بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116236
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116236 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و أما على رواية المصنف فالمراد أنّه و إن كان في لسان الجهال و الأرذال جوادا ، إلاّ أنّه من قبل اللّه تعالى معدود في البخلاء لبخله بحقّ اللّه ، فأجود النّاس من أدّى حقوق اللّه و إن كان ممسكا في غيرها ، و أبخل النّاس من منع حقوق اللّه و إن كان في غاية الإسراف و التبذير للدّنيا ، كما أنّ أعبد النّاس من أقام الفرائض ، و أورع النّاس من تنكب المحارم .

« فمن آتاه اللّه مالا فليصل به القرابة » ، روى ( الكافي ) : أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام لمّا حضرته الوفاة أغمي عليه فأفاق ، فقال : أعطوا الحسن بن علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا ، فقيل له : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة ( يريد أن يقتلك ) . فقال : تريدون ألاّ أكون من الذين قال تعالى : الذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل و يخشون ربّهم و يخافون سوء الحساب ١ ، إن اللّه تعالى خلق الجنّة و طيّبها ، و طيّب ريحها ، و إن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام ، و لا يجد ريحها عاقّ و لا قاطع رحم .

و عنه عليه السلام قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : الصدقة بعشر ، و القرض بثمانية عشر ، و صلة الإخوان بعشرين ، و صلة الرحم بأربعة و عشرين ٢ .

« و ليحسن منه الضيافة » روى ( ثواب الأعمال ) عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام : من أطعم مسلما حتّى يشبعه لم يدر أحد من الخلق ماله من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرب و لا نبي مرسل إلاّ اللّه ربّ العالمين . ثم قال : من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان . ثمّ تلا قوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيماً ذا مقربةٍ . أو مسكيناً ذا متربة ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٢١ .

( ٢ ) الكافي ٧ : ٥٥ ح ١٠ .

( ٣ ) البلد : ١٤ ١٦ .

٥٠١

و عن الصادق عليه السلام : من أطعم ثلاثة نفر من المؤمنين أطعمه اللّه من ثلاث جنان ملكوت السماوات : الفردوس ، و جنّة عدن ، و طوبى ،

شجرة من جنّة عدن .

و عنه عليه السلام : من أطعم أخا في اللّه كان له من الأجر مثل ما أطعم فئاما من النّاس أي مائة ألف .

و عن السجاد عليه السلام : من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة ، و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم ، و من كسا مؤمنا كساه اللّه من الثياب الخضر ١ .

« و ليفكّ به الأسير و العاني » أي : المحبوس . قال الجوهري : عناه حبسه ،

و عنى فيهم أسيرا أي أقام فيهم على إسارة و احتبس ٢ . و قال ابن دريد :

العنو مصدر عنا يعنو إذا ذل ، و منه اشتقاق العنوة ، و فسر قوله تعالى :

و عنت الوجوه للحي القيوم ٣ من هذا ، و من تسميتهم الأسير عانيا الخ ٤ .

و قول ابن أبي الحديد : العاني الأسير بعينه و إنّما اختلف اللفظ ٥ ، غلط ،

فالعاني أعمّ و الأصل فيه الذليل ، فيراد منه المحبوس كما يراد منه الأسير ،

و يمكن أن يراد بفكّ العاني فكّ رقبة تحت الشدّة و الذّلّة عند مولاه ، و هو أحد مصارف الزكاة الثمانية ، و عبر عنه الكتاب بلفظ و في الرّقاب ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ثواب الأعمال : ١٦٤ و ١٦٥ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٤٠ ، مادة ( عنا ) .

( ٣ ) طه : ١١١ .

( ٤ ) جمهرة اللغة ٣ : ١٤٤ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٤ .

( ٦ ) البقرة : ١٧٧ و التوبة : ٦٠ .

٥٠٢

« و ليعط منه الفقير و الغارم » أي : المديون ، و إعطاء الفقير و الغارم أيضا من مصارف الزكاة الثمانية .

