في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام0%

في ظل أصول الإسلام مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 359

  • البداية
  • السابق
  • 359 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20740 / تحميل: 4853
الحجم الحجم الحجم
في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام

مؤلف:
العربية

في ظل أصول الإسلام

دراسةٌ شاملة لمسألة

التوحيدِوالشركِ والبدعةِ

وقضيةِ الاستششفاع والتوسّل والزيارة

وغيرها

الشيخ جعفر السبحاني

بقلم

جهاد الهادي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

في ظل أُصول الاِسلام

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّه وآله

وعلى رواة سنّته وحملة أحاديثه وحفظة كلمه.

المقدّمة:

تمرّ الاُمّة الاِسلامية اليوم بأشدّ مراحل حياتها، وأحلك أحقاب تاريخها.

فالاَعداء تكالبوا عليها من كل جانب، واستضعفوها واستذلوها، وأمعنوا في نهب خيراتها وسلب طاقاتها وتمزيق بلادها، وتحطيم مواهبها، وقتل مجاهديها، وأبنائها.

ففي كل بلد مجازر ومذابح، وفي كل مكان سجون ومحابس، وفي كل موطن فتن وقلاقل، تدور رحاها على المسلمين دون غيرهم، وتأخذ

٥

ضحاياها من علمائهم العاملين، وشبابهم المتدينين، وتُنتهك فيها الاَعراض، وتُداس فيها الكرامات، والجميع ينادي: المستغاث باللّه، ويصرخ: يا للمسلمين ولا من مُغيث ولا مُعين.

كل هذا يُحتّم على علماء الاُمّة أن يشمّروا عن ساعد الجدّ، لاِنقاذ المسلمين، وإزالة هذه المحنة وإصلاح هذه الحالة ورفع هذا الضيم، ودفع هذا الحيف.

ومَن أحرى منهم وهم الذين قال عنهم رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «العلماء ورثة الاَنبياء». «العلماء أُمناء الرسل». «العلماء قادة».

ومن أحرى منهم وهم يملكون النفوذ والقدرة، والسلاح والقوّة سلاح البيان، وقوّة الجنان، والناس لهم مطيعون إن أمروا، والحكّام لهم مسلِّمون إن نهوا، والمستعمرون خائفون، هاربون إن أقدموا وأخلصوا وقاموا بمسوَوليتهم.

ولما كان هذا يتوقّف على إزاحة الشبهات، وتوضيح الغوامض، والتمهيد للوحدة والاجتماع قمنا بتحرير أُصول الوحدة الاِسلامية في مجال التوحيد والشرك، الذي أصبح اليوم الشغل الشاغل، والسلاح الفاعل في إيجاد الاختلاف في صفوف المسلمين، نقدّمها إلى العلماء المخلصين، ليروا فيها رأيهم، ويناقشوها وهي لا تتجاوز الكتاب والسنّة، وآراء علماء الاُمّة من السلف الصالح، والعقل الحصيف ولا تهدف إلاّ مصلحة الاُمّة، وحقن دمائها، وصيانة كرامتها ولمّ شعثها، وتوحيد صفّها.

بلى واللّه إنّها مسوَولية العلماء فعليهم أن ينظروا في هذه الاُصول،

٦

ويضعوا حدّاً لتكفير المسلمين، وعزل هذه الطائفة الكبرى أو تلك، عن جسم الاُمّة الاِسلامية، والاُمّة أحوج ما تكون إلى تجميع قواها، ورصّ صفوفها، وتشكيل جبهة إسلامية واحدة تضع حدّاً لاعتداءات شُذّاذ الآفاق وأعداء الاِسلام.

ومما تسبب في اتساع شقّة الخلاف بين المسلمين في العصر الحاضر، ظهور فريق ذهب إلى :

١- إنكار ما ورد حول زيارة الرسول الاَكرم من الروايات، وبالتالي نفس الزيارة تلويحاً.

٢- تحريم السفر إلى زيارة قبر الرسول وسائر الاَنبياء والاَولياء.

٣- تحريم البناء على قبور الاَنبياء والصالحين.

٤- تحريم بناء المساجد على مشاهدهم.

٥- تحريم الصلاة والدعاء في مشاهدهم وعند مراقدهم.

٦- تحريم التبرّك والاستشفاء بآثار الرسالة والرسول.

