الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 85439
تحميل: 5984

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85439 / تحميل: 5984
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، قال: ففتحت عتيدها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: ما تصنعين يا أُم سُليم؟ فقالت: يا رسول اللّه نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبتِ.(١)

أخرج مسلم عن إسحاق بن عبد اللّه، عن أنس، قال: كان النبي لا يدخل على أحد من النساء إلاّ على أزواجه إلاّأُمّ سُليم فانّه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك فقال: إنّي أرحمها، قتل أخوها معي.(٢)

إنّ معنى هذا الحديث انّ النبي كان يخلو بالاَجنبية ولا شكّ في كونه أمراً محرماً، وقد حاول شراح الحديث، أن يزيلوا الاِشكال، فقال النووي: قد قدمنا في كتاب الجهاد عند ذكر أُم حرام أُخت أُمّ سليم أنّهما كانتا خالتين لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محرمين إمّا من الرضاع أو من النسب فتحل له الخلوة بهما.(٣)

وقال أيضاً في مكان آخر: اتفق العلماء على أنّها كانت محرماً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالة لاَبيه أو لجدّه، لاَنّ عبد المطلب كانت أُمّه من بني النجار.(٤)

يلاحظ عليه أوّلا: أنّأنس يبرر الاَمر نقلاً عن النبي بأنّه قال: «إنّي أرحمها، قتل أخوها معي»، ولو كانت خالة له لكان التعليل بها أفضل.

____________________

١ صحيح البخاري: ٥/٣٦؛ صحيح مسلم: ٧/١٣٣؛ مسند أحمد:٣/١٥٦.

٢ صحيح مسلم: ٧/٨١. باب طيب عرق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرك به من كتاب الفضائل.

٣ صحيح مسلم:٧/١٤٥، باب فضائل أُمّ سليم.

٤ النووي: شرح مسلم: ١٦/١٠، كتاب فضائل أُمّ سليم.

٦٦١

وثانياً: أنّ أُمّ سليم ليست خالة النبي شرعاً وبصورة مباشرة بمعنى انّها أُخت أُمّالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وإنّما كانت من بني النجار، و بنو النجار أخوال النبي خوَولة اعتبارية من جهة انّ هاشم بن عبد مناف قد تزوج سلمى النجارية فولدت له عبد المطلب جدّالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبنو النجار أخوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا المعنى، وهذا لا يوجب أن تكون كلّامرأة من بني النجار محرماً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجهة الشرعية.

ولما كان هذا الاَمر لا ينبغي أن يخفى على المحقّقين، لذلك جعلوا الخبر حول دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أُمّسليم بسبب الرضاعة، و هذا أيضاً لا يصحّ، لاَنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مسترضع في بني النجار، وعليه يكون أصل الخبر حول دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها موضع شك، بل هو مردود لا صحة له.

١٨. مدّة خدمته

اختلفت الروايات في مدّة خدمته للنبي بين كونها أربع سنين إلى تسع سنين إلى عشر سنين، فعلى ما رواه البخاري فقد خدم النبي من السنة السابعة قُبيل غزوة خيبر.

أخرج البخاري، عن مولى المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَبي طلحة: التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول اللّه كلّما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهمّ ، إنّي أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلَع الدين وغلبة الرجال، فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها(١) .. الخ.

ويظهر ممّا أخرجه أحمد عن حميد، عن أنس انّه خدمه تسع سنين، قال:

____________________

١ النووي: شرح مسلم:١٣/٦١ - ٦٢ برقم ١٦٠،كتاب الاَمارة، باب فضل الغزو.قد جاء ترجمتها في أُسد الغابة:٥/٥٩١؛ وسير أعلام النبلاء: ٢/٣٠٤ وليست فيهما أيّة إشارة إلى أمر الخوالة.

٦٦٢

أخذت أُم سليم بيدي مقدم النبي المدينة، فأتت بي رسول اللّه فقالت: يا رسول اللّه، هذا ابني وهو غلام كاتب، قال: فخدمه تسع سنين.(١)

ويظهر من قول آخر معزو إليه انّه خدم عشر سنين.