و الظاهر أنّه عليه السلام أراد الأعمّ من الزكاة الواجبة ، كما روى ( الكافي ) عن أبي بصير ، قال : كنّا عند أبي عبد اللّه و معنا بعض أصحاب الأموال ، فذكروا الزكاة فقال عليه السلام : إنّ الزكاة ليس يحمد بها صاحبها ، و إنّما هو شي‏ء ظاهر ،

إنّما حقن بها دمه و سمّي بها مسلما ، و لو لم يؤدّها لم تقبل له صلاة ، و إنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة . فقلت : و ما علينا غيرها ؟ فقال : سبحان اللّه ،

أما تسمع اللّه تعالى يقول : و الذين في أموالهم حقّ معلوم . للسائل و المحروم ١ . قلت : ما المعلوم الذي علينا ؟ قال : هو الشي‏ء الذي يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قلّ أو كثر ، غير أنّه يدوم عليه ، و قوله تعالى : و يمنعون الماعون ٢ هو القرض يقرضه و المعروف يصطنعه و متاع البيت يعيره و منه الزكاة . قلت : فقوله تعالى و يطعمون الطعام على حبّه مسكيناً و يتيماً و أسيراً ٣ ؟ قال : ليس من الزكاة . قلت : قوله تعالى : الذين ينفقون أموالهم بالليل و النّهار سرّاً و علانية ٤ . قال : ليس من الزكاة ، و صلتك قرابتك ليس من الزكاة ٥ .

« و ليصبّر نفسه على الحقوق و النوائب ابتغاء » أي : لطلب « الثواب » روى ( الكافي ) عن أبي بصير قلت له عليه السلام : أيّ الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل ، أما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المعارج : ٢٤ ٢٥ .

( ٢ ) الماعون : ٧ .

( ٣ ) الانسان : ٨ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٤ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٤٩٩ ح ٩ ، و النقل بتلخيص .

٥٠٣

سمعت قوله تعالى : و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ١ .

و عن الصادق عليه السلام : أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وفد من اليمن و فيهم رجل كان أعظمهم كلاما و أشدّهم استقصاء في حاجة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فغضب حتى التوى عرق الغضب بين عينيه و تربّد وجهه و أطرق إلى الأرض ، فأتاه جبرئيل فقال : ربّك يقرؤك السلام و يقول لك : هذا رجل سخيّ يطعم الطعام ، فسكن عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الغضب و رفع رأسه و قال : لو لا أن جبرئيل أخبرني عن اللّه تعالى أنّك سخيّ تطعم الطعام لشرّدت بك و جعلتك حديثا لمن خلفك ، فقال له الرجل : و إنّ ربّك ليحبّ السخاء ؟ فقال : نعم . فقال : اني أشهد ألاّ إله إلا اللّه و أنّك رسول اللّه ، و الذي بعثك بالحقّ لا رددت عن مالي أحدا ٢ .

« فان فوزا بهذه الخصال شرف مكارم الدين و درك فضائل الآخرة إن شاء اللّه » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ إبراهيم عليه السلام كان أبا أضياف ، فكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم ، و أغلق بابه و أخذ المفاتيح يطلب الأضياف ، و أنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار ، فقال : يا عبد اللّه بإذن من دخلت هذه الدار ؟ قال : دخلت بإذن ربّها يردّد ذلك ثلاث مرات فعرف إبراهيم عليه السلام أنّه جبرئيل ، فحمد اللّه ، ثم قال لإبراهيم : أرسلني ربّك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا ، قال إبراهيم عليه السلام : فأعلمني من هو أخدمه حتى أموت . قال : فأنت هو . قال : و ممّ ذلك ؟ قال : لأنّك لم تسأل أحدا شيئا قط ، و لم تسأل شيئا قط ، فقلت : لا .

و عن الحارث الهمداني قال : سامرت أمير المؤمنين عليه السلام فقلت له : عرضت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحشر : ٩ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ٣٩ ح ٥ .

٥٠٤

لي حاجة . قال : فرأيتني لها أهلا . قلت : نعم . قال : جزاك اللّه عنّي خيرا ثم قام إلى السراج فأغشاها و جلس ، ثم قال : إنّما أغشيت السراج لئلا أرى ذلّ حاجتك في وجهك ، فتكلّم فإنّي سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : الحوائج أمانة من اللّه في صدور العباد ، فمن كتمها كتبت له عبادة ، و من أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعينه .

و عن أبي جعفر عليه السلام : إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله ، و وجّه لطلاّب المعروف الطلب إليهم و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيى به أهلها ، و إنّ اللّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف و فعاله ،

و حظر على طلاّب المعروف الطلب إليهم و حظر عليهم قضاءه كما يحرم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها ، و يهلك أهلها و ما يعفو اللّه أكثر .

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له : فداك آباؤنا و أمهاتنا ، إنّ أصحاب المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم فبم يعرفون في الآخرة ؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ اللّه تعالى إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة ، أمر ريحا عبقة طيبة فلزقت بأهل المعروف ، فلا يمر أحد منهم بملأ من أهل الجنّة إلاّ وجدوا ريحه فقالوا : هذا من أهل المعروف .

