بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116231
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116231 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

إلى العراق » ١ و هو كما ترى .

« و لقد بلغني أنكم تقولون عليّ يكذب » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) و ليس في ( ابن ميثم و الخطية ) كلمة « عليّ » ٢ .

« قاتلكم اللّه . فعلى من الكذب » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( أكذب ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

« أ على اللّه ؟ فأنا أوّل من آمن به ، أم على نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه » قال ابن أبي الحديد : كان عليه السلام كثيرا ما يخبر عن الملاحم ، و الكائنات ، و يؤمي إلى امور أخبره بها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول المنافقون من أصحابه : يكذب ، كما كان المنافقون الأولون في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقولون عنه يكذب . و إذا تأملت أحواله في خلافته كلّها وجدتها هي مختصرة من أحوال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حياته كأنّها نسخة منتسخة منها في حربه و سلمه ، و سيرته و أخلاقه ، و كثرة شكايته من المنافقين ٤ .

روى ( صاحب الغارات ) عن الأعمش عن رجاله . قال خطب عليّ عليه السلام فقال : « و اللّه لو أمرتكم فجمعتم من خياركم مئة ثمّ لو شئت لحدّثتكم من غدوة إلى أن تغيب الشمس لا أخبرتكم إلاّ حقّا ثمّ لتخرجن فلتزعمن أنّي أكذب الناس و أفجرهم » .

و روى هو و غيره أنّه عليه السلام قال : « إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للايمان » ٥ .

و روى المدائني في ( صفّينه ) قال : خطب عليّ عليه السلام بعد النهروان . فذكر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٢ مثل المصرية .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٢ مثل المصرية .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ .

( ٥ ) رواه عن الغارات ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧ ، لكن لم يوجد في النسخة المطبوعة .

٢٤١

طرفا من الملاحم قال : إذا كثرت فيكم الأخلاط ، و استوت الأنباط ، دنا خراب العراق . ذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل و أنهار . فإذا غلت فيها الأسعار ، و شيّد فيها البنيان ، و حكم فيها الفسّاق ، و اشتدّ البلاء ، و تفاخر الغوغاء ، دنا خسوف البيداء ، و طاب الهرب و الجلاء ، و ستكون قبل الجلاء امور يشيب منها الصغير ،

و يعطب الكبير ، و يخرس الفصيح و يبهت اللبيب . يعاجلون بالسيف صلتا . و قد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون . فيالها من مصيبة حينئذ من البلاء العقيم ، و البكاء الطويل ، و الويل و العويل ، و شدّة الصريخ ، ذلك أمر اللّه و هو كائن و فناء سريع .

فيا ابن خيرة الآباء متى تنتظر ؟ أبشر بنصر قريب من ربّ رحيم . ألا فويل للمتكبّرين عند حصاد الحاصدين ، و قتل الفاسقين ، عصاة ذي العرش العظيم . فبأبي و امّي من عدّة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة . قد دان حينئذ ظهورهم و لو شئت لأخبرتكم بما يأتي ، و يكون من حوادث دهركم ، و نوائب زمانكم . و بلايا أيّامكم ، و غمرات ساعاتكم ، و لكنّه أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم ، و نظرا لكم ، علما منّي بما هو كائن ، و ما يلقون من البلاء الشامل .

ذلك عند تمرّد الأشرار ، و طاعة اولي الخسار . ذاك أو ان الحتف و الدمار . ذاك إدبار أمركم ، و انقطاع أصلكم و تشتت أنفسكم ، و إنّما يكون ذلك عند ظهور العصيان ، و انتشار الفسوق حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمن من اكتساب درهم حلال ، حين لا تنال المعيشة إلاّ بمعصية اللّه في سمائه ،

حين تسكرون من غير شراب ، و تحلفون من غير اضطرار ، و تظلمون من غير منفعة ، و تكذبون من غير إحراج . تتفكهون بالفسوق ، و تبادرون بالمعصية .

قولكم البهتان ، و حديثكم الزور ، و أعمالكم الغرور . فعند ذلك لا تأمنون البيات .

فياله من بيات ما أشدّ ظلمته ، و من صائح ما أفظع صوته . ذلك بيات لا يتمنّى صباحه صاحبه . فعند ذلك تقتلون ، و بأنواع البلاء تضربون ، و بالسيف

٢٤٢

تحصدون ، و إلى النار تصيرون ، و يعضّكم البلاء كما يعضّ الغارب القتب . يا عجبا كلّ العجب بين جمادى و رجب ، من جميع أشتات ، و حصد نبات ، و من أصوات بعدها أصوات . ثم قال : سبق القضاء سبق القضاء . قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه : أشهد أنّه كاذب على اللّه و رسوله . قال الكوفي : و ما يدريك ؟ قال فو اللّه ما نزل عليه السلام عن المنبر حتّى فلج الرجل . فحمل إلى منزله في شق محمل فمات من ليلته .

