الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة0%

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 207

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 22567
تحميل: 8308

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22567 / تحميل: 8308
الحجم الحجم الحجم
الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بهذا كان يكتفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاِطلاق وصف الاِسلام على الاَشخاص من دون أن ينبِّش في أعرافهم الاجتماعية وممارساتهم التقليدية، عند احترام شخصياتهم وتكريمهم. فما بال المدعو "الجبرين" وأضرابه يكفّرون بسهولة أُمة كبيرة من الموحدين الموَمنين بالرسالة المحمدية، التابعين للعترة الطاهرة المجاهدين للكفار والمستعمرين؟ مع أنهم يشهدون بالوحدانية والرسالة والمعاد ويصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون.

وهل يحق لهم التكفير وقد نهاهم رسول الاِسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك في أكثر من حديث صحيح تنقله مصادر السنّة والشيعة:

"كفّوا عن أهل لا إله إلاّ الله لا تكفّروهم بذنب، فمن كفّر أهل لا إله إلاّ الله فهو إلى الكفر أقرب".

"من قذف موَمناً بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفساً بشيء عذّبه الله بما قتل".

"إذا قال الرجل لاَخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن الموَمن كقتله(١) .

هل دعاء الصالحين عبادة لهم وشرك؟

يقول صاحب هذه الفتوى الظالمة الباطلة: إنّ الرافضة مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء.

إنّه يتمسّك بهذه الحجة (أي دعاء الاَولياء الصالحين في الشدة والرخاء) لرمي الشيعة المسلمين الموَمنين بالكفر والشرك. وهو أكبر حججهم لتكفير عامة المسلمين وليس خصوص الشيعة وهو لا يدرك أن دعاء الاَولياء يقع على وجهين:

____________

(١) راجع جامع الاَُصول: ١ و ١٠ و ١١، وكنز العمال للمتقي الهندي١.

١٠١

الاَوّل: دعاء الولىّ ونداوَه بما أنّه عبد صالح تستجاب دعوته عند الله إذا طلب منه تعالى شيئاً، وهو شىء أباحه القرآن بل أمر به إذ قال:( وَلَوْ أنَّهُمْ إذ ظَلَمُوا أنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاستَغْفَرُوا اللهَ و اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (١)

عن يعقوبعليه‌السلام أنّه لما طلب منه أبناوَه أن يدعو لهم ويستغفر لذنبهم قال:

(سَوفَ أستغفِرُ لَكُم ) وهو أمر جائز وجارٍ في حياة النبيعليه‌السلام وأهل بيته وحال مماته، إذ الموت لا يغيّر الموضوع كما أنّه ليس دخيلاً في مفهوم التوحيد والشرك، ما دام الداعي يوَمن بالله الواحد ويعتبره الرب الخالق والمدبر المستقل دون سواه.

روى الطبراني عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف عن عمّه عثمان بن حنيف: أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكى ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللّهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي الرحمة يا محمد إنّي أتوجه بك إلى ربى فتقضى لى حاجتى، فتذكر حاجتك ورح حتى أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان (رض) فجاء البوّاب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان (رض) فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كان الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها. ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتى ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمتُه ولكنّى شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فتصبّر، فقال: يارسول الله ليس لي قائد، فقد شق علىّ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات".

____________

(١) النساء: ٦٤.

١٠٢

قال ابن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط(١)

إنّ هذه الرواية ونظائرها تكشف عن أنّ الصحابة كانوا يدعون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوسّلون به حتى بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون أن يعتبروا ذلك محرّماً بل ولا مكروهاً.

