الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة0%

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 207

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 22570
تحميل: 8308

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22570 / تحميل: 8308
الحجم الحجم الحجم
الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

الإيمان والكفر في الكتاب والسنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نعم ذكر "الخازن" وجهاً آخر للجمع بين "متوفّيك" و"رافعك" وقال: إنّ معنى "التوفّى" أخذ الشيء وافياً، ولما علم الله تعالى إنّ من الناس من يخطر بباله أنّ الذي رفعه الله إليه هو روحه دون جسده كما زعمت النصارى إنّ المسيح رفع لاهوته يعني روحه وبقي في الاَرض ناسوته يعنى جسده فرد الله عليهم بقوله:( إنّي متوفّيك ورافعك إلىّ ) فأخبر الله أنّه رفعه بتمامه إلى السماء بروحه وجسده جميعاً إلى السماء(١) .

فالكل كناية عن الاستظلال بظل عنايته ورحمته، من دون شوب تجسيم أو غيره.

نعم، إنّ ما تدلّ عليه الآية هو أنّ المسيح رفع بجسمه وبدنه حيّاً إليه سبحانه، وأمّا كونه حياً لحد الآن فلا يستفاد من الآية، بل لابدّ للقول بحياته الباقية إلى الآن من دليل آخر وسيوافيك بيانه كما سيجيء توضيح للمقام عند تفسير الآية الثانية.

تفسير الآية الثانية:

وأمّا الآية الثانية: وهي قوله:( إنّا قَتَلْنا المَسيحَ عيسى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكن شُبِّهَ لَـهُمْ وإنَّ الّذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إلاّ اتّباعَ الظنّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَفَعَهُ اللهُ إليهِ وَكانَ اللهُ عَزيراً حَكيما ) (٢)

فإنّ الآية ظاهرة في عدم موت المسيح (عندما هجم عليه أعداوَه) بالصلب ولا بأىّ سبب طبيعي آخر، وذلك لاَنّ اليهود لما ادّعوا قتله وصلبه، نزلت الآية حينئذٍ لتكذيب خصوص هذا الزعم وتفنيد هذا الادّعاء وإثبات أنّهعليه‌السلام لم يُقتل ولم يُصلب كما ادّعي اليهود، بل رفع وحفظ من كيدهم، فيكون مفاد الآية، هو رفع عيسى حياً من بين الاَعداء، فالرفع تعلّق بما تعلّق به الادّعاء، فتكون النتيجة أنّ هاهنا دعويين:

____________

(١) تفسير الخازن: ١|٣٥٦.

(٢) سورة النساء: الآيتان ١٥٧ ـ ١٥٨.

١٤١

الاَُولى: ما يدّعيه اليهود هو: قُتِلَ المسيح وصُلِب.

الثانية: ما يقوله القرآن: ما قتل المسيح وما صلب بل رفع.

وبما أنّ متعلّق القتل والصلب هو الوجود الخارجي، أي جسمه وروحه، فيكون ذلك متعلّق الرفع أيضاً، أي رفع بجسمه وروحه.

وبذلك يظهر بطلان أمرين:

الاَوّل: "إنّ الله سبحانه أمات المسيح أوّلاً ثم رفعه"(١) وذلك لاَنّه مخالف لظاهر الآية، فإنّ الاضراب الواقع في قوله تعالى: (بل رفعه الله )لا يكون اضراباً عن قول اليهود إلاّ برفعه حياً لا برفعه ميتاً، فهذا الرفع كان نوع تخليص للمسيح، فأنجاه الله به من أيدي اليهود سواء أمات بعد ذلك أم بقي حياً، بإبقاء الله تعالى له، وعلى كل تقدير فلا يكون قوله:( بل رفعه الله ) إبطالاً لقول اليهود إلاّ إذا رفع حياً.

الثاني: "أنّ المراد من الرفع، رفع درجته"(٢) وذلك لاَنّ المتبادر من الرفع هو رفع شخصه من بين الاَعداء، لا إعلاء مقامه ودرجته، لاَنّ مصب البحث هو قتل عيسى وصلبه، والآية بصدد التنديد بذلك الزعم وإبطاله، إذ تقول: ( وَما قَتَلُوهُ يَقيناً * بل رفعه الله إليه ) ولا يتم هذا التنديد إلاّ بتفسير الرفع، برفع عيسى ببدنه وشخصه من بين الاَعداء، ولا يناسب تفسيره بإعلاء مقامه، لاَنّ البحث ليس حول درجة المسيح ومقامه وهذا بخلاف قوله تعالى: ( ورفعناه مكاناً علياً ) .

____________

(١) وهذا التفسير عين ما ورد في الاَناجيل المحرّفة من موت المسيح ثم رفعه بعد أُسبوع أو أيام قلائل فكيف يعتمد على هذا الوجه؟!

(٢) وهذا نفس ما احتمله المراغى في تفسيره، وربما يدّعى أنّه المبدع للشبهة فقد نسبها إليه الشيخ "مصطفى صبري" شيخ الاِسلام للدولة العثمانية سابقاً في كتابه "موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين وعباده المرسلين": ص١٥.

