بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 116226
تحميل: 5065


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116226 / تحميل: 5065
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

بما رأيت ثمّ أنشأ يقول متمثلا بقول الكميت :

أيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها

و يا حاطبا في غير حبلك تحطب

فخرج الرسول من عنده ، و أتى عبد اللّه بن الحسن . فدفع إليه الكتاب فقبّله ، و قرأه و ابتهج . فلمّا كان غد ذلك اليوم الّذي وصل إليه الكتاب ، ركب حمارا حتّى أتى منزل أبي عبد اللّه عليه السلام فقال عليه السلام : أمر ما أتى بك ؟ قال : نعم هو أجلّ من أن يوصف . هذا كتاب أبي سلمة يدعوني ، و قد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان . فقال عليه السلام له : و متى كان أهل خراسان شيعة لك ؟ أأنت بعثت أبا مسلم إلى أهل خراسان و أنت أمرته بلبس السواد ؟ و هؤلاء الّذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم أو وجّهت فيهم ؟ و هل تعرف منهم أحدا ؟

فنازعه عبد اللّه بن الحسن الكلام ، و قال : إنّما يريد القوم ابني محمّدا لأنه مهديّ هذه الامّة . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : و اللّه ما هذا إلاّ نصح منّي لك ، و لقد كتب إليّ أبو سلمة بمثل ما كتب به إليك . فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك ، و لقد أحرقت كتابه من قبل أن أقرأه . فانصرف عبد اللّه من عنده عليه السلام مغضبا ، و لم ينصرف رسول أبي سلمة إليه إلى أن بويع السفاح . . . ١ .

و كان محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس عيّن من شيعتهم اثني عشر نقيبا للدعوة إليهم ٢ .

هذا ، و في ( العقد ) : كان أبو مسلم يقول لقوّاده إذا أخرجهم : « لا تكلّموا الناس إلاّ رمزا ، و لا تلحظوهم إلاّ شزرا لتمتلئ صدورهم من هيبتكم ٣ .

« كما تجتمع قزع الخريف » أي : كما تجتمع قطع السحاب المتفرّق في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٢٥٣ ٢٥٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) رواه ابن الأثير في الكامل ٥ : ٥٣ ، سنة ١٠٠ .

( ٣ ) العقد الفريد ٥ : ٢٠٩ .

٨١

الخريف و لمّا كان الخريف . أوّل الشتاء يكون السحاب فيه متفرّقا غير متراكم و لا مطبق ، ثمّ يجتمع بعد بعضه إلى بعض .

« يؤلّف اللّه بينهم ثمّ يجعلهم ركاما كركام السحاب » السحاب المتراكم سحاب بعضه فوق بعض .

« ثمّ يفتح لهم أبوابا » إلى نيل مقصدهم .

« يسيلون » استعارة من سيل الماء .

« من مستثارهم » أي : موضع ثورانهم و هو خراسان فإنّ مبدأ دعوة دعاة العباسية كان بها .

« كسيل الجنّتين » إشارة إلى قوله تعالى : لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنّتان عن يمين و شمال كلوا من رزق ربّكم و اشكروا له بلدة طيّبة و ربّ غفور . فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط و أثل و شي‏ء من سدر قليل ١ .

« حيث لم تسلم عليه » أي : على ذاك السيل .

« قارة » بالتخفيف . الأكمة الصلبة ذات حجارة كما في ( الجمهرة ) ٢ ،

و جمعها قارات و القور . قال :

هل تعرف الدار بأعلى ذي القور

قد درست غير رماد مكفور ٣

« و لم تثبت عليه أكمة » أي : تلّ . و قالوا : لا تبل على أكمة ، و لا تفش سرّك إلى أمة .

« و لم يردّ سننه » بالفتح ، أي : وجهه ، و طريقته .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) سبأ : ١٥ ١٦ .

( ٢ ) جمهرة اللغة ٢ : ٤٠٩ .

( ٣ ) أورده لسان العرب ٥ : ١٢٢ ، مادة ( قور ) .

٨٢

« رصّ » : أي : تلاصق .

« طود » أي : جبل عطيم .

« و لا حداب أرض » أي : مرتفعاتها . قال تعالى : و هم من كلّ حدب ينسلون ١ .

« يذعذعهم اللّه » أي : يفرّقهم اللّه .

« في بطون أوديته » جمع الوادي .

« ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض » الأصل فيه قوله تعالى : ألم تر أنّ اللّه أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ٢ إلاّ أنّ ينابيع في كلامه عليه السلام استعارة .

ثمّ كلامه عليه السلام من قوله « على أنّ اللّه تعالى سيجمعهم لشرّ يوم لبني اميّة » إلى قوله هنا « ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض » من غريب التعبير عن بدء دعوة العباسية بعد سنة المئة إلى تشكيل سلطنتهم في سنة ( ١٣٢ ) و لا يكاد تعجّبي ينقضي منه من حسن تعبيره ، و كمال انطباق إخباره عليه السلام على ما وقع .

ففي ( كامل الجزري ) : وجّه محمّد بن علي بن عبد اللّه بن العباس في سنه المئة الدعاة في الآفاق ، و سببه أنّه كان ينزل الحميمة أرض الشراة من أعمال بلقاء الشام . فسار أبو هاشم بن محمّد بن الحنفية إلى سليمان بن عبد الملك . فرأى من علمه و فصاحته ما حسده ، و خافه . فوضع عليه في طريقه من سمّه في لبن . فلمّا أحسّ بالشرّ قصد الحميمة ، و نزل على محمّد و أعلمه أنّ الأمر صائر إلى ولده ، و عرّفه ما يعمل به ، و كان أمر شيعته بقصده بعده . فلمّا مات قصدوه و بايعوه ، و دعوا الناس إليه فوجّه ميسرة إلى العراق ، و محمّد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانبياء : ٩٦ .

( ٢ ) الزمر : ٢١ .

