بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116228
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116228 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

هاه و أومأ إلى صدره شوقا إلى رؤيته ١ .

و روى ابن بابويه مسندا عن أبي جعفر عليه السلام أنّ عمر قال لأمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ قال : أمّا اسمه فلا . إنّ حبيبي و خليلي عهد إليّ لا احدّث باسمه حتّى يبعثه اللّه تعالى ، و هو ممّا استودع اللّه تعالى رسوله في علمه ٢ .

٣٣

( فَصْلٌ نَذْكُرُ فِيْهِ شَيْئاً مِنْ اخْتِيَارِ غَرِيْبِ كَلاَمِهِ المُحْتَاجِ إِلَى التَّفْسِيْرِ ) فِي حَدِيْثِه عَلَيْهِ السَّلاَم :

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ اَلدِّينِ بِذَنَبِهِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ اَلْخَرِيفِ ( اليعسوب السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها ) قول المصنّف : ( فصل نذكر فيه شيئا من اختيار غريب كلامه عليه السلام المحتاج إلى التفسير ) ذكر في فصله تسعة عناوين ، و فسّرها ، و نقل ابن أبي الحديد عن أبي عبيد ، و عن ابن قتيبة مقدارا من كلامه عليه السلام الغريب بالمناسبة من شاء راجعه ٣ .

هذا ، و ما نقلنا من كلام المصنّف على ما في ( المصرية ) و صدّقه ابن ميثم و لكن في ( ابن أبي الحديد ) بدله « و من كلامه عليه السلام المتضمن ألفاظا من الغريب يحتاج إلى تفسير » ٤ . و لعلّه نقله بالمعنى .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٤٣ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في كمال الدين ٢ : ٦٤٨ ح ٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٦٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٥٥ .

٢٠١

« فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين » قال في ( الجمهرة ) : في باب ما جاء على يفعول « يعسوب » دويبة شبيهة بالجرادة لا تضمّ جناحيها إذا سقطت ،

و يعسوب النحل : الذكر العظيم منها الّذي تتبعه ، و كثر ذلك حتّى سمّوا كل رئيس يعسوبا ١ .

« بذنبه » واحد الأذناب ، و المراد بذلك وقت ظهور القائم عليه السلام شبهه عليه السلام بملك النحل يضرب ذنبه في موضع فيجتمع عليه النحل .

« فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف » قال في ( النهاية ) : « و ما في السماء قزعة » أي : قطعة من الغيم ، و منه حديث عليّ عليه السلام فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف ٢ .

قال ابن أبي الحديد بعد العنوان : الخبر من أخبار ملاحمه التي كان يخبر بها عليه السلام و هو يذكر فيه المهدي عليه السلام » ٣ قلت : و روى النعماني مسندا عن الأحنف بن قيس قال : دخلت على عليّ عليه السلام في حاجة لي . فجاء ابن الكوّا . و شبث بن ربعي فاستأذنّا عليه . فقال لي عليّ عليه السلام : إن شئت فأذن لهما فإنّك أنت بدأت بالحاجة . قلت : يا أمير المؤمنين فأذن لهما . فلمّا دخلا قال لهما عليّ عليه السلام : ما حملكما على أن خرجتما عليّ بحروراء ؟ قالا : أحببنا أن نأمن من الغضب . قال :

و يحكما و هل في ولايتي غضب ؟ أو يكون الغضب حتّى يكون من البلاء كذا و كذا ثم يجتمعون قزعا كقزع الخريف من القبائل ما بين الواحد و الاثنين و الثلاثة و الأربعة و الخمسة و الستة و السبعة و الثمانية و التسعة و العشرة .

و عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا اذن للامام عليه السلام دعا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ٣ : ٣٨٤ .

( ٢ ) النهاية ٤ : ٥٩ ، مادة ( قزع ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٥٥ .

٢٠٢

اللّه باسمه العبراني . فاتيحت له صحابته الثلاثمئة و الثلاثة عشر قزع كقزع الخريف . فهم أصحاب الألوية منهم من يفقد عن فراشه ليلا فيصبح بمكّة ،

و منهم من يرى يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه ، و اسم أبيه ، و حليته و نسبه . قلت : جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا ؟ قال : الّذي يسير في السحاب نهارا ، و هم المفقودون ، و فيهم نزلت هذه الآية أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا ١ .

و في ( فتن نعيم بن حماد ) من العامة عن أبي جعفر عليه السلام قال : يظهر المهدي بمكّة عند العشاء ، و معه راية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قميصه ، و سيفه . فيظهر في ثلاثمئة ، و ثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر على غير ميعاد ، قزعا كقزع الخريف ، رهبان بالليل أسد بالنهار . . . ٢ .

هذا ، و ممّا ورد عنه عليه السلام من الغريب في ذكر القائم عليه السلام أيضا ما رواه النعماني مسندا عن الأصبغ قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : إنّ بين يدي القائم عليه السلام سنين خدّاعة يكذب فيها الصادق ، و يصدق فيها الكاذب ، و يقرّب فيها الماحل و في حديث و ينطق فيها الرويبضة ، قلت : و ما الرويبضة ، و ما الماحل ؟ قال : أ و ما تقرؤون القرآن و هو شديد المحال ٣ يريد المكر . . . ٤ ، و فيه سقط . و في النهاية في حديث أشراط الساعة و أن ينطق الرويبضة في أمر العامة ، قيل و ما الرويبضة يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ٢١٢ ٢١٣ . و الآية ١٤٨ من سورة البقرة .

