بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116241
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116241 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

٢٧

الحكمة ( ٤٦٤ ) و قال عليه السلام :

إِنَّ ؟ لِبَنِي أُمَيَّةَ ؟ مُرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَ لَوْ قَدِ اِخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ كَادَتْهُمُ اَلضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ و المرود هنا مفعل من الإرواد و هو الإمهال و الإنظار و هذا من أفصح الكلام و أغربه فكأنه ع شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها أقول : و في غريب حديثه عليه السلام كما رواه ابن قتيبة و قد نقله ابن أبي الحديد في فصل غريب الكتاب « إنّ بني اميّة لا يزالون يطعنون في مسجل ضلالة ، و لهم في الأرض أجل حتّى يهريقوا الدم الحرام في الشهر الحرام ، و اللّه لكأنّي إلى غرنوق من قريش يتشحّط في دمه . فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم في الأرض عاذر و لم يبق لهم ملك على وجه الأرض » .

قال ابن قتيبة : قوله عليه السلام « في مسجل ضلالة » من قولك « ركب فلان مسجله » إذا جدّ في أمر هو فيه ، و الغرنوق القرشى الّذي قتلوه فانقضى أمرهم و الغرنوق الشاب هو إبراهيم الإمام ، قيل : قتل بالسيف ، و قيل : خنق في جراب فيه نورة و قوله عليه السلام : « يتشحّط في دمه » يشيّد الأوّل ١ .

« إنّ لبني اميّة مرودا يجرون فيه » في ( تاريخ الطبري ) : لمّا دخل عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث كرمان بعد انهزامه في وقعة الزاوية بالبصرة تلقّاه عمرو بن لقيط العبدي و كان عامله عليها فهيّأ له نزلا . فنزل . فقال له

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٦٣ ، شرح الغريب ٩ ، و غريب الحديث لابن قتيبة ٢ : ١٣٧ ، و النقل بتصرف يسير .

١٢١

شيخ من عبد القيس : و اللّه لقد بلغنا عنك يا ابن الأشعث أن قد كنت جبانا . فقال :

و اللّه ما جبنت ، و اللّه لقد دلفت الرجال بالرجال ، و لففت الخيل بالخيل ، و لقد قاتلت فارسا . و قاتلت راجلا ، و ما انهزمت ، و لا تركت العرصة للقوم في موطن حتّى لا أجد مقاتلا ، و لا أرى معي مقاتلا ، و لكنّي زاولت ملكا مؤجّلا ١ .

و روى في أوّل الصحيفة مسندا عن متوكّل بن هارون الثقفي البلخي قال : لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه و هو متوجّه إلى خراسان . فقلت له : إنّي رأيت الناس إلى ابن عمّك جعفر بن محمّد عليه السلام أميل منهم إليك و إلى أبيك . فقال :

إنّ عمّي محمّد بن علي ، و ابنه جعفرا دعوا الناس إلى الحياة ، و نحن دعوناهم إلى الموت . قال : فلمّا قتل يحيى صرت إلى المدينة . فلقيت أبا عبد اللّه عليه السلام . فقال لي : كيف قال لك يحيى ؟ إنّ أبي حدّثني عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذته نعسة ، و هو على منبره . فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة ، و يردّون الناس على أعقابهم القهقرى . فاستوى جالسا و الحزن يعرف في وجهه . فأتاه جبرئيل عليه السلام بهذه الآية : و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغيانا كبيرا ٢ يعني بني اميّة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يا جبرئيل ،

أعلى عهدي يكونون ؟ قال : لا و لكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك . فتلبث بذلك عشرا ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة و ثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ثمّ لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ، ثمّ ملك الفراعنة ، و أنزل تعالى في ذلك إنّا أنزلناه في ليلة القدر . و ما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر ٣ يملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٧٢ ، سنة ٨٣ .

( ٢ ) الاسراء : ٦٠ .

( ٣ ) القدر : ١ ٣ .

١٢٢

فأطلع اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ بني اميّة تملك سلطان هذه الامّة ، و ملكها طول هذه المدّة . فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه تعالى بزوال ملكهم ،

و هم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت و بغضنا ، و أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يلقى أهل بيته ، و أهل مودّتهم و شيعتهم في أيّامهم و ملكهم ، و أنزل تعالى فيهم : أ لم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار . جهنّم يصلونها و بئس القرار ١ نعمة اللّه محمّد و أهل بيته ، حبّهم إيمان يدخل الجنّة ، و بغضهم كفر و نفاق يدخل النار . فأسرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك إلى عليّ عليه السلام و أهل بيته . ثمّ قال الصادق عليه السلام ما خرج و لا يخرج منّا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما أو ينعش حقّا إلاّ اصطلمته البليّة ، و كان قيامه زيادة في مكروهنا و شعثنا ٢ .

« و لو قد اختلفوا في ما بينهم » و اختلافهم الشديد كان زمن خلافة الوليد بن يزيد .

و في ( تاريخ الطبري ) : ضرب ابن عمّه سليمان بن هشام مئة سوط و حلق رأسه و لحيته و غرّبه إلى عمان . فحبسه بها ، و حبس يزيد بن هشام لمّا أراد البيعة لابنيه ، و أخذ جارية لآل الوليد عمه . فكلّمه عمر بن الوليد فيها . فقال :

لا أردّها . فقال : إذن تكثر الصواهل حول عسكرك . فرماه بنو الوليد و بنو هشام عميه بالكفر ، و غشيان امهات أولاد أبيه ، و قالوا : اتّخذ مئة جامعة ، و كتب على كلّ جامعة اسم رجل من بني اميّة ليقتله بها و رموه بالزندقة ، و كان أشدّهم فيه قولا يزيد بن الوليد و كان يظهر النسك فحمل الناس على الفتك به ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ابراهيم : ٢٨ ٢٩ .

