• البداية
  • السابق
  • 111 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29154 / تحميل: 4363
الحجم الحجم الحجم
مسائل فقهية

مسائل فقهية

مؤلف:
العربية

والأعمام والعمات والأخوات والخالات وأبنائهم (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) مطلقاً.

نعم نكاح المتعة بمجرده لا يوجب توارثاً بين الزوجين ولا ليلة ولا نفقة للمتمتع بها، وللزوج أن يعزل عنها، عملا بأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في هذه الأمور من أحكام الزوجات.

هذا نكاح المتعة بكنهه وهذه متعة النساء بحقيقتها، وهذا هو محل النزاع بيننا وبين الجمهور. ٢ - اجماع الأمة على اشتراعه:

أجمع أهل القبلة كافة على أن الله تعالى شرع هذا النكاح في دين الإسلام، وهذا القدر مما لا ريب فيه لأحد من علماء المذاهب الإسلامية على اختلافهم في المشارب والمذاهب والآراء بل لعل هذا ملحق - عند أهل العلم - بالضروريات مما ثبت عن سيد النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا ينكره أحد من علماء أمته، ومن ألم بما يقوله أهل المذاهب الإسلامية كلهم في حكم هذا النكاح مستقرئاً فقه الجميع، علم أنهم متصافقون على أصل مشروعيته وإنما يدعون نسخه كما ستسمعه ان شاء الله تعالى. ٣ - دلالة الكتاب على اشتراعه:

حسبنا حجة على اشتراعه قوله تعالى في سورة النساء «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة» اذ أجمع أئمة أهل البيت وأولياؤهم على نزولها في نكاح المتعة وكان أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير

٦١

والسدي يقرأونها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى(١) وصرح عمران بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في المتعة وأنها لم تنسخ حتى قال رجل فيها برأيه ما شاء(٢) ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد أيضاً فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير(٣) .

ويشهد لذلك أن الله سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» إلى أن قال: «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة» فلو كانت هذه الآية في بيان «الدائم» أيضاً للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كانت لبيان المتعة فانها تكون لبيان معنى جديد، وأولو الألباب ممن تدبروا القرآن الحكيم علموا أن سورة النساء قد اشتملت على بيان الأنكحة الإسلامية كلها، فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم» ونكاح الاماء مبين بقوله تعالى: «ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح

____________________

(١) أخرج ذلك عنهم غير واحد من الاعلام كالامام الطبري حول الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، والزمخشري أرسل هذه القراءة في كشافه عن ابن عباس ارسال المسلمات ونقل عياض عن المازري - كما في أول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للامام النووي - : ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل، والرازي ذكر في تفسير الآية أنه روى عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن (قال) وهذا أيضاً هو قراءة ابن عباس (قال) والامة ما انكروا عليهما في هذه القراءة «قال»: فكان ذلك اجماعاً من الأمة على صحة هذه القراءة الى آخر كلامه في ص٢٠١ من الجزء ٣ من تفسيره الكبير.

(٢) ستقف على كلامه في هذا الشأن قريباً.

(٣) راجع ص٩ من جزئه الخامس.

٦٢

المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات» إلى أن قال: «فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف» والمتعة مبينة بآيتها هذه «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن»

٤ - اشتراعه بنصوص السنن:

حسبنا من السنّة في هذا الباب صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في اشتراع هذا النكاح صحاحاً كثيرة عن كل من سلمة بن الأكوع وجابر بن عبدالله وعبدالله بن مسعود وابن عباس وأبي ذر الغفاري وعمران بن حصين والاكوع بن عبدالله الأسلمي وسبرة بن معبد، وأخرجها أحمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم ومن حديث عمر وحديث ابنه عبدالله، وأخرج مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح من الجزء الأول من صحيحه عن جابر بن عبدالله وسلمة بن الاكوع قالا: خرج علينا منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ان رسول الله أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء. انتهى بلفظه والصحاح في هذا المعنى أكثر من أن تستقصى في هذا الاملاء. ٥ - القائلون بنسخه وحجتهم والنظر فيها:

قال أهل المذاهب الاربعة وغيرهم من فقهاء الجمهور بنسخ هذا النكاح وتحريمه محتجين بأحاديث أخرجها الشيخان في صحيحيهما وقد أمعنا فيها متجردين متحررين فوجدنا فيها من التعارض في وقت صدور النسخ ما لا يمكن معه الوثوق بها. فإن بعضها صريح بأن النسخ كان يوم خيبر، وفي بعضها أنه كان يوم الفتح وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك، وفي بعضها

٦٣

أنه كان في حجة الوداع، وفي بعضها أنه كان في عمرة القضاء وفي بعضها أنه كان عام أوطاس. على أنها تناقض ما ستسمعه من صحاح البخاري ومسلم الدالة على عدم النسخ، وان التحريم والنهي إنما كانا من الخليفة الثاني ببادرة بدرت على عهده من عمرو بن حريث، وكان الصحابة قبلها يستمتعون على عهد الخليفتين كما كانوا يستمتعون على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وستسمع كلام عمران بن حصين وعبدالله بن مسعود وعبدالله ابن عمر وعبدالله بن عباس وأمير المؤمنين فتراه صريحاً بأن التحريم لم يكن من الله تعالى ولا من رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما كان بنهي عمر، ومحال أن يكون هناك ناسخ يجهله هؤلاء وهم من علمت مكانتهم في العلم ومنزلتهم من رسول الله وملازمتهم اياهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . على أنه لو كان ثمة ناسخ لنبههم إليه بعض الواقفين عليه، وحيث لم يعارضهم أحد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر نفسه علمنا أنهم أجمع معترفون بذلك مقرون بأن لا ناسخ من الله تعالى ولا من رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

على أن الخليفة الثاني نفسه لم يدع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول فإن ذلك أبلغ في الزجر وأولى بالذكر.

وظني أن المتأخرين عن زمن الصحابة وضعوا أحاديث النسخ تصحيحاً لرأي الخليفة اذ تأول الأدلة فنهى وحرم متوعداً بالعقوبة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء.

٦٤

ومن غريب الأمور دعوى بعض المتأخرين أن نكاح المتعة منسوخ بقوله تعالى: «والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم» بزعم أن المتمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين (قالوا): أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها ولا ارث ولا ليلة.

والجواب: أنها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي كما سمعت، وعدم النفقة والارث والليلة إنّما هو لأدلة خاصة خصصت العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه سابقاً.

على أن هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن أن تكون ناسخة لا باحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالاجماع.

ومن عجيب أمر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية «المؤمنون» ناسخة لمتعة النساء اذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم: ولم لا تكون ناسخة لنكاح الإماء المملوكات لغير الناكح وهن لسن بزوجات للناكح ولا بملك له، قالوا حينئذ: ان سورة «المؤمنون» مكية، ونكاح الاماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالى - في سورة النساء وهي مدنية - : «ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات» والمكي لا يكون ناسخاً للمدني، لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا القول وينسون أن المتعة إنما شرعت في المدينة وأن آيتها في سورة النساء أيضاً، وقد منينا بقوم لا يتدبرون فإنا لله وانا إليه راجعون.

٦٥

٦ - صحاح تنم على الخليفة:

أخرج مسلم - في باب المتعة بالحج والعمرة من صحيحه(١) - بالاسناد إلى أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام عمر(٢) قال: ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء(٣) فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة(٤) .

وهذا ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عمر في مسنده(٥) عن أبي نضرة أيضاً ولفظه عنده ما يلي: قال أبو نضرة: قلت لجابر ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر بها فقال لي: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر(٦) خطب الناس فقال:

____________________

(١) صفحة ٤٦٧ من جزئه الأول طبع مصر سنة ١٣٠٦.

(٢) أي فلما قام بأمر الخلافة، وهذا صريح بأن هذه الأحداث: النهي والتحريم والانذار لم تكن من قبل.

(٣) ليتني أوليت أحداً غيري يعرف لهذه الكلمة وجهاً يقتضي تحريم المتعة أتراه كان يرى أنها من خواص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ كلا إني لأربأبه عن هذا الوهم.

