بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116243
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116243 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

جانبا ، و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم . إنّ الإمامة خصّ اللّه تعالى بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوّة و الخلة مرتبة ثالثة ، و فضيلة شرّفه بها ، و شاد بها ذكره . فقال تعالى إنّي جاعلك للناس إماما فقال الخليل عليه السلام مسرورا بها و من ذريّتي قال اللّه تعالى لا ينال عهدي الظالمين ١ فأبطلت هذه الآية امامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، و صارت في الصفوة . . . ٢ .

« لا يبصر القائف أثره » في ( الصحاح ) : القائف الّذي يعرف الآثار يقال قفت أثره إذا اتّبعته مثل قفوت أثره ، قال القطامي :

كذبت عليك لا تزال تقوفني

كما قاف آثار الوسيقة قائف ٣

« و لو تابع نظره » أي : كرّره كقوله تعالى : فارجع البصر هل ترى من فطور ثمّ ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا و هو حسير ٤ .

« ثمّ ليشحذنّ » بلفظ المجهول من شحذت السكين أي : حددته .

« فيها قوم شحذ القين » أي : الحدّاد .

« النصل » أي : حديد السيف و السكّين .

روى النعماني أنّ الباقر عليه السلام قال لأصحابه : إنّ حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب رجال . فانبذوه إليهم نبذا . فمن أقرّ به فزيدوه ، و من أنكر فذروه . إنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فها كلّ بطانة و وليجة ، حتّى يسقط فيها من يشقّ الشعرة بشعرتين حتّى لا يبقى إلاّ نحن و شيعتنا ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢٤ .

( ٢ ) رواه الصدوق في عيون الأخبار ١ : ١٧١ ح ١ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤١٨ ، مادة ( قوف ) .

( ٤ ) الملك : ٣ ٤ .

( ٥ ) غيبة النعماني : ١٣٦ .

٢٢١

« تجلى بالتنزيل أبصارهم ، و يرمى بالتفسير في مسامعهم » و ما يعلم تأويله إلاّ اللّه و الراسخون في العلم ١ .

« و يغبقون » بلفظ المجهول ، و الغبوق الشرب بالعشي تقول غبقته فاغتبق .

« كاس » قال ابن الأعرابي : لا تسمّى الكأس كأسا إلاّ و فيها الشراب ٢ .

« الحكمة » أي : اتقان الامور ، و الأصل فيها حكمة اللّجام ، و هي ما أحاط بالحنك .

« بعد الصبوح » الشرب في الصباح ، و الغبوق ، و الصبوح بكأس الحكمة استعارة كقول زرقاء اليمامة لمّا سئلت عن سبب قوّة عينيها « كنت أكحلهما بصبوح من صبر ، و غبوق من أثمد » .

عن الصادق عليه السلام شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب ، و لا يطمع طمع الغراب و لا يسأل الناس بكفّه ، و إن مات جوعا . قيل له : أين نطلبهم ؟ قال : اطلبهم في أطراف الأرض ، اولئك الخشن عيشهم ، المنتقلة ديارهم الّذين إن شهدوا لم يعرفوا ، و إن غابوا لم يفتقدوا ، و إن مرضوا لم يعادوا ، و إن خطبوا لم يزوّجوا ،

و إن ماتوا لم يشهدوا . اولئك الّذين في أموالهم يتواسون ، و في قبورهم يتزاورون ، و لا تختلف أهواؤهم ، و إن اختلفت بهم البلدان ٣ .

( منها ) « و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزي و يستوجبوا الغير » فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون ٤ و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٧ .

( ٢ ) لسان العرب ٦ : ١٨٩ ، مادة ( كأس ) .

( ٣ ) رواه النعماني في الغيبة : ١٣٦ .

( ٤ ) الحديد : ١٦ .

٢٢٢

و لهم عذاب مهين ١ فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٢ فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ٣ .

« حتّى إذا اخلولق الأجل » أي : قرب كثيرا . قال الجزري : هذا البناء للمبالغة و هو إفعوعل كاغدودق ، و اعشوشب ، و في خطبة ابن الزبير « إنّ الموت قد تغشّاكم سحابه ، و أحدق بكم ربابه ، و اخلولق بعد تفرّق » و في ( الصحاح ) :

« إخلولق السحاب أي : استوى ، و يقال صار خليقا للمطر . و اخلولق الرسم أي :

استوى بالأرض » و في ( القاموس ) : « إخلولق السحاب استوى و صار خليقا للمطر ، و الرسم استوى بالأرض و متن الفرس أملس » ٤ .

هذا و لم نقف على ذكر « إخلولق » في غير ( النهاية ) ، و ( القاموس ) ،

و المفهوم منها عدم استعمالها ناقصة ، و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن مالك في أفعال المقاربة « و ألزموا اخلولق أن مثل حرى » و قوله :

بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد

غنى بأن يفعل عن ثان فقد ٥

و الظاهر أنّه أخذه من سيبويه .

