بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116177
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116177 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ ، و للغويته .

« باك يبكي لدينه » في ( تاريخ الطبري ) : ذكر ضمرة بن ربيعة عن أبي شوذب أنّ عمّال الحجّاج كتبوا إليه أنّ الخراج قد انكسر ، و أنّ أهل الذمة قد أسلموا و لحقوا بالأمصار . فكتب إلى البصرة و غيرها ، أنّ من كان له أصل في قرية فليخرج إليها فخرج الناس فعسكروا . فجعلوا يبكون و ينادون يا محمّداه يا محمّداه ، و جعلوا لا يدرون أين يذهبون . فجعل قرّاء أهل البصرة يخرجون إليهم متقنّعين فيبكون لما يسمعون منهم و يرون ٢ .

« و باك يبكي لدنياه » في ( تاريخ الطبري ) في هزيمة ابن الأشعث بمسكن و جعل الحجّاج يقتل من وجد منهم حتّى قتل أربعة آلاف ، فيقال : إنّ في من قتل عبد اللّه بن شداد بن الهاد ، و بسطام بن مصقلة بن هبيرة ، و عمرو بن ضبيعة الرقاشي ، و بشر بن المنذر بن الجارود العبدي ، و الحكم بن مخرمة العبدي و بكير بن ربيعة الضبي . فاتي الحجّاج برؤوسهم على ترس إلى أن قال .

قال الحجّاج : يا غلام ضع هذا الترس بين يدي مسمع بن مالك . فوضع بين يديه . فبكى . فقال له الحجّاج : ما أبكاك ؟ أحزنا عليهم ؟ قال : بل جزعا عليهم من النار ٣ .

و في ( خلفاء القتيبي ) : مكث النوح على أهل الحرّة سنة لا يهدؤون و أمسكوا عن لبس المصوغ ٤ ، و في ديوان الفرزدق مخاطبا للوليد :

فلو سمع الخليفة صوت داع

ينادي اللّه هل لي من مجير

ــــــــــــــــــ

( ١ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٩ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٨٢ ، سنة ٨٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٨٤ ، سنة ٨٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) الامامة و السياسة ١ : ٢٢٠ .

٦١

و أصوات النساء مقرنات

و صبيان لهن على الحجور ١

« و حتّى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيّده إذا شهد أطاعه ،

و إذا غاب اغتابه » في ( العقد ) : أراد الحجّاج الحجّ . فقال : يا أهل العراق استعملت عليكم ابني ، و قد أوصيته خلاف وصية النبيّ بالأنصار ألاّ يقبل من محسنكم ،

و لا يتجاوز عن مسيئكم ، و قد علمت أنّي إذا ولّيت عنكم تقولون : لا أحسن اللّه له الصحابة ، و أنا أعجّل لكم الجواب لا أحسن اللّه عليكم الخلافة ٢ .

و في ( تاريخ الطبري ) : اتي مسلم بن عقبة بيزيد بن وهب بن زمعة . فقال :

بايع قال : على سنّة عمر . قال : اقتلوه . قال : أنا ابايع . قال : لا و اللّه لا اقيلك عثرتك :

فكلّمه مروان لصهر كان بينهما . فأمر بمروان فوجئت عنقه ثمّ قال : بايعوا على أنّكم خول ليزيد ثم أمر به فقتل ٣ .

« و حتى يكون أعظمكم فيها عناء » أي : تعبا .

« أحسنكم باللّه ظنّا » الظاهر أنّ المراد بهم شيعته عليه السلام ، و روى المدائني :

أنّ معاوية كتب نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب و أهل بيته ٤ .

« فإن أتاكم اللّه بعافية فاقبلوه » في ( تاريخ الطبري ) : أنّ أهل العراق لمّا بايعوا ابن الأشعث ، و خلعوا عبد الملك لاستعمال الحجّاج عليهم بعث إليهم عبد الملك أن ينزع عليهم الحجّاج ، و أن يجري عليهم اعطياتهم كأهل الشام ،

فاجتمع الرؤساء عند ابن الأشعث فقال لهم : اعطيتم اليوم أمرا انتهازكم له فرصة ، و لا آمن أن يكون غدا عليكم حسرة ، إنّكم اليوم على النصف . فإن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ديوان الفرزدق ١ : ٢٨٥ .

( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ٢٨٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٧٨ ، سنة ٦٣ .

( ٤ ) رواه عن احداث المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٥ ، شرح الخطبة ٢٠٨ .

٦٢

كانوا اعتدّوا بيوم الزاوية فأنتم تعتدّون عليهم بيوم تستر ، فاقبلوا ما عرضوا عليكم و أنتم أعزّاء أقوياء ، و القوم لكم هائبون و أنتم لهم منتقصون . فلا و اللّه لا زلتم عليهم جرّاء ، و لا زلتم عندهم أعزاء ما بقيتم إن كنتم قبلتم ما عرضوا عليكم . فوثبوا من كلّ جانب ، و قالوا : لا و اللّه لا نقبل ، و أعادوا خلعه ثانية ١ .

« و إن ابتليتم فاصبروا . فإنّ العاقبة للمتقين » قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين ٢ فاصبر فإنّ العاقبة للمتقين ٣ تلك الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ٤ .

