٢. ملك الموت لا يقبض شهيد البحر أخرج ابن ماجة في سننه، عن سليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: شهيد البحر مثل شهيدي

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٢٦١.

٦٠١

البرِّ.و المائد في البحر كالمتشحِّط في دمه في البرِّ، وما بين الموجتين كقاطع الدُّنيا في طاعة اللّه، وانّ اللّه عزّ وجلّ وكّل ملك الموت بقبض الاَرواح إلاّ شهيد البحر، فانّه يتولّى قبض أرواحهم. ويغفر لشهيد البرِّ الذنوب كلّها إلاّالدَّيْن، ولشهيد البحر الذُّنوب والدَّين.(١) يلاحظ عليه: كيف أنّه سبحانه يتولّ-ى قبض أرواحهم، مع أنّه سبحانه يقول:( قُلْ يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (السجدة/١١). يقول سبحانه:( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ ) (النحل/٢٨). وقال سبحانه:( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (النحل/٣٢) ، إلى غير ذلك من الآيات التي تصرِّح بأنّالملائكة هم الموكَّلون بقبض الاَرواح دون فرق بين شهيد البرِّ وشهيد البحر ، ولما كانت الملائكة هم المباشرون لقبض الروح بأمر منه سبحانه صحّ نسبة التوفّي إليهم، كما في الآيات السالفة الذكر، وإلى اللّه سبحانه أيضاً، قال:( اللّهُيَتَوفّى الاَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالّتِي لَمْ تَمُت فِي مَنامِها ) (الزمر/٤٢). وقال سبحانه:( هُوَ الَّذِي يَتَوفاكُمْ باللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهار ) (الاَنعام/٦٠)، وقال عزّ من قائل:( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَن يردّ إِلى أَرذَلِ الْعُمُر ) (النحل/٧٠)، وعلى ضوء ذلك فعالم الاحياء والاماتة عالم الاسباب والمسببات وإليه سبحانه ينتهي تأثير الاَسباب و القوى الغيبيّة فتصح نسبة الفعل إلى المباشر والمسبب. وربما يتخيل انّ قيامه سبحانه بقبض روح شهيد البحر تخصيص للآيات السابقة فلا مانع من أن يكون قبض الاَرواح بيد الملائكة إلاّ شهيد البحر، لكنّه

____________________

١ سنن ابن ماجة: ٢/٩٢٨ برقم ٢٧٧٨.

٦٠٢

توهم باطل لاَنّ التخصيص والتقييد والنسخ إنّما هو في الاَحكام التشريعية لا في عالم التكوين وعينية الاَسباب والمسببات. كما انّ ذيل الحديث «يغفر لشهيد البرِّ الذنوب كلّها إلاّالدّين،ولشهيد البحر الذنوب والدين» قابل للنقاش، لاَنّ الدّين حقّ مالي متعلق بالمديون وليس حقاً للّه تبارك وتعالى ، والدائن و دَيْنه و إن كانا مملوكين للّه تبارك و تعالى لكن جرت مشيئته على أن لا يغفر للمديون إلاّ برضى صاحب الدين، فيُغفر ذنب كلا الشهيدين إذا رضي الدائن وإلاّ فلا يغفر ذنبهما، فما وجه هذا التخصيص؟!٣. مشاهدات النبي في الجنّة أخرج أحمد في مسنده، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي، فقلت: ما هذا؟ قال: بلال، قال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنّة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين، ولم أر أحداً أقلّ من الاَغنياء والنساء، قيل لي: أمّا الاَغنياء فهم هاهنا بالباب يحاسبون ويمحّصون، وأمّا النساء فألهاهنَّ الاحمران، الذَّهب والحرير، قال: ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنّة الثمانية، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكفّة فوضعت فيها، ووضعت أُمّتي في كفّة فرجحت بها، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفة، وجيء بجميع أُمّتي في كفة فوضعوا، فرجح أبوبكر، وجيء بعمر فوضع في كفّة، وجيء بجميع أُمّتي فوضعوا، فرجح عمر، وعرضت أُمّتي رجلاً رجلاً فجعلوا يمرّون، فاستبطأت عبد الرحمان بن عوف ثمّ جاء بعد الاياس، فقلت: عبد الرحمان؟!، فقال: بأبي وأُمّي يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحقِّ ما خلصت إليك حتى ظننت أنِّي لا أنظر إليك أبداً إلاّ بعد المشيبات، قال: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي، أُحاسب وأمحَّص.(١)

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٢٥٩.وأخرج الترمذي نظيره عن بريدة الاَسلمي مع اختلاف في المضمون لاحظ: السنن:٥/٦٢٠ برقم ٣٦٨٩، وقد مضى الكلام في الحديث عند ترجمته.

