بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116205
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116205 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و قال بعضهم و ما هذا ؟ فقال لهم سلوا أبا الحسن فقال عليه السلام لهم : إن كنتم اجتهدتم ما أصبتم ، و لئن كنتم قلتم برأيكم لقد أخطأتم ، ثم قال لعمر : عليك دية الصبيّ . رواه ابن أبي الحديد في موضع آخر و قال : و في خبره « عليك غرة » يعني عتق رقبة ١ .

و منها : ما رواه السروي في مناقبه أن عمر أمر برجل يمني محصن فجر بالمدينة أن يرجم ، فقال له علي عليه السلام : لا يجب عليه الرجم ، لأنه غائب عن أهله ، و أهله في بلد آخر ، انّما يجب عليه الحدّ ، فقال عمر : لا أبقاني اللّه لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن ٢ .

و منها : ما رواه ( مناقب الخوارزمي ) أن عمر أتي بإمرأة حامل ، فسألها فاعترفت بالفجور ، فأمر بها أن ترجم ، فلقيها علي عليه السلام فقال : ما بال هذه المرأة ؟ فقالوا له : أمر عمر بها أن ترجم . فردّها ، و قال لعمر : أمرت بها أن ترجم ؟ قال : نعم ، اعترفت بالفجور . فقال عليه السلام له : هذا سلطانك عليها ، فما سلطانك على ما في بطنها ؟ ثم قال له : لعلّك انتهرتها أو أخفتها فقال : قد كان ذلك ، فقال له : أو ما سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : لا حدّ على معترف بعد البلاء . إنّه من قيّدت أو حبست أو تهدّدت فلا إقرار له ، فخلّى عمر سبيلها ثم قال : عجزت النساء أن يلدن مثل علي لو لا علي لهلك عمر ٣ .

و منها : ما رواه ( فتوح البلاذري ) أنّ رجلا يقال له معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة على عهد عمر ، فأصاب مالا من خراج الكوفة . قال : فلمّا صلّى عمر صلاة الصبح قال للنّاس : مكانكم ، و ذكر قصّته لهم و قال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٣٧٤ ح ١١ ، لكن لم اظفر عليه في شرح ابن أبي الحديد .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٣٦٠ .

( ٣ ) أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٣٨ عن طريق زيد بن علي و الحديث جاء في مسند زيد : ٣٣٥ .

٣٢١

ما تقولون فيه ؟ فقال قائل اقطع يده ، و قال قائل اصلبه ، و علي عليه السلام ساكت ، فقال له عمر : ما تقول أبا الحسن ؟ قال : رجل كذب كذبة عقوبته في بشره ، فضربه عمر ضربا شديدا و حبسه ١ و منها : ما رواه ( الكافي ) عن عاصم السلولي قال : سمعت غلاما يقول : يا أحكم الحاكمين ، احكم بيني و بين امّي ، فقال له عمر : لم تدعو على امّك ؟ قال :

إنّها حملتني في بطنها تسعة أشهر و ارضعتني حولين ، فلما ترعرعت ،

و عرفت الخير من الشر طردتني ، و زعمت أنّها لا تعرفني ، فقال عمر : يا هذه ما يقول الغلام ؟ فقالت : و الذي احتجب بالنور ، فلا عين تراه ، ما أعرفه و لا أدري من أيّ الناس هو ؟ يريد أن يفضحني في عشيرتي ، و انّي جارية من قريش لم تتزوج قط ، فقال عمر : ألك شهود ؟ فقالت : نعم هؤلاء إخوتي ، فتقدّم أربعون قسامة فشهدوا عند عمر ، أنّ الغلام يريد أن يفضحها و أنّها جارية من قريش بخاتم ربّها ، فقال عمر : خذوا هذا الغلام و انطلقوا به الى السجن حتى نسأل عن الشهود ، فان عدلوا جلدته حدّ المفتري ، فأخذوه للسجن ، فتلقّاهم أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الطريق ، فنادى الغلام : يا ابن عمّ النبي ، أنا غلام مظلوم و أعاد عليه الكلام الذي كلّم به عمر . فقال عليه السلام : ردّوه ، فقال لهم عمر :

أمرت به الى السجن قالوا : أمرنا علي عليه السلام أن نردّه و سمعناك تقول : لا تعصوا لعليّ أمرا ، فبينا هم كذلك إذا أقبل علي عليه السلام فقال : علي بأمّ الغلام . فأتي بها فقال علي عليه السلام : يا غلام ما تقول ؟ فأعاد الكلام ، فقال علي عليه السلام لعمر : أتأذن لي أن أقضي بينهم ؟ فقال عمر : سبحانه اللّه كيف لا و قد سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول :

« أعلمكم علي » ، ثم قال عليه السلام للمرأة : يا هذه ألك شهود ؟ قالت : نعم ، فتقدّم الأربعون قسامة فشهدوا بالشهادة الاولى . فقال عليه السلام : لأقضين اليوم بقضية

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح البلدان : ٤٤٩ .

