في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام0%

في ظل أصول الإسلام مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 359

  • البداية
  • السابق
  • 359 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20748 / تحميل: 4854
الحجم الحجم الحجم
في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام

مؤلف:
العربية

فأجران، وإن أخطأ فأجرٌ واحدٌ.

(قال): وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي، وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة (رض) لا نعلم منهم خلافاً في ذلك أصلاً.

وقال شيخ الاِسلام تقي الدين السُبكي: إنّ الاِقدام على تكفير الموَمنين عَسِ-ر جداً، وكُلّ من كان في قلبه إيمان يستعظم القولَ بتكفير أهل الاَهواء والبدع مع قولهم لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، فإنّ التكفير أمرٌ هائل عظيم الخطر (إلى آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتفظيع خطره)(١)

وكان أحمد بن زاهر السرخسي (وهو أجل أصحاب الاِمام أبي الحسن الاَشعري) يقول: لمّا حَضَ-رَتِ الشيخَ أبا الحسن الاَشعري الوفاةُ بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتُهُم له فقال: إشهَدوا عليَّ أنّني لا أُكفّرُ أحداً من أهل القبلة بذنبٍ، لاَنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبودٍ واحدٍ، والاِسلام يشملهم ويعمّهم(٢) .

وقال القاضي عبد الرحمان الايجيّ: جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفَّر أحد من أهل القبلة - ثمّ استدلّ قائلاً -: إنّ المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون اللّه تعالى عالماً بعلم، أو موجداً لفعل العبد أو غير متحيّز ولا في جهة ونحوها لم يبحث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن اعتقاد من حكم باسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون، فعلم أنّ الخطأ فيها ليس قادحاً في حقيقة

____________________

(١)اليواقيت والجواهر: ٥٨.

(٢)اليواقيت والجواهر: ٥٨.

٢١

الاِسلام(١) .

وقال السيد محمّد رشيد رضا: إنّ من أعظم ما بُليَت به الفرق الاِسلامية رميَ بعضهم بعضاً بالفسق والكفر مع أنّ قصد الكلِّ الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده، واعتقاده والدعوة إليه، فالمجتهد وإن أخطأ معذور(٢)

ما يترتب على هذا الاَصل:

إذا كان الكتاب والسنّة يكتفيان في الحكم على الشخص بالاِسلام بذكر الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان، والحجّ وما مرّ عليك في الحديث المنقول عن البخاري وغيره، فيجب علينا:

١- الحكم بأنّ جميع الفرق الاِسلامية - إلاّ من قام الدليل القطعي على كفره - يندرجون تحت عنوان الاِسلام، وحكمه، ولا يصحّ لاَحد أن يكفّر أحداً فرداً أو طائفة بمجرّد أنّه يرتكب عملاً صحيحاً مشروعاً وغير شرك عنده، غير صحيح وغير مشروع بل شرك عند المكفّر.

إنّ النبيّ الاَكرم -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان يقبل إسلام من اعترف بوحدانية الاِله ورسالة نبيّه الخاتم من دون أن يسأله عن الاُمور التي زعم ابن تيمية أنّها شرك في العبادة، وتأليه لغيره سبحانه، مع شيوع هذه الاُمور بين الاُمم

____________________

(١)المواقف ص ٣٩٣، طبعة القاهرة، مكتبة المتنبي ، لاحظ ذيل كلامه ترى أنّه يستدل على أنّه لايجوز تكفير أية فرقة من الفرق الاِسلامية إذا اتفقوا على أصل التوحيد والرسالة.

(٢) تفسير المنار ١٧: ٤٤.

٢٢

المتحضّرة في الشامات واليمن آنذاك.

ولو كان الاعتقاد بحرمتها والاجتناب عنها عملاً، من مُقوّمات الاِيمان والاِسلام لكان على النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - التصريح بذلك، ولو مرّة واحدة عند وفود الاُمم عليه ودخولهم في دين اللّه بأن يقول: وعليك أن تترك:

البناء على القبور من غير فرق بين الصالح وغيره.

وبناء المساجد على قبور الصالحين.

والصلاة والدعاء في مشاهدهم ومراقدهم.

والتبرّكَ والاستشفاءَ بآثارهم.

والتوسّلَ بهم وبحرمتهم ومقامهم و...