( ٢ ) الصحيفة السجادية : ٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٣٨ ، لسنة ١٢٦ ، و النقل بتصرف يسير .

١٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فقتل في سنة ( ١٢٦ ) ثمّ بويع يزيد و اضطرب حبل بني مروان . فوثب أهل حمص على العباس بن الوليد فهدموا داره و انتهبوها و سلبوا حرمه ، و حبسوا بنيه .

و وقع الاختلاف في خراسان بين اليمانية و النزارية ، و أظهر الكرماني فيها الخلاف لنصر بن سيّار . و اجتمع مع كلّ واحد منهما جماعة ، و أظهر مروان بن محمّد الخلاف على يزيد طالبا بدم الوليد . فمات يزيد في آخر يوم من السنة ثمّ قام مقامه أخوه إبراهيم بن الوليد لكنّه لم يتمّ أمره ، و كان يسلّم عليه جمعة بالخلافة و جمعة بالإمرة ، و جمعة لا بالخلافة و لا بالإمرة حتّى قدم مروان بن محمّد . فخلعه ، و قتل عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك . فبايع الناس مروان بن محمّد . ثمّ خالف سليمان بن هشام مروان و نصب الحرب فحاربه مروان و هزمه ، و قتل ابنه إبراهيم بن سليمان و هرب سليمان إلى الضحّاك الخارجي .

و أمّا أصل اختلافهم فمن زمان عمر بن عبد العزيز . فلما قيل لسليمان اجعله ولي عهدك فإنّه رجل صالح قال : إن ولّيته و لم أول أحدا سواه لتكوننّ فتنة و لا يتركه بنو عبد الملك يلي عليهم إلاّ أن يجعل أحدهم بعده . فجعل يزيد بعده ، و مع ذلك لم يجترئ أن يسمّيه . فأخذ بيعتهم على طاعة من ولاّه في كتاب عهده ، و لمّا سمع هشام بعد سليمان بكونه عمر ، نادى : لا نبايعه أبدا .

فحمله الموكّل بأخذ البيعة على البيعة كرها . ولي عمر سنة ( ٩٩ ) و قام الدعاة سنة مئة فبعث محمّد بن علي العباسي رجلا إلى العراق و ثلاثة رجال إلى خراسان للدعوة تلك السنة .

« ثمّ كادتهم » من الكيد . أي : مكرتهم .

« الضباع » جمع الضبع ، و خصّها عليه السلام بالذكر لأنّها ممّا يضرب المثل

١٢٤

بحمقها فقالوا « أحمق من الضبع » ١ و قالوا « ما يخفى هذا على الضبع » ٢ و المراد دعاة بني العباس ، و في رأسهم أبو مسلم .

و في ( تاريخ الطبري ) : أنّ المنصور لمّا عاتب أبا مسلم لمّا أراد قتله ،

و قال له : فعلت و فعلت ، قال أبو مسلم : ليس يقال هذا لي بعد بلائي . قال له المنصور : لو كانت أمة مكانك لأجزت ناحيتها إنّما عملت ما عملت في دولتنا ٣ .

و فيه أيضا : قال المنصور للسفاح : أطعني و اقتل أبا مسلم . فو اللّه إنّ في رأسه لغدرة . فقال : يا أخي قد عرفت بلاءه ، و ما كان منه . فقال المنصور : إنّما كان بدولتنا ، و اللّه لو بعث سنورا لقام مقامه ، و بلغ ما بلغ في هذه الدولة ٤ .

« لغلبتهم » و قال العباس بن الوليد لمّا وقع الاختلاف بينهم و خرج يزيد بن الوليد على الوليد بن يزيد : « إنّي لأظنّ أنّ اللّه قد أذن في هلاككم يا بني مروان » ثمّ تمثّل :

إنّي أعيذكم باللّه من فتن

مثل الجبال تسامى ثمّ تندفع

لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم

إنّ الذئاب إذا ما الحمت رتعوا

لا تبقرن بأيديكم بطونكم

فثمّ لا حسرة تغني و لا جزع

و في ( العقد ) : لمّا نزل الموت بأبي هاشم ابن محمّد بن الحنفية لمّا سمّه سليمان قال لمحمّد بن علي بن عبد اللّه بن العباس : إنّي ميّت ، و أنت صاحب هذا الأمر ، و ولدك القائم به ثمّ أخوه من بعده ، و اللّه ليتمّنّ اللّه هذا الأمر حتّى تخرج الرايات السود من خراسان ثمّ ليغلبنّ ما بين حضرموت ، و أقصى إفريقيّة ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٢٢٥ ، و الزمخشري في المستقصى ١ : ٧٥ .

( ٢ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٢٩٥ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٣٨ ، سنة ١٣٧ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٦ : ١١٩ ، سنة ١٣٦ .

١٢٥

و ما بين عانة ، و أقصى فرغانة . فعليك بهؤلاء الشيعة ، و استوص بهم الخير .