٦٠٣

وفي الحديث تأملات وإشكالات واضحة لا تنطبق على الضوابط التي أشرنا إليها في صدر الكتاب. أوّلاً: انّ الجنة دار الخلود فمن دخلها كان خالداً فيها، قال سبحانه:( أُولئِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُون ) (هود/٢٣). فكيف دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج منها وهل هذا إلاّتخصيص للسنة الاِلهية؟ ثانياً: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع خشفة بين يديه، والخشفة هي الصوت الخفي، فقال: ما هذا؟ قال: بلال. وهل كان بلال دخل الجنّة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّه كان في المدينةحيّاً يرزق؟ ثالثاً: ثمّ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من أحد أبواب الجنّة الثمانية، فإذا وضعت أُمّته في كفة، ووضع أبو بكر في كفة أُخرى، رُجّحت كفة أبي بكر، ومثله عمر، والمراد من التمثيل انّحسنات الاُمّة كانت أقلّ من حسنات كلّ واحد من الشيخين، وفي الاُمّة من هو أسبق منهما إسلاماً وجهاداً وأكثر علماً وتقوى. ثمّ لما شاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استبطاء عبد الرحمان بن عوف، فسأله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سبب التأخير، فقال: ما استبطأت إلاّمن كثرة مالي، أحاسب وأمحّص. إنّ ذيل الحديث لا يوافق مع ما نعلم من حياة وسيرة عبد الرحمن بن عوف، فقد جاء في ذيل الحديث انّه حُوسب ومُحِصَّ ودخل الجنة وشافه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال له: «والذي بعثك بالحقّ ما خلصت إليك حتى ظننت انّي لا أنظر إليك أبداً إلاّ بعد المشيبات، قال: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي أُحاسب وأمحص» وإليك صورة إجمالية عما تركه عبد الرحمن، فهل مثله يحاسب ويمحص وفي المدينة وما والاها بطون غرثى، وأكباد حرّى لا عهد لهم بالشّبع؟! قال ابن سعد: ترك عبد الرحمان ألف بعير وثلاثة آلاف شاة بالبقيع، ومائة

٦٠٤

فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجُرُف على عشرين ناضحاً وكان يدخل قوت أهله من ذلك سنة، وكان فيما ترك ذهب، قُطِعَ بالفوَوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفاً. وعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمان، قال: أصاب تَماضرَ بنت الاَصبغ رُبعُ الثمن، فأخرجت بمائة ألف، وهي إحدى الاَربع.(١) وقال المسعودي: ابتنى داره ووسعها، وكان على مربضه ١٠٠ فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاة من الغنم، وبلغ بعد وفاته ثمن ماله ٨٤ ألفاً.(٢) ٤. لا وصية لوارث أخرج الترمذي في سننه، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في خطبته عام حجّة الوداع: إنّ اللّه قد أعطى لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيّة لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على اللّه، ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة اللّه التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلاّ بإذن زوجها، قيل: يا رسول اللّه، ولا الطّعام؟ قال: ذلك أفضل أموالنا، ثمّ قال: العارية موَدّاة، والمنحة مردودة، والدَّين مقضيّ والزَّعيم غارم.(٣) وهذا الجزء من الحديث(لا وصية لوارث) يخالف الكتاب إذ يكفي في جواز الوصية للوارث قوله سبحانه:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَأَحَدَكُمُ المَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَينِ وَالاَقْرَبينَ بِالمَعْرُوفِ حَقّاً عَلى المُتَّقِينَ ) (البقرة/١٨٠)،

____________________

١ طبقات ابن سعد: ٣/١٣٦- ١٣٧، فصل ذكر وصية عبد الرحمان بن عوف.

٢ مروج الذهب: ٢/٣٣٣، طبع دار الاندلس.

٣ سنن الترمذي: ٤/٤٣٣ برقم ٢١٢٠.

