المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات14%

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
ISBN: 978-964-8629-59-0
الصفحات: 551

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234184 / تحميل: 5615
الحجم الحجم الحجم
المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٦٢٩-٥٩-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

من الأحذية وغيرها.

( مسألة ٦٤٤ ) : ما يستورد من البلاد غير الاسلامية وسائر ما يؤخذ من يد الكافر من لحم وشحم وجلد يجوز بيعه اذا احتمل كونه مأخوذاً من الحيوان المذكى مع اعلام المشتري بالحال ـ كما سبق ـ ولكن لا يجوز الأكل منه ما لم يحرز تذكيته ولو من جهة العلم بكونه مسبوقاً باحدى الأمارات الثلاث المتقدمة ، ولا يجدي في الحكم بتذكيته اخبار ذي اليد الكافر بكونه مذكى ، وهكذا الحال فيما يؤخذ من يد المسلم إذا علم انه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته.

( مسألة ٦٤٥ ) : بيع المال المغصوب باطل ، ويجب على البائع ردّ ما أخذه من الثمن الى المشتري.

( مسألة ٦٤٦ ) : إذا لم يكن من قصد المشتري إعطاء الثمن للبائع ، أو قصد عدمه لم يبطل البيع إذا كان قاصداً للمعاملة جداً ، ويلزمه اعطاؤه بعد الشراء ، وكذلك إذا قصد أن يعطي الثمن الكلي من الحرام.

( مسألة ٦٤٧ ) : يحرم بيع آلات اللهو المحرم مثل العود والطنبور والمزمار والأحوط لزوماً الاجتناب عن بيع المزامير التي تصنع للعب الأَطفال ، وأما الآلات المشتركة التي تستعمل في الحرام تارة وفي الحلال أُخرى ولا تناسب صورتها الصناعية التي بها قوام ماليتها عند العرف ان تستخدم في الحرام خاصة كالراديو والمسجل والفيديو والتلفزيون فلا بأس ببيعها وشرائها كما لا بأس باقتنائها واستعمالها في منافعها المحللّة ، نعم لا يجوز اقتناؤها لمن لا يأمن من انجرار نفسه أو بعض أهله الى استخدامها في الحرام.

( مسألة ٦٤٨ ) : يحرم بيع العنب والتمر إذا قصد ببيعهما صنع

٢٨١

المسكر ، ولا بأس به مع عدم القصد وان علم البائع ان المشتري يصرفهما فيه.

( مسألة ٦٤٩ ) : يحرم ـ على الأحوط ـ تصوير ذوات الأرواح من انسان وغيره ان كان مجسماً كالتماثيل المعمولة من الحجر والشمع والفلزات ، وأما غير المجسم فلا بأس به ، كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة وبيعها وشرائها وان كان يكره ذلك.

( مسألة ٦٥٠ ) : لا يصح شراء المأخوذ بالقمار ، أو السرقة ، أو المعاملات الباطلة ، وان تسلّمه المشتري وجب عليه ان يردّه الى مالكه.

( مسألة ٦٥١ ) : لا يصح بيع أوراق اليانصيب وشراؤها ، كما لا يجوز إعطاء المال عند أخذها بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة ، وأما إذا كان الاعطاء مجاناً فلا بأس به ، كما إذا كان بقصد الاعانة على مشروع خيري ، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، وعلى كل تقدير لا يجوز التصرف في المال المعطى لِمَن اصابت القرعة باسمه من دون اذن الحاكم الشرعي اذا كان المتصدي لها شركة حكومية في الدول الاسلامية ، وأما اذا كان شركة اهلية فلا بأس بالتصرف في المال المُعطى ما لم يعلم باشتماله على الحرام.

( مسألة ٦٥٢ ) : الغش وان حرم لا تفسد المعاملة به ، لكن يثبت الخيار للمغشوش بعد الاطلاع ، إلاّ في إظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المطلي بماء الذهب أو الفضة على أنه منهما ، فانه يبطل فيه البيع ويحرم الثمن على البائع ، هذا اذا وقعت المعاملة على شخص ما فيه الغش. وأما إذا وقعت على الكلي في الذمة وحصل الغش في مرحلة الوفاء فللمغشوش ان يطلب تبديله بفرد آخر لا غش فيه.

( مسألة ٦٥٣ ) : يحرم بيع المكيل والموزون بأكثر منه كأن يبيع كيلوغرام من الحنطة بكيلو غرامين منها ، ويعم هذا الحكم ما إذا كان أحد

٢٨٢

العوضين صحيحاً والآخر معيباً ، أو كان احدهما جيداً والآخر رديئاً ، أو كانت قيمتهما مختلفة لأمر آخر ، فلو أعطى الذهب المصوغ وأخذ اكثر منه من غير المصوغ فهو رباً وحرام.

( مسألة ٦٥٤ ) : لا يعتبر في الزيادة أن يكون الزائد من جنس العوضين ، فإذا باع كيلو غرام من الحنطة بكيلو غرام منها ودرهم فهو أيضاً رباً وحرام ، بل لو كان الزائد من الأعمال ـ كأن شرط أحد المتبايعين على الآخر أن يعمل له عملاً ـ فهو أيضاً رباً وحرام ، وكذلك إذا كانت الزيادة حكمية كأن باع كيلو غرام من الحنطة نقداً بكيلو غرام منها نسيئة.

( مسألة ٦٥٥ ) : لا بأس بالزيادة في أحد الطرفين إذا أضيف الى الآخر شيء كأن يبيع كيلوغرام من الحنطة مع منديل بكيلو غرامين من الحنطة ؛ بشرط ان تكون المعاملة نقديه ويقصد المتبايعان كون المنديل بازاء المقدار الزائد من الحنطة وكذلك لا بأس بالزيادة إذا كانت الإضافة في الطرفين كأن باع كيلو غرام من الحنطة مع منديل بكيلو غرامين ومنديل وتصح المعاملة نقداً ونسيئة إذا قصدا كون المنديل في كل طرف بازاء الحنطة في الطرف الآخر ، وكذا تصح نقداً إذا قصدا كون المنديل في طرف الناقص بازاء المنديل والكيلو غرام الزائد من الحنطة في الطرف الآخر.

( مسألة ٦٥٦ ) : يجوز في ما يباع بالمساحة أو العد ، كالأقمشة والكتب بيعه بأكثر منه نقداً ونسيئة مع اختلافهما جنساً ، وأما مع الاتحاد في الجنس فالأحوط لزوماً ترك بيعه بالأكثر كأن يبيع متراً من الحرير بمترين منه الى شهر واحد.

( مسألة ٦٥٧ ) : الأوراق النقدية بما أنها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، فيجوز بيع خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية مطلقاً ، وأما مع الاتحاد في الجنس فيجوز

٢٨٣

التفاضل في البيع بها نقداً وأما نسيئة فالأحوط لزوماً تركه ، ولا بأس بتنزيل الصكوك نقداً بمعنى ان المبلغ المذكور فيها إذا كان الشخص مديناً به واقعاً جاز خصمها في المصارف وغيرها بأن يبيعه الدائن بأقل منه حالاً ويكون الثمن نقداً.

( مسألة ٦٥٨ ) : ما يباع في غالب البلدان بالكيل أو الوزن يجوز بيعه نقداً بأكثر منه في البلد الذي يباع فيه بالعد ، وما يختلف حاله في البلاد من غير غلبة فحكمه في كل بلد يتبع ما تعارف فيه ، فلا يجوز بيعه بالزيادة في بلد يباع فيه بالكيل والوزن ، ويجوز نقداً فيما يباع فيه بالعدّ ، واما إذا اختلف حاله في بلد واحد فالأحوط وجوباً عدم بيعه فيه بالتفاضل.

( مسألة ٦٥٩ ) : إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون ولم يكونا من جنس واحد جاز أخذ الزيادة ان كانت المعاملة نقدية ، وأما في النسيئة فالأحوط لزوماً تركه كأن يبيع كيلو غرام من الأُرز بكيلو غرامين من الحنطة الى شهر واحد.

( مسألة ٦٦٠ ) : المشهور بين الفقهاء (رض) انه لا يجوز التفاضل بين العوضين المأخوذين من أصل واحد ، فلا يجوز بيع كيلو غرام من الزُبد بكيلو غرامين من الجبن ، ولكن إطلاق هذا الحكم مبني على الاحتياط اللزومي ، ولا يجوز التفاضل في بيع الرطب من فاكهة بالجاف منها.