فهم دعاتك ، و أنصارك ، و لتكن دعوتك خراسان لا تعدوها لا سيما مرو ،

و استبطن هذا الحي من اليمن . فإنّ كلّ ملك لا يقوم به فمصيره إلى انتقاض .

و انظر هذا الحي من ربيعة فإنّهم معهم في كلّ أمر . و انظر هذا الحي من قيس و تميم فأقصهم إلاّ من عصم اللّه منهم ، و ذلك قليل ، ثم مرهم أن يرجعوا .

فليجعلوا اثني عشر نقيبا و بعدهم سبعين نقيبا . فإنّ اللّه لم يصلح أمر بني إسرائيل إلاّ بهم ، و قد فعل ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . فإذا مضت سنة الحمار فوجّه رسلك في خراسان منهم من يقتل ، و منهم من ينجو حتّى يظهر اللّه دعوتكم .

فقال محمّد لأبي هاشم : و ما سنة الحمار ؟ قال : إنّ اللّه لم يمض مئة سنة من نبوّة قط إلاّ انتقض أمرها لقوله عزّ و جلّ : أو كالّذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مئة عام إلى قوله و انظر إلى حمارك و لنجعلك آية للناس ١ .

ثم قدم الشيعة على محمّد بن علي فأخبروه أنّهم حبسوا بخراسان في السجن ، و كان يخدمهم فيه غلام من السرّاجين ما رأوا قط مثل عقله و ظرفه ،

و محبّته في أهل بيت النبيّ يقال له أبو مسلم . فقال : أحرّ أم عبد . قالوا : أمّا عيسى فيزعم أنّه عبد ، و أمّا هو فيزعم أنّه حرّ . قال : فاشتروه و اعتقوه ،

و اجعلوه بينكم إذ رضيتموه . فلمّا انقضت المئة سنة بعث محمّد رسله إلى خراسان . فغرسوا بها غرسا ، و أبو مسلم المقدّم عليهم ، و ثارت الفتنة في خراسان بين المضرية و اليمنية فتمكن أبو مسلم ، و فرّق رسله في كور خراسان يدعو الناس إلى آل الرسول فأجابوه ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٥٩ .

( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ٢٠٥ و ٢٠٦ . و النقل بتصرف يسير .

١٢٦

قول المصنّف : « و المرود هنا مفعل من الإرواد » بمعنى أنّه اسم مكان .

فإنّ غير الثلاثي المجرد اسم مكانه بلفظ اسم مفعوله . فيكون بضم الميم ،

و أما المرود بكسرها فهي حديدة مشدودة بالرسن إذا دار المهر دار معه يقال « دار المهر في المرود » قال عباس بن مرداس :

على شخص الأبصار تسمع بينها

إذا هي جالت في مراودها عزفا ١

أي : صهيلا .

٢٨

من الخطبة ( ١٠٤ ) مِنْهَا فِي خِطَابِ أَصْحَابِهِ :

وَ قَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اَللَّهِ لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ وَ تُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ وَ يُعَظِّمُكُمْ مَنْ لاَ فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ لاَ يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ وَ يَهَابُكُمْ مَنْ لاَ يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً وَ لاَ لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اَللَّهِ مَنْقُوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ وَ أَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ وَ كَانَتْ أُمُورُ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ وَ عَنْكُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَيْكُمْ تَرْجِعُ فَمَكَّنْتُمُ اَلظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ وَ أَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ وَ أَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اَللَّهِ فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ فِي اَلشُّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي اَلشَّهَوَاتِ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ لَجَمَعَكُمُ اَللَّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ من الخطبة ( ١٠٣ ) فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ يَا ؟ بَنِي أُمَيَّةَ ؟ عَمَّا قَلِيلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَ فِي دَارِ عَدُوِّكُمْ قول المصنّف : « و منها في خطاب أصحابه » هكذا في ( المصرية ) ، و في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده أساس البلاغة : ١٨٤ ، مادة ( رود ) .

١٢٧

( ابن أبي الحديد و الخطية ) « منها في خطاب أصحابه » و من الغريب أنّ في نسختي ، من ( ابن ميثم ) بدله « و من خطبة له عليه السلام » ١ .

قوله عليه السلام « و قد بلغتم من كرامة اللّه لكم منزلة إلى قوله و قد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تغضبون ، و أنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون » أي : تستنكفون . قال ابن أبي الحديد : الكلام خطاب لأصحابه الّذين أسلموا نواحيهم إلى جيوش معاوية يقول عليه السلام لهم : إنّ اللّه أكرمكم بالإسلام ، و بلغتم بذلك منزلة أكرم بها اماءكم و من كان مظنّة المهانة ، و وصل بها جيرانكم أي : من التجأ إليكم من معاهد و ذمّي حتّى عصم دماءهم و أموالهم ، و يعظّمكم من لا فضل لكم عليه كالروم و الحبشة ، و يهابكم من لا يخاف لكم سطوة كالملوك الّذين في أقاصي البلاد كالهند و الصين بأنّكم تقهرون الامم بالنصر السماوي .