( ٢ ) رواه عن فتن نعيم بن حماد ابن طاووس في الملاحم : ٦٤ ، و السيوطي في العرف الوردي : ١٤٤ . و النقل بتقطيع .

( ٣ ) الرعد : ١٣ .

( ٤ ) غيبة النعماني : ١٨٦ .

( ٥ ) اسد الغابة ٢ : ١٥٨ ، مادة ( ربض ) .

٢٠٣

و ما رواه أبو عبيد في ( غريبه ) : أنّ الأشعث قال له عليه السلام و هو على المنبر غلبتنا عليك هذه الحمراء . فقال عليه السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة إلى أن قال :

و اللّه ليضربنّكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا ١ .

قول المصنّف : « اليعسوب السيّد العظيم المالك لامور الناس » ما قاله بيان للمراد من يعسوب الدين ، و إلاّ فقد عرفت أنّ الأصل في اليعسوب ملك النحل .

« يومئذ » إشارة إلى المشار إليه في قوله عليه السلام « فإذا كان ذلك » .

« و القزع : قطع الغيم الّتي لا ماء فيها » قال ابن أبي الحديد : لا يشترط فيها أن تكون خالية من الماء بل القزع قطع من السحاب رقيقه سواء كان فيها ماء أو لم يكن الواحدة قزعه بالفتح ، و إنّما غرّه قول الشاعر يصف جيشا بالقلّة و الخفة « كان دعالة قزع الهجام » و ليس يدلّ ذلك على ما ذكره لأنّ الشاعر أراد المبالغة . فإنّ الجهام الّذي لا ماء فيه إذا كان أقطاعا متفرّقة خفيفة كان ذكره أبلغ في ما يريده من التشبيه ٢ .

قلت : لم يحتج إلى هذا التطويل ، و كان يكفيه أن يقول انّ الشاعر أضاف القزع إلى الجهام « أي : سحاب لا ماء فيه » فلم أضفت معنى المضاف إليه على معنى المضاف .

ثمّ كما لا يشترط في القزع أن تكون قطعا من السحاب بلا ماء كما قال المصنّف لا يشترط فيها أن تكون قطعا رقيقة كما قال ابن أبي الحديد ، و إنّما غرّه قول الجوهري ، و هو و هم من الجوهري . فلم يقل ذلك غيره بل أطلقوا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو عبيد في غريب الحديث ٣ : ٤٨٤ ، و الثقفي في الغارات ٢ : ٤٩٨ ، و المبرد في الكامل ٤ : ١٩٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٥٥ .

٢٠٤

الأزهري و ابن دريد ، و الفيومي ، و الفيروز آبادي ، و الزمخشري ، و الجزري .

ففي ( الجمهرة ) : « القزع قطع الغيم المتفرقة في السماء » و في ( المصباح ) :

« القزع : القطع من السحاب المتفرقة الواحدة قزعة مثل قصب و قصبة » . قال الأزهري : « كلّ شي‏ء يكون قطعا متفرّقة فهو قزع » و في ( القاموس ) : « و القزع محركة قطع من السحاب الواحدة بهاء » و مثله في ( النهاية ) ١ .

هذا ، و في ( القاموس ) : في المثل « كما تجمع قزع الخريف » لا في الحديث كما توهم الجوهري » ٢ .

قلت : بل الوهم منه ، فقد ورد في الحديث و هو العنوان و قد ورد من طريقهم و به صرح في ( النهاية ) الّذي هذا فنه و موضوع كتابه و قد عرفت نصّه و قد عرفت أنّ نعيم بن حمّاد من رجالهم أيضا رواه في ( فتنه ) فضلا عن رواية النعماني منّا ذلك في خبرين بل ورد الكلام عنه عليه السلام بهذا اللفظ في شيعة بني العباس حين يجتمعون لاستيصال بني اميّة أيضا كما عرفته في العنوان ( ٢٤ ) من الفصل ٣ .

هذا ، و في ( المعجم ) : كان المتوكّل يروي صدرا من الأخبار و الأنساب ،

و يمتحن من يراه بما يقع فيها من غريب اللغة فقال للمبرد ، و بندار بن لرة الإصبهاني : ما معنى هذه الأحرف التي جاءت في هذا الخبر و هو « ركبت الدجوجي ، و أمامي قبيلة . فنزلت ثمّ شربت الصباح . فمررت ، و ليس أمامي الا نجيم فركضت أمامي النحوص و المسحل و العمرد . فقنصت ثمّ عطفت و رائي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٦٥ ، مادة ( قزع ) ، و تهذيب اللغة ١ : ١٨٤ ، و جمهرة اللغة ٣ : ٦ ، و المصباح ٢ : ١٨٤ ، و القاموس ٣ : ٦٨ ، و الأساس : ٣٦٥ ، و النهاية ٤ : ٥٩ .

( ٢ ) لفظ القاموس ٣ : ٦٨ ، مادة ( قزع ) « و في كلام علي عليه السلام : كما يجتمع قزع الخريف لا في الحديث كما توهم الجوهري » .

( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ٣٥ ، الخطبة ١٤٨ .

٢٠٥

إلى قلّوب . فلم أزل به حتّى أذقته الحمام . ثمّ رجعت و رائي ، فلم أزل أمارس الأغضف في قتله . فحمل عليّ ، و حملت عليه حتّى خر صريعا » .