مع أنّه لم يُرَ منه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كما لم يُنقل أنّه أخذ الاعترافَ بهذه الاَمور.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّها ليست من مقوّمات الاِيمان ولا من موجبات الكفر والشرك بل هي من الاَمور الفقهية التي يُبحث عنها في الفقه حرمةً وجوازاً.

إنّ المسلمين اليوم بأمسّ الحاجة إلى توحيد الكلمة ورصّ الصفوف، والابتعاد عن كل ما يُفرّق جمعهم ، ويشتّتُ كلمتهم. ولكنّنا لو جَعَلنا هذه الفوارق وما شابهها ممّا يوجب خروج هذه الجماعة أو تلك من الاِسلام لتمزّقت وحدة الاُمّة، وسهل حينئذٍ ابتلاعها جميعاً من قبل أعداء الاِسلام المتربّصين الطامعين.

٢٣

٢- التأسّف على ما مضى من إقدام المذاهب الاِسلامية المختلفة على تكفير بعضها بعضاً من دون تورّع وتحرّج، سابقاً. فأهل الحديث والحنابلة يكفّرون المعتزلة، والمعتزلة يكفّرون أهل الحديث والحنابلة.

ثمّ لمّا ظهر الاَشعري، وحاول إصلاح عقائد أهل الحديث والحنابلة، ثارت ثائرة تلك الطائفة ضدَّه فأخذ الحنابلة يكفّرون الاَشاعرة، ويلعنونهم ويسبّونهم على صهوات المنابر.

فهذا هو السُبكي يقول حول تكفير الحنابلة للاَشاعرة: هذه هي الفتنة التي طار شررها فملاَ الآفاق وطال ضرَرَها فشمل خراسان والشام والحجاز والعراق وعظم خطبُها وبلاوَها وقام في سبّ أهل السنّة (يريد بهم الاَشاعرة) خطيبها وسفهاوَها، إذ أدّى هذا الاَمر إلى التصريح بلعن أهل السنّة في الجمع، وتوظيف سبِّهم على المنابر، وصار لاَبي الحسن الاَشعري -كرّم اللّه وجهه - بها أسوةٌ بعليّ بن أبي طالب - كرّم اللّه وجهه - في زمن بعض بني أُميّة حيث استولت النواصب على المناصب، واستعلى أولئك السفهاء في المجامع والمراتب(١)

٣- التأسّف على سريان هذه الحالة إلى مجال الفروع فإذا بأصحاب المذاهب الفقهية الاَربعة تختلف وتتشاحن وتتنازع وتحدث فتنٌ كثيرةٌ وداميةٌ بينها.

فقد وقعت فتنةٌ بين الحنفية والشافعية في نيسابور ذهب تحت هياجها

____________________

(١)طبقات الشافعية ٣: ٣٩١ تأليف تاج الدين السبكي.

٢٤

خلقٌ كثير، وأُحرقت الاَسواق والمدارس وكثُر القتل في الشافعية فانتصروا بعد ذلك على الحنفية وأسرفوا في أخذ الثأر منهم في سنة ٥٥٤ ه-، ووقع-ت حوادثُ وفتنٌ مشابهةٌ بين الشافعية والحنابلة واضطرت السلطات إلى التدخّل بالقوّة لحسم النزاع في سنة ٧١٦ وكثُر القتلُ وحرق المساكن والاَسواق في أصبهان، ووقعت حوادثُ مشابهةٌ بين أصحاب هذه المذاهب وأتباعها في بغداد ودمشق وذهب كلُ واحد منها إلى تكفير الآخر. فهذا يقول: من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم، وذاك يغري الجهلة بالطرف الآخر فتقع منهم الاِساءة على العلماء والفضلاء منهم وتقع الجرائم الفضيعة(١)

٤- الاستنكار لما ذهب إليه ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، حيث كفّرا جميع الاُمّة قاطبة سنّيها وشيعيّها، بحجّة أنّهم يتوسّلون بالنبيّ والعترة وأنّهم يدعونهم ويستغيثون بهم، وأنّهم يعمّرون قبورهم ويتبرّكون بها و .