( مسألة ٦٦١ ) : تعتبر الحنطة والشعير من جنس واحد في باب الربا ، فلا يجوز بيع كيلو غرام من أحدهما بكيلو غرامين من الآخر ، وكذا لا يجوز بيع كيلو غرام من الشعير نقداً بكيلو غرام من الحنطة نسيئة.

( مسألة ٦٦٢ ) : لا ربا بين الوالد والولد ولا بين الرجل وزوجته فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر ، وكذا لا ربا بين المسلم والكافر غير الذمي اذا أخذ المسلم الزيادة.

٢٨٤

( شروط المتبايعين )

( مسألة ٦٦٣ ) : يشترط في المتبايعين ستة أمور :

(١) البلوغ.

(٢) العقل.

(٣) الرشد.

(٤) القصد.

(٥) الاختيار.

(٦) ملك العقد ، فلا تصح معاملة الصبي والمجنون والسفيه والهازل والمكره والفضولي ، على تفصيل في بعض ذلك يأتي في المسائل الآتية.

( مسألة ٦٦٤ ) : لا يجوز استقلال غير البالغ في المعاملة على أمواله وإن أذن له الولي ، الا في الأشياء اليسيرة التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها فانه تصح معاملته فيها ، وإذا كانت المعاملة من الولي وكان المميز وكيلاً عنه في مجرد إنشاء الصيغة جازت ، وكذا تجوز معاملته بمال الغير بأذنه وان لم يكن بأذن الولي كما لا مانع من وساطة الصبي في إيصال الثمن أو المبيع الى البائع أو المشتري.

( مسألة ٦٦٥ ) : إذا اشترى من غير البالغ شيئاً من أمواله ـ في غير المورد الذي تصح معاملته فيه ـ وجب رد ما اشتراه الى وليه ، ولا يجوز رده الى الطفل نفسه ، وإذا اشترى منه مالاً لغيره من دون اجازة المالك وجب رده اليه أو استرضاؤه فان لم يتمكن من معرفة المالك تصدق بالمال عنه ، والأحوط وجوباً أن يكون ذلك باذن الحاكم الشرعي.

٢٨٥

( مسألة ٦٦٦) : لو اكره أحد المتعاملين على المعاملة ، ثم رضي بها صحت ، ولا حاجة إلى إعادة الصيغة.

( مسألة ٦٦٧ ) : اذا باع مال الغير فضولاً اي من دون إذنه ، ثم اجازه بعد ذلك صح من حين العقد.

(مسألة ٦٦٨ ) : يجوز لكل من الأب والجد من طرف الأب ان يبيع مال غير البالغ ومن بلغ مجنوناً أو سفيهاً او يشتري باموالهم اذا لم يكن فيه مفسدة لهم ، ويجوز ذلك أيضاً لوصيّ الأب والجد ولكن عليه ان يراعي مصلحتهم ولا يكفي عدم المفسدة ، ومع فقد الجميع يجوز للمجتهد العادل ووكيله في ذلك ـ وللعدل من المؤمنين عند عدم التمكن من الوصول إليهما ـ ان يبيع اموال هؤلاء ومال الغائب او يشتري باموالهم اذا اقتضت مصلحتهم ذلك ، وان كان الأحوط استحباباً الاقتصار على ما اذا كان في تركه الضرر والفساد.

( مسألة ٦٦٩ ) : إذا بيع المال المغصوب ، ثم أجازه المالك صح ، وكان المال ومنافعه من حين المعاملة للمشتري والعوض ومنافعه للمالك الأصيل ، ولا فرق في ذلك بين أن يبيعه الغاصب لنفسه أو للمالك.

٢٨٦

( شرائط العوضين )

( مسألة ٦٧٠ ) : يشترط في العوضين خمسة أمور :

(١) العلم بمقدار كل منهما بما يتعارف تقديره به عند البيع من الوزن أو الكيل أو العدّ أو المساحة.

(٢) القدرة على إقباضه ، وإلاّ بطل البيع ـ إلاّ ان يضم إليه ما يتمكن من تسليمه ـ ويكفي تمكن من انتقل اليه العوض من الاستيلاء عليه ، فإذا باع الدابة الشاردة وكان المشتري قادراً على أخذها صح البيع.

(٣) معرفة جنسه وخصوصياته التي تختلف بها القيم.

(٤) ان لا يتعلق به لأحد حق يقتضي بقاء متعلقه في ملكية مالكه ، والضابط فوت الحق بانتقاله الى غيره ، وذلك كحق الرهانة ، فلا يصح بيع العين المرهونة الا بموافقة المرتهن أو مع فك الرهن.

(٥) ان يكون المبيع من الأعيان وان كانت في الذمة ، فلا تصح بيع المنافع ، فلو باع منفعة الدار سنة لم يصح ، نعم لا بأس بجعل المنفعة ثمناً.

( مسألة ٦٧١ ) : ما يباع في بلد بالوزن أو الكيل لا يصح بيعه في ذلك البلد الا بالوزن أو الكيل ، ويجوز بيعه بالمشاهدة في البلد الذي يباع فيه بالمشاهدة.

( مسألة ٦٧٢ ) : ما يباع بالوزن يجوز بيعه بالكيل ، إذا كان الكيل طريقاً الى الوزن ، وذلك كأن يجعل مكيال يحوي كيلو غرام من الحنطة ، فتباع الحنطة بذلك المكيال.

( مسألة ٦٧٣ ) : إذا بطلت المعاملة لفقدانها شيئاً من الشروط المتقدمة ـ

٢٨٧

عدا الشرط الرابع ـ ومع ذلك رضي كل من المتبايعين بتصرف الآخر في ماله من العوضين جاز له التصرف فيه.

( مسألة ٦٧٤ ) : يجوز بيع الوقف إذا خرب بحيث سقط عن الانتفاع به في جهة الوقف ، أو صار ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم وذلك كالحصير الموقوف على المسجد إذا خلق وتمزق بحيث لا يمكن الانتفاع به منفعة معتد بها فانه يجوز عندئذ بيعه للمتولي ومن بحكمه ، ومثل ذلك ما اذا طرأ على الوقف ما يستوجب ان يؤدي بقاؤه الى الخراب المسقط للمنفعة المعتد بها ولكن اللازم حينئذ تأخير البيع الى آخر أزمنة امكان الانتفاع به. والأحوط لزوماً في كل ذلك ان يشترى بثمن الوقف ملك ويوقف على نهج الوقف الأوّل ، بل الأحوط لزوماً ان يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأوّل مع الامكان.

( مسألة ٦٧٥ ) : لو وقع الخلاف بين الموقوف عليهم على وجه يظن بتلف المال أو النفس إذا بقي الوقف على حاله ، ففي جواز بيعه وصرفه فيما هو أقرب الى مقصود الواقف إشكال فلا يترك مراعاة مقتضي الاحتياط فيه.

( مسألة ٦٧٦ ) : لو شرط الواقف بيع الوقف إذا اقتضت المصلحة كقلة المنفعة أو وقوع الخلاف بين الموقوف عليهم ونحو ذلك جاز بيعه.

( مسألة ٦٧٧ ) : يجوز بيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره ، وإذا كان البيع لغير المستأجر لم يكن له انتزاع العين من المستأجر ، ولكن يثبت له الخيار إذا كان جاهلاً بالحال ، وكذا الحال لو علم بالايجار لكنه اعتقد قصر مدته فظهر خلافه.

٢٨٨

( عقد البيع )

( مسألة ٦٧٨ ) : لا تشترط العربية في صيغة البيع ، بل يجوز إنشاؤه بأية لغة كانت ، بل يصح بالأخذ والإعطاء بقصده من دون صيغة أصلاً.

( بيع الثمار )

( مسألة ٦٧٩ ) : يصح بيع الفواكه والثمار قبل الاقتطاف من الاشجار إذا استبان حالها وأنّ بها آفة أم لا بحيث أمكن تعيين مقدارها بالخرص ، ويجوز بيعها بعد ظهورها وان كان قبل ان يستبين حالها في الصور التالية :

١ ـ ان يكون المبيع ثمر عامين فما زاد.