٨٣

خنيس ، و أبا عكرمة السراج و هو أبو محمّد الصادق و حيان العطار خال إبراهيم بن سلمة إلى خراسان فانصرفوا بكتب من استجاب لهم ، و اختار أبو محمّد الصادق لمحمّد بن علي اثنى عشر نقيبا : سليمان بن كثير الخزاعي ،

و لاهز بن قريظ التميمي و قحطبة بن شبيب الطائي ، و موسى بن كعب التميمي ، و خالد بن إبراهيم أبو داود من شيبان بن ذهل ، و القاسم بن مجاشع التميمي ، و عمران بن إسماعيل أبو النجم مولى آل أبي معيط ، و مالك بن الهيثم الخزاعي ، و طلحة بن زريق الخزاعي و عمرو بن أعين أبو حمزة مولى خزاعة ،

و شبل بن طهمان أبو علي الهروي مولى بني حنيفة و عيسى بن أعين مولى خزاعة . و اختار سبعين رجلا و كتب لهم محمّد بن علي كتابا يكون لهم مثالا و سيرة يسيرون بها .

و فيه : و في سنة ( ١٠٢ ) وجّه ميسرة رسله من العراق إلى خراسان .

فظهر أمر الدعاة بها . فقيل لسعيد خديّة : إنّ هاهنا قوما ظهر منهم كلام قبيح .

فبعث فاتي بهم . فقالوا : نحن تجّار . قال : فما هذا الّذي يحكى عنكم ؟ قالوا : لا ندري . إنّ لنا في تجارتنا شغلا عن هذا . فقال : من يعرف هؤلاء ؟ فجاء ناس أكثرهم من ربيعة و اليمن . فقالوا : نحن نعرفهم . فخلّى سبيلهم .

و فيه : و في سنة ( ١٠٥ ) قيل : قدم بكير بن ماهان الكوفة من السند ، و معه أربع لبنات من فضة ، و لبنة من ذهب . فلقي أبا عكرمة ، و جمعا آخر من الدعاة .

فذكروا له أمر الدعوة . فقبلها و أنفق ما معه عليهم ، و مات ميسرة . فأقامه محمّد بن عليّ مقامه .

و فيه : و في سنة ( ١٠٧ ) قيل : وجّه بكير بن ماهان أبا عكرمة ، و عدّة من شيعتهم دعاة إلى خراسان . فوشي بهم إلى أسد بن عبد اللّه . فاتي بأبي عكرمة و محمّد بن خنيس ، و عامة أصحابه . فقطع أيدي من ظفر به منهم و صلبهم ،

و نجا عمّار العبادي . فأقبل إلى بكير . فأخبره فكتب بكير إلى محمّد بن علي ،

٨٤

فأجابه : « الحمد للّه الّذي صدّق دعوتكم ، و بقيت منكم قتلى ستقتل » .

و فيه : و في سنة ( ١١٨ ) وجّه بكير بن ماهان عمّار بن يزيد إلى خراسان واليا على شيعة بني العباس . فنزل مرو ، و غيّر اسمه و تسمّى بخداش .

و فيه : و في سنة ( ١٢٦ ) وجّه إبراهيم بن محمّد الإمام أبا هاشم بكير بن ماهان إلى خراسان ، و بعث معه بالسيرة ، و الوصية . فقدم مرو ، و جمع النقباء و الدعاة فنعي إليهم محمّد بن علي ، و دعاهم إلى ابنه إبراهيم ، و دفع إليه كتابه فقبلوه ، و دفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة ، فقدم بها بكير على إبراهيم الإمام .

و فيه : و في سنة ( ١٢٧ ) توجّه سليمان بن كثير ، و لاهز بن قرمط ،

و قحطبة إلى مكّة ، فلقوا إبراهيم الإمام ، و أوصلوا إلى مولى له عشرين الف دينار ، و مئتي ألف درهم ، و مسكا ، و متاعا كثيرا ، و كان معهم أبو مسلم ، و قال له : هذا مولاك .

و فيه أيضا : كتب بكير بن ماهان إلى إبراهيم الإمام أنّه في ألموت ، و أنّه استخلف أبا سلمة حفص بن سليمان . فكتب إبراهيم إلى أبي سلمة يأمره بالقيام ، و كتب إلى أهل خراسان أنّه قد أسند أمرهم إليه ، و مضى أبو سلمة إلى خراسان . فدفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة ، و خمس أموالهم .

و فيه : و في سنة ( ١٢٨ ) وجّه إبراهيم الإمام أبا مسلم و عمره تسع عشرة سنة إلى خراسان و كتب إليهم : « إنّي قد أمّرته على خراسان و ما غلب عليه بعد ذلك » و قال لأبي مسلم ، و إنّك رجل منّا أهل البيت إحفظ وصيتي . انظر هذا الحيّ من يمن . فالزمهم ، و اسكن بين أظهرهم . فإنّ اللّه لا يتمّ هذا الأمر إلاّ بهم ، و اتّهم ربيعة في أمرهم ، و أما مضر فإنّهم العدو القريب الدار ، و اقتل من شككت فيه ، و ان استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل ، و أيّما غلام بلغ خمسة اشبار تتهمه فاقتله ، و لا تخالف هذا الشيخ يعني سليمان بن

٨٥

كثير و إذا أشكل عليك أمر فاكتف به منّي ١ .

و فيه : كان أبو مسلم يختلف إلى إبراهيم الإمام ، و كتب في سنة ( ١٢٩ ) إلى أبي مسلم يستدعيه ليسأله عن أخبار الناس . فسار مع سبعين من النقباء .