٣٢٢

هي مرضاة للربّ علّمني حبيبي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . ثم قال لها : أ لك وليّ ؟ قالت : نعم إخوتي ، فقال عليه السلام لهم : أمري فيكم و في أختكم جائز ؟ قالوا : نعم يا ابن عمّ النبي ، فقال عليه السلام : أشهد اللّه و من حضر من المسلمين أنّي قد زوّجت هذا الغلام من هذه الجارية بأربعمائة درهم و النقد من مالي يا قنبر علي بالدراهم ، فأتاه قنبر بها فصبّها في يد الغلام و قال له : خذها فصبّها في حجر امرأتك ، و لا تأتني إلاّ و بك أثر العرس يعني الغسل فقام الغلام فصبّ الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها ، فقال لها قومي ، فنادت المرأة : النار النار يا ابن عم رسول اللّه ،

تريد أن تزوّجني من ولدي هذا ، و اللّه ولدي زوّجني اخوتي هجينا فولدت منه هذا الغلام ، فلما ترعرع و شبّ أمروني أن انتفي منه و أطرده ، هذا و اللّه ولدي و فؤادي يتقلّى أسفا عليه ثم أخذت بيد الغلام و انطلقت ، فنادى عمر : و اعمراه لو لا علي لهلك عمر ١ .

و ما رواه محمد بن محمد بن النعمان المفيد في ( إرشاده ) : أنّ امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادّعته كلّ واحدة منهما ولدا لها بغير بيّنة ، و لم ينازعهما فيه غيرهما ، فالتبس الحكم في ذلك على عمر ، و فزع فيه الى أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستدعى المرأتين و وعظهما و خوّفهما ، فأقامتا على التنازع فقال عليه السلام عند تماديهما : إيتوني بمنشار ، فقالت المرأتان : ما تصنع ؟ فقال : أقدّه نصفين لكلّ واحدة منكما نصفه فسكتت إحداهما و قالت الاخرى : اللّه اللّه يا أبا الحسن ان كان لا بدّ من ذلك فقد سمحت به لها . فقال عليه السلام : اللّه أكبر هذا ابنك دونها ، و لو كان ابنها لرقّت عليه و أشفقت ، فاعترفت المرأة الاخرى أنّ الحقّ مع صاحبتها و الولد لها دونها ، فسرى عن عمر ( غمّه ) و دعا له عليه السلام بما فرّج عنه في القضاء .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٤٢٣ ح ٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٢٣

و رواه السروي في ( مناقبه ) و قال : و هذا حكم سليمان في صغره ١ .

و ما رواه الكافي ، أن عمر أتي بجارية قد شهدوا عليها أنها قد بغت ،

و كانت من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل ، و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوفت المرأة أن يتزوّجها زوجها ، فدعت بنسوة فأمسكتها فأخذت عذرتها باصبعها ، فلما قدم زوجها رمتها بالفاحشة و أقامت البينة من جاراتها اللاتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر ، فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال : نأت علي بن أبي طالب ، فأتوه و قصوا عليه القصة فقال لامرأة الرجل : ألك بيّنة ؟ قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها ،

و أحضرتهن ، فأخرج علي عليه السلام السيف من غمده ، و طرحه بين يديه و أمر بكل واحدة منهم فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكلّ وجه ، فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا احدى الشهود و جثا على ركبتيه ثمّ قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحقّ و أعطيتها الأمان و إن لم تصدّقيني لأمكنن السيف منك ، فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت له : الأمان على الصدق . فقال لها علي عليه السلام : فاصدقي . فقالت : لا و اللّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة ، فخافت فساد زوجها ، فسقتها المسكر و دعتنا ، فأمسكناها فافتضتها بأصبعها . فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر ، أنا أوّل من فرق بين الشهود إلا دانيال النبي عليه السلام ، و ألزمهن حد القاذف و ألزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها و زوجه الجارية و ساق عنه المهر . فقال عمر له عليه السلام : حدثنا بحديث دانيال الخبر ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١١٠ ، و مناقب السروي ٢ : ٣٦٧ .

( ٢ ) الكافي ٧ : ٤٢٥ ح ٩ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٢٤

و ما رواه عن الأصبغ أن عمر أتي بخمسة نفر أخذوا في الزنا ، فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم حدّ ، و كان علي عليه السلام حاضرا ، فقال : يا عمر ليس هذا حكمهم ، قال : فأقم أنت عليهم الحكم ، فقدّم واحدا فضرب عنقه ، و قدّم الثاني فرجمه ، و قدّم الثالث فضربه الحدّ ، و قدّم الرابع فضربه نصف الحدّ ، و قدّم الخامس فعزّره ، فتحيّر عمر و تعجّب الناس من فعله ، فقال له عمر : خمسة نفر في قضية واحدة ، أقمت عليهم خمس حدود ، ليس شي‏ء منها يشبه الآخر .

