المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات14%

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
ISBN: 978-964-8629-59-0
الصفحات: 551

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233999 / تحميل: 5612
الحجم الحجم الحجم
المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٦٢٩-٥٩-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أو قصد الحرام بسفره أتم صلاته ، ومن هذا القبيل ما إذا سافر قاصداً به ترك واجب كسفر الغريم فراراً من أداء دينه مع وجوبه عليه ، ومثله السفر في السيارة المغصوبة إذا قصد الفرار بها عن المالك ، ويدخل فيه أيضاً السفر في الأرض المغصوبة.

( مسألة ٤٠٧ ) : العاصي بسفره يجب عليه التقصير في ايابه إذا لم يكن الاياب بنفسه من سفر المعصية ، ولا فرق في ذلك بين من تاب عن معصيته ومن لم يتب.

( مسألة ٤٠٨ ) : إذا سافر سفراً سائغاً ، ثم تبدل سفره إلى سفر المعصية أتم صلاته ما دام عاصياً ، فإن عدل عنه إلى سفر الطاعة قصر في صلاته سواء كان الباقي مسافة أم لا.

( مسألة ٤٠٩ ) : إذا كانت الغاية من سفره أمرين : أحدهما مباح والآخر حرام أتم صلاته ، إلاّ إذا كان الحرام تابعاً وكان الداعي إلى سفره هو الأمر المباح.

( مسألة ٤١٠ ) : اتمام الصلاة ـ إذا كانت الغاية محرمة ـ يتوقف على تنجز حرمتها ، فإن لم تتنجز ، أو لم تكن الغاية محرمة في نفس الأمر لم يجب الاتمام ، مثلاً إذا سافر لغاية شراء دار يعتقد إنها مغصوبة فانكشف ـ اثناء سفره أو بعد الوصول إلى المقصد ـ خلافه كانت وظيفته التقصير ، وكذلك إذا سافر قاصداً شراء دار يعتقد جوازه ثم انكشف إنها مغصوبة ، نعم لا يضر بالاتمام عدم تحقّق الغاية المحرمة صدفة.

( الشرط الخامس ) : أن لا يكون سفره للصيد لهواً ، وإلاّ أتم صلاته في ذهابه ، وقصر في إيابه إذا لم يكن كالذهاب للصيد لهواً ، وإذا كان الصيد لقوت نفسه ، أو عياله وجب التقصير ، وكذلك إذا كان الصيد للتجارة.

١٨١

( الشرط السادس ) : أن لا يكون ممن لا مقرّ له كالسائح الذي يرتحل من بلد إلى بلد وليس له مقرّ في أي منها ، ومثله البدو الرحّل ممن يكون بيوتهم معهم ، ولو كانت له حالتان كأن يكون له مقر في الشتاء يستقر فيه ورحلة في الصيف يطلب فيها العشب والكلأ ، مثلاً كما هو الحال في بعض أهل البوادي كان لكل منهما حكمه ، فيقصر لو خرج إلى حد المسافة في الحالة الأولى ، ويتم في الثانية.

( الشرط السابع ) : أن لا يكون كثير السفر إما باتخاذ عمل سفري مهنة له كالسائق ، والملاح أو بتكرر السفر منه خارجاً وان لم يكن مقدمة لمهنته ، بل كان له غرض آخر منه كالتنزه والزيارة ، فالمعيار كثرة السفر ولو تقديراً كما في القسم الأوّل ، ولو سافر السائق أو شبهه في غير عمله وجب عليه التقصير كغيره من المسافرين إلاّ مع تحقّق الكثرة الفعلية في حقه ، وسيأتي ضابطها.

( مسألة ٤١١ ) : الحطاب ، أو الراعي ، أو السائق ، أو نحوهم إذا كان عمله فيما دون المسافة واتفق أنه سافر ولو في عمله يقصر في صلاته.

( مسألة ٤١٢ ) : من كان السفر عمله في أكثر أيام السنة أو في بعض فصولها ، كمن يدور في تجارته ، أو يشتغل بالمكاراة ، أو الملاحة أيام الصيف فقط يتم صلاته حينما يسافر في عمله ، وأما من كان السفر عمله في فترة قصيرة ـ كثلاثة أسابيع ـ من كل عام وإن زاد على مرة واحدة كمن يؤجر نفسه للنيابة في حج أو زيارةٍ ، أو لخدمة الحجاج أو الزائرين ، أو لإرائتهم الطريق ، أو للسياقة أو الملاحة ، ونحوهما أياماً خاصة فيجب القصر عليهم.

( مسألة ٤١٣ ) : لا يعتبر تعدد السفر في من اتخذ العمل السفري مهنة

١٨٢

له ، فمتى ما صدق عليه عنوان السائق أو نحوه وجب عليه الاتمام ، نعم إذا توقف صدقه على تكرار السفر وجب التقصير قبله ، والظاهر توقف صدق عنوان السائق مثلاً على العزم على مزاولة مهنة السياقة مرة بعد اُخرى على نحو لا تكون له. فترة غير معتادة لمن يتخذ تلك المهنة عملاً له ، وتختلف الفترة طولاً وقصراً بحسب اختلاف الموارد.

( مسألة ٤١٤ ) : تتحقق كثرة السفر في حق من يتكرر منه السفر خارجاً لكونه مقدمة لمهنته ، أو لغرض آخر إذا كان يسافر في كل شهر ما لا يقل عن عشر مرات من عشرة أيام منه ، أو يكون في حال السفر فيما لا يقل عن عشرة أيام في الشهر ولو بسفرين أو ثلاثة ، مع العزم على الاستمرار على هذا المنوال مدة ستة أشهر مثلاً من سنة واحدة ، أو مدة ثلاثة أشهر من سنتين فما زاد ، وأما إذا كان يسافر في كل شهر أربع مرات مثلاً او يكون مسافراً في سبعة أيام منه فما دون فحكمه القصر ، ولو كان يسافر ثمان مرات في الشهر الواحد ، أو يكون مسافراً في ثمانية أيام منه أو تسعة ـ فالأحوط لزوماً ـ ان يجمع بين القصر والتمام.

( مسألة ٤١٥ ) : إذا أقام مَنْ عَمَلُهُ السفر في بلده ، أو في غيره عشرة أيام بنية الإقامة لم ينقطع حكم عملية السفر فيتم الصلاة بعده حتى في سفره الأوّل ، ولا يبعد جريان هذا الحكم حتى في المكاري وان كان الأحوط استحباباً له الجمع بين القصر والاتمام في سفره الأول.

( الشرط الثامن ) : أن يصل إلى حد الترخص ، فلا يجوز التقصير قبله ، وحدّ الترخص هو المكان الذي يتوارى المسافر بالوصول إليه عن أنظار أهل البلد بسبب ابتعاده عنهم ، وعلامة ذلك غالباً تواريهم عن نظره بحيث لا يراهم ، والعبرة في عين الرائي وصفاء الجو بالمتعارف مع عدم

١٨٣

الاستعانة بالآلات المتداولة لمشاهدة الأماكن البعيدة.

( مسألة ٤١٦ ) : لا يعتبر حد الترخص في الاياب كما يعتبر في الذهاب ، فالمسافر يقصّر في صلاته حتى يدخل بلده ولا عبرة بوصوله إلى حد الترخص وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بتأخير الصلاة إلى حين الدخول في البلد ، أو الجمع بين القصر والتمام إذا صلى بعد الوصول إلى حد الترخص.

( مسألة ٤١٧ ) : إنما يعتبر حد الترخص ذهاباً فيما إذا كان السفر من بلد المسافر ، وأما إذا كان من المكان الذي أقام فيه عشرة أيام ، أو بقي فيه ثلاثين يوماً متردداً فالظاهر أنه يقصر من حين شروعه في السفر ، ولا يعتبر فيه الوصول إلى حد الترخص ولكن رعاية الاحتياط أولى.

( مسألة ٤١٨ ) : إذا شك المسافر في وصوله إلى حد الترخص بنى على عدمه وأتم صلاته ، فإذا انكشف بعد ذلك خلافه وكان الوقت باقياً أعادها قصراً ، ولا يجب القضاء لو انكشف بعده وكذلك الحال في من اعتقد عدم وصوله حد الترخص ثم بان خطاؤه.

١٨٤

( قواطع السفر )

إذا تحقّق السفر واجداً للشرائط الثمانية المتقدمة بقي المسافر على تقصيره في الصلاة ما لم يتحقق أحد الامور ( القواطع ) الآتية :

( الأوّل : المرور بالوطن ) فإن المسافر إذا مرّ به في سفره ونزل فيه وجب عليه الاتمام ما لم ينشىء سفراً جديداً ، وأما المرور اجتيازاً من غير نزول ففي كونه قاطعاً اشكال ـ فالأحوط وجوباً ـ ان يجمع بعده بين القصر والتمام ما لم يكن قاصداً للمسافة ولو بالتلفيق مع ما يطويه في الرجوع.

والمقصود بالوطن أحد المواضع الثلاثة :

١ ـ مقره الأصلي الذي ينسب إليه ، ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادة.

٢ ـ المكان الذي اتخذه مقراً ومسكناً دائمياً لنفسه بحيث يريد أن يبقى فيه بقية عمره.

٣ ـ المكان الذي اتخذه مقراً لفترة طويلة بحيث لا يصدق عليه أنه مسافر فيه ، ويراه العرف مقراً له حتى إذا اتخذ مسكناً موقتاً في مكان آخر لمدة عشرة أيام أو نحوها ، كما لو أراد السكنى في مكان سنة ونصف السنة أو أكثر فانه يلحقه حكم الوطن بعد شهر من اقامته فيه بالنية المذكورة وأما قبله فيحتاط بالجمع بين القصر والتمام.