قيل : إنّ العرب لمّا عبرت دجلة إلى القصر الأبيض بالمدائن عبرتها في أيّام مدّها و هي كالبحر الزاخر على خيولها ، و بأيديها رماحها . فهربت الفرس بعد رمي شديد منهم للعرب ، و العرب يقدمون . فقال فلاّح نبطي بيده مسحاته يفتح الماء إلى زرعه لأسوار معروف بالبأس : أمثلكم في سلاحكم يهرب من هؤلاء الخاسرين ؟ فقال له : أقم مسحاتك فأقامها فرماها فخرق الحديد ثمّ قال : انظر الآن . ثمّ رمى بعض العرب المارّين عليه عشرين سهما لم يصبه بسهم . فقال له : أعلمت أنّ القوم مصنوع لهم . ثم قال عليه السلام مالكم لا تغضبون و أنتم ترون عهود اللّه منقوضة . . . ٢ .

قلت : على ما ذكره يكون الكلام منقطعا غير مجتمع ، و الصواب أن يقال :

إنّه عليه السلام قال لهم إذ بلغتم من كرامة اللّه تعالى لكم بدين الاسلام تلك المنزلة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٥ مثل المصرية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢١ ، و النقل بتصرف يسير .

١٢٨

الّتي وصفها عليه السلام بتلك الأوصاف الأربعة فلم ترون عهود اللّه منقوضة و لا تغضبون مع أنّكم عن نقض ذمم آبائكم تأنفون ؟ هل يكون اللّه تعالى عندكم أقلّ من آبائكم ؟ و هل آباؤكم في أنفسكم أجلّ من اللّه عزّ و جلّ و هو الّذي منّ عليكم بما منّ ؟ .

و صدق صلوات اللّه عليه يقتل الحسين ابن بنت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من أنزل تعالى فيه إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ و أنزل فيه و أبناءنا و أبناءكم ٢ و يقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه « إنّه سيّد شباب أهل الجنّة و ريحانتي من الدنيا » ٣ و تسبى أخواته و بناته بمرأى منهم و مسمع . فيصمتون كأن لم يقع شي‏ء ، و يستجير عبيد اللّه ذاك الرجس النجس الخبيث المخبث بعد قتل يزيد بهم فيمنعون منه لئلاّ تخفر ذمّتهم .

هذا ، و ممّن أنف من نقض عهد أبيه و إن كان ذا حميّة في الدين أيضا في حياته عليه السلام و بعده كأبيه قيس بن سعد بن عبادة . فكان أبوه قسّم أمواله بين ولده قبل خروجه إلى الشام . ثمّ ولد بعده له ولد . فأراد أبو بكر و عمر أن ينقضا ما فعله سعد لأنّه لم يبايعهما ، و إلاّ فلم يكن للولد سهم بعد التقسيم .

فخلّى قيس نصيبه لذاك الولد لئلاّ ينقض عمل أبيه .

و في ( كامل المبرد ) : و كان الفرزدق يجير من استجار بقبر أبيه و كان أبوه جوادا شريفا فاستجارت امرأة من بني جعفر بن كلاب بقبره لئلاّ يسمّيها الفرزدق و يسبّها لمّا هجا بني جعفر بن كلاب فلم يذكر لها اسما و لا نسبا ، و قال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) آل عمران : ٦١ .

( ٣ ) إشارة إلى حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله « الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنّة » و الآخر « هما ريحانتاي من « الدنيا » أخرجهما جمع كثير منهم ابن عساكر بطرق عديدة في ترجمة الحسين عليه السلام : ٣٦ ٥٩ ح ٥٨ ٨٢ .

١٢٩

عجوز تصلّي الخمس عاذت بغالب

فلا و الّذي عاذت به لا أضيرها

و لمّا ولّى الحجّاج تميم بن زيد القيني السند دخل البصرة . فجعل يخرج من أهلها من شاء ، جاءت عجوز الى الفرزدق ، فقالت : إنّي استجرت بقبر أبيك و أتت منه بحصيات . فقال لها : و ما شأنك ؟ فقالت : إنّ تميم بن زيد خرج بابن لي معه و لا قرّة لعيني ، و لا كاسب لي غيره . فقال لها : و ما اسم ابنك . فقالت :

خنيس . فكتب إلى تميم بن زيد مع بعض من شخص :

تميم بن زيد لا تكونن حاجتي

بظهر فلا يخفى عليّ جوابها

وهب لي خنيسا و احتسب فيه منّة

لعبرة امّ ما يسوغ شرابها

أتتني فعاذت يا تميم بغالب

و بالحفرة السافي عليها ترابها

و قد علم الأقوام أنك ماجد

و ليث إذا ما الحرب شبّ شبابها

فلمّا ورد الكتاب على تميم تشكك في الإسم . فقال : أحبيش أم خنيس ؟

ثمّ قال : انظروا من له مثل هذا الإسم في عسكرنا . فاصيب ستّة ما بين حبيش و خنيس فوجّه بهم إليه .

و ظلع مكاتب لبني منقر بمكاتبته . فأتى قبر غالب أيضا فاستجار به و أخذ منه حصيات . فشدّهن في عمامته . ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره و قال :

إنّي قد قلت شعرا . فقال : هاته . فقال :

بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما

خشيت الردى أو أن أردّ على قسر

بقبر امرئ تقرى المئين عظامه

و لم يك إلاّ غالبا ميّت يقري

فقال لي استقدم امامك إنّما

فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر

فقال له الفرزدق : ما اسمك ؟ قال : لهذم . فقال : يا لهذم حكمك مسمّطا .

قال : ناقة كوماء سوداء الحدقة . قال : يا جارية اطرحي إلينا حبلا . ثمّ قال : يا لهذم اخرج بنا إلى المربد . فألقه في عنق ما شئت . فتخيّر العبد على عينه . ثمّ رمى بالحبل في عنق ناقة ، و جاء صاحبها . فقال له الفرزدق : اغد عليّ في ثمنها .

