في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام0%

في ظل أصول الإسلام مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 359

  • البداية
  • السابق
  • 359 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20752 / تحميل: 4854
الحجم الحجم الحجم
في ظل أصول الإسلام

في ظل أصول الإسلام

مؤلف:
العربية

خاتمة المطاف

ابن تيمية من منظار التاريخ

قد تعرّفت على مسألة العقائد الموروثة من ابن تيمية، في ظلّ الاُصول المسلّمة الاِسلامية، وقد كانت تلك الاَفكار والعقائد مدفونةً في طيّات الكُُتُب، منسيةً غير معروفةٍ، لولا أنّ محمّد بن عبد الوهاب قام بدعمها وإحيائها من جديد في القرن الثاني عشر فانتشرت تلك البذور في الجزيرة العربية وتمت وتبلورت بالقهر والقوة.

ويجب إكمالاً للبحث التعرّف على حياة الموَسّس والمروّج حتى نستشف كيفية تلقّي العلماء عقائده من لدن ظهوره إلى عصرنا هذا فنقول:

وُلد أحمد بن تيمية عام ٦٦١ وتوفي عام ٧٢٨ ، وقد ترعرع في أحضان عصر كانت القوارع فيه تنصب على روَوس المسلمين من الشرق والغرب وتهدم الديار ويُقتل الاَبرياء وتشق بطون النساء والاَطفال ويرفع الرجال على أعواد المشانق وتُخضّب الاَراضي بدماء المسلمين وذلك بسبب هجوم التتر

٣٢١

(عبّاد الصنم) على بلاد المسلمين وسقوط الخلافة العباسية في بغداد. وهي ظروف كان من المتوقع أن تساهم في انضاج الشخصية، وتزويدها بالتعقل والذكاء والعاطفة الدينية والحماس وغير ذلك ممّا تحتاج إليه الاُمّة لرفع الظلم عنها، وإعادة الوحدة والقوة إلى كيانها الممزق.

نعم في هذا الوقت الذي كان المسلمون فيه بحاجة إلى أن يقومعلماوَهم بتنشيط العزائم ووعظ الملوك والساسة بالقيام بالوظائف،وفتح معسكرات لاِعداد الشباب وتدريبهم وإيجاد روح الكفاحأمام الوثنيين «التتر» والصليبيين المهاجمين... طرح ابن تيمية مسائللا تعود على المسلمين في تلك الظروف العصيبة بشيء سوى تعميقالخلاف وتعكير الصفوف وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية، وأقل ما يقال عنها إنّها قضايا استهلاكية ومسائل جانبية لا تمتّ إلى انقاذ الاُمّة من المحنة السياسية والعسكرية والغزو الصليبي الوثني الذي كانت تعاني منه.

وأوّل بادرة بدرت من الشيخ هو التقوّل بإثبات الجهة وذلك في عام ٦٩٨ في «الرسالة الحمويّة»(١) حيث ادّعى بصراحة بأنّ الصفات الخبرية كالاستواء واليد والوجه والنزول والصعود يحمل على اللّه تعالى بنفس معانيها اللغوية من دون تصرّف.

ولما كانت «الرسالة الحمويّة» صريحة في إثبات الجهة والحركة والنقل دُعي الشيخ إلى دار السعادة بدمشق ليجيب على أسئلة القضاة.

____________________

(١)وهذه الرسالة مطبوعة ومنشورة.

٣٢٢

يقول تلميذه ابن كثير في حوادث تلك السنة:

« قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر، فنودي في البلد في العقيدة التي كان سأل عنها أهل حماة المسمى به (الحموية... )»(١)

ثمّ إنّه لم يكتف بهذا الرأي الشاذ وأخذ يحط من شأن الاَنبياء ومنازلهم فخرج بهذه الفتاوى:

١- يحرم شدّ الرحال إلى زيارة النبي وتعظيمه بحجّة أنّه يوَدي إلى الشرك.