فقال عليه السلام : أمّا الأوّل فكان ذميّا خرج عن ذمّته لم يكن له حكم إلا السيف ، و أمّا الثاني فرجل محصن كان حدّه الرجم ، و أما الثالث فغير محصن حدّه الجلد ،

و أمّا الرابع فعبد ضربناه نصف الحدّ ، و أمّا الخامس ، فمجنون مغلوب على عقله ١ .

و ما روي عن ( فضائل العشرة ) : أن عمر أتي بابن أسود انتفى منه أبوه ،

فأراد عمر أن يعزّره ، فقال علي عليه السلام للرجل : هل جامعت أمّه في حيضها ؟ قال :

نعم ، قال : فلذلك سوّده اللّه . فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر ٢ .

و ما رواه ( مناقب السروي ) ، أن الهيثم كان في جيش ، فلمّا جاءت امرأته بعد قدومه بستّة أشهر بولد ، فأنكر ذلك منها ، و جاء به الى عمر و قصّ عليه ،

فأمر برجمها فأدركها علي عليه السلام قبل أن ترجم ، ثمّ قال لعمر : أربع على نفسك أنّها صدقت يقول تعالى : و حمله و فصاله ثلاثون شهرا ٣ و يقول :

و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ٤ فالحمل و الرضاع ثلاثون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٢٦٥ ح ٢٦ .

( ٢ ) نقله عنه السروي في مناقبه ٢ : ٣٦٣ .

( ٣ ) الاحقاف : ١٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢٣٣ .

٣٢٥

شهرا ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر ١ .

و ما رواه عن الصادق عليه السلام : أنّ عقبة بن أبي عقبة مات ، فحضر علي عليه السلام جنازته و جماعة من أصحابه و فيهم عمر ، فقال علي عليه السلام لرجل كان حاضرا :

إنّ عقبة لمّا توفي حرمت امرأتك فاحذر أن تقربها فقال عمر : كلّ قضاياك عجيبة و هذه من أعجبها ، يموت انسان فتحرم على آخر امرأته فقال : نعم ، انّ هذا عبد كان لعقبة تزوج امرأة حرّة ، و هي اليوم ترث بعض ميراث عقبة ، فقد صار بعض زوجها رقّا لها ، و بضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه و يتزوّجها ، فقال عمر : لمثل هذا نسألك عمّا اختلفنا فيه ٢ .

و روى علي بن طاووس في كتابه ( تشريف المنن ) عن مجموع محمد بن الحسين المرزبان أن شريح القاضي قال : كنت أقضي لعمر ، فأتاني رجل يوما فقال : إن رجلا أودعني امرأتين احداهما حرة مهيرة و الاخرى سرية ،

فجعلتهما في دار و أصبحت اليوم ، و قد ولدتا غلاما ، و جارية ، و كلتاهما تدّعي الغلام و تنتفي من الجارية ، فاقض بينهما بقضائك فلم يحضرني شي‏ء فيهما ،

فأتيت عمر فقصصت عليه القصة فقال : فما قضيت ؟ فقلت : لو كان عندي قضاء ما أتيتك فجمع من حضره من الصحابة ، و أمرني فقصصت القصة و شاورهم ، فكلّهم ردّوا الرأي إليّ و إليه ، فقال عمر : لكني أعرف حيث مفزعها و أين منتزعها ، فقالوا : كأنّك أردت ابن أبي طالب ، قال : نعم و أين المذهب عنه قالوا : فابعث إليه يأتك فقال : لا ، له شمخة من هاشم ، و أثرة من علم يؤتى لها و لا يأتي ، و في بيته يؤتى الحكم ، فقوموا بنا إليه ، فأتيناه ، فوجدناه في حائط له يركل فيه على مسحاة و يقرأ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ٣

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ٣٦٥ .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٣٦٠ .

( ٣ ) القيامة : ٣٦ .

٣٢٦

و يبكي فأمهلوه حتى سكن ثم استأذنوا عليه ، فخرج إليهم و عليه قميص قد نصّف أردانه ، فقال لعمر : ما الذي جاءك به ؟ فقال : أمر عرض ، و أمرني فقصصت عليه القصة ، فقال : فبم حكمت فيها ؟ قلت : لم يحضرني حكم فيها ،

فأخذ بيده من الأرض شيئا ثم قال : الحكم فيه أهون من هذا ثم أحضر المرأتين و أحضر قدحا ثم دفعه إلى احداهما فقال احلبي فيه ، فحلبت ثم وزن القدح و دفعه إلى الاخرى فقال احلبي فيه ، فحلبت فيه ثم وزنه ، فقال لصاحبة اللبن الخفيف ، خذي ابنتك ، و لصاحبة اللبن الثقيل خذي ابنك ، ثم التفت إلى عمر فقال : أما علمت أنّ اللّه تعالى حطّ المرأة عن الرجل ، فجعل عقلها و ميراثها دون عقله و ديته ، و كذلك لبنها دون لبنه . فقال عمر : لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ،

و لكن قومك أبوا . فقال علي عليه السلام : خفّض عليك أبا حفص ان يوم الفصل كان ميقاتا ١ .

