بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116204
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116204 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و أمّا قوله : انه لم يشهد معه عليه السلام حروبه ، فغير معلوم ، فقد صرّح ابن عبد البر في ( استيعابه ) في شأن عبد اللّه بن عباس ، بأن عقيلا شهد معه عليه السلام الجمل و صفين و النهروان كابن عباس ١ .

و أغرب من ذلك ما رواه صاحب ( عمدة الطالب ) ، فقال : شهد عقيل صفين مع معاوية غير أنّه لم يقاتل ، و لم يترك نصح أخيه و التعصّب له ، فروي أنّ معاوية قال يوم صفين : لا نبالي و أبو يزيد معنا . قال عقيل : و قد كنت معكم يوم بدر فلم أغن عنكم من اللّه شيئا الخ ٢ ، و ما رواه ( صاحب العمدة ) و هم فاحش ، و أنّ معاوية لم يقل ما ذكر ، يوم صفين ، بل قال ذلك يوم وفد إليه عقيل بعد صفين ، فإنّما لفظ الجاحظ : قال معاوية لعقيل مرّة : أنت معنا يا أبا يزيد الليلة ، قال : و يوم بدر قد كنت معكم ٣ .

كما أن صاحب ( عمدة الطالب ) أيضا و هم في مكان آخر ، فقال : كان عقيل أعور ٤ ، مع أنّه صار أخيرا أعمى . قال في العقد الفريد : دخل عقيل على معاوية و قد كفّ بصره ، فأجلسه على سريره ثم قال له : أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم . قال : و أنتم معشر بني اميّة تصابون في بصائركم ٥ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد : هل التحق بمعاوية في حياته عليه السلام أو بعده ٦ ،

فخبط ، فلم يلتحق بمعاوية أصلا ، و انّما وفد عليه كما كان غيره يفد عليه ، و لم أر من أهل السير من أنكر وفوده في حياته عليه السلام ، بل رووا وفوده على معاوية

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٣٥٦ و ٣٥٧ .

( ٢ ) عمدة الطالب : ٣١ .

( ٣ ) البيان و التبيين ٢ : ٣٦٧ .

( ٤ ) عمدة الطالب : ٣١ .

( ٥ ) العقد الفريد ٤ : ٧٩ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥١ ، و النقل بالمعنى .

٥٢١

في حياته عليه السلام و بعده .

و قد قال ابن أبي الحديد نفسه في شرح قوله عليه السلام « أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم » : رووا أنّ عقيلا قدم على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده جالسا في صحن مسجد الكوفة ، و قد كان كفّ بصره ، فالتفت عليه السلام إلى ابنه الحسن فقال : قم فأنزل عمّك ، فقام فأنزله ثم عاد إليه ، فقال له : فاذهب و اشتر لعمّك قميصا جديدا و رداء جديدا و إزارا جديدا و نعلا ، فذهب فاشترى له ، فغدا عقيل عليه السلام و قال له : ما أراك أصبت من الدنيا شيئا ، و إنّي لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت لنفسك فقال عليه السلام له : يخرج عطائي فأدفعه إليك ، فلما ارتحل عنه عليه السلام أتى معاوية فنصب له كراسيه و أجلس جلساءه حوله ، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف ، فقبضها ثمّ غدا عليه يوما بعد ذلك و جلساء معاوية حوله ، فقال له معاوية : أخبرني عن عسكري ، و عسكر أخيك ، فقد وردت عليهما فقال : أخبرك ، مررت و اللّه بعسكر أخي ، فإذا ليل كليل رسول اللّه و نهار كنهار رسول اللّه ، إلاّ أنّ رسول اللّه ليس في القوم ، ما رأيت إلاّ مصلّيا و لا سمعت إلاّ قارئا ، و مررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممّن نفر بالنّبي ليلة العقبة ثم قال : من هذا عن يمينك يا معاوية ؟ قال : هذا عمرو بن العاص ، قال : هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش ، فمن الآخر ؟ قال : هو الضحّاك بن قيس الفهري ، قال : أما و اللّه لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس ، فمن هذا الآخر ؟ قال : هو أبو موسى الأشعري . قال : هذا ابن السرّاقة ،

فلما رأى معاوية أنّه قد أغضب جلساءه علم أنّه إن استخبره عن نفسه ، قال فيه سوء ، فأحبّ أن يسأله ، ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه ، فقال له : ما تقول فيّ ؟ قال : دعني من هذا . قال : لتقولن قال : أتعرف حمامة ؟ قال : و من حمامة ؟ قال : قد اخبرتك ، ثم قام فمضى ، فأرسل معاوية إلى