١٤٢

وبعبارة أُخرى: أنّ مقتضى الاضراب في الآية (بل رفعه الله إليه )هو تعلّق الرفع ببدنه الحي وشخصه الماثل، حتى يصح كونه رداً على زعم اليهود: "إنّهم صلبوه وقتلوه"، لاَنّ القتل والصلب إنّما يتعلّقان بالبدن ولو فسّـر بإعلاء المقام لا يكون رداً لدعوى القتل والصلب، ويكون جملة منقطعة الصلة عن زعم اليهود، فلا تكون الحكاية عن إعلاء المقام رداً على الخصم، إلاّ إذا فسر برفع المسيح بشخصيته الخارجية الحيّة حتى يكون تكذيباً لمقالة اليهود وادّعائهم.

أضف إلى ذلك أنّ رفع روحه أو إعلاء درجته، وإبقاء جسده بين الاَعداء، نوع تسليط لهم عليه، لا إنجاء له من أيديهم، وهذا لا يوافق سياق الآية لاَنّه بصدد بيان أنّه سبحانه أنجاه وخلّصه من أيديهم، وعند ذلك يتطابق مفاد هذه الآية مع مفاد الآية السابقة القائلة:( إنّي متوفّيك ورافعك إلى ) لما عرفت أنّ "التوفّى" هناك ليس بمعنى الاِماتة، بل بمعنى الاَخذ ويكون مفاده مطابقاً لما يستفاد من هذه الآية بأنّ المسيح رفع بشخصيته الخارجية. نعم الآية تدلّ على رفعه حياً وأمّا بقاوَه كذلك لحد الآن فلا يستفاد من الآية بل لابد من التماس دليل آخر.

تفسير الآية الثالثة:

وأمّا الآية الثالثة:( ما قُلتُ لَـهُمْ إلاّ ما أمَرْتنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِم شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّـا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأنْتَ عَلَى كُلّ شيْءٍ شَهِيد ) (١) .

فلا إشكال في أنّ ظرف المحاورة بين الله وعيسى هو يوم القيامة بدليل قوله تعالى:( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) (٢) وأمّا التوفّي فيها فقد عرفت أنّه ليس مرادفاً للموت، بل معناه الاَخذ التام وهو يتحقّق تارة بالاِماتة، وأُخرى بالنوم وثالثة بالاَخذ من بين الناس والمجتمع، فلا يدلّ ظاهر الآية إلاّ على المعنى الجامع، ولا يصبح لاَحد الفريقين (القائل بإماتته، أو القائل برفعه حياً) التمسك به لتأييد مذهبه. وقد عرفت دلالة الآيتين السابقتين على رفعه حياً فالآيات يفسر بعضها بعضاً.

____________

(١) سورة المائدة: الآية ١١٧.

(٢) سورة المائدة: الآية ١١٩.

١٤٣

خلاصة ما سبق في الآيات الثلاث:

تدلّ الآية الاَُولى على أنّه سبحانه وعد المسيح بأنّه آخذه ورافعه إليه، لا أنّه مميته ورافعه إليه، والاشتباه حصل في جعل "التوفّى" بمعنى الاِماتة ومفادها أنّه سبحانه وعد المسيح بأخذه من يد اليهود ورفعه إليه حتى لا يتمكنوا من قتله وصلبه.

وأمّا تعيين مصيره بعد الرفع، وأنّه هل بقي حياً لحد الآن أم لا ؟ فلا تدلّ الآية على شيء منه، بل الآية تدلّ على أنّه كان حياً عند الاَخذ والرفع، وانّ ظرف الرفع هو نفس ظرف وزمان الهجوم الذي قام به اليهود عليه.

وتدلّ الآية الثانية على نفس ما دلّت عليه الآية الاَُولى غير أنّ دلالتها على ذلك المعنى أظهر، فهي تدلّ على أنّه سبحانه خلّص المسيح من أيدي الطواغيت ولم يتمكّنوا من قتله وصلبه، وتحقّق بذلك الاَمر برفعه (حياً) دون أن تنال منه اليهود.

ولو كان الرفع مقروناً بالاِماتة فهو لا يناسب الآية، لاَنّ الله تعالى بصدد امتداح نفسه في هذه الآية بإنقاذ وتخليص نبيّه من أيدي أعدائه المهاجمين، والاَنسب لهذا الموقف هو رفعه حياً لا إماتته ثم رفعه ميتاً، لاَنّه ليس في هذا ما يوجب امتداحاً للرفع. وبعبارة أُخرى: أنّ الآية في مقام بيان الامتنان على المسيح وهذا موافق مع رفع الله له حياً لا ميتاً كما أنّ تفسيره برفع الدرجة من دون فرض لاِنجائه من أيدي الطواغيت يجعل الكلام منقطع الصلة عمّـا قبله. ومثله ما تعلّق بروحه فقط وترك بدنه بين الاَعداء نعم تختلف الآيتان في أنّ الاَُولى مشتملة على لفظين (التوفي والرفع) والثانية مشتملة على خصوص الرفع.

١٤٤

والآية الثالثة راجعة إلى خطاب المسيح إلى الله سبحانه يوم القيامة والبعث حيث قال:( فلمـّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) والتوفّي هناك هو نفس التوفي في الآيات السابقة، بمعنى الاَخذ والمعنى في الجميع واحد.

إلى هنا تم توضيح الآيات الثلاث الدالة على أنّ عيسى رفع حياً.

وأمّا مصيره بعد الرفع وأنّه هل بقي حياً أو لا، فلا تدلّ هذه الآيات على شيء من ذلك، نعم يدلّ عليه ما نتلوه عليك من الآية الرابعة والخامسة وإليك توضيحها.

تفسير الآية الرابعة:

وأمّا الآية الرابعة أعني قوله تعالى:( وَإِنْ مِن أهلِ الكِتابِ إلاّ لَيُوَْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (١) .