ففي شرح ابنه قال سيبويه : تقول « عسيت أن تفعل كذا » فإنّ هاهنا بمنزلتها في « قاربت أن تفعل » و بمنزلة دنوت أن تفعل ، و اخلولقت السماء أن تمطر ٦ . إلاّ أنّ الظاهر أنّه خلط بين المعنى ، و الاستعمال.

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٧٨ .

( ٢ ) الانعام : ٤٤ .

( ٣ ) النحل : ١١٢ .

( ٤ ) النهاية ٢ : ٧٢ ، مادة ( خلق ) ، و صحاح اللغة ٤ : ١٤٧٢ ، مادة ( خلق ) . و القاموس ٣ : ٢٢٩ ، مادة ( خلق ) .

( ٥ ) شرح الألفية لابن عقيل : ١٢٤ و ١٢٨ .

( ٦ ) شرح ابن ناظم : ٧٩ .

٢٢٣

و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول الخوئي « قول ابن ميثم معنى إخلولق صار خليقا ليس بشي‏ء . فإنّه في ما إذا كان ناقصة في مثل اخلولقت السماء أن تمطر لا هنا فإنّه تامة بمعنى قرب » ١ .

« و استراح قوم إلى الفتن » هكذا في ( النسخ ) ٢ ، و لا يبعد أن يكون « إلى الفتن » محرّف « في الفتن » .

روى النعماني عن أبي بكر الحضرمي قال : دخلت أنا و أبان على أبي عبد اللّه عليه السلام حين ظهرت الرايات السود بخراسان . فقلنا : ما ترى ؟ فقال اجلسوا في بيوتكم . فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح ٣ .

« و أشالوا » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و اشتالوا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

قال ابن أبي الحديد : « يقال شال فلان كذا أي : رفعه ، و اشتال افتعل هو في نفسه » ٥ قلت : بل شال لازم قال ابن دريد « شال هو إذا ارتفع ، و اشلته أنا إذا رفعته » ٦ و يقال شال الميزان إذا ارتفعت احدى كفّتيه ، و شال ذنبها إذا ارتفع ،

و قال الراجز :

تأبّري يا خيرة الفسيل

تأبرّي من حنذ فشولي

و قال الأخطل في جرير :

و إذا وضعت أباك في ميزانهم

رجحوا و شال أبوك في الميزان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٤ : ١٦٣ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ٣٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٥ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ١٣١ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ ، لكن في شرح ميثم ٣ : ٢١٥ مثل المصرية .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ .

( ٦ ) جمهرة اللغة ١ : ٢٣٥ .

٢٢٤

و قال النمر بن تولب في فرس :

جموم السد شائلة الذنابى

تخال بياض غرّتها سراجا ١

بل ظاهر ( الصحاح ) : عكس ما قال . فقال : « شالت الناقة بذنبها تشوله و اشتالته أي : رفعته » ٢ فعدّى شال بالباء ، و عدّى اشتال بالنفس لكن الظاهر أنّه رأى « و أشالته » فقرأه « و اشتالته » و لا ريب في أنّ أشال متعدّ . قال :

ء أبلي تأكلها مصنّا

خافض سنّ و مشيل سنا ٣

و من الغريب أنّ ( القاموس ) : قال : « شالت الناقة بذنبها شولا و شولانا ،

و أشالته رفعته . فشال الذنب نفسه ، لازم متعد » ٤ فلا يلزم ممّا ذكر إلاّ كون شال لازما .

« عن لقاح حربهم » في ( الصحاح ) : ألقح الفحل الناقة ( أي : أحبلها ) و لقحت الناقة بالكسر لقحا ، و لقاحا بالفتح ، و اللقاح بالكسر الابل بأعيانها الواحدة لقوح و هي الحلوب ٥ .

قال ابن أبي الحديد : معنى قوله عليه السلام « و اشتالوا عن لقاح حربهم » رفعوا أيديهم و سيوفهم عن أن يشبّوا الحرب بينهم و بين هذه الفئة مهادنة ٦ .

قلت : من المحتمل أن يكون المعنى أن تولّد حربهم صار قريبا كناقة صار وضعها قريبا . قال الجوهري : الشول النوق الّتي خفّ لبنها ،

و ارتفع ضرعها ، و أتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية . . . ٧ ، و قال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورد هذه الشواهد لسان العرب ١١ : ٣٧٤ و ٣٧٥ ، مادة ( شول ) .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ١٧٤١ مادة ( شول ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ١٧٤١ مادة ( شول ) .

( ٤ ) القاموس ٣ : ٤٠٤ مادة ( شول ) .