الثاني: لا شك أنّ دعاء النبي أو الصالح ونداءهما والتوسّل بهما باعتقاد أنّه إله أو ربّ أو خالق أو مستقلّ في التأثير أو ملك للشفاعة والمغفرة شرك وكفر، ولكنّه لا يقوم به أىّ مسلم في أقطار الاَرض، بل ولا يخطر ببال أحد وهو يقرأ آيات الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار، ويتلو قوله سبحانه:

( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيـْرُ الله ) (٢) ؟

( أَ ءِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُون ) (٣)

( قُلْ أَغَيْـرَ اللهِ أَبْغِي رَبّاً... ) (٤)

( قُلْ لا أمْلِكُ لِنَفْسِي ضَراً ولا نَفْعاً إلاّ مَا شَاءَ الله ) (٥)

إنّ المسلمين لا يعتقدون في النبي وأهل بيته المطهرين: (فاطمة وعلى والحسن والحسينعليهم‌السلام ) إلاّ كونهم عباداً صالحين مقرَّبين عند الله مستجابة دعوتُهم. ولا يعتقدون بغير ذلك من ربوبية أو إلوهية أو مالكية للشفاعة والمغفرة أبداً.

____________

(١) الحافظ الطبراني: المعجم الكبير: ٩|١٦ و ١٧.

(٢) فاطر: ٣.

(٣) النمل: ٦٣.

(٤) الاَنعام: ١٦٤.

(٥) يونس: ٤٩.

١٠٣

ولكنّ القوم الذين عمدوا إلى تكفير الشيعة وغيرهم من المسلمين لم يفرّقوا بين الدعائين والندائين، فرموهما بسهم واحد.

ثم يقول المدعو جبرين: "حيث جعلوه ـ أي علياًعليه‌السلام ـ رباً وخالقاً ومتصرفاً في الكون" ويالها من كذبة وقحة، وفرية فاضحة، وتهمة للمسلمين الموحدين. فما الرب عند المسلمين شيعة وسنّة، وما الخالق وما المتصرف الحقيقي في الكون إلاّ الله سبحانه دون سواه وهذه كتبهم ومصنفاتهم في العقائد والحديث والتفسير، فهى طافحة بالاعتراف والاِقرار بوحدانية الله تعالى في الذات والصفات والخالقية والتدبير والحاكمية والتشريع والطاعة، والعبودية والشفاعة والمغفرة.

وكيف ترى يحق لجبرين ونظرائه أن يكفّروا المسلمين شيعة وسنّة الذين يوحّدون الله ، بشيء لم يعتقدوا به ولم يقولوا به؟

ولو صحّ أنّ دعاء أحد يستلزم القول بإلوهيته أو ربوبيته ويعدّ هذا الدعاء والنداء شركاً وكفراً فكيف نادى ودعا إخوة يوسف، أخاهم يوسف وقالوا:( يَا أيّها العَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّـرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إنّ اللهَ يـَجْزِي المـُتَصَدّقِينَ ) (١) ؟ ولم يعتبر القرآن هذا شركاً.

فهل النبي الاَكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقل شأنا ودرجة من عزيز مصر يوسف الصديقعليه‌السلام ؟!

____________

(١) يوسف: ٨٨.

١٠٤

وأمّا كون النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختلف عن العزيز بأنّه ميت فهو عذر تافه وكلام باطل، إذ حياة النبي وأهل بيته الشهداء في سبيل الله في البرزخ أمر مسلّم، كيف والقرآن الكريم يقول:( وَلا تَحْسَبَنَّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أحْياءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرزَقُون ) (١) وقال:( وَلاتَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيل اللهِ أموَاتٌ بَلْ أحْيَاءٌ وَلَكِن لا تَشْعُرُون ) (٢)

مع العلم أنّ الشهداء يأتون في المرتبة الثالثة في قوله تعالى:( فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ والصّدّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصّالِحين ) (٣)

لو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتاً فما معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "ما من أحد يسلّم علىَّ إلاّ ردّ الله عزّ وجلّ علىّ روحى حتى أرد عليه السلام(٤) ؟ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "صلّوا علىّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" (٥)

إنّ النبي الاَكرم، والاَئمة الطاهرين من أهل بيته الذين يشاركونه في الطهر والقداسة لآية التطهير والمباهلة والمودة، والذين قُتِلوا في سبيل الله ودفاعاً عن حياض الشريعة المحمدية المقدسة، متماثلون في الحياة بعد الموت، فكيف يكون نداوَهم ودعاوَهم دعاء للميت الذي لا يسمع؟

العلم بالغيب على نوعين:

ويقول جبرين في فتواه: "وجعلوه ـ يعنى علياً ـ يعلم الغيب".