فقد فسر بنزول "عيسى" توضيحها: هو أنّ (إن )نافية بمعنى "ما" والمبتدأ محذوف يدلّ عليه سياق الكلام، فيكون معنى الآية: "ما أحد من أهل الكتاب إلاّ ليوَمنن به" والضمير في قوله: "به" يرجع إلى المسيح بلا نقاش إنّما الكلام في قوله: (قبل موته )فهل يرجع الضمير فيه أيضاً إلى المسيح، أو يرجع إلى "أحد" المقدّر؟ كلاهما محتمل ولا يمكن لاَوّل وهلة القطع بأىّ واحد من الاحتمالين، وإليك بيانهما مع بيان ما يوَيد أحدهما.

____________

(١) سورة النساء: الآية ١٥٩.

١٤٥

إنّ للمفسرين في تفسير الآية رأيين:

الاَوّل: أنّ الضميرين في (به ) و (موته )يرجعان إلى "عيسى" وأنّ جميع أهل الكتاب المتواجدين في يوم "نزول عيسى" لقتل الدجال، يصدّقون به فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الاِسلام.

قال ابن جرير: فعن ابن عباس في تفسير الآية: قال: قبل موت عيسى ابن مريمعليه‌السلام .

وقال أبو مالك: ذلك، عند نزول المسيح، وقبل موت عيسى بن امريم لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلاّ آمن به. وعن الحسن: إنّه لحىّ الآن عند الله ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، إنّ الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاماً يوَمن به البرّ والفاجر. قال ابن جرير: وهذا أولى الاَقوال، وهو أنّه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسىعليه‌السلام إلاّ آمن به قبل موت عيسى(١) . الثاني: الضمير الاَوّل (به ) لعيسى والثاني (موته ) للكتابى، فالمعنى على هذا: إلاّ ليوَمنن بعيسى قبل أن يموت هذا الكتابي إذا عاين وميّز الحقّ عن الباطل، لاَنّ كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحقّ من الباطل عن دينه. وروي عن ابن عباس ما يصح أنّ يوَيد هذا المعنى قال: لا يموت يهودي حتى يوَمن بعيسى. وعن مجاهد: كل صاحب كتاب يوَمن بعيسى قبل موت صاحب الكتاب. ويوَيد هذا التفسير القراءة المنسوبة إلى أُبّي: "إلاّ ليوَمننّ به قبل موتهم".

وهناك رأي شاذ لا يُعرَّج عليه وهو: "ليوَمن بالله أو بمحمّد قبل موت الكتابي" وهذا رأي ساقط، إذ ليس في الآية ما يشير إليه فضلاً عن الدلالة، على أنّ إيمان الكتابي بالله ثابت في حياته. إلاّ أنّ التأمل في سياق الآية يوَيد رجوع ذلك الضمير إلى المسيح لا إلى "أحد من أهل الكتاب" لاَنّ البحث، إنّما هو حول قتل المسيح وصلبه، فيناسب أن يكون المراد من "موته" في الآية هو موت المسيح، لا موت الكتابى، وهذا يدلّ على كونه حياً، وأنّه لابد أن يدركه كل الكتابيين المتواجدين يوم نزوله فيوَمنون به قبل موتهعليه‌السلام وأمّا زمان هذا الاِيمان، وأنّه متى يوَمن به كل كتابي فالآية ساكتة عنه. وبعبارة أُخرى: أنّ الكلام سيق لبيان موقف اليهود من عيسى وصنيعهم به، ولبيان سنّة الله في

____________

(١) تفسير الطبري: ٥|١٤ ـ ١٦ بتلخيص.

١٤٦

إنجائه ورد كيد الاَعداء عنه، فيتعيّن رجوع الضميرين المجرورين (به ـ قبل موته) إلى عيسىعليه‌السلام أخذاً بسياق الكلام وتوحيداً لمرجع الضميرين. قال الدكتور عبد الباقي أحمد محمد سلامة في كتابه "بين يدي الساعة" في ترجيح المعنى الاَوّل على الثاني: إنّ المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادّعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة، فأخبر الله تعالى أنّه لم يكن الاَمر كذلك، وإنّما شبّه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبيّنون ذلك، وأنّه باق حي، وأنّه سينزل قبل يوم القيامة كما دلّت عليه الاَحاديث المتواترة. فيقتل المسيح الضلالة ويكسر الصليب ويضع الجزية، يعنى: لا يقبلها من أحد من أهل الاَديان، بل لا يقبل إلاّ الاِسلام، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنّه يوَمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلّف عن التصديق به واحد منهم قبل موته، أي موت عيسى الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنّه قتل وصلب، وسياق الآيات دليل على ذلك فقد قال تعالى:( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم ) إلى أن قال: ـ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَفَعَهُ الله إِليه ) (١) ثم ذكر تعالى هذه الآية:( وَإِنْ مِن أَهلِ الكِتابِ إلاّ لَيُوَمِنَنَّ بِهِ قَبَلَ مَوتِهِ ) .(٢) وأمّا تعيين ظرف ذلك الاِيمان فيرجع فيه إلى الروايات المتضافرة التي ستوافيك وتدلّ على أنّه سينزل آخر الزمان حكماً عدلاً، وأنّه يأتم بإمام المسلمين وهو الذي يقتل الدجال وعندئذ يوَمن به كل كتابي حي في أديم الاَرض. وأمّا المعنى الثاني، يعنى: إرجاع الضمير إلى الكتابى، فيكون معنى الآية: أنّ كل كتابي يوَمن بالمسيح قبل أن يموت ذلك الكتابي، فاليهودي الكافر بنبوة عيسى، يوَمن بها عند موته، والنصراني القائل بإلوهيته، يصدق بأنّه نبىّ مرسل، لانكشاف الحقائق عند الموت، وحينئذ يطرح هذا السوَال نفسه: هل هذا الاِيمان محسوس لغير الكتابي، أو إيمان لا يحس به غيره ؟ والاَوّل خلاف المشاهد والملموس منهم، إذ لا نشاهده عند موت أهل الكتاب، وعلى الثاني: فالموت وإن كان يقارن رفع الحجب والاَستار لقوله سبحانه:( حَتّى إذا جَاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلّـي أعْمَلُ صَالِحاً فِيما تَرَكْت ) (٣) وغيره من الآيات، ولكن هذا الاِيمان الاضطراري لايختص بأهل