( ٥ ) صحاح اللغة ١ : ٤٠١ مادة ( لقح ) .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٦ .

( ٧ ) صحاح اللغة ٥ : ١٧٤٢ ، مادة ( شول ) .

٢٢٥

الشاعر :

« حتّى إذا ما العشر عنها شوّلا »

١ .

« و لم يمنّوا على اللّه بالصبر ، و لم يستعظموا بذل أنفسهم في الحق » قال ابن أبي الحديد : لم يمنّوا هذا جواب قوله حتى إذا ، و الضمير في يمنّوا راجع إلى العارفين الذين تقدم ذكرهم ٢ .

قلت : بل حال من قوله « و استراح قوم » و لا يصحّ أن يكون جوابا لأنّ عدم منّتهم على اللّه بصبرهم ، و عدم عدّ بذل أنفسهم في الحق عظيما كانا من الابتداء لا بعد اخليلاق الأجل ، و إنّما الجواب « حملوا » كما يأتي .

« حتّى » هكذا في ( النسخ ) ٣ ، و لا يبعد أن يكون مصحف ( و حتّى ) حتّى يكون عطفا على « حتّى » الاولى .

« إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّة البلاء » و المراد صيرورة وقت ظهور المهدي عليه السلام . روى النعماني عن الصادق عليه السلام أنّ قوله تعالى وعد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، و ليمكنن لهم دينهم الّذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا ٤ ، نزلت في القائم عليه السلام و أصحابه .

و عنه عليه السلام في قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا ٥ نزلت في القائم عليه السلام و أصحابه يجتمعون على غير ميعاد ٦ .

« حملوا بصائرهم على أسيافهم » روى النعماني عن الصادق عليه السلام في قوله

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده لسان العرب ١١ : ٣٧٥ ، مادة ( شول ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٧ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ٣٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٧ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٦ .

( ٤ ) النور : ٥٥ .

( ٥ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٦ ) غيبة النعماني : ١٦٠ .

٢٢٦

تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم ١ قال : اللّه يعرفهم و لكن نزلت في القائم عليه السلام يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو و أصحابه خبطا ٢ .

و روى عن أبان بن تغلب قال : كنت مع جعفر بن محمّد عليه السلام في مسجد مكّة و هو آخذ بيدي . فقال : يا أبان سيأتي اللّه بثلاثمئة و ثلاثة عشر رجلا في مسجدكم هذا . يعلم أهل مكّة أنّه لم يخلق آباؤهم ، و لا أجدادهم بعد ، عليهم السيوف ، مكتوب على كلّ سيف اسم الرجل ، و اسم أبيه ، و حليته ، و نسبه ، ثم يأمر مناديا فينادي ، هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان لا يسأل على ذلك بيّنة ٣ .

هذا ، و في ( الصحاح ) : قال أبو زيد : البصيرة من الدم ما كان على الأرض و الجدية ما لزق بالجسد ، و قال الأصمعي : البصيرة : شي‏ء من الدم يستدلّ به على الرمية ٤ .

و في ( الجمهرة ) : البصيرة : القطعة من الدم تستدير على الأرض أو على الثوب كالترس الصغير ، و أنشد بيت الاسعر :

جاءوا بصائرهم على أكتافهم

و بصيرتي يعدو بها عتدواى

و يروى : راحوا ٥ .

« و دانوا لربهم بأمر واعظهم » روى النعماني عن الباقر عليه السلام : كأنّي بدينكم هذا لا يزال مولّيا يفحص بدمه ثمّ لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت .

فيعطيكم في السنة عطاءين ، و يرزقكم في الشهر رزقين ، و تؤتون الحكمة في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٤١ .

( ٢ ) غيبة النعماني : ١٦٠ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ٢١٤ .

( ٤ ) صحاح اللغة ٢ : ٥٩٢ ، مادة ( بصر ) .

( ٥ ) جمهرة اللغة ١ : ٢٥٩ .

٢٢٧

زمانه حتّى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه تعالى و سنّة .

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ١ .

٣٥

الخطبة ( ١١٤ ) مِنْهَا :

لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى اَلصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَ تَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَ لاَ خَالِفَ عَلَيْهَا وَ لَهَمَّتْ كُلَّ اِمْرِئٍ نَفْسُهُ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا وَ لَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ وَ تَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ اَللَّهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ قَوْمٌ وَ اَللَّهِ مَيَامِينُ اَلرَّأْيِ مَرَاجِيحُ اَلْحِلْمِ مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ مَضَوْا قُدُماً عَلَى اَلطَّرِيقَةِ وَ أَوْجَفُوا عَلَى اَلْمَحَجَّةِ فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى اَلدَّائِمَةِ وَ اَلْكَرَامَةِ اَلْبَارِدَةِ « و لو » في ( المصرية ) « لو » و ليس بصواب .

