بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116215
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116215 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

« فقال عليه السلام : إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه ، و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه » . روي في ( توحيد الصدوق ) عن زينب العطّارة قالت : سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن عظمة اللّه . فقال صلّى اللّه عليه و آله : إنّ هذه الأرض بمن فيها و من عليها عند الّتي تحتها كحلقة في فلاة قيّ ، و هاتان و من فيهما و من عليهما عند الّتي تحتها كحلقه في فلاة قيّ ، و الثالثة حتى انتهى إلى السابعة ، ثم تلا هذه الآية : خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن ١ الخبر ٢ .

« و إنّ أحقّ من كان كذلك » أي : يكون كلّ ما سواه تعالى صغيرا عنده « لمن عظمت نعمة اللّه عليه و لطف إحسانه إليه » مثله عليه السلام « فانه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلاّ ازداد حقّ اللّه عليه عظما » .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : من عظمت نعمة اللّه عليه اشتدّت مؤنة الناس عليه ، فاستديموا النعمة باحتمال المؤنة و لا تعرّضوها للزوال ، فقلّ من زالت عنه النعمة فكادت أن تعود إليه ٣ .

« و إن من أسخف حالات الولاة » و أقربها إلى دقّة عقولهم « عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر و يوضع أمرهم على الكبر » و في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله :

آفة الحسب الافتخار و العجب .

و عن الصادق عليه السلام : جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : أنا فلان بن فلان حتى عدّ تسعة فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله : أما إنّك عاشرهم في النار ٤ .

« و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء » أي : المدح لي « و استماع الثناء » علي .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الطلاق : ١٢ .

( ٢ ) توحيد الصدوق : ٢٧٥ ح ١ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٣٧ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٣٢٨ و ٣٢٩ ح ٢ و ٥ .

٤٤١

قال ابن أبي الحديد : ناظر المأمون البوشنجاني في مسألة كلاميّة ،

فجعل يستخذي له ، فقال له المأمون : أراك تنقاد إليّ ما أقوله لك قبل وجوب الحجّة عليك ، و قد ساءني منك ذلك ، و لو شئت ان اقتسر الامور بعزّة الخلافة وهيبة الرياسة لصدقت و ان كنت كاذبا و عدلت و ان كنت جائرا و صوبت و ان كنت مخطئا ، و لكن لا أقنع إلاّ بإقامة الحجّة و إزالة الشبهة ، و إن أنقص الملوك عقلا و أسخفهم رأيا من رضي بقولهم : صدق الامير و قال ابن المقفع في ( يتيمته ) : إيّاك إذا كنت واليا أن يكون من شأنك حبّ المدح و التزكية و أن يعرف الناس ذلك منك ، فتكون ثلمة يقتحمون عليك منها و بابا يفتحونك منه و غيبة يغتابونك بها و يسخرون منك لها ١ « و لست بحمد اللّه كذلك ، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء » .

جاء في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : أوحى اللّه إلى داود : كما أن أقرب النّاس من اللّه ، المتواضعون كذلك أبعد الناس المتكبّرون .

و نقل أيضا عن الباقر عليه السلام : أنّ ملكا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : إن اللّه تعالى مخيّرك بين أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا . فنظر النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى جبرئيل عليه السلام ، و أومأ جبرئيل بيده أن تواضع ، فقال النبي : عبدا متواضعا رسولا ٢ .

و في ( عقاب الأعمال ) عن الصادق عليه السلام : الكبرياء رداء اللّه ، فمن نازعه شيئا من ذلك كبه اللّه في النار ٣ ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٠٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٢ : ١٢٢ و ١٢٣ ح ٥ و ١١ .

( ٣ ) عقاب الاعمال : ٢٦٤ ح ٢ .

( ٤ ) لم يتعرض الشارح بشرح فقره « و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء » .

٤٤٢

« فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من إمضائها » قرأ ابن أبي الحديد من التقية ( من البقية ) لأنّه قال معنى كلامه عليه السلام « و ربما استحلى الناس إلى لا بدّ من إمضائها » أن بعض من يكره الإطراء و الثناء ، قد يحب ذلك بعد البلاء و الإختبار ، كما قال مرداس بن أدية لزياد « إنّما الثناء بعد البلاء و إنّما يثنى بعد أن يبتلى » فقال عليه السلام : لو فرضنا أن ذلك سائغ و جائز و غير قبيح لم يجز لكم أن تثنوا علي في وجهي و لا جاز لي أن أسمعه منكم لأنّه قد بقيت علي بقية لم أفرغ من أدائها و فرائض لم أمضها بعد ، و لا بدّ لي من إمضائها ، و إذا لم يتمّ البلاء الّذي قد فرضنا أن الثناء يحسن بعده ، لم يحسن الثناء ١ .