فهل كان النبيّ يسأل الوافدين عليه المُظهرين للشهادة هل يتوسّلون بالاَنبياء والصالحين أو لا؟ هل يدعونهم ويستغيثون بهم أو لا؟ هل يعمّرون قبورهم أو لا؟ هل يتبرّكون بآثارهم أو لا ؟

أو أنّه كان يكتفي في الحكم عليهم بالاِسلام والاِيمان بما تضافرت عليه النصوص التي أوقفناك على طائفةٍ كبيرةٍ منها، مع أنّه لم تكن حياة العربولا غيرهم خالية عن هذه الاَمور، بل كانت زاخرة بها وبأمثالها كما

____________________

(١)راجع البداية والنهاية لابن كثير ١٤: ٧٦، ومرآة الجنان ٣: ٣٤٣، والكامل لابن الاَثير ٨: ٢٢٩، وتذكرة الحفّاظ ٣: ٣٧٥، وطبقات الشافعية ٣: ١٠٩ وغيرها ولاحظ الاِمام الصادق: لاَسد حيدر، وقد أشبع المقال في هذا المجال.

٢٥

أسلفنا.

ولعلّ في القرّاء من يستبعد أنّ ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب، كانا يكفّران المسلمين، ولاَجل ذلك فإنّنا نأتي هنا بنصوص من الثاني لكون آرائه أكثر رواجاً الآن

يقول محمّد بن عبد الوهاب:

إنّ الكفّار الذين قاتلهم رسولُ اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مُقرّون بأنّ اللّه هو الخالقُ الرازقُ المدبّرُ ولم يُدخلهم ذلك في الاِسلام لقوله تعالى:( قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَ-اءِ والاَرْضِ أَمَّنْ يَمْلكُ السَّمْعَ والاَبْصَارَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) (١)

ثمّ إنّهم يقولون ما دعونا الاَصنام وتوجّهنا إليهم إلاّ لطلب القرب والشفاعة، لقوله تعالى:( والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرّبُونا إلى اللّهِ زُلْفى ) (٢) وقوله تعالى:( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هوَلاء شُفعاوُنا عِنْدَ اللّهِ ) (٣)

ثمّ يقول: إنّ النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ظَهَرَ على قومٍ متفرّقين في عبادتهم، فبعضهم يعبد الملائكة، وبعضهم الاَنبياء والصالحين، وبعضهم الاَشجار والاَحجار، وبعضهم الشمس والقمر فقاتلهم ولم يفرّق بينهم.

ثمّ يُنهي كلامه قائلاً: إنّ مُشركي زماننا أغلظُ شركاً من الاَوّلين لاَنّ

____________________

(١)يونس: ٣١.

(٢)الزمر: ٣.

(٣) يونس : ١٨.

٢٦

أُولئك يُشركون في الرخاء، ويُخلصون في الشدة وهوَلاء شركهم في الحالتين لقوله تعالى:( فَإذا رَكِبُواْ في الفُلْكِ دَعُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى البَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (١)

هكذا يرمي محمد بن عبد الوهاب المسلمين بالشرك الغليظ لكونهم يتوسّلون بالنبي والاَئمّة والاَولياء ويستشفعون بهم.

ثمّ يقول في كتابه كشف الشبهات: «إنّ التوحيد الذي جَحَدوه هو توحيد العبادة الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد كما كانوا يدعون اللّه سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة لاَجل صلاحهم وقربهم من اللّه ليشفعوا لهم أو يدعوا رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبيّاً مثل عيسى»(٢)

وحاصل كلامه أنّ المسلمين اليوم، موحّدون من جهةٍ ومُشركون من جهةٍ أُخرى، أمّا الجهة الاُولى فلقولهم بأنّ اللّه سبحانه هو الخالق الرازق المدبّر. وأمّا الجهة الثانية فلاَنّهم يعبدون الاَنبياء والصالحين بدعائهم والتوسّل بهم والتبرّك بآثارهم وتعمير قبورهم. ويسمّي الاُولى : التوحيد في الربوبية، والثانية التوحيد في الاَلوهية، وهو يرتكب الخطأ في تسمية القسم الاَوّل بالربوبية، والثانية بالاَلوهية، وكذا تسمية دعاء الاَنبياء والصالحين عبادةً، ويتَّضح كلّ ذلك عند البحث عن ميزان التوحيد والشرك في العبادة فانتظر.