(٤) الرجم حد من حدود الله عز وجل لا يشترعه إلا نبي على أن القائل بالمتعة مستنبط اباحتها من الكتاب والسنة فان كان مصيباً فبهما أخذ وان كان مخطئاً فإنما هو مشتبه لا حد عليه لو فعلها فإن الحدود تدرأ بالشبهات.

(٥) صفحة ٥٢ من جزئه الأول.

(٦) هذا صريح بأن تحريم المتعة الذي أشاد به الخليفة في خطابه لم يكن قبل ولايته على الناس.

٦٦

ان القرآن هو القرآن وان رسول الله هو الرسول وأنهما كانتا «متعتان» على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احداهما متعة الحج والاخرى متعة النساء(١) .

وهذا صريح فصيح في أن النهي إنما كان منه بعد ولايته وقيامه بأمر الخلافة، ومثله حديث عطاء - فيما أخرجه مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه(٢) - قال: قدم جابر بن عبدالله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن اشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر أه-. وحديث أبي الزبير - كما في الباب المذكور من صحيح مسلم - قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: كنا نستمتع(٣) بالقبضة من التمر والدقيق الايام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وفي الباب المذكور من صحيح مسلم أيضاً عن أبي نضرة. قال: كنت عند جابر فأتاه آت فقال: ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما(٤) على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر.

وقد استفاض قول عمر وهو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا انهى عنهما وأعاقب عليهما(٥) متعة الحج ومتعة النساء. حتى نقل

____________________

(١) لا مندوحة عن قبول روايته اذ قال: كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اما تحريمه اياهما فلرأي رآه.

(٢) صفحة ٥٣٥ من جزئه الأول.

(٣) الظاهر من قوله: كنا نستمتع أن سيرة الصحابة كانت مستمرة على ذلك بعلم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر قبل نهيه.

(٤) فعلناهما ظاهر باستمرار سيرتهم على فعلها كقوله السابق نستمتع وكقوله استمتعنا.

(٥) لا يخفى ظهوره في أن النهي انما هو منه لا من الله تعالى ولا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٧

الرازي هذا القول عنه محتجاً به على تحريم متعة النساء فراجع ما حول آيتها من تفسيره الكبير.

وهذا متكلم الأشاعرة وإمامهم في المعقول والمنقول «القوشجي» يقول في أواخر مبحث الإمامة من سفره الجليل - شرح التجريد - : ان عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل، وقد اعتذر عنه بأن هذا كان اجتهاداً منه وعن تأول، والأخبار في هذا ونحوه مما يضيق عنه وسع هذا الاملاء.

وقد استمتع على عهد عمر ربيعة بن أمية بن خلف الثقفي أخو صفوان فيما أخرجه مالك - في باب نكاح المتعة من الموطأ - عن عروة بن الزبير قال : ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر وقالت له: ان ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة لو كنت تقدمت لرجمت. أي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا الوقت لرجمت ربيعة والمرأة التي استمتع بها اذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبدالبر فيما نقله الزرقاني عنه في شرح الموطأ(١) . ولا يخفى ظهور هذا الكلام في أن التصرف في حكم المتعة إنما هو منه لا من سواه.

٧ - المنكرون عليه:

أنكر عليه علي امير المؤمنين فيما أخرجه الثعلبي والطبري عند بلوغهما إلى

____________________

(١) حيث يشرح هذا الحديث في الموطأ.

٦٨

آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين اذ أخرجا بالاسناد إليه أنه قال، لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

وأنكر عليه ابن عباس فقال(١) : ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها أمة محمد لولا نهيه - أي عمر - عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شفي - أي الا قليل من الناس كما فسرها ابن الأثير في مادة شفى بالفاء من النهاية، وكان ابن عباس يجاهر باباحتها وله في ذلك مع ابن الزبير - حتى في أيام امارته - حكايات يطول المقام بذكرها(٢) وأنكر عليه جابر كما سمعت من حديثه في ذلك.

وأنكر عليه ابنه عبدالله كما هو ثابت عنه، وقد أخرج الإمام أحمد في ص٩٥ من الجزء الثاني من مسنده من حديث عبدالله بن عمر قال - وقد سئل عن متعة النساء - : والله ما كنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين. ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر.