فلم يعلما معناها فاستمهلاه ، و راجع المبرد دفاتره حتّى وجده في أخبار الأعراب فباكر إليه . فرواه و فسّره له و قال « الأجوجي » الناقة السوداء ،

و « القبيلة » صخرة على بئر و « النحوص » الاتان الوحشية الحائل ، و « المسحل » امام الحمر الوحشية كاليعسوب في النحل ، و « العمرّد » الأسد و « القلّوب » الذئب و « الأغضف » الأسد المتثني أو الذي استرخت أجفافه العليا غضبا و كبرا ١ .

٣٤

الخطبة ( ١٤٨ ) وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ ع يومى فيها إلى ذكر الملاحم وَ أَخَذُوا يَمِيناً وَ شِمَالاً ظَعْناً فِي مَسَالِكِ اَلْغَيِّ وَ تَرْكاً لِمَذَاهِبِ اَلرُّشْدِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ وَ لاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِي‏ءُ بِهِ اَلْغَدُ فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَ مَا أَقْرَبَ اَلْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ وَ دُنُوٌّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ أَلاَ وَ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ وَ يَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ اَلصَّالِحِينَ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً وَ يُعْتِقَ رِقّاً وَ يَصْدَعَ شَعْباً وَ يَشْعَبَ صَدْعاً فِي سُتْرَةٍ عَنِ اَلنَّاسِ لاَ يُبْصِرُ اَلْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ اَلْقَيْنِ اَلنَّصْلَ تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ وَ يُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ وَ يُغْبَقُونَ كَأْسَ اَلْحِكْمَةِ بَعْدَ اَلصَّبُوحِ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الأدباء ٧ : ١٣٠ .

٢٠٦

منها :

وَ طَالَ اَلْأَمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا اَلْخِزْيَ وَ يَسْتَوْجِبُوا اَلْغِيَرَ حَتَّى إِذَا اِخْلَوْلَقَ اَلْأَجَلُ وَ اِسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى اَلْفِتَنِ وَ اِشْتَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اَللَّهِ بِالصَّبْرِ وَ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي اَلْحَقِّ حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ اَلْقَضَاءِ اِنْقِطَاعَ مُدَّةِ اَلْبَلاَءِ حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ قول المصنّف : « في الملاحم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « يومئ فيها إلى الملاحم » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ .

قوله عليه السلام « و أخذوا يمينا و شمالا » الأصل فيه قوله تعالى : و أنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ٢ .

و روى ( الروضة ) : أنّ سعيد بن يسار ، و الحرث بن مغيرة ، و منصور الصيقل و ردوا على الصادق عليه السلام . فقال لهم : الحمد للّه الّذي ذهب الناس يمينا و شمالا فرقة مرجئة ، و فرقة خوارج ، و فرقة قدرية ، و سميتم أنتم الترابية ، اما و اللّه ما هو إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، و رسوله ، و آل رسوله ، و شيعتهم ، و ما كان سوى ذلك فلا . كان عليّ عليه السلام و اللّه أولى الناس بالناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

« ظعنا في مسالك الغيّ ، و تركا لمذاهب الرشد » الأصل فيه قوله تعالى :

و ان يروا سبيل الرشد لا يتّخذوه سبيلا و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ٤ .

« فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، و لا تستبطئوا ما يجي‏ء به الغد » الظاهر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٣ مثل المصرية .

( ٢ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٣ ) الكافي ٨ : ٣٣٣ ح ٥٢٠ و : ٨٠ ح ٣٦ .

( ٤ ) الاعراف : ١٤٦ .

٢٠٧

أنّ مراده عليه السلام استعجال الشيعة لقيام القائم عليه السلام .

فروى النعماني : أنّ مهزم الأسدي قال للصادق عليه السلام جعلت فداك متى هذا الأمر الذي ننتظره ، متى هو ؟ فقال عليه السلام : يا مهزم كذب الوقّاتون ، و هلك المستعجلون ، و نجا المسلّمون ١ .

و روى : أنّ الصادق عليه السلام قال في قوله تعالى أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه ٢ : هو أمرنا أمر اللّه تعالى لا نستعجل به . يؤيّده ثلاثة أجناد :

الملائكة ، و المؤمنون و الرعب .

و عن الباقر عليه السلام : « اسكنوا ما سكنت السماوات و الأرض » .

و عن الصادق عليه السلام : « هلكت المحاضير . قيل : و ما المحاضير ؟ قال :

المستعجلون ، و نجا المقرّبون ، و ثبت الحصن على أوتادها . كونوا أحلاس بيوتكم . فإنّ الفتنة على من أثارها . و إنّهم لا يريدونكم بجائحة إلاّ أتاهم اللّه بشاغل لأمر يعرض لهم » ٣ .

و عنه عليه السلام : لمّا التقى أمير المؤمنين عليه السلام و أهل البصرة نشر راية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتزلزلت أقدامهم . فما اصفرّت الشمس حتّى قالوا : آمنّا يا ابن أبي طالب . فعند ذلك قال : لا تقتلوا الأسرى ، و لا تجهزوا على جريح ، و لا تتبعوا موليّا ، و من ألقى سلاحه فهو آمن ، و من أغلق بابه فهو آمن . و لمّا كان يوم صفين سألوه نشر الراية . فأبى عليهم . فتحمّلوا عليه بالحسن و الحسين عليهما السلام و عمّار ، فقال : للحسن يا بني إنّ للقوم مدّة يبلغونها ، و انّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم عليه السلام . و في خبر أنّ تلك الراية كانت من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٩٨ و ١٣١ .