٢- يحرم التوسّل بالاَولياء والصالحين.

٣- تحرم الاستغاثة بالاَولياء ودعوتهم.

٤- يحرم البناء على القبور وتعميرها.

٥- لا تصح أكثر الفضائل المنقولة في الصحاح والسنن في حقّ العترة الطاهرة.

إلى غير ذلك من الآراء الشاذة.

وهكذا نجده في الظروف التي كانت المحن الباهضة تحيط بالمسلمين من جانب الشرق (التتر) والغرب (الصليبيون)، أتى بهذه الاَفكار الهدّامة وشغل بال القضاة والحكام طيلة حياته.

____________________

(١)ابن كثير: البداية والنهاية ، ج١٤: ٤.

٣٢٣

ولاَجل ذلك كان يُعتقل سنة ويفرَّج عنه سنة أُخرى إلى أن لفظ آخر أنفاسه في سجن دمشق عام ٧٢٨ ه-.

ومن أراد أن يقف على موقف العلماء من آرائه وأفكاره فعليه الرجوع إلى كتب المعاجم والتراجم، فهو يرى أنَّهم يترجمونه (مع الاِشادة بفضله وعلمه وإحاطته بالقرآن والسنّة) مشيرين إلى لجاجه وشذوذه واعوجاجه.

ولاَجل أن يكون ذلك الادعاء مشفوعاً بالبرهان نأتي بنصوصهم في هذا المجال حتى تقف على أنَّ آراء الرجل كانت تخالف الرأي العام بين أهل السنَّة إلى حدٍّ قد مُنِعَ من الكتابة حتى في السجن، فما حال من كان على خلافٍ مع قضاة المذاهب وعلمائهم وحكامهم، وبذلك تعرف أنَّ الدعايات الاَخيرة التي تريد أن تصوّره كشيخ الاِسلام ومحيي السنَّة و لا تقوم على واقع صحيح فإنّ علماء وقضاة عصره ومن تأخر عنهم أجمعوا على ضلاله وفساد عقيدته فكيف يكون شيخ المسلمين؟

وها نحن نذكر كلمات العلماء في حقّه سواء كان من معاصريه أو ممّن أتى من بعده حسب ترتيب التواريخ.

١- صفي الدين الهندي (ت ٦٤٤/ م ٧١٥)

كان صفي الدين الهندي من أعلم الناس بالاَصلين، ومن تصانيفه في علم الكلام «الزبدة» وفي أُصول الفقه «النهاية» وكل مصنفاته حسنةٌ جامعةٌ لا سيَّما النهاية، وقد عُقد له مجلس بدار السعادة عام ٧١٥ ه- ليناظر

٣٢٤

ابن تيمية، وكان طويل النفس في التقرير، فلمّا شرعَ يقرّر، أخذ ابنتيمية يعجِّلُ عليه على عادته، ويخرج من شيء إلى شيء.

فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلاّ كالعُصفور حيث أردتُ أن أقبضه من مكان فرَّ إلى مكانٍ آخر.

وكان الهنديُّ شيخُ الحاضرين كلِّهم، فالكلّ صَدَر عن رأيه.

وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة وهي التي تضمّنت قوله بالجهة ونُودي عليه في البلاد وعلى أصحابه وعزِلوا من وظائفهم(١)

٢- كمال الدين الزملكاني (ت ٦٦٧ / م ٧٢٧)

الاِمام العلاّمة المناظر وُلِدَ في شوال سنة ٦٦٧ ه- ودرس بالشامية، البرانية وولّ-ي قضاء حلب وألّف رسالة مستقلة في الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة(٢) .

٣- شهاب الدين الحلبي (م ٧٣٣)

عرّفه السبكي بأنّه درس وأفتى وشغَلَ بالعلم مدةً بالقدس ودمشق، وله تصنيفٌ في نفي الجهة رداً على ابن تيمية، وقد جاء السبكي بنفس الرسالة في ترجمته وهي رسالة مفصَّلة، في تنزيهه سبحانه عن الجسم والجسمانيات، قال في مقدمته: «أمّا بعد الذي دعا إلى تصدير هذه النبذة ما وقع في هذه

____________________

(١)السبكي: طبقات الشافعية، ج٩: ١٦٤- ١٦٩، والبداية والنهاية ج١٤:٣٦- ٣٨.