٥٢٢

نسّابة فقال له : من حمامة قال : ولي الأمان ؟ قال : نعم . قال : جدّتك أم أبي سفيان كانت بغيا في الجاهلية صاحب راية ، فقال معاوية لجلسائه : قد ساويتكم و زدت عليكم فلا تغضبوا ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : ذكروا أنّ عقيلا قدم من المدينة على أخيه بالكوفة فقال له : ما أقدمك ؟ قال : تأخّر العطاء عنّا و غلاء السعر ببلدتنا ، و ركبنا دين عظيم فجئت لتصلني فقال عليه السلام : و اللّه ما لي ممّا ترى شيئا إلاّ عطائي ، فإذا خرج فهو لك فقال عقيل : و إنّما شخوصي من الحجاز إليك لأجل عطائك ، و ماذا يبلغ منّي عطاؤك و ما يدفع من حاجتي فقال عليه السلام له : هل تعلم لي مالا غيره ، أم تريد أن يحرقني اللّه في نار جهنّم في صلتك بأموال المسلمين فقال : و اللّه لأخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك يريد معاوية فقال له : راشدا مهديا فخرج حتى أتى معاوية الخ ٢ .

و في ( المروج ) : وفد عقيل على معاوية منتجعا و زائرا فرحّب به معاوية و سرّ بوروده لاختياره إيّاه على أخيه ، فقال له : كيف تركت عليّا ؟ قال :

على ما يحبّ اللّه و رسوله ، و ألفيتك على ما يكره اللّه و رسوله . فقال له معاوية :

لو لا أنّك زائر منتجع جنابنا لرددت عليك جوابا تألم منه . ثم أحبّ أن يقطع كلامه مخافة أن يأتي بشي‏ء يخفّضه ، فوثب عن مجلسه ، و أمر له بنزل و حمل إليه مالا عظيما ، فلما كان من غد جلس ، و أرسل إليه ، فأتاه ، فقال له : يا أبا يزيد كيف تركت عليّا أخاك ؟ قال : تركته خيرا لنفسه منك ، و أنت خير لي منه فقال له معاوية : ما تغيّرك الأيام و الليالي . فقال له عقيل : و لكن أنت يا معاوية إذا افتخرت بنو اميّة بمن تفخر ؟ فقال له معاوية : عزمت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٢٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الامامة و السياسة ١ : ٨١ .

٥٢٣

عليك لما أمسكت الخ ١ .

و في ( العقد ) : دخل عقيل على معاوية فقال معاوية لأصحابه : هذا عقيل عمّه أبو لهب فقال عقيل : و هذا معاوية عمّته حمّالة الحطب ثم قال : يا معاوية ، إذا دخلت النّار فاعدل ذات اليسار ، فانّك ستجد عمّي أبا لهب مفترشا عمّتك حمّالة الحطب ، فانظر أيّهما خير ، الفاعل أو المفعول به ؟ و قال له معاوية : و اللّه إنّ فيكم لخصلة يا بني هاشم ما تعجبني ، قال : و ما هي ؟ قال : لين فيكم ، قال : لين ماذا ؟

قال هو ذاك ، قال : إيّانا تعيّر يا معاوية ؟ قال : أجل و اللّه إنّ فينا للينا من غير ضعف ، و عزّا من غير جبروت ، و أما انتم يا بني اميّة ، فإن لينكم غدر ، و عزّكم كفر ، و أيم اللّه يا معاوية لئن كانت الدنيا مهّدتك مهادها ، و اظلّتك بحذافيرها و مدت عليك أطناب سلطانها ما ذاك بالذي يزيدك منّي رغبة ، و لا تخشّعا لرهبة ٢ .

و اما قول ابن أبي الحديد : المنكرون استدلوا بالكتاب الذي كتبه عقيل إليه في آخر خلافته ، فذكرناه في فصل الغارات إنّه كان في أوّل خلافته و لا دلالة فيه ٣ .

هذا ، و في ( بيان الجاحظ ) : كان علماء قريش بالأنساب و الأخبار أربعة ،

و كان عقيل أكثرهم ذكرا لمثالب النّاس ، فعادوه لذلك ، و قالوا فيه و حمّقوه حتى قالوا : ثلاثة حمقى ، كانوا إخوة ثلاثة عقلاء : عقيل أخي علي ، و عقبة أخي معاوية ، و معاوية أخي عبد الملك . و كيف يكون ذلك ؟ و جعدة بن هبيرة يقول :

« و خالي علي ذو الندى و عقيل » و قال قدّامة بن موسى :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣٦ ٣٧ .

