بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116200
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116200 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

آخرتك ، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ اللّه فيه ، حتّى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم و تسلّم عليهم ، ثمّ قل لهم : يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه ، لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّون إلى وليّه . فإن قال لك قائل ، لا ، فلا تراجعه ،

و ان أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخفيه أو تعده إلاّ خيرا ،

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه فان أكثره له ، فقل : يا عبد اللّه أتأذن لي في دخول مالك ، فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرض له ثمّ اصدع الباقي صدعين ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له ، و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه تعالى من ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه و ان استقالك فأقله ، ثمّ اخلطها و اصنع مثل الذي صنعت أولا ، حتّى تأخذ حقّ اللّه في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف لشي‏ء منها ، ثمّ احدر كلّما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا ، نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جلّ ، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه ألاّ يحول بين ناقة و بين فصيلها ، و لا يفرّق بينهما و لا يمصّرن لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها ، و لا يجهد بها ركوبا و ليعدل بينهنّ في ذلك ، و ليوردهنّ كلّ ماء يمرّ به ، و لا يعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جواد الطريق في الساعة التي فيها تريح و تغبق ، و ليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن اللّه تعالى سحاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات ، فيقسّمن بإذن اللّه على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه على أولياء اللّه ، فإن ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك ، ينظر اللّه اليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك ، و بعثت في حاجته ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : ما ينظر اللّه إلى وليّ له، يجهد نفسه بالطاعة

٥٤١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و النصيحة له و لإمامه إلاّ كان معنا الخبر .

و رواه الشيخان في ( المقنعة ) و ( التهذيب ) كما رواه ( الكافي ) ، و روته ( غارات الثقفي ) عن يحيى بن صالح عن أبي العباس الوليد بن عمرو عن عبد الرحمن بن سليمان عن الصادق عليه السلام أيضا ١ .

قول المصنف : « و من وصيّة له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات » و كذلك كان عليه السلام يعين لعمال خراجه آداب الخرج . روى البلاذري في ( فتوحه ) عن مصعب بن يزيد الأنصاري عن أبيه قال : بعثني علي عليه السلام على ما سقى الفرات فذكر رساتيق و قرى ، فسمّى نهر الملك و كوثي و بهر سير و الردمقان و نهر جوير و نهر درقيط و البهقباذات و أمرني أن أضع على كلّ جريب زرع غليظ من البّر و درهما و نصفا و صاعا من طعام ، و على كلّ جريب وسط درهما ، و على كلّ جريب من البرّ رقيق الزرع ثلثي درهم ، و على الشعير نصف ذلك ، و أمرني أن أضع على البساتين التي تجمع النخل و الشجر على كلّ جريب عشرة دراهم ، و على جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين و دخل في الرابعة و أطعم عشرة دراهم ، و أن ألغي كلّ نخل شاذّ عن القرى يأكله من مرّ به ، و أن لا أضع على الخضروات شيئا ، المقائي ، و الحبوب و السماسم ،

و القطن ، و أمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين و يتختمون بالذهب على الرجل ثمانية و أربعين درهما ، و على أوسطهم من التجار على رأس كلّ رجل أربعة و عشرين درهما في السّنة ، و أن أضع على الاكرة و سائر من بقي منهم على الرجل اثني عشر درهما .

و روى عن الحسن بن صالح قال : بلغني أنّ عليّا عليه السلام ألزم أهل ( أجمة برس ) أربعة آلاف درهم و كتب لهم بذلك كتابا في قطعة أديم . قال أحمد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٣ : ٥٣٦ ح ١ ، و المقنعة : ٤٢ ، و التهذيب ٤ : ٩٦ ح ٨ ، و الغارات ١ : ١٢٦ .

٥٤٢

حمّاد الكوفي « أجمة برس » بحضرة صرح نمرود ببابل ١ .

« و انما ذكرنا هنا جملا منها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « و إنّما ذكرنا منها جملا ههنا » كما ( في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ .

« ليعلم بها أنّه عليه السلام كان يقيم عماد الحقّ » يعرف ذلك منه عليه السلام كلّ أحد حتّى أقرّ بذلك فاروقهم . قال ابن قتيبة قال يوم الشورى لعليّ عليه السلام : و إنّك أحرى القوم إن ولّيتها أن تقيم على الحقّ المبين و الصراط المستقيم ٣ .

و كان عليه السلام في زمان إمارة المتقدّمين عليه أيضا كذلك ، فأقام الحدّ على الوليد بن عقبة أخا عثمان لامّه في خلافة عثمان رغما لأنفه ، و أراد قتل عبد اللّه بن عمر في خلافة عثمان قصاصا بهرمزان ملك تستر لأنّه قتل بغير حقّ ،

و أبى عثمان عن إجراء الحدّ عليه ففرّ منه عليه السلام و خرج من المدينة ، كما انّه لمّا وصل الأمر إليه عليه السلام فرّ إلى معاوية ، و لذلك كانوا لا يرضون بولايته عليه السلام للأمر ، و لذا قالت سيّدة النساء عليها السلام يوم السقيفة : ما نقموا من أبي الحسن إلاّ تنمّره في ذات اللّه ٤ .