و اما ابن ميثم فقال : و في خط الرضيّ « من التقية » بالتاء ، و المعنى فإن الذي أفعله من طاعة اللّه انّما هو إخراج لنفسي إلى اللّه و إليكم من تقية الحقّ فيما يجب علي من الحقوق ، إذ كان عليه السلام إنّما يعبد اللّه للّه غير ملتفت في شي‏ء من عبادته و أداء واجب حقّه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه ٢ .

« فلا تكلموني بما تكلّم به الجبابرة » جاء في ( تاريخ الطبري ) : خطب الوليد ابن عبد الملك بعد أبيه و كان جبّارا عنيدا فقال : أيّها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ، و من سكت مات بدائه ٣ .

« و لا تتحفظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة » أي : أهل الحدّة .

في ( العقد الفريد ) : قام رجل إلى هارون و هو يخطب بمكة فقال : كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون ٤ فأمر به فضرب مائة سوط ، فكان يئنّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الجحديد ١١ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢١٤ ، سنة ٨٦ .

( ٤ ) الصف : ٣ .

٤٤٣

الليل كلّه و يقول الموت الموت .

و فيه : بقي الوليد بن عبد الملك يوم الجمعة على المنبر حتى اصفرّت الشمس ، فقام إليه رجل فقال : ان الوقت لا ينتظرك و ان الربّ لا يعذرك قال :

صدقت و من قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم مثل مقامك من هاهنا من الحرس يقوم فيضرب عنقه ١ ؟

« و لا تخالطوني بالمصانعة » . في ( العقد ) ، قال الربيع بن زياد الحارثي :

كنت عاملا لأبي موسى على البحرين ، فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم عليه هو و عمّاله و أن يستخلفوا من هو من ثقاتهم حتى يرجعوا ، فلمّا قدمنا أتيت يرفأ غلام عمر فقلت : يا يرفأ ابن سبيل مسترشد ، أخبرني ، أيّ الهيئات أحبّ إلى عمر أن يرى فيها عمّاله ؟ فأومأ إلى الخشونة ، فأخذت خفين مطارقين و لبست جبّة صوف و لثت رأسي بعمامة دكناء ، ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه و صعّد فينا نظره و صوّب ، فلم تأخذ عينه أحدا غيري فدعاني الخ ٢ .

هذا ، و روى صاحب كتاب ( البصائر ) ، و كذا ( المناقب ) ، عن إبراهيم بن عمر أنّه عليه السلام قال : لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه المال إلى المدائن إلى شيعته .

فقال رجل من أصحابه في نفسه : لآتينه و لأقولن له أنا أذهب به فهو يثق بي فإذا أنا أخذته أخذت طريق الكرخة ، فأتاه فقال له عليه السلام : أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن ، فرفع رأسه إليه ثم قال له : إليك عنّي خذ طريق الكرخة و روى في ( الخرائج ) كذلك و لكن فيه قال : فإذا أخذته ، أخذت طريق الشام إلى معاوية إلى أن قال فقال عليه السلام له : إليك عنّي تأخذ طريق الشام ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ١ : ٤٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) العقد الفريد ١ : ١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) بصائر الدرجات : ٢٦٠ ح ٢٠ ، و مناقب السروي ٢ : ٢٥٨ ، و الخرائج و الجرائح ١ : ١٨٥ .

٤٤٤

« و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي ، و لا التماس إعظام لنفسي ، فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه » في ( بلاغات نساء البغدادي ) عن الشعبي قال : استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية ، فاذن لها ، فلما دخلت قال لها معاوية : هية يا بنت الأسك ألست القائلة يوم صفين :

شمّر كفعل أبيك يا ابن عمارة

يوم الطعان و ملتقى الأقران

و انصر عليّا و الحسين و رهطه

و اقصد لهند و ابنها بهوان

إنّ الإمام أخو النّبيّ محمّد

علم الهدى و منارة الإيمان

فقه الحتوف و سر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم و سنان

قالت : أي و اللّه ما مثلي من غرب عن الحقّ أو اعتذر بالكذب إلى أن قال قالت لمعاوية : إنّك أصبحت للناس سيّدا و لأمرهم متقلّدا ، و اللّه سائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقّنا ، و لا يزال يقدم علينا من ينوء بعزّك و يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دوس البقر و يسومنا الخسيسة و يسلبنا الجليلة ، هذا بسر بن إرطأة قدم علينا من قبلك ، فقتل رجالي و أخذ مالي يقول لي : فوهي بما استعصم اللّه منه و الجأ إليه فيه تعني سبّه عليه السلام و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك ، و إمّا لا ، فعرفناك .