٢٢

من الخطبة ( ١٢١ ) منه :

وَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ اَلضِّبَابِ لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً وَ لاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَ اَلطَّرِيقَ فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ وَ اَلْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ أقول : رواه المفيد في ( إرشاده ) و ابن قتيبة في ( خلفائه ) جزء خطبة طويلة ففي الأوّل من كلامه عليه السلام في استبطاء من قعد عن نصرته : « ما اظن هؤلاء القوم يعني أهل الشام إلاّ ظاهرين عليكم » . فقالوا له عليه السلام : بماذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال « أرى امورهم قد علت ، و نيرانكم قد خبت ، و أراهم جادّين ،

و أراكم وانين ، و أراهم مجتمعين ، و أراكم متفرّقين ، و أراهم لصاحبهم مطيعين ، و أراكم لي عاصين .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٥٧ ، سنة ٨٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الاعراف : ١٢٨ .

( ٣ ) هود : ٤٩ .

( ٤ ) القصص : ٨٣ .

٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أم و اللّه لئن ظهروا عليكم لتجدنّهم أرباب سوء من بعدي لكم . كأنّي أنظر إليهم ، و قد شاركوكم في بلادكم ، و حملوا إلى بلادهم فيأكم ، و كأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضباب ، لا تأخذون حقّا و لا تمنعون للّه حرمة ، و كأنّي أنظر إليهم يقتلون صالحيكم ، و يخيفون قرّاءكم ، و يحرمونكم و يحجبونكم ،

و يدنون الناس دونكم فلو قد رأيتم الحرمان و الأثرة ، و وقع السيوف و نزول الخوف لقد ندمتم و حسرتم على تفريطكم في جهادكم ، و تذاكرتم ما أنتم فيه اليوم من الخفض و العافية حين لا ينفعكم التذكار » .

و مثله في الثاني و زاد فقال الناس : قد علمنا يا أمير المؤمنين إنّ قولك كلّه و جميع لفظك يكون حقّا أترى معاوية يكون علينا أميرا ؟ فقال : « لا تكرهوا إمرة معاوية فإنّ إمرته سلم و عافيه . فلو مات رأيتم الرؤوس تندر عن كهولها كأنّها الحنظل و عدا كان مفعولا » ١ .

قول المصنّف : « منها » هكذا في ( المصرية ) بمعنى أنّه جزء عنوان قبله « و من كلام له عليه السلام قاله لأصحابه في ساعة الحرب » و هو غلط ، فقد عرفت أنّ هذا جزء خطبة خطبهم عليه السلام في تقريعهم من وهيهم في امورهم مع أنّه لو كان أراد جعله جزء قبله لقال « منه » لأنه قال قبله « و من كلام » لا « و من خطبة » و الصواب : كونه عنوانا مستقلا ، و أنّ الأصل « و من كلام له عليه السلام » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ .

قوله عليه السلام : « و كأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضباب » في ( النهاية ) : كشيش الأفعى : صوت جلدها إذا تحركت ، و ليس صوت فمها فإنّ ذلك فحيحها ، و منه حديث عليّ عليه السلام « كأنّي أنظر إليكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد : ١٤٦ ، و الامامة و السياسة ١ : ١٥٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٥ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٢١ .

٦٤

تكشّون كشيش الضباب » ١ .

و في ( الجمهرة ) : كشّ البكر يكشّ كشّا و كشيشا و هو دون الهدر ،

و الكشّ لاقبال الإبل . قال الراجز رؤبة « هدرت هدرا ليس بالكشيش » ، و كشّت الأفعى كشّا و كشيشا إذا حكّت بعض جلدها ببعض قال الراجز :

كأنّ بين خلفها و الخلف

كشّة أفعى في يبيس قفّ

أي : يابس ، و من زعم أنّ الكشيش صوتها من فيها . فهو خطأ : فإنّ ذلك الفحيح من كلّ حيّة ، و الكشيش للأفعى خاصة الخ ٢ و قوله « و الكشيش للأفعى خاصة » أي : ليس لكلّ حيّة ، لا أنّه ليس لغير الأفعى كشيش مع أنّ الضباب شبيهة به .

و الضباب : جمع الضب ، و هو معروف ، و عن بعضهم الضب على حدّ فرخ التمساح الصغير ، و ذنبه كذنبه ، و هو يتلوّن ألوانا بحرّ الشمس كالحرباء .

قيل لذكر الضب ذكران ، و لانثاه فرجان ، و إنّه لا يخرج من جحره في الشتاء .

قال اميّة بن أبي الصلت « إذا ما الضب أجحره الشتاء » و يوصف بالعقوق قال الشاعر :

أكلت بنيك أكل الضب حتّى

تركت بنيك ليس لهم عديد

و أنّه يرجع في قيئه كالكلب ، و يأكل رجيعه ، و هو طويل الدم بعد الذبح و يقال : إنّه يمكث بعد الذبح ليلة ، و يلقى في النار ، فيتحرك و يخرج من جحره كليل البصر . فيجلو بالتحدق للشمس ، و يغتذي بالنسيم ، و برد الهواء عند الهرم و يؤوي العقرب في جحره لتلسع المتحرش به إذا أدخل يده لأخذه قال :

و أخدع من ضبّ إذا جاء حارش

أعدّ له عند الذبابة عقربا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية ٤ : ١٧٦ ، مادة ( كشش ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة ١ : ٩٨ .