ثم انه لا فرق في الوطن الاتخاذي ( القسمين الأخيرين ) بين أن يكون

١٨٥

ذلك بالاستقلال ، أو يكون بتبعية شخص آخر من زوج أو غيره ، ولا تعتبر إباحة المسكن في أي من الأقسام الثلاثة ويزول عنوان الوطن فيها بالخروج معرضاً عن سكنى ذلك المكان.

وقد ذكر بعض الفقهاء نحواً آخراً من الوطن يسمى بالوطن الشرعي ويقصد به المكان الذي يملك فيه منزلاً قد أقام فيه ستة أشهر متصلة عن قصد ونية ، ولكن لم يثبت عندنا هذا النحو.

ثم إنه يمكن أن يتعدد الوطن الاتخاذي وذلك كأن يتخذ الانسان على النحو المذكور مساكن لنفسه يسكن أحدها ـ مثلا ـ أربعة أشهر أيام الحر ، ويسكن ثانيها أربعة أشهر أيام البرد ويسكن الثالث باقي السنة.

( الثاني : قصد الإقامة في مكان معين عشرة أيام ) وبذلك ينقطع حكم السفر ويجب عليه التمام ، ونعني بقصد الإقامة اطمئنان المسافر باقامته في مكان معين عشرة أيام ، سواء أكانت الاقامة اختيارية ، أم كانت اضطرارية أم اكراهية ، فلو حبس المسافر في مكان وعلم أنه يبقى فيه عشرة أيام وجب عليه الاتمام ، ولو عزم على اقامة عشرة أيام ولكنه لم يطمئن بتحققه في الخارج بأن احتمل سفره قبل اتمام اقامته لأمر ما وجب عليه التقصير وإن اتفق أنه أقام عشرة أيام.

( مسألة ٤١٩ ) : من تابع غيره في السفر والاقامة كالزوجة والخادم ونحوهما إن اعتقد أن متبوعه لم يقصد الاقامة ، أو أنه شك في ذلك قصر في صلاته ، فإذا انكشف له اثناء الاقامة أن متبوعه كان قاصداً لها من أول الأمر بقى على تقصيره ، إلاّ إذا علم أنه يقيم بعد ذلك عشرة أيام ، وكذلك الحكم في عكس ذلك فإذا اعتقد التابع أن متبوعه قصد الاقامة فاتم ثم انكشف أنه لم يكن قاصداً لها فالتابع يتم صلاته حتى يسافر.

١٨٦

( مسألة ٤٢٠ ) : إذا قصد المسافر الاقامة في بلد مدة محددة وشك في انها تبلغ عشرة أيام أم لا كان حكمه القصر ، وإن تبين بعد ذلك أنها تبلغ العشرة ، مثال ذلك : ما إذا دخل المسافر بلدة النجف المقدسة في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عازماً على الاقامة إلى يوم العيد ولكنه شك في نقصان الشهر وتمامه فلم يدر أنه يقيم فيها تسعة أيام ، أو عشرة قصر في صلاته وإن اتفق أن الشهر لم ينقص ، وهكذا الحال فيما إذا تخيل ان ما قصده لا يبلغ عشرة أيام ثم انكشف خطاؤه ، كما اذا دخل النجف ـ في المثال المذكور ـ في اليوم الرابع عشر من الشهر وعزم على الاقامة إلى نهاية ليالي القدر معتقداً أن اليوم الذي دخل فيه هو اليوم الخامس عشر وأن مدة اقامته تبلغ تسعة أيام فانه يقصر في صلاته وإن انكشف له بعد ذلك أن دخوله كان في اليوم الرابع عشر منه.

( مسألة ٤٢١ ) : لا يعتبر في قصد الإقامة وجوب الصلاة على المسافر ، فالصبي المسافر إذا قصد الاقامة في بلد وبلغ اثناء اقامته اتم صلاته وإن لم يقم بعد بلوغه عشرة أيام ، وكذلك الحال في الحائض أو النفساء إذا طهرت أثناء اقامتها.

( مسألة ٤٢٢ ) : إذا قصد الاقامة في بلد ثم عدل عن قصده ففيه صور :

(١) أن يكون عدوله بعدما صلى صلاة ادائية تماماً ، ففي هذه الصورة يبقى على حكم التمام ما بقي في ذلك البلد.

(٢) أن يكون عدوله قبل أن يصليها تماماً ، ففي هذه الصورة يجب عليه التقصير.

(٣) أن يكون عدوله أثناء ما يصليها تماماً ، ففي هذه الصورة يعدل بها إلى القصر ما لم يدخل في ركوع الركعة الثالثة ويتم صلاته ـ والأحوط

١٨٧

الأولى ـ أن يعيدها بعد ذلك ، وإذا كان العدول بعدما دخل في ركوع الثالثة بطلت صلاته على ـ الأحوط لزوماً ـ ولزمه استئنافها قصراً.

( مسألة ٤٢٣ ) : لا يعتبر في قصد الاقامة أن لا ينوي الخروج من محل الاقامة ، فلا بأس بأن يقصد الخروج لتشييع جنازة أو لزيارة قبور المؤمنين أو للتفرج وغير ذلك ما لم يبلغ حد المسافة ولو ملفقة ولم تطل مدة خروجه بمقدار ينافي صدق الاقامة في البلد عرفاً.

( مسألة ٤٢٤ ) : إذا نوى الخروج أثناء اقامته تمام النهار ، أو ما يقارب تمامه فلا اشكال في عدم تحقّق قصد الاقامة ووجوب التقصير عليه وكذا لو نوى الخروج تمام الليل ، وأما لو نوى الخروج نصف النهار والرجوع ولو ساعة بعد دخول الليل فهو لا ينافي قصد الاقامة ما لم يتكرر بحد تصدق معه الاقامة في أزيد من مكان واحد.

( مسألة ٤٢٥ ) : يشترط التوالي في الأيام العشرة ، ولا عبرة بالليلة الأولى والأخيرة ، فلو قصد المسافر اقامة عشرة أيام كاملة مع الليالي المتوسطة بينها وجب عليه الاتمام ، والظاهر كفاية التلفيق أيضاً ، بأن يقصد الاقامة من زوال يوم الدخول إلى زوال اليوم الحادي عشر مثلاً.

( مسألة ٤٢٦ ) : إذا قصد اقامة عشرة أيام في بلد وأقام فيها أو أنه صلى تماماً ، ثم عزم على الخروج إلى ما دون المسافة ففي ذلك صور :

(١) أن يكون عازماً على الاقامة عشرة أيام بعد رجوعه ، ففي هذه الصورة يجب عليه الاتمام في ذهابه وإيابه ومقصده.

(٢) أن يكون عازماً على الاقامة أقل من عشرة أيام بعد رجوعه ، ففي هذه الصورة يجب عليه الاتمام أيضاً في الاياب والذهاب والمقصد.

١٨٨

(٣) أن لا يكون قاصداً للرجوع وكان ناوياً للسفر من مقصده ، ففي هذه الصورة يجب عليه التقصير من حين خروجه من بلد الاقامة.

(٤) أن يكون ناوياً للسفر من مقصده ، ولكنه يرجع فيقع محل اقامته في طريقه ، وحكمه في هذه الصورة وجوب القصر أيضاً في الذهاب والمقصد ومحل الاقامة.

(٥) أن يغفل عن رجوعه وسفره ، أو يتردد في ذلك فلا يدري أنه يسافر من مقصده أو يرجع إلى محل الاقامة ، وعلى تقدير رجوعه لا يدري باقامته فيه وعدمها ففي هذه الصورة يجب عليه الاتمام ما لم ينشىء سفراً جديداً.

( الثالث ) : بقاء المسافر في محل خاص ثلاثين يوماً ، فإذا دخل المسافر بلدة اعتقد أنه لا يقيم فيها عشرة أيام ، أو تردد في ذلك ولكنه بقي فيها حتى تم له ثلاثون يوماً وجب عليه الاتمام بعد ذلك ما لم ينشىء سفراً جديداً ، والظاهر كفاية التلفيق هنا كما تقدم في اقامة عشرة أيام ، ولا يكفي البقاء في أمكنة متعددة ، فلو بقي المسافر في بلدين كالكوفة والنجف ثلاثين يوماً لم يترتب عليه حكم الاتمام.

( مسألة ٤٢٧ ) : لا يضر الخروج من البلد لغرض ما اثناء البقاء ثلاثين يوماً بمقدار لا ينافي صدق البقاء في ذلك البلد ـ كما تقدم في اقامة عشرة أيام ـ وإذا تم له ثلاثون يوماً وأراد الخروج إلى ما دون المسافة فالحكم فيه كما ذكرناه في المسألة السابقة ، والصور المذكورة هناك جارية هنا أيضاً.

١٨٩

( أحكام الصلاة في السفر )

( مسألة ٤٢٨ ) : من أتم صلاته في موضع يتعين فيه التقصير عالماً عامداً بطلت صلاته ، وفي غير ذلك صور :

(١) أن يكون ذلك لجهله بأصل مشروعية التقصير للمسافر أو كونه واجباً ، ففي هذه الصورة تصح صلاته ، ولا تجب اعادتها.

(٢) أن يكون ذلك لجهله بالحكم في خصوص المورد وإن علم به في الجملة : وذلك كمن أتم صلاته في المسافة التلفيقية لجهله بوجوب القصر فيها وإن علم به في المسافة الامتدادية ، وفي هذه الصورة ـ الأحوط وجوباً ـ اعادة الصلاة اذا علم بالحكم في الوقت ولا يجب قضاؤها اذا علم به بعد خروج الوقت.

(٣) أن يكون ذلك لخطأه واشتباهه في التطبيق مع علمه بالحكم ، ففي هذه الصورة تجب الاعادة في الوقت ، ولا يجب القضاء اذا انكشف له الحال بعد مضي الوقت.

(٤) أن يكون ذلك لنسيانه سفره أو وجوب القصر على المسافر ، ففي هذه الصورة تجب الاعادة في الوقت ولا يجب القضاء إذا تذكر بعد مضي الوقت.