فقال لها معاوية : أ تهدديني بقومك لقد هممت أن أحملك على قتب اشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه . فأطرقت تبكي ثم قالت :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحقّ و الإيمان مقرونا

قال لها : و من ذلك ؟ قالت : علي بن أبي طالب ، قال : و ما صنع بك حتّى صار عندك كذلك ؟ قال : قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بينه ما بين الغثّ و السمين ، فأتيت عليّا عليه السلام لأشكو إليه ، فوجدته قائما يصلّي ،

٤٤٥

فلمّا نظر إليّ انفتل من صلاته ، ثمّ قال لي برأفة و تعطف : ألك حاجة ؟ فأخبرته الخبر ، فبكى ثمّ قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد علي و عليهم ، إني لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ، ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها « بسم اللّه الرحمن الرحيم » ، « قد جآءتكم بيّنة من ربّكم فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين » ، « بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين ، و ما أنا عليكم بحفيظ ١ » ، إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يدك من عملنا ، حتى يقدم علينا من يقبضه منك » ،

فأخذته منه ، و اللّه ما ختمه بطين و لا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية : لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون الخ ٢ .

هذا ، و في ( العقد ) : جلس المأمون للمظالم ، فتقدّمت إليه امرأة فقال لها :

اين خصمك ؟ قالت : الواقف على رأسك و أومأت إلى العباس ابنه فقال لأحمد بن أبي خالد : خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم ، فجعل كلامها يعلو كلام العباس ، فقال لها أحمد اخفضي من صوتك فانّك تكلّمين الأمير فقال له المأمون : دعها فإن الحقّ أنطقها و أخرسه ، ثمّ أمر بردّ ضيعتها إليها ٣ .

« فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة » بسكون الشين و فتح الواو ، أو ضمّ الشين و سكون الواو .

و في ( العقد ) : قيل لرجل من عبس ما أكثر صوابكم ؟ قال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد ، فنحن نشاوره ، فكأنّا ألف حازم ٤ .

« فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ و لا آمن ذلك » هكذا في ( المصرية )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا خلط بين آية الأعراف : ٨٥ ، و آيتي هود : ٨٥ و ٨٦ .

( ٢ ) بلاغات النساء : ٤٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) العقد الفريد ١ : ٢٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) العقد الفريد ١ : ٤٧ .

٤٤٦

و الصواب : ( ذاك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) « من فعلي إلاّ أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي » ١ .

و هذا القول صدر منه عليه السلام كقول يوسف عليه السلام : و ما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي إنّ ربّي غفور رحيم ٢ ، و كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر « و لا أنا إلاّ أن يتداركني اللّه برحمته » ٣ . فلا ينافي عصمته عليه السلام فان عصمتهم عليهم السلام إنّما باللّه تعالى ، قال تعالى : و لقد همّت به و همّ بها لولا أن رأى برهان ربّه ٤ فقال عليه السلام ما قال على مقتضى الغرائز البشرية من حيث هي .

« فانّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره ، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا » و لا حول و لا قوّة لأحد إلاّ به تعالى .

« و أخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى » ، قال ابن أبي الحديد : لم يشر عليه السلام إلى خاصّ نفسه لأنّه عليه السلام لم يكن كافرا فأسلم ، و لكنّه أشار إلى القوم الذين يخاطبهم من افناء النّاس ، و أتى بصيغة الجمع توسعا . و يجوز أن يكون معناه لولا ألطاف اللّه تعالى ببعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله لكان الجميع على عبادة الأصنام ،

كما قال تعالى لنبيّه و وجدك ضالاًّ فهدى ٥ ، فليس معناه أنّ النبي كان كافرا ، بل معناه : إنّه لو لا اصطفاء اللّه تعالى لك لكنت كواحد من قومك ، فكأنّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٠٢ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١ « ذلك » .

( ٢ ) يوسف : ٥٣ .

( ٣ ) لم أجده .

( ٤ ) يوسف : ٢٤ .

( ٥ ) الضحى : ٧ .

٤٤٧

كان ضالاّ بالقوّة لا بالفعل ١ .

قلت : و كأن في الكلام سقطا ، و إن وجدنا رواية الروضة أيضا كذلك ،

فعطف قوله « و أخرجنا » على قوله « يملك منّا » كما ترى .

و كيف كان فقد عرفت من رواية ( الروضة ) أن من كلامه عليه السلام بعد ما مرّ « و أنا استشهدكم عند اللّه على نفسي إلى و لا يجوز عنده إلاّ مناصحة الصدور في جميع الامور » ٢ و لم ينقله المصنف .