( ٢ ) العقد الفريد ٤ : ٨١ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) موضعه في العنوان ١٢ من الفصل الرابع و الثلاثين .

٥٢٤

و جدّي علي ذو التقى و ابن امّه

عقيل و خالي ذو الجناحين جعفر ١

« و قد أملق » أي : افتقر ، قال تعالى : و لا تقتلوا أولادكم من املاق ٢ « حتى استماحني » أي : استعطاني « من برّكم » البرّ : الحنطة « صاعا » الصاع : أربعة أمداد « و رأيت صبيانه شعث » قال الجوهري : الشّعث : انتشار الأمر ، فقال « لمّ اللّه شعثك » أي : جمع أمرك المنتشر ، و الشعث : مصدر الأشعث ، و هو المغبرّ الرأس ٣ .

« الشعور غبر » هكذا في ( المصرية ) و هما زائدان فليسا في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« الألوان من فقرهم كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم » قال الجوهري : العظلم :

نبت يصبغ به ، و هو بالفارسية « فقل » و يقال هو الوسمة و العظلم الخ ٥ .

و للمطراني :

يحملن أطفالا كأنّ وجوههم

طليت بصمغ من يبيس مخاط ٦

« فأصغيت » أي : ملت « إليه سمعي ، فظنّ أنّي أبيعه ديني » قال الشاعر :

تحسّب هواس و أيقن أنّني

بها مفتد من واحد لا أغامره

أي : تشمّم الأسد ناقتي ، و ظنّ أنّي أتركها له و لا اقاتله .

في الخبر : شرّ النّاس من باع دينه بدنياه ، و شرّ منه من باع دينه بدنيا غيره ٧ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البيان و التبيين ٢ : ٣٦٤ و ٣٦٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الانعام : ١٥١ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٢٨٥ ، مادة ( شعث ) .

( ٤ ) يوجد في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٨٣ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٨٨ ، مادة ( عظلم ) .

( ٦ ) اسقط الشارح هنا فقرتي « و عاودني مؤكدا و كرر على القول مرددا » .

( ٧ ) أخرجه الصدوق في معاني الاخبار : ١٩٨ ، و في أماليه : ٣٢٣ ، المجلس ٦٢ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ٢ : ٥٠ ، جزء ١٥ ، و النقل بالمعنى .

٥٢٥

هذا ، و في ( المروج ) : كتب بارزاق شريك القاضي إلى الجهبذ فضايقه في النقص ، فقال له الجهبذ : إنّك لم تبع بزا ، قال له شريك : بلى و اللّه لقد بعت أكبر من البز لقد بعت ديني ١ .

« و اتّبع قياده » أيّ : قوّده لي كجمل يقوده صاحبه « مفارقا طريقتي » « أخوك دينك فاحتط لدينك » ٢ و قال تعالى : يوم يفرّ المرء من أخيه . و امّه و أبيه .

و صاحبته و بنيه . لكلّ امرى‏ءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه ٣ .

« فأحميت له » بالنّار « حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها » من نار الآخرة و أغلالها .

في ( المناقب ) : ذكر عمرو بن العلاء أنّ عقيلا لمّا سأله إعطاءه من بيت المال قال عليه السلام له : تقيم إلى يوم الجمعة ، فأقام فلمّا صلاّها بالنّاس قال له : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال : بئس الرجل ذاك ، قال : فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و اعطيك ٤ .

و فيه قدم عقيل عليه السلام ، فلمّا حضر العشاء إذا هو خبز و ملح ، فقال : ليس إلاّ ما أرى فقال : أو ليس هذا من نعمة اللّه و له الحمد كثيرا ، فقال : أعطني ما أقضي به ديني و كانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال عليه السلام له : إذا بتّ فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر قفالها و خذ ما فيها .

فقال : و ما فيها ؟ قال : أموال التجار ، قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قوم توكّلوا على اللّه و جعلوا فيها أموالهم فقال عليه السلام : ءأنا أفتح بيت مال المسلمين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣١٠ .

( ٢ ) أخرجه أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٠٩ ، جزء ٤ .

( ٣ ) عبس : ٣٤ ٣٧ .

( ٤ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٩ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٢٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فأعطيك أموالهم و قد توكلوا على اللّه و أقفلوا عليها . و قال له : إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ بها تجارا مياسير ،

فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله . فقال : أو سارقا جئت ؟ قال : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعا ١ .

« فضجّ ضجيج ذي دنف » بفتحتين المرض الملازم « من ألمها و كاد أن يحترق من ميسمها » قال الجوهري : الميسم : المكواة ، و أصل الياء واو ٢ .