« و يشرع أمثلة العدل في صغير الامور و كبيرها و دقيقها و جليلها » في خبر ( الكافي ) المتقدّم بعد ما مرّ ثم بكى أبو عبد اللّه عليه السلام و قال لبريد : لا و اللّه ما بقيت للّه حرمة إلاّ انتهكت ، و لا عمل بكتاب اللّه و سنّة نبيّه في هذا العالم ، و لا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض اللّه أمير المؤمنين ، و لا عمل بشي‏ء من الحقّ إلى يوم النّاس هذا . ثم قال : أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي حتى يحيي اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح البلدان : ٢٧٠ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ .

( ٣ ) الامامة و السياسة ١ : ٢٥ .

( ٤ ) قالت هذا في مرضها الذي ماتت فيه و هذا بعض من خطبة لها عليها السلام رواها الجوهري في السقيفة : ١١٧ ، و الصدوق في معاني الأخبار : ٣٥٤ ، و الطبري في دلائل الإمامة : ٣٩ ، و البغدادي في بلاغات النساء : ٣٣ و غيرهم .

٥٤٣

الموتى و يميت الأحياء و يردّ الحقّ إلى أهله و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه الخبر ١ .

و في ( مقنعة المفيد ) : روى إسماعيل بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال :

استعملني علي عليه السلام على بانقيا و سواد من سواد الكوفة فقال لي و الناس حضور أنظر خراجك فجدّ فيه و لا تترك منه درهما ، فإذا أردت أن تتوجّه إلى عملك فمرّ بي ، فأتيته فقال : إنّ الذي سمعت منّي خدعة ، إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنّا أمرنا أن نأخذ منهم العفو ، و لا تجمع بين متفرّق و لا تفرّق بين مجتمع ٢ .

و رواه أبو حاتم السجستاني في ( وصاياه ) هكذا : حدّثونا عن أبي نعيم عن إسماعيل بن ابراهيم بن المهاجر عن عبد الملك بن عمير عن رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على عكبرى و لم يكن السواد يسكنه المصلّون ، فقال لي بين أيديهم : إستوف خراجهم منهم فلا يجدوا فيك ضعفا و لا رخصة ، ثم قال لي : رح إلي عند الظهر . فرحنا إليه فلم أجد عليه حاجبا و وجدته جالسا و عنده قدح و كوز من ماء ، فدعا بظبة يعني جرابا صغيرا فقلت في نفسي : لقد أمنّني حين يخرج إليّ جوهرا ، فإذا عليه خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فصبه في القدح فشرب منه و سقاني ، فلم أصبر و قلت : أتصنع هذا بالعراق ، طعام العراق أكثر من ذلك ؟ فقال ، إنّما اشتري قدر ما يكفيني ، و أكره أن يفنى فيضع فيه غيري ، و إنّي لم أختم عليه بخلا عليه ،

و انما حفظي لذاك و إنّما أكره أن أدخل بطني إلاّ طيّبا ، و إنّي قلت لك بين أيديهم الذي قلت لأنّهم يوم خدع و أنا آمرك الآن بما تأخذهم به إن أنت فعلت و إلاّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٣ : ٥٣٨ .

( ٢ ) المقنعة : ٤٢ .

٥٤٤

أخذك اللّه به دوني ، و إن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك ، لا تبيعنّ لهم رزقا يأكلونه و لا كسوة شتاء و لا صيف ، و لا تضربنّ رجلا سوطا في طلب درهم فإنّا لم نؤمر بذلك ، و لا تبيعنّ لهم دابة يعملون عليها ، إنّا أمرنا أن نأخذ منهم العفو . قال : إذن أجيئك كما ذهبت . قال : و ان فعلت .

و في ( بلاغات البغدادي ) في وفود أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية و كلام بينهما ، قالت أروى لمعاوية : تأمر لي بألفي دينار و ألفي دينار و ألفي دينار . قال : ما تصنعين يا عمّة بألفي دينار ؟ قالت : اشتري بها عينا فوّارة في أرض خوّارة تكون لولد الحارث ، قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوّج بها فتيان بني عبد المطلب من أكفائهم . قال :

نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : استعين بها على عسر المدينة و زيارة بيت اللّه الحرام . قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعمة و كرامة ثم قال : أما و اللّه لو كان علي ما أمر لك بها . قالت : صدقت إنّ عليّا عليه السلام أدّى الأمانة و عمل بأمر اللّه و أخذ به ، و أنت ضيّعت أمانتك و خنت اللّه في ماله ،