و رواه ( مناقب السروي ) و قال : و قد جعلت الأطباء ذلك أساسا في الاستدلال على الذكر و الانثى ٢ .

و ما رواه ( الكافي ) : أنّ عمر اتي بامرأة و زوجها شيخ فان ، فلمّا أن واقعها مات على بطنها ، فجاءت بولد فادّعى بنوه أنها فجرت و تشاهدوا عليها .

فأمر بها عمر أن ترجم ، فمرّ بها علي عليه السلام فقالت : يا ابن عمّ النبي : ان لي حجّة فقال : هاتي حجّتك ، فدفعت إليه كتابا فقرأه ، فقال : هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوجها ، و يوم واقعها ، ردّوا المرأة ، فلما كان من الغد دعا بصبيان أتراب ،

و دعا بالصبي معهم فقال لهم : إلعبوا حتى إذا ألهاهم اللعب قال لهم : إجلسوا حتى اذا تمكنوا صاح بهم قوموا ، فقام الصبيان ، و قام الغلام فاتكى على

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأنبياء : ١٧ .

( ٢ ) الملاحم و الفتن : ١٨٦ ، و هو نفس الكتاب تشريف المنن ، و مناقب السروي ٢ : ٣٦٧ .

٣٢٧

راحتيه ، فدعا به علي عليه السلام و ورثه من أبيه ، و جلد إخوته حدّ المفترين حدّا حدّا ،

فقال له عمر : كيف صنعت ؟ قال : عرفت ضعف الشيخ في اتكاء الغلام على راحتيه ١ .

و مما رواه أن عمر اتي برجل قد قتل أخا رجل ، فدفعه إليه و أمره بقتله ،

فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله ، فحمل إلى منزله ، فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برئ ، فلمّا برئ أخذه أخو المقتول فقال : أنت قاتل أخي ، ولي أن أقتلك ، فقال قد قتلتني مرة ، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله ، فمروا على علي عليه السلام فأخبره خبره ، فقال : لا تعجلوا حتى أخرج ، فدخل على عمر فقال له : ليس الحكم فيه هكذا ، فقال : ما هو ؟ فقال : يقتصّ هذا من أخ المقتول أوّلا ما صنع به ،

ثم يقتله بأخيه ، فنظر الرجل ، إنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه ، فعفا عنه ،

و تتاركا .

و روى السروي ذلك و زاد عليه : فرفع عمر يده إلى السماء ، و قال : الحمد للّه الذي جعلكم أهل بيت الرحمة ، ثمّ قال : لو لا علي لهلك عمر ٢ .

و قال المفيد في ( الإرشاد ) : إنّ العامّة و الخاصّة روتا أن امرأة شهد عليها الشهود أنّهم وجدوا في بعض مياه العرب رجلا يطأها ليس ببعل لها ،

فأمر عمر برجمها و كانت ذات بعل فقالت : اللّهم إنّك تعلم أني بريئة ، فغضب عمر و قال : و تجرحين الشهود أيضا ، فقال علي عليه السلام : ردّوها فاسألوها فلعلّ لها عذرا ، فردّت فسئلت فقالت : كانت لأهلي إبل فخرجت فيها ، و حملت معي ماء ،

و لم يكن في إبل أهلي لبن ، و خرج معي خليطنا و كان في إبله لبن ، فنفد مائي فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى امكّنه من نفسي ، فلما كادت نفسي تخرج

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٤٢٤ ح ٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٧ : ٣٦٠ ح ١ ، و مناقب السروي ٢ : ٣٦٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٢٨

مكّنته كرها ، فقال علي عليه السلام : اللّه اكبر فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه ١ فخلّى عمر سبيلها ٢ .

و جاء في ( مناقب السروي ) : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت : قد بات عندها رجل ، و فتّش ثيابها فأصاب ذلك البياض ، و قصّ على عمر فهمّ أن يعاقبها ، فقال علي عليه السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلمّا أتي به أمرهم فصبّوا على الموضع ، فاشتوى ذلك البياض فرمى به اليها ، و قال للمرأة : إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ، و قال للرجل أمسك عليك زوجك ، فإنّها حيلة تلك التي قذفتها فضربها الحدّ ٣ .

و ما فيه أيضا : أن امرأة محصنة فجر بها غلام صغير ، فأمر عمر أن ترجم فقال له علي عليه السلام : لا يجب الرجم ، إنّما يجب الحدّ ، لأن الذي فجر بها ليس بمدرك ٤ .

و ما فيه أيضا : أن عمر أتي بإمرأة مجنونة حبلى قد زنت ، فأمر برجمها فقال له علي عليه السلام : أما سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ الخبر .