٦٠٥

والآية تأمر بالايصاء بالمعروف ، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوصِ بالمعروف، والآية صريحة في الوصية للوالدين ولا وارث أقرب للاِنسان من والديه، وقد خصهما بالذكر لاَولويّتهما بالوصية، ثمّ عمّم الموضوع، وقال: والاَقربين ليعم كلّقريب وارثاً كان أم لا. ولا يمكن القول بنسخ القرآن العظيم بخبر الواحد مع إمكان الجمع بينهما، وهو حمل الخبر على ما إذا زاد عن الثلث، حتى أنّالدار قطني أخرجه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا القيد، وقال: خطبنا رسول اللّه بمنى، وقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد قسم لكلّ إنسان نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.(١) وقد بسطنا الكلام حوله في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.(٢) ٥. النهي عن السياحة أخرج ابن داود في سننه، عن القاسم، عن أبي أمامة انّرجلاً، قال: يا رسول اللّه، ائذن لي في السياحة، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ سياحة أُمّتي الجهاد في سبيل اللّه تعالى».(٣) انّ حصر السياحة في الجهاد لا يساعده الكتاب ولا سيرة المسلمين، أمّا الكتاب فقد ذكر من أوصاف الموَمنين،وقال:( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الحامِدُونَ السائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِوَالحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبشِّرِ المُوَمِنينَ ) (التوبة/١١٢) وقد فُسِّر السائحون بطلبة العلم الذين يسيحون في الاَرض ويطلبونه في مظانه.(٤)

____________________

١ الدار قطني، السنن:٤/١٥٢، الوصايا، الحديث ١٢-١٣.

٢ الاعتصام بالكتاب والسنة، ص ٢٣٧- ٢٦٠.

٣ سنن أبي داود:٣/٥ برقم ٢٤٨٦.

٤ الكشاف: ٢/١٧٤؛ الدر المنثور:٤/٢٩٨.

٦٠٦

قال سبحانه:( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين ) (التوبة/١٢٢) ولو غُضَّ النظر عن هذه الآية، فقد دلت الآيات الاَخرى على استحباب السير في الاَرض، قال سبحانه:( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَعاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَمِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوّةً وَآثاراً فِي الاَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (غافر/٨٢). وأمّا سيرة المسلمين فالسياحة في الاَرض سنة سائرة بينهم، ولو جعلنا السفر من أقسام السياحة، فقد ندب إليها في الشرع وذكر لها فوائد جمة. ولا محيص في تصحيح الحديث من حمله على الترغيب إلى الجهاد والتأكيد عليه، فكأنّه لا سياحة في الاِسلام إلاّ السير إلى الجهاد.

٦٠٧

٣٦- عبد اللّه بن أبي أوفى

(١٤ قبل الهجرة - ٨٦ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. معاذ يسجد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢. النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمع لضرب الدف.

٣. النهي عن المراثي.

عبد اللّه بن أبي أوفى (علقمة) بن خالد بن الحارث بن هوازن بن أسلم الاَسلمي، يكنّى أبا معاوية، وقيل أبا إبراهيم، وقيل أبا محمد، شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر ومابعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينةحتى قُبض رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّتحول إلى الكوفة وهو آخر من بقي في الكوفة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: رأيت على ساعد عبد اللّه بن أبي أوفى ضربة، فقلت: ما هذه؟ قال: ضُرِبتُها يوم حنين، وقلت: أشهدتَ معه حنيناً، قال: نعم، وقيل: غير ذلك.

٦٠٨

روى عنه عمرو بن مرّة، انّه قال: كان أصحاب الشجرة ألفاً وأربعمائة، وكانت «أسلم» ثُمنَ المهاجرين يومئذٍ، روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد والشعبي وعبد الملك بن عمير وأبوإسحاق الشيباني والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وغيرهم.