(٥) أن يكون ذلك لأجل السهو أثناء العمل مع علمه بالحكم والموضوع فعلاً ، ففي هذه الصورة تجب الاعادة في الوقت فإن لم يتذكر حتى خرج الوقت ـ فالأحوط وجوباً ـ قضاؤها.

( مسألة ٤٢٩ ) : إذا قصر في صلاته في موضع يجب فيه الاتمام بطلت

١٩٠

ولزمته الاعادة ، أو القضاء من دون فرق بين العامد والجاهل والناسي والخاطئ ، نعم إذا قصد المسافر الاقامة في مكان وقصر في صلاته لجهله بأن حكمه الاتمام ثم علم به كان الحكم بوجوب الاعادة عليه مبنياً على الاحتياط الوجوبي.

( مسألة ٤٣٠ ) : إذا كان في أول الوقت حاضراً فأخر صلاته حتى سافر يجب عليه التقصير حال سفره ، ولو كان أول الوقت مسافراً فأخر صلاته حتى أتى بلده ، أو قصد الاقامة في مكان وجب عليه الاتمام ، فالعبرة في التقصير والاتمام بوقت العمل دون وقت الوجوب ، وسيأتي حكم القضاء في هاتين الصورتين في المسألة (٤٣٨).

( التخيير بين القصر والإتمام )

يتخير المسافر بين التقصير والاتمام في مواضع أربعة : مكة المعظمة والمدينة المنورة ، والكوفة ، وحرم الحسينعليه‌السلام ، فللمسافر السائغ له التقصير أن يتم صلاته في هذه المواضع بل هو أفضل وإن كان التقصير ـ أحوط استحباباً ـ وذكر جماعة اختصاص التخيير في البلاد الثلاثة بمساجدها ، ولكنه لا يبعد ثبوت التخيير فيها مطلقاً وإن كان الاختصاص ـ أحوط استحباباً ـ والظاهر أن التخيير ثابت في حرم الحسينعليه‌السلام فيما يحيط بالقبر الشريف بمقدار خمسة وعشرين ذراعاً ( أي ما يقارب ٥ / ١١ متراً ) من كل جانب فتدخل بعض الأروقة في الحد المذكور ويخرج عنه بعض المسجد الخلفي.

( مسألة ٤٣١ ) : إذا شرع المسافر في الصلاة في مواضع التخيير قاصداً بها التقصير جاز له أن يعدل بها إلى الاتمام ، وكذلك العكس.

١٩١

( قضاء الصلاة )

من لم يؤد الفريضة اليومية ، أو أتى بها فاسدة حتى ذهب وقتها يجب عليه قضاؤها خارج الوقت ـ إلاّ صلاة الجمعة فإنه إذا خرج وقتها يلزم الاتيان بصلاة الظهر ـ ولا فرق في ذلك بين العامد والناسي والجاهل وغيرهم ، ويستثنى من هذا الحكم موارد :

(١) ما فات من الصلوات من الصبي أو المجنون.

(٢) ما فات من المغمى عليه إذا لم يكن الاغماء بفعله واختياره ، وإلاّ وجب عليه القضاء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

(٣) ما فات من الكافر الأصلي فلا يجب عليه القضاء بعد اسلامه ، وأما المرتد فيلزمه القضاء.

(٤) الصلوات الفائتة من الحائض أو النفساء فلا يجب قضاؤها بعد الطهر.

( مسألة ٤٣٢ ) : إذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر ، أو أفاق المجنون أو المغمى عليه ، أو طهرت الحائض أو النفساء ، في أثناء الوقت فان لم يتسع لأداء الصلاة ولو بادراك ركعة من الوقت فلا شيء عليه أداء ولا قضاءً ، وأما ان اتسع ولو لركعة منها فيجب اداؤها وان لم يصلها وجب القضاء في خارج الوقت ، نعم وجوب الأداء مع عدم سعة الوقت إلاّ للصلاة مع الطهارة الترابية ، أو مع عدم سعته لتحصيل سائر الشرائط مبنى على الاحتياط ،

١٩٢

وكذلك وجوب القضاء في مثل ذلك اذا لم يصلّ حتى فات الوقت.

( مسألة ٤٣٣ ) : من تمكن من أداء الصلاة في أول وقتها مع الطهارة ولو كانت ترابية ولم يأت بها ثم جنّ ، أو اغمي عليه حتى خرج الوقت وجب عليه القضاء ، وهكذا المرأة اذا تمكنت بعد دخول الوقت من تحصيل الطهارة ولو الترابية واداء الفريضة ولم تفعل حتى حاضت وجب عليها القضاء ، ولا فرق في الموردين بين التمكن من تحصيل بقية الشرائط قبل دخول الوقت وعدمه على ـ الأحوط لزوماً ـ في الصورة الأخيرة.

( مسألة ٤٣٤ ) : فاقد الطهورين ـ الماء والتراب ـ يجب عليه القضاء ويسقط عنه الأداء وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ الجمع بينهما.

( مسألة ٤٣٥ ) : من رجع إلى مذهبنا من سائر الفرق الاسلامية لا يجب عليه أن يقضي الصلوات التي صلاها صحيحة في مذهبه ، أو على وفق مذهبنا مع تمشي قصد القربة منه ، بل لا تجب إعادتها إذا رجع وقد بقي من الوقت ما يسع إعادتها.

( مسألة ٤٣٦ ) : الفرائض الفائتة يجوز قضاؤها في أي وقت من الليل أو النهار في السفر أو في الحضر ، ولكن ما يفوت في الحضر يجب قضاؤه تماماً وإن كان في السفر ، وما يفوت في السفر يجب قضاؤه قصراً وإن كان في الحضر ، وما فات المسافر في مواضع التخيير يجب قضاؤه قصراً على ـ الأحوط لزوماً ـ وإن كان القضاء في تلك المواضع ، وأما ما يفوت المكلف من الصلوات الاضطرارية كصلاة المضطجع والجالس فيجب قضاؤه على نحو صلاة المختار ، وكذا الحكم في صلاة الخوف وشدته.

( مسألة ٤٣٧ ) : من فاتته الصلاة وهو مكلف بالجمع بين القصر والتمام ـ لأجل الاحتياط الوجوبي ـ وجب عليه الجمع في القضاء أيضاً.

١٩٣

( مسألة ٤٣٨ ) : من فاتته الصلاة ـ وقد كان حاضراً في أول وقتها ومسافراً في آخره أو بعكس ذلك ـ وجب عليه في القضاء رعاية آخر الوقت ، فيقضي قصراً في الفرض الأوّل ، وتماماً في الفرض الثاني ـ والأحوط استحباباً ـ الجمع في كلا الفرضين.

( مسألة ٤٣٩ ) : لا ترتيب في قضاء الفرائض ، فيجوز قضاء المتأخر فوتاً قبل قضاء المتقدم عليه ، وإنْ كان ـ الأحوط استحباباً ـ رعاية الترتيب ، نعم ما كان مرتباً من أصله كالظهرين ، أو العشاءين من يوم واحد وجب الترتيب في قضائه.

( مسألة ٤٤٠ ) : إذا لم يعلم بعدد الفوائت ، ودار أمرها بين الأقل والأكثر جاز أن يقتصر على المقدار المتيقن ، ولا يجب عليه قضاء المقدار المشكوك فيه.

( مسألة ٤٤١ ) : إذا فاتته صلاة واحدة وترددت بين صلاتين مختلفتي العدد ، كما إذا ترددت بين صلاة الفجر وصلاة المغرب وجب عليه الجمع بينهما في القضاء ، وإن ترددت بين صلاتين متساويتين في العدد كما إذا ترددت بين صلاتي الظهر والعشاء جاز له أن يأتي بصلاة واحدة عما في الذمة ، ويتخير بين الجهر والخفوت إذا كانت احداهما اخفاتية دون الاُخرى.

( مسألة ٤٤٢ ) : وجوب القضاء موسّع فلا بأس بتأخيره ما لم ينته إلى المسامحة في أداء الوظيفة.

( مسألة ٤٤٣ ) : لا ترتيب بين الحاضرة والفائتة ، فمن كانت عليه فائتة ودخل عليه وقت الحاضرة تخير في تقديم أيهما شاء إذا وسعهما الوقت ، ـ والأحوط استحباباً ـ تقديم الفائتة ولا سيما إذا كانت فائتة ذلك اليوم ، وفي

١٩٤

ضيق الوقت تتعين الحاضرة ولا تزاحمها الفائتة.

( مسألة ٤٤٤ ) : إذا شرع في صلاة حاضرة وتذكر أن عليه فائتة جاز له أن يعدل بها إلى الفائتة إذا أمكنه العدول.

( مسألة ٤٤٥ ) : يجوز التنفّل لمن كانت عليه فائتة ، سواء في ذلك النوافل المرتبة وغيرها.

( مسألة ٤٤٦ ) : من كان معذوراً عن تحصيل الطهارة المائية ـ فالأحوط لزوماً ـ ان لا يقضي فوائته مع التيمم اذا كان يرجو زوال عذره فيما بعد ذلك ، وهكذا من لا يتمكن من الصلاة التامة لعذر فانه لا يجوز له على الأحوط أن يأتي بقضاء الفوائت ، إذا علم بارتفاع عذره فيما بعد ، ولا بأس به إذا اطمأن ببقاء عذره وعدم ارتفاعه ، بل لا بأس به مع الشك أيضاً ، إلاّ أنه إذا ارتفع عذره لزمه القضاء ثانياً على ـ الأحوط وجوباً ـ ويستثنى من ذلك ما إذا كان عذره في غير الأركان ، ففي مثل ذلك لا يجب القضاء ثانياً وصح ما أتى به أولاً ، مثال ذلك :

إذا لم يتمكن المكلف من الركوع أو السجود لمانع واطمأن ببقائه إلى آخر عمره ، أو أنه شك في ذلك فقضى ما فاته من الصلوات مع الايماء بدلاً عن الركوع أو السجود ، ثم ارتفع عذره وجب عليه القضاء ثانياً ، وأما إذا لم يتمكن من القراءة الصحيحة لعيب في لسانه واطمأن ببقائه ، أو شك في ذلك فقضى ما عليه من الفوائت ثم ارتفع عذره لم يجب عليه القضاء ثانياً.