و رواه ( إرشاد المفيد ) و زاد : فرّج اللّه عنك لقد كدت أن أهلك ٥ و ما في ( الإرشاد ) أيضا : ان العامة و الخاصة روت أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه فقال له قدّامة : إنّه لا يجب علي الحدّ لأنّ اللّه تعالى يقول :

ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧٣ .

( ٢ ) الإرشاد : ١١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) مناقب السروي ٢ : ٣٦٧ .

( ٤ ) مناقب السروي ٢ : ٣٦٠ .

( ٥ ) رواه المفيد في الإرشاد : ١٠٩ ، و جاء قريب منه في مناقب السروي ٢ : ٣٦٦ .

٣٢٩

و آمنوا و عملوا الصالحات ١ ، فدرأ عمر عنه الحدّ فبلغ ذلك عليّا عليه السلام ، فمشى إلى عمر فقال له : لم تركت الحدّ على قدّامة ؟ فقال : تلا علي هذه الآية . فقال عليه السلام :

ليس قدّامة من أهل هذه الآية ، و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم ، إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلون حراما ، فاردد قدّامة و استتبه ممّا قال ،

فان تاب ، فأقم عليه الحدّ و إن لم يتب فاقتله ، فقد خرج عن الملّة ، فاستيقظ عمر لذلك و عرف قدّامة الخبر فأظهر التوبة الخبر ٢ .

و ما رواه الكافي عن زاذان : أن رجلين استودعا امرأة وديعة و قالا لها لا تدفعيها إلى واحد منّا حتى نجتمع عندك ، ثم انطلقا فغابا فجاء أحدهما إليها ،

فقال : أعطني وديعتي و إن صاحبي قد مات ، فأبت حتى كثر اختلافه ثمّ أعطته ،

ثم جاء الآخر فقال : هاتي وديعتي ، فقالت المرأة : أخذها صاحبك ، و ذكر أنّك متّ ، فارتفعا إلى عمر فقال لها : ما أراك إلاّ و قد ضمنت فقالت المرأة : اجعل بيني و بينه عليّا عليه السلام . فقال عمر له : اقض بينهما . فقال علي : هذه الوديعة عندي ،

و قد امرتماها ألاّ تدفعها إلى واحد منكما ، حتى تجتمعا عندها ، فآتني بصاحبك ، و لم يضمنها ٣ .

و ما في ( المناقب ) أن مصقلة العبدي قال :

إنّا روينا في الحديث خبرا

يعرفه سائر من كان روى

إن ابن خطاب أتاه رجل

فقال كم عدّة تطليق الأما

فقال يا حيدر كم تطليقة

للامة اذكره فاوما المرتضى

بإصبعيه فثنى الوجه الى

سائله و قال اثنتنان و انثنى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٩٣ .

( ٢ ) الإرشاد : ١٠٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الكافي ٧ : ٤٢٧ ح ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٣٠

قال له تعرف هذا قال لا

قال له : هذا علي ذو العلا ١

و جاء في ( الفقيه ) : أن حفص بن غالب الأسدي قال : بينما رجلان جالسان في زمن عمر إذ مرّ بهما عبد مقيّد ، فقال أحد الرجلين : إن لم يكن في قيده كذا و كذا ، فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر : إن كان فيه كما قلت ، فامرأته طالق ثلاثا ، فذهبا إلى مولى العبد فقالا له : إنّا حلفنا على كذا و كذا ، فحلّ قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى العبد : امرأته طالق ثلاثا ان حللت قيد غلامي ،

فارتفعوا إلى عمر فقصّوا عليه القصّة ، فقال عمر : مولاه أحق به ، إذهبوا بنا إلى علي بن أبي طالب لعلّه يكون عنده في هذا شي‏ء ، فأتوه فقصّوا عليه فقال : ما أهون هذا ثم أمر بجفنة و أمر بقيده فشد فيه خيطا ، و أدخل رجليه و القيد في الجفنة ، ثم صب عليه الماء حتى امتلأت ثم قال عليه السلام : ارفعوا القيد ، فرفعوه حتى أخرج من الماء ، فلما أخرج نقص الماء ثم دعا عليه السلام بزبر الحديد فأرسله في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه و القيد في الماء ثم قال : زنوا هذه الزبر فهو وزنه .

و رواه ( فضائل ابن شاذان ) و زاد : فلما فعلوا ذلك و انفصلوا دخلت نساؤهم عليهم و خرجوا ، و هم يقولون : نشهد أنّك عيبة علم النبوّة و قال الصدوق بعد نقله : إنما هدي عليه السلام إلى معرفة ذلك ليخلص الناس من أحكام من يجيز الطلاق باليمين ٢ .

و ما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) نقلا عن ( فضائل أحمد بن حنبل ) مسندا أن عمر كان يقول « أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو حسن » . قال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ٣٧٠ .