١٣٠

فجعل لهذم يقودها و الفرزدق يسوقها حتّى إذا نفذ بها من البيوت إلى الصحراء صاح به الفرزدق : يا لهذم قبّح اللّه أخسرنا صفقة ١ .

و روى أنّ رجلا من السواقط من بني أبي بكر بن كلاب قدم اليمامة ،

و معه أخ له . فكتب له عمير بن سلمى أنّه له جار و كان أخو هذا الكلابي جميلا فقال له قرين أخو عمير : لا تردّنّ أبياتنا بأخيك هذا . فرآه بعد بين أبياتهم فقتله و كان عمير غائبا فأتى الكلابي قبر سلمى أبي عمير و قرين ، فاستجار به ، و قال أبياتا . فلجأ قرين إلى قتادة بن مسلم من بني حنيفة فحمل قتادة إلى الكلابي ديات متضاعفة ، و فعلت وجوه بني حنيفة مثل ذلك . فأبى الكلابي أن يقبل . فلجأ قرين إلى خاله السمين بن عبد اللّه . فلم يمنع منه عميرا . فأخذه عمير فمضى به حتّى قطع الوادي . فربطه إلى نخلة ، و قال للكلابي : أمّا إذ أبيت إلاّ قتله ، فأمهل حتّى أقطع الوادي ، و ارتحل عن جواري . فلا خير لك فيه فقتله الكلابي . ففي ذلك يقول عمير :

قتلنا أخانا للوفاء بجارنا

و كان أبونا قد تجير مقابره

« و كانت امور اللّه عليكم ترد ، و عنكم تصدر ، و اليكم ترجع . فمكّنتم الظلمة من منزلتكم ، و ألقيتم إليهم أزمّتكم ، و أسلمتم امور اللّه في أيديهم يعملون في الشبهات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « بالشبهات » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطبة ) ٢ .

« و يسيرون في الشهوات » قال ابن أبي الحديد : معنى كلامه عليه السلام أنّ الأحكام الشرعية كانت إليكم ترد منّي ، و من تعليمي إيّاكم ، و من تثقيفي لكم .

ثمّ تصدر عنكم إلى من تعلّمونه إيّاها من أتباعكم و تلامذتكم ثمّ يرجع إليكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٤ : ٢٤٠ ٢٤٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٥ ايضا نحو المصرية .

١٣١

بأن يتعلّمها بنوكم و إخوتكم من هؤلاء الاتباع . . . ١ .

قلت : هو أيضا بلا ربط ، و إنّما المراد إنّكم كنتم موارد امور اللّه ،

و مصادرها ، و مراجعها ، حيث إنّكم أنتم المعتقدون بالإسلام . فمكّنتم الظلمة أعداء الإسلام و من دخل في الإسلام كرها فصاروا بذلكم مراجع و مصادر . و العجب من الناس رأوا أيّام عثمان بني اميّة يصلّون بالناس سكارى و يتّخذون عباد اللّه خولا ، و دين اللّه دغلا و دخلا لم يساعدوا أمير المؤمنين عليه السلام في أيّامه مع كونه عليه السلام يحملهم على المحجّة البيضاء ،

و الصراط المستقيم ، و الدين القيّم و كان فاروقهم بذلك عارفا و معترفا بل خذلوه عليه السلام و عملوا أعمالا صارت سببا لتقوية معاوية عدوّ الدين و لعين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .

و أغرب من هذا أنّهم رأوا معاوية و يزيد ، و ما عليه بنو اميّة من الكفر و العتوّ ، و مع ذلك ألقوا امورهم إلى عبد الملك .

و أعجب من ذلك أنّهم غدروا بمصعب في حياته و إن لم يكن هو خيرا من عبد الملك حتّى أنّه قتل آلافا من الناس صبرا لم يكن جرمهم إلاّ انّهم انتصروا لابن بنت نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قتلوا قاتليه حتّى قال له ابن عمر : لو كانوا من أغنام أبيك ما حلّ لك قتلهم و عيّنوا بعده يوما لإقامة مراسم العزاء له ،

و سنّوا زيارة قبره . فعلوا ذلك لمّا أمر معزّ الدولة الديلمي في بغداد بإقامة مراسم العزاء للحسين عليه السلام في يوم قتله عاشوراء ، أداء لبعض حقّه ، حيث إنّه أحيى الإسلام بجهاده ، و إنّما اختاروه عنادا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث إنّه هو الّذي قتل أنصار أهل بيته . افّ لهم . فكلّهم قتلة آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكن لا غرو فلازم صحّة خلافة صدّيقهم ذلك .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢١ .

١٣٢

« و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب » في ( كامل المبرد ) : نظر الحجّاج . فإذا جلّ من خرج عليه مع ابن الأشعث من الفقهاء و غيرهم من الموالي . فأحبّ أن يزيلهم عن موضع الفصاحة و الآداب ، و يخلّطهم بأهل القرى و الأنباط . فقال :

إنّما الموالي علوج ، و إنّما أتى بهم من القرى . فقراهم أولى بهم . فأمر بتسييرهم من الأمصار ، و إقرار العرب بها ، و أمر بأن ينقش على يد كلّ إنسان منهم اسم قريته ، و طالت ولايته . فتوالد القوم هناك فخبثت لغات أولادهم ، و فسدت طبائعهم إلى أن قال :

و ردّ ( سليمان بن عبد الملك بعد الحجّاج ) المنقوشين . فرجعوا في صورة الأنباط . ففي ذلك يقول الراجز :

جارية لم تدر ما سوق الإبل

أخرجها الحجّاج من كنّ و ظل

لو كان بدر حاضرا و ابن حمل

ما نقشت كفاك في جلد جلل ١

« لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم » بقيام دعاة بني العباس من سنة المئة عليهم ،

و لمّا قاتل عبد اللّه بن علي ، مروان بن محمّد بالزاب ، نادى عبد اللّه : يا أهل خراسان يا لثارات إبراهيم و أمر الناس بالنزول . فنزلوا ، و أشرعوا الرماح .

فجعل أهل الشام يتأخّرون كأنّهم يدفعون ، و قال مروان لقضاعة : إنزلوا .

فقالوا : قل لبني سليم فلينزلوا . فأرسل إلى السكاسك أن احملوا . فقالوا : قل لبني عامر فليحملوا . فأرسل إلى السكون أن احملوا . فقالوا : قل لغطفان فليحملوا . فقال لصاحب شرطته : إنزل . قال : لا و اللّه ما كنت لأجعل نفسي غرضا . قال : أما و اللّه لأسوءنّك . قال : وددت و اللّه أنك قدرت على ذلك ، ثمّ انهزم أهل الشام و انهزم مروان ، و قطع الجسر . فكان من غرق يومئذ أكثر ممّن قتل .

فكان في من غرق يومئذ إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، و أمر عبد اللّه بن علي ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٥ : ٩ ١٠ .

١٣٣

فعقد الجسر على الزاب و استخرجوا الغرقى . فكان في من أخرجوا إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك . فقال عبد اللّه بن علي و إذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم و أغرقنا آل فرعون و أنتم تنظرون ١ و حوى عبد اللّه عسكر مروان بما فيه فوجد فيه سلاحا كثيرا و أموالا ، و لمّا بلغ السفّاح أمر عبد اللّه و مروان قال :

فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهر . . . ٢ .

و في ( تاريخ الطبري ) : كان مروان لمّا لقيه أهل خراسان لا يدبّر شيئا إلاّ كان فيه الخلل و الفساد . فأمر بأموال فاخرجت . فقال للناس : إصبروا و قاتلوا فهذه الأموال لكم . فجعل ناس منهم يصيبون من ذلك المال . فأرسلوا إليه أنّ الناس قد مالوا على هذا المال ، و لا نأمنهم أن يذهبوا به . فأرسل إلى ابنه عبد اللّه : سر في أصحابك إلى مؤخّر عسكرك . فاقتل من أخذ من ذلك المال و امنعهم . فمال عبد اللّه برايته و أصحابه . فقال الناس : الهزيمة ، فانهزموا ،

و مضى مروان منهزما من بلد إلى بلد حتّى انتهى إلى بوصير فبيّته عامر بن إسماعيل و شعبة ، و معهما خيل الموصل . فقتلوه بها ، و هرب ابناه عبد اللّه ليلة بيّت إلى أرض الحبشة فلقوا من الحبشة بلاء ، قاتلتهم الحبشة فقتلوا عبد اللّه ،

و أفلت عبيد اللّه في عدّة ، و قتل عبد اللّه بن علي بنهر أبي فطرس اثنين و سبعين رجلا من بني اميّة في سنة ( ١٣٢ ) و قتل داود بن علي من كان اخذ من بني اميّة بمكّة و المدينة في سنة ( ١٣٣ ) ٣ .

هذا ، و أغرب ابن ميثم في شرح قوله عليه السلام : « و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم » فقال : الكلام تحذير لهم ، و إنذار ربما سيكون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٥٠ .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٦ : ٨٩ ، سنة ١٣٢ ، و النقل بتلخيص . و الآية ٢٤٩ من سورة البقرة .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ٩٠ ١١٠ ، سنة ١٣٢ و ١٣٣ ، و النقل بتصرف يسير .

١٣٤

من بني اميّة من جمع الناس في بلائهم و شرورهم و عموم فتنتهم ، و كنّى باليوم عن مدّة خلافتهم الّتي كانت شرّ الأوقات على الإسلام و أهله ، و إنّما نسب التفريق إليهم و الجمع إلى اللّه تقريرا لما سينزل به قدره من ابتلاء الخلق بهم فإنّهم لو فرّقوهم في أطراف البلاد لم يغنهم ذلك التفرّق عن لحوق قدر اللّه لهم ، و لم يمنعهم من نزوله بجميعهم بما يراد لهم من الإبتلاء بدولة بني اميّة ،

و شرورها . . . ١ و هو كما ترى خبط عجيب .

قوله عليه السلام في الثاني « فاقسم باللّه يا بني اميّة عمّا قليل » بانقضاء ثمانين سنة مدّة ملكهم .

« لتعرفنّها » أي : الخلافة و السلطنة الّتي تقتلون الناس عليها .

« في أيدي غيركم ، و في دار عدوّكم » بني العباس .