( مسألة ٤٤٧ ) : لا يختص وجوب القضاء بالفرائض اليومية بل يجب قضاء كل ما فات من الصلوات الواجبة حتى المنذورة في وقت معين على ـ الأحوط لزوماً ـ وسيأتي حكم قضاء صلاة الآيات في محله.

( مسألة ٤٤٨ ) : من فاتته الفريضة لعذر ولم يقضها مع التمكن منه حتى

١٩٥

مات ـ فالأحوط وجوباً ـ أن يقضيها عنه ولده الأكبر إن لم يكن قاصراً حين موته ـ لصغر أو جنون ـ ولم يكن ممنوعاً من ارثه ببعض أسبابه ، كالقتل والكفر ، وإلاّ لم يجب عليه ذلك ـ والأحوط الأولى ـ القضاء عن الأم أيضاً ، ويختص وجوب القضاء بما وجب على الميت نفسه ، وأمّا ما وجب عليه باستيجار ونحو ذلك فلا يجب على الولد الأكبر قضاؤه ، ومن هذا القبيل ما وجب على الميت من فوائت أبيه ولم يؤده حتى مات فإنه لا يجب قضاء ذلك على ولده.

( مسألة ٤٤٩ ) : إذا تعدد الولد الأكبر وجب ـ على الأحوط ـ القضاء عليهما وجوباً كفائياً ، فلو قضى أحدهما سقط عن الآخر.

( مسألة ٤٥٠ ) : لا يجب على الولد الأكبر أن يباشر قضاء ما فات أباه من الصلوات ، بل يجوز أن يستأجر غيره للقضاء ، بل لو تبرع أحد فقضى عن الميت سقط الوجوب عن الولد الأكبر ، وكذلك إذا أوصى الميت باستيجار شخص لقضاء فوائته كانت وصيته نافذة شرعاً.

( مسألة ٤٥١ ) : إذا شك الولد الأكبر في فوت الفريضة عن أبيه لم يجب عليه القضاء ، وإذا دار أمر الفائتة بين الأقل والأكثر اقتصر على الأقل ، وإذا علم بفوتها وشك في قضاء أبيه لها وجب عليه القضاء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة ٤٥٢ ) : لا تخرج اجرة قضاء ما فات الميت من الصلوات من أصل التركة ، فلو لم يكن له ولد ، ولم يوص بذلك لم يجب الاستيجار على سائر الورثة.

( مسألة ٤٥٣ ) : لا يحكم بفراغ ذمة الولد الأكبر ولا ذمة الميت بمجرد الاستيجار ما لم يتحقق العمل في الخارج ، فإذا مات الأجير قبل الاتيان بالعمل ، أو منعه مانع عنه وجب على الولي القضاء بنفسه ، أو باستيجار غيره على ـ الأحوط لزوماً ـ كما مر.

١٩٦

( صلاة الاستئجار )

يجب على المكلف أن يقضي بنفسه ما فاته من الصلوات كما مرّ ، فإن لم يفعل ذلك وجب عليه أن يتوسل إلى القضاء عنه بالايصاء ، أو باخباره ولده الأكبر ، أو بغير ذلك ، ولا يجوز القضاء عنه حال حياته باستيجار أو تبرع.

( مسألة ٤٥٤ ) : لا تعتبر العدالة في الأجير ، بل يكفي الوثوق بصدور العمل منه نيابة مع احتمال صحته ـ والأحوط لزوماً ـ اعتبار البلوغ فيه ، ولا تعتبر المماثلة بين القاضي والمقضي عنه ، فالرجل يقضي عن المرأة وبالعكس ، والعبرة في الجهر والخفوت بحال القاضي ، فيجهر في القراءة في الصلوات الجهرية فيما إذا كان القاضي رجلاً ، وإن كان القضاء عن المرأة ، وتتخير المرأة فيها بين الجهر والخفوت ، وإن كان القضاء عن الرجل.

( مسألة ٤٥٥ ) : يجب على الأجير ان يأتي بالعمل على النحو المتعارف إذا لم تشترط في عقد الاجارة كيفية خاصة ، وإلاّ لزمه العمل بالشرط.

١٩٧

( صلاة الآيات )

تجب صلاة الآيات بالكسوف والخسوف ، وكذا بالزلزلة على ـ الأحوط وجوباً ـ وإن لم يحصل الخوف بشيء من ذلك ، ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بها لكل حادثة سماوية مخوفة لاغلب الناس ، كهبوب الريح السوداء ، أو الحمراء ، أو الصفراء ، وظلمة الجو الخارقة للعادة والصاعقة ونحو ذلك ، وكذا في الحوادث الأرضية المخوفة كذلك ، كخسف الأرض وسقوط الجبل ، وغور ماء البحر ونحو ذلك ، وتتعدد صلاة الآيات بتعدد موجبها.

( مسألة ٤٥٦ ) : وقت صلاة الآيات في الكسوف والخسوف من ابتداء حدوثهما إلى تمام الانجلاء ـ والأحوط الأولى ـ عدم تأخيرها عن الشروع في الانجلاء ، وأما في غيرهما فتجب المبادرة بمجرد حصول الآية مع ضيق زمانها ، وأما مع سعته فلا يجب البدار ، وان لم يصلّ حتى مضى الزمان المتصل بالآية سقط وجوبها.

( مسألة ٤٥٧ ) : صلاة الآيات ركعتان ، وفي كل ركعة منها خمسة ركوعات ، وكيفية ذلك أن يكبّر ويقرأ سورة الفاتحة وسورة تامة غيرها ، ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع قرأ سورة الفاتحة وسورة تامة ، ثم يركع وهكذا إلى أن يركع الركوع الخامس ، فإذا رفع رأسه منه هوى إلى السجود وسجد سجدتين كما في الفرائض اليومية ، ثم يقوم فيأتي في الركعة الثانية بمثل ما أتى به في الركعة الأولى ، ثم يتشهد ويسلم كما في سائر الصلوات.

ويجوز الاقتصار في كل ركعة على قراءة سورة الفاتحة مرة وقراءة

١٩٨

سورة اُخرى ، بأن يقرأ بعد سورة الفاتحة شيئاً من السورة ـ بشرط أن يكون آية كاملة أو جملة تامة على ـ الأحوط لزوماً ـ ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع يقرأ جزءاً آخراً من تلك السورة من حيث قطعها ثم يركع ، وهكذا ، ويتم السورة بعد الركوع الرابع ثم يركع ، وكذلك في الركعة الثانية.

ويجوز له التبعيض بأن يأتي بالركعة الأولى على الكيفية الأولى ، ويأتي بالركعة الثانية على الكيفية الاُخرى ، أو بالعكس ، ولها كيفيات أخر لاحاجة إلى ذكرها.

( مسألة ٤٥٨ ) : يستحب القنوت في صلاة الآيات قبل الركوع الثاني والرابع ، والسادس ، والثامن ، والعاشر ، ويجوز الاكتفاء بقنوت واحد قبل الركوع العاشر.

( مسألة ٤٥٩ ) : ـ الأحوط وجوباً ـ عدم الاقتصار على قراءة البسملة بعد الحمد في صلاة الآيات كما تقدم في المسألة (٢٩٩).

( مسألة ٤٦٠ ) : يجوز الاتيان بصلاة الآيات للخسوف والكسوف جماعة ، كما يجوز أن يؤتى بها فرادى ، ولكن إذا لم يدرك الامام في الركوع الأوّل من الركعة الأولى ، أو الركعة الثانية أتى بها فرادى.

( مسألة ٤٦١ ) : ما ذكرناه في الصلوات اليومية من الشرائط والمنافيات واحكام الشك والسهو كل ذلك يجري في صلاة الآيات.

( مسألة ٤٦٢ ) : إذا شك في عدد الركعات في صلاة الآيات ولم يرجح أحد طرفيه على الآخر بطلت صلاته ، وإذا شك في عدد الركوعات لم يعتن به إذا كان بعد تجاوز المحل ، وإلاّ بنى على الأقل وأتى بالمشكوك فيه.

( مسألة ٤٦٣ ) : إذا علم بالكسوف أو الخسوف ولم يصلّ عصياناً ، أو نسياناً حتى تم الانجلاء وجب عليه القضاء ، بلا فرق بين الكلي والجزئي منهما ـ والأحوط وجوباً ـ الاغتسال قبل قضائها فيما إذا كان كلياً ولم يصلها

١٩٩

عصياناً ، وإذا لم يعلم به حتى تم الانجلاء ، فإن كان الكسوف أو الخسوف كلياً بأن احترق القرص كله وجب القضاء وإلاّ فلا ، والأحوط الأولى الاتيان بها في غير الكسوفين ، سواء أعلم بحدوث الموجب حينه ، أم لم يعلم به.

( مسألة ٤٦٤ ) : لا تصح صلاة الآيات من الحائض والنفساء والأحوط الأولى أن تقضياها بعد طهرهما.