٧- تحريم التوسّل بالاَنبياء والاَولياء بصوره المختلفة.

٨- تحريم الاستعانة بهم بعد رحيلهم.

٩- تحريم طلب الشفاعة من النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -

١٠- تحريم الحلف بغير اللّه كالنبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والقرآن والكعبة.

١١- تحريم إحلاف اللّه بحقوقهم وسوَاله كذلك.

١٢- تحريم النذر للنبيّ والاَولياء.

٧

وهي أُمور لا يذهب إليها المسلمون بل يذهبون إلى عكسها، من أقدم العصور الاِسلامية، والمشكلة أنّ موقف هذا الفريق لم ينحصر في تحريم هذه الاَمور ووصفها بأنّه شرك أو بدعة فحسب بل كفّروا من قام بهذه الاَعمال وقالوا بوجوب استتابته وإلاّ يُقتل ويهرق دمه، وبالتالي كفّروا جميع المسلمين سنّيهم وشيعيّهم، وبما أنّهم لم يضعوا حدّاً منطقياً للتوحيد والشرك، حسبوا كثيراً من هذه الاَمور شركاً في العبادة وأنّها عبادة لصاحب القبر، كعبادة المشركين أصنامهم.

وربّما يقولون إنّ بعض هذه الاُمور دون الشرك في العبادة، بل هي بدع في الدين، وما وصفوه بدعة ليس إلاّ لاَنّهم لم يعرّفوا البدعة بتعريف واضح.

ونحن بفضل اللّه تبارك وتعالى عالجنا هذه المسائل في ظلّ أُصولٍ مستلهمةٍ من الكتاب الكريم والسنّة الطاهرة ونحن ندعو هذا الفريق عامّة وعلماءهم خاصّة أن يُمعنوا النظر في هذه الاُصول حتى يتميّز الموحّد عن المشرك والمبدع عن المتشرّع.

بل نحن نقترح عليهم أن يعقدوا موَتمراً إسلامياً لمناقشة هذه المسائل عامّة وفي تحديد التوحيد والشرك خاصة حتّى يتميّز الحقُّ وتظهر الحقيقة للشاكّين والمرتابين كافّة، وأنا أُقدّم رسالتي هذه:

إلى العلماء المخلصين في رابطة العالم الاِسلامي بمكّة المكرمة.

إلى الذين يهمّهم شأن الاُمّة الاِسلامية، ويحبّون أمنها، وسعادتها.

إلى الذين يُحزنهم أن تبقى الاُمّة الاِسلاميّة متفرّقةً متشتّتةً.

٨

أرفع كتابي هذا الذي أوضحنا فيه أُصول الوحدة الاِسلامية المنشودة، وأُهيب بهم أن يتدارسوها بموضوعيّة، ويتأمّلوا فيها بعناية، عسى أن يفتح اللّه به وبهم باباً من الخير والصلاح في وجوه المسلمين. وما توفيقنا إلاّ باللّه، عليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

اللّهمّ احقن بنا دماء المسلمين

اللّهمّ صُن بنا كرامتهم

اللّهمّ وحّد بنا صفوفهم

اللّهمّ أشدد بنا أزرهم

آمين ربّ العالمين

قم المقدَّسة - الحوزة العلمية

١٠ شهر ذي الحجّة الحرام ١٤١٠ من الهجرة النبويّة

جعفر الهادي

٩

١٠

١- بساطةُ العقيدة ويسرُ التكليف في الاِسلام

أركان الاِسلام في الكتاب والسنّة.

النهي عن تكفير المسلم في السنّة.

الاِسلام ووحدة المسلمين.

موقف علماء الاِسلام من تكفير المسلم.

ما يترتّب على هذا الاَصل.

جاء رسول الاِسلام -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لنشر التوحيد ومكافحة الوثنية والدعوة إلى الاعتقاد باليوم الآخر، كما جاء بمجموعة من الفرائض والمحرّمات التي تضمن إسعاد الاِنسان في الدارين وتكفُل خيرَه، ورُقيّه.

وقد كان لانتشار الدين الاِسلامي في المجتمعات البشرية بصورة سريعة وواسعة، أسباب وعلل منها: بساطة العقيدة ويسر التكاليف في هذا الدين.