و عنه عليه السلام : إنّ للجنّة بابا يقال له المعروف ، لا يدخله إلاّ أهل المعروف ،

و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، يقال لهم : إنّ ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم ١ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٤ : ٢٤ ح ٤ و ٢٥ ح ٢ و ٢٩ ح ١ و ٢ و ٣٠ ح ٤ و ٤٠ ح ٦ .

٥٠٥

١٤

الخطبة ( ٢٣٠ ) و من كلام له عليه السلام كلّم به عبد اللّه بن زمعة ، و هو من شيعته ، و ذلك أنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا ، فقال عليه السلام :

إِنَّ هَذَا اَلْمَالَ لَيْسَ لِي وَ لاَ لَكَ وَ إِنَّمَا هُوَ فَيْ‏ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَ جَلْبُ أَسْيَافِهِمْ فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ وَ إِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ قول المصنف : « و من كلام له عليه السلام كلّم به عبد اللّه بن زمعة » في ( ذيل الطبري ) عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، و امّه قريبة الكبرى ابنة أبي اميّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، و امّها عاتكة بنت عبد المطلب ١ .

و في ( العقد ) : أتى بعبد اللّه بن زمعة مسلم بن عقبة فقال له : بايع على أنّك خول ليزيد ، يحكم في مالك و دمك و أهلك ، فامتنع فقال : إضربوا عنقه ، فوثب مروان فضمّه إليه و قال : نبايعك على ما أحببت ، فقال : لا و اللّه ، لا أقيلها إيّاه أبدا ،

إن تنحّى عنه و إلاّ فاقتلوهما جميعا ، فتركه مروان و ضرب عنقه ٢ .

و هو إن لم يكن من تصحيف نسخة كتابه فتحريف منه ، فإنّما قتل مسلم بن عقبة ابنه يزيد بن عبد اللّه بن زمعة ، صرح به مصعب الزبيري في ( نسب قريشه ) ، و ابن قتيبة في ( خلفائه ) ، و ( الطبري في تأريخه ) ، و غيرهم .

جاء في ( نسب قريش ) : فلما مات مسلم بن عقبة متوجها إلى مكة لقتال ابن الزبير خرجت امّ ولد يزيد بن عبد اللّه و هي ام ابنه يزيد بن يزيد من ضيعة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل : ٣٨ .

( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ١٣٠ .

٥٠٦

كانت لهم على أميال من قديد ، فنبشت مسلما فصلبته و في ( تاريخ الخلفاء ) : مات مسلم في الطريق فدفن في ثنية المشلل ، فلما تفرتق القوم عنه أتته ام ولد ليزيد بن عبد اللّه بن زمعة و كانت من وراء العسكر تترقب موته فنبشت عنه ، فلما انتهت إلى لحده وجدت أسود من الأساود منطويا على رقبته فاتحا فاه فتهيّبته ، ثم لم تزل به حتى تنحى لها عنه فصلبته على المشلل . قال الضحّاك : فحدّثني من رآه مصلوبا يرمى كما يرمى قبر أبي رغال ١ .

و بالجملة ، لا ريب في قتل ابنه يوم الحرة دونه ، كما أن قتله يوم الدار كما ذكره الجزري في ( اسده ) فقال : قتل عبد اللّه مع عثمان يوم الدار قاله أبو أحمد العسكري عن أبي حسان الزيادي ٢ ، و هم ، فلم يذكره أحد ، و يبطله قول المصنف : « قدم عليه عليه السلام في خلافته » و ما رواه من كلامه عليه السلام له ، و الظاهر أنّ الزيادي أو العسكري توهما « عبد اللّه بن زمعة مولى عثمان » بهذا ، فعن الشافي أنّ عثمان أمر ابن زمعة بإخراج ابن مسعود من المسجد عنيفا ،

فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه ، و قال : و في رواية أنّ ابن زمعة الذي فعل بابن مسعود ما فعل كان مولى لعثمان أسود طوالا ٣ .

و كيف كان ، ففي ( نسب قريش الزبيري ) : و من ولد عبد اللّه بن زمعة ، كبير بن عبد اللّه بن زمعة ، جدّ أبي البختري وهب بن وهب قاضي الرشيد ، و أمّ كبير زينب بنت أبي سلمة و امّها ام سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و من ولد عبد اللّه بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش : ٢٢٢ ، و الامامة و السياسة ١ : ٢١٩ ، و تاريخ الطبري ٤ : ٣٧٨ و ٣٧٩ ، سنة ٦٣ ، و انساب الاشراف ٤ ق ٢ : ٣٨.

( ٢ ) اسد الغابة ٣ : ١٦٤ .

( ٣ ) تلخيص الشافي ٤ : ١٠٤ .