و روى المدائني أيضا : أنّ عليّا عليه السلام خطب فذكر الملاحم . فقال : سلوني قبل أن تفقدوني . أما و اللّه لتشغرن الفتنة الصمّاء برجلها ، و تطافي خطامها .

يا لها من فتنة شبّت نارها بالحطب الجزل . مقبلة من شرق الأرض ، رافعة ذيلها ، داعية ويلها ، بدجلة أو حولها . ذاك إذا استدار الفلك . قلتم مات أو هلك ،

بأيّ واد سلك . فقال قوم تحت منبره : للّه أبوه ما أفصحه كاذبا ١ .

و روى صاحب ( الغارات ) عن المنهال بن عمرو عن عبد اللّه بن الحارث قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول على المنبر : ما أحد جرت عليه المواسي إلاّ و قد أنزل اللّه فيه قرآنا . فقام إليه رجل . فقال : يا أمير المؤمنين فما أنزل اللّه فيك يريد تكذيبه فقام الناس يلكزونه في صدره و جنبه . فقال : دعوه . أقرأت سورة هود ؟ قال : نعم . قال : أقرأت قوله سبحانه : أ فمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه ٢ قال : نعم . قال : صاحب البيّنة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التالي الشاهد أنا ٣ .

قلت : و قال المفيد في ( إرشاده ) : روى عبد العزيز بن صهيب ، عن أبي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن صفّين المدائني ، ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٩ ٥٠ .

( ٢ ) هود : ١٧ .

( ٣ ) رواه عن الغارات ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٥٠ ، لكن لم يوجد في النسخة المطبوعة .

٢٤٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

العالية قال : حدثني مزرع بن عبد اللّه . قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : أم و اللّه ليقبلنّ جيش حتّى إذا كان بالبيداء خسف بهم . فقلت له : إنّك لتحدّثني بالغيب ؟ قال :

إحفظ ما أقول لك . و اللّه ليكوننّ ما أخبرني به أمير المؤمنين عليه السلام و ليؤخذنّ رجل فليقتلنّ و ليصلبنّ بين شرفتين من شرف هذا المسجد . قلت : إنّك لتحدّثني بالغيب ؟ قال : حدّثني الثقة المأمون عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال أبو العالية : فما أتت علينا جمعة حتّى اخذ مزرع . فقتل و صلب بين الشرفتين و قد كان حدّثني بثالثة فنسيتها ١ .

و عن الطبراني في ( أوسطه ) و أبي نعيم في ( دلائله ) عن زاذان ، أنّ عليّا حدّث بحديث . فكذّبه رجل . فقال له عليّ عليه السلام : أدعو عليك إن كنت كاذبا . قال :

ادع . فدعا عليه . فلم يبرح حتّى ذهب بصره ٢ .

ثمّ أنّ ( ابن أبي الحديد ) لم يفد كون أحواله عليه السلام مختصرة من أحوال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بزمان خلافته عليه السلام بل كان كذلك في خلفته ، و في أيّام الثلاثة .

فعاملوه عليه السلام في أيّامهم معاملتهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أوّل أمره ، و عاملوه في خلافته عليه السلام معاملتهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد اقتداره حتّى أنّهم كما حجروا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الوصية ، إضطروه عليه السلام إلى أن يخفي قبره مدّة .

ثمّ كونه عليه السلام أوّل من آمن باللّه ، و صدق رسوله من البديهيّات ، كادّعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النبوّة ، و مع ذلك شكك اخواننا فيه كما شككوا في يوم الغدير مع كونه من المتواترات كما التزموا في دينهم بالمتناقضات .

« كلا و اللّه و لكنّها لهجة غبتم عنها » الظاهر أنّ المراد أنّ إخباره عليه السلام عن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد : ١٧٢ .

( ٢ ) رواه عنهما السيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٧٩ ، و أخرجه أيضا أحمد في الفضائل و الملاّ في السيرة ، عنهما ذخائر العقبى : ٩٧ ، و غيرهم .

٢٤٤

الملاحم الّذي أعطاه اللّه تعالى ليسوا بقابلين لفهمه لعدم استعدادهم ، كمن يتكلّم لقوم بغير لغتهم . فلا يفهموه لعدم علمهم بتلك اللغة ، يشهد لذلك قوله عليه السلام بعده .

« و لم تكونوا من أهلها » و قال ابن أبي الحديد : يمكن أن يعني بها لهجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول شهدت و غبتم ، و يمكن أن يعني بها لهجته هو فيقول إنّها لهجة غبتم عن منافعها . . . ١ و هو كما ترى . هذا ، و قد عرفت أنّ ( الإرشاد ) بدّله بقوله : « و لكنّها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء » و لا يبعد تصحيفه .