هذا وقد كتب مفكّرون وكتّابٌ عديدون عن ظاهرة تكفير محمد بن

____________________

(١)الصواعق الاِلهيّة: الطبعة الثالثة : ٤، والآية من سورة العنكبوت: ٦٥.

(٢)كشف الشبهات: ٤، طبعة مصر تصحيح محبّ الدين الخطيب.

٢٧

عبد الوهاب وأتباعه للمسلمين قاطبةً، نذكر بعضهم وما كتبوه على سبيل المثال:

يقول جميل صدقي الزهاويّ: «كان محمّدُ بن عبد الوهاب يسمّي جماعته من أهل بلده: الاَنصار، وكان يسمّي متابعيه من الخارج: المهاجرين.

وكان يأمر من حجَّ حجّة الاِسلام قبل إتّباعه أن يحجَ ثانياً قائلاً: إنّ حجَّتك الاُولى غير مقبولة لاَنّك حججتها وأنت مشرك.

ويقول لمن أراد أن يدخل في دينه: إشهد على نفسك أنّك كنت كافراً، واشهد على والديكَ أنّهما ماتا كافرين واشهد على فلان وفلان (يسمّي جماعة من أكابر العلماء الماضين) أنّهم كانوا كفّاراً فإن شهِدَ بذلك قَبِلَهُ.

وكان يصرّح بتكفير الاُمّة منذ ستمائة سنة ويكفّر كل من لا يتّبعه وإن كان من اتقى المسلمين، ويسمّيهم مُشركين، ويستحلّ دماءهم وأموالهم، ويُثبتُ الاِيمان لمن اتّبعه»(١)

وكتب الآلوسي في تاريخ «نجد» عن سعود بن عبد العزيز: «أنّه قاد الجيوش وأذعنت له صناديدُ العرب وروَساوَهُم بَيْدَ أنَّه منع الناس عن الحجّ وغالى في تكفير من خالفَه وشدّد في بعض الاَحكام»(٢)

إنّ وظيفتنا في العصر الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب المتباعدة وتصادقت الدول المتعادية، على اختلاف مسالكها ومشاربها المتباينة،

____________________

(١)الفجر الصادق: ١٧- ١٨.

(٢)كشف الارتياب: ٩، نقلاً عن تاريخ نجد.

٢٨

ومدارسها وأيديولوجياتها المتناقضة، فتصافحت وتعانقت، واتّحدت وتوحَّدت، أن نعمل على توحيد الصف الاِسلامي وذلك بأن نرجِعَ إلى الكتاب والسنَّة، وأن يُحتَرمَ جميع المسلمين، المنضوين تحت لوائهما، ويُتركَ خلافُ كلّ فرقة إلى نفسها، ولا يُعدَّ ذلك فارقاً ، وفاصلاً بينها وبين الفرق الاَخرى.

نعم أنّ هذا لا يعني ترك البحث العلميّ والنقاش الموضوعيّ في القضايا المختلف فيها، بل المقصود هو أن لا تُتخذ تلك القضايا وسيلة للتفرّق والتمزّق، والتنازع والتشاحن، فلا ضيرَ في أن يجتمع العلماء في مكانٍ واحدٍ ويتناقشوا ويتناظروا في جوٍّ هادىَ لتقريبِ وجهات النظر فيما بينهم ومعرفة فوارقهم وجوامعهم، بل يتعين ذلك خدمة للاِسلام ورحمة بالمسلمين.

ثمّ ممّا يدلّ على سهولة التكليف في عامة الشرائع، والشريعة الاِسلامية الغرّاء خاصّة أنّ الاَصل في الاَفعال هو الاِباحة لا الحظر والحرمة، وذلك آية التسهيل وعلامة التيسير وهذا هو ما نبحث عنه في الاَصل القادم الذي يلي هذا الاَصل.

ولكن نلفت نظر القارىَ إلى الجواب الذي صَدَر من الشيخ عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز الموَرخ ٨/٣/١٤٠٧ برقم ٧١٧/٢ على السوَال الذي وُجِّه إليه حول الاِئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الروَية يوم القيامة - أي روَية اللّه جلّ وعلا من قِبَلِ أهل الجنّة -. حيث يكفّر من لا يقول بذلك ولا يعتقده وحيث نَقَل عن عدّةٍ منهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، بأنّه كافر ،

٢٩

حيث قال الاَوّل: والذي عليه جمهور السلف أنّ من جَحَدَ روَية اللّه في الدار الآخرة فهو كافر، فإن كان ممّن لم يبلغه العلم في ذلك عُرِّف ذلك كما يُعرَّف من لم تبلغه شرائع الاِسلام، فإن أصّرَ على الجحود بعد بلوغ العلم فهو كافر.