فلمّا صاروا بالدانقان من خراسان عرض له كامل . فسأله عن مقصده . فقال :

الحجّ ثمّ خلا به أبو مسلم . فدعاه فأجابه ثمّ سار إلى نسا فدخل قرية منها فقيل له إنّه سعي هنا إلى العامل برجلين . قيل : إنّهما داعيان ، فأخذا و أخذ الأحجم و غيلان ، و غالب ، و مهاجر . فتنكب الطريق ، و أتاه أسيد الخزاعي . فسأله عن الاخبار . فقال : قدم الأزهر ، و عبد الملك بن سعد بكتب الإمام إليك فخلّفا الكتب عندي ، و اخذا . فأتاه بالكتب ثمّ سار حتّى أتى قومس ، و عليها بيهس العجلي فقال لهم : أين تريدون . قالوا : الحج و أتاه ثمة كتاب إبراهيم إليه ، و إلى سليمان بن كثير يقول لأبي مسلم فيه : إنّي قد بعثت إليك براية النصر . فارجع من حيث لقيك كتابي ، و وجّه قحطبة بما معه من الأموال و العروض . فلمّا كانوا بنيسابور عرض لهم صاحب المسلحة . فسألهم عن حالهم . فقالوا : أردنا الحج . فبلغنا عن الطريق شي‏ء خفناه ، فأمر المفضل السلمي بإزعاجهم .

فخلابه أبو مسلم ، و عرض عليه أمرهم فأجابه ، و أقام عندهم حتّى ارتحلوا على مهل . فقدم أبو مسلم مرو . فدفع كتاب إبراهيم إلى سليمان بن كثير يأمره فيه باظهار الدعوة . فنصبوا أبا مسلم ، و قالوا رجل من أهل البيت ، و دعوا إلى طاعة بني العباس ، و أرسلوا إلى من قرب منهم و من بعد . ممّن أجابهم . فأمروه بإظهار أمرهم . فنزل أبو مسلم قرية من قرى مرو ، يقال لها « فنين » على أبي الحكم النقيب ، و وجّه منها أبا داود النقيب و عمرو بن أعين إلى طخارستان فما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذه الحكايات ابن الأثير في الكامل ٥ : ٥٣ و ١٠٠ و ١٢٥ و ١٣٦ و ١٩٦ و ٣٠٨ و ٣٣٩ و ٣٤٧ ، و النقل بتلخيص .

٨٦

دون بلخ . فأمرهما باظهار الدعوة في شهر رمضان و وجّه نصر بن صبيح التميمي ، و شريك بن غضبي التميمي إلى مرو الروذ باظهار الدعوة في شهر رمضان ، و وجّه أبا عاصم بن سليم إلى الطالقان ، و وجّه الجهم بن عطية إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في رمضان لخمس بقين منه فان أعجلهم عدوهم دون الوقت بالأذى . فقد حلّ لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ، و من شغله منهم عدوّهم . فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت ثمّ تحوّل أبو مسلم من عند أبي الحكم . فنزل قرية سفيدنج . فنزل على سليمان بن كثير الخزاعي لليلتين خلتا من رمضان ، و الكرماني ، و شيبان يقاتلان نصر بن سيار ، فبثّ أبو مسلم دعاته في الناس و أظهر أمره . فأتاه في ليلة واحدة أهل ستّين قرية ،

فلمّا كان خمس بقين من رمضان عقد اللواء الّذي بعث به إبراهيم الإمام ، الّذي يدعى الظل ، على رمح طوله أربعة عشر ذراعا ، و عقد الراية الّتي بعث بها إليه ،

الّتي تدعى السحاب ، على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا و هو يتلو : أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا و إنّ اللّه على نصرهم لقدير ١ . و لبس السواد هو و سليمان بن كثير ، و إخوة سليمان ، و مواليه ، و من كان أجاب الدعوة من أهل سفيدنج ، و أوقدوا النيران لليلتهم لشيعتهم من سكان ربع خرقان ، و كانت علامتهم فتجمعوا إليه حين أصبحوا معدّين ، و تأوّل السحاب أنّ السحاب يطبق الأرض ، و الظل أنّ الأرض كما لا تخلو من ظل كذلك من خليفة عباسي إلى آخر الدهر ، و قدم على أبي مسلم الدعاة بمن أجاب الدعوة فكان أوّل من قدم عليه أهل التقادم مع أبي الوضّاح في تسعمئة راجل و أربعة فرسان ، و من أهل هرمزفرة جماعة ، و قدم أهل التقادم مع محرز الجوباني في ألف و ثلاثمئة راجل ، و ستّة عشر فارسا فيهم من الدعاة أبو العباس المروزي . فجعل أهل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ٣٩ .

٨٧

التقادم يكبّرون من ناحيتهم و يجيبهم أهل التقادم بالتكبير . فدخلوا عسكر أبي مسلم بسفيدنج بعد يومين ، و حصّن أبو مسلم حصن سفيدنج ، و رمّه ، و سدّ دروبها .

فلمّا حضر عيد الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلّي به و بالشيعة ، و نصب له منبرا بالعسكر ، و أمره أن يبدأ بالصلاة و يصلّون بالأذان و الإقامة و أمر أيضا أبو مسلم سليمان بن كثير بستّ تكبيرات تباعا ثم يقرأ ، و يركع بالسابعة ، و يكبّر في الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا . ثمّ يقرأ و يركع بالسادسة ، و يفتح الخطبة بالتكبير ، و يختمها بالقرآن و كان بنو اميّة يكبّرون في الاولى أربع تكبيرات ، و في الثانية ثلاث تكبيرات .

فلمّا قضى سليمان الصلاة انصرف أبو مسلم و الشيعة إلى الطعام قد أعدّه لهم . فأكلوا مستبشرين ، و كان أبو مسلم ، و هو في الخندق ، إذا كتب إلى نصر بن سيّار يكتب : « للأمير نصر » .