فأعطيت مال اللّه من لا يستحقّه ، و قد فرض اللّه الحقوق لأهلها و بيّنها فلم تأخذ بها ، و دعانا علي عليه السلام الى أخذ حقّنا الذي فرض اللّه لنا ، فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، و ما سألتك من مالك شيئا فتمنّ به ، إنّما سألتك من حقّنا ،

و لا نرى أخذ شي‏ء غير حقّنا ، أتذكر عليّا فضّ اللّه فاك و أجهد بلاك . ثم علا بكاها و قالت :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا و ابكي أمير المؤمنينا

و فيه في وفود سودة بنت عمارة على معاوية بعد ذكر كلام بينهما قالت سودة لمعاوية : قدم علينا بسر بن إرطأة من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي ، تقول : فوهي بما أستعصم اللّه منه و ألجأ اليه فيه ، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك ، و إمّا لا ، فعرفناك . فقال لها معاوية :

٥٤٥

أتهددينني بقومك ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردّك إليه ينفذ فيك حكمه . فأطرقت تبكي ثمّ قالت :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحقّ و الإيمان مقرونا

قال لها معاوية : و من ذلك ؟ قالت : علي بن أبي طالب عليه السلام . قال : و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك ؟ قالت : قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بين الرجل ما بين الغث و السمين ، فأتيته لأشكوه إليه فوجدته قائما يصلّي ، فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطّف : ألك حاجة ؟

فأخبرته فبكى ثم قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد علي و عليهم ، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد ، فكتب قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين . بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين . و ما أنا عليكم بحفيظ ١ . إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك الخبر ٢ .

و قولها « يقول فوهي بما استعصم اللّه منه » أي تكلّمي بالسبّ له عليه السلام و استعيذ باللّه من ذلك .

قوله عليه السلام « انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له » و من يتق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ٣ .

« و لا تروّعنّ » أي : لا تفزعن « مسلما و لا تجتازن » أي : لا تمرّن « عليه كارها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا خلط بين آية ( الاعراف : ٨٥ ) و آيتي ( هود : ٨٥ و ٨٦ ) .

( ٢ ) بلاغات النساء : ٤٣ و ٤٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٤٦

و لا تأخذن منه أكثر من حقّ اللّه في ماله » لأنّه ظلم .

« فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم » لكون ذلك أذى لهم « ثم امض إليهم بالسكينة » من السكون « و الوقار » من الوقر « حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم » فالسلام من آداب الإسلام ، قال تعالى : فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم تحيّةً من عند اللّه مباركةً طيّبةً كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون ١ .

« و لا تخدج » من الاخداج « بالتحية لهم » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ، و الصواب : « التحية لهم » كما في ( ابن ميثم ) ٢ لتصديق ( النهاية ) له ،

فقال : و في حديث علي عليه السلام « لا تخدج التحية لهم » أي : لا تنقصها ، يقال أخدجت الناقة ولدها إذا ولدته ناقص الخلق ، و خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه و ان كان تام الخلق ٣ .

« ثم تقول عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه و خليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم » انما قال عليه السلام « عباد اللّه » دون « أيّها الناس » و قال « وليّ اللّه و خليفته » دون « علي أمير المؤمنين » و قال « حقّ اللّه » دون « الصدقات » ليكون الإضافة إلى اللّه تعالى في المواضع الثلاثة لتسهيل الاعطاء على نفوسهم ، فإن اعطاء المال شديد على النفوس ، و لذا قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أخذ الصدقات من الناس : و صلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم ٤ كما إنّه عليه السلام أتى بلفظة « اللّه » ظاهرا في الآخرين مع تقدّم ذكره تأكيدا لذلك .

« فهل لكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه » و في ( العقد ) عن بعضهم قال : وقف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٦١ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٣ ) النهاية ٢ : ١٢ و ١٣ مادة ( خدج ) .

( ٤ ) التوبة : ١٠٣ .

٥٤٧

علينا إعرابي فقال : أخ في كتاب اللّه ، و جار في بلاد اللّه ، و طالب خير من رزق اللّه ،

فهل فيكم من مواس في اللّه ؟ ١ « فان قال قائل لا فلا تراجعه » فقوله مقبول ما دام لم يعلم كذبه و مينه ، و لا يحتاج إلى بيّنة أو يمين .

« و ان أنعم لك منعم » أي : قال قائل « نعم لك عندي حقّ اللّه » « فانطلق معه من غير أن تخيفه » بالشدّة عليه « و » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « أو » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « توعده » بايذائه « أو تعسفه » قال الجوهري : العسف الأخذ على غير الطريق ٣ ، قال البحتري :

حيث لا عند مجتبى منه الطاط

و لا في سياق جابيه عسف

« أو ترهقه » أي : تعسره .