« تعلمون ما أعلم » من استيلاء الجبابرة عليكم عقوبة من اللّه تعالى في و هنكم في أمر اللّه تعالى في حقّه عليه السلام يوم السقيفة ، و يوم الشورى ، و يوم رفع المصاحف ، و أيام غارات معاوية إلى أن ينجرّ إلى تسلّط الحجّاج عليهم ، و قد أفصح عليه السلام عنه في ذيل كلامه بعد العنوان .

« ممّا طوى عنكم غيبه » و خفى عليكم خبره .

« إذن لخرجتم إلى الصّعدات » أي : الطرق ، و تركتم البيوت .

« تبكون على أعمالكم » قال تعالى فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٥٨ .

٢٢٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

جزاء بما كانوا يكسبون ١ .

« و تلتدمون » أي : تضربون صدوركم كالنساء في النياحة .

« على أنفسكم » أي : على مأتم أنفسكم .

« و لتركتم أموالكم لا حارس » أي : حافظ .

« لها ، و لا خالف عليها » فإنّ الناس إذا غابوا عن أموالهم يخلفون عليها من يحفظها .

« و لهمّت كلّ امرئ نفسه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( منكم نفسه ) كما في الثلاثة ٢ . قال ابن أبي الحديد : و يروى « و لأهمّت » و هو أصح ٣ قلت :

و يشهد لأصحيته لفظ القرآن قال تعالى و طائفة قد أهمّتهم أنفسهم ٤ أي :

يكون يومئذ همّ كلّ امرئ نجاة نفسه .

« لا يلتفت إلى غيرها » كيوم القيامة .

« و لكنّكم نسيتم ما ذكّرتم ، و أمنتم ما حذّرتم » من أن من أعان ظالما بل لو عذره سلّط اللّه تعالى عليه قال تعالى : و كذلك نولّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ٥ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في طي خطبته عليه السلام لما دعاهم إلى حرب معاوية بعد انقضاء أمر الخوارج ، و تركهم له عليه السلام في نفر « و اللّه يا أهل العراق ما أظن هؤلاء القوم من أهل الشام إلاّ ظاهرين عليكم » فقالوا : أبعلم تقول ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم ، و الّذي فلق الحبّة ، و برأ النسمة إنّي أرى امورهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٨٢ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٧ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ١٠٧ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٧ .

( ٤ ) الأنعام : ١٢٩ .

( ٥ ) آل عمران : ١٥٤ .

٢٢٩

قد علت ، و أرى اموركم قد خبت ، و أراهم جادّين في باطلهم ، و أراكم وانين في حقكم ، و أراهم مجتمعين ، و أراكم متفرّقين ، و أراهم لصاحبهم معاوية مطيعين ، و أراكم لي عاصين ، أما و اللّه لئن ظهروا عليكم بعدي لتجدنّهم أرباب سوء .

كأنّهم و اللّه عن قريب قد شاركوكم في بلادكم ، و حملوا إلى بلادهم منكم .

و كأنّي انظر إليكم تكشّون كشيش الضباب لا تأخذون للّه حقّا ، و لا تمنعون له حرمة .

و كأنّي أنظر إليهم يقتلون صلحاءكم ، و يخيفون علماءكم .

و كأنّي أنظر اليكم يحرمونكم ، و يحجبونكم ، و يدنون الناس دونكم . فلو قد رأيتم الحرمان ، و لقيتم الذل و الهوان ، و وقع السيف ، و نزل الخوف لندمتم ،

و تحسّرتم على تفريطكم في جهاد عدوّكم ، و تذكّرتم ما أنتم فيه من الخفض ،

و العافية حين لا ينفعكم التذكار . فقال الناس : قد علمنا يا أمير المؤمنين أنّ قولك كلّه و جميع لفظك يكون حقّا أترى معاوية يكون علينا أميرا ؟ فقال عليه السلام :

لا تكرهون إمرة معاوية . فإنّ إمرته سلم و عافية . فلو قد مات رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنّها الحنظل . و عدا كان مفعولا . فأمّا إمرة معاوية فلست أخاف عليكم شرّها ، و ما بعدها أدهى و أمرّ ١ .

« فتاه » أي : وقع في الحيرة .

« عنكم رأيكم » .

« و تشتّت » أي : تفرّق .

« عليكم أمركم ، و لوددت » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( لوددت )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٥٢ .

٢٣٠

كما في الثلاثة ١ ، و لأنّ المقام مقام الفصل .

« أنّ اللّه فرّق بيني و بينكم ، و ألحقني بمن هو أحقّ بي منكم » قال ابن أبي الحديد : أي : النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصالحين من أصحابه كحمزة ، و جعفر ، و أمثالهما ممّن كان عليه السلام يثني عليه ٢ . قلت : و كذلك شيعته العارفون بحقّه كسلمان ،

و أبي ذر ، و المقداد ، و عمار ، و نظراؤهم .