(٢)المصدر نفسه ج٩: ١٩٠- ١٩١.

٣٢٥

المدّة ممّا علقه بعضهم في إثبات الجهة، واغترّ بها من لم يرسخ له في التعليم، قدم ولم يتعلَّق بأذيال المعرفة، فعجبت أن أذكر عقيدة أهل السنّة ثم أُبين فساد ما ذكره، مع أنَّه لم يدّع دعوى إلاّ نقضها أو أوطد قاعدةً إلاّ هدمها(١)

٤- شمس الدين الذهبي (م ٧٤٨)

كان الشيخ الذهبي من الحنابلة المتعصّبين، فهو وإن لم يذكر في حق ابن تيمية شيئاً في كتاب «تذكرة الحفّاظ» لكنّه نصحه في رسالة بعثها إليه، وهذه الرسالة مطبوعة في تكملة السيف الصقيل للكوثري ص ١٩٠. كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، وكتبه هو من خطّ الشيخ الحافظ أبي سعيد ابن العلائي وكتبه هو من خطّ الذهبي وفي آخر الرسالة جاء:

«أما آن لك أن تَرعَوي؟ أما حانَ لك أن تتوب وتُنيب، أمّا أنت في عمر سبعين وقد قرب الرحيل، واللّه ما أدَّكِر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموتَ، فما أظنكَ تُقبل على قولي ولا تُصغي إلى وعظي، بل لك همَّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات!... فإذا كان هذا حالُكَعنديوأنا الشفوق المحبُّ الوادُّ فكيفَ حالُكَ عند أعدائك، وأعداوَك واللّه فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أنَّ أولياءَك فيهم فَجَرَةٌ كَذَبةٌ جَهَلَةٌ...»(٢)

____________________

(١)السبكي: طبقات الشافعية ج ٩: ٣٤-٣٥.

(٢)تكملة السيف الصقيل: ١٩٠.

٣٢٦

٥- صدر الدين المرحل (م حوالي ٧٥٠)

كان إماماً كبيراً بارعاً في المذهب والاَصلين، يُضرب المثل باسمه فارساً في البحث نظّاراً مُفرط الذكاء عجيب الحافظة وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية(١)

٦- الحافظ علي بن عبد الكافي السبكي (م ٧٥٦)

كان الشيخ الفقيه السبكي أحد المناضلين ضدَّ آراء ابن تيمية، خصوصاً في مسألة تحريم الزيارة والسفر إلى قبر الرسول. يقول وَلدُه : إمام ناضَح عن رسول اللّه بنضاله، وجاهَدَ بجداله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره قامَ حين خلط على ابن تيمية الاَمر وسوّلَ له الخوضَ في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، وأنكر شدّ الرحال لمجرَّد الزيارة(٢)

ويقول السبكي أيضاً في ديباجة كتابه «الدرَّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية» ما هذا نصّه: «لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد ونقَضَ من دعائم الاِسلام الاَركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة مُظهراً أنّه داع إلى الحق، هادٍ إلى الجنَّة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذَّ عن

____________________

(١)السبكي: طبقات الشافعية ج ٩: ٢٥٣.

(٢)المصدر نفسه ج١٠: ١٤٩- ١٥٠.