____________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) البقرة: ١٥٤.

(٣) النساء: ٦٩.

(٤) سنن أبي داود: ٢| ٢١٨، وكنز العمال: ١٠|٣٨١، وغيرهما من كتب الحديث.

(٥) نفس المصدر.

١٠٥

إنّ صاحب هذه الفتوى الباطلة جاهل حتى باللغة العربية والمصطلح الديني، فإنّ العلم بالغيب في الكتاب العزيز هو العلم النابع من الذات (أي من ذات العالم) غير المكتسب من آخر وهذا يختص بالله الواحد الاَحد، وإليه يشير قوله سبحانه:( قُلْ لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَواتِ والاَرضِ الغَيْبَ إلاّ الله ) (١) وأمّا الاِخبار بالغيب بتعليم من الله فالكتاب العزيز والسنّة الشريفة مليئان منه.

فهذه سورة يوسف تخبرنا بأنّ يعقوب وابنه يوسفعليهما‌السلام قد أخبرا عن حوادث مستقبلية كثيرة.. أي أخبرا بالغيب:

١ ـ لمّا أخبر يوسف والده بأنّه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له، قال يعقوبعليه‌السلام :( يا بُنَىّ لا تَقْصُصْ رُوَْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا ) (٢) وبذلك أخبر ضمناً عن مستقبله المشرق الذي لو عرف به إخوته لثارت عليه حفائظهم.

٢ ـ لمّا أخبر صاحبا يوسف في السجن يوسفَ بروَياهما قالعليه‌السلام لمن أخبره بأنّه يعصر خمراً:( أمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبّهُ خَمراً ) وقال للثاني ـ الذي قال إنّه رأى يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه ـ:( وأمّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيرُ مِن رَأسِهِ ) (٣)

٣ ـ لما فصلت العير قال أبوهم "يعقوب":( إنّي لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أن تُفَنّدُون ) (٤) .

٤ ـ قـال النبي عيسىعليه‌السلام لقومـه في معرض بيان معاجزه

____________

(١) النمل: ٦٥.

(٢) يوسف: ٥.

(٣) يوسف: ٤١.

(٤) يوسف: ٩٤.

١٠٦

وبيّناته:( وأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم ) (١)

أليست كل هذه إخبارات بالغيب، ومغيّبات أنبأ بها الرسلُ؟

وإذا هي ثبتت لنبىّ جـاز نسبتها إلى العترة الطاهرة لما لهم من المنزلة والمكانة العيا، وهل عليّعليه‌السلام أقلّ شأناً من هارونعليه‌السلام وقد قال النبي في شأنّه: "يا علي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي"؟(٢) الذي يعنى أنّه له ما للرسول إلاّ أنّه ليس نبياً، لختم النبوة برسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كيف لا، وعليعليه‌السلام وارث علم رسول الله بإجماع الاَُمة الاِسلامية، وهل عليّعليه‌السلام أقل من كعب الاَحبار الذي أخبر الخليفة الثاني بأنّه سيموت بعد ثلاثة أيام وتحقّقت هذه النبوءة فعلاً(٣)

وهلاّ علم "جبرين" ما أخرجه قومه في أئمتهم من العلم بالغيب ففى مسند أحمد: (١|٤٨ و ٥١) : أن عمر بن الخطاب أخبر بموته بسبب روَيا رآها وكان بين روَياه وبين يوم مصرعه اسبوع واحد(٤) ؟

الشيعة وصيانة القرآن عن التحريف :

ويقول جبرين في فتواه الجائرة على شيعة أهل البيت: "كما أنّهم يطعنون في القرآن الكريم..".

إنّ الشيعة أيّها الشيخ لا يطعنون في القرآن ولا يقولون بوقوع التحريف فيه. ولكن غيرهم قال بهذا، راجع تفسير الجامع لاَحكام القرآن للقرطبي:

____________

(١) آل عمران: ٤٩.

(٢) جامع الاَُصول: ٨|٦٥٠.

(٣) الرياض النضرة: ٢|٧٥.

(٤) مسند أحمد: ١|٤٨ و ٥١.