هذا ، و في ( تاريخ الطبري ) قال مسلم العجلي : مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة بن جندب و كان زياد يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة و على الكوفة إذا سار إلى البصرة و أقرّه معاوية بعد زياد ستة أشهر فأدّى زكاة ماله ، ثم دخل ، فجعل يصلّي في المسجد ، فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد و بدنه ناحية ، فمر أبو بكرة فقال : يقول اللّه سبحانه :

قد أفلح من تزكّى . و ذكر اسم ربّه فصلّى ٤ فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شرّ ميتة ٥ .

« فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة » من زكاة النقدين أو قيمة الغلات الأربعة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٤ : ٢٠ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ « و » .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤٠٢ مادة ( عسف ) .

( ٤ ) الاعلى : ١٤ و ١٥ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢١٧ سنة ٥٣ .

٥٤٨

« فان كان » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فان كانت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ثمّ و الخطية ) ١ « له ماشية » الماشية تطلق على الغنم و البقر و الإبل ، و المراد هنا الأولان « أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه فإن أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فلا تدخلها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ « دخول متسلّط عليه و لا عنيف به » قال الجوهري : العنيف : الذي ليس له رفق بركوب الخيل ٣ .

« و لا تنفرّن بهيمة و لا تفزعنّها » فانّه ظلم و عمل قبيح .

« و لا تسؤنّ صاحبها فيها » قال بعضهم في وصف مصدقهم :

يا كروانا صك فاكبأنا

فشن بالسلح فلما شنا

بل الذنابي عبسا مبنّا

أإبلى تأكلها مصنّا

خافض سن و مشيل سنا

قال ابن السكّيت : معنى قوله « خافض سن » إنّ المصدق يأخذ ابنة لبون و يقول إنّها ابنة مخاض ، « و مشيل سنا » إنّ للمصدق ابنة لبون فيأخذ حقّة ٤ .

« و أصدع المال صدعين » قال الجوهري « الصدعة » بالكسر : الصرمة من الإبل و الفرقة من الغنم ، يقال صدعت الغنم صدعتين أي : فرقتين ٥ .

« ثم خيّره » بين الصدعين « فإذا اختار » أحدهما « فلا تعرضنّ لما اختاره » منهما .

« ثم اصدع الباقي » مما اختاره « صدعين ثمّ خيّره » بين الصدعين « فإذا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤٠٦ مادة ( عنف ) .

( ٤ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ٨٣ و ٨٤ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٤٢ مادة ( صدع ) .

٥٤٩

اختار » أحدهما « فلا تعرضنّ لما اختاره » منهما .

« فلا تزال كذلك » تصدع بالباقي صدعين ثم تخيّره فإذا اختار فلم يكن لك التعرّض له « حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله » واحد أو أكثر « فاقبض حقّ اللّه منه » ممّا تركه « فان استقالك » من القيل من إقالة البيع بمعنى فسخه .

« فأقله ثمّ اخلطهما » ما بقي و ما اختار « ثمّ اصنع مثل الذي صنعت أوّلا » من صدع المال و يدعه و اختياره « حتى تأخذ حقّ اللّه في ماله » ممّا بقي و أعرض عنه .

هذه آداب الاسلام لعمّال الصدقات ، لا يجوز لهم أن يختاروا من أنعام من وجبت عليه الزكاة و إنّما الاختيار لمالكيها . و كان عمّال أبي بكر يختارون ما أعجبهم و لو كان من مال غير المالك مختلطا به ، فإن تكلّم المالك في ذلك رموه بالارتداد و قتلوه .

ففي ( كامل الجزري ) : كان زياد بن لبيد قد ولّى من قبل أبي بكر صدقات بني عمرو بن معاوية ، فقدم عليهم فكان أوّل من انتهى إليه منهم شيطان بن حجر ، فأخذ منهم بكرة و وسمها ، فإذا الناقة للعداء بن حجر أخيه و كان أخوه قد أوهم حين أخرجها و كان اسمها شذرة و ظنّها غيره ، فقال العداء : هذه ناقتي ، فقال أخوه : صدق فأطلقها و خذ غيرها ، فاتّهمه زياد بالكفر و مباعدة الاسلام ، فمنعهما عنها و قال : صارت في حقّ اللّه ، فلجأ في أخذها فقال لهما زياد : لا تكوننّ « شذرة » عليكم كالبسوس . فنادى العداء : يا آل عمرو أ أضام و اضهد ، إنّ الذليل من أكل في داره . و نادى حارثة بن سراقة بن معد يكرب ،

فأقبل حارثة إلى زياد و هو واقف فقال له : أطلق بكرة الرجل و خذ غيرها . فقال زياد : ما إلى ذلك سبيل ، فقال حارثة : ذاك إذا كنت يهوديا و أطلق عقالها و بعثها و قام دونها فأمر زياد شبابا من حضرموت و السكون فمنعوه و كتفوه و كتفوا أصحابه و أخذوا البكرة ، و تصايحت كندة و غضبت بنو معاوية لحارثة و أظهروا أمرهم ، و غضبت حضرموت و السكون لزياد

٥٥٠

و توافي عسكران عظيمان إلى أن قال و نهد زياد إليهم ليلا فقتل منهم و تفرّقوا ١ .