____________

(١) سورة النساء: الآية ١٥٧ ـ ١٥٨و ١٥٩.

(٢) بين يدي الساعة: ١٢٩، ط الرياض، وهو كتاب قيّم، والآية من سورة النساء | ١٥٧ ، ١٥٨، ١٥٩.

(٣) سورة الموَمنون: الآية ٩٩ ـ ١٠٠.

١٤٧

الكتاب أوّلاً، كما لا يختص بمسألة المسيح ثانياً، إذ عندئذ تنكشف الحقائق على ما هي عليه من دون اختصاص بهذه المسألة وما فائدة هذا الاِيمان الاضطراري بالمسيح ثالثاً، وقد قال تعالى:( ولَيْسَتِ التّوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيئاتِ حتّى إذا حَضَـرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنّي تُبْتُ الآن ) (١) وبهذا تبيّن أنّ المتعيّن هو رجوع الضمير إلى المسيح، ويكون مفاد الآية، أنّ أهل الكتاب يوَمنون بالمسيح، ويخرجون من الجحد والشك والكفر، قبل موت عيسى وذلك في ظرف خاص، يعلم تفصيله ممّا ورد في الروايات من نزول السيد المسيح، وقتله الدجال، وائتمامه بإمام المسلمين، الذي هو المصلح الموعود في الكتب والزبر. فالتدبّر في سياق الآية هذه، وما ينضم إليها من الآيات المربوطة بها، يفيد أنّ عيسىعليه‌السلام لم يتوفَ بقتل أو صلب ولا بالموت حتف الاَنف، وانّ الكتابيين جميعاً، سيوَمنون به قبل موته، ويشاهدونه عياناً ويذعنون له إذعاناً لا خلاف فيه، وهذا فرع كونه حياً حتى يوَمن به كل كتابي قبل موته، وعلى هذا فالظاهر انّ المراد كل الكتابيين الموجودين في ذلك الزمان، لا من مات وغبر من عصر المسيح إلى ذلك اليوم. تفسير الآية الخامسة: أمّا الآية الخامسة: وهي قوله:( وإِنَّهُ لَعِلمٌ للسّاعَةِ فَلا تمترنَّ بِها و اتبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقيم ) (٢) . فهذه الآية وما قبلها، بصدد بيان شأن المسيح، وموقفه أمام الله سبحانه، وأنّه لم يكن إلهاً بل كان كما وصفه سبحانه:( إنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسرائيلَ * وَلَو نَشَاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الاَرْضِ يَخْلُفُونَ *وَإنّهُ لَعِلمٌ للسّاعَة ) (٣) .

____________

(١) سورة النساء: الآية ١٨.

(٢) سورة الزخرف: الآيات: ٥٩ ـ ٦١.

(٣) سورة الزخرف: الآيات: ٥٩ ـ ٦١.

١٤٨

وسياق الآيات ينفي بتاتاً، أن يكون القرآن الكريم أو النبي الاَكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرجعاً للضمير، بل المرجع هو المسيح بلا كلام، لاَنّ الآيات السابقة واللاحقة(١) ن تبحث عنهعليه‌السلام ، فالآية تفيد أنّ المسيح سبب للعلم بالساعة وأمارة ودليل على وقوعها، وعندئذ يجب تحليل كيفية كونه علماً للساعة، وفيه عدّة احتمالات: ١ ـ إنّ خلقـه مـن دون أب، أو إحياءه الموتى دليـل على صحـة البعـث وإمكانه. وهذا مرفوض لاَنّ البحث ليس في إمكان البعث وعدم إمكانه، والآية لا تحتمل ذلك، وإلاّ لكان الاَنسب أن تقول: وإنّه أو فعله دليل على إمكان البعث. ٢ ـ إنّ وجود عيسى دليل على قرب الساعة وشرط من أشراطها. وهذا أيضاً مرفوض لاَنّه لو كان وجوده دليلاً عل قرب الساعة، فوجود النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأُمّته أولى بأن يكون كذلك، فلم يبق إلاّ الاحتمال الثالث: ٣ ـ إنّ وجـود عيسى في ظرف خاص من الظروف (غير ظروفه السابقة الماضية) يكون علماً للساعة، فإذا أُضيفت إليها الاَخبار والروايات المستفيضة المصرّحة بنزوله في آخر الزمان يتجلّـى مفاد الآية بصورة واضحة، وأنّ عيسى سينزل في زمن من الاَزمنة، ولا مناص في رفع الاِبهام من الرجوع إلى الروايات حتى يحدد ذلك الظرف والزمان. وقال ابن كثير: وقد تواترت الاَحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه أخبر بنزول عيسىعليه‌السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً(٢) . هذا خلاصة القول في تبيين مفاد الآية وأرجو منكم التمعّن في ما ذكرناه. وخلاصة هذا البحث الضافي: أنّ الآيات الثلاث الاَُولى تدلّ على كونه حيّاً عند الرفع، بينما الآيتان: الرابعة والخامسة تدلاّن على حياته لحد الساعة والآن.