١٠٧

١٤|١١٣: وكانت هذه السورة (أي سورة الاَحزاب) تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) ذكره أبو بكر الاَنباري عن أُبي بن كعب.

ثم قال: وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد قال: حدثنا أبو عبيد القاسم ابن سلاّم قال: حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الاَسود عن عروة عن عائشة، قالت: كانت سورة الاَحزاب تعدل على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائتى آية، فلما كُتِبَ المصحف لم يقدر منها إلاّ على ما هي الآن(١)

وروى أيضاً عن أُبي بن كعب قوله: "فو الذي يحلف به أُبي بن كعب إنّها كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) .

وفي موطّأ مالك قال عمر بن الخطاب: والذي نفسى بيده، لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتُها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنّا قد قرأناها(٢) ".

إذن فأين ذهبت هذه الآية؟

وجاء في صحيح البخاري ومسند أحمد: قال عمر بن الخطاب: ثم إنّا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(٣)

فهذا هو الخليفة يصرّح بسقوط آي من القرآن الحكيم!

____________

(١) تفسير الجامع: ١٤|١١٣.

(٢) الموطأ: ١٠، الحدود.

(٣) صحيح البخاري: ٤|١٧٩، مسند أحمد: ١|٥٥.

١٠٨

أمّا ما يقوله الشيعة حول القرآن الكريم فإليك طائفة من أقوال أبرز شخصياتهم القدامى والمتأخّرين نذكرها على سبيل المثال لا الحصر:

١ ـ قال الشيخ الصدوق (المتوفى ٣٨١هـ) فى رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الاِمامية: اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفتين وهو ما بأيدي الناس ليس بأكثر من ذلك.

ثم قال: ومن نسب إلينا أنا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب(١)

٢ ـ قال الشريف المرتضى (المتوفى عام ٤٣٦هـ) : إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه فيما ذكرناه، لاَنّ القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاَحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شىء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟(٢) آس

٣ ـ وقال الشيخ الطوسي (المتوفى ٤٦٠هـ) : وأمّا الكلام فى زيادته ونقصانه فممّا لا يليق بهذا الكتاب المقصود منه العلم بمعاني القرآن، لاَنّ الزيادة مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الاَليق بالصحيح من مذهبنا(٣)

____________

(١) اعتقادات الاِمامية المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر.

(٢) مجمع البيان: ١|١٥.

(٣) مقدّمة تفسير التبيان.

١٠٩

٤ ـ قال العلاّمة الحلّي (المتوفى ٧٢٦هـ) فى أحد موَلفاته: الحق أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه (أي القرآن) وأنّه لم يزد ولم ينقص ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقولة بالتواتر(١)

٥ ـ وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (المتوفى عام ١٣٧٣هـ) : وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاِعجاز والتحدي ولتعليم الاَحكام ولتمييز الحلال والحرام، وانّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم (أي إجماع الشيعة الاِمامية)(٢)

٦ ـ وقال السيد محسن الاَمـين العاملـي (المتوفى عام ١٣٧١هـ) : لا يقـول أحد من الاِمامية لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلاً عن كلّهم، بل كلّهم متفقون على عدم الزيادة ومن يُعتدّ بقوله من محقّقيهم متفقون على أنّه لم ينقص منه، ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفترٍ مجترىَ على الله ورسوله(٣)

٧ ـ وقال الاِمام شرف الدين العاملي (المتوفى عام ١٣٧٧هـ) : كل من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر ظالم لهم، لاَنّ قداسة القرآن الحكيم من ضروريات الديـن الاِسلامي ومذهبهم الاِمامي ـ إلى أن قال: ـ وتلك كتـبهم في الحديث والفقه والاَُصول صريحة بما نقول: والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ولاتبديل لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحى والنبوة(٤)

____________

(١) أجوبة المسائل المهناوية: ١٢١، المسألة ١٣.

(٢) أصل الشيعة وأُصولها: ١٣٣.

(٣) أعيان الشيعة: ١|٤١.

(٤) الفصول المهمة: ١٦٣.