« قوم و اللّه ميامين » جمع ميمون .

« الرأي مراجيح الحلم » بالكسر الاناة ، و فعله حلم بالضم .

« مقاويل » جمع مقوال مبالغة قائل .

« بالحقّ » في ( سفيانية الجاحظ ) : كان أبو ذر يصرخ كلّ يوم على باب قصر معاوية : « أتاكم القطار يحمل النار . اللّهمّ اللعن الآمرين بالمعروف التاركين له . اللّهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له » ٣ .

و في ( طبقات ابن سعد ) : أنّه قيل له : ألم ينهك عثمان عن الفتيا . فقال أبو ذر : و اللّه لو وضعتم الصمصامة على هذا و أشار إلى حلقه على أن أترك كلمة سمعتها من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنفذتها قبل أن يكون ذلك ٤ .

« متاريك » جمع متراك مبالغة تارك .

« للبغي ، مضوا قدما على الطريقة » بضمتين أي : أقداما يأتي للواحد ،

و التثنية ، الجمع ، و المذكر ، و المؤنث . قال الشاعر

« تمضي إذا زجرت عن سوأة

قدما »

٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٧ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٠٧ مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٧ .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٣٥٦ ، شرح الخطبة ١٢٨ .

( ٤ ) طبقات ابن سعد ٢ : ق ٢ : ١١٢ .

( ٥ ) أورده لسان العرب ١٢ : ٤٧١ ، مادة ( قدم ) .

٢٣١

« و أوجفوا » أي : أسرعوا في السير قال تعالى : فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب ١ .

« على المحجّة » جادّة الطريق ، و المراد سبيل الشريعة .

« فظفروا بالعقبى الدائمة ، و الكرامة الباردة » أي : الثابتة و في الديوان :

فقد أعرف أقواما

و إن كانوا صعاليكا

مساريع إلى النجدة

للبغي متاريكا ٢ .

٣٦

من الكتاب ( ١٠ ) وَ زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً ؟ بِعُثْمَانَ ؟ وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ ؟ عُثْمَانَ ؟ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ اَلْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ اَلْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ وَ كَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ اَلضَّرْبِ اَلْمُتَتَابِعِ وَ اَلْقَضَاءِ اَلْوَاقِعِ وَ مَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ هِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ « و زعمت أنك جئت ثائرا بعثمان » أي : طالبا لدمه .

« و لقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك ان كنت طالبا » فجميع الناس كانوا يعلمون أنّ المسبب لقتله إنما كان طلحة و الزبير ، و عائشة ، و من كان معهم . فقال ابن أبي كلاب لعائشة و كان من أخوالها لما قالت : لأطلبنّ بدم عثمان لمّا سمعت أنّ الناس قتلوه ، و بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام و اللّه إنّ أوّل من أمال حرف عثمان لأنت ، و لقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحشر : ٦ .

( ٢ ) اسقط الشارح شرح فقرة « فظفروا بالعقبى الدائمة و الكرامة الباردة » .

( ٣ ) رواه الطبرسي في تاريخه ٤ : ٤٧٧ ، سنة ٣٦ .

٢٣٢

و لمّا بلغ أصحاب عائشة و طلحة و الزبير ذات عرق في مسيرهم إلى البصرة و كان تبعهم مروان ، و غيره من بني اميّة هربا من أمير المؤمنين عليه السلام و لم يكن معهم سعيد بن العاص . فلقي سعيد ، مروان و أصحابه من بني اميّة فقال لهم كما في ( كامل الجزري ) أين تذهبون و تتركون ثاركم على أعجاز الابل وراءكم يعني عائشة و طلحة و الزبير اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم ١ .

« فكأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيج الجمال بالأثقال » في ( تاريخ الطبري ) : لمّا قتلت الزبّاء جذيمة الأبرش جدع قصير أنفه و أثّر آثارا بظهره ، و خرج إلى الزبّاء . فقالت : ما الّذي أرى بك ؟ فقال : زعم عمرو بن عدي أنّي غررت خاله ، و زيّنت له السير إليك . ففعل بي ما ترين فأقبلت إليك . فأكرمته فلمّا عرف أنّها وثقت به قال لها : إنّ لي بالعراق أموالا ، و طرائف ، فابعثيني إليها . فلا طرائف كطرائف العراق إلى أن قال :

ثمّ عاد قصير الثالثة إلى العراق . فقال قصير لعمرو بن عدي : إجمع لي ثقات أصحابك و جندك ، و هيئ لهم الغرائر ، و المسوح ، و احمل كلّ رجلين على بعير في غرارتين ، و اجعل معقد رؤوس الغرائر من باطنها ففعل إلى أن قال :

فخرجت الزبّاء فرأت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها فقالت :

ما للجمال مشيها وئيدا

أجندلا يحملن أم حديدا

أم صرفانا باردا شديدا ٢

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٣ : ٢٨ ، سنة ٣٦ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٤٧ ٤٤٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٣٣

قيل : أي : جنس من التمر .