أخرج أحمد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس، قال: خدمت النبي عشر سنين...الخ.(٢)

وأظن انّ ما أخرجه البخاري هو المعتمد، لاَنّ الطفل الذي لا يتجاوز عمره عشر سنين هو أكثر حاجة إلى خادم - يخدمه - من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان في العقد السادس من عمره.

وعلى ضوء ذلك فيتسرّب الشكّ إلى أغلب ما روي عن أنس ممّا يرجع إلى حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل خيبر، فانّ أكثر رواياته تتمحور حول أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي شاهدها بأُم عينيه.

١٩. إسراء النبي قبل أن يوحى إليه

أخرج مسلم في صحيحه، عن شريك بن عبد اللّه بن أبي نَمِر، انّه قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أُسري برسول اللّهمن مسجد الكعبة انّه جاءه ثلاثة نفر - قبل أن يوحى إليه - و هو نائم في المسجد الحرام.

أضاف مسلم وقال: وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدّم فيه شيئاً و أخر و زاد و نقص.(٣)

نقل مسلم حديث ثابت البناني قبل هذا في نفس الباب، ولذلك اقتصر

____________________

١ صحيح البخاري:٧/٧٦، باب الحيس من كتاب الاَطعمة.

٢ مسند أحمد:٣/١٢٤ و٢٠٠.

٣ مسند أحمد:٣/٢٦٥؛ ولاحظ أيضاً ٣/١٩٥ و٢٣١.

٦٦٣

بهذا المقدار وترك التفصيل الوارد في حديث البناني.

أقول: الرواية غير صحيحة وهي مخالفة لاتّفاق المسلمين في أنّ الاسراء كان بعد الوحي، فكيف يقول: وكان ذلك «قبل أن يوحى إليه» وقد جاء في ليلة الاسراء بحكم الصلوات الخمس فهذا دليل على أنّه أُسري به بعد ما أُوحي إليه.

وقد اعتذر عنه النووي في شرحه، وقال: وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخّر وزاد ونقص.

منها قوله: «قبل أن يوحى إليه» وهو غلط لم يوافق عليه، فإنّ الاِسراء أقل ما قيل فيه انّه كان بعد مبعثه بخمسة عشر سنة.

وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.

وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين.

وقال ابن إسحاق: اسري بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فشا الاِسلام بمكة والقبائل، وأشبه هذه الاَقوال قول الزهري، وابن إسحاق إذ لم يختلفوا انّ خديجة (رض) صلت معه بعد فرض الصلوات عليه، ولا خلاف انّها توفيت قبل الهجرة بمدّة قيل لثلاث سنين، وقيل بخمس.

ومنها انّ العلماء مجمعون على أنّ فرض الصلوات كان ليلة الاِسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟(١)

وما ذكره النووي وإن كان حقاً لكن ليس في عبارة مسلم دلالة على أنّه رد قول أنس: «قبل أن يوحى إليه» لعدم دلالة قوله: «فقدم فيه شيئاً وأخّر أو زاد ونقص» على وجود الغلط في حديث البناني.

____________________

١ صحيح مسلم:١/١٠٢، باب الاِسراء برسول اللّه، من كتاب الاِيمان.

٦٦٤

٢٠. نزول آية الصلح في عبد اللّه بن أُبي

أخرج البخاري، عن معتمر، قال: سمعت أبي، انّأنساً (رض)، قال: قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لوأتيت عبد اللّه بن أبي، فانطلق إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون معه و هي أرض سبخة ،فلما أتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: إليك عني، واللّه لقد آذاني نتن حمارك.