فلمّا قوي بدأ بنفسه ، و كتب « أمّا بعد فإنّ اللّه تعالى عيّر أقواما في القرآن فقال و أقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم فلمّا جاءهم نذير مازادهم إلاّ نفورا استكبارا في الأرض . و مكر السّيّئ و لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله فهل ينظرون إلاّ سنّة الأوّلين فلن تجد لسنّة اللّه تبديلا و لن تجد لسنّة اللّه تحويلا ١ فتعاظم نصر الكتاب و كسر له إحدى عينيه ، و قال : هذا كتاب ماله جواب ٢ .

و فيه : وجّه نصر بعد ثمانية عشر شهرا من ظهور أبي مسلم و هو بسفيدنج مولى له يقال له يزيد لمحاربتة . فوجّه أبو مسلم إليه مالك بن الهيثم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فاطر : ٤٢ ٤٣ .

( ٢ ) الكامل ٥ : ٣٥٦ ٣٦٠ ، سنة ١٢٩ ، و النقل بتلخيص .

٨٨

الخزاعي . فالتقوا بقرية الين . فدعاهم مالك إلى الرضا من آل الرسول .

فاستكبروا عن ذلك فقاتلهم مالك ، و هو في نحو مئتين من أوّل النهار إلى العصر ، و قدم على أبي مسلم صالح الضبي ، و إبراهيم بن زيد ، و زياد بن عيسى . فسيّرهم إلى مالك . فقوي بهم ، و كان قدومهم مع العصر . فقال مولى نصر : إن تركنا هؤلاء الليلة أتتهم إمدادهم . فاحملوا على القوم . فحملوا . فحمل عبد اللّه الطائي على مولى نصر . فأسره ، و انهزم أصحابه . فأرسل به إلى أبي مسلم ، و معه رؤوس القتلى فنصب الرؤوس ، و أحسن إلى مولى نصر ،

و عالجه حتّى اندمل جراحه ، و قال له : إن شئت أن تقيم معنا فقد أرشدك اللّه ،

تحاربنا و إن كرهت فارجع إلى مولاك سالما ، و أعطنا عهد اللّه أنك لا و أن لا تكذب علينا ، و أن تقول فينا ما رأيت فرجع إلى مولاه . فقال أبو مسلم لأصحابه :

إنّ هذا سيردّ عنكم أهل الورع و الصلاح . فما نحن عندهم على الإسلام و كذلك كان عندهم يرجفون عليهم بعبادة الأوثان و استحلال الأموال و الدماء و الفروج .

فلمّا قدم مولى نصر على نصر قال له نصر : لا مرحبا بك فو اللّه ما استبقاك القوم إلاّ ليتخذوك حجّة علينا . فقال له مولاه : هو و اللّه ما ظننت ، و قد استحلفوني أن لا اكذب عليهم ، و أنا أقول : إنّهم يصلّون الصلوات لمواقيتها بأذان و إقامة ، و يتلون القرآن ، و يذكرون اللّه كثيرا ، و يدعون إلى ولاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و ما أحسب أمرهم إلاّ سيعلو ، و لو لا أنك مولاي لما رجعت إليك ،

و لأقمت معهم ، فهذا أوّل قتال كان بينهم ١ .

و فيه بعد ذكر قتال نصر بن سيار عامل مروان على خراسان و الكرماني : و لمّا استيقن أبو مسلم أنّ كلا الفريقين قد أثخن صاحبه ، و أنه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٣٦٠ ، سنة ١٢٩ ، و النقل بتلخيص .

٨٩

لا مدد لهم . جعل يكتب إلى شيبان و يقول للرسول : إجعل طريقك على مضر .

فإنّهم سيأخذون كتبك . فكانوا يأخذونها فيقرؤون ما فيها : « إنّي رأيت اليمن لا وفاء لهم ، و لا خير فيهم فلا تثقن بهم و لا تظهر إليهم . فإنّي أرجو أن يريك اللّه في اليمانية ما تحبّ ، و لئن بقيت لا ادع لهم شعرا و لا ظفرا » و يرسل رسولا آخر بكتاب آخر فيه ذكر مضر بمثل ذلك ، و يأمر الرسول أن يجعل طريقه على اليمانية حتّى صار هوى الفريقين معه .

ثمّ جعل يكتب إلى نصر ، و إلى الكرماني « إنّ الإمام أوصاني بكم ،

و لست أعدو رأيه فيكم » و كتب إلى الكور باظهار الأمر . فكان أوّل من سوّد أسد الخزاعي بنسا ، و مقاتل و ابن غزوان ، و سوّد أهل ابيورد ، و أهل مرو الروذ ، و قرى مرو ، و أقبل أبو مسلم حتّى نزل بين خندق الكرماني ، و خندق نصر ، وهابه الفريقان ، و بعث إلى الكرماني أنّي معك . فقبل فانضمّ إليه . فاشتدّ ذلك على نصر ، فأرسل إلى الكرماني : و يحك لا تغترّ ، فو اللّه إنّي لخائف منه عليك ، و على أصحابك . فادخل مرو . نكتب بيننا كتابا بالصلح و هو يريد أن يفرّق بينه و بين أبي مسلم فدخل الكرماني منزله ، و أقام أبو مسلم في العسكر ، و خرج الكرماني حتّى وقف في الرحبة في مئة فارس ، و أرسل إلى نصر : اخرج لنكتب الصلح ، فرأى نصر من الكرماني غرّة . فوجّه إليه ابن الحرث في نحو من ثلاثمائة فطعن الكرماني في خاصرته فخرّ عن دابته ،

فقتله نصر و صلبه ، و صلب معه سمكه . و أقبل ابنه علي ، و قد جمع جمعا كثيرا ،

فصار إلى أبي مسلم فقاتلوا نصرا حتّى أخرجوه من دار الإمارة . فمال إلى بعض دور مرو .