إن هذه الفتوى تضادّ ما تضافر عن النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من أنّ أركان الاِسلام عبارة عن التوحيد والاِقرار بالرسالة وغيرهما ممّا مضى ذكره فهل كان النبيّ يوجب على من يعترف بالشهادتين الاعتقاد بروَية اللّه؟؟

إنّ الروَية مسألةٌ اجتهاديةٌ تضاربت فيها أقوال المفسّ-رين، ومن نفى الروَية فإنّما اجتهد في النصوص التي زعم القائل دلالتها عليها، فلو كان مُصيباً فله أجران، ولو كان مُخطئاً فله أجرٌ واحد لا أنّه كافر خارج عن الاِسلام.

هذا ولقد بسطنا الكلام في دلالة قوله سبحانه: (إلى ربّها ناظرة) على الروَية وخرجنا بنتيجة واضحة وهي أنّ الآية لا دلالة لها على ما يتبنَّاه أصحابُ الروَية، بل أنّ القول بالروَية من البدع التي دَخَلت إلى الاَوساط الاِسلامية من جانب الاَحبار والرهبان(١)

____________________

(١)راجع الاِلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل للاَُستاذ العلاّمة الشيخ السبحاني.

٣٠

٢- الاَصل هو الاِباحة دون الحظر والحُرمة

الاُمم السابقة وأصالة الاِباحة.

القرآن الكريم وأصالة الاِباحة.

أصالة الحلية في العادات لا العبادات.

ما يترتب على هذا الاَصل.

إذا سبر الاِنسان حياة الاُمم السابقة ، وجد أنّه لم يكن اعتناقها للشرائع السماوية موجباً لالتزامها بعدم ارتكاب عمل إلاّ بعد إحراز أنّه حلال مباح، بل كان الاَساس المتَّبع في حياة الناس في تلك الاُمم والاَقوام هو جواز كل فعل إلاّ إذا نهى عنه أنبياوَهم، إذ لولا ذلك لانهارت حياتهم، أو تعقَّدت أشدّ تعقيد.

٣١

القرآن الكريم وأصالة الاِباحة:

يظهر من الذكر الحكيم أنّ هذا هو الاَصل في الشريعة الاِسلامية السمحاء، وأنّ وظيفة النبيّ الاَكرم هو بيان المحرّمات دون المحلَّلات، وأنّ الاَصل هو حلّية كل عملٍ وفعلٍ، إلاّ أن يجدَ النبيُّ حرمته في شريعته، وأنّ وظيفة الاُمّة هو استفراغ الوسع في استنباط الحكم من أدلّته فإذا لم يجد دليلاً على الحرمة، يحكم عليه بالجواز ، ونكتفي في المقام بلفيف من الآيات، وإن كان في السنّة الغرّاء كفاية:

١- قال سبحانه:( وَ مَا لَكُمْ ألاّ تأكلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيهِ وَقَدْ فصّلَ لَكُمْ ما حَرّمَ عَلَيْكُمْ إلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثْيراً لَيُضِلّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْ-رِ عِلْمٍ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدينَ ) (١)

فإنّ هذه الآية تكشف عن أنّ الذي يحتاج إلى البيان إنّما هو المحرّمات لا المباحات، ولاَجل ذلك فإنّه بعد أن فصّل ما حرَّم لا وجه للتوقف في العمل، والارتكاب بعد ما لم يكن مبيّناً في جدول المحرّمات.

وبعبارة أُخرى إنّ المسلم إذا لم يجد شيئاً في جدول المحرّمات لم يكن وجه لتوقّفه وعدم الحكم عليه بالاِباحة، والجواز والحلّية.

٢- قال سبحانه:( قُلْ لا أَجِدُ فيما أوْحيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمَاً مَسْفُوحاً أوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنّه رِجسٌ أَوْ فِسْقاً

____________________

(١)الاَنعام: ١١٩.