١٠

الخطبة ( ١٢٩ ) و من كلام له عليه السلام :

أَيَّتُهَا اَلنُّفُوسُ اَلْمُخْتَلِفَةُ وَ اَلْقُلُوبُ اَلْمُتَشَتِّتَةُ اَلشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ وَ اَلْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ أَظْأَرُكُمْ عَلَى اَلْحَقِّ وَ أَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ اَلْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ اَلْأَسَدِ هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سَرَارَ اَلْعَدْلِ أَوْ أُقِيمَ اِعْوِجَاجَ اَلْحَقِّ اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اَلَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَ لاَ اِلْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ اَلْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنَرِدَ اَلْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ اَلْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ فَيَأْمَنَ اَلْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ اَلْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَ سَمِعَ وَ أَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ بِالصَّلاَةِ أقول : قال ابن الجوزي في ( مناقبه ) كما في ( البحار ) روى مجاهد عن ابن عباس قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام يوما على منبر الكوفة « أيّتها النفوس . . . الخ » مثله ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٠٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٨ : ٣٥٧ و ٣٥٨ .

( ٣ ) نقله عنه في بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٤ ح ٣ ، و هذا خلط بين الكتاب ابن الجوزي و سبطه و ما نقله فهو من تذكرة الخواص : ١٢٠ .

٤٤٨

« أيّتها النفوس المختلفة » في الآراء « و القلوب المتشتّتة » في العقائد « الشاهدة أبدانهم » في المجالس « و الغائبة عنهم عقولهم » في العمل لمصالحهم و معائشهم .

و في الخطبة ٢٩ « أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم » و في الخطبة ٩٥ « أيّها الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ،

المبتلى بهم أمراؤهم » .

« أظأركم » أي : أعطفكم « على الحقّ و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة » في ( الجمهرة ) : سمعت وعوعة القوم أي : اختلاط أصواتهم ، و يسمى ابن آوى الوعوع ، و الوعوعة صوت الديك إذا دارك ، و كذلك الذئب في عدوه ،

قال امرؤ القيس :

كأنّ خضيعة بطن الجواد

وعوعة الذئب في الفدفد ١

« الأسد » كلامه عليه السلام « و أنتم . . . الخ » ، نظير قوله تعالى : كأنّهم حمر مستنفرة . فرّت من قسورة ٢ .

« هيهات » أي : بعيد « أن أطلع بكم » أي : أخرج بكم « سرار العدل » أي : مخفيّة من سرار الشهر ليلة أو ليلتين من آخر الشهر يستسّر فيهما القمر بطلوع الشمس « أو اقيم » بكم « اعوجاج الحقّ » و زيغه ، لأنّهم منشأ سرار العدل ، فكيف يطلع بهم ، و موجب اعوجاج الحقّ فكيف يقام بهم ؟

« اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا » من ترغيبكم إلى جهاد العدو و تأنيبكم على تقاعدكم عن حفظ الثغور « منافسة » أي : رغبة « في سلطان » الدنيا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ١ : ١٦٠ .

( ٢ ) المدثر : ٥٠ و ٥١ .

٤٤٩

كالمتقدّمين عليه عليه السلام « و لا التماس » أي : و لا لطلب « شي‏ء من فضول الحطام » الأصل في الحطام : ما تكسر من اليبيس ، شبّه به متاع الدنيا .

« و لكن لنرد المعالم من دينك » معالم الدين : آثاره المستدل بها عليه ،

« و نظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك و تقام المعطّلة من حدودك » نقل نصر ابن مزاحم في كتابه ( وقعة صفين ) عن حبة العرني : أنّه لما نزل علي عليه السلام في طريق صفّين بمكان يقال له بليخ ، نزل راهب من صومعته فقال له عليه السلام إنّ عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه عيسى بن مريم عليه السلام ، أعرضه عليك ؟ قال عليه السلام : نعم إلى أن قال فيه فإذا توفّى اللّه نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله اختلفت امّته ثمّ اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء اللّه ، ثمّ اختلفت فيمرّ رجل من أمّته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يقضي بالحقّ ، و لا يرتشي في الحكم ، الدّنيا أهون عليه من الرّماد في يوم عصفت الريح ، و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ ، يخاف اللّه في السرّ ، و ينصح له في العلانية ، و لا يخاف في اللّه لومة لائم ١ .

و في ( تاريخ الطبري ) عن ناجية القرشي عن عمّه يزيد بن عدي قال : رأيت عليّا عليه السلام خارجا من همدان ، فرأى فئتين يقتتلان ففرّق بينهما ثم مضى فسمع صوتا « يا غوثا باللّه » ، فخرج يحضر نحوه حتى سمع خفق نعله و هو يقول : أتاك الغوث ، فإذا رجل يلازم رجلا فقال له عليه السلام : بعت هذا ثوبا بتسعة دراهم و شرطت عليه أن لا يعطيني مغموزا و لا مقطوعا و كان شرطهم يومئذ فأتيته بهذه الدراهم ليبدلها لي فأبى فلزمته ، فلطمني فقال له : ابدلها له ( ففعل ) ثمّ قال عليه السلام : بيّنتك على اللطمة ؟ فأتاه بالبيّنة فأقعده ، ثم قال : دونك فاقتص فقال : إنّي قد عفوت ، ثم ضرب الرجل تسع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٤٧ .