و أقبل أبو مسلم حتّى دخل مرو ، و سلّم عليه ابن الكرماني بالإمرة و قال : مرني بأمرك . فقال : أقم حتّى آمرك ، و لمّا كان أبو مسلم نزل بين الخندقين كتب نصر إلى مروان يعلمه حال أبي مسلم و كتب :

٩٠

أرى بين الرماد و ميض نار

و أخشى أن يكون له ضرام

فإنّ النار بالعودين تذكى

و أنّ الحرب مبدؤها كلام

فقلت من التعجّب ليت شعري

أ أيقاظ اميّة أم نيام ؟

فكتب إليه مروان « إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب . فاحسم الثلول قبلك » فقال نصر : أمّا صاحبكم فقد أعلمكم أن لا نصر عنده ١ .

و فيه : في سنة ( ١٣٠ ) انتقض صلح عرب خراسان على حرب أبي مسلم بمكائد أبي مسلم . فبعث نصر إليه يلتمس منه أن يدخل مع مضر ، و بعث أصحاب ابن الكرماني و هم ربيعة و اليمن إلى أبي مسلم بمثل ذلك .

فراسلوه بذلك أيّاما فامرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتّى يختار أحدهما . ففعلوا و أمر أبو مسلم الشيعة أن تختار ربيعة و اليمن . فإنّ الشيطان في مضر و هم أصحاب مروان و عمّاله ، و قتلة يحيى . فقدم الوفدان فجلس أبو مسلم و أجلسهم و جمع عنده من الشيعة سبعين رجلا . فقال لهم : لتختاروا أحد الفريقين . فقام سليمان بن كثير فتكلم و كان خطيبا مفوّها فاختار ابن الكرماني و أصحابه . ثمّ قام أبو منصور النقيب فاختارهم . ثمّ قام مرثد السلمي فقال : « إنّ مضر قتلة آل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أعوان بني اميّة و شيعة مروان الجعدي ، و دماؤنا في أعناقهم و أموالنا في أيديهم ، و نصر عامل مروان يدعو له على منبره ، و يسمّيه أمير المؤمنين ، و نحن نبرأ إلى اللّه من أن يكون نصر على هدى ، و قد اخترنا ابن الكرماني » فقال : السبعون : القول ما قال مرثد ،

فنهض وفد نصر عليهم الكآبة ، و رجع وفد ابن الكرماني منصورين ، و رجع أبو مسلم من ألين إلى الماخوان ، و أمر الشيعة أن يبنوا المساكن .

ثمّ أرسل ابن الكرماني إليه ليدخل مدينة مرو من ناحيته ، و ليدخل هو

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٣٦٤ ، سنة ١٢٩ ، و النقل بتلخيص .

٩١

و عشيرته من الناحية الاخرى . فبعث إليه أبو مسلم : إنّي لست آمن أن تجتمع يدك و يد نصر على محاربتي ، و لكن ادخل أنت فأنشب الحرب مع أصحاب نصر . ففعل و بعث أبو مسلم شبل النقيب في خيل . فدخلوها و نزلوا بقصر بخارا خداه ، و بعث إلى أبي مسلم ليدخل إليهم . فسار من الماخوان ، و على مقدّمته أسيد الخزاعي ، و على ميمنته مالك الخزاعي ، و على ميسرته القاسم التميمي فدخل و الفريقان يقتتلان . فأمرهما بالكفّ و هو يتلو : و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها . فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوّه ١ و مضى ، إلى قصر الأمارة ، و أرسل إلى الفريقين أن كفّوا . ففعلوا ،

و صفت له مرو . فأمر بأخذ البيعة من الجند و كانت البيعة : ابايعكم على كتاب اللّه و سنّة نبيّه و الطاعة للرضا من أهل بيته ، و عليكم بذلك عهد اللّه ، و ميثاقه و الطلاق و العتاق و المشي إلى بيت اللّه ، و على ألاّ تسالوا رزقا و لا طعما حتّى يبتدئكم به ولاتكم » .

ثمّ أرسل أبو مسلم إلى نصر لاهزا في جماعة يدعوه إلى البيعة . فقرأ لاهز انّ الملأ يأتمرون بك ٢ الآية فخرج نصر من خلف حجرته مع ابنه تميم و امرأته هرابا . فسار أبو مسلم إلى معسكره و أخذ ثقات أصحابه ،

و صناديدهم فكتّفهم ، و كان فيهم سالم بن أحور صاحب شرطته ، و البختري كاتبه ، و ابنان له ، و يونس بن عبدويه ، و محمّد بن قطن ، و مجاهد بن يحيى .

فاستوثق منهم بالحديد ، و سار أبو مسلم و ابن الكرماني في طلب نصر ليلتهما . فادركا امرأته قد خلّفها و سار . فرجع أبو مسلم ، و سأل : ما الّذي ارتاب به نصر حتّى هرب ؟ قالوا : لا ندري . قال : فهل تكلم أحد ؟ قالوا : تلا لاهز :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ١٥ .

( ٢ ) القصص : ٢٠ .

٩٢

إنّ الملأ فقال له أبو مسلم : تدغل في الدين فقتله ، و استشار أبا طلحة في أصحاب نصر . فقال : اجعل سوطك السيف ، و سجنك القبر فقتلهم ، و كانوا أربعة و عشرين ١ .

و فيه بعد ذكر فتح أبي مسلم لأبيورد ، و بلخ ، و قتله شيبان الخارجي مع عدّة من بكر بن وائل الّذين كانوا يقاتلونه ، و على الكرماني الّذي كان أيضا يقاتله و قد كان أمره أن يسمّي خواصّه ليولّيهم . فسمّاهم فقتلهم جميعا ،

و بعد ذلك بعث العمال على البلاد . فاستعمل سباع الأزدي على سمرقند ، و أبا داود على طخارستان ، و محمّد بن الأشعث على الطبسين ، و جعل مالك بن الهيثم على شرطته ، و وجّه قحطبة مع عدّة من القواد إلى طوس . فهزمهم ،

و كان من مات في الزحام أكثر ممّن قتل . فبلغ عدّة القتلى بضعة عشر ألفا ،

و وجّه علي بن معقل في عشرة آلاف مع قحطبة ليسير إلى تميم بن نصر .