( ٢ ) رواه الصدوق في الفقيه ٣ : ٩ ح ٢ ، و نقله المجلسي في البحار ٤٠ : ٢٨٠ ح ٤٣ ، عن كتابي الفضائل و الروضة و الحديث يوجد في الكتاب الروضة : ٤٠ ، لكن لم يوجد في الفضائل كما صرّح به في هامش البحار ، و النقل بتصرف يسير .

٣٣١

سعيد بن المسيب : و لهذا القول سبب ، و هو ان ملك الروم كتب إلى عمر يسأله عن مسائل ، فعرضها على الصحابة فلم يجد عندهم جوابا ، فعرضها على أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب عنها في أسرع وقت بأحسن عبارات . كان قيصر كتب إليه : إنّي سائلك عن مسائل فأخبرني عنها : ما شي‏ء لم يخلقه اللّه ، و ما شي‏ء لا يعلمه اللّه ، و ما شي‏ء ليس عند اللّه ، و ما شي‏ء كلّه فم ، و ما شي‏ء كلّه رجل ، و ما شي‏ء كلّه عين ، و ما شي‏ء كلّه جناح ، و سائلك عن رجل لا عشيرة له ، و عن أربعة لم يحمل بهم رحم ، و عن شي‏ء يتنفّس و ليس فيه روح ، و عن صوت الناقوس ماذا يقول ، و عن ظاعن ظعن مرة واحدة ، و عن شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ما مثلها في الدنيا ، و عن مكان لم تطلع عليه الشمس إلا مرّة واحدة ، و عن شجرة نبتت من غير ماء ، و عن أهل الجنّة يأكلون و يشربون و لا يتغوطون ، و لا يبولون ، ما مثلهم في الدنيا ، و عن موائد الجنّة عليها القصاع في كلّ قصعة ألوان لا يختلط بعضها ببعض ما مثلها في الدنيا ، و عن جارية تخرج من تفاحة الجنة و لا ينقص منها شي‏ء ، و عن جارية تكون في الدنيا لرجلين و هي في الآخرة لواحد ، و عن مفاتيح الجنة ما هي ؟

فقرأ علي عليه السلام الكتاب و كتب في الحال خلفه :

بسم اللّه الرحمن الرحيم . اما بعد فقد وقفت على كتابك ايّها الملك و أنا اجيبك بعون اللّه تعالى و بركة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أما الشي‏ء الذي لم يخلقه اللّه فالقرآن لأنه كلامه .

و أما الذي لا يعلمه اللّه فقولكم له ولد و له صاحبة و شريك ما اتخذ اللّه من ولد و ما كان معه من إله ١ لم يلد و لم يولد ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المؤمنون : ٩١ .

( ٢ ) الاخلاص : ٣ .

٣٣٢

و أما الذي ليس عند اللّه فالظلم و ما ربّك بظلاّم للعبيد ١ .

و أمّا الذي كلّه فم فالنار تأكل كلّ ما يلقى فيها ، و أمّا الّذي كلّه رجل فالماء . و أمّا الذي كلّه عين فالشمس ، و أمّا الذي كلّه جناح فالريح ، و أمّا الذي لا عشيرة له فآدم عليه السلام . و أمّا الذين لم يحمل بهم رحم فعصا موسى عليه السلام و كبش إبراهيم و شخص آدم و حوّاء . و أمّا الذي يتنفس من غير روح فالصبح قال تعالى و الصبح إذا تنفس ٢ .

و أما الناقوس فإنّه يقول :

طقا طقا

حقا حقا

مهلا مهلا

عدلا عدلا

صدقا صدقا

ان الدنيا قد غرتنا و استهوتنا

تمضي الدنيا قرنا قرنا

ما من يوم يمضي عنّا

إلا أوهى منا ركنا

ان الموتى قد أخبرنا

إنّا نرحل فاستوطنا

و اما الظاعن مرة فطور سيناء لما عصت بنو إسرائيل و كان بينه و بين الأرض المقدسة أيام ، فقلع اللّه منه قطعة و جعل لها جناحين من نور فنتقها عليهم ، فذلك قوله تعالى و إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة و ظنوا انّه واقع بهم ٣ . و قال لبني اسرائيل ان تؤمنوا و إلا أوقعته عليكم ، فلما تابوا ردّه إلى مكانه .

و أما المكان الذي لم تطلع عليه الشمس فأرض البحر لمّا فلقه اللّه تعالى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فصلت : ٤٦ .

( ٢ ) التكوير : ١٨ .

( ٣ ) الاعراف : ١٧١ .

٣٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

لموسى ، و قام الماء أمثال الجبال و يبست الأرض بطلوع الشمس عليها ، ثم عاد ماء البحر إلى مكانه .

و أما الشجرة التي يسير الركب في ظلّها مائة عام فشجرة طوبى ، و هي سدرة المنتهى في السماء السابعة تنتهي إليها أعمال بني آدم ، و هي من أشجار الجنة ليس في الجنة قصر و لا بيت إلاّ و فيه غصن من أغصانها ،

و مثلها في الدنيا الشمس أصلها واحد ، و ظلّها في كلّ مكان .