« ويلمّه » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) : « ويل امه » و الأوّل مخففة ٢ .

« كيلا بغير ثمن » و الأصل يكون ما أخبركم من الملاحم كيلا بغير ثمن ،

و يجوز أن يكون الأصل أكيل لكم كيلا بغير ثمن .

« لو كان له وعاء » أي : ظرف حتّى يحفظ .

« و لتعلمنّ نبأه بعد حين » أي : إذا وقع ما أخبرتكم به تعلمون صدقي .

روى ( أمالي الصدوق ) مسندا عن هرثمة بن مسلم قال : غزونا مع عليّ عليه السلام صفّين . فلمّا انصرفنا نزل كربلاء فصلّى بها الغداة . ثمّ رفع إليه من تربتها فشمّها . ثمّ قال : واها لك أيّها التربة ، ليحشرنّ منك أقوام يدخلون الجنّة بغير حساب . فلمّا رجعت أخبرت زوجتي و كانت شيعة لعلي عليه السلام فقالت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل إلاّ حقّا فلمّا قدم الحسين عليه السلام كنت في البعث الذين بعثهم عبيد اللّه . فلمّا رأيت المنزل ، و الشجر ذكرت الحديث . فجلست على بعيري . ثمّ صرت إلى الحسين عليه السلام فسلمت عليه فأخبرته بما سمعت من أبيه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٩ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ .

٢٤٥

في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين عليه السلام . فقال ، معنا أنت أو علينا . فقلت : لا معك و لا عليك . خلّفت صبية أخاف عليهم عبيد اللّه . فقال : فامض لا ترى لنا مقتلا ، و لا تسمع لنا صوتا فو الّذي نفس حسين بيده لا يسمع اليوم و اعيتنا أحد فلا يعيننا إلاّ أكبّه اللّه لوجهه في جهنّم ١ .

و قد أخبر عليه السلام بالنساء العاريات اللاّتي ظهرن في عصرنا . ففي ( الفقيه ) :

روى الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام في آخر الزمان و اقتراب الساعة و هو شرّ الأزمنة نسوة كاشفات عاريات ، متبرجات ( خارجات ) من الدين ، داخلات في الفتن ، ما ثلاث إلى الشهوات ، مسرعات إلى اللّذات ، مستحلاّت للمحرّمات ، في جهنّم خالدات ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) امالي الصدوق : ١١٧ ح ٦ ، المجلس ٢٨ .

( ٢ ) الفقيه ٣ : ٢٤٧ ح ٥ .

٢٤٦

الفصل العاشر في علمه عليه السلام و في صفحه و مكارم أخلاقه

٢٤٧

و مر في ١٧ ٨ قوله عليه السلام « بل اندمجت عليّ مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة » .

١

الحكمة ( ١٤٧ ) و من كلام له عليه السلام لكميل بن زياد النخعي . قال كميل بن زياد : أخذ بيدي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبّان ،

فلمّا أصحر تنفّس الصّعداء ، ثمّ قال :

يَا ؟ كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ ؟ إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ اَلنَّاسُ ثَلاَثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا ؟ كُمَيْلُ ؟ اَلْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ اَلْمَالِ اَلْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أَنْتَ تَحْرُسُ اَلْمَالَ وَ اَلْمَالُ تَنْقُصُهُ اَلنَّفَقَةُ وَ اَلْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى اَلْإِنْفَاقِ وَ صَنِيعُ اَلْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ يَا ؟ كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ ؟ مَعْرِفَةُ اَلْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ بِهِ يَكْسِبُ اَلْإِنْسَانُ اَلطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَ جَمِيلَ اَلْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ

٢٤٨

وَفَاتِهِ وَ اَلْعِلْمُ حَاكِمٌ وَ اَلْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا ؟ كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ اَلْأَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَ اَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ اَلدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثَالُهُمْ فِي اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلاً آلَةَ اَلدِّينِ لِلدُّنْيَا وَ مُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ بِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ اَلْحَقِّ لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ اَلشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلاَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ اَلْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَ اَلاِدِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ اَلدِّينِ فِي شَيْ‏ءٍ أَقْرَبُ شَيْ‏ءٍ شَبَهاً بِهِمَا اَلْأَنْعَامُ اَلسَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ اَلْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ أقول : مرّ في الإمامة العامّة في عنوان ذيله « اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من حجّة » الخ ، أنّه روى كلامه عليه السلام هذا أبو هلال ، و ابن عبد ربه و سبط ابن الجوزي من العامّة و ابن بابويه و المفيد و ابن شعبة من الخاصة و يأتي رواية الجاحظ له أيضا ١ .