٣٢٧

جماعة المسلمين بمخالفة الاِجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدّسة وأنّ الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات اللّه تعالى »(١) . له كتاب آخر أيضاً أسماه «شفاءُ السقام في زيارة خير الاَنام عليه أفضل الصلاة والسلام» أثبت فيه استحباب الزيارة بروايات كثيرة كما أثبت جواز السفر للزيارة وطبع بمصر عام ١٣١٨، وقدَّم له مقدَّمة العلاّمة الشيخ محمّد بخيت أسماها ب- : «تطهير الفوَاد من دنس الاعتقاد». ٧- محمد بن شاكر الكتبي (م ٧٦٤) إنّ الكتبي هو الذي ألّف كتاب «فوات الوفيات» تذييلاً لكتاب «وفيات الاَعيان» لابن خلكان، فقال في ترجمة ابن تيمية أنَّه ألّف رسالة في فضل معاوية وفي أنّ ابنه يزيد لا يُسَب(٢) وهذه الرسالة تُعرب عن نزعاته الاَموية ويكفي القول في «الوالد وما ولد» أنّ الاَوّل بدل الحكومة الاِسلامية إلى الملوكية الموروثة ودعى عباد اللّه إلى ابنه يزيد، المتكبر، الخمّير، صاحب الديوك، والفهودِ، والقرودِ، وأخذَ البيعةَ له على خيار المسلمين بالقهرِ والسطوةِ والتوعيدِ، وهو المجاهرُ بكفره بقوله:

لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلكِ

فلا خبر جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل

____________________

(١)السبكي: الدرَّة المضيئة ص ٥.

(٢)الكتبي: فوات الوفيات ج١: ٧٧.

٣٢٨

والثاني قتل الاِمام السبط الحسين أوّلاً، وارتكب مجزرة الحرّة ثانياً، وأحرق الكعبة ثالثاً. ٨ - أبو محمد اليافعي (م ٧٦٨) قال في ترجمة ابن تيمية: ماتَ بِقَلعة دمشق تقي الدين أحمد بن تيمية مُعتقلاً ومُنِعَ قبل وفاته بخمسة أشهر عن الدواة والورقة، وسمع من جماعة، وله مسائل غريبة أُنكر عليه وحُبس بسببها مباينةٌ لمذهب أهل السنّة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي، وكذلك عقيدته في الجهة(١)

٩- أبو بكر الحصني الدمشقي (م ٨٢٩) يقول: فاعلم إنّي نظرتُ في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب والسنَّة، ابتغاء الفتنة وتَبِعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ممّن أراد اللّه عزّ وجلّ إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النُّطق به، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره، لما فيه من تكذيب ربّ العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراءُ بأصفيائه المنتخبين، وخلفائهم الراشدين، وأتباعهم الموفّقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الاَئمّة المتّقون وما اتفقوا عليه من تبديعه وإخراجِهِ ببغضه من الدين(٢)

____________________

(١)اليافعي: مرآة الجنان ج٤: ٢٤٠ و ٢٧٧ في حوادث سنة ٧٢٨.

(٢)الدمشقي: دفع شبه من شبه وتمرد : ٢١٦.

٣٢٩

١٠- شيخ الاِسلام شهاب الدين، أحمد بن حجر العسقلاني (م٨٥٢) إنّ ابن حجر العسقلاني أعرف وأشهر من أن يُعرف قال في كتابه: «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» : (أول ما أنكروا على ابن تيمية من مقالاته في شهر ربيع الاَوّل سنة ٦٩٨، قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام. ثمّ ذكر معتقلاته وسجونه إلى أن أدركته المنية

١١- جمال الدين يوسف بن تغ-ري الاَتابكي (ت ٨١٢ - م٨٧٤) هو موَلف «المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي» نقل فيه عن القاضي كمال الدين الزملكاني الجملة التالية: ثمّ جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث وشدّ الرحال إلى قبور الاَنبياء والصالحين، وحبب للناس القيام عليه، وحُبس مرات في القاهرة والاِسكندرية ودمشق، وعُقِدَ له مجالس بالقاهرة ودمشق إلى أن ورد مرسومٌ شريف من السلطان في شعبان سنة ٧٢٦ بأن يُجعل في قلعة دمشق، فأقام فيها مدَّة مشغولاً بالتصنيف، ثمّ بعد مدَّة مُنِعَ من الكتابة والمطالعة وأخرجوا ما كان عنده من الكتب ولم يتركوا عنده دواتاً ولا قلماً ولا ورقة.