وسئل مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي -(٣) : هي حلال. فقيل له: ان أباك نهى عنها. فقال: أرأيت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي؟!

وأنكر عليه عبدالله بن مسعود كما هو معلوم عنه وقد أخرج الشيخان

____________________

(١) فيما رواه عنه ابن جريج وعمر بن دينار.

(٢) ألفتك إلى ما كان منها في صفحة ٤٨٩ من المجلد ٤ من شرح نهج البلاغة الحميدي أحمد يدي حيث ترجم ابن الزبير أثناء شرحه لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم.

(٣) نقله عن الترمذي كل من العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني في مبحث المتعة من روضته.

٦٩

في صحيحيهما واللفظ للبخاري(١) عن عبدالله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين، ثم قرأ علينا: «يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين». وأنت تعلم ما في تلاوة الآية من الانكار الشديد على تحريمها كما صرح به شارحو الصحيحين.

وأنكر عليه عمران بن حصين فيما استفاض عنه، وقد نقل الرازي(٢) عنه أنه قال: انزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى وأمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء - قال الرازي - : يريد عمر.

وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء.

وأخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية بنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات.

وأمر المأمون أيام خلافته أن ينادي بتحليل المتعة فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول - فيما نقله ابن خلكان -(٣) وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد أبي بكر وأنا انهى

____________________

(١) في الصفحة الثانية أو الثالثة من كتاب النكاح فراجع.

(٢) أثناء بحثه عن حكم متعة النساء حول آيتها من تفسيره الكبير.

(٣) في ترجمة القاضي يحيى بن أكثم.

٧٠

عنهما. قال: ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وأبو بكر فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟! فلم يكلماه ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوفه من الفتنة وذكر له أن الناس يرونه قد أحدث في الاسلام بهذا النداء حدثاً عظيماً يثير العامةوالخاصة اذ لا فرق عندهم بين النداء باباحة المتعة والنداء باباحة الزنى ولم يزل به حتى صرف عزيمته اشفاقاً على ملكه ونفسه.

وممن استنكر حرمة المتعة وأباحها وعمل بها عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج أبو خالد المكي المولود سنة ثمانين والمتوفى سنة تسع وأربعين ومئة وكان من أعلام التابعين ترجمه ابن خلكان في وفياته وابن سعد في ص ٣٦١ من الجزء ٥ من طبقاته وقد احتج به أهل الصحاح وترجمه ابن القيسراني في ص٣١٤ من كتاب «الجمع بين رجال الصحيحين» وأورده الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحواً من تسعين امرأةً بنكاح المتعة وأنه كان يرى الرخصة في ذلك (قال): وكان فقيه أهل مكة في زمانه.

٨ - رأي الامامية في المتعة:

اجمع الامامية - تبعاً لأئمتهم الاثني عشر - على دوام حلها، وحسبهم حجة على ذلك ما قد سمعته من اجماع أهل القبلة على أن الله تعالى شرعها في دينه القويم وأذن في الاذن بها منادي نبيه العظيم ولم يثبت نسخها عن الله تعالى ولا عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انقطع الوحي باختيار الله تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بنصوص صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة فراجعها في مظانها من وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة.

٧١

على أن في صحاح أهل السنة وسائر مسانيدهم نصوصاً صريحة في بقاء حلها واستمرار العمل بها على عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر حتى صدر منه النهي عنها في شأن عمرو بن حريث، وحسبك من ذلك ما أوردناه في هذه العجالة، ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد.

٧٢

المسح على الارجل أو غسلها في الوضوء

اختلف علماء الاسلام في نوع طهارة الأرجل من أعضاء الوضوء فذهب فقهاء الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى وجوب الغسل فرضاً على التعيين، وأوجب داود بن علي، والناصر للحق من أئمة الزيدية الجمع بين الغسل والمسح(١) ورب قائل منهم بالتخيير بينها(٢) والذي عليه الامامية «تبعاً لأئمة العترة الطاهرة» مسحها فرضاً معيناً(٣) .

____________________

(١) نقل عنهما فخر الدين الرازي حول آية الوضوء من تفسير الكبير وكأنهما وقعا في حيرة فالتبس الأمر عليهما بسبب التعارض بين الآية والأخبار، فأوجبا الجمع عملا بهما معاً.