( ٢ ) النحل : ١ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ١٣٢ و ١٣٤ و ١٣١ .

٢٠٨

ورق الجنّة نزل بها جبرئيل يوم بدر ١ .

و روى أنّ إبراهيم بن هليل قال لأبي الحسن عليه السلام : مات أبي على هذا الأمر و قد بلغت من السنين ما قد ترى ، أموت و لا تخبرني بشي‏ء ؟ فقال له : أنت تعجل . فقال أي : و اللّه أعجل ، و مالي لا أعجل ، و قد بلغت من السن ما قد ترى .

فقال : أما و اللّه يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتّى تميّزوا . . . ٢ .

« فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه » روى النعماني : أنّ الباقر عليه السلام قال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم عليه السلام إذا خرج ، لأحبّ أكثرهم ألاّ يروه ممّا يقتل من الناس . أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش . فلا يأخذ منها إلاّ السيف ،

و لا يعطيها إلاّ السيف حتّى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد لو كان من آل محمّد لرحم ٣ .

« و ما أقرب اليوم من تباشير غد » أي : أوائله ، قال الزمخشري : « كأنها جمع تبشير و هو مصدر بشر » ٤ إلاّ أنّهم قالوا إنّ المصدر لا يثنّى و لا يجمع ، و إنّما قال عليه السلام « ما أقرب اليوم من تباشير غد » حيث إنّ اليوم متّصل بآخره إلى أوائل الغد ، و هو نظير قوله تعالى أليس الصبح بقريب ٥ .

« يا قوم هذا ابّان » بالكسر و التشديد الوقت .

« ورود كلّ موعد » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( موعود ) كما ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ٢٠٨ و ٢٠٩ .

( ٢ ) غيبة النعماني : ١٣٩ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ١٥٣ .

( ٤ ) أساس البلاغة : ٢٣ ، مادة ( بشر ) .

( ٥ ) الأعراف : ٨١ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٣ « موعد » .

٢٠٩

« و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون » قال ابن أبي الحديد : أي : دنا وقت القيامة ،

و ظهور الفتن التي تظهر أمامها ، و إبّان الشي‏ء بالكسر و التشديد وقته و زمانه ،

و كنّى عن تلك الأهوال بقوله : و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون ، لأن تلك الملاحم و الآثار الهائلة غير معهود مثلها نحو دابّة الأرض ، و الدجّال و فتنته و ما يظهر على يده من المخاريق و الامور الموهمة ، و واقعة السفياني ١ .

قلت : بل مراده عليه السلام فتن تأتي بعده من بني اميّة ، و بني العباس إلى علامات القائم عليه السلام لأنّ قوله عليه السلام : « هذا إبّان . . . » يدلّ على أنّ حين خاطبهم بهذا الكلام صار زمان ما وعدهم ، و قرب ما أخبرهم .

روى النعماني : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال على منبر الكوفة : « إنّ من ورائكم فتنا مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلاّ النؤمة » ٢ .

و روى أنّه عليه السلام قال : لا يقوم القائم عليه السلام حتّى تفقأ عين الدنيا ، و تظهر الحمرة في السماء ، و تلك دموع حملة العرش على أهل الأرض ، حتّى يظهر فيهم أقوام لا خلاق لهم يدعون لولدي ، و هم برءاء من ولدي تلك عصابة ردّية لا خلاق لهم . على الأشرار مسلّطة ، و للجبابرة مفتّنة ، و للملوك مبيرة ، تظهر في سواد الكوفة يقدمهم رجل أسود اللون و القلب ، رثّ الدين ، لا خلاق له ، مهجن زنيم عتل تداولته أيدي العواهر من الامّهات من شر نسل ، لا سقاها اللّه المطر من سنة اظهار غيب المتغيب من ولدي صاحب الراية الحمراء ، و العلم الأخضر ، أيّ يوم للمجنبين بين الأنبار وهيت ذلك يوم فيه صيلم الأكراد و الشراة ، و خراب دار الفراعنة ، و مسكن الجبابرة ، و مأوى الولاة الظلمة ، و امّ البلاء ، و اخت العار تلك و ربّ عليّ ، بغداد .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ .

( ٢ ) غيبة النعماني : ٩٢ .

٢١٠

ألا لعنة اللّه على العصابة من بني اميّة ، و بني فلان الخؤنة الّذين يقتلون الطيّبين من ولدي لا يراقبون فيهم ذمّتي ، و لا يخافون اللّه في ما يفعلونه بحرمتي . إنّ لبني العباس يوم الطموح ، و لهم فيه صرخة كصرخة الحبلى ،

و الويل لشيعة ولد العباس من الحرب الّتي يفتح من نهاوند ، و الدينور ، تلك حرب صعاليك شيعة عليّ يقدّمهم رجل من همدان إسمه على اسم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منعوت موصوف باعتدال الخلق ، و حسن الخلق ، و نضارة اللون ،

له في صوته ضحك ، و في اشفاره و في عنقه سطح ، فرق الشعر مفلّج الثنايا ،

على فرسه كبدر التمام تجلّى عنه الغمام . يسير بعصابة خير عصابة ، آوت و تقرّبت و دانت اللّه بدين . تلك الأبطال من العرب الّذين يلحقون حرب الكريهة و الدبرة يومئذ على الأعداء . انّ للعدوّ يوم ذلك ، الصيلم و الاستيصال ١ .