وروى عنه سالم بن أبي النضر وكان كاتَبه، قال: كتب إليه عبد اللّه بن أبي أوفى إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «اعلم أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف» توفي عبد اللّه بن أبي أوفى بالكوفة سنة ٨٦ ه- ، وقيل ٨٨ بعدما كُفَّ بصره.(١)

وقال الذهبي: من أهل بيعة الرضوان وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة، وكان أبوه صحابياً أيضاً، وقد توفي سنة ٨٨ ه- وقد قارب مائة سنة.(٢)

ونقل ابن سعد عن أبي يعقوب، عن ابن أبي أوفى، قال: غزوت مع رسول اللّه سبع غزوات، ونَقَلَ أيضاً عن محمد بن أعين أبو العلانية المرئيّ، قال: كنت بالكوفة فرأيت عبد اللّه بن أبي أوفى أحرم من الكوفة من مسجد الرمادة وجعل يلبّي.(٣)

وله في المسند الجامع ٥١ حديثاً.(٤)

وهو صحابي وابن صحابي، وله روايات في أبواب مختلفة نذكر من روائع رواياته شيئاً.

____________________

١ أُسد الغابة: ٣/١٢١-١٢٢.

٢ سير أعلام النبلاء: ٣/٤٢٨ برقم ٧٦.

٣ طبقات ابن سعد: ٤/٣٠١- ٣٠٢، وترجمه أيضاً في ٦/٢١.

٤ المسند الجامع:٨/١٩٠.

٦٠٩

روائع أحاديثه

١. أخرج ابن ماجة في مسنده عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ اللّه مع القاضي مالم يَجُر، فإذا جار وكّله إلى نفسه.(١)

٢. أخرج البخاري في الاَدب المفرد عن سليمان أبي آدم، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي أوفى يقول عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: إنّ الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم.(٢)

والمراد انّ وجود قاطع الرحم بين قوم، يحول دون نزول الرحمة عليهم، وليس بغريب قال سبحانه:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّة ) (الاَنفال/٢٥).

٣. أخرج الاِمام أحمد عن مدرك عن عبد اللّه بن أبي أوفى، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو، ويقول: اللّهمّ طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللّهمّ طهّر قلبي من الخطايا ، كما طهرت الثوب الاَبيض من الدنس، وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب؛ اللّهمّ انّي أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونفس لا تَشبع، ودعاء لا يُسمع، وعلم لا ينفع، اللّهم إنّي أعوذ بك من هوَلاء الاَربع. اللّهمّ إنّي أسألك عيشة تقية، وميتة سوية، ومردّاً غيرمخزي.(٣)

٤. أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن عبد اللّه، انّه كتب إليه عبد اللّه بن أبي أوفى يخبره انّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان في بعض أيّامه التي لقى فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: يا أيّها

____________________

١ سنن ابن ماجة: ٢/٧٧٥ برقم ٢٣١٢.

٢ البخاري: ، الاَدب المفرد،ص٣٨ برقم ٦٣، باب لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم.

٣ مسند أحمد: ٤/٣٨١.

٦١٠

الناس لاتتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا انّالجنّة تحت ظلال السيوف.(١)

٥. أخرج مسلم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاَحزاب، وقال: اللّهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب، أهزم الاَحزاب، اللهمّ اهزمهم وزلزلهم.(٢)

٦. أخرج النسائي عن يحيى بن عقيل، قال:سمعت عبد اللّه بن أبي أوفى، يقول: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكثر الذكر ويقلّ اللغو ويطيل الصلاة ويُقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الاَرملة والمسكين فيقضي له الحاجة.(٣)

والمراد من اللغو هو «الدعابة» لا اللغو الذي يعد تركه من علائم الاِيمان قال سبحانه:( وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون ) (الموَمنون/٣).

٧. أخرج مسلم عن محمد بن بشر العبديّ عن إسماعيل، قال: قلت لعبد اللّه بن أبي أوفى: أكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشَّر خديجة ببيت في الجنّة؟ قال: نعم بشّرها ببيت في الجنَّة من قصب لا صخب(٤) فيه ولا نصب.(٥)

ولا غرو فيه فانّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد. قال أبوكريب: وأشار وكيع إلى السماء والاَرض.(٦)

وقد حكى الذكر الحكيم عن آسية انّ-ها طلبت من ربّها أن يبني لها بيتاً في

____________________

١ صحيح مسلم: ٥/١٤٣، باب كراهة تمني لقاء العدو، وباب استجابة الدعاء بالنصر عند لقاء العدو.

٢ صحيح مسلم: ٥/١٤٣، باب كراهة تمني لقاء العدو، وباب استجابة الدعاء بالنصر عند لقاء العدو.