(٢) كالحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري فيما نقله عنهما الرازي وغيره وكانهما حيث كان كل من الكتاب والسنة حقاً لا يأتيه الباطل رأيا ان كلا من المسح والغسل حق وان الواجب أحدهما على سبيل التخيير.

(٣) وهذا مذهب ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي والإمام ابي جعفر الباقر فيما ذكره الرازي في تفسيره نقلا عن تفسير القفال. قلت وعليه سائر أئمتناعليهم‌السلام .

٧٣

حجة الامامية

وهي قوله تعالى «وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين».

وقد كفانا الامام الرازي بيان الوجه في الاحتجاج بهذه الآية بما صدع به مفصلاً اذ قال: حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله وأرجلكم (قال): فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبي بكر عنه - بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم - في رواية حفص عنه - بالنصب (قال): فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل، قال: فان قيل لم لا يجوز أن يقال هذا كسر على الجوار، كما في قوله: جحر ضب خرب وقوله: كبير أناس في بجاد مزمل، قلنا: هذا باطل من وجوه، الأول: ان الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله يجب تنزيهه عنه. وثانيها: ان الكسر على الجوار إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة ان الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل، وثالثها: ان الكسر بالجوار انما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب (قال): وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً انها توجب المسح وذلك لأن قوله: وامسحوا برؤوسكم. فرؤوسكم في محل النصب - بامسحوا لأنه المفعول به - ولكنها مجرورة لفظاً بالباء فإذا عطفت الأرجل

٧٤

على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس(١) وجاز الجر عطفاً على الظاهر (قال): إذا ثبت هذا فنقول ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله وأرجلكم هو قول وامسحوا(٢) ويجوز أن يكون هو قوله فاغسلوا(٣) لكن العاملان اذا اجتمعا على معمول واحد كان اعمال الأقرب أولى(٤) (قال) فوجب أن يكون عامل النصب في قوله وأرجلكم هو قوله وامسحوا (قال) فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضاً (قال) ثم قالوا ولا يجوز دفع ذلك بالإخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد(٥) ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز أه-.

هذا كلامه بلفظه(٦) لم يتعقبه، ولكنه قال: ان الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس فكان الغسل أقرب

____________________

(١) وهذا في كلامه كثير، قالوا: ليس فلان بعالم ولا عاملا وأنشد بعضهم:

معاوي اننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وقال تأبط شرا:

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد رب أخاعون بن مخراق

بنصب عبد عطفاً على موضع دينار.

(٢) بل يجب ذلك، ولا يجوز كون العامل فاغسلوا لما ستسمعه.

(٣) بل لا يجوز ذلك قطعاً لاستلزامه عطف الأرجل على الوجوه، وهذا ممنوع باتفاق أهل اللغة لعدم جواز الفصل بين العاطف والمعطوف عليه بمفرد فضلاً عن الجملة الأجنبية.

(٤) ليس هنا الا عامل واحد وهو وامسحوا لما بيناه.

(٥) بل هي مما لم يثبت عندنا أصلا.

(٦) فراجعه في ص٣٧٠ من الجزء الثالث من تفسيره الكبير حول آية الوضوء من المائدة.

٧٥

إلى الاحتياط، فوجب المصير إليه(١) (قال) وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحها الخ.

قلت: أما أخبار الغسل فستعلم رأي أئمة أهل البيت وأولياءهم فيها قريباً ان شاء الله تعالى.

وأما قول بأن الغسل مشتمل على المسح فمغالطة واضحة بل هما حقيقتان لغة وعرفاً وشرعاً(٢) فالواجب إذاً هو القطع بأن غسل الأرجل لا يقوم مقام مسحها، لكن الامام الرازي وقف بين محذورين هما مخالفة الآية المحكمة ومخالفة الأخبار الصحيحة في نظره فغالط نفسه بقوله ان الغسل مشتمل على المسح وانه أقرب إلى الاحتياط وانه يقوم مقام المسح ظناً منه بانه قد جمع بهذا بين الآية والأخبار، ومن أمعن في دفاعه هذا وجده في ارتباك ولولا ان الآية واضحة الدلالة على وجوب المسح ما احتاج إلى جعل الغسل قائماً مقامه فأمعن وتأمل ملياً.