و روى أنّه عليه السلام قال : لا تنفك هذه الشيعة حتّى تكون بمنزلة المعز لا يدري الحاس على أيّها يضع يده . فليس لهم شرف يشرّفونه ، و لاسناد يستندون إليه في امورهم ٢ .

و روى انّه عليه السلام قال : يأتيكم بعد الخمسين و المئة امراء كفرة ، و امناء خونة و عرفاء فسقة . فتكثر التجار ، و تقلّ الأرباح ، و يفشو الربا ، و يكثر أولاد الزنا ، و تتناكر المعارف ، و تعمر السباخ ، و تعظم الأهلّة ، و تستكفي النساء بالنساء ، و الرجال بالرجال . قال : فقام إليه رجل . فقال : يا أمير المؤمنين و كيف نصنع في ذلك الزمان ؟ فقال : الهرب الهرب . فإنّه لا يزال عدل اللّه مبسوطا على هذه الامّة ما لم يمل قرّاؤهم إلى امرائهم ، و ما لم يزل أبرارهم ينهى فجّارهم . فإن لم يفعلوا ثم استنفروا . فقالوا : لا إله إلاّ اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ٩٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) غيبة النعماني : ١٢٧ .

٢١١

قال اللّه في عرشه : كذبتم لستم بها صادقين ١ .

و روى أنّ ابن الكوّا سأله عليه السلام عن الغضب . فقال عليه السلام : هيهات الغضب هيهات ، موتات فيهن موتات ، و راكب الذعلبة ، و ما راكب الذعلبة ؟ مختلط جوفها بوضينها يخبرهم بخبر فيقتلونه ثمّ الغضب عند ذلك ٢ .

و روى انّه عليه السلام حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم . فقال الحسين عليه السلام يا أمير المؤمنين : متى يطهّر اللّه الأرض من الظالمين ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل بعد ذكر بني اميّة و بني العباس إذا قام القائم بخراسان ، و غلب على أرض كرمان ، و ملتان ، و حاز جزيرة بني كاوان ،

و قام منّا قائم بجيلان ، و اجابته الأبر و الديلم ، و ظهرت لولدي رايات الترك متفرّقات في الأقطار و الخبات و كانوا بين هنات و هنات إذا خربت البصرة ،

و قام أمير الأمراء إلى أن قال إذا جهّزت الألوف و صفّت الصفوف ، و قتل الكبش الخروف هناك يقوم الآخر و يثور الثائر ، و يهلك الكافر ، ثمّ يقوم القائم المأمول و الامام المجهول . له الشرف و الفضل هو من ولدك يا حسين ، لا إبن مثله يظهر بين الركبتين في دريسين باليين ، يظهر على الثقلين ، و لا يترك في الأرض دمين . . . ٣ .

و يمكن أن يريد عليه السلام بقوله « هذا إبّان ورود كلّ موعود » الفتن الّتي حدثت بعده عليه السلام من بني اميّة ، و بني العباس ، و غيرهما ، و بقوله : « و دنو من طلعة ما لا تعرفون » الخوارق الّتي قبل قيام القائم .

فروى النعماني : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قوله تعالى : فاختلف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٦٦ .

( ٢ ) غيبة النعماني : ١٧٩ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ١٨٣ .

٢١٢

الأحزاب من بينهم ١ فقال : إنتظروا الفرج من ثلاث . قيل : و ما هنّ ؟ قال :

اختلاف أهل الشام بينهم ، و الرايات السود من خراسان ، و الفزعة في شهر رمضان . قيل : و ما الفزعة ؟ فقال : أو ما سمعتم قوله تعالى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٢ هي آية تخرج الفتاة من خدرها ، و توقظ النائم ، و تفزع اليقظان .

و روى عن الصادق عليه السلام قال : العام الّذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب . قيل : و ما هي ؟ قال : وجه يطلع في القمر ، و يد بارزة .

و روى أنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى : عذاب الخزي في الحياة الدنيا ٣ ما هو عذاب خزي الدنيا . فقال : و أيّ خزي أخزى من أن يكون الرجل في بيته و حجاله ، و مع إخوانه ، وسط عياله إذ شقّ أهله الجيوب عليه ، و صرخوا . فيقول الناس : ما هذا ؟ فيقال : مسخ فلان الساعة قال : قبل قيام القائم أو بعده ؟ قال : بل قبله .

و عن الباقر عليه السلام : شيئان يكونان قبل القائم عليه السلام لم يكونا منذ أهبط اللّه آدم عليه السلام أبدا ، و ذلك أنّ الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان ، و القمر آخره و زاد في خبر آخر و عنده يسقط حساب المنجّمين .

و عنه عليه السلام إذا رأيتم نارا من المشرق شبه الهردى العظيم تطلع ثلاثة أيّام أو سبعة . فتوقعوا فرج آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن شاء اللّه ، ثمّ قال : الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان ، لأنّ شهر رمضان شهر اللّه ، و هي صيحة جبرئيل عليه السلام إلى هذا الخلق ، ثمّ قال : ينادي مناد من السماء باسم القائم عليه السلام .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٦٥ .