٢ ـ أن يكون المبيع نفس ما هو خارج منها فعلاً ـ بشرط ان تكون له مالية معتد بها ـ وان لم يشترط على المشتري ان يقتطفها في الحال.

٣ ـ ان يضم اليها بعض نباتات الأرض أو غيره ، والأحوط وجوباً في الضميمة ان تكون بحيث يتحفظ معها على رأس مال المشتري إن لم تخرج الثمرة ، وأما في غير هذه الصور الثلاث فجواز البيع محل اشكال : فلايترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.

واما بيعها قبل ظهورها فلا يجوز إذا كان لعامٍ واحد وبغير ضميمة ، ولا بأس به إذا كان مع الضميمة أو لعامين فما زاد.

( مسألة ٦٨٠ ) : يجوز بيع التمر على النخل ، ويلزم ان لا يجعل عوضه تمراً من ذلك النخل أو غيره ، الا أن يكون لشخص نخلة في دار شخص

٢٨٩

آخر يشق دخوله اليها ، فانه يجوز تخمين مقدار تمرها وبيعه من صاحب الدار بذلك المقدار من التمر ، ولا يجوز بيع ثمر غير النخل بثمره أيضاً ويجوز بيعه بثمر غيره.

( مسألة ٦٨١ ) : يجوز بيع الخيار والباذنجان ونحوهما من الخضروات التي تلتقط وتجّز كل سنة مرات عديدة فيما لو ظهرت وعيّن عدد اللقطات في اثناء السنة ، ولا يجوز بيعها قبل ظهورها على الأحوط وجوباً.

( مسألة ٦٨٢ ) : لا يجوز بيع سنبل الحنطة بالحنطة ولو من غيره ، كما لا يجوز بيع سنبل غير الحنطة من الحبوب بحبّ منه ، والأحوط استحباباً عدم بيع سنبل الشعير بالشعير من غيره.

٢٩٠

( النقد والنسيئة )

( مسألة ٦٨٣ ) : يجوز لكل من المتبايعين في المعاملة النقدية مطالبة الآخر تسليم عوض ماله بعد المعاملة في الحال ، والتسليم الواجب في المنقول وغيره هو التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يتمكن من التصرف فيه ، ويختلف صدقها بحسب اختلاف الموارد والمقامات.

( مسألة ٦٨٤ ) : يعتبر في النسيئة ضبط الأجل بحيث لا يتطرق إليه احتمال الزيادة والنقصان ، فلو جعل الأجل وقت الحصاد مثلاً لم يصح.

( مسألة ٦٨٥ ) : لا يجوز مطالبة الثمن من المشتري في النسيئة قبل الأجل ، نعم لو مات وترك مالاً فللبايع مطالبته من ورثته قبل الأجل.

( مسألة ٦٨٦ ) : لا يجوز مطالبة الثمن من المشتري في النسيئة بعد انقضاء الأجل ، ولو لم يتمكن المشتري من أدائه فللبائع إمهاله أو فسخ البيع وارجاع شخص المبيع إذا كان موجوداً ، وان كان تالفاً استقر في ذمة المشتري بدله من المثل أو القيمة.

( مسألة ٦٨٧ ) : اذا عيّن عند المقاولة لبضاعته ثمناً نقداً وآخر مؤجلاً بأزيد منه فابتاعها المشتري باحدهما المعين صحّ ، وأما لو باعها بثمن نقداً وبأكثر منه مؤجلاً بايجاب واحد ـ بأن قال مثلاً بعتك هذا الكتاب بعشرة نقداً وبعشرين مؤجلاً الى شهر ـ وقبل المشتري فيحتمل صحة البيع بأقلّ الثمنين مؤجلاً ولكن المشهور بين الفقهاء (رض) بطلانه فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.

( مسألة ٦٨٨ ) : إذا باع شيئاً نسيئة وبعد مضي مدة من الأجل تراضيا على تنقيص مقدار من الثمن وأخذه نقداً فلا بأس به.

٢٩١

( بيع السلف )

( مسألة ٦٨٩ ) : بيع السلف هو ( ابتياع كلي مؤجل بثمن حال ) عكس النسيئة ، فلو قال المشتري للبائع : ( اعطيك هذا الثمن على ان تسلمني المتاع بعد ستة اشهر ) وقال البائع : ( قبلت ) ، أو ان البائع قبض الثمن من المشتري وقال : ( بعتك متاع كذا ، على ان اسلمه لك بعد ستة أشهر ) فهذه المعاملة صحيحة.

( مسألة ٦٩٠ ) : لا يجوز بيع الذهب أو الفضة سلفاً بالذهب أو الفضة ويجوز بغيرهما ، كما يجوز بيع غير الذهب والفضة سلفاً بالذهب أو الفضة أو بمتاع آخر ـ على تفصيل يأتي في الأمر السابع من شرائط بيع السلف ـ والأحوط الأولى ان يجعل بدل المبيع في السلف من النقود.

( شرائط بيع السلف )

( مسألة ٦٩١ ) : يعتبر في بيع السلف سبعة أمور :

(١) أن يكون المبيع مضبوطاً من حيث الصفات الموجبة لاختلاف القيمة ولا يلزم الإستقصاء والتدقيق ، بل يكفي الضبط عرفاً ، ولا يصح فيما لا يمكن ضبط اوصافه مما لا ترتفع الجهالة فيه إلاّ بالمشاهدة.

(٢) قبض تمام الثمن قبل افتراق المتبايعين ، ولو كان البائع مديوناً للمشتري بمقدار الثمن وكان الدين حالاً أو حلّ قبل افتراقهما وجعل ذلك ثمناً كفى ، ولو قبض البائع بعض الثمن صح البيع بالنسبة الى المقدار

٢٩٢

المقبوض فقط ، وثبت الخيار له في فسخ أصل البيع.

(٣) تعيين زمان تسليم المبيع مضبوطاً ، فلا يصح جعله وقت الحصاد مثلاً.

(٤) ان يتمكن البائع من تسليم المبيع عند حلول الأجل سواء كان نادر الوجود أم لا.

(٥) تعيين مكان تسليم المبيع مضبوطاً على الأحوط لزوماً ، إذا لم يكن تعيّن عندهما ولو لانصراف ونحوه.

(٦) تعيين وزن المبيع أو كيله أو عدده ، والمتاع الذي يباع بالمشاهدة يجوز بيعه سلفاً ، ولكن يلزم أن يكون التفاوت بين أفراده غير معتنى به عند العقلاء كبعض أقسام الجوز والبيض.

(٧) أن لا يلزم منه الربا ، فاذا كان المبيع سلفاً من المكيل أو الموزون لم يجز ان يجعل ثمنه من جنسه ، بل ولا من غير جنسه من المكيل والموزون على الأحوط لزوما ، وإذا كان من المعدود فالأحوط وجوباً ان لا يجعل ثمنه من جنسه بزيادة عينية.

( من أحكام بيع السلف )

( مسألة ٦٩٢ ) : لا يجوز بيع ما اشتراه سلفاً من غير البائع قبل انقضاء الأجل ، ويجوز بعد انقضائه ولو لم يقبضه ، نعم لا يجوز بيع الحنطة والشعير وغيرهما مما يباع بالكيل أو الوزن ـ عدا الثمار ـ قبل القبض الا ان يبيعه بمقدار ثمنه الذي اشتراه به أو بوضيعة منه.

( مسألة ٦٩٣ ) : لو سلم البائع المبيع على طبق ما قرر بينه وبين المشتري في بيع السلف بعد حلول الأجل وجب على المشتري قبوله ،

٢٩٣

ومنه ما إذا كان واجداً لصفة لم يشترط وجودها أو انتفاؤها فيه.

( مسألة ٦٩٤ ) : إذا سلّمه المبيع قبل الأجل ، أو فاقداً للصفة التي اشترطها لم يجب القبول ، وكذا إذا اعطاه زائداً على المقدار المقرر بينهما.

( مسألة ٦٩٥ ) : إذا قبل المشتري تسلم المبيع قبل حلول الأجل ، أو رضي بما دفعه اليه البائع وان لم يطابق المقرر بينهما ـ كماً أو كيفاً ـ جاز ذلك.

( مسألة ٦٩٦ ) : إذا لم يوجد المبيع سلفاً في الزمان الذي يجب تسليمه فيه فللمشتري أن يصبر الى أن يتمكن منه ، أو يفسخ البيع ويسترجع العوض أو بدله وكذا اذا دَفَعَ البعض وعجز عن الباقي ، ولا يجوز له أن يبيعه من البائع أكثر مما اشتراه به على الأحوط لزوماً.