____________

(١) قوله سبحانه:( ولما جاء عيسى بالبيّنات قال قد جئتكم بالحكمة ولاَُبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون ) (الزخرف: ٦٣)

(٢) تفسير ابن كثير: ٤|١٣٣.

١٤٩

حياة السيد المسيح في السنّة النبوية:

قد تعرفت على مفاد الآيات النازلة حول سيدنا المسيح، كما تعرفت على دلالة بعضها على كونه حيّاً لحدِّ الآن، غير أنّ إكمال هذا البحث يتوقف على معرفة ما ورد في هذا المجال، في السنّة المأثورة عن النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يتبيّن الحقّ بأجلى مظاهره. وإن طال بنا الكلام، وطال موقفنا مع السائل الكريم فنقول:

الاَحاديث الواردة في شأن عيسى ونزوله في آخر الزمان تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١ ـ ما يدلّ على نزوله عند خروج الدجال فيقتله.

٢ ـ ما يدلّ على نزوله عند ظهور المهدي ـ عجل الله فرجه ـ الذي هو من ولد فاطمة ـ عليها السلام ـ ويصلّـي المسيح خلفه.

٣ ـ ما يدلّ على أنّ نزول عيسىعليه‌السلام من أشراط الساعة، وأنّ الساعة لا تقوم حتى تتحقّق عشر آيات، منها: خروج الدجال ونزول عيسى المسيحعليه‌السلام .

وإمعان النظر في هذه المأثورات المبعثرة في الصحاح والمسانيد، لا يبقى شكاً لمرتاد الحقيقة في أنّ المسيح حسب هذه الروايات حىّ يُرزق وأنّ الله سبحانه بقدرته الكاملة أفاض عليه الحياة المستمرة إلى وقت معين وغاية خاصة.

نعم بعد تحقّق تلك الغاية وحصول الظروف المحددة يموت كل ابن آدم من غير فرق بين المسيح وغيره، لاَنّ الموت سنّة جارية على الاِنسان كلّه، ولا يراد من حياته لحد الآن كونه لا يموت: أبداً إلى يوم القيامة حتى يقال: إنّ الموت سنّة إلهية عامّة كما جاء في السئوال.

١٥٠

ولاَجل أن يقف القارىَ على مضامين تلك الروايات نأتي بأكثر ما ظفرنا عليه من متون، معيّنين مصادرها في أسفل الصفحة حتى يتيسّـر الرجوع لكل من أراد ذلك، ولا يخفي أنّ بعض هذه الروايات يحتاج إلى تعليق وتوضيح وليس كل ما ورد في هذه الروايات قابلاً للتصديق، غير أنّ الكل يتفق في حياة المسيح ونزوله في آخر الزمان وإنّا نرجىَ التحقيق حولها إلى آونة أُخرى، وعليه سبحانه التكلان:

١ ـ روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "والّذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها"(١) .

٢ ـ وروى عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم"(٢) والمقصود من الاِمام في "إمامكم" هو المهدي حسب ما تواترت عليه الروايات.

والحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبذلك يعلم عدم صحة ما ربّما يقال من أنّ أحاديث المهدي لم ترد في صحيحى البخاري ومسلم، وأنّ انفراد أبي داود والترمذي بروايات أحاديث المهدى شىء يلفت النظر فعلاً.

____________

(١) صحيح البخاري: ٤|١٦٨، باب نزول عيسى ابن مريمعليه‌السلام وسنن الترمذي: ٤|٥٠٦ برقم ٢٢٣٣ وصحيح مسلم: ١|٩٣، نقله بطرق مختلفة مع اختلاف في الاَلفاظ مثل "إماماً مقسطاً" و "حكماً عادلاً" و... وكنز العمال: ١٤|٣٣٢ برقم ٤٢، ٣٨٨.

(٢) صحيـح البخاري: ٤| ١٦٨ (في نفس الباب) وصحيح مسلم: ١|٩٤ (باب نزول عيسى) وكنز العمال: ١٤|٣٣٤ برقم: ٣٨٨٤٥. وفي صحيح مسلم: بهذا اللفظ: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وأمَّكُم.

١٥١

قال الدكتور عبد الباقي: "لا أرى لزاماً علينا نحن المسلمين أن نربط ديننا بهما. فلنفرض أنّـهما لم يكونا. فهل تشلّ حركتنا وتتوقف دورتنا؟ لا. فالاَُمّة بخير والحمد لله والذين جاءوا بعد البخاري ومسلم استدركوا عليهما. واستكملوا جهدهما. ووزنوا عملهما. وكشفوا بعض الخلاف في صحيحيهما. وما زال المحدثون في تقدم علمى وبحث وتحقيق ودراسة وجمع ومقارنة وتمحيص. حتى يغمر الضوء كل مجهول. ويظهر كل خفي.

ولماذا نردُّ حديثنا لمجرد أن قيل في بعض رواته: إنّه ليّن أو ضعيف. أو منقطع. أو مرسل أو..؟.