٦٥

و عن ( كتاب ليس ) لابن خالويه : الضب لا يشرب الماء و يعيش سبعمئة سنة فصاعدا و يقال إنّه يبول في كلّ أربعين يوما قطرة ، و لا تسقط له سنّ ،

و يقال إنّ أسنانه قطعة واحدة و لا يتخذ جحره إلاّ في كدية حجر ، و لذا تكون براثنه كليلة من حفره في الصلبة ١ . و في الحديث أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لامّته :

و الّذي نفسي بيده لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتّى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ٢ .

و المراد من قوله عليه السلام : « تكشّون كشيش الضباب » أنّكم لا تقدرون على التكلّم بما يفهم في قبال بني اميّة بل يكون تكلّمكم في شفاهكم بما لا يفهم ككشيش الضباب . و لمّا خطب زياد بالبصرة خطبته البتراء ، و قال فيها : « و إنّي اقسم باللّه لآخذن الولي بالولي ، و المقيم بالظاعن ، و المقبل بالمدبر ، و الصحيح منكم بالسقيم حتّى يلقى الرجل منكم الرجل فيقول : انج سعد فقد هلك سعيد » قام أبو بلال يهمس و هو يقول : أنبأ اللّه بغير ما قلت قال تعالى : و إبراهيم الّذي و فّي . ألا تزر وازرة وزر اخرى . و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى ٣ فأوعدنا اللّه يا زياد خيرا ممّا أو عدت .

« لا تأخذون حقّا ، و لا تمنعون ضيما » أي : ذلّة ، و لقد خرجوا مع ابن الاشعث على الحجّاج لأخذ حقّهم و المنع عن ظلمه . فعجزوا ، و لمّا ادخل الشعبي عليه و كان في من خرج و أسر قال للحجّاج : إنّ الناس قد أمروني أن اعتذر إليك بغير ما يعلم اللّه أنّه الحقّ ، و أيم اللّه لا أقول في هذا المقام إلاّ حقّا . قد و اللّه جهدنا عليك كلّ الجهد . فما ألونا فما كنّا بالأقوياء الفجرة ، و لا الأتقياء البررة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا سياق الدميري في حياة الحيوان ٢ : ٧٧ و ٧٨ ، و صدر هذا الكلام فقط رواه عن كتاب ليس لابن خالويه .

( ٢ ) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ : ٤٥٥ ، و غيره و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) النجم : ٣٧ ٣٩ .

٦٦

« قد خلّيتم و الطريق » الأصل فيه قوله تعالى : إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا و إمّا كفورا ١ .

« فالنجاة للمقتحم » يقال : « اقحم أهل البادية » إذا أجدبوا . فدخلوا بلاد الريف .

« و الهلكة للمتلوّم » قال الجوهري : « التلوّم الانتظار و التمكّث » ٢ قال تعالى : و انّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ٣ . قوله عليه السلام في رواية ( الإرشاد ) و ( الخلفاء ) : « كأنّي أنظر اليهم و قد شاركوكم في بلادكم و حملوا إلى بلادهم فيأكم » .

في ( تاريخ الطبري ) : لمّا همّ أهل العراق بالغدر بمصعب قال لهم قيس ابن الهيثم : و يحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم ، فو اللّه لئن تطعموا بعيشكم ليصفين عليكم منازلكم . و اللّه لقد رأيت سيّد أهل الشام على باب الخليفة يفرح ان أرسله في حاجة ، و لقد رأيتنا في الصوائف واحدنا على ألف بعير ، و أنّ الرجل من وجوههم ليغزو على فرسه و زاده خلفه ٤ .

و في ( الكامل ) : أنزل الحجّاج بعد هزيمة أهل العراق بدير الجماجم أهل الشام بيوت أهل الكوفة مع أهلها ، و هو أوّل من أنزل الجند في بيوت غيرهم ٥ .

قوله عليه السلام أيضا : « و كأنّي أنظر إليهم يقتلون صالحيكم » فقتل معاوية من صالحيهم حجر بن عدي ، و قتل الحجّاج منهم سعيد بن جبير .

ففي ( تاريخ الطبري ) : قالت عائشة لمعاوية : أما خشيت اللّه في قتل حجر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانسان : ٣ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٣٤ ، مادة ( لوم ) .

( ٣ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧ ، سنة ٧١ .

( ٥ ) الكامل ٤ : ٤٨٢ ، سنة ٨٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٦٧

و أصحابه ؟ قال : لست أنا قتلتهم . إنّما قتلهم من شهد عليهم . قالت عائشة : أما و اللّه أن كان ما علمت مسلما حجاجا معتمرا .

و فيه : لمّا كتب زياد شهادة شريح بن هاني بإباحة دم حجر كتب شريح إلى معاوية أنّ زيادا كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي ، و أنّ شهادتي على حجر أنه ممّن يقيم الصلاة ، و يؤتي الزكاة ، و يديم الحج و العمرة ، و يأمر بالمعروف ، و ينهى عن المنكر ، حرام الدم و المال . فإن شئت فاقتله ، و إن شئت فدعه .