قول المصنف : « و من كلامه عليه السلام » هكذا في ( المصرية ) ، و في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « و من كلام له عليه السلام » ٢ و في ( الخطّية ) : « كلامه عليه السلام » .

« لكميل بن زياد النخعي » روى الطبري في ذيله : أنّ الحجاج قال للعريان : أليس كميل قد خرج علينا في الجماجم ، ثم جاء كميل يأخذ عطاءه فقال له : أنت الذي فعلت بعثمان و كلّمه بشي‏ء فقال : لا تكثر عليّ اللّوم و لا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو هلال العسكري في ديوان المعاني ١ : ١٤٦ ، و ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ : ٦٩ ، و سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٤١ ، و ابن بابويه في كمال الدين ١ : ٢٨٩ ح ٢ ، و في الخصال ١ : ١٨٦ ح ٢٥٧ ، و المفيد في أماليه : ٢٤٧ ح ٣ ، المجلس ٢٩ ، و في الإرشاد : ١٢١ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ١٦٩ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢١ « و قال عليه السلام » .

٢٤٩

تهل عليّ الكثيب ، و ما ذاك إلاّ رجل لطمني فأصبرني فعفوت عنه ، فأيّنا كان المسي‏ء فأمر به فضربت عنقه ١ .

و روى الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) : أن كميلا قال للحجاج : لقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي . فقال له الحجاج : كنت فيمن قتل عثمان ، اضربوا عنقه ٢ .

« قال كميل بن زياد : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام » و هذا دليل على كون كميل كان من أصحاب أسرار الإمام و من ثقاته .

ففي خبر ( رسائل الكليني ) المتضمن لشكايته عليه السلام عن الثلاثة لمّا سألوه عنهم بعد غلبة معاوية على مصر أنّه قال لعبيد اللّه بن أبي رافع كاتبه : أدخل عليّ عشرة من ثقاتي و عدّ كميلا في العشرة ٣ هذا ، و ليس في ( ابن ميثم ) « علي بن أبي طالب » ٤ .

« فأخرجني إلى الجبّان » بالتشديد ، أي : الصحراء « فلما أصحر » أي :

صار في الصحراء « تنفّس الصعداء » ، الصعداء مفعول مطلق ، أي : نفسة الصعداء ، و تأتي غير مفعول أيضا ، قال الهذلي :

و إن سيادة الأقوام فاعلم

لها صعداء مطلعها طويل

و قال البحتري :

و صعداء أنفاس إذا

ذكر الفراق أقمن عوج الأضلع

و تأتي بمعنى آخر ، قال ذو الرّمة :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل : ١٤٨ .

( ٢ ) الإرشاد : ١٧٢ .

( ٣ ) رواه الكليني ابن طاووس في كشف المحجّة : ١٧٤ ، عن رسائل الكليني .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢١ .

٢٥٠

قطعت بنهاض الى صعدائه

إذا شمّرت عن ساق خمس ذلاذلة ١

« ثم قال يا كميل بن زياد » ليس عبارة « بن زياد » في ( ابن ميثم ) ، بل موجودة في ( ابن أبي الحديد ) : « إنّ لهذه القلوب أوعية » ٢ أي : أواني « فخيرها أوعاها » أي : أكثرها سعة .

هذا و قال المصنف في ( مجازاته النبوية ) : و من ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم :

« القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض » ، و هذه استعارة و المراد تشبيه القلوب بالأوعية و هي الأواني و العياب التي تحرز فيها الأمتعة و غيرها من الأشياء المحفوظة ، و هي كالآنية لا يداع الأشياء المائعة ، إلا أن الأوعية تختص بالجامدات كما أنّ الآنية تختص بالمائعات ، فالقلب من حيث الحفظ و الوعي ،

كالوعاء من حيث الجمع و السعة . و ربما نسب هذا الكلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام على خلاف في لفظه ، و قد ذكرناه في جملة كلامه عليه السلام لكميل في كتاب نهج البلاغة ٣ .

قلت : نسبته إليه عليه السلام متواترة ، فرواه من عرفت ، و غيرهم مع أنّه لا منافاة فيه بعد إرجاعه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .

و كيف كان ، فقد نقل ( الكافي ) عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل آتيه و اكلّمه ببعض كلامي فيعرفه كلّه ، و منهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامه كلّه ثمّ يردّه علي كما كلّمته ، و منهم من آتيه فأكلمه فيقول : أعد علي فقال : يا إسحاق و ما تدري لم هذا ؟ قلت : لا ، قال : الذي تكلّمه ببعض كلامك فيعرفه كلّه فذاك من عجنت نطفته بعقله ، و أمّا الذي تكلّمه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورد الشاهد الأول و الأخير في أساس البلاغة : ٢٥٤ ، مادة ( صعد ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢١ .

( ٣ ) المجازات النبوية : ٣٩٠ .

٢٥١

فيستوفي كلامك ثمّ يجيبك على كلامك فذاك الذي ركّب عقله فيه في بطن امّه ،

و أمّا الذي تكلّمه بالكلام فيقول : أعد علي ، فذاك الذي ركّب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول : أعد علي ١ .

« فاحفظ عنّي ما أقول لك » قدّم عليه السلام امره بحفظ مقاله دلالة على أهمية المطلب .

« الناس ثلاثة فعالم ربّاني » أي : المتأله العارف باللّه تعالى ، قال تعالى : مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يؤتِيَهُ اللَّهُ الكتابَ و الحكمَ و النبوّةَ ثمَّ يقول للناسِ كُونُوا عباداً لي من دون اللَّه و لكنْ كُونُوا ربّانيّين بما كُنتم تُعلِّمون الكتابَ وَ بِمَا كُنتم تَدْرُسُون ٢ .

« و متعلّم على سبيل نجاة » جاء في ( الكافي ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : « لا خير في العيش إلا لرجلين : عالم مطاع ، أو مستمع واع » .

و عن الصادق عليه السلام قال لأبي حمزة : أُغد عالما أو متعلّما أو أحبّ أهل العلم ، و لا تكن رابعا فتهلك ببغضهم ٣ .

و عنه عليه السلام : العلم خزائن و المفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم اللّه فانه يؤجر في العلم أربعة : السائل ، و المتكلّم ، و المستمع ، و المحبّ لهم ٤ .

« و همج » في ( جمهرة ابن دريد ) : الهمج من الناس الذين لا نظام لهم و لا عقول ، قال ابن حلزة :

يترك ما رقح من عيشه

يعيث فيه همج هامج

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ١ : ٢٦ ح ٢٧ .

( ٢ ) آل عمران : ٧٩ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٣٣ ح ٧ و ٣٤ ح ٣ .

( ٤ ) أخرجه الصدوق في الخصال ١ : ٢٤٤ ح ١٠١ .

٢٥٢

و به سمّى البقّ همجا ١ ، و في ( الصحاح ) : الهمج : ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم و الحمير و أعينها ٢ .

« رعاع » قال الجوهري : أي : احداث طغام ٣ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : ان الناس آلوا بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى ثلاثة : آلوا إلى عالم على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بما علم عن علم غيره ، و جاهل مدّع للعلم لا علم له معجب بما عنده قد فتنته الدنيا و فتن غيره ، و متعلّم من عالم على سبيل هدى من اللّه و نجاة ثمّ هلك من ادّعى و خاب من افترى .

و عنه عليه السلام : يغدو الناس على ثلاثة أصناف : عالم و متعلّم و غثاء ، فنحن العلماء ، و شيعتنا المتعلّمون ، و سائر الناس غثاء ٤ .

« أتباع كلّ ناعق » من نعق الراعي بغنمه ينعق بالكسر نعيقا و نعاقا بالضم و نعاقا بالكسر : أي : صاح بها و زجرها ، قال تعالى : كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء و نداء ٥ .

« يميلون مع كلّ ريح » في ( المروج ) : قال الجاحظ : سمعت رجلا من العامة و هو حاجّ و قد ذكر له البيت يقول : إذا أتيته من يكلّمني منه ؟ و أخبرني صديق لي قال : سمعني رجل من العامّة اصلّي على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فقال : ما تقول في محمد هذا ، أربّنا هو ؟

و ذكر ثمامة بن اشرس قال : كنت مارّا في السوق ببغداد ، فإذا أنا برجل اجتمع عليه الناس ، فنزلت عن بغلتي و قلت : ما هذا الاجتماع و دخلت بينهم ، و إذا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ٢ : ١١٦ .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٣٥١ مادة ( همج ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٢٠ مادة ( رعّ ) .

( ٤ ) الكافي ١ : ٣٣ ح ١ و : ٣٤ ح ٤ ، و الحديث الأول عن علي عليه السلام .

( ٥ ) البقرة : ١٧١ .

٢٥٣

برجل يصف كحلا معه انّه ينجح من كل داء يصيب العين ، فنظرت إليه فإذا عينه الواحدة برشاء و الاخرى مأسوكة ، فقلت له : يا هذا لو كان كحلك كما تقول نفع عينيك فقال لي : يا جاهل أهاهنا اشتكت عيناي ؟ انما اشتكتا بمصر ،

فقال كلّهم صدق ، و ما انفلتّ من نعالهم إلاّ بعد كدّ .