٥٠٧

زمعة أبو عبيدة ابن عبد اللّه بن زمعة ، و هو الذي عنى الخارجي محمد بن بشير العدواني بقوله :

إذا ما ابن زاد الراكب لم يمس نازلا

قفا صفر لم يقرب الفرش زائر ١

و في ( الاستيعاب ) : جدّ عبد اللّه الأسود كان أحد المستهزئين بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين قال تعالى فيهم : إنّا كفيناك المستهزئين ٢ و أبوه زمعة قتل يوم بدر كافرا .

و روى عن عبد اللّه بن زمعة : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكر ناقة صالح فقال : إنبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة في قومه أي جدّه ٣ .

« و هو من شيعته » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) « و كان له شيعة » ٤ .

« و ذلك أنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا فقال » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد و الخطية ) ، و ليست الجملة في نسخة ( ابن ميثم ) رأسا ، و في الأخير « فطلب » ٥ .

قوله عليه السلام « إنّ هذا المال ليس لي و لا لك » فليس لك الطلب منّي ، و ليس لي إعطائك منه « و إنّما هو في‏ء » أي : غنيمة « المسلمين » هذا في ( المصرية ) و الصواب : « للمسلمين » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش : ٢٢٢ .

( ٢ ) الحجر : ٩٥ .

( ٣ ) الاستيعاب ٢ : ٣٠٧ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١٠ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١١٠ ، نحو المصرية .

( ٥ ) توجد الجملة في شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١٠ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١١٠ .

( ٦ ) شرح شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١٠ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١١٠ .

٥٠٨

« و جلب أسيافهم » شبّه عليه السلام ما أخذه المسلمون من الكفّار بسيوفهم بمن جلب الماشية من محل إلى محل آخر .

و في ( المروج ) : لما ولّي سعيد بن العاص بعد الوليد بن عقبة الكوفة من قبل عثمان ظهرت منه امور منكرة فاستبد بالأموال ، و قال في بعض الأيام أو كتب به إلى عثمان إنّما هذا السواد قطين لقريش . فقال له الأشتر : أتجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك . ثم خرج إلى عثمان في سبعين راكبا من أهل الكوفة ، فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص و سألوا عزله الخ ١ .

« فان شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم و إلاّ فجناة » قال الجوهري : الجني :

ما يجتنى من الشجر ، يقال أتانا بجناة طيّبة لكلّ ما يجتنى ٢ « أيديهم لا تكون لغير أفواههم » لا يخفى لطف الكلام و كونه برهانا عقليا ، و نظير قول عمرو اللخمي :

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه

هذا ، و نظير كلامه عليه السلام لعبد اللّه بن زمعة كلامه لعاصم بن ميثم ،

ففي ( مناقب السروي ) : جاء عاصم بن ميثم إليه عليه السلام و هو يقسّم مالا ، فقال :

يا أمير المؤمنين ، إنّي شيخ كبير مثقل . فقال عليه السلام : و اللّه ما هو بكدّ يدي و لا بتراثي عن والدي ، و لكنّها أمانة أوعيتها . ثم قال عليه السلام : رحم اللّه من أعان شيخا مثقلا ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٣٦ ٣٣٧ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٣٠٥ ، مادة ( جنى ) .

( ٣ ) مناقب السروي ٢ : ١١٠ .

٥٠٩

١٥

الخطبة ( ٢٢٢ ) و من كلام له عليه السلام :

وَ اَللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ اَلسَّعْدَانِ مُسَهَّداً وَ أُجَرَّ فِي اَلْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ اَلْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ اَلْحُطَامِ وَ كَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى اَلْبِلَى قُفُولُهَا وَ يَطُولُ فِي اَلثَّرَى حُلُولُهَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ؟ عَقِيلاً ؟ وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اِسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ اَلْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَ عَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَ كَرَّرَ عَلَيَّ اَلْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَ أَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ اَلثَّوَاكِلُ يَا ؟ عَقِيلُ ؟ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ اَلْأَذَى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَ مَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا ؟ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ؟ فَقَالَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ وَ لَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ اَلْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اَللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ وَ اَللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ اَلْأَقَالِيمَ اَلسَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اَللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا ؟ لِعَلِيٍّ ؟ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لاَ تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ اَلْعَقْلِ وَ قُبْحِ اَلزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ

٥١٠

أقول : رواه محمد بن علي بن بابويه في ( أماليه ) مع زيادات و اختلاف هكذا :

الدقّاق عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن محمد بن محسن عن المفضل بن عمرو عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام ، قال أمير المؤمنين عليه السلام :

و اللّه ما دنياكم عندي إلاّ كسفر على منهل حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ،

و لا لذاذتها في عيني إلاّ كحميم أشربه غساقا ، و علقم أتجرعه زعاقا ، و سمّ أفعى أسقاه دهاقا ، و قلادة من نار أوهقها خناقا ، و لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و قال لي : اقذف بها قذف الاتن لا يرتضيها ليرفعها .