و فيه : قال الحسن البصري : أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة و عدّ منها قتله حجرا و قال : ويلا له من حجر و أصحاب حجر مرّتين .

و فيه : قال حجر لمن حضره من أهله لمّا قتله معاوية بمرج عذراء : لا تطلقوا عنّي حديدا و لا تغسلوا عنّي دما فإنّي الاقي معاوية غدا على الجادة ،

و كان ابن سيرين إذا سئل عن الشهيد يغسّل ؟ حدّثهم حديث حجر ، و يقول بلغنا أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يغرغر بالصوت و يقول : يومي منك يا حجر طويل ١ .

و فيه : لمّا اتي الحجّاج بسعيد بن جبير و هو يريد الركوب ، و قد وضع إحدى رجليه في الغرز أو الركاب . فقال : و اللّه لا أركب حتّى تبوّأ مقعدك من النار اضربوا عنقه . فالتبس الحجّاج عقله مكانه فجعل يقول « قيودنا قيودنا » فظنوا أنّه قال القيود الّتي على سعيد بن جبير . فقطعوا رجليه من انصاف ساقيه ، و أخذوا القيود ، و قالوا لم يلبث الحجّاج بعد سعيد إلاّ نحوا من أربعين .

فكان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه . فيقول يا عدوّ اللّه فيم قتلتني ؟

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٩٠ و ٢٠٣ و ٢٠٨ ، سنة ٥١ .

٦٨

فيقول الحجّاج : « ما لي و لسعيد » ، و قالوا : لمّا قتل سعيدا فندر رأسه هلّل ثلاثا ١ .

قوله عليه السلام أيضا « و يخيفون قرّاءكم » لمّا قتل جبلة بن زجر من رؤساء القرّاء في جيش ابن الأشعث نادى أهل الشام : يا أعداء اللّه قد هلكتم و قتل طاغوتكم و لمّا جي‏ء برأسه إلى الحجّاج حمله على رمحين ، و قال : يا أهل الشام أبشروا فهذا أوّل الفتح .

و فيه : عن كثير بن عبد اللّه الشعبي قال : لمّا زحفنا قبل الحسين عليه السلام خرج الينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح . فقال : يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار ، انّ حقّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، و نحن حتّى الآن إخوة و على دين واحد ،

و ملّة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف ، و أنتم للنصيحة منّا أهل .

فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، و كنّا امّة و أنتم امّة . إنّ اللّه قد ابتلانا و إيّاكم بذريّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لينظر ما نحن و أنتم عاملون .

إنّا ندعوكم إلى نصرهم ، و خذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد . فإنكم لا تدركون منهما عمر سلطانهما إلاّ سوء ، ليسملان أعينكم ،

و يقطعان أيديكم و أرجلكم ، و يمثّلان بكم ، و يرفعانكم على جذوع النخل ، و يقتلان أماثلكم ، و قرّاءكم أمثال حجر بن عدي و أصحابه ،

و هانئ بن عروة و أشباهه » قال : فسبوه ، و أثنوا على عبيد اللّه و دعوا له و قالوا : و اللّه لا نبرح حتّى نقتل صاحبك و من معه ، أو نبعث به و بأصحابه إلى عبيد اللّه سلما . . . ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٦٢ ، سنة ٩٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٣ ، سنة ٦١ .

٦٩

٢٣

من الخطبة ( ١٥٦ ) منها :

فَعِنْدَ ذَلِكَ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ وَ لاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَ أَدْخَلَهُ اَلظَّلَمَةُ تَرْحَةً وَ أَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَبْقَى لَكُمْ فِي اَلسَّمَاءِ عَاذِرٌ وَ لاَ فِي اَلْأَرْضِ نَاصِرٌ أَصْفَيْتُمْ بِالْأَمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ وَ سَيَنْتَقِمُ اَللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْكَلاً بِمَأْكَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ مِنْ مَطَاعِمِ اَلْعَلْقَمِ وَ مَشَارِبِ اَلصَّبِرِ وَ اَلْمَقِرِ وَ لِبَاسِ شِعَارِ اَلْخَوْفِ وَ دِثَارِ اَلسَّيْفِ وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَايَا اَلْخَطِيئَاتِ وَ زَوَامِلُ اَلْآثَامِ فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا ؟ أُمَيَّةُ ؟ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ اَلنُّخَامَةُ ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَ لاَ تَتَطَعَّمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ اَلْجَدِيدَانِ « فعند ذلك لا يبقى بيت مدر و لا وبر إلاّ و أدخله الظلمة ترحة » أي : حزنا .

« و أولجوا » أي : ادخلوا .

« فيه نقمة » أي : مكروها ، و الكلام نظير ما مر في العنوان ( ٢١ ) « و حتّى لا يبقى بيت مدر ، و لا وبر إلاّ دخله ظلمهم و نبا به سوء رعيهم » ١ و بيت مدر و وبر كناية عن الجميع لأنّ الناس رجلان ذو بيت مدر ، و ذو بيت وبر ، بل لم يبقوا بيتا شريفا ، و لا مكانا منيفا إلاّ و أدخلوا بسببه على الناس ترحة و نقمة .

فهدموا الكعبة مرّتين و استخفّوا بمسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجعلوه مربط خيولهم .