« و لا تأخذنّ عودا » بالفتح أي : مسنّة . قال الجزري : في حديث حسان « قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود ، هو الجمل كبير مسنّ مدرّب فشبّه نفسه به ،

و في حديث جابر « فعمدت إلى عنز لأذبحها فثغت فقال عليه السلام لا تقطع درّا و لا نسلا فقلت : إنّما هي عودة علفناها البلح و الرطب فسمنت » عود البعير و الشاة إذا أسنّا ٢ .

« و لا هرمة » قال ابن دريد : الهرم : بلوغ الغاية في السنّ ٣ .

و في ( القاموس ) : ابن هرمة آخر ولد الشيخ و الشيخة و شاعر ٤ .

هذا ، و ليست جملة « و لا تأخذن عودا و لا هرمة » في رواية الكليني و الشيخين .

« و لا مكسورة » لكونها ناقصة و يجب أداء سالمة « و لا مهلوسة » قال الجوهري : الهلاس ، السّل ، يقال هلسه المرض ٥ .

« و لا ذات عوار » بالفتح أي : العيب . و يقال في الأمرين المكروهين « كسير و عوير و كل غير خير » ٦ .

« و لا تأمننّ عليها » في إرسالك لها إليّ « إلاّ من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتّى يوصله إلى وليّهم » غير معنّف و لا مجحف بتقديم الجيم . قال الجوهري :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل ابن الأثير ٢ : ٣٧٩ سنة ١١ .

( ٢ ) النهاية ٣ : ٣١٧ ، مادة ( عود ) .

( ٣ ) جمهرة اللغة ٢ : ٤١٨ .

( ٤ ) القاموس المحيط ٤ : ١٨٩ مادة ( هرم ) .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٨٨ مادة ( هلس ) .

( ٦ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ١٤٧ .

٥٥١

أجحف به أي : ذهب به ، و كان اسم جحفة ميقات الشام مهيعة ، فأجحف السيل بأهلها فسمّيت جحفة ١ ٢ .

« و لا ملغب » قال الجوهري : ألغبته أي : انصبته ٣ .

« و لا متعب ثمّ احدر الينا » و الأصل في الحدر ارسال السفينة إلى أسفل ،

و هنا كناية عن الإسراع ، فالإرسال إلى أسفل يحصل سريعا .

« ما اجتمع عندك نصيّره حيث أمر اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« أمر اللّه به » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٤ و ( الخطية ) ، أي : من موارد الصدقات .

« فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه » قال الجوهري : أو عزت إليه في كذا و كذا أي :

تقدمت ، و كذلك » وعّزت إليه توعيزا ، و قد يخفف فيقال و عزت إليه و عزا ٥ .

« ألا يحول بين ناقة و بين فصيلها » الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه .

« و لا يمصّر لبنها » قال ابن السكيت : المصر : حلب كلّ ما في الضرع ٦ « فيضر ذلك بولدها » فيضعف فيموت .

في ( أدب كاتب الصولي ) : قال الحجاج يوما للدهاقين و قد اجتمعوا عنده كم كان عمر يجبي السواد ؟ قالوا مائة ألف ألف درهم . قال : فكم جباه زياد ؟ قالوا مائة ألف ألف . قال : فكم نجبيه نحن اليوم ؟ قال : ثمانين ألف ألف .

فقال : لم ذلك ؟ فقال له دهقان الفلوجيين : هذا كلّه لبيتين قاله شاعركم ابن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٤ : ١٣٣٥ ، مادة ( جحف ) .

( ٢ ) اسقط الشارح هنا : « و يقسمه بينهم » و لا توكل بها إلا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٢٢٠ مادة ( لغب ) .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٢ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ نحو المصرية .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٩٨ مادة ( و عز ) .

( ٦ ) نقله عنه لسان العرب ٥ : ١٧٥ مادة مصر .

٥٥٢

حلزة . قال : و ما هما ؟ قال : قوله :

لا تكسع الشول بأغبارها

إنّك لا تدري من الناتج

و أصبب لأضيافك ألبانها

فانّ شرّ اللبن الوالج

فاستعمل عمّالكم هذا فخربت الدنيا .

و معنى البيتين أنّ العرب كانت إذا أخصبت عاما لم تستقص الحلب و تركت في الضروع بقية و كسعت الضروع بالماء البارد ليترادّ اللبن فيكون أقوى لظهورها ، فان كان في العام المقبل جدب كان فيها فضل و قوّة حتى لا ينقطع اللبن ، فقال هذا الشاعر « لا تكسع الشول » و هي النوق « بأغبارها » و هي بقايا ألبانها « إنّك لا تدري من الناتج » أي : لعلّه أن يغار عليك فتؤخذ أو تموت فيأخذها الوارث ، أي : يعمل العمّال هذا و أخذوا العاجل و لم يعمروا للطعام المقبل فنقص الخراج لذلك ١ .