« فقلت له ثكلتك الثواكل » قال الجوهري : الثكل : فقدان المرأة ولدها ٣ « يا عقيل أ تئنّ » من « أنّ أنينا » قال ذو الرمة « كما أنّ المريض إلى عواده الوصب » ٤ .

« من حديدة أحماها » أي : أحرّها « إنسانها للعبه و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه » إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظاً و زفيراً . و إذا ألقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دَعَوْا هنالك ثبوراً . لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً ٥ .

في ( تاريخ بغداد ) : كان سعد بن حذيفة على قضاء المدائن ، و كلّمه ابن جعدة بن هبيرة في شي‏ء من الحكم ، و بين يديه نار ، فقال له سعد : ضع إصبعك في هذه النّار ، قال : سبحان اللّه تأمرني أن أحرق بعض جسدي ، قال :

فأنت تأمرني أن أحرق جسدي ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٥١ ، مادة ( وسم ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٤٧ ، مادة ( ثكل ) .

( ٤ ) أورده لسان العرب ١٣ : ٢٨ ، مادة ( ان ) .

( ٥ ) الفرقان : ١٢ ١٤ .

( ٦ ) تاريخ بغداد ٩ : ١٣٣ .

٥٢٧

و في ( الحلية ) : استعمل هرم بن حيّان ، فظنّ أنّ قومه سيأتونه ، فأمر بنار ،

فأوقدت بينه و بين من يأتيه من القوم ، فجاءه قومه يسلّمون عليه من بعيد ،

فقال : مرحبا بقومي ادنوا ، قالوا : و اللّه ما نستطيع أن ندنو منك ، لقد حال النّار بيننا و بينك . قال : و أنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها في نار جهنم فرجعوا ١ .

« أ تئنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى » قال الجوهري : لظى : اسم من أسماء النار معرفة لا تنصرف ٢ كلاّ إنّها لظى . نزّاعة للشوى ٣ أي جلدة الرأس فأنذرتكم نارا تلظى ٤ أي : تتوقّد .

قال ابن أبي الحديد : سأل معاوية عقيلا عن قصّة الحديدة المحماة ، فبكى ،

و قال : نعم أصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته ، فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم ، فقال : إيتني عشيّة لأدفع إليك شيئا ، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحّي ، ثم قال : ألا فدونك .

فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنّها صرّة ، فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا ، فلما قبضتها خرت كما يخور الثور تحت يد جازره ، فقال : ثكلتك امك هذا من حديدة أو قدت لها نار الدنيا ، فكيف بي و بك غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ؟ ثم قرأ إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون ٥ ، ثم قال : ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه اللّه لك إلاّ ما ترى فانصرف . فجعل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء ٢ : ١٢٠ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٨٢ مادة ( لظى ) .

( ٣ ) المعارج : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) الليل : ١٤ .

( ٥ ) غافر : ٧١ .

٥٢٨

معاوية يتعجّب و يقول : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله ١ .

قلت : و قد عرفت أن ( أمالي الصدوق ) رواه مع زيادات منها « أ أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة و أبتلع إبلا في مبركها رابطة » ٢ .

و في ( بلاغات نساء البغدادي ) : حجّ معاوية سنة ، فسأل عن امرأة يقال لها الدارمية الحجونية و كانت امرأة سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها ،

فبعث فجي‏ء بها فقال لها : كيف حالك يا ابنة حام ؟ قالت : بخير و لست لحام ، إنّما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ، ثمّ من بني أبيك . قال : صدقت هل تعلمين لم بعثت إليك ؟ قالت : لا ، قال : لأسألك علام أحببت عليّا و أبغضتني ، و علام واليته و عاديتني ؟ قالت : أ و تعفيني ؟ قال : لا ، قالت : فأمّا إذ أبيت فإنّي أحببت عليّا على عدله في الرعيّة و قسمه بالسويّة ، و أبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك ، و طلبك ما ليس لك ، و واليت عليّا على ما عقد له النبي من الولاية و لحبّه المساكين و إعظامه أهل الدين ، و عاديتك على سفكك الدماء و شقك العصا إلى أن قال قال : فهل سمعت كلامه ؟ قالت : نعم ، قال : فكيف سمعته ؟ قالت :

كان كلامه و اللّه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست من الصدى .