٣ سنن النسائي: ٣/١٠٩، باب ما يستحب من تقصير الخطبة.

٤ الصخب: الصياح.

٥ صحيح مسلم: ٧/١٣٣، باب فضائل خديجة.

٦ صحيح مسلم: ٧/١٣٢، باب فضائل خديجة.

٦١١

الجنّة، قال عزّ من قائل:( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْراةَ فِرْعَونَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابنِ لي عِنْدَكَ بِيتاً فِي الجَنّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِوَنَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِمين ) (التحريم/١١).

٨. أخرج عبد بن حميد، عن فائد أبي الورقاء، عن عبد اللّه بن أبي أوفى الاَسلمي، قال:

خرجت فإذا رسول اللّه وأبوبكر وعمر قعوداً وإذا غلام صغير يبكي، فقال رسول اللّه لعمر: ضُمَّ الصَّبيَّ إليك فانّه ضالّ، فضَمّه عمر إليه، فبينا نحن قعود إذ أمٌّ له تُوَلْوِلُ، أظنه قال: وتقول: وابنيَّاه وتبكي، فقال رسول اللّه لعمر: نادِي المرأة فانّها أُمّ الصَّبيّ وهي كاشفة عن رأسها ليس على رأسها خمار جزعاً على ابنها، فجاءت حتّى قَبَضتْ الصبي من حُجْر عمر وهي تبكي و الصّبيُّ في حجرها، فالتفتت فلمّا رأت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: واحرباه، ألا أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟فقال: رسول اللّه عند ذلك: أترون هذه رحيمة بولدها ؟ فقال أصحابه: بلى يا رسول اللّه، كفى بهذه رحمة، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفس محمد بيده، اللّه أرحم بالموَمن من هذه بولدها.(،١)

إلى غير ذلك من روائع أحاديثه المبثوثة في المسانيد والصحاح، وفي مقابل ذلك عزيت إليه روايات لا يمكن الركون إليها لتخلفها عن الموازين التي استعرضناها في صدر الكتاب:

١. معاذ يسجد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج ابن ماجة عن القاسم الشيباني، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: لمّا قدم معاذ من الشام سجد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما هذا يا معاذ؟!

٦١٢

قال: أتيت الشّام فوافقتهم يسجدون لاَساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا تفعلوا، فانّي لوكنت آمراً أحداً أن يسجد لغير اللّه، لاَمرت المرأة أن تسجُد لزوجها، والّذي نفس محمّد بيده! لا توَدِّي المرأة حقّ ربّها حتّى توَدّي حقّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.(١)

والحديث لوصحّ لدلّ على سذاجة معاذ بن جبل في فهم الدين، وقد أوضحنا حاله عند دراسة أحاديثه، فراجع.

٢. النبي يستمع لضرب الدف

أخرج أحمد في مسنده عن شيخ من بجيلة، قال: سمعت ابن أبي أوفى، يقول: استأذن أبو بكر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجارية تضرب بالدف فدخل، ثمّ استأذن عمر فدخل، ثمّ استأذن عثمان فأمسكت، قال: فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عثمان رجل حييّ.(٢)

انّ معنى الحديث انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استمع لجارية كانت تضرب الدف (وربما تُغنِّي) فهل من المعقول أن يستمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدفّها مع أنّه سبحانه يقول:( ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) (النور/٣١) ويقول سبحانه:( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) (الاَحزاب/٣٢). وليس المراد من الجارية إحدى نسائه وإلاّ لكان التعبير بها هو المتعين.

ثمّ العجب انّ عثمان أشدّ حياءً من الرسول!!!!، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشيخان يستمعان لضرب الدفّ ولكن عثمان أنف عن ذلك مما حدا بالجارية ان تمسك عن الضرب بالدف!!!!

____________________

١ المسند الجامع: ٨/١٨٦- ١٨٧، نقلاً عن مسند عبد بن حميد:٥٣٠.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٥٩٥ برقم ١٨٥٣؛رواه أحمد في مسنده: ٤/٣٨١و ٥/٢٢٧.

٦١٣

كيف يجوز للنبي أن يصغي لضرب الدفّ وقد نهى عنه؟!