« و لا يجهدنّها ركوبا و ليعدل بين صواحباتها في ذلك و بينها » و قد عرفت أن رواية ( الكافي ) « و لا يجهد بها ركوبا و ليعدل بينهنّ في ذلك » ٢ .

« و ليرفه » أي : يجعل الرفاهية « على اللاغب » الذي حصل له التعب و الإعياء « و ليستأنّ » أي : ينتظر « بالنقب » أي : بعير رقّت أخفافه « و الظالع » أي : بعير غمز في مشيه .

« و ليوردها » الماء « ما تمرّ به من الغدر » جمع الغدير ، قدر من الماء يغادره السيل . و في ( الصحاح ) : و يقال الغدير فعيل بمعنى فاعل لأنّه يغدر بأهله ، أي :

ينقطع عند شدّة الحاجة إليه ، قال الكميت :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أدب الكتاب : ٢٢٠ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٥٣٧ .

٥٥٣

و من غدره نبزه الأولون

إذ لقبوه الغدير الغديرا ١

« و لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ » بتشديد الدال من الجدد جمع الجادّة الأرض الغليظة « الطرق و ليروّحها » أي : يجعل لها راحة أو يردّها إلى المراح « في الساعات » أي : ساعات الترويح . و في رواية ( الكافي ) « في الساعة التي فيها تريح و تغبق » ٢ .

ثم إنّ ابن إدريس جعل « تعنق » في ( الكافي ) بالعين و النون ، من العنق أي : السير الشديد للابل ، فقال : معناه لا يعدل بهن عن نبت الأرض الى جوادّ الطرق في الساعات التي لها فيها راحة و لا في الساعات التي عليها فيها مشقة ، و بعضهم صحّفه فقرأه « تغبق » بالغين المعجمة و الباء من الغبوق ، و هو الشرب بالعشي ٣ .

قلت : لا معنى لما قال ، فإذا كان لا يعدل بها عن النبت في ساعة الراحة و في ساعة الشدّة فأيّ ساعة تسير ، و أيضا الأعناق لا يحصل في النبت بل في الجادة .

« و ليمهلها عند النطاف » جمع النطفة الماء الصافي قلّ أو كثر « و الأعشاب » جمع العشب : الكلاء الرطب « حتى تأتينا » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) « حتى يأتينا بها » ٤ « باذن اللّه » أي : بتقديره « بدنا » بضم الدال و سكونه ، أي : سمان « منقيات » ذات نقى أي : مخّ « غير متعبات و لا مجهودات » جهد دابته إذا حمل عليها فوق طاقتها « لنقسّمها على كتاب اللّه و سنّة نبيه » على الأصناف المستحقين .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٧٦٧ ، مادة ( غدر ) .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٥٣٧ .

( ٣ ) السرائر لابن إدريس : ١٠٨ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ نحو المصرية .

٥٥٤

« فإنّ ذلك » أي : رعيك ما ذكرت لك « أعظم لأجرك و أقرب لرشدك إن شاء اللّه » ليست كلمة « إن شاء اللّه في نسخة ( ابن ميثم ) ١ .

٢

الكتاب ( ٦٠ ) و من كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم :

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ اَلْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ اَلْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ اَلْبِلاَدِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ اَلْأَذَى وَ صَرْفِ اَلشَّذَا وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ اَلْجَيْشِ إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ اَلْمُضْطَرِّ لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَ كُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَادَّتِهِمْ وَ اَلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اِسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ اَلْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَا لاَ تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ بِي فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اَللَّهِ إِنْ شَاءَ أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) هكذا : فقال و في حديث عمر أيضا باسناده ان عليّا عليه السلام كتب إلى امراء الأجناد بعد البسملة : أما بعد ، فإنّي أبرأ إليكم و إلى أهل الذّمّة من معرّة الجيش إلاّ من جوعة إلى شبعة ، و من فقر إلى غنى ، أو عمى إلى هدى ، فإنّ ذلك عليهم ، فاعزلوا الناس عن الظلم و العدوان ،

و خذوا على أيدي سفهائكم ، و احترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى اللّه بها عنّا فيردّ علينا و عليكم دعانا ، فإن اللّه تعالى يقول : قل ما يعبؤ بكم ربّي لو لا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما ٢ ، فانّ اللّه إذا مقت قوما من السماء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) توجد الكلمة في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ .

( ٢ ) الفرقان : ٧٧ .

٥٥٥

هلكوا في الأرض ، فلا تألوا أنفسكم خيرا ، و لا الجند حسن السيرة ، و لا الرعية معونة ، و لا دين اللّه قوة ، و أبلوه في سبيله ما استوجب عليكم ، فإنّ اللّه قد اصطنع عندنا و عندكم ما نشكره بجهدنا و أن ننصره ما بلغت قوّتنا ، و لا قوّة إلاّ باللّه .