فقلت له : أعزب عنّي فعند الصباح يحمد القوم السر ، و تنجلي عنّا علالات الكرى . و لو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم ، و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم ، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ، و لكنّي أصدق اللّه جلّت عظمته حيث يقول من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النار ١ ، فكيف استطيع الصبر على نار لو قذفت بشرره إلى الأرض لأحرقت نبتها و لو اعتصمت نفس بقلة لأنضجها و هيج النار في قلبها ، و أيما خير لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا ، أو يكون في لظى خسيئا مبعدا مسخوطا عليه بجرمه مكذبا . و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان مرقدا و تحتى اطمار على سفاها ممددا أو أجرّ في الأغلال مصفّدا ، أحبّ إليّ من أن ألقى في القيامة محمّدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسة متعمّدا ، و لم أظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها و يمتد في أطباق الثرى حلولها ، و إن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها .

معاشر شيعتي ، احذروا فقد عضّتكم الدنيا بأنيابها ، تختطف منكم نفسا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هود : ١٤ ـ ١٥ .

٥١١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بعد نفس كدأبها ، و هذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها . ألا إنّ الحديث ذو شجون فلا يقولن قائلكم ، إن كلام علي متناقض ، لأنّ الكلام عارض ، و لقد بلغني أن رجلا من قطان المدائن تبع بعد الحنيفة علوجه ، و لبس من نالة دهقانه منسوجه ، و تضمخ بمسك هذه النوافج صباحه ، و تبخر بعود الهند رواحه ، و حوله ريحان حديقة يشمّ نفاحه ، و قد مد له مفروشات الروم على سرره تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره و حوله شيخ يدب على أرضه من هرمه و ذو يتمة يتضوّر من ضرمه و من قرمه ، فما واساهم بفاضلات من علقمه ، لئن أمكنني اللّه منه لأخضمنّه خضم البر و لأقيمنّ عليه حدّ المرتد ،

و لأضربنه الثمانين بعد حد ، و لأسدن من جهله كلّ مسد . تعسا له ، أفلا شعر ،

أفلا صوف ، أفلا وبر ، أفلا رغيف ، قفار الليل افطار مغذم ، أفلا عبرة على خد في ظلمة ليالي تنحدر ؟ و لو كان مؤمنا لا تسقت له الحجّة إذا ضيّع ما لا يملك . و اللّه لقد رأيت عقيلا أخي و قد أملق ، حتى استماحني من برّكم صاعة ، و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه ، و يكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، و رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم ، كأنّما اشمأزّت وجوههم من قرهم ، فلمّا عاودني في قوله و كرّره ، أصغيت إليه سمعي ، فغرّه و ظنّني أوتغ ديني ، فاتّبع ما سره أحميت له حديدة لينزجر ، إذ لا يستطيع منها دنوا و لا يصبر ، ثم أدنيتها من جسمه ، فضجّ من ألمه ضجيج ذي دنف يئنّ من سقمه ، و كاد يسبّني سفها من كظمه و لحرقه في لظى ، أضنى له من عدمه فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها انسانها لمدعبه و تجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه ؟ أتئنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى ؟

و اللّه لو سقطت المكافأة عن الامم ، و تركت في مضاجعها باليات في الرّمم ،

لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ ، فصبرا على دنيا تمر بلاؤها كليلة بأحلامها تنسلخ ، كم بين نفس في خيامها ناعمة و بين

٥١٢

أثيم في جحيم يصطرخ و لا تعجب من هذا ، و أعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زمّلها في وعائها ، و معجونة بسطها في إنائها ، فقلت له : أصدقه ، أم نذر ، أم زكاة ؟

و كلّ يحرم علينا أهل بيت النبوّة ، و عوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب و السنّة . فقال لي : لا ذاك و لا ذاك ، و لكنّه هديّة . فقلت له : ثكلتك الثواكل أفعن دين اللّه تخدعني بمعجونة غرقتموها بقندكم ، و خبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم ، أمختبط ، أم ذو جنّة ، أم تهجر ؟ أليست النفوس عن مثاق حبّة من خر دل مسؤولة ؟ فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة ؟

و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها و استرق قطانها مذعنة بأملاكها ، على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ، ما قبلت و لا أردت و لدنياكم أهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها ، و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ، و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيها ، و معجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها .

اللّهم نفرت عنها نفار المهرة من راكبها اريه السها و يريني القمر ، أ أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة و ابتلع إبلا في مبركها رابطة ، أدبيب العقارب من و كرها التقط ، أم قواتل الرقش في مبيتي ارتبط ؟ فدعوني اكتفي من دنياكم بملحي و أقراصي ، فبتقوى اللّه أرجو خلاصي . ما لعليّ و نعيم يفنى و لذّة تنحتها المعاصي . سألقى و شيعتي ربّنا بعيون مرة و بطون خماص ، ليمحّص اللّه الذين آمنوا و يمحق الكافرين . و نعوذ باللّه من سيئات الأعمال ، و صلّى اللّه على محمّد و آله ١ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٤٩٥ ح ٧ ، المجلس ٩٠ .

٥١٣

« و اللّه » أقسم عليه السلام مع كونه معصوما متحرّزا في كلامه عن الزيادة و النقيصة ، لئلاّ يحمل قوله على الإغراق و المبالغة ، و لأنّ النّاس منكرون عملا لما يقول عليه السلام و إن أقرّوا به لسانا ، فكان المقام مقام التأكيد الكامل ، فأكّد عليه السلام بالأوكد ، أي : القسم باللّه الواحد الأحد .

« لأن » بفتح اللام كالهمزة ، و كتابة « لئن » غلط ، لأنه يصير بكسر الهمزة و يصير شرطيّة و يأباه عدم جزم الفعل بعده .

« أبيت » من بات بمعنى قضى الليل « على حسك » أي : شوك « السّعدان » بالفتح نبت كثير الشوك و لا ساق له إنّما هو منفرش على وجه الأرض .

قيل لرجل من أهل البادية و قد كان خرج عنها أ ترجع إليها ؟ قال :

أما مادام السعدان مستلقيا فلا .

و في الخبر : يؤمر بالكافر يوم القيامة فيسحب على السّعدان ١ .

و لكنّه يسمّن الإبل ، و لذا قيل في المثل « مرعى و لا كالسعدان » ٢ ، قال النابغة :

الواهب المائة الأبكار زيّنها

سعدان توضح في أوبارها اللبد ٣

« مسهّدا » المسهّد و السهد بضمتين : قليل النوم .

« و أجرّ في الأغلال مصفّدا » بالتشديد أي : مشدودا موثقا .

« أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد » هو نظير قول يوسف عليه السلام ربّ السجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه ٤ .

و وجه قولهما عليهما السلام إنّ آلام الدنيا تنقضي و عذاب الآخر لا ينقضي ، و أين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جاء هذا المعنى في صحيح البخاري ١ : ١٤٦ و ٤ : ١٤٠ ، و صحيح مسلم ١ : ١٦٥ و غيرهما .

( ٢ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٢٧٥ ، و الزمخشري في المستقصى ٢ : ٣٤٤ .

( ٣ ) أورده لسان العرب ٣ : ٢١٦ ، مادة ( سعد ) .

( ٤ ) يوسف : ٣٣ .

٥١٤

شدّة البيات على الحسك مسهدا و الجرّ مصفدا و دخول السجن من عقاب اللّه تعالى .

و كيف لا يكون ما ذكره عليه السلام أحبّ من الظلم لبعض عباده و قد قال تعالى :

و لا تحسبنّ اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون ، إنّما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار . مهطعينَ مُقْنِعِي رؤسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء ١ إنّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادِقُها و إنْ يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا ٢ و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النّار ٣ و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ،

و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تُجزَوْن عذابَ الهُون ٤ و لو تَرى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ٥ فقُطِعَ دابر القوم الذين ظلموا و الحمد للّه ربّ العالمين ٦ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ٧ و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون ٨ الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن و هم مهتدون ٩ و يوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا . يا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ابراهيم : ٤٢ ٤٣ .

( ٢ ) الكهف : ٢٩ .

( ٣ ) هود : ١١٣ .

( ٤ ) الانعام : ٩٣ .

( ٥ ) سبأ : ٣١ .

( ٦ ) الانعام : ٤٥ .

( ٧ ) النمل : ٥٢ .

( ٨ ) الشعراء : ٢٢٧ .

( ٩ ) الانعام : ٨٢ .

٥١٥

ويلتا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا . لقد اضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني ١ .

و في الخبر : من ظلم أجيرا آجره أحبط اللّه عمله ، و حرّم عليه ريح الجنّة ،

و إنّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة ٢ .

و روي أيضا : الظلم في الدّنيا هو الظلمات في الآخرة ٣ .

أيضا : من أكل مال أخيه ظلما ، و لم يردّه عليه أكل جذوة من النار يوم القيامة ٤ .

و يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم ٥ .