أخرج أحمد في مسنده عن عاصم بن عمرو البجلي، عن أبي امامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: تبيت طائفة من أُمّتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثمّ يُصبحون قردة وخنازير فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات.(١)

أخرج البخاري معلقاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انّه قال: ليكوننَّ من أُمّتي أقوام يستحلون الحُرَّ والحرير و الخمر و المعازف.(٢)

٣. النهي عن المراثي

أخرج أحمد في مسنده عن إبراهيم الهجري، عن عبد اللّه بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة فماتت ابنة له وكان يتبع جنازتها على بغلة خلفها، فجعل النساء يبكين، فقال: لا ترثين، فانّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المراثي فتفيض احداكنَّ من عبرتها ما شاءت(٣) .

قد تقدّم منّا الكلام حول الرثاء على الميت عند دراسة روايات أبي موسى الاَشعري وعبد اللّه بن عمر وقلنا بأنّ الممنوع منه هو التكلم بما فيه غضب الرب وليس فيه رضاه وأمّا البكاء - سواء كان بصوت عال أو خافت - فهو أمر فطري نابع من صميم العاطفة الاِنسانيةلا محظور فيه، فنهي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المراثي إنّما لاَجل القسْمِ المحرّم منه.

____________________

١ مسند أحمد: ٤/٣٥٣.

٢ مسند أحمد: ٥/٢٥٩.

٣ صحيح البخاري: ٧/١٠٦ ، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه من كتاب الاَشربة.

٦١٤

أخرج ابن ماجة عن مكحول والقاسم، عن أبي أُمامة: انّ رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها والدّاعية بالويل والثّبور(١) .

قال في الزوائد: اسناده صحيح.

____________________

١ مسند أحمد: ٤/٣٥٦؛سنن ابن ماجة: ١/٥٠٧ برقم ١٥٩٢.

٦١٥

٣٧- سهل بن سعد الساعدي

(٥ ق. ه- ٩١ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. بال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً.

٢. نزول الآية ناقصة.

٣. وضع اليد اليمنى على اليسرى.

٤. الشوَم في المرأة.

سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، أبو العباس الخزرجي الاَنصاري الساعدي.

وكان أبوه من الصحابة الذين توفُّوا في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتُوفي الرسول وسهل له من العمر خمس عشرة سنة، وعاش و طال عمره حتى أدرك الحجاج بن يوسف و امتحن معه، أرسل الحجاج سنة ٧٤ه- إلى سهل بن سعد (رض)، قال: ما منعك من نصر أمير الموَمنين عثمان؟ قال: قد نصرته، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه، وختم أيضاً في عنق أنس بن مالك. و ختم في يد جابر بن عبد اللّه. يريد إذلالهم بذلك و أن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا فيهم.

وشهد سهل قضاء رسول اللّه في المتلاعنين وانّه فرق بينهما وكان اسمه حزناً فسماه رسول اللّه سهلاً.

٦١٦

يروي عنه ابنه عباس، وأبو حازم الاَعرج، وغيرهم، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة و كان من أبناء المائة.

ذكر عدد كبير وفاته في إحدى وتسعين، وقال أبو نعيم وتلميذه البخاري سنة ٨٨.(١)

كما بلغ عدد رواياته في المسند الجامع نحواً من ٨٧ رواية(٢)

وقد نسبت إليه روايات تعدّ من روائع رواياته يوَيدها الكتاب والسنة والعقل، وربما يوجد شذوذ فيما عزي إليه، وإليك بيان كلا القسمين.

روائع أحاديثه

١. أخرج ابن ماجة عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليبشر المشاوَون في الظُّلَم بنورٍ تامٍّ يوم القيامة.(٣)

٢. أخرج أبو داود، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي: انّ رجلاً أتاه فأقر عنده أنّه زنى بامرأة سمّاها، فبعث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها.(٤)

٣. أخرج الترمذي، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا و كافل اليتيم في الجنّة كهاتين وأشار باصبعيه يعني السّبّابة والوسطى.(٥)

____________________

١ سنن ابن ماجة: ١/٥٠٥ برقم ١٥٨٥.

٢ أُسد الغابة: ٢/٣٦٦ وسير أعلام النبلاء:٣/٤٢٢- ٤٢٤.

٣ المسند الجامع: ٧/٣٢١.

٤ سنن ابن ماجة: ١/٢٥٦ برقم ٧٨٠.