١١٠

٨ ـ وقال السيد الاِمام الخمينيقدس‌سره : إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف على بطلان تلك المزعمة. وماورد فيه من أخبار ـ حسبما تمسّكوا ـ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به أو مجعول تلوح عليه امارات الجعل، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير وأنّ التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته.

وتفصيل ذلك يحتاج إلى تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون ويتلخّص في أنّ الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفتين لا زيادة فيه ولانقصان، وأنّ الاختلاف في القراءات أمر حادث ناشىٌَ عن اختلاف في الاجتهادات من غير أن يمس جانب الوحى الذي نزل به الروح الاَمين على قلب سيد المرسلين(١)

٩ ـ وقال السيد الاِمام الگلبايگانيقدس‌سره : الصحيح من مذهبنا أنّ كتاب الله الكريم الذي بأيدينا بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه من لدن عزيز حكيم، المجموع المرتّب في زمانه (أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصره) بأمره بلا تحريف وتغيير وزيادة ونقصان والدليل على ذلك تواتره بين المسلمين، كلاّ ًوبعضاً، ترتيباً وقراءة...(٢) ١٠ ـ وللسيـد الاِمام الخوئي قدس‌سره : بحث مفصل يوَكد فيه على خلو القرآن الكريم من أيّة زيادة أو نقيصة في مقدمة تفسيره البيان (٣)

هذه هي نماذج صريحة تعكس عقيدة الشيعة الاِمامية منذ القديم وإلى الآن حول القرآن الكريم، وكلّها توَكد على صيانة الكتاب العزيز من أيّة زيادة أو نقيصة وخلوّه من كل تغيير أو تبديل، فكيف يتّهم "جبرين" الشيعة الاِمامية بأنهم يطعنون في القرآن؟

____________

(١) تهذيب الاَُصول: ٢|١٦٥.

(٢) البرهان للبروجردي: ١٥٦ ـ ١٥٨.

(٣) ارتحل الاِمام الخوئىقدس‌سره إلى بارئه في ٨ صفر ١٤١٣ هـ ق .

١١١

وأمّا الروايات فهي مضافاً إلى كونها ضعيفة شاذة، أو مجعولة موضوعة لا يأبه بها الشيعة الاِمامية ـ لاتشكل عقيدة الشيعة الاِمامية، إذ ليس كل ما في الروايات يعكس عقيدتهم، حتى يوَاخذون عليها، حتى لو افترضت صحة بعضها سنداً ـ فكيف يوَاخذون عليها والحال أنّها ـ كما قلناه ـ ليست بصحيحة.

إنّ القرآن الكريم حسب عقيدة المسلمين سنّة وشيعة الذي بأيدى الناس هو ما نزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع خصوصياته الحاضرة.

وكما لا يعبأ أعلام السنّة بروايات التحريف الواردة في مصادرهم، كذلك لا يأبه علماء الشيعة أيضاً بما ورد في بعض مصادرهم لضعفها وشذوذها، وظهور آثار الاختلاق عليها.

الصحابة في مرآة القرآن والحديث:

وأمّا قول "جبرين": حول موقف الشيعة الاِمامية من الصحابة ففيه مغالطة وتغطية للحق إذ لا تجد على أديم الاَرض مسلماً يعتنق الاِسلام ويحب النبي الاَكرم، يبغض أصحاب النبي الاَكرم بما أنّهم أصحابه وأنصاره، بل الكل ينظر إليهم في هذا المجال بنظر التكريم والتبجيل، ومن أبغضهم أو سبَّهم بهذا المنظار، فهو كافر، أبعده الله ولكن إذا صدر منهم فعل لا يوافق الكتاب والسنّة فقام أحد بذكر فعله وتوصيف حاله حسب دلالة عمله وفعله عليه وقال: إنّه ركب الخطاء، أو صدرت منه المعصية، أو قتل نفساً بغير نفس، إلى غير ذلك من المحرّمات والموبقات، فقد تبع القرآن الكريم والسنّة النبوية والسلف الصالح.

فحب الصحابي بما هو صحابي أمر، وتوصيف أعماله وأفعاله ـ إن خيراً فخير وإن شراً فشر ـ أمر آخر يهدف إلى الموضوعية في البحث، والقضاء والابتعاد عن العشوائية في الاعتقاد، "والجبرين" لايفرّق بين الاَمرين ويضربهما بسهم واحد لغايات سياسية.