٢٩

من الخطبة ( ١٤٩ ) ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اِقْتَرَبَتْ فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ اَلنِّعْمَةِ وَ اِحْذَرُوا بَوَائِقَ اَلنِّقْمَةِ وَ تَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ اَلْعِشْوَةِ وَ اِعْوِجَاجِ اَلْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا وَ ظُهُورِ كَمِينِهَا وَ اِنْتِصَابِ قُطْبِهَا وَ مَدَارِ رَحَاهَا تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَ تَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ شِبَابُهَا كَشِبَابِ اَلْغُلاَمِ وَ آثَارُهَا كَآثَارِ اَلسِّلاَمِ يَتَوَارَثُهَا اَلظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَ آخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ وَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ وَ عَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ اَلتَّابِعُ مِنَ اَلْمَتْبُوعِ وَ اَلْقَائِدُ مِنَ اَلْمَقُودِ فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ وَ يَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اَللِّقَاءِ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ اَلْفِتْنَةِ اَلرَّجُوفِ وَ اَلْقَاصِمَةِ اَلزَّحُوفِ فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اِسْتِقَامَةٍ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٦ .

١٣٥

وَ تَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَةٍ وَ تَخْتَلِفُ اَلْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا وَ تَلْتَبِسُ اَلْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ وَ مَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ اَلْحُمُرِ فِي اَلْعَانَةِ قَدِ اِضْطَرَبَ مَعْقُودُ اَلْحَبْلِ وَ عَمِيَ وَجْهُ اَلْأَمْرِ تَغِيضُ فِيهَا اَلْحِكْمَةُ وَ تَنْطِقُ فِيهَا اَلظَّلَمَةُ وَ تَدُقُّ أَهْلَ اَلْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا وَ تَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا اَلْوُحْدَانُ وَ يَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا اَلرُّكْبَانُ تَرِدُ بِمُرِّ اَلْقَضَاءِ وَ تَحْلُبُ عَبِيطَ اَلدِّمَاءِ وَ تَثْلِمُ مَنَارَ اَلدِّينِ وَ تَنْقُضُ عَقْدَ اَلْيَقِينِ يَهْرُبُ مِنْهَا اَلْأَكْيَاسُ وَ يُدَبِّرُهَا اَلْأَرْجَاسُ مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ تُقْطَعُ فِيهَا اَلْأَرْحَامُ وَ يُفَارَقُ عَلَيْهَا اَلْإِسْلاَمُ بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وَ ظَاعِنُهَا مُقِيمٌ منها :

بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ وَ خَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ اَلْأَيْمَانِ وَ بِغُرُورِ اَلْإِيمَانِ فَلاَ تَكُونُوا أَنْصَابَ اَلْفِتَنِ وَ أَعْلاَمَ اَلْبِدَعِ وَ اِلْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ اَلْجَمَاعَةِ وَ بُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ اَلطَّاعَةِ وَ اِقْدَمُوا عَلَى اَللَّهِ مَظْلُومِينَ وَ لاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ وَ اِتَّقُوا مَدَارِجَ اَلشَّيْطَانِ وَ مَهَابِطَ اَلْعُدْوَانِ وَ لاَ تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ اَلْحَرَامِ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَعْصِيَةَ وَ سَهَّلَ لَكُمْ سَبِيْلَ اَلطَّاعَةِ أقول : أشار عليه السلام إلى فتن بعده عليه السلام متّصلة من بني اميّة السفيانية ،

و المروانية ، و من بني العباس ، و من بعدهم .

« ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض » أي : أهداف .

« بلايا قد اقتربت » هو شاهد ما قلنا ، و يبطل قول ابن أبي الحديد أنّ الكلام إشارة إلى ملحمة في آخر الزمان ١ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٢١ .

١٣٦

« فاتقوا سكرات النعمة » إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ١ و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ٢ . و بنو اسرائيل سكروا بالنعمة بعد نجاتهم من فرعون . فكانوا يقتلون أنبياء اللّه ، و عبدوا العجل كما قال لهم موسى لما قالوا له أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا ٣ عسى ربكم أن يهلك عدوّكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ٤ و كذلك هذه الامّة سلكوا مسلكهم حذو النعل بالنعل بعد بسط النعمة عليهم .

فكانوا يقتلون أهل بيت نبيّهم ، و يتّخذون العجل إماما دون حجّة اللّه .

« و احذروا بوائق » جمع البائقة : الداهية .

« النقمة » أي : نقمة اللّه فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ٥ فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون . أو نرينّك الّذي وعدناهم فإنّا عليهم مقتدرون . فاستمسك بالّذي أوحى إليك إنّك على صراط مستقيم ٦ .

« و تثبّتوا » أي : تأنّوا .

« في قتام » أي : غبار .

« العشوة » أي : الالتباس و الحيرة ، و في ( الصحاح ) : أو طأتني عشوة و عشوة ، أي : أمرا ملتبسا ، و ذلك إذا أخبرته بما أوقعته به في حيرة أو بلية ،

و مضى من الليل عشوة بالفتح ، هو ما بين أوّله إلى ربعه يقال : أخذت عليهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العلق : ٦ ٧ .

( ٢ ) الشورى : ٢٧ .

( ٣ ) الأعراف : ١٢٩ .

( ٤ ) الأعراف : ١٢٩ .

( ٥ ) الزخرف : ٥٥ .

( ٦ ) الزخرف : ٤١ ٤٣ .

١٣٧

بالعشوة أي : بالسواد من الليل ١ .

« اعوجاج الفتنة » أي : اعوجاج الامور يحصل من الفتنة . فيجب التثبت حتّى ترجع إلى الاستقامة .

« عند طلوع جنينها » أي : مستورها .