( ٢ ) الشعراء : ٤ .

( ٣ ) يونس : ٩٨ .

٢١٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فيسمع من بالمشرق و من بالمغرب . . . ١ .

« ألا و من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير ، و يحذو فيها على مثال الصالحين ليحلّ فيها ربقا » في ( الصحاح ) : الربق بالكسر حبل فيه عدّة عرى تشدّ به البهم ،

الواحدة من العرى : ربقة ، و في الحديث : خلع ربقة الإسلام من عنقه ٢ .

« و يعتق رقّا » بالكسر أي : مملوكا .

« و يصدع شعبا » في ( الصحاح ) : الصدع : الشق ، وصدعت الشي‏ء :

أظهرته ٣ .

« و يشعب صدعا » في ( الصحاح ) : الشعب الصدع في الشي‏ء و إصلاحه ،

و شعبته فرّقته ، و جمعته تقول إلتأم شعبهم : إذا اجتمعوا بعد التفرّق ، و تفرّق شعبهم إذا تفرّقوا بعد الإجتماع قال الطرماح : « شتّ شعب الحي بعد التيام » ٤ .

قال ابن أبي الحديد : أراد عليه السلام بقوله : « من أدركها منّا » يسري في ظلمات هذه الفتن بسراج منير و هو المهدي و اتّباع الكتاب و السنّة ، و يحذو فيها يقتفي ،

و يتّبع مثال الصالحين ليحلّ في هذه الفتن و ربقا : أي : حبلا معقودا ، و يعتق رقّا : أي : يستفك أسرى ، و ينقذ مظلومين من أيدي ظالمين ، و يصدع شعبا : أي :

يفرّق جماعة من جماعات الضلال ، و يشعب صدعا يجمع ما تفرّق من كلمة أهل الهدى ٥ .

قلت : لم يعلم أنّه عليه السلام أراد بقوله المهدي عليه السلام بالخصوص بل الظاهر أنّه عليه السلام أراد جميع عترته المعصومين . فقلنا : إنّه عليه السلام أخبر بجملة ما يحدث

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٦٨ و ١٧٠ و ١٨٠ و ١٨٢ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤٨٠ ، مادة ( ربق ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٤١ ١٢٤٢ ، مادة ( صدع ) .

( ٤ ) صحاح اللغة ١ : ١٥٦ ، مادة ( شعب ) .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ .

٢١٤

بعد عصره من فتن بني اميّة ، و بني العباس ، و غيرهما إلى ظهور المهدي عليه السلام و هو الظاهر من قوله « منّا » بلفظ العموم ، فهو نظير قوله عليه السلام في موضع آخر « نحن أهل البيت منها بمنجاة » ١ .

و صدق عليه السلام . فجميع المعصومين من عترته عليه السلام كانوا كما وصف عليه السلام مثله في أيّام الثلاثة يسيرون في الفتن بسراج منير ، و يحذون على مثال الصالحين فيحلّون في تلك الفتن ربقا ، و يعتقون رقا ، و يصدعون شعبا و يشعبون صدعا .

روى ( الكافي ) : أنّ الربيع حاجب المنصور قال له و هو في الطواف : إنّ فلانا مولاك مات البارحة . فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته . فاستشاط و غضب . فقال لابن شبرمة و ابن أبي ليلى ، و عدّة معه من القضاة و الفقهاء : ما تقولون في هذا فكلّ منهم قال : ما عندي في هذا شي‏ء . فجعل يقول أقتله أم لا ؟

فقيل له : قد قدم الساعة جعفر بن محمّد عليه السلام و قد دخل المسعى . فإن كان عند أحد شي‏ء فعنده . فقال للربيع : إذهب إليه . فقل له : أجبنا في كذا و كذا .

فقال عليه السلام له : قد ترى شغل ما أنا فيه ، و قبلك الفقهاء . فسلهم . فقال : قد سألهم ،

و لم يكن عندهم فيه شي‏ء . فقال عليه السلام : قل : له عليه مئة دينار . فابلغه فقالوا له :

فسله كيف صار عليه مئة دينار . فقال عليه السلام في النطفة عشرون ، و في العلقة عشرون ، و في المضعفة عشرون ، و في العظم عشرون ، و في اللحم عشرون .

ثمّ أنشأناه خلقا آخر ، و هذا هو ميّت بمنزلته قبل أن ينفخ فيه الروح في بطن امّه جنينا فاخبر المنصور بالجواب فأعجب الفقهاء ذلك . فقالوا : إرجع إليه .

فسله الدنانير لمن هي لورثته أم لا ؟ فقال عليه السلام : ليس لورثته شي‏ء إنّما هذا شي‏ء أتى إليه في بدنه بعد موته يحجّ بها عنه أو يتصدّق بها عنه أو تصير في سبيل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ١٨٤ ، ضمن الخطبة ٩١ .

٢١٥

من سبل الخير و في خبر آخر قال عليه السلام : ديّة الجنين لورثته دون هذا لأنّ الجنين أمر مستقبل مرجو نفعه و هذا قد مضى و ذهبت منفعته ١ .