٤٥٠

درّات و قال : هذا حقّ السلطان .

و رواه في إسناد آخر عنه عن أبيه ، و فيه : اشترى منّي شاة و قد شرطت عليه ألاّ يعطيني مغموزا و لا محذقا فأعطاني درهما مغموزا ، فرددته فلطمني إلى أن قال أو أعفو . قال : ذاك إليك ، فلمّا جاز الرجل قال عليه السلام : يا معشر المسلمين خذوه فأخذوه ، فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب ثم ضربه خمس عشرة درّة و قال : هذا نكال لما انتهكت من حرمته ١ .

« اللهمّ إنّي أوّل من أناب » أي : أقبل إلى اللّه « و سمع » دعوة النبي صلّى اللّه عليه و آله « و أجاب » و في ( الإرشاد ) قال عليه السلام : أخبركم بما يكون قبل أن يكون ، لتكونوا منه على حذر ، و لتنذروا به من اتعظ و اعتبر ، كأنّي بكم تقولون إنّ عليّا يكذب ، كما قالت قريش لنبيّها و سيّدها نبي الرحمة ، فيا ويلكم أفعلى من أكذب ، أعلى اللّه ،

فأنا أوّل من عبده و وحده ، أم على رسول اللّه فأنا أوّل من آمن به و صدقه و نصره الخبر ٢ .

و في ( تاريخ الطبري ) : لما نزلت و انذر عشيرتك الأقربين ٣ جمع النبي صلّى اللّه عليه و آله بني عبد المطلب و قال لهم : إنّي و اللّه ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة ، و قد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم ؟ قال علي عليه السلام : فأحجم القوم عنها جميعا و قلت :

و إنّي لأحدثهم سنّا ، و أرمصهم عينا ، و أعظمهم بطنا ، و أحمشهم ساقا أنا أكون وزيرك عليه ، فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله برقبتي ثم قال : إنّ هذا أخي ، و وصيي ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٢٠ ، سنة ٤٠ .

( ٢ ) الإرشاد : ١٤٨ .

( ٣ ) الشعراء : ٢١٤ .

٤٥١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا ، فقام القوم يضحكون ، و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع ١ .

« لم يسبقني إلاّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالصلاة » عن الصادق عليه السلام : أوّل جماعة كانت ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي و أمير المؤمنين عليه السلام معه ، إذ مرّ أبو طالب به و جعفر معه قال : يا بني صل جناح ابن عمّك ، فلمّا أحسّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تقدّمهما و انصرف أبو طالب مسرورا و هو يقول :

إنّ عليّا و جعفرا ثقتي

عند ملمّ الزمان و الكرب ٢

١١

الكتاب ( ٧٠ ) و من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاريّ و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ فَلاَ تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ يَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَ لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ اَلْهُدَى وَ اَلْحَقِّ وَ إِيضَاعُهُمْ إِلَى اَلْعَمَى وَ اَلْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ إِلَيْهَا وَ قَدْ عَرَفُوا اَلْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ وَ عَلِمُوا أَنَّ اَلنَّاسَ عِنْدَنَا فِي اَلْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى اَلْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً إِنَّهُمْ وَ اَللَّهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اَللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ وَ يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ اَلسَّلاَمُ أقول : و رواه اليعقوبي في ( تأريخه ) مع اختلاف فقال : و كتب علي عليه السلام

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣ .

( ٢ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ١٩ .

٤٥٢

إلى سهل ، و هو على المدينة : « أما بعد فقد بلغني أنّ رجالا من أهل المدينة خرجوا إلى معاوية ، فمن أدركته فامنعه ، و من فاتك فلا تأس عليه ، فبعدا لهم ،

فسوف يلقون غيّا ، أما لو بعثرت القبور و اجتمعت الخصوم ، لقد بدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون ، و قد جاءني رسولك يسألني الاذن ، فأقبل عفا اللّه عنّا و عنك و لا تذر خللا إن شاء اللّه ١ .

قول المصنف : « و من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري » روى الشيخ أنّ سهلا كان بدريا ، أحديا ، عقبيا ، نقيبا ٢ .

و روى الكليني ، أنّ سهلا لمّا توفي صلّى عليه السلام عليه خمس صلوات ، كلمّا أدركه النّاس و قالوا : لم ندرك الصلاة على سهل ، يضعه فيكبر عليه خمسا ٣ .