فالعقيدة التي عرضها سيّدُ المرسلين على البشر لم تكن عقيدة معقّدة

١١

كما هو الحال في العقيدة النصرانية التي لا يستطيع المتديّن بها أن يفسر مسألة التثليث والاَقانيم الثلاثة فيها.

فالعقيدة الاِسلامية في خالق الكون والاِنسان تتمثّل في سورة التوحيد:( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )

وكان الاِسلام ولا يزال يقنع من المسلم في مجال الاعتقاد، بهذا القدر، ولم يُلزم الوحيُ ولا العقلُ أحداً بالغور في المسائل العقلية الفلسفية، ولم يجعل الاِيمان دائراً مدارها أبداً.

وأمّا يسر التكاليف وسهولة الشريعة فحدّث عنهما ولا حرج، وقد أشار إليها الكتاب العزيز بقوله:

( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبلُ ) (١) .

( مَا يُريدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) (٢)

( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْ-رَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ ) (٣)

( رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) (٤)

____________________

(١)الحجّ: ٧٨.

(٢)المائدة: ٦.

(٣)البقرة: ١٨٥.

(٤)البقرة: ٢٨٦.

١٢

فهذه الآيات تصرّحُ بأنّ اللّه تعالى رفع عن أُمّة محمّد الآصار، ولم يفرض عليهم حكماً حرجيّاً صعباً، ممّا كان في الاُمم الماضية.

وقد ورد في حديث عن النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنّه قال: «مما أعطى اللّه أُمّتي وفضّلهم على سائر الاُمم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطِها إلاّ نبي، وذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيّاً قال له: اجتهد في دينك ولا حَرَجَ عليك، وإنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى ذلك أُمّتي حيث يقول: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِن حَرَجٍ) يقول: من ضيق»(١)

وظاهر هذا الحديث أنّ رفع الحرج الذي منّ اللّه به على هذه الاُمّة المرحومة كان في الاُمم الماضية خاصّاً بالاَنبياء وأنّ اللّه أعطى هذه الاُمّة ما لم يُعطِ إلاّ الاَنبياء الماضين (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

وسُئِل علي -عليه‌السلام - : أيُتوضّأ من فضلِ وضوء جماعة المسلمين أحبُّ إليك أو يتوضّأ من ركوٍ أبيضٍ مخمّر؟ فقال: «لا ، بل من فضلِ وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى اللّه الحنيفية السمحة السهلة»(٢)

واشتهر عن رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قوله: «بُعثتُ بالحنيفيّة السمحة السهلة»(٣)

وللتأكد من هذه الحقيقة ينبغي أن نستعرض أركان الاِسلام التي يكفي تحقّقها لتحقّق عنوان المسلم، وصدقه على الشخص.

____________________

(١)البرهان ٣/١٠٥. يراجع بقية الحديث في المصدر المذكور.

(٢)الوسائل: أبواب النجاسات، الباب ٥٠، الحديث ٣.

(٣)الكافي ١: ١٦٤.

١٣

أركان الاِسلام في ضوء الكتاب والسنّة:

لقد كان رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقنع في قبول الاِسلام من الذين يريدون الانضواء تحت رايته، والاِيمان به وبرسالته، بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فإذا فَعَلها أحدٌ حُقن دمه وعِرضه ومالهُ وكان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. وقد قامت سيرة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - هذه على أصلٍ قرآنيٍ ثابت حيث يقول اللّه تعالى:

( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن أَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُوْمِناً ) (١)

وجاء في صحيح البخاري عن عبد اللّه بن عمر – رضي ‌الله‌ عنهما -: قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «بُني الاِسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنَّ محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضان»(٢) .

بل كان -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يكتفي بأقل من هذا، رغم سعة رقعة التكاليف الاِسلامية، وكثرة جزئياتها وتفاصيلها.

فقد أخرج البخاري ومسلم في باب فضائل علي -عليه‌السلام - أنّه قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يوم خيبر: «لاُعطينّ هذه الرايةَ رجلاً يحبّ اللّهَ ورسوله يفتح اللّه على يديه».

قال عمر بن الخطاب: ما أحببتُ الاِمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتساورتُ لها رجاءَ أن أُدعى لها، قال فدعى رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عليَّ بن أبي طالب فأعطاه

____________________

(١)النساء: ٩٤.