و في الخبر : دخل رجلان على أبي عبد اللّه عليه السلام في مداراة بينهما و معاملة ،

فلمّا أن سمع كلامهما قال عليه السلام : أما إنّه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما إنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم . فاصطلحا قبل أن يخرجا من عنده عليه السلام ٦ .

« و غاصبا لشي‏ء من الحطام » بالضم ، في ( الأساس ) : حطام البيض الكسارة ،

و جمع حطام الدنيا شبّه بالكسار تخسيسا له ٧ .

في الخبر : من اقتطع مال مؤمن غصبا بغير حقّه لم يزل اللّه عزّ و جلّ معرضا عنه ، ماقتا لأعماله التي يعملها من البرّ و الخير ، لا يثيبها في حسناته حتّى يتوب ، و يردّ المال الذي أخذه على صاحبه ٨ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الفرقان : ٢٧ ٢٩ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٤ : ٦ ، و في عقاب الأعمال : ٣٣١ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق في عقاب الأعمال : ٣٢١ ح ١ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣٣٣ ح ١٥ ، و الصدوق في عقاب الاعمال : ٣٢٢ ح ٨ .

( ٥ ) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٤ : ٥٣ ، الحكمة ٢٤١ .

( ٦ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣٣٤ ح ٢٢ .

( ٧ ) أساس البلاغة : ٨٧ مادة ( حطم ) .

( ٨ ) رواه الأحسائي في الغوالي ، عنه المستدرك ٣ : ١٤٦ باب ١ ح ٨ .

٥١٦

أيضا : من خان جاره شبرا من الأرض ، جعله اللّه طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة ، حتى يلقى اللّه تعالى يوم القيامة مطوّقا إلاّ أن يتوب و يرجع ١ .

أيضا : من أخذ أرضا بغير حقّها كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر ٢ .

الحجر الغصيب في الدار رهن على خرابها ٣ .

و في ( السيرة ) : لما فرغ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب ،

و اتبعه النّاس يقولون : يا رسول اللّه ، أقسم علينا فيئنا من الإبل و الغنم حتى ألجأوه إلى شجرة فاختطفت عنه رداءه ، فقال : أدّوا علي ردائي أيّها النّاس ،

فو اللّه أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلا و لا جبانا و لا كذّابا . ثم قام إلى جنب بعير فأخذ و برة من سنامه فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها ثم قال : أيّها النّاس ، و اللّه مالي من فيئكم و لا هذه الوبرة إلاّ الخمس ، و الخمس مردود عليكم فأدّوا الخياط و المخيط ، فإنّ الغلول يكون على أهله عارا و نارا و شنارا يوم القيامة . فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال : يا رسول اللّه أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر .

فقال : أما نصيبي منها فلك ، قال : أما إذا بلغت هذا ، فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده ٤ .

« و كيف اظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى » بالكسر من بلى الثوب ، فإن فتحت مددت ، قال الحجاج :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٤ : ٦ ، و في عقاب الأعمال : ٣٣١ .

( ٢ ) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٤ : ٥٣ ، الحكمة ٢٤٠ .

( ٣ ) أخرجه الطوسي في التهذيب ٧ : ٢٠٧ ح ٥٥ .

( ٤ ) سيرة ابن هشام ٤ : ١٠١ .

٥١٧

و المرء يبليه بلاء السربال

كرّ الليالي و اختلاف الأحوال ١

« قفولها » أي : رجوعها ، قال تعالى : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى ٢ .

ثم الذي في النسخ ٣ « يسرع » بصيغة المذكّر ، فيكون « قفولها » فاعله ، لكنّه غير سلس ، و الظاهر كونه « تسرع » بصيغة المؤنث ، فيكون الفاعل ضمير النفس و « قفولها » مفعولا فيه ، و عليه فالأحسن في الفقرة بعدها أيضا « و تطول » بصيغة المؤنث و « حلولها » بالنّصب حتى تتحدان إعرابا ، و إن كان رفع « حلولها » سلسا من حيث المعنى مع « يطول » بصيغة المذكر ، كما هو في النسخ .

« و يطول في الثّرى حلولها » كما قال عليه السلام : كأنّ الدنيا لم تكن لهم دارا ، و كأنّ الآخرة لم تزل لهم قرارا ٤ .

و في ( تأريخ بغداد ) : كان شعيب بن حرب الثقفي بنى كوخا على الدجلة ،

و كان له خبز معلّق و مطهرة ، فيأخذ كلّ ليلة رغيفا يبلّه في المطهرة و يأكله ،

فصار جلدا و عظما ، و قال : لأعملنّ حتّى أدخلنّ القبر ، و أنا عظام تقعقع ، أريد السمن للدود و الحيات ٥ .