١١٢

إنّ صحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما من الله شيئاً، قال سبحانه:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امرَأتَ نُوحٍ و امرَأَةَ لُوطٍ كانَتَا تَـحْتَ عَبْدَيْنِ مِن عِبَادِنَا صَالِحَينَ فَخَانَتَاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيل ادخُلا النارَ مَعَ الدّاخِلِين ) (١)

إنّ التشرّف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازاً وتأثيراً من التشرّف بالزواج من النبي، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه:( يانِسَاءَ النّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَها العَذَابُ ضِعْفَينِ وكانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرا ) (٢)

وكما أنّهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للاِسلام، كذلك كانوا مختلفين أيضاً في مقدار الصحبة، فبعضهم صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهراً أو أياماً أو ساعات.

فهل يصح أن نقول: إنّ صحبةً مّا قلعت ما في نفوسهم جميعاً من جذور غير صالحة وملكات رديئة وكوّنت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح.

____________

(١) التحريم: ١٠ .

(٢) الاَحزاب: ٣٠ .

١١٣

إن تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلّهم أشبه شيء بمادة كيمياوية تستعمل في تحويل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب، فكأن الصحبة قلبت كل مصاحب إلى إنسان مثالىّ يتحلّى بالعدالة، وهذا ممّا يردّه المنطق والبرهان السليم، وذلك لاَنّ الرسول الاَعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الاِعجاز( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أجـْمَعِين ) (١)

بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق وصبهم في بوتقة الكمال مستعيناً بالاَساليب الطبيعية والاِمكانات الموجودة كتلاوة القرآن الكريم، والنصيحة بكلماته النافذة، وسلوكه القويم وبعث رسله ودعاة دينه إلى الاَقطار، ونحو ذلك. والدعوة القائمة على هذا الاَساس، يختلف أثرها في النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلياتها فلا يصح لنا أن نرمي الجميع بسهم واحد.

الصحابة في الذّكر الحكيم:

نرى أنّ الذكر الحكيم يصنّف صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويمدحهم ضمن أصناف نأتي ببعضها: ١ ـ السابقون الاَوّلون: يصف الذكر الحكيم السابقين الاَوّلين من المهاجرين والاَنصار والتابعين لهم بإحسان بأنّ الله رضي عنهم وهم رضوا عنه. قال عزّ من قائل:( والسّابِقُونَ الاََوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والاَنصَارِ وَالّذينَ اتّبَعُوهُم بِإحسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحتَها الاَنهارُ خَالِدِينَ فِيها أَبَداً ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيم ) (٢) ٢ ـ المبايعون تحت الشجرة: ويصف سبحانه الصحابة الذين بايعوه

____________

(١) الاَنعام: ١٤٩ .

(٢) التوبة: ١٠٠ .

١١٤

تحت الشجرة بنزول السكينة عليهم قائلاً في محكم كتابة:( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُوَْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (١) ٣ ـ المهاجرون: وهؤلاء هم الذين يصفهم تعالى ذكره بقوله:( لِلفُقَرَاءِ المُهاجِرينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُون ) (٢) ٤ ـ أصحاب الفتح: وهؤلاء هم الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الفتح بقوله:( مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطأهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظ بِـهِمُ الكُفّارَ وعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأجْراً عَظِيماً ) (٣) ٥ ـ الاَصناف الاَُخرى للصحابة: فالناظر المخلص المتجرّد عن كل رأي مسبق يجد في نفسه تكريماً لهوَلاء الصحابة.

____________

(١) الفتح: ١٨

(٢) الحشر: ٨

(٣) الفتح: ٢٩ .