( مسألة ٤٦٥ ) : إذا اشتغلت ذمة المكلف بصلاة الآيات وبالفريضة اليومية ، تخير في تقديم ايتهما شاء إن وسعهما الوقت ، وإن وسع إحداهما دون الاُخرى قدّم المضيَّق ثم أتى بالموسَّع ، وإن ضاق وقتهما قدم اليومية ، وإذا اعتقد سعة وقت صلاة الآيات فشرع في اليومية ، فانكشف ضيق وقتها قطع اليومية وأتى بالآيات ، وإذا اعتقد سعة وقت اليومية فشرع في صلاة الآيات فانكشف ضيق وقت اليومية قطعها وأتى باليومية وعاد إلى صلاة الآية من محل القطع إذا لم يقع منه مناف غير الفصل باليومية.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

٥٢٤ ـ انتقال مسلم إلى دار هانئ بن عروة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨)

فلما سمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس ، خرج من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة المرادي في جوف الليل ودخل في أمانه. وأخذت الشيعة تختلف إلى دار هانئ سرا واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان. وألحّ عبيد الله في طلب مسلم ، ولا يعلم أين هو.

وقد أورد ابن قتيبة كيفية انتقال مسلم إلى دار هانئ برواية غريبة في

(الإمامة والسياسة) ج ٢ ص ٤ قال :

وبايع للحسين مسلم بن عقيل وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة ، فنهضوا معه يريدون عبيد الله بن زياد ، فجعلوا كلما أشرفوا على زقاق انسلّ عنه منهم ناس ، حتّى بقي مسلم في شرذمة قليلة.

قال : فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت. فلما رأى ذلك دخل دار هانئ ابن عروة المرادي ، وكان له فيهم رأي.

ابن زياد يعتمد على نظام العرافة

٥٢٥ ـ نظام العرافة في صدر الإسلام :

(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١١٠)

قال عبد الرؤوف عون : فحين كثر أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّمهم عرافات ، وجعل على كل عشرة منهم عريفا.

فقد روى الطبري في حديثه عن (القادسية) أن سعدا عرّف العرفاء ، فجعل على كل عشرة عريفا ، كما كانت العرافات أزمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي عهد عمر ، لما اتسعت الفتوح ، وتبع ذلك كثرة الأجناد والأموال ، وضع عمر (الديوان) ورتّب العطاء للناس جميعا. وجعل العرفاء أداته في توزيعه ، فكان العريف في المدنيين ينوب عن القبيلة ، وفي الجند ينوب عن عشرة.

فلما كثر عدد الناس ، جمع كل عدد من العرافات في (سبع) عليه أمير ، وسمّاهم (أمراء الأسباع) ، فكان هؤلاء يأخذون العطاء ، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه إلى أهله في دورهم.

٤٦١

٥٢٦ ـ العرفاء والمناكب :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٠)

العرفاء : جمع عريف كأمير ، وهو الرئيس. والظاهر أنه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب بأمورهم ، يسمى العريف. وكان يجعل للعرفاء أيضا رؤساء يقال لهم : المناكب.

وفي كتاب (مع الحسين في نهضته) لأسد حيدر ، ص ٩٨ :

العريف في اللغة : هو من يعرّف أصحابه ، وهو القائم بأمور الجماعة من الناس ؛ يلي أمورهم ، ومنه يتعرّف الأمير على أحوالهم. وكان لكل عشرة عريف ، وللعرفاء رئيس يدعى : أمير الأعشار. فالعريف يقود خلية مؤلفة من عشرة أشخاص ، وأمير الأعشار يقود مجموعة مؤلفة من مئة شخص ، وهو يقابل اليوم قائد سريّة.

٥٢٧ ـ نظام العرافة :(حياة الإمام الحسين ، ج ٢ ص ٤٤٧)

قال السيد باقر شريف القرشي : وكانت الدولة تعتمد على العرفاء ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ، ويوزعون عليهم العطاء. كما كانوا يقومون بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل من يولد ليفرض له العطاء من الدولة ، وحذف العطاء لمن يموت(١) .

كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام. وكانوا في أيام الحرب يندبون الناس للقتال ويحثونهم على الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلفون عن القتال(٢) . وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم ، فإن الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدها(٣) .

ومن أهمّ الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم بن عقيل ، هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ، وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس(٤) كما كانوا السبب الفعال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام الحسينعليه‌السلام .

__________________

(١) الحياة الإجتماعية والاقتصادية في الكوفة ، ص ٥٣.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٢٢٦.

(٣) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ، ج ٢ ص ١٧٩.

(٤) البداية والنهاية لابن كثير ، ج علينا ص ١٥٤.

٤٦٢

٥٢٨ ـ التجنيد في الدولة الأموية :

(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١٠١)

وكان التجنيد في عهد الخلفاء الأولين إلزاميا من أجل الفتح الإسلامي ، لكنه فقد عنصر الإلزام أو كاد بعد النكسة التي سببتها الحروب الأهلية. وصار المال أداة التجنيد في الدولة الأموية ، وارتفع صوت الذهب فوق كل صوت. فكان الخليفة تكثر أجناده أو تقلّ ، تبعا لكثرة المال في خزائنه أو قلته. وصار الخلفاء يسترضون الجند بصرف الأموال لهم مقدّما ، وعزل من يطلبون عزله من الولاة.

ولم تقف روح التهرب من الجندية عند حد ، بل سرت عدواها إلى الأمصار ، حتّى إلى (البصرة والكوفة) وهما المعسكران اللذان كانا مصدر المدد الحربي للمسلمين ، ومنهما اتجهت الجيوش شرقا حتّى اقتحمت على الفرس عاصمتهم ، ووطدت قدم الإسلام فيما وراء النهر إلى حدود الصين. حتّى بلغ عدد الجند في (خراسان) وحدها أيام قتيبة بن مسلم سبعة وأربعين ألفا (كما في رواية ابن الأثير) عدا ما كان في غيرها من المقاطعات الفارسية.

٥٢٩ ـ تنظيم الجيش في الكوفة :

(حياة الإمام الحسين لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٤٤٥)

أنشئت الكوفة لتكون معسكرا للجيوش الإسلامية. وقد نظّم الجيش فيها على أساس قبلي ، فكانوا يقسمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت على نظام الأسباع.

وفي سنة ٥٠ ه‍ عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك وجعل التقسيم رباعيا ، فكان على النحو التالي :

١ ـ أهل المدينة : وجعل عليهم عمرو بن حريث.

٢ ـ تميم وهمدان : وعليهم خالد بن عرفطة.

٣ ـ ربيعة بكر وكندة : وعليهم قيس بن الوليد.

٤ ـ مذحج وأسد : وعليهم أبو بردة بن أبي موسى [الأشعري].

وقد استعان عبيد الله بن زياد بهذا التنظيم لقمع ثورة مسلم بن عقيل. كما تولى بعضهم قيادة الفرق التي زجّها الطاغية لحرب الإمام الحسينعليه‌السلام .

٤٦٣

٥٣٠ ـ الجيش النظامي والجيش الشعبي :

وكان هناك دائما جيشان :

الأول جيش نظامي عدده قليل ، ومهمته المحافظة على الوالي ، وكان ينتقى من غير العرب (الأعاجم والموالي) لأنهم يخلصون للوالي أكثر من العرب ، ولا ينقادون لانتمائهم القبلي. وقد كان هؤلاء يسمّون (الحمر) وهم من بقايا رستم ، أسلموا وتجندوا في الجيش الاسلامي ، وعددهم أربعة آلاف ، وهم الذين خرجوا أول دفعة لحرب الحسينعليه‌السلام بقيادة عمر بن سعد.

أما الجيش الآخر [الشعبي] فهو يدعى عند الضرورة ومن أجل الفتوحات ، ويكون تنظيمه آنيا. وهو جيش شعبي يستنفر من المسلمين للجهاد. وقد كانت الكوفة مركزا لتنظيم هذه الجيوش ودفعها للفتح في مشارق البلاد.

ملفّ الكوفة

(مدينة الكوفة ـ مسجد الكوفة ـ قصر الإمارة)

٥٣١ ـ مدينة الكوفة :(البلدان لليعقوبي ، ص ٩٢)

الكوفة مدينة العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين. وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة ١٧ ه‍. وبها خطط العرب. وهي على معظم الفرات ، ومنه يشرب أهلها. وهي من أطيب البلدان وأفسحها وأعذبها وأوسعها.

وعن الإمام عليعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ) [المؤمنون : ٥٠] ، الربوة : الكوفة ، والقرار : مسجدها ، والمعين : الفرات.

٥٣٢ ـ تعريف بقصر الإمارة بالكوفة :(تاريخ الكوفة للبراقي)

قصر الإمارة بالكوفة بناه سعد بن أبي وقّاص ، وأمره عمر بن الخطاب أن يبني بجنبه مسجدا.

موقع القصر والمسجد شرق ميدان الكوفة

٤٦٤

(الشكل ٥) : مخطط الكوفة القديمة

[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيو لويس ماسينيون]

٤٦٥

هدم القصر عبد الملك بن مروان لما وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير ، وقال له ما قال عبيد بن عمير (والأصح عبد الملك بن عمير) فارتعد عبد الملك وقام من فوره وأمر بهدم القصر. يقع القصر في الزاوية الجنوبية الشرقية من ميدان الكوفة ، بينما يقع المسجد في الزاوية الشمالية الشرقية (انظر المخطط).

وفي (أضواء على معالم محافظة كربلاء) ص ١١٢ :

يقع هذا القصر خلف المسجد مباشرة ، وهو الآن في منخفض من الأرض.وعند ما بنى سعد بن أبي وقّاص مدينة الكوفة سنة ١٧ ه‍ بأمر عمر بن الخطاب ، شيّد بجانب المسجد دارا سميت بدار الإمارة ، تكون مقرا لأمير الكوفة. وتعتبر دار الإمارة أقدم ما عثر عليه من عمارات إسلامية حتّى الآن في كافة الأقطار الإسلامية.

وتتألف دار الإمارة من بناء مربع طول ضلعه ١١٠ م ومعدل سمك الجدران ١٨٠ سم ، وفي بعض أجزائه ممران. وهذه الدار مشيّدة بالآجر والجص ، وفي كل ركن من أركانها توجد أبراج نصف دائرية.