و في كتابه أيضا : و كتب عليه السلام إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم و الذي عليهم : من عبد اللّه علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإنّ اللّه جعلكم في الحقّ جميعا سواء أسودكم و أحمركم ، و جعلكم من الوالي و جعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد و بمنزلة الولد من الوالد ، الذي لا يكفيهم منعه إيّاهم طلب عدوّه و التهمة به ما سمعتم و أطعتم و قضيتم الذي عليكم ، و إنّ حقّكم عليه إنصافكم و التعديل بينكم و الكفّ عن فيئكم ، فإذا فعل ذلك معكم ، وجبت عليكم طاعته بما وافق الحقّ و نصرته على سيرته و الدفع عن سلطان اللّه ، فانّكم وزعة اللّه في الأرض تكونوا له أعوانا و لدينه أنصارا ، و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن اللّه لا يحبّ المفسدين ١ .

قول المصنف : « يطأ الجيش عملهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« يطأ عملهم الجيش » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ، و في نسخة الأول « الجيوش » ٢ .

قوله عليه السلام « من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى من مرّ به الجيش من جباة الخراج » الجباة : جمع الجابي ، و الأصل في معناه الجمع ، قال تعالى : تُجْبَى إليه ثمرات كلّ شي‏ء ٣ ، و الخراج كالخرج : الأتاوة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٢٥ ١٢٦ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ نحو المصرية .

( ٣ ) القصص : ٥٧ .

٥٥٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و عمّال البلاد » أي : حكّامها .

« أما بعد فإنّي قد سيّرت جنودا » إلى العدو « هي مارة بكم إن شاء اللّه » لكونكم في طريقهم « و قد أوصيتهم بما يجب للّه عليهم ، من كفّ الأذى و صرف الشذى » أي :

الشر ، يقال آذيت و أشذيت .

في ( العقد ) : حبس مروان و كان والي المدينة من قبل معاوية غلاما من بني ليث في جناية جناها ، فأتته جدّة الغلام ام سنان المذحجية فكلّمته في الغلام ، فأغلظ لها ، فخرجت إلى معاوية ، فقال لها : ما أقدمك أرضنا و قد عهدتك تشتميننا و تحضّين علينا عدوّنا ، قالت : ان لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة ، و ان أولى الناس باتباع ما سنّ آباؤه لأنت .

قال : نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي لا ترقد

و الليل يصدر بالهموم و يورد

يا آل مذحج لا مقام فشمّروا

إن العدو لآل أحمد يقصد

هذا علي كالهلال تحفّه

وسط السماء من الكواكب أسعد

خير الخلائق و ابن عمّ محمّد

إن يهدكم بالنور منه تهتدوا

ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا

و النصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان ذلك ، و أرجوا أن تكون لنا خلفا . فقال رجل من جلسائه : كيف و هي القائلة :

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحقّ تعرف هاديا مهديّا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريّا

قد كنت بعد محمّد خلفا كما

أوصى إليك بنا فكنت وفيّا

فقالت : لسان صدق و قول نطق ، و لئن تحقّق ما ظنّنا فحظّك الأوفر ، و اللّه ما ورّثك الشنآن في قلوب المسلمين إلاّ هؤلاء ، فأدحض مقالتهم و أبعد منزلتهم إلى أن قالت إنّ مروان تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد البراح منها ،

٥٥٧

لا يحكم بعدل و لا يقضي بسنّة ، يتتبع عثرات المسلمين و يكشف عورات المؤمنين ١ .

« و أنا ابرأ إليكم و الى ذمّتكم من معرّة الجيش » أي : إثمهم و شرّهم .

برئ عليه السلام من معرّتهم كما برئ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من معرّة عمل خالد بن الوليد ببني جذيمة ، حيث غدر بهم فآمنهم فوضعوا السلاح فأمر بهم فكتّفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم ، فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يديه إلى السماء و قال كما في تاريخ الطبري اللّهم إنّي ابرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . ثم دعا عليّا عليه السلام و قال له : أخرج إلى هؤلاء ، و بعث معه مالا فودي لهم الدماء ، و ما أصيب من الأموال ، حتّى أنّه ليدي ميلغة الكلب ، فلما فرغ قال لهم : هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم ؟ قالوا : لا . قال : فإنّي أعطيكم هذه البقية و قد كان بقي من مال معه بقية احتياطا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مما لا أعلم و لا تعلمون ، فأعطاهم ، ثم رجع إلى النبي فأخبره بما فعل ، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له : أصبت و أحسنت . ثم قال النّبيّ فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنّه ليرى بياض ما تحت منكبيه و هو يقول « اللّهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات » ٢ .