« فيومئذ لا يبقى لكم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( لهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ و لأنّ الخطاب للناس لا لبني اميّة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مرّ في العنوان ( ٢١ ) من هذا الفصل و الحديث في نهج البلاغة ١ : ١٩٠ ، الخطبة ٩٦ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٤٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٤ ، ايضا « لكم » .

٧٠

« في السماء عاذر » لتجاوزهم في العتوّ و الطغيان .

« و لا في الأرض ناصر » لوصول أذاهم إلى البرّ و الفاجر .

و ورد مثله في معاوية خاصة كما ورد في بني اميّة عامة . ففي ( مقاتل أبي الفرج ) بأسانيد عن سفيان بن أبي ليلى قلت للحسن عليه السلام : أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، و سلّمت الأمر إلى اللعين ابن اللعين ابن آكلة الاكباد و معك مئة ألف كلّهم يموت دونك ، و قد جمع اللّه لك أمر الناس . فقال : يا سفيان إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به ، و إنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول :

سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : لا تذهب الليالي و الأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الامّة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل و لا يشبع ، لا ينظر اللّه إليه ، و لا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر ، و لا في الأرض ناصر ، و انّه لمعاوية إلى أن قال .

قال عليه السلام : أبشر يا سفيان فإنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : يرد عليّ الحوض أهل بيتي ، و من أحبّهم من امّتي كهاتين يعني السبابتين أو كهاتين يعني السبابة و الوسطى احدهما تفضل على الاخرى ، أبشر يا سفيان فإنّ الدنيا تسع البر و الفاجر حتّى يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله ١ .

« أصفيتم بالأمر غير أهله ، و أوردتموه غير مورده » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( غير ورده ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ ،

و إصفاؤهم بالأمر غير أهله لأنّ أهل الأمر إنّما كانوا أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ، و إيرادهم الأمر غير ورده

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٤٤ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٤ ، مثل المصرية أيضا .

٧١

لكونه عليه السلام مع المعصومين من عترته أهل الذكر الّذين قال تعالى : فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ١ و اولى الأمر الّذين قال تعالى : و لو ردّوه إلى الرسول و إلى اولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ٢ و المراد أنّ اللّه تعالى سلّط عليهم بني اميّة بفعلهم يوم السقيفة حيث تركوه عليه السلام ،

و اعترف بذلك ابن عمر لمّا رأى مروان على منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع إنكاره على سلمان يوم السقيفة إنكاره عليهم ٣ .

و روى محمّد بن يعقوب في ( روضته ) : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب بالمدينة فقال : أيها الامّة الّتي خدعت فانخدعت ، و عرفت خديعة من خدعها .

فأصرّت على ما عرفت ، و اتّبعت أهواءها ، و ضربت في عشواء غوايتها ، و قد استبان لها الحق فصدّت عنه ، و الطريق الواضح فتنكّبته .

أما و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه ، و شربتم الماء بعذوبته ، و ادّخرتم الخير من موضعه ، و أخذتم الطريق من واضحه ،

و سلكتم من الحقّ نهجه . لتنهّجت بكم السبل ، و بدت لكم الأعلام ، و أضاء لكم الإسلام . فأكلتم رغدا ، و ما عال فيكم عائل ، و لا ظلم منكم مسلم و لا معاهد ،

و لكن سلكتم سبيل الظلام . فأظلمت عليكم دنياكم برحبها ، و سدّت عليكم أبواب العلم . فقلتم بأهوائكم و اختلفتم في دينكم . فأفتيتم في دين اللّه بغير علم ،

و اتبعتم الغواة فأغوتكم ، و تركتم الأئمة فتركوكم إلى أن قال .

رويدا . عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، و تجدون وخيم ما اجترمتم و ما اجتلبتم ، و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لقد علمتم أنّي صاحبكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانبياء : ٧ .

( ٢ ) النساء : ٨٣ .

( ٣ ) رواه الطوسي في تلخيص الشافي ٣ : ٩٣ .

٧٢

و الّذي به امرتم . و أنّي عالمكم و الّذي بعلمه نجاتكم ، و وصيّ نبيّكم ، و خيرة ربكم ، و لسان نوركم ، و العالم بما يصلحكم . فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم و ما نزل بالامم قبلكم . . . ١ .

« و سينتقم اللّه ممّن ظلم مأكلا بمأكل ، و مشربا بمشرب من مطاعم » متعلق بقوله « مأكلا » .

« العلقم » يقال للحنظل ، و كلّ شي‏ء مرّ علقم .

« و مشارب » متعلق بقوله « و مشربا » .

« الصبر » بالفتح فالكسر : دواء مرّ ، و لا يسكن إلاّ في ضرورة الشعر . قال الراجز : أمرّ من صبر و مقر و حضض ٢ .

« و المقر » هو أيضا بالفتح فالكسر و بمعناه . و قال المنصور لأبي مسلم لمّا قتله :

إشرب بكأس كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم

« و لباس » عطف على مأكلا .

« شعار الخوف » و الشعار ما ولى الجسد من اللباس .

« و دثار السيف » و الدثار كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار .

و في ( المروج ) : لمّا اتي السفاح برأس مروان بن محمّد آخر الاموية قال : الحمد للّه الّذي لم يبق ثاري قبلك و قبل رهطك . ثمّ قال : ما ابالي متى طرقني الموت . قد قتلت بالحسين عليه السلام و بني أبيه من بني اميّة مئتين ،

و أحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي ، و قتلت مروان بأخي ثم تمثل :

لو يشربون دمي لم يرو شاربهم

و لا دماؤهم للغيظ ترويني ٣

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكليني في الكافي ٨ : ٣٢ ، ضمن الخطبة الطالوتية .

( ٢ ) أورده لسان العرب ٤ : ٤٤٢ ، مادة ( صبر ) .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٢٥٧ .

٧٣

« و إنّما هم مطايا » جمع المطية ، و في ( الصحاح ) : قال الأصمعي : المطية :

الّتي تمطّ في سيرها و هو مأخوذ من المطو : أي : المدّ . . . ١ قلت : الصواب : أنّ المطية مأخوذ من المطا بمعنى الظهر ، أي : ماله ظهر يركب أو يحمل عليه . قال ابن دريد : « المطا الظهر و أصله الواو و يثنى مطوين ، و منه اشتقاق المطية » ٢ و المد معنى المطط لا المطا .

قال ابن دريد : « مطّ الشي‏ء يمطه مطّا إذا مدّه ، و منه قولهم مط الرجل حاجبيه ، و خده إذا تكبر . و كذلك مطّ أصابعه إذا مدّها ، و خاطب بها . و أحسب أنّ التمطي من هذا ، و كأنّ أصله التمطط . فقالوا : التمطي كما قالوا تقضي البازي و ما أشبهه . . . ٣ و بالجملة التمطي بمعنى المدّ كما في قوله تعالى : ثمّ ذهب إلى أهله يتمطّى ٤ و كما في قول الشاعر في وصف ليل استطالة :

كلّما قلت قد تقضّى تمطّى

حالك اللون دامسا يحموما ٥

لا المطية و التمطي قد عرفت كون الأصل فيه التمطط ظاهرا .

« الخطيئات » هكذا في النسخ ٦ ، و لعل الأصل فيه « الخطايا » فإنه الأنسب بالمطايا .

« و زوامل » جمع الزاملة : بعير يستظهر به الرجل يحمل متاعه ، و طعامه عليه تقول : ركب الراحلة و حمل على الزاملة .

« الآثام » بالمدّ جمع الإثم أي : الذنب ، و أمّا الاثام بدون المدّ فجزاء الاثم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٩٤ ، مادة ( مطا ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة ٣ : ١١٨ .

( ٣ ) جمهرة اللغة ١ : ١٠٩ .

( ٤ ) القيامة : ٣٣ .

( ٥ ) أورده أساس البلاغة : ٤٣٢ ، مادة ( مطى ) .

( ٦ ) كذا في نهج البلاغه ٢ : ٥٤ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٤ .

٧٤

و كون بني اميّة مطايا الخطايا ، و زوامل الآثام أمر معلوم .

و في ( المروج ) : بعث المنصور إلى عبد اللّه بن مروان بن محمّد و كان في من هرب إلى أرض النوبة فأخذ و حبس فأحضر من الحبس ، و قال له :

قصّ عليّ قصّتك و قصّة ملك النوبة . قال : قدمت إلى النوبة فأقمت بها ثلاثا .

فأتاني ملكها . فقعد على الارض و قد أعددت له فراشا فقلت له : ما منعك من القعود على فراشنا ؟ فقال : لأنّي ملك و حقّ لكلّ ملك أن يتواضع لعظمة اللّه عزّ و جلّ إذ رفعه اللّه . ثمّ قال : لم تشربون الخمر ، و هي محرّمة عليكم في كتابكم ؟

فقلت : إجترأ على ذلك عبيدنا ، و أتباعنا . قال : فلم تطؤون الزرع بدوابكم و الفساد محرّم عليكم في كتابكم ؟ فقلت : فعل ذلك عبيدنا ، و أتباعنا لجهلهم .

قال : فلم تلبسون الديباج و الحرير و الذهب و هو محرّم عليكم في كتابكم ،

و دينكم ؟ فقلت : ذهب منّا الملك فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا .

فلبسوا ذلك على الكره منّا . فأطرق إلى الأرض يقلب يده مرة و ينكت في الارض اخرى و يقول : عبيدنا و اتباعنا و اعاجم دخلوا علينا في ديننا ثم رفع راسه . فقال : ليس كما ذكرت بل انتم قوم استحللتم ما حرّم اللّه ، و ركبتم ما عنه نهيتم ، و ظلمتم في ما ملكتم . فسلبكم اللّه العزّ و ألبسكم الذلّ بذنوبكم ، و للّه فيكم نقمة لم تبلغ غايتها فيكم ، و أنا خائف أن يحلّ بكم العذاب ، و أنتم ببلدي فينالني معكم فتزوّد ما احتجت إليه ، و ارحل عن أرضي . . . ١ .

و في ( عيون القتيبي ) : قال زيد بن أسلم : رأيت طارقا و هو وال لبعض الخلفاء من بني اميّة على المدينة يدعو بالغداء . فيتغدى على منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يكون فيه العظم الممخّ فينكته على رمانة المنبر فيأكله ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٢٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ٣٨ .