قال : صدقت ، هل لك من حجّة ؟ قالت : و تفعل إذا سألت ؟ قال : نعم ، قالت تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها ، قال : ماذا تصنعين بها ؟ قالت : أغذو بألبانها الصغار ، و استحيى بها الكبار ، و اكتسب بها المكارم ، و أصلح بها بين عشائر العرب إلى أن قال فقال لها معاوية : أما و اللّه لو كان علي ما أعطاك شيئا ، قالت : أي و اللّه و لا برّة واحدة من مال المسلمين . ثم أمر لها بما سألت ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٣ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

( ٣ ) بلاغات النساء : ١٠٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٢٩

هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) : ذكر زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عقيلا دخل يوم حنين على إمرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، و سيفه متطلخ دما ، فقالت : إنّي قد عرفت أنّك قد قاتلت فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال : دونك هذه الابرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها ، فسمع منادي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : من أخذ شيئا فليرده حتى الخياط و المخيط ، فرجع عقيل فقال : ما أرى أبرتك إلاّ قد ذهبت فأخذها فألقاها في الغنائم ١ .

« و أعجب من ذلك » أي : من طلب عقيل منه عليه السلام صاعا زائدا عن حقّه « طارق » أي : من جاء ليلا « طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها » أي : أبغضتها « كأنّما عجنت بريق » ماء الفم « حيّة أو قيئها » لأنّ الحرام عند أولياء اللّه مبغوض كريق الحية و قيئها .

و قد عرفت أنّ في رواية ( الأمالي ) ، إنّه عليه السلام قال : و لدنياكم أهون عندي من ورقة في فمّ جرادة تقضمها ، و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ،

و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها ٢ .

و قال البحتري :

و ما كان ما أسدى إلي ابن يلبخ

سوى حمة من عارض السم تنزع

و من بديع التشبيه في الشي‏ء المكروه في مجدور قول ابن طباطبا :

ذو جدري وجهه يحكيه جلد السمكة

أو جلد أفعى سلخت أو قطعة من شبكه

أو حلق الدرع إذا أبصرتها مشتبكة

أو سفر محبّب أو كرش منفركه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٤ : ١٠١ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

٥٣٠

أو منخل أو عرض رقعته منهتكة

أو حجر الحمام كم من وسخ قد دلكه

أو كور زنبور إذا فرّخ فيه تركه

أو كدر الماء إذا أظهر فيه حبكه

أو سلحة جامدة تنقر فيها الدّيكة

يبغضه من قبحه كلّ طريق سلكه

و قيل لرجل : رأيناك في دهليز فلان و بين يديك قصعة و أنت تأكل ، فمن أي شي‏ء كانت القصعة و أي شي‏ء كان فيها ؟ قال : قي‏ء كلب في حقف خنزير .

و في الخبر : العائد في هبته كالعائد في قيئه ١ .

و في آخر : و مثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل ، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه ٢ .

قالوا : و مثل الكلب الضب ، و يسمى الهرم لطول عمره ، قال خدّاش كما في ( الأساس ) « كما أكبّ على ذي بطنة الهرم » قال : أي : رجع على قيئه فأكله ٣ .

« فقلت أ صلة أم زكاة أم صدقة ، فذلك محرم علينا أهل البيت » قال ابن أبي الحديد : الصلة : العطية لا يراد بها الأجر ، بل الوصلة إلى الموصول و أكثر ما يفعل للصيت ، و الزكاة ما يجب في النصاب من المال ، و الصدقة هاهنا صدقة التطوّع ، و أراد بأهل البيت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ،

و هؤلاء خاصة يحرم عليهم الصدقة ، و أما غيرهم من بني هاشم فلا يحرم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٩٦ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٤١ ح ٧ ، و أبو داود في سننه ٣ : ٢٩١ ح ٣٥٣٨ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٦٦ و ٢٦٧ ، و ابن ماجة في سننه ٢ : ٧٩٧ ح ٢٣٨٥ .

( ٢ ) أخرجه أبو داود في سننه ٣ : ٢٩١ ح ٣٥٣٩ ، و الترمذي في سننه ٤ : ٤٤١ و ٤٤٢ ح ٢١٣١ و ٢١٣٢ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ٧٩٧ و ٧٩٩ ح ٢٣٨٤ و ٢٣٩١ .

( ٣ ) لم يوجد في موضعه من أساس البلاغة : ٤٨٣ ، مادة ( هرم ) .

٥٣١

عليهم إلاّ الزكاة الواجبة ، و قبول الحسنين عليهما السلام لصلات معاوية من جهة حقّهما ، فإن سهم ذوي القربى منصوص في الكتاب ١ .