و أما الشجرة التي نبتت من غير ماء فشجرة يونس ، و كان ذلك معجزة له لقوله تعالى و أنبتنا عليه شجرة من يقطين ١ .

و أما غذاء أهل الجنّة فمثلهم في الدنيا الجنين في بطن امّه ، فانّه يتغذّى من سرّة امّه و لا يبول و لا يتغوّط . و أما الألوان في القصعة الواحدة فمثله في الدنيا البيضة فيها لو نان أبيض و أصفر و لا يختلطان .

و أما الجارية التي تكون بين اثنين فالنخلة التي تكون في الدنيا لمؤمن و كافر ، فهي للمؤمن في الآخرة لأنّها في الجنة ، و الكافر لا يدخلها ، و أما مفاتيح الجنّة فلا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه .

فلما قرأ قيصر الكتاب قال : ما خرج هذا الكلام إلاّ من بيت النبوّة ، ثم سأل عن المجيب فقيل له ابن عم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ٢ .

و روى سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عن ( فضائل أحمد بن حنبل ) و عن مسنده قضايا أربع قال عمر في بعضها « لا أبقاني اللّه بعد ابن أبي طالب » و في بعضها « اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب » و في بعضها « لو لا علي لهلك عمر » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الصافات : ١٤٦ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ١٤٤ ١٤٧ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٣٤

ثم قال السبط : و في هذا المعنى يقول الصاحب بن عباد :

حبّ النبي و أهل البيت معتمدي

إذ الخطوب اساءت رأيها فينا

يا مذرة الدين يا فرد الزمان اصخ

لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا

أيا ابن عم رسول اللّه أفضل من

ساد الأنام و ساس الهاشميينا

هل مثل سبقك في الاسلام لو عرفوا

و هذه الخصلة الغراء تكفينا

هل مثل علمك ان زلوا و ان وهنوا

و قد هديت كما أصبحت تهدينا

هل مثل جمعك للقرآن تعرفه

لفظا و معنى و تأويلا و تبيينا

هل مثل صبرك إذ خانوا و إذ فشلوا

حتى جرى ما جرى في يوم صفينا

هل مثل بذلك للعاني الاسير و لك

طفل الصغير و قد أعطيت مسكينا

هل مثل قولك إذ قالوا مجاهرة

لو لا علي هلكنا في فتاوينا ١ .

و روى الكافي : ان أبا بكر لما قام بالأمر أتى برجل قد شرب الخمر فقال أبو بكر : لم شربتها و هي محرمة ؟ فقال : إني أسلمت و منزلي بين ظهراني قوم يستحلونها و لو أعلم انّها حرام اجتنبتها . فقال أبو بكر لعمر : ما تقول في أمر هذا الرجل ؟ فقال عمر : معضلة و أبو الحسن لها . فقال أبو بكر : يا غلام ادع لنا عليّا . فقال عمر : يؤتى الحكم في منزله ، فأتوه و عنده سلمان ، فأخبروه فقال عليه السلام لأبي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين و الأنصار فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد ، فإن لم يكن تليت عليه فلا شي‏ء عليه ،

ففعل فلم يشهد عليه أحد فخلّي سبيله . فقال سلمان له عليه السلام : لقد أرشدتهم فقال عليه السلام : انما أردت أن اجدد تأكيد قوله تعالى : أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ٢ فيّ و فيهم ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ١٤٤ ١٤٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) يونس : ٣٥ .

( ٣ ) روى قريب منه في الكافي ٧ : ٢١٦ ح ١٦ .

٣٣٥

و من أراد الوقوف على غرائب قضاياه عليه السلام أكثر من هذا فعليه بكتابنا المؤلف في قضاياه عليه السلام فقد تكفل من ذلك مقدارا مشبعا ، و له عليه السلام قضايا في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و قضايا في أمرة الثلاثة ، و قضايا في أيام خلافته .

٢

الحكمة ( ٢٧١ ) رُوِيَ أَنَّهُ ع رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ سَرَقَا مِنْ مَالِ اَللَّهِ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ وَ اَلْآخَرُ مِنْ عُرُوضِ اَلنَّاسِ فَقَالَ ع أَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اَللَّهِ وَ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ مَالُ اَللَّهِ أَكَلَ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَمَّا اَلْآخَرُ فَعَلَيْهِ اَلْحَدُّ اَلشَّدِيدُ فَقَطَعَ يَدَهُ أقول : روى الرواية ( الكافي في الصحيح ) هكذا : قضى عليه السلام في رجلين سرقا من مال اللّه أحدهما عبد لمال اللّه و الآخر من عرض الناس فقال : أما هذا فمن مال اللّه ، ليس عليه شي‏ء من مال اللّه أكل بعضه بعضا ، و أما الآخر فقدمه فقطع يده ، ثم أمر أن يطعم السمن و اللحم حتى برئت منه ١ .