٣٣٠

ثمّ إنَّه نقل أنّه كُتِبَ عليه محضرٌ وقد أُمر فيه أنّه أشعري وإليك ما كتبه بخطه: «أنا أعتقد أنّ القرآن معنىً قائم بذات اللّه وهو صفة من صفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت وأنَّ قوله: (الرحمن على العرش استوى) ليس على ظاهره، ولا أعلم كُنْه المراد به، بل لا يعلمه إلاّ اللّه، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد ابن تيمية ثمّ أشهَدوا عليه جماعة أنّه تاب ممّا ينافي ذلك مختاراً وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم(١)

١٢- شهاب الدين ابن حجر الهيثمي (م ٩٧٣) إنَّ ابن حجر الهيثمي أشهر من أن يعرَّف. قال في ترجمة ابن تيمية: «ابن تيمية عبدٌ خَذَلَه اللّه وأضلَّه وأعماه وأصمَّه وأذلَّه، وبذلك صرَّح الاَئمة الذين بيَّنوا فساد أحواله وكذِبَ أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الاِمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد، أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الاِمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي

____________________

(١)ابن حجر : الفتاوى الحديثة : ٨٦، نقله العلاّمة الشيخ محمد بخيت في كتاب «تطهير الفوَاد» ص ٩، طبع مصر، ولابن حجر كلمة أُخرى في كتابه «الجوهر المنتظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم» نقلها القضاعي العزامي في كتابه «فرقان القرآن» : ١٣٢ - وهو مقدمة لكتاب «الاَسماء والصفات» للبيهقي.

٣٣١

اللّه عنهما -(١)

١٣- ملا علي القاري (م ١٠١٦) إنّ كتاب «الشفاء في تعريف حقوق المصطفى» تأليف عياض بن موسى المتوفى عام ٥٤٤، من أنفس الكتب وقد شرحه عدّة من الاَعلام منهم ملا علي القاري، قال في الفصل المخصّص بزيارة النبيّ: إنَّ ابن تيمية من الحنابلة حَرَّمَ السفر لزيارة النبيّ وهو قد أفرط، كما أفرط غيره حيث قال: إنَّ الزيارة قربةٌ معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكومٌ عليه بالكفر، ولعلّ الثاني أقربُ إلى الصواب، لاَنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لاَنّه فوق تحريم المباح المتّفق في هذا الباب(٢)

١٤- أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي (ت ٩٦٠ - م ١٠٢٥) لقد ترجم ابن القاضي هذا ابن تيمية في ذيل وفيات الاَعيان المسمى ب- : «درَّة الحجال في أسماء الرجال» بقوله: «أحمد بن عبد الحليم مُفتي الشام ومحدّثه وحافظه وكان يرتكب شواذّ الفتاوى ويزعم أنّه مجتهد»(٣)

____________________

(١)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج٣: ٥١٤.

(٢)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج٣: ٥١٤.

(٣)المكناسي: درّة الحجال ج١: ٣٠.

٣٣٢

١٥- الشيخ محمّد بخيت المصري (المتوفّى بعد سنة ١٣٣٠)

يقول في كتابه «تطهير الفوَاد من دنس الاعتقاد» الذي طبع مقدمة لكتاب شفاء السقام للسبكي:

«ومن الفريق الثاني الذي طَمَسَ اللّهُ على قَلبه وطَبَع عليه أهلُ البدع في العقائد والاَعمال الذين خالفوا الكتاب والسنّة والاِجماع، فضلّوا وأضلّوا كثيراً قاتلهم اللّه أنَّى يوَفكون، ومأواهم جهنّم وساءَت مصيراً، وقد ابتلي المسلمون بكثير من هذا الفريق سلفاً وخلفاً فكانوا وصمةً وثُلْمة في المسلمين وعُضواً فاسداً يجب قطعه حتى لا يُعدي الباقي فهو المجذوم الذي يجب الفرار منه، ومنهم ابن تيمية الذي ألّف كتابه المسمى ب-- : «الواسطية» وغيره، فقد ابتدع ما خَرقَ به إجماع المسلمين، وخالفَ فيه الكتاب والسنَّة الصريحة والسَّلَف الصالح، واسترسل مع عقله الفاسد وأضلَّه اللّهُ على علمٍ فكان إلههُ هواه ظناً منه بأنّ ما قاله حقٌّ وما هو بالحق وإنّما هو منكر من القول وزور(١)

وقال:

ولما أن تظاهر قوم في هذا العصر بتقليد ابن تيمية في عقائده الكاسدة وتعضيد أقواله الفاسدة وبثّها بين العامّة والخاصّة واستعانوا على ذلك بطبع كتابه المسمّى ب- «الواسطية» ونشره، وقد اشتمل هذا الكتاب على كثيرٍ ممّا ابتدعه ابن تيمية مُخالفاً في ذلك الكتاب والسنَّة وجماعة المسلمين، فأيقظوا

____________________

(١) السبكي: تطهير الفوَاد: ٩، ولاحظ بعده إلى ص ١٢.

٣٣٣

فتنةً كانت نائمةً، فقياماً بما يجب علينا كنّا عزمنا على جمع موَلَّف في الردّ على ذلك الكتاب حتّى لا يقع المسلمون بواسطة ابن تيمية ومن هُم على شاكلته في مُهُود الضلال والهلاك الاَبدية، غير أنّا وجدنا كتاب الاِمام الجليل والمجتهد الكبير تقي الدين أبي الحسن السبكي ب- «شفاء السقام في زيارة خير الاَنام» وافياً بالغرض المقصود فاكتفينا بطبعه ونشره»(١)

١٦- الشيخ يوسف النبهاني (ت ١٢٦٥- م١٣٥٠)

قال النبهاني في تأليفه «شواهد الحق» بعد ما نقل أسماء عدَّة من الطاعنين فيه:

«فقد ثَبَتَ وتحقّق أنَّ علماء المذاهب الاَربعة قد اتفقوا على ردّ بدع ابن تيمية، ومنهم من طَعَنُوا بصحةِ نقله، كما طَعَنوا بكمالِ عَقله، فضلاً عن شدَّة تشنيعهم عليه في خطئه الفاحِشِ في تلك المسائلِ التي شَذَّ بها في الدين، وخالف بها إجماع المسلمين، ولا سيَّما فيما يتعلّق بسيّد المرسلين -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -(٢) .

١٧- الشيخ سلامة القضاعي العزامي (م ١٣٧٩)

إنّ الشيخ العزامي من كبار علماء مصر الاَزهريين وكتابه «فرقان

____________________

(١)المصدر السابق.

(٢)النبهاني: شواهد الحق المطبوع ضمن مجموعة تحتوي رسائل أربع جمعه حسين حلمي وطبعه باسلامبول.

٣٣٤

القرآن»، كتابٌ بديعٌ كتبه ردّاً على هفوات ابن تيمية يقول في حقّه:

«ومن عجيب أمر هذا الرجل أنَّه إذا ابتدع شيئاً حكى عليه إجماع الاَوّلين والآخرين كذباً وزوراً وربّما تجد تناقضه في الصفحة الواحدة فتجده في «منهاج السنّة» مثلاً يدَّعي أنَّه ما من حادثٍ إلاّ وقبلهُ حادث إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي، ثمّ يقول:

«وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون» ، وبعد قليل يحكي إختلافاً للصحابة في أوّل مخلوقٍ ما هو؟ أهو القلمُ أم الماء؟ وقد جمعَ تلميذُه «ابن زفيل» (يريد: ابن القيم) سفاهاته ووساوسه في علم أُصول الدين في قصيدته النونية»(١)

١٨- الشيخ محمّد الكوثري المصري (المعاصر)

إنَّ الشيخ الكوثري هو أكثر الناس تتبُّعاً لمكامن حياة ابن تيمية وقد خدم خدمةً جليلة بنشر كتاب «السيف الصقيل» للسبكي وجعل له تكملة نُشرا معاً، فمن وقف على هذا الكتاب وما ذيَّل به، يعرف مواقف هذا الرجل، وقيمته في ميزان العلماء المعاصرين له والمتأخّرين عنه.