نعم. هذه علل، تثير الشك والتساوَل، وتدفع إلى زيادة البحث والتعمق.

ولكن: كما أعتقد أنّ بعض علل الحديث لاتُلزِم بالردِّ لهذا الحديث فكثيراً ما نجد في بعض الطرق ضعفاً، وفي بعضها قوة. فهو صحيح من طريق، حسن أو ضعيف من أُخرى. ومعنى هذا أنّ الراوي الذي حكم عليه مثلاً بأنّه ينسى تبيّن أنّه في هذه الواقعة لم ينسَ. فجاءت روايته موَيدة بما جاء عن غيره.

وأحاديث المهدي ـ في نظري ـ من هذا النوع، ولو بعضها. رغم أنّ بعض المسلمين ـ كابن خلدون ـ قد بالغ وضعّفها كلها. وردّها وحكم عليها حكماً قاسياً. واتّهم كل هؤلاء الرواة ومن رووا عنهم بما لا يليق أن يُظن فيهم.

إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين. أو راوٍ أو راويَين، إنّها مجموعة من الاَحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح.

فلماذا نردُّ كل هذه الكمية؟ أكلها فاسدة؟! لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين والعياذ بالله نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٥٢

ثم إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي، أو حول حاجة العالم إليه. وإنّما الخلاف حول من هو؟ حسني أو حسيني؟ سيكون في أخر الزمان أو موجود الآن؟ خفي وسيظهر؟ظهر أو سيظهر؟ ـ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين فليس لهم اعتبار ـ.

ثم إنّي لم أجد مناقشة موضوعية في متن الاَحاديث، والذي أجده إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند واتصاله أو عدم اتصاله ودرجة رواته، ومن خرّجوه ومن قالوا فيه.

وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي نظرة مجردة، فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها وتصديقها، أو على الاَقل عدم رفضها.

فإذا ما تأيد ذلك بالاَدلة الكثيرة والاَحاديث المتعددة. ورواتها مسلمون موَتمنون، والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة. والترمذي من رجال التخريج والحكم.

بالاِضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ما يصح أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم.

كحديث جابر في مسلم، الذي فيه: فيقول أميرهم (أي لعيسى): تعال صلِّلنا..

وحديث أبي هريرة في البخاري، وفيه: كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم؟

فلا ما نع أن يكون هذا الاَمير، وهذا الاِمام هو المهدي.

١٥٣

يضاف إلى هذا: أنّ كثيراً من السلف ـ رضي الله عنهم ـ. لم يعارضوا هذا القول. بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لاِثبات هذه العقيدة عند المسلمين.

على أنّ يكون ثبوتها على مستوى فهم أهل السنّة. في حدود ما وردت به السنّة: "يملاَ الاَرض عدلاً". بدون زيادة أو مبالغة(١) ".

٣ ـ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "والله لينزلنّ ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرنّ الصليب، وليقتلنّ الخنزير، وليضعنّ الجزية، ولتتركنّ القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبنّ الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعونَّ المال فلا يقبله أحد"(٢) .

٤ ـ روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنّه يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أُمتى يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أُمراء تكرمة الله هذه الاَُمّة"(٣) .

٥ ـ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: "لاتقوم الساعة حتى ينزل الروم بالاَعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الاَرض يومئذ ـ إلى أن قال: ـ فبينما هم يعدّون للقتال يسوّون الصفوف إذ أُقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمّهم، فإذا رآه عدوّ الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لاَنْذابَ حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته"(٤) .

____________

(١) بين يدي الساعة: ١٢٣ ـ ١٢٥.

(٢) صحيح مسلم: ١|٩٤، باب نزول عيسىعليه‌السلام وكنز العمال: ١٤|٣٣٢. وبرقم ٣٨٨٤١ أيضاً في كنز العمال: ١٤|٣٣٧، بلفظ لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم...برقم ٣٨٨٦٠.

(٣) صحيح مسلم: ١|٩٥، باب نزول عيسىعليه‌السلام ، وكنز العمال: ١٤|٣٣٤، برقم ٣٨٨٤٦.

(٤) صحيح مسلم: ٨|١٧٥ ـ ١٧٦ (باب خروج الدجال) .

١٥٤

٦ ـ روى مسلم في صحيحه عن النواسى بن سمعان أنّه قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع، ـ إلى أن قال ـ: فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق حتى يدركه بباب لدّ فيقتله إلى آخر الحديث(١) والحديث طويل.

٧ ـ وروى مسلم أيضاً عن يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول: سمعت عبد الله بن عمر وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدّث به، تقول: إنّ الساعة تقوم إلى كذا وكذا إلى أن قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "يخرج الدجال في أُمتى فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنّه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ..."(٢) .

٨ ـ روى ابن ماجة في سننه عن أبي أُمامة الباهلى قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله: "إنّه لم تكن فتنة في الاَرض منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنـة الدجـال ـ إلى أن قال: ـ وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدّم ليصلّـي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الاِمام ينكص يمشي القهقري لتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصلّ فإنّها لك أُقيمت، فيصلِّي بهم إمامهم ..."(٣) .