( مسألة ٦٩٧ ) : إذا باع متاعاً في الذمة مؤجلا الى مدة بثمن مؤجل بطل البيع.

٢٩٤

( بيع الذهب والفضة )

( مسألة ٦٩٨ ) : لا يجوز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع الزيادة ، سواء في ذلك المسكوك وغيره.

( مسألة ٦٩٩ ) : لا بأس ببيع الذهب بالفضة وبالعكس نقداً ، ولا يعتبر تساويهما في الوزن ، وأما بيع أحدهما بالآخر نسيئة فلا يجوز مطلقاً.

( مسألة ٧٠٠ ) : يشترط في بيع الذهب أو الفضة بالذهب أو الفضة تقابض العوضين قبل الافتراق وإلاّ بطل البيع ، ولو قبض البائع تمام الثمن وقبض المشتري بعض المبيع أو بالعكس وافترقا صح البيع بالنسبة الى ذلك البعض ويبطل البيع بالنسبة الى الباقي ، ويثبت الخيار في أصل البيع لمن لم يتسلم التمام.

( مسألة ٧٠١ ) : لا يجوز أن يشتري من الصائغ أو غيره خاتماً أو غيره من المصوغات الذهبية أو الفضية بجنسِهِ مع زيادة بملاحظة اُجرة الصياغة ، بل إما ان يشتريه بغير جنسه أو باقل من مقداره من جنسه مع الضميمة على ما تقدم في كيفية التخلص من الربا.

( مسألة ٧٠٢ ) : اذا كان له دراهم في ذمة غيره فقال له حوِّلها دنانير في ذمتك فقبل المديون صحّ ذلك وتحوَّل ما في الذمة الى دنانير ، وهكذا الحكم في غيرهما من العملات النقدية اذا كانت في الذمة فيجوز تحويلها من جنس إلى آخر بلا قبض.

٢٩٥

( الخيارات )

( مسألة ٧٠٣ ) : الخيار هو « ملك فسخ العقد » وللمتبايعين الخيار في أحد عشر مورداً :

(١) قبل ان يتفرق المتعاقدان ، فلكل منهما فسخ البيع قبل التفرق ، ولو فارقا مجلس البيع مصطحبين بقي الخيار لهما حتى يفترقا ، ويسمى هذا الخيار ب‍ ( خيار المجلس ).

(٢) ان يكون أحد المتبايعين مغبوناً ـ بان يكون ما انتقل اليه اقل قيمة مما انتقل عنه بمقدار لا يتسامح به عند غالب الناس ـ فللمغبون حق الفسخ بشرط وجود الفرق حين الفسخ أيضاً وأمّا مع زوال الفرق الى ذلك الحين فثبوت الخيار لهُ محل إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، وهذا الخيار يسمى ب‍ ( خيار الغبن ) ويجري في غير البيع من المعاملات التي لا تبتني على اغتفار الزيادة والنقيصة كالاجارة وغيرها ، وثبوته انما هو بمناط الشرط الارتكازي في العرف العام ، فلو فرض مثلاً كون المرتكز في عرف خاص ـ في بعض أنحاء المعاملات أو مطلقاً ـ هو اشتراط حق استرداد ما يساوي مقدار الزيادة وعلى تقدير عدمه ثبوت الخيار يكون هذا المرتكز الخاص هو المتبع في مورده ، ويجري نظير هذا الكلام في كل خيار مبناه على الشرط الارتكازي.

(٣) اشتراط الخيار في المعاملة للطرفين أو لأحدهما أو لأجنبي الى مدة معينة ، ويسمّى ب‍ ( خيار الشرط ).

(٤) تدليس أحد الطرفين باراءة ماله أحسن مما هو في الواقع ليرغب فيه الطرف الآخر أو يزيد رغبة فيه ، فانه يثبت الخيار حينئذٍ للطرف الآخر ،

٢٩٦

ويسمى ب‍ ( خيار التدليس ).

(٥) ان يلتزم أحد الطرفين في المعاملة ، بأن يأتي بعمل أو بأن يكون ما يدفعه ـ إن كان شخصياً ـ على صفة مخصوصة ، ولا يأتي بذلك العمل أو لا يكون ما دفعه بتلك الصفة ، فللآخر حق الفسخ ويسمى ب‍ ( خيار تخلف الشرط ).

(٦) أن يكون أحد العوضين معيباً ، فيثبت الخيار لمن انتقل اليه المعيب ، ويسمى ب‍ ( خيار العيب ).

(٧) أن يظهر ان بعض المتاع لغير البائع ، ولا يجيز مالكه بيعه ، فللمشتري حينئذٍ فسخ البيع ، ويسمى هذا ب‍ ( خيار تبعض الصفقة ).

(٨) أن يعتقد المشتري وجدان العين الشخصية الغائبة حين البيع لبعض الصفات ـ إما لإخبار البائع ، أو اعتماداً على رؤية سابقة ـ ثم ينكشف أنها غير واجدة لها ، فللمشتري الفسخ ويسمى هذا ب‍ ( خيار الرؤية ).

(٩) أن يؤخر المشتري الثمن ولا يسلمه الى ثلاثة أيام ، ولا يسلم البائع المتاع الى المشتري ، فللبائع حينئذٍ فسخ البيع ، هذا إذا أمهله البايع في تأخير تسليم الثمن من غير تعيين مدة الإمهال صريحاً أو ضمناً بمقتضى العرف والعادة ، والا فان لم يمهله اصلاً فله حق فسخ العقد بمجرد تأخير المشتري في تسليم الثمن ، وان أمهله مدة معينة أو اشترط المشتري عليه ذلك ـ في ضمن العقد ـ لم يكن له الفسخ خلالها سواء كانت أقل من ثلاثة أيام أو أزيد ويجوز له بعدها.

ومن هنا يعلم أن في المبيع الشخصي إذا كان مما يتسرّع اليه الفساد ـ كبعض الفواكه ـ فالامهال فيه محدود طبعاً باقل من ثلاثة أيام من الزمان الذي لا يتعرض خلاله للفساد فيثبت للبائع الخيار بمضي زمانه ، ويسمى هذا ب‍ ( خيار التأخير ).

(١٠) إذا كان المبيع حيواناً ، فللمشتري فسخ البيع الى ثلاثة أيام ،

٢٩٧

وكذلك الحكم إذا كان الثمن حيواناً ، فللبائع حينئذٍ الخيار الى ثلاثة أيام ، ويسمى هذا ب‍ ( خيار الحيوان ).

(١١) أن لا يتمكن البائع من تسليم المبيع ، كما إذا شرد الفرس الذي باعه ، فللمشتري فسخ المعاملة ويسمى هذا ب‍ ( خيار تعذر التسليم ).

( مسألة ٧٠٤ ) : اذا لم يتمكن البايع من تسليم المبيع لتلفه بآفة سماوية او ارضية فلا خيار للمشتري بل البيع باطل من أصله ويرجع الثمن إلى المشتري ـ ومثله ما إذا تلف الثمن قبل تسليمه الى البايع فانه ينفسخ البيع ويرجع المبيع الى البايع ـ وفي حكم التلف تعذر الوصول اليه عادة كما لو انفلت الطائر الوحشي أو وقع السمك في البحر أو سرق المال الذي لا علامة له ونحو ذلك.

( مسألة ٧٠٥ ) : لا بأس بما يسمى ب‍ ( بيع الشرط ) ، وهو بيع الدار ـ مثلاً ـ التي قيمتها الف دينار بمائتي دينار ، مع اشتراط الخيار للبائع لو أرجع مثل الثمن في الوقت المقرر الى المشتري ، هذا إذا كان المتبائعان قاصدين للبيع والشراء حقيقة ، والا لم يتحقق البيع بينهما.

( مسألة ٧٠٦ ) : يصح بيع الشرط وان علم البائع برجوع المبيع اليه ، حتى لو لم يسلِّم الثمن في وقته الى المشتري ، لعلمه بان المشتري يسمح له في ذلك ، نعم إذا لم يسلِّم الثمن في وقته ليس له بعد ذلك أن يطالب المبيع من المشتري ، أو من ورثته على تقدير موته.