فسار قحطبة إلى السودقان ، و هو معسكر تميم . فقتل تميم ، و استبيح عسكره ،

و كان عدّة من معه ثلاثين ألفا ٢ .

و فيه : بعث ابن هبيرة عامل مروان على العراق نباتة بن حنظلة إلى نصر لنصره فسار نصر و كان هرب إلى قومس معه إلى جرجان ، و خندقوا عليهم . فأقبل قحطبة إليهم ، و قال لجنده أهل خراسان : أتدرون إلى من تسيرون ، و من تقاتلون ؟ إنّما تقاتلون بقية قوم أحرقوا بيت اللّه . فنزل قحطبة بأزاء نباتة في أهل الشام في عدّة لم ير الناس مثلها . فلمّا رأوهم أهل خراسان هابوهم حتّى تكلّموا بذلك . فقام فيهم قحطبة ، و قال : هذه البلاد كانت لآبائكم ،

و كانوا ينصرون على عدوّهم لعدلهم حتّى بدّلوا . فسلّط اللّه عليهم أذل امّة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٣٧٨ ٣٨٢ ، سنة ١٣٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الكامل ٥ : ٣٨٥ و ٣٨٦ ، سنة ١٣٠ ، و النقل بتلخيص .

٩٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كانت في الأرض عندهم . فغلبوهم على بلادهم ، و كانوا بذلك يحكمون بالعدل .

ثمّ بدّلوا و أخافوا عترة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : فسلّطكم عليهم و قد عهد إليّ الإمام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدّة فينصركم اللّه عليهم ، و أخبرنا انكم تنصرون هذا اليوم من هذا الشهر . فاقتتلوا فقتل نباتة ، و قتل من أهل الشام عشرة آلاف ،

و بعث برأس نباتة إلى أبي مسلم ، و بلغ قحطبة بعد قتل نباتة أنّ أهل جرجان يريدون الخروج عليه ، فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين ألفا .

و لمّا بلغ حبيب النهشلي ، و من معه بالري من أهل الشام ، توجّه قحطبة إليه هربوا . فدخلها ، و كتب إلى أبي مسلم بذلك . فأمره بأخذ أملاكهم ١ .

و فيه : كتب أبو مسلم إلى اصبهبد طبرستان يدعوه إلى الطاعة و أداء الخراج فأجابه ، و كتب إلى المصمغان صاحب دنباوند كذلك . فأجابه إنّما أنت خارجي أمرك سينقضي ، ثمّ بعث قحطبة بعد تمكنه ابنه الحسن من الرى إلى همدان فهرب منها مالك بن أدهم ، و من بها من أهل الشام ، و خراسان إلى نهاوند ، و لمّا بلغ ابن هبيرة مقتل نباتة بجرجان بعث ابنه داود ، و عامر بن ضبارة و كان يقال لعسكره عسكر العساكر فالتقوا هم و قحطبة بنواحي اصبهان و كان عسكر قحطبة عشرين ألفا ، و عسكر ابن ضبارة مئة ألف ،

و قيل : خمسين و مئة ألف . فقتل داود ، و انهزم ابن ضبارة ، و أصابوا عسكره ،

و أخذوا منه مالا يعلم قدره من السلاح و المتاع و الرقيق و الخيل ، و ما رؤي عسكر قط كان فيه من أصناف الأشياء ما في هذا العسكر كأنّه مدينة و كان فيه من البرابط ، و الطنابير ، و المزامير ، و الخمر ما لا يحصى ثمّ توجّه قحطبة إلى نهاوند و قد كان قد بعث ابنه قبل إليها فحاصرها ، و دعا من بنهاوند من أهل خراسان إلى الأمان فأبوا و أهل الشام فأجابوا . ففتحوا الباب . فسألوهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٣٨٧ و ٣٩٦ ، سنة ١٣٠ و ١٣١ ، و النقل بتلخيص .

٩٤

أهل خراسان . فقالوا : أخذنا الأمان لنا و لكم ، فخرج رؤساء أهل خراسان فأمر قحطبة بضرب أعناقهم ، و خلّى سبيل أهل الشام ، و بعث قحطبة إلى حلوان .

فهرب عامله ، و وجّه أربعة آلاف مع قائدين إلى شهرزور و بها عثمان بن سفيان . فقتل أو هرب و غنم عسكره ١ .

و فيه و لمّا سمع ابن هبيرة بهزيمة ابنه في حلوان من قحطبة خرج من الكوفة في عدد لا يحصى يريده . فأقبل قحطبة نحو الكوفة ليأخذها . فرجع ابن هبيرة لئلاّ يسبقه قحطبة إلى الكوفة ، و الفريقان يسيران على جانبي الفرات ،

و نزل قحطبة الجبارية ، و قاتل عسكر ابن هبيرة . فانهزموا ، و فقد قحطبة و بحثوا عنه . فقيل : إنه لمّا كان عبر الفرات ضربه معن بن زائدة على حبل عاتقه . فسقط في الماء فأخرجوه فقال : إذا أنا متّ فشدّوا يدي ، و ألقوني في الماء لئلاّ يعلم الناس بقتلي . و قال : إذا قدمتم الكوفة فوزير آل محمّد أبو سلمة .

فسلّموا إليه الأمر . فلحق ابن هبيرة بواسط ، و ترك عسكره و ما فيه من الأموال و السلاح ، و قام مقام قحطبة ابنه الحسن ، و خرج إلى الكوفة ، و قد كان محمّد بن خالد القسري خرج قبل على عامل ابن هبيرة مسوّدا . فدخلها الحسن بن قحطبة . فاستخرجوا أبا سلمة الوزير . فبعث أبو سلمة الحسن إلى واسط لقتال ابن هبيرة ، و استعمل القسري على الكوفة ، و وجّه حميد بن قحطبة إلى المدائن ، و بعث المسيّب بن زهير ، و خالد بن برمك إلى دير قنّى ، و بعث المهلّبي ، و شراحيل إلى عين التمر ، و بسّاما إلى الأهواز و عليها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة فقاتله و هزمه بسام فخرج عبد الواحد ، و بعث إلى البصرة سفيان المهلّبي و كان عليها سلم بن قتيبة و لحق به عبد الواحد . فانهزم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٣٩٧ ٤٠١ ، سنة ١٣١ ، و النقل بتلخيص .

