المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات14%

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
ISBN: 978-964-8629-59-0
الصفحات: 551

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233981 / تحميل: 5612
الحجم الحجم الحجم
المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٦٢٩-٥٩-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

حول الكعبة، فقال: (هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة، إنما أُمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا، فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويعرضوا علينا نصرتهم)، ثم قرأ هذه الآية ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) (1) .

وهذا برهان تاريخي وأدياني يؤكّد ضرورة الواسطة في صحّة العبادة وقبولها.

والواسطة هي الطاعة لوليّ اللَّه تعالى، بكلّ ما للطاعة من معنى وتداعيات ومعطيات ومقتضيات تقتضيها تلك الطاعة وعلى جميع مستوياتها، فكما أن بدء التوحيد متوقّف على الشهادتين كذلك بقاؤه في كلّ الأبواب الاعتقادية والعبادية متوقّف على بقاء الشهادتين إلى آخر المطاف.

____________________

(1) السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان، ج4، ص337.

٤١

٤٢

الأدلّة التحليلية

نرمي في استعراض هذه الأدلّة تحليل بعض المفاهيم الدينية والاعتقادية، ويكون ذلك بدوره دالّاً على مشروعية التوسّل وضرورته.

1 - مفهوم العبادة:

(مفهوم العبادة ينفي الوسائط المقترحة)

يمكننا عن طريق تحديد المفهوم الاصطلاحي للعبادة وبيان العبادة الخالصة للَّه تعالى والعبادة غير الخالصة استكشاف مشروعية نظرية الوسائط، وأن المستنكَر منها هي الوسائط المقترحة فحسب؛ وذلك بالبيان التالي:

ذُكر للعبادة في اللغة معانٍ متعدّدة، أهمّها: أنها بمعنى الطاعة والخضوع.

والقرآن الكريم أيضاً استعمل مفهوم العبادة في عدّة معان، منها ما يلي:

1 - مملوكية المنفعة.

كقوله تعالى: ( عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْ‏ءٍ ) (1) .

____________________

(1) النحل: 75.

٤٣

وقوله تعالى: ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) (1) .

2 - سيادة الطاعة؛ وإن لم تكن أصالة للمطاع.

كقوله تعالى: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (2) .

3 - الطاعة والخضوع والانقياد للمعبود على وجه التعظيم والتقديس، وأنه الغني بالذات ومصدر جميع الخيرات والنعم والكمالات مبدءاً وأصالة.

كقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ ) (3) .

وقوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (4) .

وكقوله تعالى لموسى عليه‌السلام : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي ) (5) .

وقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (6) .

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية المباركة، الدالّة على إرادة الانقياد إلى المعبود على وجه التعظيم، وأنه الغني بالذات من مفهوم ومعنى العبادة.

____________________

(1)البقرة: 221

(2). يس: 60.

(3) الرعد: 36.

(4)الذاريات: 56.

(5) طه: 14.

(6)هود: 123.

٤٤

وهذا هو المعنى الاصطلاحي لمفهوم العبادة.

وإذا كان هذا هو المعنى الاصطلاحي للعبادة، فكيف كان توجّه المشركين إلى الوسائط شركاً مع أنهم لا يتوجّهون إليها بما هي مصدر الخيرات أصالة، بل بما هي شفيعة ووسيطة؟ وكيف تتحقّق العبادة لغير اللَّه تعالى؟ وكيف تتحقّق العبادة للَّه عزّ وجل؟

والجواب هو ما تقدم؛ من أن الإنكار ليس إنكاراً للوسيلة بما هي وسيلة، بل بما هي مقترحة ومخترعة من قبل العبيد. وأمَّا إذا كانت الواسطة بجعل من اللَّه تعالى وإرادته وتحكيماً لسلطانه، فلا محالة يكون التوسّل والخضوع لتلك الوسيلة طاعة للباري تعالى؛ لأنه يكون انقياداً له تعالى على وجه الرغبة والخضوع وأنه مصدر الخيرات مبدءاً وأصالة. فأي فعل يكون منطلقه من أمر اللَّه عزّ وجلّ لا يكون شركاً وإن كان ذلك الفعل بالتوجّه والتوسّل بالوسائط، ومن ثمّ يكون سجود الملائكة لآدم - كما سيأتي - عبادة للَّه لا لآدم؛ لأنه خضوع للَّه تعالى وامتثالاً لأمره بما أنه مصدر الخيرات.