« و ظهور كمينها » أي : خفيها .

« و انتصاب قطبها » في ( الصحاح ) : يجوز في قطب الرحى الفتح و الضم و الكسر ٢ .

« و مدار » أي : دوران .

« رحاها تبدو » أي : تظهر تلك الفتنة .

« في مدارج خفيّة » جمع المدرجة أي : المذهب و المسلك . قال الشاعر في سيف :

ترى أثره في صفحتيه كأنّه

مدارج شبثان لهنّ هميم ٣ .

« و تؤول » أي : ترجع .

« إلى فظاعة » أي : شناعة .

« جليّة » أي : واضحة . يمكن أن يكون إشارة إلى جعلهم سبّه عليه السلام سنّة ،

و سبّه عليه السلام كسبّ اللّه تعالى .

« شبابها » من شبّ الفرس يشبّ و يشبّ شبابا و شبيبا إذا قمص و لعب ،

و أما الشباب بالفتح : فجمع شاب و الحداثة أيضا .

« كشباب الغلام » تقول « المرء في شبابه كالمهر في شبابه » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٣٧ ، مادة ( عشا ) .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٢٠٤ ، مادة ( قطب ) .

( ٣ ) أورده لسان العرب ٢ : ٢٦٨ ، مادة ( درج ) .

١٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و آثارها كآثار السّلام » جمع السلمة أي : الحجارة ، و في المثل : « أكتم للسرّ من السّلام » ١ .

« تتوارثها الظلمة بالعهود » بعهد الأوّل إلى الآخر أو بالمعاهدة بينهم بتفويضها إلى صاحبه في حياته حتّى يردّها إليه بعد وفاته .

و يمكن أن يكون الكلام إشارة إلى استخلاف معاوية ليزيد ، و هو أوّل من عهد إلى ابنه من المتقدّمين عليه ، و أخذ عهود الناس بذلك . و كان فظاعته جليّة لكون ابنه سكّيرا خمّيرا حتّى أنكر ذلك عليه بنو اميّة أنفسهم .

ففي ( خلفاء بني قتيبة ) : أنّ معاوية لمّا كتب إلى مروان و كان عامله على المدينة أن يبايع ليزيد فأجابه مروان أنّ قريشا قومك يأبون ذلك .

فعزله ، جاء اليه في أخواله من بني كنانة ، و قال له : يا ابن أبي سفيان اهدأ من تأمير الصبيان ٢ .

و فيه بعد ذكر قدوم معاوية المدينة بنفسه لأخذ البيعة لابنه ، و دخوله على عائشة فقال لها : إنّ أمر يزيد قضاء من اللّه ، و ليس للعباد الخيرة من أمرهم ، و قد أكّد الناس بيعته في أعناقهم ، و أعطوا عهودهم على ذلك و مواثيقهم . فعلمت عايشة أنّه سيمضي على أمره إلى أن قال بعد ذكر حضور الحسين عليه السلام مع ابن عباس مجلسه ، و وصف معاوية له عليه السلام يزيد فقال عليه السلام لمعاوية : « و فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله و سياسته لامّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عمّا مما كان احتويته بعلم خاص ، و قد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده الزمخشري في أساس البلاغة : ٢١٨ ، مادة ( سلم ) .

( ٢ ) الامامة و السياسة ١ : ١٧٥ ١٧٦ .

١٣٩

التهارش ، و الحمام السبّق لأترابهن ، و القيان ذوات المعازف ، و ضرب الملاهي ١ .

و فيه : إنّ عثمان بن محمّد الثقفي أقبل من قبل يزيد واليا على المدينة ،

و مكّة ، و الموسم . فلمّا استوى على المنبر بمكّة رعف . فقال رجل مستقبله :

جئت و اللّه بالدم فتلقّاه رجل آخر بعمامته . فقال : مه و اللّه عمّ الناس . ثمّ قام يخطب . فتناول عصالها شعبتان . فقال : مه شعب و اللّه أمر الناس ٢ .

و فيه بعد ذكر غلبة مسلم بن عقبة من قبل يزيد على المدينة دعا بني أسد و كان عليهم حنقا . فقال : أتبايعون ليزيد و لم استخلف عليكم بعده على أنّ أموالكم و دماءكم و أنفسكم خول له يقضي فيها ما شاء ؟ ٣ .

و فيه : دخل شامي في الحرّة على امرأة ، و معها صبي لها . فقال لها : هل من مال ؟ قال : لا و اللّه ما تركوا لي شيئا . فقال : و اللّه لتخرجنّ إليّ شيئا أو لأقتلنّك و صبيّك هذا . فقالت له : ويحك إنّه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لقد بايعت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم معه يوم بيعة الشجرة . قال : فأخذ برجل الصبي و الثدي في فمه فجذبه من حجرها . فضرب به الحائط فانتثر دماغه على الأرض ٤ .

« أوّلهم قائد لآخرهم ، و آخرهم مقتد بأوّلهم » و لمّا كتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية : « قد رأيتك تسامي عليّا عليه السلام و أنت أنت و هو هو المبرز السابق في كلّ خير ، و أنت أنت اللعين ابن اللعين » كتب إليه « كنّا و أبوك معنا في حياة من نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازما لنا ، و فضله مبرّزا علينا ، فكان أبوك و فاروقه أوّل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٨٣ و ١٨٦ .

( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢٠٥ .

( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢١٤ .

( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢١٥ . و النقل بتقطيع .

١٤٠