(٢)صحيح البخاري ج ١ كتاب الاِيمان.

١٤

إيّاها، وقال: «إمشِ ولا تلتفت حتّى يفتح اللّه عليك» فسار «عليٌّ» شيئاً ثم وقف ولم يلتفت وصرخ: يا رسول اللّه على ماذا أُقاتل الناس؟

قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «قاتِلهُمْ حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأن محمَّداً رسول اللّه، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه»(١)

قال الشافعيّ في كتاب «الاُم» عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: «لا أزال أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه فإذا قالوا لا إله إلاّ اللّه فقد عصمُوا منّي دماءَهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه».

قال الشافعي: فأعلَمَ رسول اللّه أنّ فَرضَ اللّه أن يقاتلهم حتّى يُظهروا أن لا إله إلاّ اللّه فإذا فَعَلوا مَنَعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، يعني إلاّ بما يحكمُ اللّه عليهم فيها وحسابهم على اللّه بصدقهم وكذبهم وسرائرهم، اللّهُ العالم بسرائرهم، المتولّ-ي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكّام خلقه، وبذلك مضت أحكام رسول اللّه فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق، وأعلَمَهُمْ أنَّ جميع أحكامه على ما يظهرون وأنّ اللّه يدين بالسرائر(٢)

قال، قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «من شهد أن لا إله إلاّ اللّه واستقبل قبلتنا وصلَّ-ى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلمُ له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم»(٣)

____________________

(١)صحيح البخاري ج٢، مناقب عليّ -عليه‌السلام - ، وصحيح مسلم ج٦ باب فضائل عليّ -عليه‌السلام -

(٢)الاَُم ٧: ٢٩٦-٢٩٧.

(٣)جامع الاُصول ١: ١٥٨- ١٥٩.

١٥

وقال: قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - روى أنس قال: أنّ رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه فإذا شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلُّوا صلاتنا، حرمت علينا دماوَهم وأموالهم إلاّ بحقّها»

كل هذه الاَحاديث تصرّح بأنّ ما تُحقَن به الدماء وتُصان به الاَعراض ويدخل به الاِنسان في عداد المسلمين هو الاعتقاد بتوحيده سبحانه ورسالة الرسول، وهكذا يتّضح ما ذكرناه من بساطة العقيدة وسهولة التكاليف الاِسلامية.

النهي عن تكفير المسلم في السنّة:

ثمّ إنّه قد وردت أحاديث كثيرة تنهى عن تكفير المسلم الذي أقرّ بالشهادتين فضلاً عمّ-ا إذا كان يمارس الواجبات الدينية، وإليك طائفة من هذه الاَحاديث:

قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - :

١- «بُني الاِسلام على خصال: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه والاِقرار بما جاء من عند اللّه، والجهاد ماضٍ منذُ بعث رُسُله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين فلا تكفّروهم بذنبٍ ولا تشهدوا عليهم بشركٍ».

٢- «لا تكفّروا أهل ملّتكم وإن عملوا الكبائر»(١)

____________________

(١)نعم فعل الكبائر يوجب العقاب لا الكفر.

١٦

٣- «لا تكفّروا أحداً من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر».

٤- «بُني الاِسلام على ثلاث: أهل لا إله إلاّ اللّه لا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا لهم بشرك».

٥- عن أبي ذرّ: أنّه سمع رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: «لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسق أو بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك».

٦- عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: «مَن قال لاَخيه يا كافر فقد باءَ بها أحدهما».

٧- «مَن قذف موَمناً بكفرٍ فهو كقاتِلِه، ومن قتل نفسه بشيء عذّبه اللّه بما قَتَل».

٨- «من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما».

٩- «إذا قال الرجل لاَخيه يا كافر فهو كقتله، ولعنُ الموَمن كقتله».

١٠- «أيّما رجل مسلمٍ كفّر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلاّ كان هو الكافر».

١١- «كُفّوا عن أهل لا إله إلاّ اللّه لا تكفّروهم بذنبٍ فمن أكفر أهل لا إله إلاّ اللّه فهو إلى الكفر أقرب».

١٢- «أيّما امرىَ قال لاَخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه».

١٣- «ما أكفر رجل رجلاً قطّ إلاّ باء بها أحدهما».