و ذكر لي بعض اخواني : أنّ رجلا من مدينة السلام رفع إلى بعض الولاة الطالبين لأصحاب الكلام على جار له انّه تزندق ، فسأله عن مذهبه فقال :

انّه مرجئ قدري ناصبي رافضي ، فلما قصّه عن ذلك قال : انّه يبغض معاوية ابن الخطاب الذي قاتل علي بن العاص . فقال له الوالي : ما أدري على أي شي‏ء أحسدك : على علمك بالمقالات أو بصرك بالأنساب ؟

و أخبرني رجل من أهل العلم قال : كنّا نقعد نتناظر في أبي بكر ، و عمر ،

و علي ، و معاوية ، و نذكر ما يذكره أهل العلم ، و كان قوم من العامة يأتون فيستمعون منّا ، فقال لي ذات يوم بعضهم و كان من أعقلهم و أكبرهم لحية :

كم تطنبون في علي و معاوية و فلان و فلان ؟ فقلت له : ما تقول أنت في ذلك ؟

قال : من تريد ؟ قلت : علي ما تقول فيه ؟ قال : أليس هو أبو فاطمة . قلت : و من كانت فاطمة ؟ قال : امرأة النبيّ عليه السلام بنت عائشة اخت معاوية ، قلت : فما كان قصّة علي ؟ قال : قتل في غزاة حنين مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان ببغداد في أيام هارون رجل يظهر انّه من أهل السنّة و يلعن أهل البدع و يعرف بالسنّي تنقاد اليه العامّة ، فكان يجتمع إليه في كلّ يوم بقوارير الماء خلق من الناس ، فإذا اجتمعوا وثب قائما على قدميه فقال لهم : معاشر المسلمين قلتم لا ضار و لا نافع إلاّ اللّه ، فلأيّ شي‏ء تسألوني عن منافعكم و مضاركم ، إلجأوا إلى ربّكم ، و توكّلوا على بارئكم حتى يكون فعلكم مثل قولكم . فيقبل بعضهم على بعض فيقولون : أي و اللّه قد

٢٥٤

صدقنا ، فكم من مريض لم يعالج حتى مات ١ .

و في ( المروج ) أيضا : توفى أحمد بن حنبل سنة ( ٢٤١ ) و حضر جنازته خلق من الناس لم ير مثله فيمن قبله ، و كان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس و الضدّ في الامور ، منها : أن رجلا منهم كان ينادي إلعنوا الواقف عند الشبهات ، يريد ابن حنبل و هذا بالضد عمّا جاء عن صاحب الشريعة ٢ .

و قال الجاحظ : و من أخلاق العامّة أن يسوّدوا غير السيّد ، و يفضّلوا غير الفاضل و يقولوا بغير علم ، و هم أتباع من سبق اليهم من غير تمييز بين الفاضل و المفضول و الفضل و النقصان ، و لا معرفة للحق من الباطل عندهم ،

و لا ترى العامة الدهر إلا مرقلين إلى قائد دبّ ، و ضارب بدف على سياسة قرد ،

أو متشوقين إلى اللهو و اللعب ، أو مختلفين إلى مشعبد متنمس ممخرق ، أو مستمعين إلى قاصّ كذّاب ، أو مجتمعين حول مضروب ، أو وقوفا عند مصلوب ينعق بهم و يصاح بهم ، لا ينكرون منكرا ، و لا يعرفون معروفا و لا يبالون أن يلحقوا البارّ بالفاجر و المؤمن بالكافر ، و قد بيّن ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث يقول « الناس اثنان : عالم ، و متعلّم ، و ما عدا ذلك همج رعاع لا يعبأ اللّه بهم » ، و كذلك ذكر عن علي عليه السلام و قد سئل عن العامّة فقال « أتباع كلّ ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق » .

قال : و انظر إلى ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قام يدعو الخلق إلى اللّه اثنتين و عشرين سنة ، و هو ينزل عليه الوحي و يمليه على أصحابه فيكتبونه و يدوّنونه و يلتقطونه لفظة لفظة ، و كان معاوية في هذه المدّة بحيث علم اللّه ، ثم كتب له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل وفاته بشهور فأشادوا بذكره و رفعوا من منزلته ، بأن جعلوه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣٢ ٣٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب ٤ : ٢٠ .

٢٥٥

كاتبا للوحي و عظّموه بهذه الكلمة ، و أضافوه إليها ، و سلبوها عن غيره ،

و اسقطوا ذكر سواه ١ .

و في ( المروج ) أيضا : اتي بأبي الفوارس القرمطي في سنة ( ٢٨٠ ) فقطعت يداه و رجلاه و صلب ، و كان لأهل بغداد في قتله أراجيف ، فلما قدّم ليضرب عنقه أشاعت العامّة انّه قال لمن حضر قتله : هذه عمامتي تكون قبلك فإني راجع بعد أربعين يوما ، فكان يجتمع في كلّ يوم خلائق من العوام تحت خشبته و يحصون الأيام و يقتتلون و يتناظرون في الطرق في ذلك ، فلما تمت الأربعون ليلة و قد كان كثر لغطهم ، و اجتمعوا ، فكان بعضهم يقول : هذا جسده ، و يقول آخر قد مر ، و انما السلطان قتل رجلا آخر و صلبه موضعه ٢ .