« و كأنّي بجماعتك تدعوني جزعا من الضرب المتتابع ، و القضاء الواقع ،

و مصارع بعد مصارع إلى كتاب اللّه » في ( صفين نصر بن مزاحم ) في طي ذكر ليلة الهرير فقام علي عليه السلام خطيبا ثمّ قال : « أيّها الناس قد بلغ بكم الأمر ،

و بعدوّكم ما قد رأيتم ، و لم يبق منهم إلاّ آخر نفس ، و إنّ الامور إذا أقبلت اعتبر أخرها بأوّلها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتّى بلغنا منهم ما بلغنا ، و أنا غاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى اللّه عزّ و جلّ » فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال : يا عمرو إنّما هي الليلة حتّى يغدو علينا عليّ بالفيصل . فما ترى ؟ قال : إنّ رجالك لا يقومون لرجاله ، و لست مثله هو يقاتلك على أمر ، و أنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء ، و هو يريد الفناء ، و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، و أهل الشام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم ، و لكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختفلوا ، و إن ردّوه اختلفوا . ادعهم إلى كتاب اللّه حكما في ما بينك و بينهم ، فإنّك بالغ به حاجتك في القوم ، فإنّي لم أزل اؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه . فعرف ذلك معاوية . فقال : صدقت ١ .

« و هي » أي : تلك الدعوة .

« كافرة » باللّه .

« جاحدة » لكتاب اللّه .

« أو مبايعة حائدة » أي : مائلة عن الإسلام .

روى ( نصر بن مزاحم ) : عن تميم بن حذيم قال : لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام ، وسط الفيلق من حيال موقف معاوية . فلمّا أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ٤٧٦ .

٢٣٤

و هي عظام مصاحب العسكر ، و قد شدّوا ثلاثة أرماح جميعا ، و قد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط . و قال أبو جعفر ، و أبو الطفيل استقبلوا عليّا عليه السلام بمئة مصحف ، و وضعوا في كلّ مجنبة مئتي مصحف ،

و كان جميعها خمسمئة مصحف قال أبو جعفر ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السلام و قام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة ، و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة . ثمّ نادوا ، يا معشر العرب اللّه اللّه في نسائكم و بناتكم . فمن للروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم ، اللّه اللّه في دينكم ، هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم . فقال عليّ عليه السّلام : اللّهمّ انّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم ١ .

قال ابن أبي الحديد : إنّ قوله عليه السّلام : « فكأنّي رأيتك تضجّ من الحرب . . . » إمّا ان يكون فراسة نبويّة صادقة و هذا عظيم و إمّا أن يكون إخبارا عن غيب مفصّل و هو أعظم و أعجب ، و على كلا الأمرين فهو غاية العجب ، و قد رأيت له ذكر هذا المعنى في كتاب غير هذا و هو :

« أما بعد ، فما أعجب ما يأتيني منك ، و ما أعلمني بمنزلتك الّتي أنت إليها صائر و نحوها سائر . و ليس إبطائي عنك إلاّ لوقت أنا به مصدّق ، و أنت به مكذّب و كأنّي أراك و أنت تضجّ من الحرب ، و إخوانك يدعونني خوفا من السيف إلى كتاب هم به كافرون و له جاحدون » .

و وقفت له عليه السلام على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوّله : أما بعد . فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير ، و نبذتموه وراء ظهوركم ، و حاولتم اطفاءه بأفواهكم و يأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ٤٧٨ .

٢٣٥

و لو كره الكافرون ١ و لعمري لينفذن العلم فيك ، و ليتمّنّ النور بصغرك ،

و قماءتك و لتخسأنّ طريدا مدحورا ، أو قتيلا مثبورا ، و لتجزين بعملك حيث لا ناصر لك ، و لا مصرّخ عندك ، و قد أسهبت في ذكر عثمان و لعمري ما قتله غيرك ، و لا خذله سواك ، و لقد تربّصت به الدوائر ، و تمنّيت له الأماني طمعا في ما ظهر منك ، و دلّ عليه فعلك . و إنّي لأرجو أن الحقك به على أعظم من ذنبه ،

و أكبر من خطيئته .