فقال رجل من الاَنصار منهم: واللّه لحمار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد اللّه رجل من قومه فشتما، فغضب لكلّواحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد و الاَيدي والنعال فبلغنا أنّها أنزلت( وَإِنْطائِفَتانِ مِنَ المُوَمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) .(١)

وأخرج البخاري أيضاً، عن عروة بن الزبير ، انّ أُسامة بن زيد أخبره انّ رسول اللّه ركب على حمار على قطيفة فدكيّة وأردف أُسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللّه بن أُبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد اللّه بن أُبي فإذا في المجلس اخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاَوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد اللّه بن رواحة، فلما غشيت المجلسَ عجاجةُ الدابة، خمّر عبد اللّه بن أُبي أنفه بردائه ثمّ قال: لا تُغبّ-روا علينا، فسلّم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم، ثمّ وقف، فنزل فدعاهم إلى اللّه وقرأ عليهم القرآن.

فقال عبد اللّه بن أُبي ابن سلول: أيّها المرْء انّه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا توَذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه.

____________________

١ شرح صحيح مسلم للنووي: ٢/٥٦٧- ٥٦٨.

٦٦٥

فقال عبد اللّه بن رواحة: بلى يا رسول اللّه فاغشنا به في مجالسنا، فانّا نحبّ ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي يُخفضُهُم حتى سكنوا، ثمّ ركب النبيدابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة....(١)

أقول: لو صحّ الحديثان فهما واقعتان مختلفتان فما يرويه أُسامة بن زيد كان قبل غزوة بدر كما هو صريح الرواية ولا غبار عليه و لم يرد فيه نزول آية الصلح في حقّ عبد اللّه، إنّما الكلام فيما يرويه أنس حيث إنّ المخاصمة وقعت بين من كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصحابه وبين أصحاب عبد اللّه بن أبي وكانوا إذ ذاك كفاراً كما يدل عليه قوله : «فغضب لعبد اللّه رجل من قومه...»فكيف ينزل فيهم قوله:( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ المُوَمِنينَ اقْتَتَلُوا ) ولا سيما إذا كانت قصة أنس و أُسامة متحدة فانّفي رواية أُسامة «فاستبَّ المسلمون والمشركون».

عثرة لا تقال

إنّ أنس بن مالك مثل كلّ صحابي رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشاهد النور عن كثب وخدمه سنين وارتوى من نمير علمه وروى روائع أحاديثه وجمله، وعلى الرغم من ذلك فنجد انّله زلَّة في حياته عندما قام الوصي علي بن أبي طالبعليه‌السلام يناشد الصحابة ممن سمع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

روى البلاذري، قال عليعليه‌السلام على المنبر: نشدت اللّه رجلاً سمع رسول اللّه يقول يوم غدير خم: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه إلاّ قام وشهد، و تحت المنبر أنس بن مالك و البراء بن عازب وجرير بن عبد اللّه البجلي، فأعادها فلم يجبه أحد منهم، فقال: اللّهمّ من كتم هذه الشهادة وهو

____________________

١ صحيح البخاري:٣/١٨٣، كتاب الصلح.

٦٦٦

يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها، قال أبو وائل: فبرص أنس وعمي البراء و رجع جرير أعرابياً بعد هجرته(١) الخ.

وروى ابن قتيبة، قال: أنس بن مالك كان بوجهه برص، ذكر قوم انّعليّاً (رض) سأله عن قول رسول اللّه: اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: كبرتُ سني ونسيتُ، فقال علي: إن كنت كاذباً فضربك اللّه بيضاء لا تواريها العمامة.(٢)

وقال ابن أبي الحديد: ناشد عليعليه‌السلام الناس في رحبة القصر - أو قال رحبة الجامع بالكوفة - : أيّكم سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها، وأنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس، ما يمنعك أن تقوم فتشهد، ولقد حضرتها؟ فقال: يا أمير الموَمنين، كبرت ونسيت، فقال: اللّهمّ إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة قال طلحة ابن عمير: فواللّه لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.(٣)

لم تكن واقعة غدير خم، حادثة صغيرة يبليها مرُّ الليالي و الاَيام بل كانت واقعة تاريخية حضرها آلاف من الصحابة في منصرفهم عن حجّة الوداع، وقد صعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر وناشدهم بأُمور وأخذ منهم الاعتراف ثمّ قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه» أفتُنسى مثل هذه الحادثة مع أنّه - عند المناشدة - كان في العقد الرابع من عمره، مع أنّ أنساً هو المصدر الاَوّل لاَفعال النبي، صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها ؟

____________________

١ صحيح البخاري: ٦/٣٩ - ٤٠ تفسير سورة آل عمران.