« لم يستضيؤا بنور العلم » في ( معجم الحموي ) : كان عبد اللّه بن المبارك يقول : أنفقت في الحديث أربعين ألفا و في الأدب ستين ألفا ، و ليت ما أنفقته في الحديث أنفقته في الأدب . قيل له : كيف ؟ قال : لأن النصارى كفروا بتشديدة واحدة خففوها ، قال اللّه « يا عيسى اني ولّدتك من عذراء بتول » فقالت النصارى « ولدتك » ٣ .

« و لم يلجأوا إلى ركن وثيق » و هو حجّة اللّه في أرضه . قال تعالى : وَ لَوْ رَدُّوهُ إلى الرسول و إلى اُولي الأمر منهم لعلِمَه الذينَ يستنبطونهُ منهم ٤ .

« يا كميل العلم خير من المال » روى صاحب ( تحف العقول ) و غيره أنّه عليه السلام قال أيضا : « انّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إن المال مقسوم بينكم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم به ، و العلم مخزون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا كلام المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٣٤ و ٣٥ ، و لم ينسبه الى الجاحظ .

( ٢ ) مروج الذهب ٤ : ١٨١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) معجم الأدباء ١ : ٧١ .

( ٤ ) النساء : ٨٣ .

٢٥٦

عليكم عند أهله قد أمرتم بطلبه » ١ .

و قالوا : العالم كالأسد أينما توجه معه قوّته التي يعيش بها ، و الغني كثيرا ما يكون في غير بلده فقيرا .

« العلم يحرسك و أنت تحرس المال » في ( أدب كتّاب الصولي ) : كتب إبراهيم ابن العباس يوما كتابا فأراد محو حرف منه فلم يجد سبيلا ، فمحاه بكمّه فقيل له في ذلك فقال : المال فرع و القلم أصل فهو أحق بالصون منه ، و انما بلغنا هذه الحال و اعتقلنا الأموال بهذا القلم و المداد .

« المال تنقصه النفقة و العلم يزكو » أي : ينمو « على الانفاق » و قال عليه السلام كما في ( ادباء الحموي ) ، و ( صناعة العسكري ) كلّ شي‏ء يعزّ إذا نزر ما خلا العلم فإنّه يعزّ إذا غزر ٢ .

« و صنيع المال يزول بزواله » قال أبو الأسود :

العلم ذخر و كنز لا نفاد له

نعم القرين و نعم الخدن ان صحبا

قد يجمع المال شخص ثم يحرمه

عمّا قليل فيلقى الذلّ و الخزيا

و جامع العلم مغبوط به أبدا

و لا تحاذر فيه الفوت و السلبا

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه

لا تعدلنّ به درّا و لا ذهبا

و في ( عيون ابن قتيبة ) : قال ابن المقفع : إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنّك ذلك ، فإن زوال الكرامة بزوالهما ، و لكن ليعجبك إن أكرموك لدين أو أدب ٣ .

« يا كميل بن زياد معرفة العلم دين يدان به » و نقله ( مناقب ابن الجوزي )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شعبة في تحف العقول : ١٩٩ ، و الكليني في الكافي ١ : ٣٠ ح ٤ .

( ٢ ) رواه الحموي في معجم الأدباء ١ : ٦٧ ، و العسكري في الصناعتين : ٣٣١ .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ١٢١ .

٢٥٧

و ( مناقب سبطه ) : « و محبّة العالم دين يدان به » و نقله ( أمالي المفيد ) : « محبة العلم خير ما يدان به » و نقله ( إرشاد ) « محبة العلم دين يدان به » ١ .

« به » هكذا في ( المصرية ) و هو زائد ، فليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« يكسب الانسان الطاعة في حياته و جميل الاحدوثة » في ( الصحاح ) :

الاحدوثة ما يتحدث به ، و قال الفرّاء نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث « بعد وفاته » ٣ و في الكافي عنه عليه السلام : اعلموا ان صحبة العالم و اتباعه دين يدان اللّه به ، و طاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات ، و ذخيرة للمؤمنين و رفعة في حياتهم و جميل بعد مماتهم ٤ .