فأنا إبن عبد المطلب صاحب السيف ، و انّ قائمة لفي يدي ، و قد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس ، و فراعنة بني سهم ، و جمح و بني مخزوم و أيتمت أبناءهم و أيّمت نساءهم ، و اذكّرك ما لست له ناسيا ، يوم قتلت أخاك حنظلة ، و جررت برجله إلى القليب ، و أسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا ، و طلبتك ففررت ، و لك حصاص ، فلو لا أنّي لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما ، و أنا اولي لك باللّه أليّة برّة غير فاجرة . لئن جمعتني و إيّاك جوامع الأقدار لأتركنّك مثلا يتمثّل به الناس أبدا ، و لأجعجعنّ بك في مناخك حتّى يحكم اللّه بيني و بينك ، و هو خير الحاكمين .

و لئن أنسأ اللّه في أجلي قليلا لأغزينّك سرايا المسلمين ، و لأنهدنّ اليك في جحفل من المهاجرين و الأنصار . ثمّ لا أقبل لك معذرة و لا شفاعة ، و لا أجيبك إلى طلب و سؤال ، و لترجعنّ إلى تحيّرك ، و تردّدك و تلدّدك ، فقد شاهدت و أبصرت و رأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيّبها حتّى اعتصمت بكتاب أنت و أبوك أوّل من كفر و كذّب بنزوله ، و لقد كنت تفرّستها ، و آذنتك أنّك فاعلها ، و قد مضى منها ما مضى ، و انقضى من كيدك فيها ما انقضى ، و أنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب . فاختر لنفسك ، و انظر لها ، و تداركها ، فإنّك إن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٣٢ .

٢٣٦

فرّطت و استمررت على غيّك و غلوائك حتّى ينهد إليك عباد اللّه ، ارتجت عليك الامور ، و منعت أمرا هو اليوم منك مقبول .

يا ابن حرب إنّ لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرّأي ، فلا يطمعنّك أهل الضلال ، و لا يوبقنّك سفه رأي الجهّال . فو الّذي نفس عليّ بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار ، لتصعقنّ صعقة لا تفيق منها حتّى ينفخ في الصور النفخة الّتي يئست منها كما يئس الكفار من أصحاب القبور ١ .

قلت : كتابه عليه السلام هذا و إن كان بعد وقوع الأمر إلاّ أنّه تضمّن أنّه عليه السلام قال لمعاوية إنّي أعلمتك قبل بأنّك تفعل ذلك .

٣٧

الخطبة ( ٦٩ ) و من خطبة له ع في ذم أهل ؟ العراق ؟ :

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ ؟ اَلْعِرَاقِ ؟ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ اَلْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَ مَاتَ قَيِّمُهَا وَ طَالَ تَأَيُّمُهَا وَ وَرِثَهَا أَبْعَدُهَا . أَمَا وَ اَللَّهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اِخْتِيَاراً وَ لَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ ؟ عَلِيٌّ ؟

يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اَللَّهُ فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَ عَلَى اَللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ كَلاَّ وَ اَللَّهِ وَ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ١ ٥ ٣٨ : ٨٨ أقول : رواه ( الإرشاد ) مع اختلاف و زيادات . فقال : قال عليه السلام : يا أهل الكوفة أنتم كامّ مجالد حملت فأملصت . فمات قيّمها . فطال تأيّمها ، و ورثها أبعدها ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٤١٩ و ٤٢٠ . و الآية ١٢ من سورة الممتحنة .

٢٣٧

و الّذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة إنّ من ورائكم الأعور الأدبر جهنم الدنيا لا تبقي و لا تذر ، و من بعده النّهاس الفراس . الجموع المنوع ، ثم ليتوارثنكم من بني اميّة عدّة ما الآخر بارأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا ، بلاء قضاه اللّه على هذه الامّة لا محالة كائن ، يقتلون خياركم ، و يستعبدون أرذالكم ،

و يستخرجون كنوزكم و ذخائركم في جوف حجالكم . نقمة بما ضيّعتم من اموركم ، و صلاح أنفسكم و دينكم . يا أهل الكوفة اخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ، و لتنذروا به من اتّعظ و اعتبر . كأنّي بكم تقولون إنّ عليّا يكذب كما قالت قريش لنبيّها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فيا ويلكم أفعلى من أكذب ؟ أعلى اللّه ، فأنا أوّل من عبده و وحّده ، أم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ؟ فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره . كلاّ و اللّه ، و لكنّها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء ، و الّذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين ، و ذلك إذا صيّركم إليها جهلكم ، و لا ينفعكم عندها علمكم ١ .

قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السلام » إلخ هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و من كلام له عليه السلام . . . ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

قوله : « أما بعد يا أهل العراق » قال الفيروز آبادي : العراق من عبادان إلى موصل طولا ، و من القادسية إلى حلوان عرضا ، سمّيت بها لتواشج عراق النخل ، و الشجر فيها . . . ٣ .