٣٢

أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ) (١)

انّه يكشف عن أنّ ما يلزم بيانه إنَّما هو المحرَّمات لا المباحات، ولذلك يستدلّ مُبلِّغ الوحي (ونعني به النبيّ الكريم -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ) بأنّه لا يجد فيما أُوحي إليه مُحرَّماً على طاعمٍ يطعمه سوى الاَمور المذكورة فإذا لم يكن هناك شيء فهو محكوم بالحلّية والاِباحة.

٣- قال سبحانه:( وَمن اهتَدى فإنّما يَهتَدي لنفسه، وَمَن ضَلّ فَإنّما يَضِلُّ عَلَيها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى وَما كُنّا مُعذِبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسُولاً ) (٢)

٤- قال سبحانه أيضاً:( وَمَا كَانَ رَبّكَ مُهْلِكَ القُرى حَتّى يَبْعَث في أُمّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَاياتِنَا وَمَا كُنّا مُهلِكِى الْقُرى إلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ ) (٣)

إنّ دلالة هاتين الآيتين على المقام واضحة فإنّ جملة «وما كان» تارة تستعمل في نفي الشأن والصلاحية، وأُخرى في نفي كون الشيء أمراً ممكناً.

وأمّا الاَوّل فمثل قوله:( وَمَا كَانَ اللّهُ ليُضيعَ إيمانَكُمْ إنَّ اللّهَ بِالناسِ لَرَءُوف رَحيم ) (٤) . وغيره(٥) أي ليس من شأن اللّه سبحانه وهو العادل الرؤوف أن يضيع إيمانكم

وأمّا الثاني فمثل قوله:( مَا كانَ لِنفْسٍ أنْ تَمُوت إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كتاباً

____________________

(١)الاَنعام: ١٤٥.

(٢)الاِسراء: ١٥.

(٣)القصص: ٥٩.

(٤)البقرة: ١٤٣.

(٥)آل عمران: ٧٩ و ١٦١.

٣٣

مُوَجَّلاً ) (١) أي لا يمكن لنفس أن تموت بدون إذنه سبحانه.

فيكون معنى الآيتين بناء على الاستعمال الاَوّل: هو ليس من شأن اللّه تعالى أن يعذب الناس أو يهلكهم قبل أن يبعث إليهم رسولاً، وعلى الاستعمال الثاني: هو ليس من الممكن أن يعذب اللّه الناس أو يهلكهم قبل أن يبعث إليهم رسولاً.

وعلى كلّ تقدير فدلالة الآيتين على الاِباحة واضحة إذ ليس لبعث الرسل خصوصية وموضوعية، ولو أن جواز العذاب أُنيط ببعثهم فإنّما هو لاَجل كونهم وسائط للبيان والاِبلاغ، والملاك هو عدم جواز التعذيب بلا بيان وإبلاغ، وإنّ التعذيب ليس من شأنه سبحانه، أو أنّه ليس أمراً ممكناً حسب حكمته.

٥- قال سبحانه:( وَمَا أَهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلاّ وَلَها مُنذِرُونَ ) (٢) فإنّ هذه الآية مُشعرة بأن الهلاك كان بعد الاِنذار والتخويف، وإنَّ اشتراط الاِنذار كناية عن البيان وإتمام الحجّة.

٦- قوله سبحانه:( وَلَوْ أنّا أَهْلَكناهُمْ بِعَذاب مِن قَبْلِه لَقالُوا لَوْلا أرْسَلْت إِليْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ ءَاياتِكَ مِن قَبْلِ أن نَذِلّ ونَخزى ) (٣)

فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ التعذيب قبل بعث الرسول مردود بحجّة المعذَّبين وهي قولهم:( لولا أرسَلْتَ إلينا رسولاً فنتبع ءَاياتك ) فلا يصحّ

____________________

(١)التوبة: ١٢ ويونس: ٢٨.

(٢)الشعراء: ٢٠٨.

(٣)طه: ١٣٤.

٣٤

التعذيبُ إلاّ بعد أخذ الحجّة عنهم ببعث الرسُل.

وهذا يعني أن الاَشياء مباحةٌ جائزةُ الارتكاب خاليةٌ عن العقوبة أصلاً إلاّ إذا ردع عنها الشارع بشكل من الاَشكال التي منها إرسال الاَنبياء.