( مسألة ٧٠٧ ) : لو اطلع المشتري على عيب في المبيع الشخصي ، كأن اشترى حيواناً فتبين انه كان أعمى ، فله الفسخ إذا كان العيب ثابتاً قبل البيع ، ولو لم يتمكن من الارجاع لحدوث تغيير فيه أو تصرف فيه بما يمنع من الرد ، فله ان يسترجع من الثمن بنسبة التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ، مثلاً : المتاع المعيب المشترى بأربعة دنانير إذا كانت قيمته سالماً ثمانية دنانير ، وقيمة معيبه ستة دنانير ، فالمسترجع من الثمن ربعه ، وهو

٢٩٨

نسبة التفاوت بين الستة والثمانية.

واذا كان المبيع كلياً فاطلع المشتري على عيب في الفرد المدفوع له منه لم يكن له فسخ البيع أو المطالبة بالتفاوت بل له المطالبة بفرد آخر من المبيع.

( مسألة ٧٠٨ ) : لو اطلع البائع بعد البيع على عيب في الثمن الشخصي سابق على البيع فله الفسخ ، وارجاعه الى المشتري ، ولو لم يجز له الرد للتغير أو التصرف فيه المانع من الرد فله ان يأخذ من المشتري التفاوت من قيمة السالم من العوض ومعيبه ( بالبيان المتقدم في المسألة السابقة ).

واذا كان الثمن كلياً ـ كما هو المتعارف في المعاملات ـ فاطلع البائع على عيب في الفرد المدفوع منه لم يكن له الفسخ ولا المطالبة بالتفاوت بل يستحق المطالبة بفرد آخر من الثمن.

( مسألة ٧٠٩ ) : لو طرأ عيب على المبيع بعد العقد وقبل التسليم ثبت الخيار للمشتري إذا لم يكن طرو العيب بفعله ، ولو طرأ على الثمن عيب بعد العقد وقبل تسليمه ثبت الخيار للبائع كذلك ، واذا لم يتمكن من الارجاع جازت المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب.

( مسألة ٧١٠ ) : الظاهر اعتبار الفورية العرفية في خيار العيب بمعنى عدم التأخير فيه أزيد مما يتعارف عادة حسب اختلاف الموارد ، ولا يعتبر في نفوذه حضور من عليه الخيار.

( مسألة ٧١١ ) : لا يجوز للمشتري فسخ البيع بالعيب ولا المطالبة بالتفاوت في أربع صور :

(١) ان يعلم بالعيب عند الشراء.

(٢) ان يرضى بالمعيب بعد البيع.

(٣) ان يُسقط حقه عند البيع من جهة الفسخ ومطالبته بالتفاوت.

(٤) ان يتبرأ البائع من العيب ، ولو تبرأ من عيب خاص فظهر فيه عيب آخر فللمشتري الفسخ به ، وإذا لم يتمكن من الرد أخذ التفاوت على

٢٩٩

ما تقدم.

( مسألة ٧١٢ ) : إذا ظهر في المبيع عيب ، ثم طرأ عليه عيب آخر بعد القبض فليس له الرد وله أخذ التفاوت ، نعم لو اشترى حيواناً معيباً فطرأ عليه عيب جديد في الأيام الثلاثة التي له فيها الخيار فله الرد وان قبضه ، وكذلك الحال في كل مورد طرأ على المعيب عيب جديد في زمان كان فيه خيار آخر للمشتري.

( مسألة ٧١٣ ) : إذا لم يطَّلع البائع على خصوصيات ماله بل أخبره بها غيره ، فباعه على ذلك او باعه باعتقاد انه على ما رآه سابقاً ، ثم ظهر انه كان أحسن من ذلك فله الفسخ.

( مسألة ٧١٤ ) : إذا أعلم البائع المشتري برأس المال فلا بد أن يخبره أيضاً ـ حذراً من التدليس ـ بكل ما أوجب نقصانه أو زيادته مما لا يستغنى عن ذكره لانصراف ونحوه ، فان لم يفعل كأن لم يخبره بانه اشتراه نسيئة أو مشروطاً بشرط ، ثم اطلع المشتري على ذلك كان له فسخ البيع ، ولو باعه مرابحة ـ اي بزيادة على رأس المال ـ ولم يذكر انه اشتراه نسيئة كان للمشتري مثل الأجل الذي كان له ، كما أن له حق فسخ المعاملة.

( مسألة ٧١٥ ) : إذا اخبر البائع المشتري برأس المال ثم تبين كذبه في إخباره ، كما إذا اخبر ان رأس ماله مائة دينار وباع بربح عشرة دنانير وفي الواقع كان رأس المال تسعين ديناراً تخيَّر المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد وهو مائة وعشرة دنانير.

( مسألة ٧١٦ ) : لا يجوز للقصاب ان يبيع لحماً على أنه لحم الخروف ويسلّم لحم النعجة ، فان فعل ذلك ثبت الخيار للمشتري إذا كانت المعاملة شخصية ، وله المطالبة بلحم الخروف إذا كان المبيع كلياً في الذمة ، وكذلك الحال في نظائر ذلك كما إذا باع ثوباً على ان يكون لونه ثابتاً فسلم الى المشتري ما يزول لونه.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

بحث

ما يخلفه الإنسان بعد موته :

المستفاد من الرّوايات الشريفة ، بالإضافة لما ورد في الآيات المباركة أعلاه ، إنّه ثمّة أعمال وآثار يخلفها الإنسان بعد موته ، وما ينجسم من تلك الأعمال والآثار حتى يوم القيامة يبقى مرتبطا بذات الفاعل الأصلي ، فإن كانت الأعمال حيّرة فستصله حسنات تتمة العمل واستمراره ، وإن كانت شريرة فلا يجني منها سوى الهون والعذاب.

فعن الإمام الصادق ٧ ، أنّه قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثالث خصال : صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ، فهي تعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له»(١) .

وفي رواية اخرى : «ست خصال يتنفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، مصحف يقرأ منه ، وقليب (بئر) يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجربه ، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده»(٢) .

فيما أكّدت بعض الرّوايات على (العلم) الذي يخلّفه بعده.(٣) وقد حذّرت كثير من الرّوايات من أن يسنّ الإنسان سنّة سيئة ، لأنّ الفاعل الأوّل ستتابع عليه آثام تلك السنة إلى يوم القيامة.

وكذلك حثت وشوقت على استنان السنن الحسنة ، لينتفع الفاعل الأوّل لها بثوابها الجاري إلى يوم القيامة.

وذكر العلّامة الطبرسي حديثا في هذا المضمار إنّ سائلا قام على عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل ، فسكت القوم ، ثمّ أنّ رجلا أعطاه ، فأعطاه القوم فقال

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٥٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) منية المريد ، ص ١١.

٤٨١

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من استن خيرا فاستن به فله أجره ، ومثل أجور من اتبعه ، غير منتقص من أجورهم ، ومن استن شرّا فاستن به فعليه وزره ، مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم» فتلا حذيفة بن اليمان قوله تعالى :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : «فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور ، هناك تبلو كلّ نفس ما أسلفت ، وردّوا إلى الله مولاهم الحق ، وضل عنهم ما كانوا يفترون»(٢) .

فتعكس هذه الآيات والرّوايات أبعاد مسئولية الإنسان أمام أعماله ، وتبيّن عظم المسؤولية ، فأثار فعل الخيرات أو المنكرات يتصل إليه وإن امتدت الآلاف السنين بعد موته!(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٦.

(٣) لمزيد من التفصيل. راجع تفسير الآية (٢٥) من سورة النحل.

٤٨٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) )

التّفسير

لا داعي للغرور :

تنتقل الآيات أعلاه من المعاد إلى الإنسان ، ببيان إيقاظي عسى أن ينتبه الإنسان من غفلة ما في عنقه من حقّ وما على عاتقه من مسئوليات جسام أمام خالقه سبحانه وتعالى ، فتخاطب الآية الاولى الإنسان باستفهام توبيخي محاط بالحنان والرأفة الرّبانية :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) .