٢ البلاذري: انساب الاَشراف:٢/١٥٦- ١٥٧.

٣ ابن قتيبة: المعارف: ٢٠١- ٢٥١، طبعة مصر.

٦٦٧

٣٩- السائب بن يزيد الكندي

(٣ - ٩٤ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأذن لقينة في الغناء لعائشة

هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي المدني، وكان جدّه سعيد حليف بني عبد شمس.

قال السائب: حجّ بي أبي مع النبي وأنا ابن سبع سنين.

وقال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل قتل عبد اللّه بن خطل يوم الفتح، أخرجوه من تحت الاَستار ، فضرب عنقه بين زمزم والمقام.

كان له نصيب من صحبة ورواية وكان من المقلِّين في الحديث.(١)

وقد جُمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ١٥ رواية.(٢)

ونكتفي هنا بروايتين إحداهما من روائع رواياته والاُخرى من رواياته السقيمة.

____________________

١ شرح نهج البلاغة: ٤/٧٤.

٢ سير أعلام النبلاء: ٣/٤٣٧ برقم ٨٠؛ أُسد الغابة: ١/٣٢٢.

٦٦٨

أخرج أحمد عن الزهري، عن السائب بن يزيد:

انّه لم يكن يُقَصُّ على عهد رسول اللّه ولا أبي بكر و كان أوّل من قصّ تميم الداريّ استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر.(١)

والحديث يعرب عن حقيقة مرّة وهي انّ الجهاز الحاكم - آنذاك - قد حظر نقل الحديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومذاكرته وتدوينه وكتابته إلاّشيئاً يسيراً؛ في حين انّه رخّص لتميم الداريّ أن يقصّ وهو كان نصرانياً قدم المدينة فأسلم في سنة ٩ه-، فصار قصّاصاً في المدينة يوم لم يكن يعارضه و يكافئه، وبما انّ الرجل كان قد قضى شطراً من عمره بين الاَحبار والرهبان، فمن الطبيعي أن يقصّ كلّما تعلمه من أساتذته من الاِسرائيليات والاَساطير المسيحية ويبثها بين المسلمين وهم يأخذونها منه زاعمين انّها حقائق راهنة، وقد مرّ الكلام فيه عند دراسة روايات «تميم الداري».

وإليك رواية سقيمة منه:

النبي يأذن لقينة في الغناء لعائشة

أخرج أحمد عن يزيد بن حصيفة، عن السائب بن يزيد الكندي:

إنّ امرأة جاءت إلى رسول اللّه، فقال: يا عائشة أتعرفين هذه؟ قالت: لا يا نبي اللّه، فقال: هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنِّيك؟ قالت: نعم، فأعطاها طبقاً فغنَّتها، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد نفخ الشيطان في منخريها.(٢)

إنّ الرواية تشتمل على عدّة إشكالات تجعلها في عداد الموضوعات:

____________________

١ المسند الجامع: ٦/١٩ برقم ٢٢٧.

٢ مسند أحمد: ٣/٤٤٩.

٦٦٩

١. الحديث يعرب انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف المغنّيات في المدينة المنورة، فعاد يعرّف قينة بني فلان، لزوجته وانّها تغني.

٢. إذا كان الغناء حراماً والمغنِّي لا يغني إلاّ والشيطان ينفخ في منخريه، فكيف يقترح على عائشة زوجته أن تصغي له؟!

٣. ثمّ هل كانت عائشة بالغة يومذاك وعالمة بحرمة الغناء ومع ذلك قبلت اقتراح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصبحت تصغي لغنائها؟

٤. إذا كان عمل القينة عملاً شيطانياً، فكيف يسمح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها بالغناء، (بل و يأمر به )ولعائشة بالاستماع والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجلّ من أن يحوم حول تلك الاُمور ؟

ولا تعجب من هذا الحديث، فانّ له في كتب الحديث نظائر، وقد حكم عليها بالوضع.