____________

(١) صحيح مسلم: ٨|١٧٩ ـ ١٩٨، باب خروج الدجال ونزول عيسىعليه‌السلام وسنن ابن ماجة: ٢|٥٠٨ ـ ٥١١، باب فتنة الدجال وخروج عيسىعليه‌السلام بتقديم وتأخير في بعض الفاظ الحديث وسنن الترمذي: ٤|٥١٠ ـ ٥١٤ برقم ٢٢٤٠، وكنز العمال: ١٤|٢٨٥ ـ ٢٨٨ برقم ٣٨٧٤.

(٢) صحيح مسلم: ٨|٢٠١ ـ ٢٠٢، باب خروج الدجال ونزول عيسىعليه‌السلام وكنز العمال: ١٤|٢٩٧ ـ ٢٩٨ برقم ٣٨٧٤٥.

(٣) سنن ابن ماجة: ٢|٥١٢ ـ ٥١٥، باب فتنة الدجال وخروج عيسىعليه‌السلام ، وكنز العمال: ١٤|٢٩٢ ـ ٢٩٦ برقم ٣٨٧٤٢.

١٥٥

٩ ـ روى أبو داود: في سننه عن حذيفة بن أسيد الغفاري: قال: كنّا قعوداً نتحدث في ظل غرفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرنا الساعة فارتفعت أصواتنا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "لن تكون، أو لن تقوم، الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال، وعيسى ابن مريم، والدخان، وثلاث خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب"(١) .

١٠ ـ وروى أبو داود أيضاً عن أبي هريرة: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: "ليس بينى وبينه نبي ـ يعني عيسى ـ أنّه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين(٢) ، كان رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الاِسلام فيدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلّها إلاّ الاِسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الاَرض أربعين سنة ثم يتوفي فيصلى عليه المسلمون"(٣) .

١١ ـ روى ابن ماجة عن أبي هريرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "لاتقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكماً مقسطاً وإماماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"(٤) .

____________

(١) سنن أبي داود: ٤|١١٥ برقم ٤٣١١، باب أمارات الساعة، وصحيح مسلم: ٤|١٧٩. باختلاف يسير، وفيه ثلاثة أحاديث في أشراط الساعة، وكنز العمال: ١٤|٢٥٧ برقم ٣٨٦٣٩.

ر ممصرتين تثنية "ممصرة" والممصرة من الثياب التي فيها صفرة خفيفة، أي ينزل عيسى بين ثوبين فيهما صفرة خفيفة.

(٢) سنن أبي داود: ٤|١١٧ـ ١١٨ برقم ٤٣٢٤ وكنز العمال: ١٤|٢٣٥ برقم ٣٨٨٥٥.

(٣) سنن ابن ماجة: ٢|٥١٦.

١٥٦

هذه نماذج من مسانيد الباب، وأمّا الموقوفات على الصحابة و التابعين فإليك نقل بعضها:

١٢ ـ عن أبي سعيد: منّا الذي يصلّـى عيسى ابن مريم خلفه(١)

١٣ ـ عن ثوبان: عصابتان من أُمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم(٢) .

١٤ ـ عن جابر: لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمير تكرمة الله لهذه الاَُمّة .(٣) ١٥ ـ عن أبي هريرة: لم يسلط على الدجال إلاّ(٤) عيسى ابن مريم .

١٦ ـ عن جبير بن نفير: ليدركنَّ الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم، ولن يخزي الله أُمّة أنا أوّلها وعيسى ابن مريم آخرها(٥) .

١٧ ـ عن مجمع بن جارية: ليقتلنَّ ابن مريم، الدجال بباب لدّ(٦) .

١٨ ـ عن مجمع بن جارية: يقتل ابن مريم، الدجال بباب لدّ(٧) .

____________

(١) كنز العمال: ١٤|٢٦٦ برقم ٣٨٦٧٣.

(٢) كنز العمال: ١٤|٣٣٣ برقم ٣٨٨٤٥.

(٣) كنز العمال: ١٤|٢٣٤ برقم ٨٨٤٦ ٣.

(٤) كنز العمال: ١٤|٢٣٤ برقم ٣٨٨٤٧.

(٥) كنز العمال: ١٤|٢٣٤ برقم ٣٨٨٤٨.

(٦) كنز العمال: ١٤|٣٣٤ برقم ٣٨٨٤٩.

(٧) كنز العمال: ١٤|٣٣٥ برقم ٣٨٨٥٠ وسنن الترمذي: ٤|٥١٥ برقم ٢٢٤٤.

١٥٧

١٩ ـ عن أبي هريرة: ليهبطنّ عيسى ابن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً وليسكننّ فجاجاً أو معتمراً أو بنيِّتهما ليأتيّن قبري حتى يسلِّم علىّ ولاَردنّ عليه(١) .

٢٠ ـ عن أبي هريرة: إنّ روح الله عيسى ابن مريم نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعترفوا(٢) .

ونفس هذا ورد أيضاً برقم (٣٨٨٥٦) ولكن من غير الطريق السابق وباختلاف يسير في العبارة.

وهناك أحاديث أُخرى متفرّقة في هذا الباب استغنينا عنها، لاَنّ لبّها واحد والاختلاف في اللفظ أو الطريق، فراجع كنز العمال: ١٤|٢٥٧ ـ ٣٣٨.

وهناك من يتصوّر أنّ هذه الاَحاديث والمأثورات المتضافرة هي أحاديث إسرائيلية أو مسيحية من دون أن يحقّقوا في المسألة من جذورها أو أن يبينوا علة ما يقولون.

وما هذا إلاّ رجم بالغيب، ويصدر من رماة القول على عواهنه، وإلاّ فيجب أن يكون كل ما جاء في الكتاب والسنّة من أحاديث حول موسى الكليم وحول المسيح، أحاديث إسرائيلية أو مسيحية خاطئة نعوذ بالله من وساوس الشيطان.