مسجد الكوفة :

وهو جامع واسع جدا ، يتسع لأكثر من ثلاثين ألفا من المصلين ، وهو الجامع الّذي ضرب في محرابه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (انظر الشكل ٦). وهو الّذي صلى فيه مسلم بن عقيل حين جاء إلى الكوفة سفيرا للحسينعليه‌السلام ، ثم نكثوا به البيعة وتخلوا عنه.

ونورد فيما يلي تعريفا ببعض الأماكن الواقعة حول الكوفة :

٥٣٣ ـ القادسيّة :

مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه تقع على حافة البرية وحامة سواد العراق. وهي بليدة بينها وبين الكوفة ١٥ فرسخا (نحو ٨٠ كم) في طريق الحاج. وبها كانت وقعة القادسية المشهورة أيام عمر بن الخطاب.

وفي (معجم البلدان) لياقوت الحموي : القادس : السفينة العظيمة. والقادسية :بلدة بينها وبين الكوفة ١٥ فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال. قيل : سميت القادسية بقادس هراة.

٤٦٦

(الشكل ٦)

مخطط مسجد الكوفة

ويظهر في أطرافه قبر هانئ ومسلم والمختار رضي الله عنهم

٤٦٧

قال المدائني : كانت القادسية تسمى قديسا ، وذلك أن إبراهيمعليه‌السلام مرّ بها فرأى زهرتها ، ووجد هناك عجوزا فغسلت رأسه ، فقال : قدّست من أرض ، فسميت (القادسية).

تقع القادسية جنوب الكوفة ومنها

ينطلق طريق الحاج إلى مكة

٥٣٤ ـ الحيرة :

مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة (٦ كم) جنوبا ، على موضع يقال له النجف [هذا نجف الحيرة ، وليس نجف الكوفة المعروفة] ، زعموا أن بحر فارس [لعل المقصود به الخليج العربي] كان يتصل به.والنجف كان ساحل بحر الملح ، وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة.

ومعنى الحيرة في اللغة السريانية (الحصن) ، وكانت الحيرة من أكبر مدن العصور السالفة. وهي منازل آل (بقيلة) وغيرهم.

وكانت الحيرة مسكن ملوك العرب في الجاهلية ، وبها كانت منازل ملوك بني نصر من لخم ، وهم آل النعمان بن المنذر. وعلية أهل الحيرة نصارى ، وتكثر فيها الأديرة ، مثل دير علقمة ودير اللّج ودير هند الصغرى ودير هند الكبرى ؛ بنتي النعمان بن المنذر ، ودير حتّه ودير السّوا (أي العدل).

وبنى فيها المناذرة بعد تنصّرهم القصور والكنائس الكبيرة والحصون المنيعة.وبنى فيها النعمان بن المنذر قصرين شهيرين هما : الخورنق والسّدير.

ولقد مرّت على (الحيرة) فترات من العمران والخراب. فلما مات بخت نصّر انضم عرب الحيرة إلى أهل الأنبار (مدينة تسمى اليوم الرمادي ، وتقع على نهر الفرات) ، وبقي الحير خرابا زمانا طويلا ، لا تطلع عليه طالعة من بلاد العرب. وبعد خمسمائة سنة عمّرت الحيرة في زمن عمرو بن عدي ، باتخاذه إياها مسكنا ، وظلت عامرة أكثر من خمسمائة سنة ، إلى أن جاء الفتح الإسلامي وعمّرت (الكوفة) ونزلها المسلمون ، فأهملت الحيرة.

٥٣٥ ـ الخورنق والسّدير :

إنما تكلمت عن الحيرة ، والآن أتكلم عن الخورنق والسدير ، لأبيّن أن هذه المنطقة التي حول الكوفة كانت مهد حضارات قديمة منذ أقدم العصور.

٤٦٨

يقع قصر الخورنق بالقرب من الحيرة مما يلي الشرق ، على بعد ثلاثة أميال (انظر الشكل ٧). والخورنق تعريب للكلمة الفارسية (خورنكاه) ومعناها : محل الأكل.

والسّدير : قصر في وسط البرية التي بينها وبين الشام.

وفي كتاب (العرب قبل الإسلام) لجرجي زيدان ، ج ١ ص ٢٠٤ ط مصر ، قال :

كانت الحيرة على شاطئ الفرات ، والفرات يدنو من أطراف البر حتّى يقرب من النجف ، فلما تبسّط النعمان في العيش رأى أن يتّخذ مجلسا عاليا يشرف منه على المدينة ، فاتخذ الخورنق على مرتفع يشرف منه على النجف ، وما يليه من البساتين والجنان والأنهار.

٥٣٦ ـ النّخيلة :

هي العباسية (في كلام ابن نما) ، وتعرف اليوم بالعباسيات ، وهي قريبة من (ذي الكفل). وفي (اليقين) لابن طاووس : أن النخيلة تبعد فرسخين عن الكوفة (انظر الشكل ٧).

(الشكل ٧) : مصور سواد الكوفة

[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيولويس ماسينيون]

٤٦٩

٥٣٧ ـ النجف والغريّ :

تقع النجف على بعد ٧ كم جنوب غرب الكوفة ، وترتفع ٣٦ مترا عن الكوفة الواقعة على الفرات. والنجف في اللغة : التل ، لأنه عال. ووراء مدينة النجف البحيرة المعروفة ببحر النجف ، حيث تنخفض الأرض انخفاضا هو أوطأ من مستوى نهر الفرات الموازي لها.

يقع بحر النجف من جهة الجنوب الغربي من المدينة ، يبتدئ من نهر الفرات عند (أبي ضمير) وينتهي فوق المدينة. ويغلب على الظن أن هذا البحر حصل هنا بتأثير زلزال انخفضت من جرائه الأرض ، فانسابت إليها مياه الفرات ، فتكونت هذه البحيرة ، التي عرضها عشرة كيلو مترات.

وكان اسم (النجف) يطلق قديما على الجزء الغربي ـ المطلّ على البحيرة المالحة ـ من ذلك اللسان الّذي تقع الكوفة في النقطة الشمالية الشرقية منه (من جهة الفرات). وهذه الذروة صارت في عصر اللخميين تسمى (الغريّ). والغراء :الحسن ، ومنه الغريّ (كغنيّ) : الحسن الوجه. والغري : البناء الجيد.

ومنه : الغريّان ، وهما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثويّة ، حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام . زعموا أنهما بناهما بعض ملوك الحيرة ، حيث كان الأمير (ماء السماء) قد نصب عليها عمودين : الغريّين.

محاولة قتل عبيد الله بن زياد

تضاربت الأخبار حول محاولة قتل عبيد الله بن زياد. فبعض الروايات تقول إن هانئ بن عروة كان مريضا منذ جاء ابن زياد إلى الكوفة ، فلما علم هانئ بزيارته طلب من مسلم بن عقيل وكان عنده ، أن يغتال ابن زياد أثناء الزيارة. وهذه الرواية مستبعدة للأسباب التي ستأتي.

وفي رواية أن أحد أصحاب هانئ طلب منه قتل ابن زياد ، أثناء مجيء ابن زياد لعيادته ، فرفض.

وفي روايات أخرى أن الّذي مرض هو شريك بن الأعور ، وكان مقيما في دار هانئ ، فطلب من مسلم قتل ابن زياد أثناء عيادته له ، وأن هانئا ترجّى مسلما أن لا يقتله في داره ، وكذلك زوجة هانئ توسّلت إليه بأن لا يقتله.

٤٧٠

ويمكن التوفيق بين هذه الروايات ، بأن عبيد الله بن زياد قد زار دار هانئ مرتين ، وذلك أن هانئ مرض أولا فعاده ، ثم مرض شريك فزاره. ولا بدّ أن ذلك حصل قبل أن تتم مكيدة (معقل) مولى ابن زياد ، وينكشف مكان مسلم.

٥٣٨ ـ علاقة شريك بهانئ بن عروة :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٣)

وكان هانئ بن عروة مواصلا لشريك بن الأعور البصري الّذي قام مع ابن زياد.وكان شريك ذا شرف بالبصرة وخطر. فانطلق هانئ إليه حتّى أتى منزله ، وأنزله مع مسلم بن عقيل في الحجرة التي كان فيها.

وكان شريك بن الأعور من كبار الشيعة بالبصرة ، فكان يحثّ هانئا على القيام بأمر مسلم.

٥٣٩ ـ مرض هانئ :(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦١)

ومرض هانئ بن عروة بعد نزول مسلم بن عقيل عنده ، فأتاه عبيد الله يعوده. فقال عمارة بن عبد السلولي لهانئ : إنما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله ، فاقتله. فقال هانئ : ما أحبّ أن يقتل في داري. وجاء ابن زياد فجلس عنده ، ثم خرج.

٥٤٠ ـ مرض شريك بن الأعور :(المصدر السابق)

فما مكث إلا جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور ، وكان قد نزل على هانئ.وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء. وكان شديد التشيّع ، قد شهد صفين مع عمار. فأرسل إليه عبيد الله : إني رائح إليك العشية. فقال لمسلم : إن هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس اخرج إليه فاقتله ، ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن برئت من وجعي ، سرت إلى البصرة حتّى أكفيك أمرها.وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء. ونهاه هانئ عن ذلك.