ثم ما في المتن « من عروض الناس » هو في ( المصرية ) ، و الصواب : « من عرض الناس » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) بل و في مستنده ٢ .

ثم و نظير قوله عليه السلام في سرقة رجل من عرض الناس من بيت المال و سرقة عبد من بيت المال باختصاص القطع بالأول لما ذكره عليه السلام من كونه مال اللّه أكل بعضه بعضا و لأن في قطعه اضرارا أكثر ببيت المال ، قوله عليه السلام

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٢٦٤ ح ٢٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٦٠ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٨٢ ، و الكافي ٧ : ٢٦٤ .

٣٣٦

في سرقة العبد من مولاه و من غيره ، فروى الكافي أيضا عنه عليه السلام قال : عبدي إذا سرقني لم أقطعه ، و عبدي إذا سرق غيري قطعته الخبر ١ .

ثم ما في المتن « و أما الآخر فعليه الحد الشديد » انما هو في ( ابن أبي الحديد ) و أخذه عنه ( المصرية ) و ليس في ( ابن ميثم و الخطية ) و ليس في مستنده و لا وجه له ٢ .

و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان : هذا مذهب الشيعة أن عبد المغنم إذا سرق من المغنم لم يقطع ، فأما العبد الغريب يقطع إذا كان ما سرقه زائدا عمّا يستحقه بمقدار نصاب القطع ربع دينار ، فأمّا الفقهاء فانّهم لا يوجبون القطع على من سرق من الغنيمة قبل الغنيمة مطلقا لأن مخالطة حقّه شبهة تمنع من القطع ٣ .

قلت : ان ابن أبي الحديد قد خبط و خلط ، فالشيعة أيضا يمنعون القطع في من سرق مما له شرك فيه مطلقا . روى في ( الكافي محمد بن يعقوب الكليني ) في باب ما لا يقطع فيه السارق انّه عليه السلام أتي برجل قد سرق من بيت المال فقال ،

لا يقطع فإن له فيه نصيبا ٤ .

و روى في باب ما يجب على الطرار و المختلس عنه عليه السلام قال : أربعة لا قطع عليهم : المختلس ، و الغلول ، و من سرق الغنيمة ، و سرقة الأجير فإنّها خيانة ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٢٣٧ ح ٢٠ .

( ٢ ) لم توجد الفقرة في الكافي ٧ : ٢٦٤ ، و توجد بتمامها في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٦٠ ، و توجد بلفظ « و اما الآخر فعليه الحد » في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٦٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٢٣١ ح ٦ .

( ٥ ) الكافي ٧ : ٢٢٦ ح ٦ .

٣٣٧

و روى في باب حدّ القطع و كيف هو : أن رجلا أخذ بيضة من المغنم و قالوا له : قد سرق اقطعه . فقال عليه السلام : إنّي لا أقطع أحدا له فيما أخذ شرك ١ .

و انما عنوان النهج السرقة من مال اللّه أي الصدقات ، و حينئذ فيفصل فيه بما قال عليه السلام من اختلاف حكم سرقة عبد الصدقات من الصدقات ، و سرقة غيره من العبيد بقطع الثاني دون الأول لأنه مال اللّه أكل بعضه بعضا ، و اما الأوّل ، فيشمله عموم الآية ، و لا حقّ له في الصدقات لأن نفقته على مولاه .

و مثل الصدقات الغنائم لو سرق عبد منها منها لا يقطع للعلّة ، و لو سرق منها عبد أجنبي يقطع لأن الغنائم للأحرار دون العبيد . و قول ابن أبي الحديد غلط فاحش و نسبته إلى فقهائهم انّهم لا يقطعونه بهتان .

هذا و قالوا انّه فقد في دار بعض الرؤساء مشربة فضة ، فوجّه ذاك الشخص إلى ابن ماهان المنجم يسأله ، فقال ابن ماهان : المشربة سرقت نفسها ، فكشف أن في الدار جارية اسمها فضة سرقت تلك المشربة من الفضة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٧ : ٢٢٣ ح ٧ .

٣٣٨

الفصل الثالث عشر في أجوبته التمثيلية و أدب السؤال و الجواب

٣٣٩

١

الخطبة ( ١٤١ ) و من كلام له عليه السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَ سَدَادَ طَرِيقٍ فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ اَلرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي اَلرَّامِي وَ يُخْطِئُ اَلسِّهَامُ وَ يُحِيلُ اَلْكَلاَمُ وَ بَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَ اَللَّهُ سَمِيعٌ وَ شَهِيدٌ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ قال الشريف : فسئل عن معنى قوله هذا فجمع أصابعه و وضعها بين أذنه و عينه ثم قال اَلْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَ اَلْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ « أيّها الناس من عرف من أخيه » أي : في الدين ، فقد قال تعالى : انما المؤمنون إخوة ١ « وثيقة دين » أي : استحكامه في دينه « و سداد » بالفتح أي :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٠ .

٣٤٠