وإليك كلمة منه في حقّ الحشوية يقول في تقديمه لكتاب «الاَسماء والصفات» للحافظ البيهقي - بعد سرد أسماء عدَّة من كُتُب الحشوية

____________________

(١)لاحظ فرقان القرآن: ١٣٢ و ١٣٧ ألّفه عام ١٣٥٨ والقصيدة النونية تتجاوز عن خمسة آلاف بيت أكثرها يهدف إلى إثبات الجهة والجسمية وغير ذلك وقد كتب السبكي عليه ردّاً سماه «السيف الصقيل».

٣٣٥

كالاستقامة لخشيش بن أصرم، والسنَّة لعبد اللّه بن أحمد «والنقض» لعثمان بن سعيد الدارمي السنجري المجسّم -:

إنّ السنجري أوّل من اجترأ بالقول: (انّ اللّه لو شاء لاستقرّ على ظهر بعوضةٍ لاستقلَّت بهِ بقدرتهِِ فكيف على عرشٍ عظيم) وتابعَهُ الشيخ ابن تيمية الحراني في ذلك كما تجد نصّ كلامه في «غوث العباد» المطبوع سنة ١٣٥١ بمطبعة الحلبي(١) .

وقال في حق ابن تيمية: كلُّ ما في الرجل أنّه كان له لسانٌ طلق، وقلمٌ سيّال، وحافظةٌ جيّدةٌ، قلَّب - بنفسه، بدون أُستاذٍ رشيدٍ - صفحاتِ كُتُبٍ كثيرةٍ جداً من كُتُبِ النِّحَلِ التي كانت دمشق امتلاَت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق، فاغترَّ بما فهمه من تلك الكتب من الوساوسِ والهواجسِ حتى طمحَت نفسه إلى أن تكون قدوةً في المعتقد والاَحكام العملية(٢)

١٩- الشيخ محمد أبو زهرة

ألّف الشيخ محمد أبو زهرة كتاباً في حياة ابن تيمية وشخصيته وأغمض عن كثيرٍ من الجوانب السلبية في شخصيته وحياته ومع ذلك انتقده في موارد منها منعه التبرّك بآثار الرسول وقال:

«إنّا نخالف ابن تيمية مَنْعَهُ التبرّك بزيارة قبر الرسول والمناجاة عنده

____________________

(١)مقدمة الاَسماء والصفات : للبيهقي: ٨ «ب».

(٢)تكملة السيف الصقيل: ٥، وله كلام في حق تلميذه ابن زفيل (المعروف بابن القيم).

٣٣٦

وعدم الندب إليه، وانَّ التبرّك الذي نريده ليس هو العبادة أو التقرّب إلى اللّه بالمكان، وإنّما التبرّك هو التذكُّر والاعتبار والاستبصار ...»(١)

٢٠- فتوى قضاة المذاهب الاَربعة في ابن تيمية

أصدر الشاميّون فتيا في ابن تيمية وكتب عليها البرهان ابن الفركاح الفزاري نحو أربعين سطراً بأشياء إلى أن قال بتكفيره، ووافقه على ذلك الشهاب جَهْبل وكتب تحت خطه: «كذلك المالكي» ثم عُرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر : البدر بن جماعة فكتب على ظاهر الفتوى:

«الحمدُ للّه هذا المنقول باطنُها جوابٌ عن السوَال عن قوله أنّ زيارة الاَنبياء والصالحين بدعةٌ وما ذكره من نحو ذلك وأنّه لا يرخّص بالسفر لزيارة الاَنبياء، باطلٌ مردودٌ عليه وقد نقل جماعة من العلماء أنَّ زيارة النبي فضيلةٌ وسنّةٌ مجمعٌ عليها.