فالقرآن يذكّر الإنسان بإنسانيته ، وما لها من إكرام وأفضلية ، ثمّ جعله أمام «ربّ» «كريم» ، فالرّب وبمقتضى ربوبيته هو الحامي والمدبّر لأمر تربية وتكامل الإنسان ، وبمقتضى كرمه أجلس الإنسان على مائدة رحمته ، ورعاه بما أنعم عليه ماديا ومعنويا ودون أن يطلب منه أيّ مقابل ، بل ويعفو عن كثير من ذنوب

٤٨٣

الإنسان لفضل كرمه

فهل من الحكمة أن يتمرد هذا الموجود المكرّم على هكذا ربّ رحيم كريم؟!

وهل يحقّ لعاقل أن يغفل عن ذكر ربّه ولو للحظة واحدة ، ولا يطيع أمر مولاه الذي يتضمن سعادته وفوزه؟!

ولهذا فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوته للآية المباركة أنّه قال : «غرّه جهله»(١) .

ومن هنا ، يتقرّب لنا هدف الآية ، فهي تدعو الإنسان لكسر حاجز غروره وتجاوز حالة الغفلة ، وذلك بالاستناد على مسألة الربوبية والكرم الإلهي ، وليس كما يحلو للبعض من أن يصور هدف الآية ، على أنّه تلقين الإنسان عذره ، فيقول : غرّني كرمك! أو كما قيل للفضيل بن عياض : «لو أقامك الله ويوم القيامة بين يديه ، فقال :( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ، ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول : غرّني ستورك المرخاة»(٢) .

فهذا ما يخالف تماما ، لأنّها في صدد كسر حالة غرور الإنسان وإيقاظه من غفلته ، وليست في صدد إضافة حجاب آخر على حجب الغفلة!

فلا ينبغي لنا أن نذهب بالآية بما يحلو لنا ونوجهها في خلاف ما تهدف إليه! «غرّك» : من (الغرور) ، و «الغرّة» : غفلة في اليقظة ، وبعبارة اخرى : غفلة في وقت لا ينبغي فيه الغفلة ، ولما كانت الغفلة أحيانا مصدرا للاستعلاء والطغيان فقد استعملت (الغرور) بهذه المعاني.

والغرور) : كلّ ما يغرّ الإنسان من مال ، جاه ، شهوة وشيطان ، وقد فسّر الغرور بالشيطان ، لأنّه أخبث من يقوم بهذا الدور الدنيء في الدّنيا.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩ ؛ والدر المنثور ، وروح المعاني ، وروح البيان ، والقرطبي ، عند تفسير الآية المبحوثة.

(٢) المصدر السابق.

٤٨٤

وذكر في تفسير «الكريم» آراء كثيرة ، منها : إنّه المنعم الذي تكون جميع أفعاله إحسان ، وهو لا ينتظر منها أيّ نفع أو دفع ضرر.

ومنها : هو الذي يعطي ما يلزمه وما لا يلزمه.

ومنها : هو من يعطي الكثير بالقليل.

ولو جمعنا كلّ ما ذكر وبأعلى صورة لدخل في كرم اللهعزوجل ، فيكفي كرم الله جلالا أنّه لا يكتفي عن المذنبين ، بل يبدل (لمن يستحق) سيئاتهم حسنات.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند تلاوته لهذه الآية ، أنّه قال : (إن الإنسان) «أدحض مسئول حجّة ، وأقطع مغترّ معذرة ، لقد أبرح (أي اغتر) جهالة بنفسه.

يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ، وما غرّك بربّك ، وما أنسك بهلكة نفسك؟

أمّا من دائك بلول (أي شفاء) ، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم نفسك ما ترحم من غيرك؟ فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظلّه ، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له! فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعزّ الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة (أي تبيت بنقمة من الله) وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته! فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى (أي النوم) الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا وبذكره آنسا ، وتمثل (أي تصور) في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ويتغمدك بفضله وأنت متول عنه إلى غيره ، فتعالى من قوي ما أكرمه! وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته! ...»(١) .

وتعرض لنا الآية التالية جانبا من كرم الله ولطفه على الإنسان :( الَّذِي

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٣.

٤٨٥

خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما (١) شاءَ رَكَّبَكَ ) .

فالآية قد طرحت مراحل خلق الإنسان الأربعة أصل الخلقة ، التسوية ، التعديل ، ومن ثمّ التركيب.

ففي مرحلة الاولى : يبدأ خلق الإنسان ومن نطفة في ظلمات رحم الام.

وفي مرحلة الثّانية : مرحلة «التسوية والتنظيم» وفيها يقدر الباري سبحانه خلق كلّ عضو من أعضاء الإنسان بميزان متناهي الدّقة.

فلو أمعن الإنسان النظر في تكوين عينه اذنه أو قلبه ، عروقه وسائر أعضاءه ، وما أودع فيها من ألطاف ومواهب وقدرات إلهية ، لتجسم أمامه عالما من العلم والقدرة واللطف والكرم الإلهي.

عطاء ربّاني قد شغل العلماء آلاف السنين بالتفكير والبحث والتأليف ، ولا زالوا في أوّل الطريق

وفي المرحلة الثّالثة : يكون التعديل بين «القوى» و «الأعضاء» وتحكيم الارتباط فيما بينها.

وبدن الإنسان قد بني على هذين القسمين المتقاربين ، فـ اليدين ، الرجلين ، العينين ، الأذنين ، العظام ، العروق ، الأعصاب والعضلات قد توزعت جميعها على هذين القسمين متجانس ومترابط.

هذا بالإضافة إلى أنّ الأعضاء في عملها يكمل بعضها للبعض الآخر ، فجهاز التنفس مثلا يساعد في عمل الدورة الدموية بدورها تقدم يد العون إلى عملية التنفس ، ولأجل ابتلاع لقمة غذاء ، لا تصل إلى الجهاز الهضمي إلّا بعد أن يؤدّي كلّ من : الأسنان ، اللسان ، الغدد وعضلات الفم دوره الموكل به ، ومن ثمّ تتعاضد أجزاء الجهاز الهضمي على إتمام عملية الهضم وامتصاص الغذاء ، لينتج منه القوّة

__________________

(١) «ما» : زائدة ، واحتملها البعض (شرطية) ، ولكنّ الرأي الأوّل أقرب للصواب.

٤٨٦

اللازمة للحركة والفعالية

وكلّ ما ذكر ، وغيره كثير ، قد جمع قصيرة رائعة( ... فَعَدَلَكَ ) .

وقيل : «عدلك» إشارة إلى اعتدال قامة الإنسان ، وهو ما يمتاز به عن بقية الحيوانات ، وهذا المعنى أقرب للمرحلة القادمة ولكن المعنى الأوّل أجمع.

وفي المرحلة الرابعة : تكون عملية «التركيب» وإعطاء الصورة النهائية للإنسن نسبة إلى بقية الموجودات.

نعم ، فقد تكرم الباري بإعطاء النوع الإنساني صورة موزونة عليها مسحة جمالية بديعة قياسا مع بقية الحيوانات ، وأعطى الإنسان فطرة سليمة ، وركّبه بشكلّ يكون فيه مستعدا لتلقي كلّ علم وتربية.

ومن حكمة الباري أن جعل الصور الإنسانية مختلفة متباينة ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٢) من سورة الروم :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) ، ولولا الاختلاف المذكور لاختل توازن النظام الاجتماعي البشري.

ومع الاختلاف في المظهر فإنّ الباري جلّ شأنه قدّر الاختلاف والتفاوت في القابليات والاستعدادات والأذواق والرغبات ، وجاء هذا النظم بمقتضى حكمته ، وبه يمكن تشكيل مجتمع متكامل سليم وكلّ حوائجه ستكون مؤمّنة.

وتلخص الآية (٤) من سورة التين خلق الله للإنسان بصورة إجمالية :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

والخلاصة : فالآيات المبحوثة ، إضافة لآيات أخر كثيرة تهدف وبشكلّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته ، منذ كان نطفة قذرة ، مرورا بتصويره وتكامله في رحم امّه ، حتى أشدّ حالات نموه وتكامله ، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم الله ، وكلّ حيّ يفعم برحمة الله في كل لحظات حياته ، ولا بدّ لكلّ حي ذي لبّ وبصيرة من أن يترحل من مطية غروره وغفلته ،

٤٨٧

ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.

وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة :( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) .

فالكرم الإلهي ، ولطف الباري منعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية الموهمة.(١)

ولو دققنا النظر في حال المغرورين والغافلين ، لرأينا أنّ الشك بيوم القيامة أو إنكاره هو الذي استحوذ على قلوبهم وما دونه مجرّد مبررات واهية ، ومن هنا يأتي لتشديد على أصل المعاد ، فلو قوي الإيمان بالمعاد في القلوب لارتفع الغرور وانقشعت الغفلة عن النفوس.