٧- قوله سبحانه:( يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنَا مِنْ بَشير وَلا نَذير فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشير وَنذَير واللّهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَديرٌ ) (١)

فإنّ ظاهر قوله:( مَا جَاءَنَا مِنْ بَشير وَلاَ نذير ) أنّه حجّة تامّة صحيحة، ويحتج به على كل من عُذِّبَ قبل البيان ولاَجل ذلك قام سبحانه بإرسال الرسل حتّى لا يُحتجَّ عليه بل تكون الحجّة للّه سبحانه.

وهذا يُعطي أنّه لا يُحكمُ على حُرمة شيء ولا يجوز التعذيب على ارتكابه قبل بيان حكمه وذلك لاَنّ بعث البشير والنذير كناية عن بيان الاَحكام.

أصالة الاِباحة في العادات لا العبادات:

وها هنا نكتةٌ وهي: أنّ ما قلناه من أنّ الاَصل في الاَشياء هو الاِباحة لا الحظر إنّما يجري في التقاليد والعادات، فإذا شككنا في أنّ لعب كرة القدم الذي هو من العادات والتقاليد هل هو حلال أم لا؟ أو أنّ الاستماع إلى الاذاعة سائغ أم لا؟ فالاَصل بعد التتبع في الاَدلة وعدم العثور على الدليل

____________________

(١)المائدة: ١٩.

٣٥

الدالّ على الحرمة هو الحلّية.

وأمّا الاَمور التي يقوم بها الانسان بما أنّها أعمال قُربيّة توجب الثواب فالاَصل فيها هو الحرمة ما لَم يدّل عليها الدليل، لكون الاَمور القربية أُموراً توقيفية أي موقوفة على بيان الشارع وطلبه وتحديده ، فإذا شككنا في أنّ صلاة الضحى هل هي سائغة أم لا ؟ فالاَصل فيها هو الحرمة لاَنّها ممّا لم يدلّ عليه دليل، إذ الاِتيان بها -والحال هذه - إدخال شيء في الدين مع أنّه لم يدلّ دليل على أنّه من الدين، وهكذا كُل عمل قُربيّ يأتي به الاِنسان بما أنّه واجب أو مستحبّ فإنّه يحتاج إلى الدليل، والاَصل فيه هو الحرمة، إلاّ إذا دلّ عليه دليل.

وعلى ذلك فكلّ ما يحكم الوهابيون بحرمته أو يصفونه بالبدعة والشرك، إنّما يتمّ إذا كان من القسم الثاني ولم يدلّ عليه الدليل.

وأمّا القسم الاَوّل، أعني: التقاليد والعادات فالاَصل فيه الاِباحة غير أنّ كثيراً ممن ليس له قدم راسخة في هذه المواضيع و الاَبحاث لا يفرّق بين مورد «أصالة الاِباحة» ، و «أصالة الحظر» والتفصيل موكول إلى محلّه في كتب علم أُصول الفقه.

ما يترتب على هذا الاَصل:

ويترتب على هذا الاَصل:

١- أنّ كل ما يقوم به الاِنسان من قول أو فعل فهو محكوم بالاِباحة ما لم نجد نصّاً على تحريمه في الكتاب والسنّة، وما لم ينطبق عليه أحد العناوين

٣٦

الكلّية المحرمة، مثل: «الاِعانة على الاِثم» و«تقوية شوكة الكفّار» و«الاِضرار بالمسلمين» و «الاِضرار بالنفس والنفيس» إلى غير ذلك منالعناوين العامّة التي ربّما يصير المباحُ بالذات حراماً بسبب انطباقها عليه.

وعلى أساس ذلك فإنّ جميع المصنوعات الحديثة التي هي من نتائج التقدّم الحضاري التكنولوجي مثل الهاتف والتلغراف، والتلفزيون والسيارة والطائرة وما شابهها واستخداماتها المتعارفة محكومة بالحلّية والاِباحة لعدم وجود نصّ خاصّ على تحريمها في الكتاب والسنّة، ولعدم انطباق أحد العناوين العامّة المحرّمة عليها.

وقد كان مُعظم مشايخ الوهابيين يحرّمون كلّ ذلك في بدء حركتهم ودعوتهم أيّام «عبد العزيز» ولكنّهم عندما أُزيحوا عن منصّة الحكم، وحلّ الآخرون محلّهم أباحوه وصاروا يتحدثون في الاِذاعة والتلفزيون ويستخدمون كل مُعطيات الحضارة الحديثة، ويحلّلون كل أشيائها واستخداماتها.