روى ابن الجوزي باسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بحسان بن ثابت وقد رشَّ فناء أطمه.

وجلس أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماطين وجارية له يقال له (كذا في المصدر) «سيرين»، معها «مزهرها» تختلف به القوم وهي تغنيهم. فلمّ-ا مرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمرهم ولم ينههم، فانتهى إليها وهي تقول في غنائها«هل عليَّ ويحكم ان لهوت من حرج» فضحك رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حرج إن شاء اللّه.(١)

____________________

١ مسند أحمد: ٣/٤٤٩.

٦٧٠

٤٠- عامر بن واثلة

(٢- ١٠٧ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

حديثه السقيم:

النبي يكشف عن عورته

عامر بن واثلة بن عبد اللّه بن عمرو الليثي الكناني الحجازي الشيعي.

كان من شيعة الاِمام عليعليه‌السلام مولده بعد الهجرة، وكان يقول: ولدت عام أحد، وهو آخر من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاة.

حدث عنه: حبيب بن أبي ثابت، والزهري، وأبو الزبير المكي، وعلي بن زيد ابن جدعان، وعبد اللّه بن عثمان بن خثيم، ومعروف بن خرّبوذ، وسعيد الجريري، وفطر بن خليفة، وخلق سواهم. قال عبد الرحمان الهمداني: قال: دخل أبو الطفيل على معاوية، فقال: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليّاً؟ قال: ثكل العجوز المقلات، والشيخ الرّقوب، قال: فكيف حبك له؟ قال: حبّ أُمّ موسى لموسى، وإلى اللّه أشكو التقصير وقيل: إنّ أبا الطفيل كان حامل راية المختار لما ظهر بالعراق وحارب قتلة

٦٧١

الحسين، وكان أبو الطفيل ثقة فيما ينقله، صادقاً، عالماً، شاعراً، فارساً، عمّر دهراً طويلاً وشهد مع علي حروبه. قال خليفة: وأقام بمكة حتى مات سنة مائة أو نحوها، وقال: سنة سبع ومائة.(١) وهو من المقلّين في الحديث، وقد جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ١٢ حديثاً.(٢) روائع أحاديثه أخرج البخاري في الاَدب المفرد عن عمارة بن ثوبان، قال: حدثني أبو الطفيل قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقسم لحماً بالجعرَّانة، وأنا يومئذٍ غلام، أحمل عضو البعير، فأتته امرأة فبسط لها رداءها، قلت: من هذه؟ قيل: هذه أُمّه التي أرضعته.(٣) كما عزيت إليه رواية لا تنسجم مع الضوابط التي أوعزنا إليها غير مرّة. النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكشف عن عورته أخرج أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: لمّا بني البيت، كان الناس ينقلون الحجارة، والنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينقل معهم فأخذ الثوب فوضعه على عاتقه فنودي: لا تكشف عورتك، فألقى الحجر ولبس ثوبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤)

____________________

١ ابن الجوزى، الموضوعات:٣/١١٦.

٢ سير أعلام النبلاء: ٣/٤٦٧ برقم ٩٧وج ٤/٤٦٧ برقم ١٧٧.

٣ المسند الجامع: ٨/٣٢- ٤٠.

٤ البخاري: الاَدب المفرد، برقم ١٣٠٠.

٦٧٢

ومعنى الرواية انّالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرتدي ثوباً واحداً يستر بدنه، فلما أخذ بأطرافه ووضعها على عاتقه انكشف سوأته سهواً وغفلة، وهذا ما لا يغفل عنه الاِنسان العادي فكيف بنبي العصمة؟!!