٧٥

« فاقسم ثمّ اقسم لتنخمنّها اميّة من بعدي كما تلفظ النخامة » في ( الجمهرة ) :

« النخاعة ، و النخامة واحد و هو ما يطرح الانسان من فيه ، و لفظه : أي : رماه من فيه ١ .

في ( عيون ابن قتيبة ) : قال سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي : كنت مع مروان بن محمّد بالزاب . فقال : من هذا الّذي يقاتلني ؟ قلت : عبد اللّه بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس إلى أن قال .

فقال : يا ليت عليّ بن أبي طالب في الخيل تقاتلني . إنّ عليّا و أولاده لا حظّ لهم في هذا الأمر ، و هذا رجل من بني العباس و معه ريح خراسان و نصر الشام ٢ .

« ثمّ لا تذوقها ، و لا تطعم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لا تتطعّم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ .

« بطعمها أبدا ما كرّ الجديدان » أي : ما اختلف الليل و النهار يقال : لا أفعله ما اختلف الجديدان ، و ما اختلف الاجدّان .

و في السير : بعث صالح بن علي العباسي عامر بن إسماعيل لطلب مروان بن محمّد إلى بوصير مصر . فهرب بين يديه في نفر يسير . فانتهوا في غبش الصبح إلى قنطرة هناك على نهر عميق ليس للخيل عبور إلاّ على القنطرة ، و عامر من ورائهم . فصادف مروان على القنطرة بغالا عليها زقاق عسل فحبسته عن العبور حتّى أدركه عامر فقتله . فقال صالح بن عليّ « إنّ للّه جنودا من عسل » . و قالوا أيضا : وقف مروان يوم الزاب و أمر بالأموال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ٢ : ٢٣٥ .

( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ٢٠٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٤ ، « و لا تطعم » .

٧٦

فاخرجت ، و قال للناس : إصبروا و قاتلوا ، و هذه الأموال لكم . فجعل ناس يصيبون من ذاك المال ، و يشتغلون به عن الحرب . فقال مروان لابنه : سر في أصحابك ، و امنع من يتعرّض لأخذه هذا المال . فتنادى الناس : الهزيمة الهزيمة .

فانهزموا ، و ركب أصحاب عبد اللّه بن عليّ أكتافهم .

٢٤

من الخطبة ( ١٦٤ ) مِنْهَا اِفْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَ تَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ ؟ لِبَنِي أُمَيَّةَ ؟ كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ اَلْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اَللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ اَلسَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحُ اَللَّهُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ اَلْجَنَّتَيْنِ حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَةٌ وَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَ لَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَ لاَ حِدَابُ أَرْضٍ يُذَعْذِعُهُمُ اَللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي اَلْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَ يُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ اَلْعُلُوِّ وَ اَلتَّمْكِينِ كَمَا تَذُوبُ اَلْأَلْيَةُ عَلَى اَلنَّارِ أقول : رواه ( روضة الكليني ، و إرشاد المفيد ) جزء خطبة « إنّ اللّه تعالى لم يقصم جبّاري دهر » و في الأوّل : « و وا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذلّ بعدي بعضها بعضا ، و كيف يقتل بعضها بعضا ،

المتشتتة غدا عن الأصل ، النازلة بالفرع ، المؤمّلة الفتح من غير جهته . كلّ حزب منهم آخذ بغصن أينما مال الغصن مال معه ، مع أنّ اللّه و له الحمد سيجمع هؤلاء لشرّ يوم لبني اميّة كما يجمع قزع الخريف . يؤلف اللّه بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب . ثمّ يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل

٧٧

الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ، و لم يردّ سننه رضّ طود ، يذعذعهم اللّه في بطون أودية ، ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض ، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، و يمكّن بهم قوما في ديار قوم ، تشريدا لبني اميّة ،

و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا . يضعضع اللّه بهم ركنا ، و ينقض بهم طيّ الجنادل من إرم ، و يملأ منهم بطنان الزيتون . فو الّذي فلق الحبة و برأ النسمة ليكوننّ ذلك ، و كأنّي أسمع صهيل خيلهم و طمطمة رجالهم ، و أيم اللّه ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد ، كما تذوب الألية على النار . من مات منهم مات ضالاّ ، و إلى اللّه عزّ و جلّ يقضي منهم من درج ، و يتوب اللّه عزّ و جلّ على من تاب ، و لعلّ اللّه يجمع شيعتي بعد التشتت لشرّ يوم لهؤلاء ، و ليس لأحد على اللّه عزّ و جلّ الخيرة ، بل للّه الخيرة و الأمر جميعا » ١ .

و في الثاني : « و يا أسفا أسفا يكلم القلب ، و يدمن الكرب من فعلات شيعتنا بعد مهلكي ، على قرب مودّتها و تأشب الفتها كيف يقتل بعضها بعضا ،

و تحور الفتها بغضا . فللّه الاسرة المتزحزحة غدا عن الأصل ، المخيّمة بالفرع ،

المؤمّلة الفتح من غير جهته ، المتوكّفة الروح من غير مطلعه ، كلّ حزب منهم معتصم بغصن ، آخذ به ، أينما مال الغصن مال معه ، مع أنّ اللّه و له الحمد سيجمعهم كقزع الخريف ، و يؤلّف بينهم ، و يجعلهم ركاما كركام السحاب .

يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم إليها كسيل العرم ، حيث لم تسلم عليه قارة ، و لم تمنع منه أكمة ، و لم يردّ ركن طود سننه ، يغرسهم اللّه في بطون أودية ، و يسلكهم ينابيع في الأرض ، ينفى بهم عن حرمات قوم ، و يمكّن لهم في ديار قوم ، لكي يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع اللّه بهم ركنا ، و ينقض بهم طي الجندل من إرم ، و يملأ منهم بطنان الزيتون ، و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٨ : ٦٤ .

٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ليذوبنّ ما في أيديهم من بعد التمكّن في البلاد ، و العلوّ على العباد ، كما يذوب القار و الآنك في النار ، و لعلّ اللّه يجمع شيعتي بعد الشتيت ، لشرّ يوم لهؤلاء ،

و ليس لأحد على اللّه الخيرة ، بل للّه الخيرة و الأمر جميعا » ١ .

« افترقوا بعد الفتهم ، و تشتّتوا عن أصلهم » قد ظهر ممّا نقلنا من ( الإرشاد و الروض ) : أنّ مراده عليه السلام افتراق شيعته بعده ، و أنّ الثابتين منهم على الحق من التمسك بعترته المعصومين الّذين هم بمنزلته في الاتّصال بالمبدأ ،

و كونه حبل اللّه بينه و بين الخلق ، قليلون . فمنهم فرقة صارت غلاة ، و فرقة صارت كيسانية ، و فرقة صارت زيدية ، و فرقة ناووسية ، و فرقة فطحية ،

و فرقة واقفية ، و من الكيسانية العباسية الرواندية .

ففي ( المروج ) : « الّذي ذهب إليه من تأخّر من الراوندية عن جملة الكيسانية القائلة بإمامة محمّد بن الحنفية و هم الحريانية أصحاب أبي مسلم صاحب الدولة العباسية ، و كان يلقّب بحريان أنّ ابن الحنفية هو الإمام بعد علي عليه السلام و أنّ ابن الحنفية أوصى إلى ابنه أبي هاشم ، و أبو هاشم أوصى إلى عليّ بن عبد اللّه بن العباس . فأوصى عليّ بن عبد اللّه إلى ابنه محمّد بن علي ،

و أوصى ابنه محمّد إلى ابنه إبراهيم المقتول بحرّان ، و أوصى إبراهيم إلى أخيه السفاح .

و قالت الراوندية : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض و أحق الناس بالإمامة بعده العباس لأنّه عمّه ، و أنّ الناس اغتصبوه إلى أنّ ردّه اللّه إليهم و تبرؤوا من أبي بكر و عمر ، و أجازوا بيعة عليّ عليه السلام بإجازة العباس لها لقوله له : « هلم يا ابن أخي إلى أن ابايعك فلا يختلف عليك اثنان » ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد : ١٥٥ .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢٣٨ و ٢٣٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٧٩

« فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه » قال ابن أبي الحديد : أي : يكون منهم من يتمسّك بمن أخلفه بعدي من ذريّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أينما سلكوا سلكوا معهم ١ .

قلت : قد عرفت من رواية ( الروضة و الإرشاد ) أنّ المراد به فرق الشيعة غير المحقّة من الكيسانية و الزيدية ، و غيرهما ، لقوله عليه السلام قبل الكلام :

« المتشتتة غدا عن الأصل ، النازلة بالفرع ، المؤملة الفتح من غير جهته » ثمّ قال :

« كلّ حزب منهم آخذ بغصن ، أينما مال الغصن مال معه » .

« على أنّ اللّه تعالى سيجمعهم لشرّ يوم لبني اميّة » أي : أنّ شيعتي ، و إن يصيروا فرقا متشتتة ، و يحصل بينهم البغضاء ، و العداوة بحيث يقتل بعضهم بعضا إلاّ أنّ اللّه تعالى يجعلهم امّة واحدة فيجمعهم على إزالة الملك عن بني اميّة ، و إن كانوا أخطأوا في عدم التمسك بإمام الحق .

و في ( المروج ) لمّا قتل إبراهيم الإمام خاف أبو سلمة الوزير انتقاض الأمر ، و فساده عليه أي في الدعوة العباسية فبعث بمحمّد بن عبد الرحمن بن أسلم و كتب معه كتابين على نسخة واحدة إلى أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إلى عبد اللّه بن الحسن المثنى ، يدعو كل واحد منهما إلى الشخوص إليه ليصرف الدعوة إليه . و يجتهد في بيعة أهل خراسان له ، و قال للرسول : ألعجل العجل ، فلا تكونن كوافد عاد . فقدم المدينة على أبي عبد اللّه عليه السلام : فلقيه ليلا ، و أعلمه أنّه رسول أبي سلمة ، و دفع إليه كتابه . فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : و ما أنا و أبو سلمة ، و أبو سلمة شيعة لغيري ؟ قال له : إنّي رسول تقرأ كتابه ، و تجيبه بما رأيت . فدعا أبو عبد اللّه عليه السلام بسراج ثمّ أخذ كتاب أبي سلمة : فوضعه على السراج حتّى احترق ، و قال للرسول : عرّف صاحبك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٤٩ .

٨٠