٢- يعلم في ضوء الاَصل السابق حلّية العادات والتقاليد العرفية المتّبعة لدى الاُمم والشعوب من إقامة الاحتفالات والمآتم إلى غير ذلك من الاَمور التي لا يقوم بها الاِنسان باعتقاده أنّها من الدين لكي ينطبق عليها عنوان البدعة، بل يقوم بها بما أنّها من الاَعراف والتقاليد الاجتماعية.

٣- حلّية الاَلعاب الرياضية من كرة القدم وكرة الطائرة إلى غير ذلك من الاَلعاب البدنية التي تمنح قدرة جسدية للاِنسان ونشاطاً روحياً إذا لم يقترن بالمحرَّمات.

٣٧

٤- حلّية كافة أشكال الرفض الوطنيّ الدارج بين الشعوب المتحضّرة فكرياً سواء كان لدعم دولتهم أم ضدّها وإسقاطها على الصعيد السياسي، وذلك مثل المظاهرات وما شابهها.

٥- حلّية تحصيل العلوم الطبيعية في كافّة مجالاتها وميادينها والعلوم الرياضية بشتى أقسامها، وألوانها، وكذا استخدامها في المجالات المباحة.

وأمّا علم الكلام الذي يتكفّل الذبّ عن حياض العقيدة فالحكم بحلّيته لا يحتاج إلى هذا الاَصل، لاَنّ له جذوراً واضحة في القرآن والسنّة، ومن الموَسف أن نرى السطحيين من أهل الحديث وعلى رأسهم الوهابيون قد حرّموه في جامعاتهم ومراكزهم الثقافية، فلا يُدرَّسُ فيها إلاّ العقيدة الطحاوية التي ذكرت العقائد فيها على نهج أهل الحديث، ولا ندري كيف يُحرّمون العلوم العقلية واستخدام العقل في فهم المعارف والاستدلال عليها والذكر الحكيم مليىَ بالبراهين العقلية على وجوده سبحانه وتوحيده وصفاته، إلى غير ذلك من المسائل الفكرية، والاعتقادية التي دعى القرآن الكريم إلى التفكير والتعقل فيها.

فهذا هو إبراهيم الخليل -عليه‌السلام - يستدلّ بأُفول الاَجرام السماوية على بطلان كونها أرباباً(١)

وهذا هو الذكر الحكيم يستدلّ على وحدانية اللّه بقوله:( لَوْ كَانَ فِيهما ءَالِهَةٌ إلاّ اللّه لَفَسَدَتَا ) (٢) وقوله:( وما كان مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إذاً لَذَهَب كُلّ إِله بِمَا

____________________

(١)الاَنعام : ٧٩.

(٢)الاَنبياء: ٢٢.

٣٨

خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض ) (١)

وهذا هو القرآن الكريم يستدل على وجود البارىَ الخالق بقوله:( أَمْ خُلِقواْ من غَيْر شَىءٍ أم هُمُ الخالِقُونَ* أمْ خَلَقُواْ السَّمَاواتِ والاَرْضِ بَلْ لا يُوقِنُونَ ) (٢)

إنّ تعطيل العقول عن تحصيل المعارف الحقّة يتعارض مع ما ندب إليه الكتاب والسنّة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة، من التفكير والتدبر في آيات اللّه ومعرفة صفاته وأسمائه بالنظر والاستدلال. والعواقب الوخيمة التي آل إليها مصير بعض الشعوب إنّما كان نتيجة إهمالهم هذا الاَمر المهمّ الحيويّ، فإذا عُطِلت العقول عن المعارف وحكم على الاستدلال والبرهنة العقلية بالتحريم، سيطرت على الصعيد الديني والعلمي أفكار وآراء تدعم ما جاء به اليهود والنصارى، من تجسيمه سبحانه وكونه ذا جهة وأنّ له يدين ورجلين وعينين كما عليه ابن تيمية وأتباعه أعاذنا وإيّاكم من عمى العيون والبصائر.

____________________

(١)الموَمنون: ٩١.

(٢)الطور : ٣٥- ٣٦.

٣٩

٤٠