قلت : ما فسّر الصلة به غير جيد ، أما ما قاله أولا من أنّ الصلة ، العطية التي لا يراد بها الآخرة ، فهي في معنى الهدية ، فتباح له عليه السلام ، و أمّا ما قاله ثانيا من كونها الوصلة إلى الموصول فهي في معنى الرشوة ، فتحرم على الجميع ، و لا يبعد زيادة الكلمة من النساخ و الأصل « أ زكاة أم صدقة » بدليل جوابه « لا ذا و لا ذاك » و مثله ما في رواية ( الأمالي ) من تبديلها بالنذر و سهم ذوي القربى منصوص في الكتاب ٢ ، إلاّ أن أوّل من أسقطه صدّيقهم و فاروقهم كما أخذا فدك .

هذا ، و روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن عبد الوهاب العجلي عن عوف عن الحسن ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : إنّ اللّه حرّم علي الصدقة و على أهل بيتي ٣ .

« فقالا لا ذا » المذكور أولا « و لا ذاك » المذكور ثانيا « و لكنّها هدية » و كانوا أعطوا بريرة لحما صدقة ، فأهدته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فقالت عائشة لها : إنّ النّبيّ لا يأكل الصدقة . فقال لها : انّما كانت عليها صدقة ، و هي منها هدية ٤ .

« فقلت هبلتك » أي : ثكلتك « الهبول » في ( الجمهرة ) : الهبل الثّكل ، هبلت فلانا امّه فهي هابل و هبول ، و ابن الهبولة ملك من ملوكهم ، و بنو هبل بطن من كلب يقال لهم الهبلات ٥ « أ عن دين اللّه أتيتني لتخدعني » بإعطاء الرشوة باسم الهدية

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٨ .

( ٢ ) النظر الى قوله تعالى في ( الأنفال : ٤١ ) .

( ٣ ) طبقات ابن سعد ١ : ق ٢ : ١٠٧ .

( ٤ ) رواه البخاري في صحيحه ٣ : ٢٧٤ و ٢٩٨ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٨٠ .

( ٥ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٣٠ .

٥٣٢

« أ مختبط أنت » يقال تخبطه الشيطان أي : أفسده « أم ذو جنّة » بالكسر أي : جنون أ و لم يتفكّروا ما بصاحبهم من جنّة ١ و تأتي الجنّة معرفة للجنّ كجنّة منكرة للجنون .

« أم تهجر » من هجر المريض هذى ، قال الجوهري : فالمريض هاجر و الكلام مهجور ، قال أبو عبيد و عن إبراهيم و منه قوله تعالى : إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٢ .

قلت : و منه قول عمر فيما رواه ( كاتب الواقدي ) و غيره أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال :

إيتوني بالكتف و الدواة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا . فقال : إنّما يهجر الخبر ٣ .

و من أين انه ليس المراد بالآية ؟ فهل أنّ النّبيّ لم يكن من قريش ؟ أو ليس جاء في هذا القرآن : و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ٤ و مع ذلك فعل ما فعل ، و قال ما قال قال ابن أبي الحديد : كان المهدي له الأشعث ، أهدى له نوعا من الحلواء في طبق مغطى ، و ظن أنّه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي ، و كان عليه السلام يبغض الأشعث لأنّه كان يبغضه ٥ .

قلت : و في ( مقاتل أبي الفرج ) : أن الأشعث جاء يستأذن عليه عليه السلام ، فردّه قنبر فأدمى أنفه ، فخرج عليه السلام و هو يقول : ما لي و لك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ١٨٤ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٥١ ، مادة ( هجر ) . و الآية ٣٠ من سورة الفرقان .

( ٣ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ : ق ٢ : ٣٦ و ٣٧ ، و البخاري في صحيحه ١ : ٣٢ و ٤ : ٧ و ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٣٢ و غيرهم .

( ٤ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٧ ، و النقل بالمعنى .

٥٣٣

تمرّست ، لأقشعرت شعيراتك ، قال : و من غلام ثقيف ؟ قال : غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلاّ ١ .

قلت : صحيح ، أن غلام ثقيف لم يتمرّس بشخص الأشعث ، و لكنّه تمرّس بحفيده عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و اقشعرّت شعيراته به ، بل أذهب أكثر شعره .

« و اللّه لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها » روى ( الخصال ) في عنوان « الدنيا سبعة أقاليم » عن أبي يحيى الواسطي باسناده رفعه إلى الصادق عليه السلام : الدنيا سبعة أقاليم يأجوج و مأجوج و الردم و الصين و الزنج و قوم موسى و أقاليم بابل ٢ .