١٤- «إذا قال الرجلُ لاَخيه يا كافر فقد باء به أحدُهما إن كان الذي

١٧

قيل له كافراً فهو كافر، وإلاّ رجع إلى من قال».

١٥- «ما شَهِد رجلٌ على رجل بكفر إلاّ باء بها أحدُهما إن كان كافراً فهو كما قال وإن لم يكن كافراً فقد كفر بتكفيره إيّاه».

١٦- عن عليّ: في الرجل يقول للرجل: يا كافر يا خبيث يا فاسق يا حمار قال: «ليس عليه حدّ معلومٌ، يعزّر الوالي بما رأى»(١)

الاِسلام ووحدة المسلمين:

هذا مضافاً إلى أنّ الاِسلام يوَكّد على وحدة المسلمين ونبذ كل ما يهدم هذه الوحدة من التهمة والظنّة والغيبة والتكفير والتفسيق، والنميمة.

وإليك نبذة ممّا جاء في الكتاب العزيز والسنّة المقدّسة من الترغيب في الاجتماع والاَُلفة، قال اللّه تعالى:

١-( إنَّمَا المُوْمِنُونَ إخوَةٌ ) (٢)

٢-( والمُوْمِنُونَ والمُوْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (٣)

٣-( محمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ على الكُفّارِ رُحماءُ بَيْنَهُمْ ) (٤)

٤-( وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّناتُ

____________________

(١)هذه الاَحاديث مبثوثة في جامع الاُصول ج١، و ١٠ و١١ كما أنّها مجموعة بأسرها في كنز العمال للمتقّي الهندي ج١.

(٢)الحجرات : ١٠.

(٣)التوبة: ٧١.

(٤) الفتح: ٢٩.

١٨

وَأُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ ) (١)

٥-( وَاعتَصمُوا بِحَبلِ اللّهِ جَميعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (٢)

٦-( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ في شيءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلى اللّهِ ثُمَّ يُنبِّئُهُمْ بِمَا كانُوا يَفْعَلُونَ ) (٣) .

٧-( يَا أيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعارَفُواْ ) (٤) .

هذا من الكتاب وأمّا السنّة فإليك طائفة من الاَحاديث في هذا المجال:

١- قال رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «لا تدخلون الجنّة حتى توَمنوا ولا توَمنون حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم»(٥) .

٢- قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : «الدين النصيحة؟ قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال للّه ولكتابه ولرسوله ولاَئمّة المسلمين ولعامّتهم والذي نفسي بيده لا يوَمن عبد حتّى يُحبّ لاَخيه ما يحبّ لنفسه»(٦)

٣- «ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم يد على من سواهم،

____________________

(١)آل عمران: ١٠٥.

(٢)آل عمران: ١٠٣.

(٣)الاَنعام: ١٥٩.

(٤) الحجرات: ١٣.

(٥)كنز العمال ج ١٥: ٨٩٢ و ج ٣ : ٤١٣.

(٦)كنز العمال ج ١٥: ٨٩٢ و ج ٣ : ٤١٣.

١٩

فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين لا يُقبَل منه يوم القيامة صرف ولا عدل»(١) .

٤- «إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد اللّه إخواناً ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام»(٢)

٥- «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربه فرّج اللّه عنه يوم القيامة».

إلى غير ذلك من الاَحاديث الحاثّة للمسلمين على الوئام والتآلف والتوادد ونبذ الفرقةوالاختلاف، والتشاجر والتشاحن، والطرد والاِقصاء(٣)

موقف علماء الاِسلام من تكفير المسلم:

وقد تشدّد علماء الاِسلام في تكفير المسلم ونهوا عنه بقوّة، وبالغوا في النهي عنه.

قال ابن حزم حيث تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفر(٤) وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفَّر ولا يفسَّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فُتيا، وأن كلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجورٌ على كلِّ حال، إن أصابَ

____________________

(١)المستدرك للحاكم ٢ : ١٤١ ومسند أحمد ١: ١٢٦ و١٥١.

(٢)كنز العمال ١٦: ٨٦ و ١: ١٥٠.

(٣)كنز العمال ١٦: ٨٦ و ١: ١٥٠.

(٤)الفصل بين الاَهواء والملل والنحل ٣: ٢٤٧.

٢٠