و روى عن عمر بن أبي المقدام قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام ،

و رجل ينادي بأبي جعفر المنصور و هو يطوف إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله . فلم يرجع إليّ ، و اللّه ما أدري ما صنعوا به . فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان . فوافوه من الغد ، و حضر ذاك الوقت أبو عبد اللّه عليه السلام . فقال المنصور له عليه السلام و هو قابض على يده : إقض بينهم . فقال : أنت اقض بينهم . فقال : بحقّي إلاّ قضيت . فخرج عليه السلام فطرح له مصلّى قصب . فجلس عليه . ثمّ جاء الخصماء . فجلسوا قدامه . فقال : ما تقول ؟

فقال : يا ابن رسول اللّه إنّ هذين طرقا أخي ليلا . فأخرجاه من منزله . فو اللّه ما رجع إليّ ، و و اللّه ما أدري ما صنعا به . فقال : ما تقولان ؟ قال : كلّمناه ثمّ رجع إلى منزله . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا غلام اكتب : « بسم اللّه الرحمن الرحيم قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : كلّ من طرق رجلا بالليل . فأخرجه من منزله . فهو له ضامن إلاّ أن يقيم البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله » يا غلام نحّ هذا الواحد منهما . فاضرب عنقه . فقال : يا ابن رسول اللّه ما أنا قتلته ، و لكنّي أمسكته ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله . فقال عليه السلام أنا ابن رسول اللّه يا غلام نحّ هذا ، و اضرب عنق الآخر . فقال : يا ابن رسول اللّه ، و اللّه ما عذّبته ، و لكنّي قتلته بضربة واحدة . فأمر أخاه فضرب عنقه ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ، و حبسه في السجن ، و وقّع على رأسه يحبس عمره ، و يضرب كلّ سنة خمسين جلدة ٢ .

و روى الصدوق عن وصي علي بن السري قال : قلت للكاظم عليه السلام : إنّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٣٤٧ و ٣٤٩ ح ١ و ٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٧ : ٢٨٧ ح ٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٢١٦

أوصى إليّ ، و إنّ ابنه جعفرا وقع على امّ ولد له . فأمرني أن أخرجه من الميراث . فقال لي : أخرجه إن كان صادقا . فسيصيبه خبل . فقدّمني ابنه إلى أبي يوسف القاضي . فقال له : أنا جعفر بن علي السري ، و هذا وصيّ أبي فمره أن يدفع إليّ ميراثي من أبي . فقال : ما تقول ؟ قلت : نعم هذا ابن علي بن السري ، و أنا وصيّ أبيه ، قال : فادفع إليه ماله . فقلت له : إنّي اريد أن اكلمك . قال : فادن . فدنوت حيث لا يمسع أحد كلامي . فقلت له : هذا وقع على ام ولد أبيه فأمرني أن لا اورّثه شيئا . فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة . فأخبرته ، و سألته . فأمرني أن أخرجه . فقال : اللّه إنّ أبا الحسن أمرك . فقلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ثمّ قال لي : « انفذ ما أمرك فالقول قوله » . قال الوصيّ فأصابه الخبل بعد ذلك ١ .

و جعفر الوارد في الخبر هو جعيفران الموسوس المعروف ، و أبوه علي بن أصفر بن السري ، روى ( الأغاني ) : في جعيفران أنّ أباه كان دهقان الكرخ ببغداد و كان يتشيّع . فظهر على ابنه أنّه أتى سرية له . فحجّ و شكا ذلك إلى موسى بن جعفر عليه السلام . فقال له : إن كنت صادقا فليس يموت حتّى يفقد عقله ، و لا تطعمه شيئا من مالك في حياتك ، و أخرجه عن ميراثك بعد وفاتك . فقدم فطرده ، و سأل الفقهاء عن حيلة حتّى يخرجه عن ميراثه ، فدلّوه على سبيل فأشهد به ، و أوصى إلى رجل . فلمّا مات حاز الوصيّ ميراثه . فاستعدى جعيفران عليه أبا يوسف القاضي . فسأل جعيفران البيّنة على نسبه ، و على تركة أبيه . فأقام ، و أحضر الوصي بيّنة يشهدون على أبيه بما كان احتال به عليه . فلم ير أبو يوسف ذلك شيئا ، و عزم على أن يورّثه . فكتب الوصي رقعة بما أفتى به موسى بن جعفر عليه السلام فلمّا قرأها أبو يوسف دعا الوصي ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٤ : ١٦٣ ح ١ ، و الكليني في الكافي ٧ : ٦١ ح ١٥ ، و الطوسي في التهذيب ٩ : ٢٣٥ ح ١٠ ، و في الاستبصار ٤ : ١٣٩ ح ٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٢١٧

و استحلفه أنّه قد صدق في ذلك فحلف باليمين الغموس . فقال له : اغد عليّ مع صاحبك . فلمّا حضرا حكم أبو يوسف للوصي على جعيفران . فلمّا أمضى الحكم عليه ، وسوس جعيفران ، و اختلط منذ يومئذ ١ . قلت : الظاهر أنّه عليه السلام أمر عليّا بقطع جعفر من ميراثه لعلمه بكونه من الزنا لا لمجرد زناه بسرية أبيه .

فروى ( الأغاني ) : أنّ جعيفران اطلّع يوما في الحبّ . فرأى وجهه . فقال :

ما جعفر لأبيه

و لا له بشبيه

أضحى لقوم كثير

فكلّهم يدّعيه

هذا يقول بنيّ

و ذا يخاصم فيه

و الامّ تضحك منهم

لعلمها بأبيه ٢

فالقول بعدم إرث كلّ من زنا بامّ ولد أبيه كما مال إليه ابن بابويه مشكل ، و لم يكن عترته عليهم السلام يدخلون في أمر من امور خلفاء الجور حتّى أنّ المأمون مع كونه أعلمهم ، و أعدلهم ، و جعله الرضا عليه السلام ولي عهده شرط عليه السلام في قبول الولاية ألاّ يتصرّف في شي‏ء من أموره .