* * *

إلى هنا تمّ ما أردناه من دراسة الحديث النبوي على ضوء الاَُصول والضوابط العلمية وقد غفل عنها أكثر المحدّثين الذين اكتفوا بدراسة الاسناد، أي كون الراوي ثقة أو غير ثقة، والسند موصولاً أو مقطوعاً إلى غير ذلك ممّا يعرض الحديث من جانب الاسناد، و أمّا دراسة المتن دراسة علمية موضوعية يميز بها الصحيح عن السقيم فلم يتطرق إليه شراح الصحاح و المسانيد إلاّ في مواضع نادرة. وما ذكرناه يرجع إلى دراسة روايات لفيف من الصحابة على وجه الاِيجاز، وأمّا دراسة روايات كلّ الصحابة أو الصحابيات فتطلب لنفسها مجالاً آخر خصوصاً ما روي عن نساء النبي في حقول مختلفة، فلنترك البحث فيها إلى مجال آخر.

نحمده سبحانه ونستهديه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّهفرغنا من تحريره ظهيرة الثالث من جمادى الاُولىمن شهور عام ١٤١٩ ه- في مدينة قم المحميّةوآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّالعالمينجعفر السبحاني قم المشرفة موَسسة الاِمام الصادقعليه‌السلام للبحوث والدراسات العليا

٦٧٣

الفهرس

١- مكانة السنّة النبوية ٩

٢- اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتدوين الحديث ١٢

٣- المنع الشرعي عن كتابة الحديث؟! ١٧

٤- العلل المزعومة لقلة الاهتمام بالتدوين ٢٣

٥- تمحيص السنّة النبوية ٣٥

٦- طرق التمحيص ٤٥

٧- منهجنا في تمحيص السنّة ٥٣

٨- لا كتاب صحيح سوى القرآن الكريم ٧٠

١- معاذ بن جبل الصحابي ٧٥

٢- أُبيّ بن كعب الاَنصاري ٩٧

٣- العباس بن عبد المطلب الهاشمي ١٠٥

٤- عبد اللّه بن مسعود ١١٢

٥- أبو الدرداء الاَنصاري ١٢٩

٦- عُبادة بن الصامت ١٤٢

٧- طلحة بن عبيد اللّه التيمي ١٥٢

٨- حذيفة بن اليمان العبسي ١٥٩

٩- عقبة بن عمرو ١٧٧

١٠- تميم الداري ١٨٦

١١- أبو موسى الاَشعري ١٩٣

١٢- زيد بن ثابت الاَنصاري ٢١١

٦٧٤

١٣- المغيرة بن شعبة ٢٣١

١٤- جرير بن عبد اللّه البجلي ٢٤٠

١٥- عمران بن الحصين الخزاعي ٢٤٤

١٦- اسامة بن زيد بن حارثة ٢٥٦

١٧- ثوبان مولى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٦١

١٨- سعد بن أبي وقاص ٢٦٨

١٩- أبو هريرة ٢٩٧

٢٠- عقبة بن عامر الجُهَني ٣٦٩

٢١- جبير بن مُطعِم ٣٧٨

٢٢- سمرة بن جندب ٣٨٩

٢٣- عبد اللّه بن مُغفَّل المزني ٤٠٢

٢٤- بريدة بن الحصيب الاَسلمي ٤١٠

٢٥- عبد اللّه بن عمرو بن العاص ٤٣٠

٢٦- ابن عباس ٤٦٢

٢٧- زيد بن أرقم الاَنصاري ٤٨١

٢٨- البراء بن عازب الاَنصاري ٤٨٩

٢٩- عبد اللّه بن الزبير ٤٩٤

٣٠- أبو سعيد الخدري ٥٠٧

٣١- عبد اللّه بن عمر ٥٤٢

٣٢- جابر بن سمرة ٥٧٣

٣٣- عبد الرحمان بن غنم الاَشعري ٥٧٦

٣٤- جابر بن عبد اللّه الاَنصاري ٥٨٠

٣٥- أبو أمامة الباهلي ٥٩٦

٣٦- عبد اللّه بن أبي أوفى ٦٠٨

٦٧٥

٣٧- سهل بن سعد الساعدي ٦١٦

٣٨- أنس بن مالك الصحابي ٦٢٤

٣٩- السائب بن يزيد الكندي ٦٦٨

٤٠- عامر بن واثلة ٦٧١

الفهرس ٦٧٤

٦٧٦