٩٥

سفيان ، و لم يزل سلم بالبصرة حتّى قتل ابن هبيرة ١ .

و فيه : لمّا أخذ رسول مروان إبراهيم الإمام من الحميمة نعى نفسه إلى أهل بيته ، و أمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد اللّه بن محمّد السفاح و بالطاعة له ، و أوصى إليه ، و جعله الخليفة بعده . فسار السفاح و أهل بيته منهم المنصور ، و ابنا إبراهيم أخيه عبد الوهاب و محمّد ، و أعمامه داود ،

و عيسى ، و صالح ، و إسماعيل ، و عبد اللّه ، و عبد الصمد بنو علي بن عبد اللّه بن العباس و ابن عمّه داود ، و ابن أخي عيسى بن موسى ، و يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس حتّى قدموا الكوفة ، و شيعتهم من أهل خراسان بظاهر الكوفة بحمام أعين فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد ، و كتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من جميع القواد و الشيعة و أراد أن يحوّل الأمر إلى آل أبي طالب لمّا بلغه موت إبراهيم و كان إذا سئل عن الإمام يقول : لا تعجلوا حتّى دخل أبو حميد الحميري من حمام أعين يريد الكناسة ، فلقي خادما لإبراهيم . فقال له : ما فعل إبراهيم ؟ قال : قتله مروان و أوصى إلى أخيه أبي العباس ، و قدم الكوفة مع عامة أهل بيته . فانطلق به إليهم فقال : من الخليفة ؟ فقال : داود بن علي هذا و أشار إلى أبي العباس فسلّم عليه بالخلافة ثمّ رجع فاتفق رأي جماعة من القوّاد على أن يلقوه . فمضى موسى بن كعب و أبو الجهم ، و عبد الحميد بن ربعي ، و سلمة بن محمّد ، و إبراهيم بن سلمة ، و عبد اللّه الطائي ،

و إسحق بن إبراهيم ، و شراحيل ، و عبد اللّه بن بسام ، و أبو حميد ، و سليمان بن الأسود ، و محمّد بن الحصين إليه ، و سلّموا عليه بالخلافة . فركب أبو سلمة إليه .

فسلّم بالخلافة . فقال له أبو حميد : على رغم أنفك يا ماص بظر امّه . فقال له السفاح : مه ، و أمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره ، و أصبح الناس يوم الجمعة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٤٠٣ ٤٠٧ ، سنة ١٣٢ ، و النقل بتلخيص .

٩٦

لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل من سنة ( ١٣٢ ) فلبسوا السلاح ،

و اصطفّوا لخروج السفّاح . فركب مع أهل بيته إلى دار الإمارة ثمّ خرج إلى المسجد . فخطب و صلّى الجمعة ثمّ صعد المنبر حين بويع له بالخلافة . فقام في أعلاه ، و صعد عمّه داود . فقام دونه . فخطبهم السفاح إلى أن قال :

و خصّنا برحم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرابته . إلى أن قال .

و قال تعالى : إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ و قال تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى ٢ و قال : و أنذر عشيرتك الأقربين ٣ ، و قال : ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه و للرسول و لذي القربى ٤ و قال : و اعلموا أنّ ما غنمتم من شي‏ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى ٥ فأعلمهم اللّه تعالى فضلنا و أوجب عليهم حقّنا و مودّتنا ، و أجزل من الفي‏ء و الغنيمة نصيبنا تكرمة لنا إلى أن قال : ثمّ وثب بنو حرب و بنو مروان فأنبذوها ، و تداولوها . فجاروا فيها و استأثروا بها ، و ظلموا أهلها بما أملى اللّه لهم حينا . فلمّا آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، و ردّ علينا حقّنا و تدارك بنا امّتنا إلى أن قال .

و ختم بنا كما افتتح بنا إلى أن قال .

فاستعدوا فأنا السفّاح المبيح و الثائر المنيح و كان موعوكا فجلس على المنبر ، و قام عمّه داود على مراقي المنبر . فقال : الحمد للّه الّذي أهلك عدوّنا ، و أصار إلينا ميراثنا من نبيّنا . الآن اقشعت حنادس الدنيا ، و انكشف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) الشورى : ٢٣ .

( ٣ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٤ ) الحشر : ٧ .

( ٥ ) الانفال : ٤١ .

٩٧

عطاؤها و أشرقت أرضها و سماؤها ، و طلعت الشمس من مطلعها ، و بزغ القمر من مبزغه ، و أخذ القوس باريها ، و عاد السهم إلى منزعه ، و رجع الحق إلى نصابه إلى أهل بيت نبيّكم . إنّا و اللّه ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينا و لا عقيانا ، و لا نحفر نهرا ، و لا نبني قصرا ، و إنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقّنا ، و الغضب لبني عمّنا ، و ما كرهنا من اموركم ترمضنا و نحن على فرشنا ،