«الدين» : يراد به هنا ، الجزاء يوم الجزاء ، وما احتمله البعض من أنّه (دين الإسلام) فبعيد عن سياق حديث الآيات ، لأنّها تتحدث عن «المعاد».

وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولا بدّ الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ) (٢) .

وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم :( كِراماً كاتِبِينَ ) .

( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) .

و «الحافظين» : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٧) من سورة (ق) بالرقيب العتيد :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ، كما وذكرتهم الآية (١٦) من نفس السورة :( إِذْ يَتَلَقَّى

__________________

(١) «كلا» حرف ردع لإنكار شيء ذكر وتوهم ، لكن أي إنكار قصدته الآية؟ ثمة احتمالات عديدة للمفسرين في ذلك ، وأهمها ما ذكر أعلاه ، أي أن «كلا» جاءت لتنفي كل أسباب ومنابع الغرور والغفلة وتجعلها في إنكار القيامة والتكذيب به فقط. وهو ما ورد بعد «بل» وهذا ما اختاره الراغب في مفردات (في مادة : بل) ، وقال بعد ذكره للآية : قيل ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.

(٢) قيل : إن «الواو» هنا حالية ، كما في روح المعاني وروح البيان ، ولكن احتمال كونها (استئنافية) أقرب للحال.

٤٨٨

الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) .

وثمّة آيات قرآنية اخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته.

إنّ نظر وشهادة اللهعزوجل على أعمال الإنسان ، ممّا لا شك فيه ، فهو الناظر لما يبدر من الإنسان قبل أيّ أحد ، وأدق من كلّ شيء ، ولكنّه سبحانه ولزيادة التأكيد ولتحسيس الإنسان بعظم مسئولية ما يؤديه ، فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب ، ومنهم هؤلاء الملائكة الكرام.

وقد فصّلنا أقسام المراقبين الذين يحفون بالإنسان من كلّ جهة ، وذلك ذيل الآيتين (٢٠ و٢١) من سورة فصّلت ، ونوردها هنا إجمالا ، وهي على سبعة أقسام.

أوّلا : ذات الله المقدّسة ، كما في قوله تعالى :( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) .

ثانيا : الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، بدلالة قوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) .

ثالثا : أعضاء بدن الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

رابعا : جلد الإنسان وسمعه وبصره ، بدلالة قوله تعالى :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٤) .

خامسا : الملائكة ، بدلالة قوله تعالى :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ

__________________

(١) يونس ، الآية ٦١.

(٢) النساء ، الآية ٤١.

(٣) النور ، الآية ٢٤.

(٤) فصلت ، الآية ٢١.

٤٨٩

وَشَهِيدٌ ) (١) ، وبدلالة الآية المبحوثة أيضا.

سادسا : الأرض المكان الذي يعيش عليه الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (٢) .

سابعا : الزمان الذي تجري فيه أعمال الإنسان ، بدلالة ما روي عن الإمام عليعليه‌السلام في وقوله : «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم : يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد»(٣) .

وفي كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي : إنّ شخصا سأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أنّ اللهعزوجل عالم السرّ وأخفى؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «استعبدهم بذلك ، وجعلهم شهودا على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشدّ انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ ، فيقول ربّي يراني ، وحفظتي عليّ بذلك يشهد ، وأنّ برأفته ولطفه وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله ، إلى أن يجيء أمر اللهعزوجل »(٤) .

ويستفاد من هذه الرواية أنّ للملائكة وظائف اخرى إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان كحفظ الإنسان من الحوادث والآفات ووساوس الشيطان.

(وقد بحثنا موضوع وظائف ومهام الملائكة بتفصيل في ذيل الآية (١) من سورة فاطر ـ فراجع).

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٢١.

(٢) الزلزال ، الآية ٤.

(٣) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٧٣٩ (مادة : يوم).

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٢.

٤٩٠

وقد وصفت الآيات المبحوثة هؤلاء الملائكة بأنّهم «كرام» ، ليكون الإنسان أكثر دقّة في مراقبة نفسه وأعماله ، لأنّ الناظر كلّما كان ذا شأن كبير ، تحفظ الإنسان منه أكثر وأكثر واستحى من فعل المعاصي أمامه.

وعلّة ذكر «كاتبين» للتأكيد على إنّهم لا يكتفون بالمراقبة والحفظ دون تسجيل ذلك بدقّة متناهية.

وذكر :( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) تأكيد آخر على كونهم مطلعين على كلّ الأعمال وبشكل تام ، واستنادا إلى اطلاعهم ومعرفتهم يسجلون ما يكتبونه.

فالآيات تشير إلى حرية إرادة الإنسان ، وتشير إلى كونه مختارا ، وإلّا فما قيمة تسجيل الأعمال؟ وهل سيبقى للتحذير والإنذار من معنى؟

وتشير أيضا إلى جدّية ودقّة الحساب والجزاء والإلهي.

ويكفي فهم واستيعاب هذه الإشارات البيانية الرّبانية لإنقاذ الإنسان من وقوعه في هاوية المعاصي ، وتكفيه الإشارات عظة ليزكي ويعرف مسئوليته ويعمل بدروه.

* * *

بحث

كتبة صحائف الأعمال :

لم تكن الآيات المبحوثة الدليل الوحيد على وجود المراقبين لأعمال الإنسان ، والكاتبين لها بخيرها وشرّها ، بل ثمّة آيات كثيرة وروايات عديدة تناولت ذلك ومن جملة ما ورد من الأحاديث بهذا الشأن.

١ ـ سؤال عبد الله بن موسى بن جعفرعليه‌السلام لأبيه عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟».

٤٩١

قال : لا.

قال : «إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين ، قف فإنّه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، وأثبتها عليه»(١) .

فالرواية تبيّن ما للنيّة من أثر على كامل وجود الإنسان ، وأنّ الملائكة يسجلون ما وقع من فعل من الإنسان ولكنّهم مطلعين على فعل الواقع قبل وقوعه ، وعليه فتسجيلهم لأعمال الإنسان دقيق جدّا ، ولا يفوتهم شيئا إلّا وكتبوه في صحيفته.

والرواية أيضا ، تأتي في سياق الحديث النبوي الشريف : «إنّما الأعمال بالنيات» للتأكيد على ما لنيّة الإنسان من أثر على فعله الحسن أو السيء.

وتبيّن أيضا ، بأنّ وسائل الكتابة هي جوارح الإنسان الناوي للفعل ، فلسانه القلم وريقه المداد!

٢ ـ وثمّة روايات تؤكّد على أنّ الملائكة مأمورة بتسجيل النوايا الحسنة دون النوايا السيئة ، ومنها : «إنّ تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب له ، ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيئة».(٢)

فالرواية تبيّن منتهى اللطف الرّباني الفصل الإلهي على الإنسان ، وتحث الإنسان على الأعمال الصالحة فنيّته السيئة لا تسجل عليه ، وفعله السيء يكتب عليه وفق موازين العدل ، في حين أنّ نيّته الحسنة وفعله الحسن يسجلان

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، باب «من يهمّ بالحسنة أو السيئة» الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ١ ـ ٢.

٤٩٢

له وفق اللطف والتفضل الإلهي

٣ – وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «يهمّ العبد بالحسنة فيعملها ، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهمّ بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن عملها اجّل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن اللهعزوجل يقول :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) ، أو الاستغفار فإنّ هو قال : استغفر الله الذي لا إله إلّا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة أو استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم»(١) .

٤ – وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ المؤمنين إذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحوا عنهما فإنّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما»!(٢)

٥ – وفي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فيها بعد أن دعى الناس فيها لتقوى الله : «اعلموا عباد الله ، إنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج «أي إحكام» ، وإنّ غدا من اليوم قريب»(٣) .

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ، الحديث ٤.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨٤ ، الحديث ٢ ؛ وعنه نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٧.

٤٩٣

الآيات

( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) )

التّفسير

«يوم لا تملك نفس لنفس شيئا» :

بعد ذكر الآيات السابقة لتسجيل أعمال الإنسان من قبل الملائكة ، تأتي الآيات أعلاه لتتطرق إلى نتائج تلك الرقابة ، وما سيصل إليه كلّ من المحسن والمسيء من عاقبة ، فتقول الآية الاولى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ) .