و عن الأصمعي : أنّها معرّبة إيران شهر ٤ ، و قيل معرّبة إيراف بالفاء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد ٦ : ١٤٨ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٢ مثل المصرية .

( ٣ ) القاموس المحيط ٣ : ٢٦٣ ، مادة ( عرق ) .

( ٤ ) معجم البلدان ٤ : ٩٣ .

٢٣٨

و معناه مغيض الماء لأنّ دجلة و الفرات و تامرّا تنصب من نواحي أرمينية و بند ، من الروم إلى العراق ، و بها يقرّ قرارها ، و قيل : العراق بمعنى الاستواء .

قال : « سياق من ليس له عراق » ١ أي : استواء . و العراق مستوية خالية من جبال تعلو ، و أودية تنخفض ، و قيل : إنّها بمعنى الشاطئ ، و العراق على شاطئ دجلة و الفرات . و قيل من عراق المزادة لكون العراق بين الريف و البر .

« فإنّما أنتم » في ما فعلتم في صفين من الحرب حتّى ظهرت لكم آثار الغلبة ، ثمّ انخذلتم بخدعة العدو . ثمّ اختلافكم ، و خروج فرقة منكم على وليّكم ،

و إقراركم بالخسف في غارات العدو على بلادكم حتّى صاروا مستولين على بلادكم مضافا إلى استقلالهم في بلادهم .

« كالمرأة الحامل حملت فلمّا أتمّت » أيّام حملها .

« أملصت » أي : أسقطت .

« و مات قيّمها ، و طال تأيّمها » بقاؤها بلا قيّم بموت زوجها .

« و ورثها أبعدها » حين موتها لعدم زوج و ولد لها . و لمّا أراد معاوية أن يبعث جندا لأخذ مصر خطب أهل الشام ، و قال : رأيتم كيف صنع اللّه لكم في حربكم هذه ، لقد جاءكم عدوّكم لا يشكّون أنّهم يستأصلون بيضتكم ،

و يحوزون بلادكم ما كانوا إلاّ أنّكم في أيديهم . فردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ،

و كفاكم مؤونتهم ، و حاكمتموهم إلى اللّه فحكم لكم عليهم . ثمّ جمع كلمتنا ،

و أصلح ذات بيننا ، و جعلهم أعداء متفرّقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر ،

و يسفك بعضهم دم بعض .

و قد أخذ ابن كوجك الوراق أو أبوه معنى كلامه عليه السلام « أنتم كالمرأة الحامل » مع أدنى تصرف . فقال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده معجم البلدان ٤ : ٩٣ .

٢٣٩

و ما ذات بعل مات عنها فجاءه

و قد وجدت حملا دوين الترائب

بأرض نأت عن والديها كليهما

تعاورها الورّاث من كلّ جانب

فلمّا استبان الحمل منها تنهنهوا

قليلا و دبّوا . . . دبيب العقارب

فجاءت بمولود غلام فحوّزت

تراث أبيه الميت دون الأقارب

فلمّا غدا للمال ربّا و نافست

لإعجابها فيه عيون الكواعب

و أصبح مأمولا يخاف و يرتجى

جميل المحيا ذا عذار و شارب

اتيح له عبل الذراعين محدر

جري‏ء على أقرانه غير هائب

فلم يبق منه غير عظم مجزّر

و جمجمة ليست بذات ذوائب

بأوجع منّي يوم ولّت حدوجهم

يؤمّ بها الحادون وادي غباغب

هذا ، و في ( الأغاني ) : كان ابن هرمة جالسا على دكان في بني زريق و قال بيتا ثمّ انقطع عليه الرويّ ، و بيته :

فإنّك و أطّراحك وصل سعدى

لاخرى في مودتها نكوب

فمرّت عليه جارية مليحة كان يستحسنها أبدا ، و يكلّمها إذا مرّت به فرآها قد ورم وجهها ، و اذناها . فسألها عن خبرها . فقالت : استعار لي أهلي حليّا لأروح إلى عرس . فثقبوا اذني لألبسه . فورم وجهي ، و اذناي كما ترى .

فردّوه ، و لم أشهد العرس ، فاطّرد لابن هرمة الرويّ . فقال :

كثاقبة لحلي مستعار

باذنيها فشأنهما الثقوب

فردّت حلي جارتها إليها

و قد بقيت باذنيها ندوب

« أما و اللّه ما أتيتكم اختيارا ، و لكن جئت إليكم سوقا » فاضطر عليه السلام لأمر معاوية أن يأتي من البصرة إلى الكوفة ، و لولاه لرجع ، و قال ابن أبي الحديد : « لأنّه لو لا يوم الجمل لم يحتج إلى الخروج من المدينة

٢٤٠