و روى أبو عمر في ( استيعابه ) : أنّ سهلا ممّن ثبت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم أحد ٤ .

و روى الجزري في ( اسده ) : أنّ سهلا ممّن شهد على سماعه من النبي صلّى اللّه عليه و آله قوله في علي عليه السلام « من كنت مولاه فعليّ مولاه » لما أنشد على النّاس في الرحبة ذلك رواه في عبد الرحمن عبد ربّ ٥ .

« و هو عامله عليه السلام على المدينة » و روى الدينوري في ( طواله ) : أنّ عليّا عليه السلام لمّا بايعه النّاس استعمل عمّاله ، و استعمل سهلا على الشام ، فلمّا انتهى إلى تبوك و هي تخوم أرض الشام استقبله خيل لمعاوية فردّوه ، فانصرف إلى علي فعلم عند ذلك أن معاوية قد خالف .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٠٣ .

( ٢ ) رواه شيخ الطوسي في التهذيب ٣ : ٣١٨ ح ١١ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ١٨٦ ح ٣ .

( ٤ ) الاستيعاب ٢ : ٩٢ .

( ٥ ) أسد الغابة ٣ : ٣٠٧ .

٤٥٣

« في معنى » أي : مقصد « قوم من أهلها » أي : أهل المدينة « لحقوا بمعاوية » و روى في ابن قتيبة ( تأريخه ) : أنّه عليه السلام لمّا شخص من المدينة إلى البصرة كتب عقيل إليه من مكة ، أنّه رأى ابن أبي سرح في نحو من أربعين راكبا من أبناء الطلقاء من بني اميّة يلحقون بمعاوية يريدون إطفاء نور اللّه ١ .

قوله عليه السلام : « أما بعد فقد بلغني أنّ رجالا ممّن قبلك » و كانوا في ناحيتك « يتسلّلون » أي : يخرجون خفية لا مطلق الخروج ، كما قال ( الصحاح ) ٢ « إلى معاوية ، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ، و يذهب عنك من مددهم » قال تعالى :

فلا تأس على القوم الكافرين ٣ .

« فكفى لهم غيّا و لك منهم شافيا فرارهم من الهدى و الحقّ » قال تعالى : و لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنّهم لن يضرّوا اللّه شيئا ٤ .

« و إيضاعهم » أي : اسراعهم « إلى العمى و الجهل ، و إنّما هم أهل دنيا » و في نسخة ( ابن ميثم ) « الدنيا » « مقبلون عليها و مهطعون » أي : مسرعون « إليها و قد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه » أي : استمعوه .

و جاء في ( تأريخ الخلفاء ) بعد ذكر خطبته عليه السلام في استيلاء بني اميّة عليهم بعده بتخاذلهم ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال : إنّ أمير المؤمنين أكرمه اللّه قد أسمع من كانت له أذن واعية و قلب حفيظ ، أن اللّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حقّ قبولها حيث نزّل بين أظهركم ابن عم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و خير المسلمين و أفضلهم و سيّدهم بعده ، يفقهكم في الدين و يدعوكم إلى جهاد المحلّين ، فو اللّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون ، و قلوبكم غلف مطبوع عليها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٥٥ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٧٣١ ، مادة ( سلّ ) .

( ٣ ) المائدة : ٦٨ .

( ٤ ) آل عمران : ١٧٦ .

٤٥٤

فلا تستجيبون ، عباد اللّه أليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس ، و قد شمل العباد و شاع في الإسلام فذو حقّ محروم ، و مشتوم عرضه ، و مضروب ظهره ، و ملطوم وجهه ، و موطوء بطنه ، و ملقى بالعراء ، فلمّا جاءكم أمير المؤمنين عليه السلام صدع بالحق ، و نشر بالعدل ، و عمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة اللّه عليكم و لا تتولّوا مجرمين ، و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون ١ .

« و علموا أن النّاس عندنا في الحقّ اسوة » أي : متساوون « فهربوا إلى الأثرة » أي : الاستبداد « فبعدا لهم و سحقا » أي : دقّا كاملا من « سحق الدواء » .

« إنّهم و اللّه لم ينفروا » أي : لم يهربوا « من جور و لم يلحقوا بعدل » و إنّما في طبيعة النّاس الجور ، فيحبّون الجائرين ، و النفرة من الحقّ ، فيعرضون عن المحقّين .

« و إنّا لنطمع في هذا الأمر أن يذلّل اللّه لنا صعبه » ، و في نسخة ( ابن ميثم ) « أصعبه » ٢ « و يسهل لنا حزنه » الحزن بالفتح فالسكون ، ما غلظ من الأرض في قبال السهل ، و في نسخة ( ابن ميثم ) « أحزنه » ٣ « إن شاء اللّه ، و السلام » و زاد في ( ابن أبي الحديد ) « عليك و رحمة اللّه و بركاته » ٤ .