« إلاّ من جوعة المضطر لا يجد عنها » أي : عن جوعته « مذهبا » أي : مسلكا و حيلة « إلى شبعه » قال تعالى بعد ذكر حرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ لغير اللّه به و المنخنقة و الموقوذة و المتردّية و النّطيحة و مأكول السبع و المذبوح على النصب و مستقسم الأزلام فمن اضطرّ في مخمصة غير متجانف لإثم فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ١ : ٢٩٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٤١ ، سنة ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) المائدة : ٣ .

٥٥٨

« فنكلوا » أي : دافعوا « من تناول » أي : أخذ « منهم شيئا » هكذا في ( المصرية ) و ليس « شيئا » في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية ) ١ ، فالكلمة زائدة « ظلما » مفعول مطلق لقوله « تناول » « عن ظلمهم » متعلق بقوله « فنكلوا » .

هذا ، و في ( تاريخ الطبري ) : كان هرمز بن انوشروان ذانيّة في الإحسان إلى الضعفاء و المساكين و الحمل على الأشراف ، فأبغضوه و بلغ من عدله أنّه كان يسير إلى مياه ليصيف ، فأمر فنودي في مسيره ذلك في جنده ، و سائر من كان في عسكره أن يتحاموا مواضع الحروث و لا يضرّوا بأحد من الدهاقين فيها و يضبطوا دوابّهم عن الفساد فيها ، و وكل بتعاهد ما يكون في عسكره من ذلك و معاقبة من تعدّى أمره ، و كان ابنه كسرى ابرويز ، فعار مركب من مراكبه و وقع في محرثة كانت في طريقه ، فرتع فيها و أفسد منها ، فأخذ ذلك المركب و دفع إلى من وكله هرمز بمعاقبة من أفسد دابّته شيئا من المحارث و تغريمه ، فلم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى و لا في أحد ممن كان معه في حشمه ، فرفع ما رئى من إفساد ذلك المركب إلى هرمز ، فأمر أن يجدع اذنيه و يبتر ذنبه و يغرم كسرى ، فخرج الرجل لينفذ أمره في كسرى و مركبه ، فدس له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب في أمره فلم يجب إليه ، فسألوه أن يؤخّر أمره في المركب حتى يكلّموا هرمز ، فقبل ، فلقوه و أعلموه أنّ بالمركب الذي أفسد ما أفسد زعارة و أنّه عار ، فوقع في محرثة فأخذ من فوره و ان في تبتيره سوء الطيرة على كسرى ، فلم يجبهم إلى ما سألوه من ذلك ، و أمر بالمركب فجدع أذناه و بتر ذنبه و غرّم كسرى مثل ما كان يغرّم غيره في هذا الحدّ ، ثم ارتحل من معسكره .

و فيه أيضا : كان هرمز ركب ذات يوم في أوان ايناع الكرم إلى ساباط

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ نحو المصرية .

٥٥٩

المدائن ، و كان ممره على بساتين و كروم ، و إنّ رجلا ممّن ركب معه من أساورته اطّلع في كرم فرأى فيه حصرما فأصاب منه عناقيد و دفعها إلى غلام كان معه و قال له : إذهب بها إلى المنزل ، و اطبخها بلحم و اتخذ منها مرقة ، فانها نافعة في هذا الوقت ، فأتاه حافظ ذاك الكرم فلزمه و صرخ ، فبلغ إشفاق الرجل من عقوبة هرمز أن دفع إلى الحافظ منطقة محلاّة بذهب كانت عليه عوضا له من الحصرم الذي رزأ من كرمه ، و رأى ان قبول الحافظ للمنطقة بدون رفع أمره إلى هرمز من منّه عليه .

و فيه : رفع الهرابذة إلى هرمز قصّة يبغون فيها على النصارى ، فوقّع فيها كما أنّه لا قوام لسرير ملكنا بقائمتيه المقدمتين دون قائمتيه المؤخرتين فكذلك لا قوام لملكنا و لا ثبات له مع استفسادنا من في بلادنا من النصارى ،

و أهل سائر المخالفة لنا ، فاقصروا عن البغي عنهم و واظبوا على البر بهم ،

ليرى ذلك النّصارى و غيرهم من أهل الملل فيحمدوكم عليه و تتوق أنفسهم الى ملّتكم ١ .

« و كفّوا أيدي سفهائكم عن مضادتهم و التعرض لهم فيما استثنيناه منهم » من جوعة المضطر « و أنا بين أظهر الجيش » و قوتهم مني « فارفعوا إليّ مظالمكم » من الجيش « و ما عراكم » أي : غشيكم « مما يغلبكم من أمرهم » « و ما لا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و لا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « تطيقون دفعه إلاّ باللّه و بي » .

في ( العقد ) في قصة في وفود سودة الهمدانية على معاوية قالت له : لا يزال يقدم علينا من عندك من يحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دياس البقر ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٥٨٤ و ٥٨٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ .

٥٦٠