وهذا المفتي المذكور يعني ابن تيمية ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الاَئمّة والعلماء ويمنع من الفتاوى الغريبة ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ويُشهَّر أمره ليحتفظ الناس من الاقتداء به.

وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد اللّه بن جماعة الشافعي.

وكذلك يقول محمد بن الحريري الاَنصاري الحنفي:

لكن يُحبس الآن جزماً مطلقاً.

____________________

(١) أبو زهرة: ابن تيميّة، حياته وشخصيته: ٢٢٨.

٣٣٧

وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي: ويبالغ في زجره جسماً تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي (راجع دفع الشبه ص٤٥-٤٧) وهوَلاء الاَربعة هم قضاة المذاهب الاَربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة ٧٢٦»(١) .

وبعد هذه الفتيا من قضاة المذاهب الاَربعة، وبعد تلك الكلمات الواضحة القوية من العلماء البارزين المعروفين لا يبقى لمشكك أيّة شبهة في أنَّ الرجل كان منحرفاً عن الصراط المستقيم، سالكاً غير سبيل الموَمنين. وخارقاً لاِجماع العلماء الفاقهين.

قائمة الردود على ابن تيمية:

وإليك قائمة من الردود التي أُلّفت وكتبت على عقائده وأفكاره وهي بين كتاب ضخم أو رسالة أو كتيّب صغير وهذه القائمة تضمّ بعض ما كتب في هذا المجال:

١- «شفاء السقام في زيارة خير الاَنام» لتقي الدين السبكي.

٢- «الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية» لتقي الدين السبكي.

٣- «المقالة المرضية في الرد على ابن تيمية» لتقي الدين أبي عبد اللّه الاَفنائي.

٤- «نجم المهتدي ورجم المقتدي» للفخر ابن المعلم القرشي.

٥- «دفع شبه من شبه وتمرّد ونسب ذلك إلى الاِمام أحمد» لتقي الدين

____________________

(١)الكوثري: تكملة السيف الصقيل : ١٥٥.

٣٣٨

الاِمام أبي بكر الحسني الدمشقي (م ٧٢٩).

٦- «التحفة المختارة في الرد على منكري الزيارة» لتاج الدين عمر المالكي الفاكهاني (م٧٣٤).

٧- «صلح الاَخوان في الردّ على كلمة السيد محمود الآلوسي في التوسّل بالنبي» للخالدي البغدادي.

٨- «اعتراضات على ابن تيمية» لاَحمد بن إبراهيم السروطي الحنفي.

٩- «البراهين الساطعة» للشيخ سلامة العزامي (م ١٣٧٩).

١٠- «جلاء العينين في محاكمة الاَحمدين»(١) للشيخ نعمان بن محمّد الآلوسي.

١١- «الدرَّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية» لكمال الدين المعروف بابن الزملكاني.

١٢- «الرد على ابن التيمية في الاعتقاد» لمحمد بن حميد الدين الحنفي الدمشقي الفرغاني(٢)

( إنَّ في ذلِكَ لَذِكْرى لِ-مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد ) (٣)

____________________

(١)المقصود أحمد بن تيمية وأحمد بن حجر.

(٢)راجع للوقوف على هذه الموَلّفات والموَلّفين: كشف الظنون ١: ٧٤٤ والفياح المكنون ١: ٦٦٢، ومعجم الموَلّفين ١: ١٤٠ و ١١: ٢٢ و ١٢: ١٠٧ وكتاب التوسّل بالنبي لابن مرزوق: ٢٥٢، إلى غير ذلك

(٣)ق: ٣٧.

٣٣٩

٣٤٠