١١٥

غير أنّ الرأي الحاسم في عامّة الصحابة يستوجب النظر إلى كل الآيات القرانية الواردة في حقّهم، فعندئذ يتبيـّن لنا أنّ هناك أصنافاً أُخرى من الصحابة غير ما سبق ذكرها، تمنعنا من أن نضرب الكلّ بسهم واحد، ونصف الكل بالرضا والرضوان. وهذا الصنف من الآيات يدل بوضوح على وجود مجموعات من الصحابة تضاد الاَصناف السابقة في الخلقيات والملكات والسلوك والعمل: أ ـ المنافقون المعروفون: المنافقون المعروفون بالنفاق الذين نزلت في حقّهم سورة "المنافقون" قال سبحانه:( إذَا جَاءَكَ المُنافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إِنّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُون... ) إلى آخر السورة .(١) فهذه الآيات تعرب بوضوح عن وجود كتلة قويّة من المنافقين بين الصحابة آنذاك، وكان لهم شأنٌ ودورٌ في المجتمع الاِسلامى فنزلت سورة قرانية كاملة في حقهم. ب ـ المنافقون المختفون: تدل بعض الآيات على أنّه كانت بين الاَعراب القاطنين خارج المدينة ومن نفس أهل المدينة جماعة مردوا على النفاق وكان النبي الاَعظم لا يعرف بعضهم ومن تلك الآيات قوله سبحانه:( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَعْرابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النّفَاقِ (٢) لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُم ) (٣)

____________

(١) المنافقون: ١.

(٢) مردوا على النفاق: تمرّنوا عليه ومارسوه.

(٣) التوبة: ١٠١.

١١٦

لقد أعطى القرآن الكريم عناية خاصة بعصبة المنافقين وأعرب عن نواياهم وندّد بهم في السور التالية: البقرة، آل عمران، المائدة، التوبة، العنكبوت، الاَحزاب، محمد، الفتح، الحديد، المجادلة، الحشر، والمنافقون. وهذا إن دلّ على شىء فإنّما يدلّ على أنّ المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الاِسلامي بين معروف، عرف بسمة النفاق ووسمة الكذب، وغير معروف بذلك مقنَّع بقناع التظاهر بالاِيمان والحبّ للنبي، فلو كان المنافقون جماعة قليلة غير موَثرة لما رأيت هذه العناية البالغة في القرآن الكريم. وهناك ثلّة من المحقّقين كتبوا حول النفاق والمنافقين رسائل وكتابات وقد قام بعضهم بإحصاء ما يرجع إليهم فبلغ مقداراً يقرب من عشر القرآن الكريم ، وهذا يدل(١) على كثرة أصحاب النفاق وتأثيرهم يوم ذاك في المجتمع الاِسلامى، وعلى ذلك لا يصح لنا الحكم بعدالة كل من صحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع غض النظر عن تلك العصابة، المتظاهرة بالنفاق والمختفية في أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ـ مرضى القلوب: وهذه المجموعة من الصحابة لم يكونوا من زمرة المنافقين بل كانوا يتلونهم في الروحيات والملكات مع ضعف في الاِيمان والثقة بالله ورسوله ٦، قال سبحانه بحقّهم:( وَإذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورا ) (٢) فأنّى لنا أن نصف مرضى القلوب الذين ينسبون خُلف الوعد إلى الله سبحانه وإلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتقوى والعدالة؟

____________

(١) النفاق والمنافقون: تأليف الاَستاذ: إبراهيم على سالم المصرى.

(٢) الاَحزاب: ١٢.

١١٧

تلك المجموعة كانت قلوبهم كالريشة في مهبّ الريح تميل إلى هؤلاء تارة وإلى أُولئك أُخرى، وذلك بسبب ضعف إيمانهم وقد حذّر البارى عزّ وجلّ المسلمين منهم حيث قال عزّ من قائل، واصفاً إيّاهم بالسمّاعين لاَهل الريب:( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ و ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدَونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لاَََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انبعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فيكُمْ ما زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلاَََوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين ) وذيل الآية دليل(١) على كون السمّاعين من الظالمين لا من العدول.

د ـ السمّاعون:

هـ ـ خالطو العمل الصالح بالسىّء:

و ـ المشرفون على الارتداد:

إنّ بعض الآيات تدل على أن ّمجموعة من الصحابة كانت قد أشرفت على الارتداد يوم دارت عليهم الدوائر، وكانت الحرب بينهم وبين قريش طاحنة فأحسّوا بالضعف، وقد أشرفوا على الارتداد وقد عرّفهم الحق سبحانه بقوله:وهؤلاء هم الذين يقومون بالصلاح والفلاح تارة، والفساد والعبث أُخرى، فلاَجل ذلك خلطوا عملاً صالحاً بعمل سىّء، قال سبحانه: ( وَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً واخَرَ سَيّئاً ) (٢)

____________

(١) التوبة: ٤٥ ـ ٤٧.