« و اللّه لقد رأيت عقيلا » قال ابن أبي الحديد : كان بنو أبي طالب أربعة طالب ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده لسان العرب ١٤ : ٨٥ ، مادة ( بلا ) .

( ٢ ) طه : ٥٥ .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ٢١٧ ، و شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٨٣ .

( ٤ ) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٢ : ١٢٨ ، ضمن الخطبة ١٨٦ ، و لفظه « فكأنهم لم يكونوا للدنيا عمّارا و كأن الآخرة لم تزل لهم دارا » .

( ٥ ) تاريخ بغداد ٩ : ٢٤٠ ، و النقل بتصرف يسير و الرجل شعيب بن حرب المداني لا الثقفي .

٥١٨

و عقيل و جعفر ، و علي ، و كان كلّ منهم أسنّ من آخر بعشر سنين ١ .

قلت : روى حديث أسنانهم أبو الفرج في ( مقاتله ) مسندا عن ابن عباس و قال : ما روي أنّ جعفرا قتل و هو ابن ثلاث أو أربع و ثلاثين سنة لا يوافق كون جعفر أكبر منه عليه السلام بعشر الخ ٢ . و لكن الأغرب أنّهم ذكروه مسلّما حتى مصعب الزبيري في ( نسب قريشه ) ٣ .

قال ابن أبي الحديد : كان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبّه سائر بنيه ، فلذلك قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله و العباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل فيخففا عنه ثقلهم دعوا لي عقيلا و خذوا من شئتم ، فأخذ العباس جعفرا ، و أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام ٤ .

قلت : روى هذا أيضا أبو الفرج في ( مقاتله ) عن زيد بن علي ، لكن في حديثه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و العباس و حمزة ذهبوا إليه ، و أنّ العباس أخذ طالبا ، و حمزة جعفرا ، و النبي عليّا ، و قال النبي في أخذه عليّا : اخترت من اختار اللّه لي عليكم ٥ .

قال ابن أبي الحديد : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعقيل : إنّي أحبّك حبّين حبّا لقرابتك منّي و حبّا لما كنت أعلم من حبّ عمّي إيّاك ٦ .

قلت : رواه ( أمالي ابن بابويه ) عن ابن عباس هكذا : قال علي للنبي : إنّك لتحبّ عقيلا ؟ قال : أي و اللّه ، إنّي لأحبّه حبّين حبّا ، له و حبّا لحب أبي طالب له ، و إنّ ولده

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٠ .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين : ٣ و ٨ .

( ٣ ) نسب قريش : ٣٩ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٠ .

( ٥ ) مقاتل الطالبيين : ١٥ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٠ .

٥١٩

لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقربون ، ثم بكى حتى جرت دموعه على صدره ، ثم قال : إلى اللّه أشكو ما يلقي عترتي من بعدي ١ .

قال ابن أبي الحديد : أخرج عقيل إلى بدر مكرها كالعباس ، و أسر و فدي و عاد إلى مكة ، ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية ، و شهد غزاة مؤتة مع أخيه جعفر ، مات سنة ( ٥٠ ) و لم يشهد معه عليه السلام شيئا من حروبه ، و عرض نفسه و ولده عليه فأعفاه ، و اختلف هل التحقّ بمعاوية في حياته عليه السلام ، فروى أنّ معاوية قال و عقيل عنده هذا أبو يزيد ، لو لا علمه أنّي خير له من أخيه لما يتركه . فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، و قد آثرت دنياي ، و أسأل اللّه خاتمة خير . و روي أنّه لم يعد لمعاوية إلاّ بعد استشهاده عليه السلام ، و استدلّ على ذلك بالكتاب الذي كتبه إلى أخيه في آخر خلافته ، و الجواب الذي أجابه عليه السلام و هو الأنسب ٢ .

قلت : أمّا خروجه إلى بدر فمع أسره في اسرى بدر كان يشير على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتل اسراهم ، ففي ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : يا أيّها النّبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ٣ قال النّبي لعقيل : قد قتل اللّه يا أبا يزيد أبا جهل ابن هشام ، و عتبة و شيبة ابني ربيعة و منبّه و نبيه ابني الحجّاج ، و نوفل بن خويلد ، و أسر سهيل بن عمرو ، و النضر بن الحارث ، و عقبة بن أبي معيط ،

و فلان و فلان ، فقال إذن لا تنازع في تهامة فان كنت قد أثخنت القوم و إلاّ فاركب أكتافهم . فتبسّم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ١١١ ح ٣ ، المجلس ٢٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٠ و ٢٥١ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) الانفال : ٧٠ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ .

٥٢٠