و يشتدّ علينا سوء سيرة بني اميّة فيكم و استنزالهم لكم ، و استئثارهم بفيئكم و صدقاتكم . مغانمكم عليكم ، لكم ذمة اللّه ، و ذمة نبيّه ، و ذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل اللّه ، و نعمل فيكم بكتاب اللّه ، و نسير في العامة و الخاصة بسيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تبّا تبّا لبني حرب و بني مروان ، آثروا في مدّتهم العاجلة على الآجلة ، و الدار الفانية على الدار الباقية . فركبوا الآثام و ظلموا الأنام ، و انتهكوا المحارم ، و غشّوا بالجرائم ، و جاروا في سيرتهم في العباد ، و سنّتهم في البلاد ، و خوجوا في أعنّة المعاصي ، و ركضوا في ميدان الغي ، جهلا لاستدراج اللّه ، و أمنا لمكره ، فأتاهم بأس اللّه بياتا و هم نائمون ، فأصبحوا أحاديث و مزّقوا كلّ ممزّق فبعدا للقوم الظالمين ، و أزالنا اللّه من مروان ، و قد غرّه باللّه الغرور ، أرسل لعدوّ اللّه في عنانه حتّى عثر . ظن عدوّ اللّه أن لن نقدر عليه ،

فنادى حزبه ، و جمع مكائده ، و رمى بكتائبه فوجد أمامه و وراءه و عن يمينه و عن شماله من مكر اللّه و بأسه و نقمته ما أمات باطله ، و محاضلاله إلى أن قال .

إنّ الخليفة إنّما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لأنّه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره ، و إنّما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك إلى أن قال .

ألا و إنّه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ أمير المؤمنين

٩٨

عليّ بن أبي طالب ، و عبد اللّه بن محمّد و أشار بيده إلى السفاح ١ .

« يأخذ بهم من قوم حقوق قوم » في ( المروج ) : قال ابن دأب : دعاني الهادي العباسي في وقت من اللّيل لم تجر العادة أنه يدعوني في مثله . فدخلت إليه فإذا هو جالس في بيت صغير شتوي ، و قدّامه جزء صغير ينظر فيه . فقال : يا عيسى إنّي ارقت في هذه اللّيلة ، و تداعت إليّ الخواطر ، و اشتملت عليّ الهموم ، و هاج لي ما جرت إليه بنو اميّة من بني حرب ، و بني مروان في سفك دمائنا .

فقلت : هذا عبد اللّه بن عليّ قد قتل منهم على نهر أبي فطرس فلانا و فلانا ، حتّى أتيت على تسمية من قتل منهم ، و هذا عبد الصمد بن عليّ قد قتل منهم بالحجاز في وقت واحد نحو ما قتل عبد اللّه بن عليّ ، و هو القائل لسفك دمائهم :

و لقد شفى نفسي و أبرأ سقمها

أخذي بثاري من بني مروان

من آل حرب ليت شيخي شاهد

سفكي دماء بني أبي سفيان

فسرّ و اللّه الهادي و ظهرت ، منه اريحيّة ٢ .

و في ( عيون القتيبي ) : لمّا افتتح عبد اللّه بن علي الشام ، و قتل مروان بن محمّد قال لأبي عون ، و من معه من أهل خراسان : إنّ لي في بقية آل مروان تدبيرا . فتأهبّوا يوم كذا و كذا في أكمل عدّه . ثمّ بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا ، و أعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء . فحضر منهم ثمانون رجلا .

فصاروا إلى بابه ، و معهم رجل من كلب قد ولدهم . ثمّ أذن لهم فدخلوا . فقال الآذن للكلبي : ممّن أنت . قال : من كلب ، و قد ولدتهم . قال له : انصرف و دع القوم .

فأبى أن يفعل و قال : إنّي خالهم و منهم . فلمّا استقر بهم المجلس خرج رسول ،

و قال بأعلى صوته : أين حمزة بن عبد المطلب ؟ ليدخل . فأيقن القوم بالهلكة . ثمّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ٥ : ٤٠٩ ٤١٥ ، سنة ١٣٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٣٢٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٩٩

خرج الثانية . فقال : أين الحسين بن علي ؟ ليدخل . ثمّ خرج الثالثة . فقال . أين زيد بن علي ؟ ثمّ خرج الرابعة . فقال : أين يحيى بن زيد ؟ ثمّ قال : إيذنوا لهم . فدخلوا و فيهم الغمر بن يزيد و كان له صديقا فأومأ إليه أن ارتفع فأجلسه معه على طنفسته و قال للباقين : إجلسوا ، و أهل خراسان قيام بأيديهم العمد إلى أن قال .

ثمّ قال لأهل خراسان : « دهيد » فشدخوهم بالعمد حتّى سألت أدمغتهم و قام الكلبي . فقال : أيّها الناس أنا رجل من كلب لست منهم . فقال :

و يدخل رأسه لم يدنه أحد

بين القرينين حتّى لزّه القرن

ثمّ قال : « دهيد » فشدخ الكلبي معهم . ثمّ التفت إلى الغمر . فقال له : لا خير لك في الحياة بعدهم . قال : أجل . فقتل . ثمّ دعا ببراذع فالقاها عليهم و بسط عليها الانطاع ، و دعا بغدائه . فأكل فوقهم و إنّ أنين بعضهم لم يهدأ حتّى فرغ ثمّ قال :

ما تهنأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين عليه السلام إلاّ يومي هذا ، و قام فأمر بهم فجرّوا بأرجلهم ، و أغنم أهل خراسان أموالهم . ثمّ صلبوا في بستانه ، و كان يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان . فإذا رائحة الجيف تملأ الأنوف . فقيل له : لو أمرت بردّ هذا الباب . فقال : و اللّه لرائحتها أحبّ إليّ ، و أطيب من رائحة المسك . ثمّ قال :

حسبت اميّة أن سترضى هاشم

عنها و يذهب زيدها و حسينها

كلاّ و رب محمّد و إلهه

حتّى تباح سهولها و حزونها

و تذلّ ذلّ حليلة لحليلها

بالمشرفي و تسترد ديونها ١

و في ( تاريخ الطبري ) : جلس المنصور للمدنيّين ببغداد مجلسا عاما و كان وفد إليه منهم جماعة فقال : لينتسب كلّ من دخل . فدخل عليه شاب

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار ١ : ٢٠٦ ٢٠٨ ، و النقل بتلخيص .

١٠٠