١٢

الكتاب ( ٤٥ ) و من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ و هو عامله على البصرة و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٥٢ .

( ٢ ) في النسخة المطبوعة من شرح ابن ميثم ٥ : ٢٢٦ ، نحو المصرية .

( ٣ ) المصدر السابق .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٥٢ .

٤٥٥

أَمَّا بَعْدُ يَا ؟ اِبْنَ حُنَيْفٍ ؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ ؟ اَلْبَصْرَةِ ؟ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ اَلْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ اَلْجِفَانُ وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا اَلْمَقْضَمِ فَمَا اِشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلاَ وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلاَ وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اِكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلاَ وَ إِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اِجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لاَ اِدَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَ لاَ حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لاَ أَخَذْتُ مِنْهُ إِلاَّ كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَ أَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ إلى أن قال :

وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ اَلْخَوْفِ اَلْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ اَلْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ اَلطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا اَلْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا اَلْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا اَلْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ اَلْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ ؟ بِالْحِجَازِ ؟ أَوْ ؟ اَلْيَمَامَةِ ؟ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي اَلْقُرْصِ وَ لاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ اَلْقَائِلُ

وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ

وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى اَلْقِدِّ

أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا ؟ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ وَ لاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ اَلدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ اَلْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ اَلطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ اَلْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ اَلْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً

٤٥٦

أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ اَلضَّلاَلَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ اَلْمَتَاهَةِ ألى أن قال : فَاتَّقِ اَللَّهَ يَا ؟ اِبْنَ حُنَيْفٍ ؟ وَ لْتَكْفُكَ أَقْرَاصُكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلنَّارِ خَلاَصُكَ أقول : و عن ( روضة الفتال ) و ( مناقب السروي ) و ( خرائج الراوندي ) روايته ١ .

قول المصنف : « و من كتاب له عليه السلام » و غرضه من هذا الكتاب التنبيه على نكتتين مهمّتين : الاولى : التجنب عمّا لا يكون للّه ، و إليه الإشارة بقوله عليه السلام فيه « ما ظننت أنّك تجيب » . و الثانية : التجنّب عن الحرام بل المشتبه ، و إليه الإشارة بقوله عليه السلام « فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم » ، فبرعايتهما قوام الدين ،

و بالاخلال بهما تحصل مفاسد كثيرة بيقين .

« إلى عثمان بن حنيف » بالضم « الأنصاري » قال ابن أبي الحديد : هو ابن حنيف بن واهب بن العكم بن ثعلبة بن الحارث ٢ . قلت : بل « بن عكيم » كما في ( ذيل الطبري ) و في ( الاستيعاب ) ٣ كما أن الظاهر « بن ثعلبة بن عمرو بن الحرث » كما يظهر من الأول في أخيه سهل و ان قال فيه « بن ثعلبة بن الحرث » .

« و هو » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و كان » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ « عامله على البصرة » . في ( المروج ) : لما أتى طلحة و الزبير إلى البصرة مانعهم عثمان بن حنيف و جرى قتال ، ثم إنّهم اصطلحوا على كفّ الحرب إلى قدوم علي عليه السلام ، فلما كان في بعض

ــــــــــــــــــ

( ١ ) روى الفتال في روضة الواعظين ١ : ١٢٧ . و السروي في مناقبه ٢ : ١٠١ ، و الراوندي في الخرائج و في البحار ٤٠ : ٣١٨ ح ٢ . بعضه بلفظ آخر .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٥ .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل : ٣٧ و ٦٧ ، و الاستيعاب ٢ : ٩٢ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٥ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٩٨ « و هو » .

٤٥٧

الليالي بيّتوه فأسروه و ضربوه و نتفوا لحيته ، ثم إنّهم خافوا على مخلّفيهم بالمدينة من أخيه سهل فخلّوا عنه ١ .

« و قد بلغه أنّه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها » و قالوا : من شهد الولائم لقي الألائم .

قوله عليه السلام « أما بعد يا ابن حنيف » و في الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ٢ .

« فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة » قال ابن أبي الحديد أي : من شبابها أو من أسخيائهم ٣ . قلت : بل المراد به الأول مريدا به لازمه ، و هو الجهل ، كأنّه قيل من جهالها بقرينة كونه عليه السلام في مقام ذمّ إجابته .

« دعاك إلى مأدبة » بضم الدال طعام يدعى النّاس إليه ، و جمعها : المآدب قال الشاعر :

كأنّ قلوب الطير في قعر عشّها

نوى القسب ملقى عند بعض المآدب ٤

« فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان » أي : ألوان الطعام « و تنقل إليك الجفان » بالكسر جمع الجفنة . قال ابن أبي الحديد : و يروى « و كثرت عليك الجفان فكرعت و أكلت أكل ذئب نهم أو ضبع قرم » ٥ .