(٢) التوبة: ١٠٢.

١١٨

( وطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْـرَ الحَقّ ظَنَّ الجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الاََمْرِ مِنْ شَيءٍ قُلْ إِنَّ الاََمْرَ كُلُّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الاََمْرِ شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هَهُنا ) (١)

ز ـ الفاسق:

إنّ القرآن الكريم يحثُّ الموَمنين وفي مقدّمتهم الصحابة، على التحرّز من خبر الفاسق حتى يتحقّق التبيّن. فمَن هذا الفاسق الذي أمر القرآن بالتحرّز من خبره؟ إقرأ أنت ماورد حول الآية من شأن النزول واحكم بما هو الحق قال سبحانه:( يَا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (٢)

فإن ّمن المجمع عليه بين أهل العلم أنّه نزل في حق الوليد بن عقبة بن أبي معيط وذكره المفسّرون في تفسير الآية فلا نحتاج إلى ذكر المصادر.

كما نزل في حقه قوله تعالى:( أَفَمَن كَانَ مُوَْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتوُون ) (٣) .

نقل الطبري في تفسيره باسناده أنّه كان بين الوليد وعلىّ، كلام فقال الوليد: أنا أسلط منك لساناً، وأحدُّ منك سناناً وأردُّ منك للكتيبة. فقال علي: اسكت فانّك فاسق، فأنزل الله فيهما:( أَفَمَن كانَ مُوَْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُون ) . (٤)

وقد نظم الحديث حسانُ بن ثابت (شاعر عصر الرسالة) وقال:

____________

(١) آل عمران: ١٥٤.

(٢) الحجرات: ٦.

(٣) السجدة: ١٨.

(٤) تفسير الطبري: ٢١|٦٠، وتفسير ابن كثير: ٣|٤٦٢.

١١٩

أنزل الله والكتاب عزيز

في على وفي الوليد قرآنا

فتبوّأ الوليد إذ ذاك فسقاً

وعليّ مبوأٌ إيمانا

سوف يدعى الوليدُ بعد قليلو

عليّ إلى الحساب عيانا

فعلىّ يجزى بذاك جنانا

ووليدٌ يُجزى بذاك هوانا(١)

أفهل يمكن لباحث حرّ، التصديقُ بما ذكره ابن عبد البر وابن الاَثير وابن حجر، وفي مقدّمتهم أبو زرعة الرازي الذي هاجم المتفحّصين المحقّقين في أحوال الصحابة واتّـهمهم بالزندقة؟

ح ـ المسلمون غير الموَمنين:

إنّ القرآن يعدّ جماعة من الاَعراب الذين رأوا النبي وشاهدوه وتكلّموا معه، مسلمين غير موَمنين وأنّهم بعدُ لم يدخل الاِيمان في قلوبهم، قال سبحانه:( قَالَت الاَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَم تُوَْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلمّا يَدْخُلِ الاِِيَمانُ في قُلُوبِكُمْ وَإن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لايَلْتِكُم مِنْ أعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم ) (٢)

أفهل يصح عدُّ عصابة غير موَمنة من العدول الاَتقياء؟!

ط ـ الموَلّفة قلوبهم:

اتّفق الفقهاء على أنّ الموَلّفة قلوبهم ممّن تصرف عليهم الصدقات، قال سبحانه:( إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَسَاكِينِ والعَامِلِينَ عَلَيْها وَالمُوََلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

____________

(١) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزى: ١٥، وكفاية الكنجى: ٥٥ ومطالب السوَول لابن طليحة: ٢٠، وشرح النهج، الطبعة القديمة: ٢|١٠٣، وجمهرة الخطب لاَحمد زكى: ٢|٢٢، لاحظ الغدير: ٢|٤٣.

(٢) الحجرات: ١٤.

١٢٠