وعلى هذا المنهاج جرى جماعة من جهابذة الفقه والعربية منهم الفقيه البحاثة الشيخ ابراهيم الحلبي اذ بحث الآية في الوضوء من كتابه - غنية المتملي في شرح منية المصلي على المذهب الحنفي - فقال: قرئ في السبعة بالنصب والجر، والمشهور ان النصب بالعطف على وجوهكم والجر على الجوار (قال) والصحيح ان الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين، ونصبها على المحل، وجرها على اللفظ، (قال): وذلك لامتناع العطف على

____________________

(١) لا يأتي الاحتياط إلا بالجمع بين المسح والغسل لكونهما حقيقتين مختلفتين.

(٢) لأن الغسل مأخوذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا والمسح مأخوذ في مفهومه عدم السيلان والا كتفاء بمرور اليد على الممسوح.

٧٦

وجوهكم للفصل بين المعطوف عليه بجملة أجنبية (هي وامسحوا برؤوسكم) (قال) والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة (قال): ولم نسمع في الفصيح ضربت زيداً ومررت ببكر وعمراً بعطف عمراً على زيداً (قال) وأما الجر على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم: هذا جحر ضب خرب، وفي التأكيد كقول الشاعر:

يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم

ان ليس وصل اذا انحلت عرى الذنب

بجر كلهم على ما حكاه الفراء (قال) وأما في عطف النسق فلا يكون لأن العاطف يمنع المجاورة. هذا كلامه بنصه(١) .

وممن نهج هذا المنهاج الواضح أبو الحسن الامام محمد بن عبدالهادي المعروف بالسندي في حاشيته على سنن ابن ماجة اذ قال (بعد أن جزم بأن ظاهر القرآن هو المسح) وإنما كان المسح هو ظاهر الكتاب لأن قراءة الجر ظاهرة فيه وحمل قراءة النصب عليها بجعل العطف على المحل أقرب من حمل قراءة الجر على قراءة النصب كما صرح به النحاة (قال) لشذوذ الجوار واطراد العطف على المحل (قال وأيضاً فيه خلوص عن الفصل بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه فصار ظاهر القرآن هو المسح. هذا نصه(٢) لكنه كغيره أوجب حمل القرآن على الاخبار الصريحة بالغسل.

وتفلسف الإمام الزمخشري في كشافه حول هذه الآية اذ قال: الأرجل

____________________

(١) فراجعه في ص١٦ من غنية المتملي المعروف بحلبي كبير وهو موجود أيضاً في مختصره المعروف بحلبي صغير وكلاهما منشور مشهور.

(٢) في تعليقه على ما جاء في غسل القدمين ص٨٨ من الجزء الأول من شرح سنن ابن ماجة والذين صرّحوا بما صرح به الرازي والحلبي والسندي كثيرون لا يسعنا استقصاؤهم فحسبنا هؤلاء الأئمة الثلاثة عليهم رحمة الله تعالى.

٧٧

من بين الأعضاء المغسولة الثلاثة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها (قال) وقيل الى الكعبين فجيء بالغاية اماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة أه-.

هذه فلسفته في عطف الأرجل على الرؤوس وفي ذكر الغاية من الأرجل، وهي كما ترى ليست في شيء من استنباط الأحكام الشرعية عن الآية المحكمة ولا في شيء من تفسيرها، ولا الآية بدالة على شيء منها بشيء من الدوال وإنما هي تحكم في تطبيق الآية على مذهبه بدلاً من استنباط المذهب من الأدلة، وقد أغرب في تكهنه بما لا يصغي إليه إلاّ من كان غسل الأرجل عنده مفروغاً عنه بحكم الضرورة الأولية، أما مع كونه محل النزاع فلا يؤبه به ولا سيما مع اعترافهم بظهور الكتاب في وجوب المسح وحسبنا في ذلك ما توجبه القواعد العربية من عطف الأرجل على الرؤوس الممسوحة بالاجماع نصاً وفتوى.