٥٤١ ـ هانئ يتوسّل إلى مسلم بعدم قتل ابن زياد في داره ، ومسلم يتورّع عن قتله :(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد)

هناك توسّل هانئ إلى مسلم أن لا يقتل عبيد الله أثناء عيادته لشريك. فلما كان وقت الميعاد جاء عبيد الله بن زياد ، ودخل مسلم الخباء ، وهمّ مسلم أن يخرج إليه ،

٤٧١

فوثب إليه هاني وقال له : يا سيدي ناشدتك الله لا تفعل ذلك ، ولا تحدث في منزلنا حادثة ، فإن فيه نسوة ضعافا وأطفالا صغارا فأخاف عليهم. فقال مسلم : معاذ الله أن يصاب أحد من أجلنا بمكروه ، فنكون قد تقلدّنا إثمه. وقبل قول هاني وأطاع أمره وبقي على حاله. فأبطأ ذلك على شريك ، فجعل يتمثّل بهذه الأبيات :

ما تنظرون بسلمى لا تحيّوها

حيّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها

هل شربة عذبة أسقى على ظمأ

ولو تلفت وكانت منيتي فيها

وإن تخشّيت من سلمى مراقبة

فلست تأمن يوما من دواهيها

٥٤٢ ـ زيارة ابن زياد لشريك بن الأعور في دار هانئ :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٤)

قال أبو حنيفة الدينوري : ومرض شريك بن الأعور في منزل هانئ مرضا شديدا.وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد ، فأرسل إليه يعلمه أنه يأتيه عائدا.

فقال شريك لمسلم : إنما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله منه ، وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم فادخل الخزانة ، حتّى إذا اطمأن عندي ، فاخرج إليه فقاتله. ثم صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ، فإنه لا ينازعك فيه أحد من الناس. وإن رزقني الله العافية صرت إلى البصرة ، فكفيتك أمرها ، وبايع لك أهلها.

فقال هانئ : ما أحبّ أن يقتل في داري ابن زياد.

فقال له شريك : ولم؟. فوالله إنّ قتله لقربان إلى الله.

ثم قال شريك لمسلم : لا تقصّر في ذلك.

فبينا هم على ذلك إذ قيل لهم : الأمير بالباب!. فدخل مسلم بن عقيل الخزانة.ودخل عبيد الله بن زياد على شريك ، فسلّم عليه ، وقال : ما الذي تجد وتشكو؟.فلما طال سؤاله إياه ، استبطأ شريك خروج مسلم ، وجعل يقول ويسمع مسلما :

ما تنظرون بسلمى عند فرصتها

فقد وفى ودّها واستوسق الصّرم(١)

وجعل يردد ذلك.

__________________

(١) الصّرم : الطائفة المجتمعة من القوم.

٤٧٢

فقال ابن زياد لهانئ : أيهجر؟(أي يهذي).

قال هانئ : نعم ، أصلح الله الأمير ، لم يزل هكذا منذ أصبح.

ثم قام عبيد الله وخرج. فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة ، فقال شريك : ما الذي منعك منه إلا الجبن والفشل؟!.

قال مسلم : منعني منه خلّتان : إحداهما كراهية هانئ أن يقتل في منزله ، والأخرى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن بمؤمن» (يعني : إن إيمان الرجل يمنعه عن الفتك برجل على سبيل الاحتيال والإغتيال ، ولو كان المقتول كافرا).

قال شريك : أما والله لو قتلته لاستقام لك أمرك ، واستوسق لك سلطانك.

(وفي رواية ابن الأثير) : «لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا ، كافرا غادرا».

ولم يعش شريك بعد ذلك إلا أياما ، حتّى توفي. وشيّع ابن زياد جنازته ، وتقدم فصلى عليه.

(وفي رواية ابن الأثير) : «فلما علم عبيد الله أن شريكا كان حرّض مسلما على قتله ، قال : والله لا أصلي على جنازة عراقي أبدا. ولو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا».

وكان شريك من خيار الشيعة وعبّادها ، غير أنه كان يكتم ذلك إلا عمن يثق به من إخوانه.

ترجمة شريك بن الأعور

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٩)

أبوه الحارث الأعور الهمداني ، من خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو الّذي يقول فيه :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

ولما رأى الإمامعليه‌السلام بطولات بني همدان في حروبه قال فيهم :

ولو كنت بوّابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وكان شريك شديد التشيّع ، وقد شهد صفين. وحكايته مع معاوية حين عيّره في اسمه مشهورة.

٤٧٣

(رواية أخرى) : تمارض هانئ لقتل عبيد الله بن زياد :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٤)

فقال هانئ بن عروة لمسلم : إن لي من ابن زياد مكانا ، وسوف أتمارض له ، فإذا جاء يعودني فاضرب عنقه.

قال : فقيل لابن زياد : إن هانئ بن عروة شاك يقيء الدم.

قال : وشرب المغرة فجعل يقيئها.

قال : فجاء ابن زياد يعوده. وقال لهم هانئ : إذا قلت لكم : اسقوني ، فاخرج إليه فاضرب عنقه. فقال : اسقوني ، فأبطؤوا عليه. فقال : ويحكم اسقوني ولو كان فيه ذهاب نفسي.

قال : فخرج عبيد الله بن زياد ولم يصنع الآخر شيئا. وكان مسلم من أشجع الناس ، ولكنه أخذته كبوة.

٥٤٣ ـ مكيدة بواسطة (معقل) تنطلي على مسلم بن عوسجة :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٥)

وخفي على عبيد الله بن زياد موضع مسلم بن عقيل ، فقام لمولى له من أهل الشام يسمى (معقلا) وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس ، وقال : خذ هذا المال وانطلق ، فالتمس مسلم بن عقيل ، وتأنّ له بغاية التأني.

فانطلق الرجل حتّى دخل المسجد الأعظم ، وجعل لا يدري كيف يتأنى الأمر.ثم إنه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : إن هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة ، وأحسب هذا منهم. فجلس الرجل حتّى إذا انفتل من صلاته قام ، فدنا منه وجلس ، فقال : جعلت فداك ، إني رجل من أهل الشام (من حمص) مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم الله عليّ بحبّ أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّ من أحبهم ، ومعي هذه الثلاثة آلاف درهم ، أحبّ إيصالها إلى رجل منهم.بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين ابن عليعليه‌السلام ، فهل تدلني عليه لأوصل هذا المال إليه؟. ليستعين به على بعض أموره ، ويضعه حيث أحبّ من شيعته؟.

فقال له الرجل : وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد؟.قال : لأني رأيت عليك سيما الخير ، فرجوت أن تكون ممن يتولى أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٧٤

قال له الرجل : ويحك ، قد وقعت عليّ بعينك ، أنا رجل من إخوانك ، واسمي مسلم بن عوسجة ، وقد سررت بك ، وساءني ما كان من حسّي قبلك ، فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت ، خوفا من هذا الطاغية ابن زياد ، فأعطني ذمة الله وعهده ، أن تكتم هذا عن جميع الناس. فأعطاه من ذلك ما أراد.

فقال له مسلم بن عوسجة : انصرف يومك هذا ، فإن كان غد فائتني في منزلي حتّى أنطلق معك إلى صاحبنا [يعني مسلم بن عقيل] فأوصلك إليه.

فمضى الشامي فبات ليلته. فلما أصبح غدا إلى مسلم بن عوسجة في منزله ، فانطلق به حتّى أدخله إلى مسلم بن عقيل ، فأخبره بأمره. ودفع إليه الشامي ذلك المال ، وبايعه.

فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ، فيكون نهاره كله عنده ، فيتعرف جميع أخبارهم. فإذا أمسى وأظلم عليه الليل ، دخل على عبيد الله بن زياد ، فأخبره بجميع قصصهم ، وما قالوا وفعلوا في ذلك. وأعلمه نزول مسلم في دار هانئ بن عروة.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ١ ص ٢٠٢ ط نجف :

فبقي ابن زياد متعجبا ، وقال لمعقل : انظر أن تختلف إلى مسلم [أي تزوره] في كل يوم ، ولا تنقطع عنه ، فإنك إن قطعته استرابك ، وتنّحى عن منزل هاني إلى منزل آخر ، فألقى في طلبه عناء.

٥٤٤ ـ إمساك عبد الله بن يقطر :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٣ ط نجف)

فلما دخل ابن زياد القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر ، فإذا فيه : للحسين بن عليعليهما‌السلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس معك ، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى.

فأمر ابن زياد بقتله.

٥٤٥ ـ مقتل عبد الله بن يقطر (على رواية أخرى):

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٣)

فبينا عبيد الله مع القوم إذ دخل رجل من أصحابه يقال له مالك بن يربوع التميمي ،

٤٧٥

فقال : أصلح الله الأمير ، ههنا خبر!. قال ابن زياد : ما ذاك؟. قال : كنت خارج الكوفة أجول على فرسي إذ نظرت رجلا خرج من الكوفة مسرعا يريد البادية ، فأنكرته. ثم إني لحقته وسألته عن حاله فذكر أنه من المدينة ، فنزلت عن فرسي وفتشته ، فأصبت هذا الكتاب.

فأخذه ابن زياد ، فإذا فيه مكتوب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين ابن عليعليهما‌السلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة ما ينيف على عشرين ألفا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس كلهم معك ، وليس لهم في يزيد بن معاوية هوى ولا رأي ، والسلام.

فقال ابن زياد : أين هذا الرجل الّذي أصبت معه الكتاب؟. قال : هو بالباب.قال : ائتوني به ، فأدخل. فلما وقف بين يدي ابن زياد ، قال له : من أنت؟. قال :مولى لبني هاشم. قال : ما اسمك؟. قال : عبد الله بن يقطر. قال : من دفع إليك هذا الكتاب؟. قال : امرأة لا أعرفها ، فضحك ابن زياد. قال : اختر واحدة من اثنتين : إما أن تخبرني من دفع إليك هذا الكتاب ، أو تقتل. فقال : أما الكتاب فإني لا أخبرك من دفعه إليّ ، وأما القتل فإني لا أكرهه ، لأني لا أعلم قتيلا عند الله أعظم أجرا من قتيل يقتله مثلك. فأمر ابن زياد فضرب عنقه صبرا(١) .