والثّانية :( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) .

«الأبرار» : جمع (بار) و «برّ» على وزن (حق) ، بمعنى : المحسن ، و (البرّ) بكسر الراء ـ كلّ عمل صالح والآية تريد العقائد السليمة ، والنيات والأعمال الصالحة.

«نعيم» : وهي مفرد بمعنى النعمة ، ويراد به هنا «الجنّة» ، وجاءت بصيغة

٤٩٤

النكرة لبيان أهمية وعظمة هذه النعمة ، التي لا يصل لإدراك حقيقتها إلّا الله سبحانه وتعالى ، واختيرت كلمة «نعيم» بصيغة الصفة المشبهة ، للتأكيد على بقاء واستمرار هذه النعمة ، لأنّ الصفة المشبهة عادة ما تتضمّن ذلك.

«الفجّار» : جمع (فاجر) من (فجر) ، وهو الشقّ الواسع ، وقيل للصبح فجر لكونه فجر الليل ، أيّ شقّه بنور الصباح ، و (الفخور) : شقّ ستر الديانة والعفة ، والسير في طريق الذنوب.

«جحيم» : من (الجحمة) ، وهي تأجج النّار ، وتطلق الآيات القرآنية (الحجيم) على جهنّم عادة.

ويمكن أن يراد بقوله تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) الحال الحاضر ، أيّ : إنّ الأبرار يعيشون في نعيم الجنّة حاليّا ، وإنّ الفجّار قابعون في أودية النّار ، كما يفهم من إشارة الآية (٥٤) من سورة العنكبوت :( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

وقال بعض : المراد من الآيتين هو حتمية الوقوع المستقبلي ، لأنّ المستقبل الحتمي والمضارع المتحقق الوقوع يأتي بصيغة الحال في اللغة العربية ، وأحيانا يأتي بصيغة الماضي.

فالمعنى الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية ، إلّا أنّ المعنى الثّاني أنسب للحال ، والله العالم.

وتدخل الآية التالية في تفصيل أكثر لمصير الفجّار :( يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ ) .

فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى أنّ الفجّار هم في جهنّم حاليا ، فسيكون إشارة هذه الآية ، إلى أنّ دخولهم جهنّم سيتعمق ، وسيحسون بعذاب نارها ، بشكل أشدّ.

«يصلون» : من (المصلى) على وزن (سعي) ، و «صلى النّار» : دخل فيها ، ولكون الفعل في الآية قد جاء بصيغة المضارع ، فإنّه يدل على الاستمرار

٤٩٥

والملازمة في ذلك الدخول.

ولزيادة التفصيل ، تقول الآية التالية :( وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) .

اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلا على خلود الفجّار في العذاب ، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ «الفجّار» هم «الكفّار» ، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم.

ف «الفجّار» : إذن : هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذيبهم بيوم الدين ، ولا يقصد بهم ـ في هذه الآيات ـ أولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم.

وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيدا لما أشرنا إليه سابقا ، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضا( ... وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) ، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّما ، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف) ، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة كلّها مهيأة لهم.

كما وتبيّن الآية أيضا : إنّ عذاب أهل جهنّم عذاب دائم ليس له انقطاع ، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.

ولأهمية خطب ذلك اليوم العظيم ، تقول الآية التالية :( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

فإذا كانت وحشة وأهوال ذلك اليوم قد أخفيت عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو المخاطب في الآية ـ مع كلّ ما له من علم بـ القيامة ، المبدأ ، المعاد فكيف يا ترى حال الآخرين؟!!

والآيات قد بيّنت ما لأبعاد يوم القيامة من سعة وعظمة ، بحيث لا يصل لحدّها أيّ وصف أو بيان ، وكما نحن (السجناء في عالم المادة) لا نتمكن من إدراك حقيقة النعم الإلهية المودعة في الجنّة ، فكذا هو حال إدراكنا بالنسبة

٤٩٦

لحقيقة عذاب جهنّم ، وعموما لا يمكننا إدراك ما سيجري من حوادث في ذلك اليوم الرهيب المحتوم.

وينتقل البيان القرآني للتعبير عن إحدى خصائص ذلك اليوم ، وبجملة وجيزة ، لكنها متضمّنة لحقائق ومعان كثيرة :( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) .

فستتجلّى حقيقة أنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بيد الله العزيز القهّار ، وستبان حقيقة حاكمية الله المطلقة ومالكيته على كلّ من تنكر لهذه الحقيقة الحقّة ، وستنعدم تلك التصورات الساذجة التي حكمت أذهان المغفلين بكون فلان أميرا ورئيسا أو حاكما ، وسينهار أولئك البسطاء الذين اعتبروا أن قدراتهم مستقلة بعد أن أكل الغرور نفوسهم وتكالب التكبر على تصرفاتهم في الحياة الدنيا الفانية.

وتشهد على الحقيقة ـ بالإضافة إلى الآية المذكورة ـ الآية (١٦) من سورة المؤمن حيث تقول :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) .

وتشير الآية (٣٧) من سورة عبس إلى انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم دون كلّ الأشياء الاخرى ، ولو قدّر أن يمنح قدرا معينا من القدرة ، لما نفع بها أحد دون نفسه! ، حيث تقول الآية :( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

حتّى روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه تناول ذلك الموقف بقوله : (إن الأمر يومئذ واليوم كله لله ، ...) وإذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلّا الله»(١)

وهنا يواجهنا السؤال التالي : هل يعني ذلك ، إنّ الآية تتعارض وشفاعة الأنبياء والأوصياء والملائكة؟

ويتّضح جواب السؤال المذكور من خلال البحوث التي قدمناها بخصوص موضوع (الشفاعة) فقد صرّح الحكيم في بيانه الكريم ، إنّ الشّفاعة لن تكون إلّا

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٤٩٧

بإذنه ، وإنّ الشّفاعة غير مطلقة ، حسب ما تشير إليه الآية (٢٨) من سورة الأنبياء( لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ) اللهم! إنّ الخلائق تنتظر رحمتك ولطفك في ذلك اليوم الرهيب ، ونحن الآن نتوقع لطفك.

إلهنا! لا تحرمنا من الطافك وعناياتك في هذا العالم والعالم الآخر.

ربّنا! أنت الحاكم المطلق في كلّ مكان وزمان ، فاحفظنا من التورط في شباك الذنوب والسقوط في وادي الشرك واللجوء الى الغير

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الإنفطار

انتهى المجلد التاسع عشر

* * *

٤٩٨

الفهرس

سورة المعارج

محتوى السورة ٥

فضيلة هذه السورة ٦

تفسير الآيات : ١ ـ ٣ ٧

سبب النّزول ٧

العذاب العاجل ٩

ملاحظة

إشكالات المعاندين الواهية ١٠

تفسير الآيات : ٤ ـ ٧ ١٤

يوم مقداره خمسين ألف سنة ١٤

تفسير الآيات : ٨ ـ ١٨ ١٧

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٨ ٢١

أوصاف المؤمنين ٢١

تفسير الآيات : ٢٩ ـ ٣٥ ٢٧

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة ٢٧

تفسير الآيات : ٣٦ ـ ٤١ ٣٢

الطمع الواهي في الجنّة ٣٢

٤٩٩

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب ٣٥

تفسير الآيات : ٤٢ ـ ٤٤ ٣٧

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام ٣٧

«سورة نوح»

محتوى سورة ٤٣

فضيلة هذه السورة ٤٤

تفسير الآيات : ١ ـ ٤ ٤٥

رسالة نوح الأولى ٤٥

ملاحظة

العوامل المعنوية لزيادة ونقصان العمر ٤٧

تفسير الآيات : ٥ ـ ٩ ٤٨

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن ٤٨

ملاحظتان

١ ـ أسلوب الإبلاغ ومنهجه ٥١

٢ ـ لماذا الفرا من الحقيقة ٥١

تفسير الآيات : ١٠ ـ ١٤ ٥٣

ثمرة الإيمان في الدنيا ٥٣

ملاحظة

الرّابطة بين التقوى والعمران ٥٥

تفسير الآيات : ١٥ ـ ٢٠ ٥٨

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551