و قال المسعودي في ( تنبيهه ) ، سمّوا الأقاليم السبعة على الكواكب السبعة على قدر تواليها و تتابعها في الفلك ، فالإقليم الأوّل لزحل و هو ( كيوان ) بالفارسية له من البروج الجدي و الدلو ، و الإقليم الثاني للمشتري و هو بالفارسية ( أورمزد ) له من البروج القوس و الحوت ، و الإقليم الثالث للمريخ و هو بالفارسية ( بهرام ) له من البروج الحمل و العقرب ، و الإقليم الرابع للشمس و هو بالفارسية ( خرشاد ) لها من البروج الأسد ، و الإقليم الخامس للزهرة و هي بالفارسية ( اناهيد ) لها من البروج الثور و الميزان ، و الإقليم السادس لعطارد و هو بالفارسية ( تير ) له من البروج الجوزاء و السنبلة ، و الإقليم السابع للقمر و هو بالفارسية ( ماه ) له من البروج السرطان ، و اسم الإقليم بالفارسية ( كشور ) و اسم الفلك ( اسبهر ) الخ ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٢٠ .

( ٢ ) الخصال ٢ : ٣٥٧ ح ٤٠ .

( ٣ ) التنبيه و الاشراف : ٣١ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٣٤

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : جعلوا الدنيا سبعة أقاليم : الأول : الهند و حدّه ممّا يلي المشرق البحر ، و ناحية الصين إلى الديبل ممّا تلي أرض العراق إلى خليج البحر ممّا يلي أرض الهند إلى أرض الحجاز ، و الإقليم الثاني : الحجاز و حدّه هذا الخليج إلى عدن إلى أرض الحبشة ممّا يلي أرض مصر إلى الثعلبية ممّا يلي أرض العراق ، و الإقليم الثالث : مصر و حدّه ممّا يلي أرض الحبشة إلى أرض الحجاز إلى البحر الأخضر ممّا يلي الجنوب إلى المغرب إلى الخليج الذي يلي الروم إلى نصيبين ممّا يلي أرض العراق ، و الإقليم الرابع : العراق و حدّه ممّا يلي الهند الديبل و ممّا يلي الحجاز الثعلبية و ممّا يلي أرض مصر و الروم نصيبين و ممّا يلي أرض خراسان نهر بلخ ، و الإقليم الخامس : الروم و حدّه ممّا يلي أرض مصر الخليج و ممّا يلي المغرب البحر و ممّا يلي الترك يأجوج و مأجوج و ممّا يلي أرض العراق نصيبين ، و الإقليم السادس : يأجوج و مأجوج و حده ممّا يلي أرض المغرب الترك و ممّا يلي الخزر البحر و مفاوز بينه و بين سحور الشمال و ممّا يلي المشرق أرض نصيبين و ممّا يلي خراسان نهر بلخ ،

و الإقليم السابع : الصين و حدّه ممّا يلي المغرب يأجوج و مأجوج و ممّا يلي المشرق البحر و ممّا يلي الهند أرض قشمير و ممّا يلي خراسان نهر بلخ و قالوا : كلّ إقليم تسعمائة فرسخ في مثلها ١ .

و في ( فواتح الميبدي ) : الإقليم الأوّل أطول أيام السنة فيه اثنتي عشرة ساعة و خمس و أربعون دقيقة ، و يزاد في كلّ أقليم ثلاثون دقيقة على سابقتها إلى أن يصير الأقليم الثاني عشر أطول أيام سنته ست عشرة ساعة و خمس عشرة دقيقة . و قال بعضهم : أوّل الإقليم الأوّل أوّل خط الاستواء و آخر الإقليم السابع آخر العمارة و أطول الأيام ثمة ثلاث و عشرون ساعة إلى أن قال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٨٤ و ٨٥ .

٥٣٥

و أعدل أصناف الإنسان عند ابن سينا سكّان الإستواء ، و عند الفخر ، سكان الاقليم الرابع .

هذا ، و في ( المعجم ) أهدى شمس المعالي قابوس بن و شمكير لعضد الدولة سبعة أقلام و كتب إليه :

قد بعثنا إليك سبعة أقلام

لها في البهاء حظّ عظيم

مرهفات كأنّها ألسن الحيات

جاز حدّها التقويم

و تفاءلت أن ستحوي الأقاليم

بها كلّ واحد إقليم ١

« على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة » قال ابن أبي الحديد : جلب الشعيرة بضم الجيم : قشرها ٢ .

قلت : لم أقف في اللغة على من يقول جلب الشعيرة . قشرها ، و إنّما قالوا :

الجلبة بالضم : القشرة التي تعلو الجرح عند البرء ، و أين هذا ممّا قال ، و الظاهر أن المراد أسلبها شعيرة جلبتها إلى مسكنها ، يقال جلبه أي ساقه من موضع إلى آخر .