ترجمة عبد الله بن يقطر

أرسله الحسينعليه‌السلام برسالة إلى أهل الكوفة وهو في طريقه إلى العراق.وقد اختلف بين أن تكون وفاته وهو ذاهب بهذه الرسالة ، أو بين أن يكون قد أوصلها ثم قبض عليه وهو راجع بجوابها من أهل الكوفة.

وكان عبد الله بن يقطر صحابيا. وكان لدة الحسينعليه‌السلام [أي الّذي ولد معه في زمن واحد] لأن (يقطر) كان خادما عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فولدت عبد الله قبل ولادة الحسينعليه‌السلام بثلاثة أيام. وكانت حاضنة للحسينعليه‌السلام ، لأنه لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام ، فلذلك فهو أخو الحسينعليه‌السلام من الرضاعة. (انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة للجزري)

__________________

(١) يقال قتل صبرا : إذا قتل وهو أسير ، لا يسمح له أن يدافع عن نفسه أو يقاتل خصمه.

٤٧٦

٥٤٦ ـ استدعاء هانئ بن عروة إلى قصر الإمارة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٣ ط نجف)

وخاف هانئ من عبيد الله بن زياد على نفسه ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض. فسأل عنه ابن زياد؟ فقيل : هو مريض. فقال : لو علمت بمرضه لعدته.

ودعا محمّد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هانئ. فقال لهم : ما يمنع هانئ من إتياننا؟. فقالوا : ما ندري ، وقد قيل إنه مريض. قال : قد بلغني ذلك ، وبلغني أنه بريء ، وأنه يجلس على باب داره. فالقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

(وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٠٣) فقال : «صيروا إلى هانئ بن عروة المذحجي فسلوه أن يصير إلينا ، فإنا نريد مناظرته. فركب القوم ثم صاروا إلى هانئ فوجدوه جالسا على باب داره ، فسلّموا عليه» ، وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه مريض لعدته. فقال لهم : المرض يمنعني. فقالوا :إنه قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك. والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك ، لأنك سيد في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ركبت معنا.

٥٤٧ ـ هانئ يحسّ بالشّر الّذي يترصده :(المصدر السابق)

فدعا [هانئ] بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها. حتّى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحسّت (بالشر) ببعض الّذي كان. فقال لحسان بن أسماء ابن خارجة : يابن الأخ ، إني والله لهذا الرجل لخائف ، فما ترى؟. قال :

يا عم والله ما أتخوّف عليك شيئا (فلا تحدّثنّ نفسك بشيء من هذا) ولم تجعل على نفسك سبيلا. ولم يكن حسان يعلم مما كان شيئا ، وكان محمّد بن الأشعث عالما به.

٥٤٨ ـ دعوة هانئ إلى قصر الإمارة لقتله :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ص ٥)

فقيل لابن زياد : والله إن في البيت رجلا متسلحا. قال : فأرسل ابن زياد إلى هانئ ، فدعاه. فقال : إني شاك [أي مريض] لا أستطيع النهوض. فقال : ائتوني به

٤٧٧

وإن كان شاكيا. قال : فأخرج له دابة ، فركب ومعه عصاه ، وكان أعرج. فجعل يسير قليلا ويقف ، ويقول : مالي أذهب إلى ابن زياد؟!. فما زال ذلك دأبه حتّى دخل عليه.

فقال له عبيد الله بن زياد : يا هانئ ، أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟. قال : بلى.قال : ويدي؟. قال : بلى. فقال : يا هانئ قد كانت لكم عندي يد بيضاء ، وقد أمّنتك على نفسك ومالك. فتناول العصا التي كانت بيد هانئ فضرب بها وجهه حتّى كسرها.

٥٤٩ ـ إمساك هانئ ومعاملته بقسوة :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)

قال الذهبي : فبعث ابن زياد إلى هانئ ـ وهو شيخ ـ فقال : ما حملك على أن تجير عدوي؟. قال : يابن أخي ، جاء حقّ هو أحقّ من حقك. فوثب إليه عبيد الله بالعنزة [عصا يتوكأ عليها الشيخ] حتّى غرز رأسه بالحائط.

٥٥٠ ـ دخول هانئ على ابن زياد :(لواعج الأشجان ، ص ٤٤)

فجاء هانئ والقوم معه حتّى دخلوا على عبيد الله. فلما طلع (نظر إليهم من بعيد) قال عبيد الله لشريح القاضي ، وكان جالسا عنده :

أتتك بخائن رجلاه تسعى

يقود النفس منها للهوان

فلما دنا من ابن زياد التفت إلى شريح وأشار إلى هانئ ، وأنشد بيت عمرو بن معديكرب الزبيدي :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فقال له هانئ : وما ذاك أيها الأمير؟. قال : إيه يا هانئ ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين؟. جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى عليّ؟!. قال : ما فعلت ذلك ، وما مسلم عندي. قال : بلى قد فعلت.

فلما كثر ذلك بينهما ، وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد (معقلا) ذاك اللعين ، فقال : أتعرف هذا؟. قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا [أي جاسوسا] عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ، فسقط في يده ساعة [أي بهت وتحيّر ما يدري ما يقول] ، ثم راجعته نفسه.

٤٧٨

(وفي رواية مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٤) : «فقال : أصلح الله الأمير. ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ، ولكنه جاءني مستجيرا ، فاستحييت من ردّه ، وأخذني من ذلك ذمام». فضيّفته وآويته ، وقد كان من أمره ما قد بلغك. فإن شئت أعطيتك الآن موثقا تطمئن به ، ورهينة تكون في يدك ، حتّى أنطلق وأخرجه من داري ، فأخرج من ذمامه وجواره.

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتّى تأتيني به. قال : لا والله لا أجيئك به أبدا. أجيئك بضيفي تقتله!(أيكون هذا في العرب؟). قال ابن زياد : والله لتأتينّي به. فقال هانئ : لا والله لا آتيك به أبدا.

٥٥١ ـ ابن زياد يجدع أنف هانئ بن عروة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٥ ط نجف)

ثم قال ابن زياد : والله لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك. فقال هانئ : إذن والله لتكثر البارقة [أي السيوف] حول دارك. فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبالبارقة تخوّفني!. وهانئ يظن أن عشيرته سيمنعونه.

ثم قال : ادنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده ، حتّى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ، ونثر لحم جبينه وخده على لحيته ، حتّى كسر القضيب. وضرب هانئ بيده على قائم سيف شرطي ، وجاذبه الشرطي ومنعه من ذلك السيف.

فصاح ابن زياد : خذوه. فأخذوه وألقوه في بيت من بيوت القصر ، وأغلقوا عليه الباب. فقال : اجعلوا عليه حرسا ، ففعل ذلك به.

ثم وثب أسماء بن خارجة ، فقال له : أيها الأمير ، أرسل غدر سائر اليوم ، أمرتنا أن نجيئك بالرجل ، حتّى إذا جئناك به هشّمت أنفه ووجهه ، وسيّلت دماءه على لحيته ، وزعمت أنك تقتله!. فقال له عبيد الله : وإنك لههنا

(وأنت ههنا أيضا)؟. فأمر به فضرب وأجلس ناحية. فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا هانئ.

٥٥٢ ـ تداعي مذحج لتخليص هانئ ، وخدعة شريح القاضي :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٥)

قال : وبلغ ذلك بني مذحج ، فركبوا بأجمعهم وعليهم عمرو بن الحجاج الزبيدي

٤٧٩

(وكانت رويحة بنت عمرو زوجة هانئ) فوقفوا بباب القصر. ونادى عمرو : يا عبيد الله (أنا عمرو بن الحجاج) وهذه فرسان مذحج (ووجوهها) ، لم تخلع طاعة ولم تفرّق جماعة ، فلم تقتل صاحبنا؟!.

فقال ابن زياد لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ، ثم اخرج إليهم فأعلمهم أنه (حي) لم يقتل. قال شريح : فدخلت عليه ، فقال هاني : ويحك (يا لله يا للمسلمين) أهلكت عشيرتي!. أين أهل الدين فلينقذوني من يد عدوهم وابن عدوهم؟. ثم قال والدماء تسيل من لحيته : يا شريح هذه أصوات عشيرتي ، أدخل منهم عشرة ينقذوني.

قال شريح : فلما خرجت تبعني حمران بن بكير ، وقد بعثه ابن زياد عينا عليّ ، فلو لا مكانه لكنت أبلّغ أصحابه ما قال.

ثم خرج شريح فقال : يا هؤلاء لا تعجلوا بالفتنة ، فإن صاحبكم لم يقتل.

(فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : أما إذا لم يقتل فالحمد لله). ثم انصرف القوم.

تعليق : يقول العلامة السيد محسن الأمينرحمه‌الله في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ١٦٩: وهكذا يتمكن الظالم من ظلمه ، بأمثال محمّد بن الأشعث من أعوان الظلمة ، وأمثال شريح من قضاة السوء ، المظهرين للدين ، المصانعين الظلمة ، اللابسين جلود الأكباش ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، وبأمثال (مذحج) الذين اغتروا بكلام شريح ، وانصرفوا ولم يأخذوا بالحزم.

٥٥٣ ـ خطبة ابن زياد في مسجد الكوفة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)

(ولما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه ، خاف أن يثب به الناس). فخرج حتّى دخل المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، فنظر إلى أصحابه عن يمين المنبر وشماله ، في أيديهم الأعمدة والسيوف المسللة. (فخطب خطبة موجزة) فقال : أما بعد ، يا أهل الكوفة ، فاعتصموا بطاعة الله ، وطاعة رسول الله ، وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا وتفرقوا ، فتهلكوا وتندموا وتذلوا وتقهروا وتحرموا ، ولا يجعلن أحد على نفسه سبيلا. وقد أعذر من أنذر.

فما أتمّ الخطبة حتّى سمع الصيحة!. فقال : ما هذا؟. فقيل له : أيها الأمير

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551