هذا وقد قام المحدّث الكشميري الهندي محمد أنور شاه (١٢٩٢ ـ ١٣٥٢هـ) بجمع ما ورد في نزول المسيح في رسالة خاصة أسماها بـ "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" طبعت في حلب ورتّب أحاديثها تلميذه الشيخ محمد شفيع، وقد بلغ ما جمعه إلى ٧٥ مأثوراً بين مسند إلى النبي وموقوف على الصحابة والتابعين، ويظهر من فهرس تأليفه أنّ له وراء هذه، رسالتين أُخريين في هذا المضمار ألا وهما:

١ـ "عقيدة الاِسلام بحياة عيسىعليه‌السلام " في ١٢٢ صفحة.

٢ـ "تحية الاِسلام في حياة عيسىعليه‌السلام " في ١٤٩ صفحة، وفي بعض ما نقله من الاَحاديث مشاكل في المتن يقف عليها القارىَ، ولاَجل ذلك لم نذكر سوى مورد الحاجة ولا توجد عندنا سوى رسالته الاَُولى وقد أغنانا الرجوع إلى المصادر، عن النقل عنها رأساً (وإن كان الفضل للمتقدم) ولكنّه أهمل البحث عن الآيات مع أنّها الاَصل.

وقد اكتفينا بعشرين مأثوراً أخرجناها من مصادرها، وهذه الكمية الهائلة تفيد الاطمئنان واليقين بحياة المسيح ولو لم يكن هذا المقدار كافياً له، فما هو الكافي؟! يا ترى فماذا بعد الحق إلاّ الضلال؟!

____________

(١) كنز العمال: ١٤|٣٣٥ برقم: ٣٨٨٥١.

(٢) كنز العمال: ١٤|٣٣٥ برقم ٣٨٨٥٥.

١٥٨

نزول المسيح في أحاديث الشيعة :

قد تعرفت على الاَحاديث التي رواها المحدثون من أهل السنّة حول حياة المسيح ونزوله في آخر الزمان، وإليك فيما يلى بعض ما رواه المحدّثون من الشيعة في هذا الموضوع، والكل يدلّ على أنّ حياته ونزوله من الحقائق الناصعة في الشريعة الاِسلامية الغراء، ولذلك أصفق المحدثون من الفريقين على نقله.

١ـ روى فرات في تفسيره: عن جعفر بن محمد الفزاري، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: "يا خيثمة، سيأتي على الناس زمان وحتى يتنزل عيسى ابن مريم من السماء، ويقتل الله الدجال على يديه، ويصلّـي بهم رجل منّا أهل البيت"(١) .

٢ ـ روى الصدوق في الخصال: عن ما جيلويه... عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: "من ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدّمه وصلّى خلفه"(٢) .

____________

(١) تفسير فرات الكوفي: ٤٤، وبحار الاَنوار: ١٤|٣٤٨ ـ ٣٤٩، الحديث١٠.

(٢) لاحظ الاَمالي: ١٨١، الحديث٤ من مجلس ٣٩، وبحار الاَنوار: ١٤|٣٤٩، الحديث١١ نقلاً عن الخصال.

١٥٩

٣ ـ روى الطبرسي في أعلام الورى: عن حنّان بن سدير عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: "ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّـي روح الله عيسى ابن مريم خلفه"(١) .

٤ ـ روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: عن شهر بن حوشب في تفسير قوله سبحانه:( وإن من أهل الكتاب إلاّ ليوَمننّ به قبل موته ) : إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة إلاّ آمن به قبل موته ويصلّـى خلف المهدي. قال: ويحك أنّي لك هذا، فقلت: حدثني به محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام . فقال: جئت والله بها من عين صافية(٢)

٥ ـ روى الصدوق في إكمال الدين عن عبد الله بن سليمان وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الاِنجيل وذكر أوصاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى أن قال تعالى لعيسى: أرفعك إلىّ ثم، أُهبطك في آخر الزمان لترى من أُمّة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، أُهبطك في وقت الصلاة لتصلّـى معهم إنّهم أُمّة مرحومة(٣) .

٦ ـ روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( إنَّ اللهَ قادِرٌ عَلَى أن يُنَزّلَ آية ) وسيريك في آخر الزمان آيات منها واية الاَرض والدجال ونزول عيسى ابن مريم وطلوع الشمس من مغربها (٤) .

٧ ـ روى الصدوق في إكمال الدين: عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: "القائم منصور بالرعب موَيد بالنصر فلا يبقى في الاَرض خراب إلاّ عمر، وينزل روح الله عيسى ابن مريمعليه‌السلام فيصلي

____________

(١) إعلام الورى: ٢٤٤ ـ ٢٤٥، وبحار الاَنوار: ١٤|٣٤٩، الحديث ١٢.

(٢) تفسير القمي: ١| ١٥٨، وبحار الاَنوار: ١٤|٣٤٩ ـ ٣٥٠، الحديث ١٣.

(٣) إكمال الدين: ١| ١٥٩ ـ ١٦٠، الحديث: ١٨، وبحار الاَنوار: ٥٢|١٨١، الحديث١.

(٤) تفسير القمي: ١| ١٩٨، وبحار الاَنوار: ٥٢|١٨١ الحديث٤، والآية ٣٧ من سورة الاَنعام.

١٦٠