٥ سنن أبي داود: ٤/١٥٠-١٥١ برقم ٤٤٣٧.

٦١٧

٤. أخرج البخاري عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد، يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يحال بيني و بينهم.

قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أُحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعتَ سهلاً ؟ فقلتُ: نعم، قال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم منّي، فيقال أنت لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً ، سحقاً لمن بدّل بعدي.(١)

ويوَيد ذلك مضافاً إلى ما ورد في هذا الباب في صحيح البخاري وصحيح مسلم، قوله سبحانه:( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه شَيْئاً وسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكرينَ ) (آل عمران/١٤٤)، و الآية تخبر عن وقوع الانقلاب على الاَعقاب بعد رحيل الرسول والتاريخ حافل بنماذج كثيرة من هذا الارتداد.

٥.أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي حازم عن سهل: انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال يوم خيبر: لاَعطينّ هذه الراية رجلاً يفتح اللّه على يديه، يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يُعطاها، قال: فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى به فبصق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية.

فقال علي: يا رسول اللّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّادعهم إلى الاِسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه فو اللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون

____________________

١ سنن الترمذي: ٤/٣٢١ برقم ١٩١٨.

٦١٨

لك حمر النّعم.(١)

٦. أخرج أحمد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إيّاكم ومحقّرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضَجوا خبزتهم، وإنّ محقّرات الذّنوب متى يُوَخذ بها صاحبها تهلكه.(٢)

وقد رويت عنه روايات لا تخلو عن تساوَلات و ربما لا تنطبق مع ما ذكرنا من الموازين السالفة الذكر:

١. بال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً

أخرج ابن خزيمة عن أبي حازم قال: رأيت سهل بن سعد يبول قائماً، فانّه تحدث ذلك عليه، وقال: قد رأيت من هو خير منّي فعله.(٣)

ولعلّه أراد الرسول من قوله : هو خير منّي، فقد نسب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه بال قائماً.

أخرج البخاري عن حذيفة، قال: لقد رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو قال: لقد أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباطة قوم فبال قائماً.(٤)

وقد ذكرنا ما في هذه الروايات من الضعف عند دراسة روايات حذيفة، فلاحظ.

____________________

١ صحيح البخاري: ٩/٤٦، كتاب الفتن.

٢ صحيح مسلم: ٧/١٢١-١٢٢، باب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ورواه البخاري في الصحيح: ٤/٥٣، باب ما قيل في لواء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن سلمة بن أكوع؛ ورواه أيضاً في ٥/١٨ باب مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣ مسند أحمد: ٥/٣٣١.

٤ المسند الجامع:٧/٢٥٨، نقلاً عن مسند ابن خزيمة.

٦١٩

٢. نزول الآية ناقصة

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: أنزلت( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَالخَيطِ الاَسْود ) ولم ينزل (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الاَبيض والخيط الاَسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له روَيتهما، فأنزل اللّه بعد (من الفجر)فعلموا انّه إنّما يعني الليل و النهار.(١)

وقد روى نظير ذلك عن عدي بن حاتم، قال: لما نزلت( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الاََبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِالاَسْوَد ) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنّما ذلك سواد الليل وبياض النّهار.(٢)

إنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين يفهمه كلّعربي صميم، قال سبحانه:( وَلَقَدْيَسَّرْنا القُرآنَ لِلذِّكْرِفَهَلْ مِنْمُدَّكِر ) (القمر/١٧).

وقال سبحانه:( فَإِنَّما يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَّكَرُونَ ) (الدخان/٥٨).

فإذا كان القرآن كتاب الهداية والاِنذار وكان في مقام بيان الحكم الشرعي لعامة الناس يجب أن يكون بلغة فصيحة يعرفها أهل اللغة.

وعلى ضوء ذلك فلا يعقل انّ عدي بن حاتم ذلك العربي الصميم لم يفهم المراد من الخيط الاَبيض والخيط الاَسود فعمد إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلهما تحت وسادته فجعل ينظر إليهما في الليل، ولا يستبين له فيرجع

____________________

١ صحيح البخاري:٣/١٣٥، باب الوقوف والبول عند سباطة قوم.

٢ صحيح البخاري: ٣/٢٨، باب قول اللّه تعالى:( وَكُلُوا واشربُوا ) .

٦٢٠