و فيه أيضا عنه عليه السلام : تعلّموا العلم ، فان تعلّمه حسنة ، و مدارسته تسبيح ،

و البحث عنه جهاد ، و تعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، و هو عند اللّه لأهله قربة ، لأنّه معالم الحلال و الحرام و سالك بطالبه سبيل الجنّة ، و هو أنيس في الوحشة ،

و صاحب في الوحدة ، و سلاح على الأعداء ، و زين الأخلاّء ، يرفع اللّه به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم و تقتبس آثارهم و ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأن العلم حياة القلوب و نور الأبصار من العمى و قوّة الأبدان من الضعف ، ينزل اللّه حامله منازل الأبرار و يمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا و الآخرة ، و بالعلم يطاع اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في ما نقل المجلسي في البحار ٧٨ : ٧٦ ، عن مناقب ابن الجوزي لكن هذا خطأ منه بل الكتاب نفس تذكرة الخواص لسبطه و لفظ تذكرة الخواص : ١٤١ ، « و محبة العلم دين يدان به » و لفظ الأمالي : ٢٤٨ ، مختلف في النسخ أقربها « محبة العلم خير ما يدان اللّه به » و لفظ الإرشاد : ١٢١ ، كما قال .

( ٢ ) توجد لفظة « به » في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢١ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٢٧٨ ، مادة ( حدث ) .

( ٤ ) الكافي ١ : ١٨٨ ح ١٤ .

٢٥٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و يعبد ، بالعلم يعرف اللّه و يوحّد ، بالعلم توصل الأرحام و به يعرف الحلال و الحرام ، و العلم أمام العقل و العقل تابعه ، يلهمه اللّه السعداء و يحرمه الأشقياء ١ .

« و العلم حاكم و المال محكوم عليه » في ( عيون القتيبي ) قال أبو الأسود :

الملوك حكّام على الناس ، و العلماء حكّام على الملوك . و قال يونس بن حبيب :

علمك من روحك ، و مالك من بدنك ٢ .

و في ( المعجم ) قال علي عليه السلام : كفى بالعلم شرفا إنّه يدّعيه من لا يحسنه ،

و يفرح إذا نسب إليه من ليس من أهله ، و كفى بالجهل خمولا ، انّه يتبرّأ منه من هو فيه ، و يغضب إذا نسب اليه .

قال و نظمه من قال :

كفى شرفا للعلم دعواه جاهل

و يفرح ان يدعى إليه و ينسب

و يكفي خمولا بالجهالة انني

اراع متى انسب اليها و أغضب ٣

و لأبي حاتم السجستاني :

ان الجواهر درّها و نضارها

هن الفداء لجوهر الآداب

فإذا اكتنزت أو ادخرت ذخيرة

تسمو بزينتها على الأصحاب

فعليك بالأدب المزيّن أهله

كيما تفوز ببهجة و ثواب

فلربّ ذي مال تراه مبعّدا

كالكلب ينبح من وراء حجاب

و ترى الأديب و ان دهته خصاصة

لا يستخفّ به لدى الأتراب

« يا كميل هلك خزّان الأموال و هم أحياء ، و العلماء باقون ما بقي الدهر » قال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لم يوجد الحديث في الكافي نعم أخرجه الصدوق في أماليه : ٤٩٢ ، ح ١ ، المجلس ٩ .

( ٢ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ١٢١ .

( ٣ ) معجم الأدباء ١ : ٦٧ .

٢٥٩

ابن الرقاع :

و المرء يوجب خلده انباؤه

و يموت آخر و هو في الأحياء

و القوم أشباه و من حلومهم

تفاضل كذلك تفاضل الأشياء

و قال دعبل :

يموت ردي الشعر من قبل أهله

و جيّده يبقى و إن مات قائله

و لآخر :

يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم

و يلحق الجهل أحياء بأموات

« أعيانهم مفقودة و أمثالهم في القلوب موجودة » قيل في ثعلب :

فان تولى أبو العباس مفتقدا

فلم يمت ذكره في الناس و الكتب

« ها إنّ هاهنا لعلما جمّا و أشار بيده » هكذا في ( المصرية ) و « بيده » زائد « إلى صدره » روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) ، و ( مسنده ) و محمد بن إسحاق في ( مغازيه ) ، كما نقل سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عنه عليه السلام قال : بعثني النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اليمن و أنا شاب ، فقلت : تبعثني إلى قوم لأقضي بينهم و أنا شاب لا علم لي بالقضاء . فقال : أدن منّي ، فدنوت منه فضرب في صدري و قال « اللهمّ اهد قلبه و ثبّت لسانه » ، فما شككت بعد في قضاء بين اثنين ١ .

و في ( التذكرة ) أيضا : روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : أنا مدينة العلم و علي بابها ٢ .

و فيه : روى ابن عساكر في ( تاريخه ) : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : « علي عيبة علمي » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ٤٤ ، و هو في مسند أحمد ١ : ٨٣ و ٨٨ و ١١١ و ١٣٦ و ١٥٦ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٤٧ .

( ٣ ) جاء هكذا في كفاية الطالب ، لا في تذكرة الخواص و هذا في الكفاية : ٨٥ .

٢٦٠