نظرة في أخبار الغسل

أخبار الغسل قسمان:

منها ما هو غير دال عليه كحديث عبدالله بن عمرو بن العاص اذ قال - كما في الصحيحين - تخلف عنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر سافرناه معه فأدركنا وقد حضرت صلاة العصر فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى: ويل للاعقاب من النار(١) .

____________________

(١) هذه الكلمة - ويل للاعقاب من النار - جاءت أيضاً في حديث كل من عمرو وعائشة وأبي هريرة صحيحة على شرط الشيخين.

٧٨

وهذا لو صح لاقتضى المسح اذ لم ينكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بل أقرهم عليه كما ترى وإنما أنكر عليهم قذارة أعقابهم، ولا غرو فإن فيهم أعراباً حفاة جهلة بوالين على أعقابهم ولا سيما في السفر فتوعدهم بالنار لئلا يدخلوا في الصلاة بتلك الأعقاب المتنجسة.

ومنها ما هو دال على الغسل كحديث حمران مولى عثمان بن عفان. اذ قال: رأيت عثمان وقد أفرغ على يديه من انائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق وأستنثر… الحديث،(١) وقد جاء فيه ثم غسل كل رجل ثلاثاً. ثم قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ نحو وضوئي، ومثله حديث عبدالله بن زيد بن عاصم الانصاري وقد قيل له: توضأ لنا وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا باناء فأكفأ منها على يديه… الحديث(٢) وفي آخره ثم غسل رجليه إلى الكعبين. ثم قال: هكذا كان وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى غير ذلك من أخبار جاءت في هذا المعنى. وفيها نظر من وجوه:

أحدها: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله عز وجل ولما أجمعت عليه أئمة العترة الطاهرة(٣) والكتاب والعترة ثقلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن يفترقا أبداً ولن تضل الأمة ما أن تمسكت بهما فليضرب بكل ما خالفهما عرض الجدار.

وحسبك في انكار الغسل ووهن أخباره ما كان من حبر الأمة وعيبة

____________________

(١) أخرجه البخاري.

(٢) أخرجه مسلم.

(٣) أجمعواعليهم‌السلام على وجوب المسح وتلك نصوصهم في وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة وفي سائر المؤلفات في فقههم وحديثهم.

٧٩

الكتاب والسنة عبدالله بن عباس إذ كان يحتج للمسح فيقول:(١) افترض الله غسلتين ومسحتين، ألا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين.

وكان يقول(٢) : الوضوء غسلتان ومسحتان(٣) ولما بلغه أن الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية تزعم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ عندها فغسل رجليه، أتاها يسألها عن ذلك وحين حدثته به قال - غير مصدق بل منكراً ومحتجاً - ان الناس أبوا الا الغسل ولا أجد في كتاب الله الا المسح(٤) .

ثانيها: انها لو كانت حقاً لأربت على التواتر، لأن الحاجة إلى معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة عامة لرجال الأمة ونسائها، أحرارها ومماليكها، وهي حاجة لهم ماسة في كل يوم وليلة فلو كانت غير المسح المدلول عليه بحكم الآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده، ولكان مسلّماً بينهم، ولتواترت أخباره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل عصر ومصر. فلا يبقى مجال لانكاره ولا للريب فيه. ولما لم يكن الأمر كذلك، ظهر لنا الوهن المسقط لتلك الأخبار عن درجة الاعتبار.

ثالثها: ان الاخبار في نوع طهارة القدمين متعارضة، بعضها يقتضي

____________________

(١) كما في صفحة ١٠٣ من الجزء الخامس من كنز العمال وهو الحديث ٢٢١٣.

(٢) كما في ص١٠٣ من الجزء الخامس، من الكنز وهذا هو الحديث ٢٢١١.

(٣) ومنه أخذ الإمام الشريف بحر العلوم في منظومته الفقهية (درة النجف) اذ يقول:

ان الوضوء غسلتان عندنا

ومسحتان والكتاب معنا

فالغسل للوجه ولليدين

والمسح للرأس وللرجلين

(٤) أخرجه ابن ماجة فيما جاء في غسل القدمين من سننه وغير واحد من أصحاب المسانيد.

٨٠