و كيف كان ، ففي الخبر : نهي عن قتل النحلة و النملة ٣ .

و عن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جدّه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يؤكل ما حملت النّمل بفيها و قوائمها ٤ .

هذا ، و في ( حياة حيوان الدّميري ) : كان الفتح بن سخرب الزاهد يفتّ الخبز للنمل كلّ يوم ، فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله . و فيه البيض كلّه بالضاد إلا بيظ النمل فإنه بالظاء . قال : و النمل لا تتناكح انما يسقط منه شي‏ء حقير في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الأدباء ١٦ : ٢٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) أخرجه أبو داود في سننه ٤ : ٣٦٧ ح ٥٢٦٧ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٨٩ ، و غيرهما .

( ٤ ) رواه الدميري في حياة الحيوان ٢ : ٣٧٠ .

٥٣٦

الأرض فينمو حتى يصير بيظا حتى يتكوّن منه ، و سمّيت نملة لتنمّلها و هو كثرة حركتها ١ .

« ما فعلت » قال الكميت :

على تلك جرياي و هي ضريبتي

و لو أجلبوا طرا علي و أجلبوا

« و ان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها » قال الجوهري :

القضم : الأكل بأطراف الأسنان ٢ .

و مرّ أن ( الأمالي ) زاد في خبره « و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ، و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها إلى أن قال اللّهم انّي نفرت عنها نفار المهرة من راكبها » ٣ .

« ما لعليّ و لنعيم يفنى و لذّة لا تبقى » في قصة معاوية مع الدارمية الحجونية ، قال لها : هل رأيت عليّا ؟ قالت : أي و اللّه لقد رأيته . قال : كيف رأيته ؟

قالت : رأيته لم يفتنه الملك الذي فتنك و لم تشغله النعمة التي شغلتك ٤ .

« نعوذ باللّه من سبات العقل » أي : نومه « و قبح الزلل » و هو الزلل في الدين .

« و به نستعين » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) حياة الحيوان ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢١٣ ، مادة ( قضم ) .

( ٣ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

( ٤ ) بلاغات النساء : ١٠٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٥٣٧

الفصل الخامس عشر في التزامه بالحقّ و العدل و حثّه عليهما قولا و عملا

٥٣٨

١

الكتاب ( ٢٥ ) و من وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات و إنّما ذكرنا هنا جملا منها ليعلم بها أنّه عليه السلام كان يقيم عماد الحق و يشرع أمثلة العدل في صغير الأمور و كبيرها و دقيقها و جليلها :

اِنْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اَللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ لاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَ لاَ تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً وَ لاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى اَلْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ اِمْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ اَلْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَ لاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اَللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اَللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اَللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ فَهَلْ لَكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لاَ فَلاَ تُرَاجِعْهُ وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ

٥٣٩

فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَ لاَ عَنِيفٍ بِهِ وَ لاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَ لاَ تُفْزِعَنَّهَا وَ لاَ تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا وَ اِصْدَعِ اَلْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اِخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اِخْتَارَهُ ثُمَّ اِصْدَعِ اَلْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اِخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اِخْتَارَهُ فَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اَللَّهِ مِنْهُ فَإِنِ اِسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ ثُمَّ اِخْلِطْهُمَا ثُمَّ اِصْنَعْ مِثْلَ اَلَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ وَ لاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَ لاَ هَرِمَةً وَ لاَ مَكْسُورَةً وَ لاَ مَهْلُوسَةً وَ لاَ ذَاتَ عَوَارٍ وَ لاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقاً بِمَالِ اَلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ وَ لاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَ أَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ وَ لاَ مُجْحِفٍ وَ لاَ مُلْغِبٍ وَ لاَ مُتْعِبٍ ثُمَّ اُحْدُرْ إِلَيْنَا مَا اِجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اَللَّهُ فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَ بَيْنَ فَصِيلِهَا وَ لاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا وَ لاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً وَ لْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَيْنَهَا وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اَللاَّغِبِ وَ لْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَ اَلظَّالِعِ وَ لْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ اَلْغُدُرِ وَ لاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ اَلْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ اَلطَّرِيْقِ وَ لْيُرَوِّحْهَا فِي اَلسَّاعَاتِ وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ اَلنِّطَافِ وَ اَلْأَعْشَابِ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اَللَّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَ لاَ مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ص فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ وَ أَقْرَبُ لِرُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أقول : و رواه الكليني في باب أدب المصدق : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له : يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له ، و لا تؤثرن دنياك على

٥٤٠