هذا ما يرجع إلى العقل العملي أي الاَحكام الصادرة منه في مجال العمل، وهناك إدراكات أُخرى يرجع إلى العقل النظري أي الاَحكام الصادرة منه في مجال التفكر والنظر وبه يفسّر كلَّ ما ورد في القرآن من الآيات الراجعة إلى الصانع، وتوحيده وسائر صفاته وغير ذلك من الاَُمور التي تبيينها على عاتق العقل النظري.
وبالجملة، الاَحكام العقلية في مجالى النظر والعمل أداة يفسَّـر بها ما ورد من الآيات حول ذاته وصفاته (مورد العقل النظري) وأفعاله (مورد العقل العملي) .
نعم من اتخذ العقل أداة وحيدة للتفسير يصعب عليه تحليل الآيات الراجعة إلى الاَحكام والقصص والمغازي. وينطبع تفسيره بالطابع العقلي البحت.
وتظهر أهميته في الآيات الواردة حول المعارف خصوصاً الآيات المتضمنة للحوار والمناظرة بين الاَنبياء وخصومهم.
ومن ألطف ما رأينا من التفاسير في هذا المنهج هو تفسير "القرآن والعقل" تأليف السيد الجليل نور الدين الحسيني العراقي (م ١٣٤١هـ) .
وفي هذا القسم من التفسير لايهتم المفسر في إخضاع الآيات لمنهج عقلي كلامي خاص وإنّما هو من قبيل الاستضاءة بهذه الاَُصول الثابتة عند العقل في تحليل الآيات.
نعم لو وقف المفسر على آيات يتبادر من ظهورها الابتدائي الجبر فإنّه يحاول أن يتفحص في القرآن ليجد ما يفسر هذه الآية على وجه يكون موافقاً للاَصل المسلّم عند العقل (الاختيار) لكن تكون هذه الاَُصول هي المحركة للمفسر إلى الفحص البالغ في متون الآيات والقرائن المنفصلة عنها حتى يتبين الحقّ وهذا بخلاف القسم الآخر الذي سيوافيك فإنّه أشبه بالتفسير بالرأي.
ومن حاول أن يسمّى هذا النوع من التفسير، تفسيراً بالرأي فقد أخطأ خطأ
كبيراً لاَنّ المفسر إنّما يقوم بتفسير كلام الله بعد الاعتقاد بوجود الصانع وصفاته وأفعاله وأنبيائه ورسله وكتبه وزبره. وهذه المعارف تعرف بالعقل الذي يستقل بالاَحكام الماضية ولافرق عند العقل بين الاستدلال على وجود الصانع عن طريق النظام السائد على العالم، والحكم بحسن العدل، وقبح الظلم، ولزوم الوفاء بالعهد، وقبح مقابلة الاِحسان بالظلم، إلى غير ذلك من الاَحكام العقلية المستقلة العالية التي يعترف بها جميع عقلاء العالم إلاّ قسم من الاَشاعرة الذين ينكرونها في اللسان ويوَمنون بها في القلب.