« و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم » أي : فقيرهم « مجفو » فلا يدعونه « و غنيّهم مدعو » و من كان كذلك ممّن يفرّق بين الغني و العائل ، و لا يريد

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ و ٣٥٨ .

( ٢ ) اختيار معرفة الرجال : ٣٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٦ .

( ٤ ) أورده لسان العرب ١ : ٢٠٦ ، مادة ( أدب ) .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٥ .

٤٥٨

بإطعامه وجهه تعالى فهو مذموم عنده تعالى .

فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من أطعم طعاما رياءا و سمعة ، أطعمه اللّه مثله من صديد جهنم ، و جعل ذلك الطعام نارا في بطنه حتّى يقضي بين النّاس ١ .

و كذلك كلّ عمل أريد به غير اللّه تعالى ، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من بنى بنيانا رياءا و سمعة حمله يوم القيامة إلى سبع أرضين ثمّ يطوّقه نارا توقد في عنقه ثمّ يرمى به في النار ٢ .

و عنهم عليهم السلام : من نكح امرأة حلالا بمال حلال غير أنّه أراد بها فخرا أو رياءا لم يزده اللّه بذلك إلاّ ذلاّ و هوانا ، و أقامه اللّه بقدر ما استمتع منها على شفير جهنم ثم يهوى فيها سبعين خريفا ٣ .

كما أن التفريق بين الغني و العائل في الإطعام ملوم عند الأحرار ، و في بخلاء الجاحظ أن صاحب المأدبة إذا جاء رسوله و القوم في أنديتهم فقال :

أجيبوا إلى طعام فلان فجعلهم جفلة واحدة و هي الجفالة فذلك هو المحدود ،

و إذا انتقر فقال : قم أنت يا فلان ، و قم أنت يا فلان فدعا بعضا و ترك بعضا فقد انتقر ، قال الهذلي :

و ليلة يصطلي بالفرث جازرها

يخص بالنقرى مثرين داعيها

و قال بعضهم :

آثر بالجدي و بالمائدة

من كان يرجو عنده الفائده

و قال طرفة :

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتقر ٤

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في عقاب الأعمال : ٣٣٨ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في عقاب الأعمال : ٣٣١ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق في عقاب الأعمال : ٣٣٣ .

( ٤ ) البخلاء : ٣٣٦ .

٤٥٩

و لما غزا بسطام بن قيس الشيباني مالك بن المتفق الضبي ، و أثبته عاصم بن خليفة الضبي ، شدّ عليه فطعنه ، و هو يقول : هذا و في الحفلة لا يدعوني ، كأنّه حقد عليه حين لم يدعه .

كما أن الإجابة إنّما تحسن إذا كان الداعي مؤمنا ، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لو أنّ مؤمنا دعاني إلى طعام ذراع شاة لأجبته و كان ذلك من الدّين ، و لو أن مشركا أو منافقا دعاني إلى جزور ما أجبته و كان ذلك من الدّين ١ .

و في وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي ذر : أطعم طعامك من تحبّه في اللّه ، و كل طعام من يحبّك في اللّه ٢ .

و عنهم عليهم السلام : لو دعي صائم ندب ، كان ثواب إجابة أخيه المؤمن أفضل من صومه بمراتب ، بل لو كان صوم فرض له عنه مندوحة ، فالفضل بالإجابة ٣ .

روى الجزري في إبراهيم بن عبيد أنّ أبا سعيد الخدري صنع طعاما فدعا النبي و أصحابه ، فقال رجل منهم : إنّي صائم . فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : تكلّف لك أخوك و صنع طعاما فأطعم و صم يوما مكانه ٤ .

و كان عليه السلام يجيب المؤمنين ، و في الخبر : إنّ حارث الأعور قال له عليه السلام :

أحبّ أن تكرمني بأن تأكل عندي ، فقال عليه السلام : على أن لا تتكلّف لي شيئا ،

فدخل عليه السلام بيته و أتاه الحارث بكسر ، فجعل عليه السلام يأكل ، فقال الحارث : معي دراهم و كانت له دراهم في كمه فإن أذنت لي اشتريت لك شيئا غيرها .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٢٧٤ ح ١ ، و أخرج صدره البرقي في المحاسن : ٤١١ ح ١٤٢ .

( ٢ ) أخرجه أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ١٤٨ ، المجلس ١ ، و الطبرسي في مكارم الأخلاق : ٤٦٦ .

( ٣ ) روى أحاديث بهذا المضمون الحر العاملي في الوسائل ١٦ : ٥٠١ ، و المحدث النوري في المستدرك ٣ : ٩٥ .

( ٤ ) اسد الغابة ١ : ٤٣ .

٤٦٠