ففي ( مروج المسعودي ) : أنّ المأمون أمر في سنة مئتين بإحصاء ولد العباس من رجالهم ، و نسائهم ، و صغيرهم ، و كبيرهم . فكان عددهم ثلاثة و ثلاثين ألفا ، و أمر بجمع خواص الأولياء ، و أخبرهم أنّه نظر في ولد العباس ،

و ولد علي . فلم يجد في وقته أحدا أفضل ، و لا أحقّ بالأمر من علي بن موسى فبايع له بولاية العهد ، و ضرب اسمه على الدنانير و الدراهم . . . ٣ .

و في ( عيون ابن بابويه ) : عن ياسر الخادم ، و الريّان بن الصلت ، و صالح

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ٢٠ : ١٨٨ .

( ٢ ) الأغاني ٢٠ : ١٩٥ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٤٤٠ ٤٤١ .

٢١٨

بن سعيد الكاتب الراشدي قالوا : لمّا انقضى أمر المخلوع ، و استوى أمر المأمون كتب الى الرضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان فاعتلّ عليه الرضا عليه السلام بعلل كثيرة . فما زال المأمون يكاتبه و يسأله حتّى علم الرضا عليه السلام أنّه لا يكفّ عنه . فخرج حتّى وافى مرو . فعرض عليه أن يتقلّد الإمرة و الخلافة ، فأبى الرضا عليه السلام و جرت في هذه مخاطبات كثيرة ، و بقوا في ذلك نحوا من شهرين كلّ ذلك يأبى الرضا عليه السلام فلمّا كثر الخطاب في هذا . قال المأمون : فولاية العهد قال : على أن لا آمر ، و لا أنهي ، و لا أقضي ، و لا اغيّر شيئا . . . ١ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) : بعد ذكر حمل الرضا عليه السلام إلى خراسان وجّه المأمون إلى الفضل بن سهل . فأعلمه أنّه يريد العقد ، و أمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك . فجعل الحسن يعظّم ذلك عليه و يعرّفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه . فقال له : إنّي عاهدت اللّه أن اخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع ، و ما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل . فأرسلهما إليه .

فعرضا ذلك عليه فأبى إلى أن قال :

قال له أحدهما : و اللّه أمرني بضرب عنقك إن خالفت . ثمّ دعا به المأمون .

فخاطبه في ذلك . فامتنع . فقال له : ان عمر جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك و قال : من خالف فاضربوا عنقه ، و لا بدّ من قبول ذلك فأجابه إلى أن قال .

و أمر المأمون ابنه العباس . فبايع له أوّل الناس . فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقى بظهرها وجه نفسه و بطنها وجوههم . فقال له المأمون : ابسط يدك للبيعة . فقال له : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هكذا كان يبايع فبايعه الناس إلى أن قال :

قال المأمون للرضا عليه السلام : قم فاخطب الناس . فقام : و قال بعد حمد اللّه تعالى « إنّ لنا عليكم حقّا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكم علينا حقّ به . فإذا أدّيتم إلينا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عيون أخبار الرضا : ٢ : ١٤٧ ح ٢١ ، و النقل بتلخيص .

٢١٩

ذلك وجب علينا الحق لكم » و لم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس . إلى أن قال :

سمع عبد الجبار بن سعيد يخطب تلك السنة على منبر المدينة و يقول :

« اللّهمّ و اصلح ولي عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب :

ستّة آباؤهم ما هم هم

خير من يشرب من صوب الغمام

إلى أن قال و مات الرضا عليه السلام فحضره المأمون قبل أن يحفر قبره و أمر أن يحفر إلى جانب أبيه . قال أبو الصلت : ثمّ أقبل المأمون علينا . فقال :

حدّثني صاحب هذا النعش أنّه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء و سمك . احفروا فحفروا . فلمّا انتهوا إلى اللحد نبع ماء ، و ظهر فيه سمك ثمّ غاض الماء . فدفن فيه الرضا عليه السلام ١ .

« في سترة عن الناس » قال ابن أبي الحديد : يدلّ على استتار المهدي عليه السلام و ليس تصريحا بقول الإمامية لأنّه يمكن أن يخلق في آخر الزمان ، و يكون مستترا مدّة ثمّ يظهر ٢ .

قلت : لم يعلم إرادة المهدي عليه السلام به بالخصوص و إلاّ فالإماميّة يكفيهم في مذهبهم قوله عليه السلام المتواتر : « لا تخلو الأرض للّه من قائم بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » . كما أقر به في ما مرّ ٣ . فيمكن أن يريد به كون مقام الإمام مستورا عن الناس لعجزهم عن إدراكه .

قال الرضا عليه السلام : إنّ الإمامة أجل قدرا ، و أعظم شأنا ، و أعلى مكانا و أمنع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٣٧٥ ٣٨٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) مر في العنوان ١ من الفصل السابع و هو في نهج البلاغة ٤ : ٣٧ ، الحكمة ١٤٧ .

٢٢٠