إذن المدار في تحقّق العبادة وعدمه ليس على ارتباط الطقوس العبادية بغير اللَّه وعدم الارتباط بغيره، بل المدار في العبادة الخالصة وقوام التوحيد في العبادة على وجود الأمر الإلهي والإرادة الإلهية، وقوام الشرك في العبادة ليس على تعلّق الفعل العبادي بغير اللَّه، بل الشرك في العبادة يتقوّم بعدم وجود الأمر والإرادة الإلهية، وإنما باقتراح من العبد نفسه.

ومن ثمّ لا يكون التوجّه بالكعبة إلى اللَّه عزّ وجلّ في الصلاة شركاً، بل هو شعار التوحيد.

٤٥

فنحن في صلاتنا نتوجّه إلى الكعبة الشريفة - مع أنها حجر - ومع ذلك تكون عبادة للَّه تعالى، وفي صلاة الطواف نتوجّه إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وكذا في الطواف نتوجّه إلى الكعبة ونتبرّك بالحجر الأسود ونتمسّح به مع أن ذلك كلّه لم يجعل من الكعبة صنماً ولا من الحجر الأسود وثناً يُعبد من دون اللَّه؛ كلّ ذلك لوجود الأمر الإلهي بالصلاة والطواف حول الكعبة والتمسّح بالحجر الأسود، فيكون الامتثال تحكيماً لسلطان اللَّه تعالى على إرادة العبيد، وذلك بخلاف أصنام الوثنيين، وهذا ممّا اتفق عليه علماء الأصول؛ حيث قرّروا أن العبادة لا تتحقّق إلّا بقصد امتثال الأمر وكون العبد ماثلاً طيّعاً أمام مولاه.

فإن وُجد الأمر تحقّق التوحيد في العبادة ولو مع الواسطة، وإن فقد الأمر كان الإتيان بالفعل شركاً ولو مع نفي الواسطة.

2 - القول بالتجسيم من أسباب جحود التوسّل:

إنّ إنكار التوسّل ورفض الوسائط ناتج إمَّا من القول بالتجسيم أو القول بالنبوءة والتنبُّؤ.

وأمَّا مَن لا يدّعي النبوءة لنفسه وينكر الجسمية في الباري عزّ وجلّ، فلا محالة له من قبول الوسائط والوسائل في كلّ العوالم والنشئآت.

وقبل البرهنة على هذا المدعى لابدّ من بيان بعض الأمور:

الأول: ليس المقصود من دعوانا (إن إنكار التوسّل ناتج من التجسيم أو دعوى النبوءة) هو أن يكون القائل بذلك قد قال بأحدهما عنواناً

وقولاً؛ بل قد يكون في

٤٦

واقعه متبنّياً لحقيقة التنبُّؤ أو التجسيم من دون أن يُسمّيه تنبؤاً أو تجسيماً؛ وذلك لأنهما لا يدوران مدار العنوان والشعار، فالحقائق أو الأمور العدمية الباطلة تدور مدار واقعها، سواء واقعها العدمي في الأمور الباطلة أو واقعها الوجودي في الأمور الوجودية، فمَن ينفي الوسائط فهو لا محالة إما يبني على التجسيم أو يدّعي التنبُّؤ كما سيتّضح، وهذا نظير ما ذكره الفقهاء في بحوث المعاملات؛ من أن الشخص ربّما يقصد ماهية معاملية معيّنة ويسمّيها باسم تلك الماهية المقصودة، ولكنها في واقعها قرض ربويّ أو بالعكس.

الثاني: أن هناك دعاءاً يؤكّد مضمون ما نريد الخوض فيه، وهو من الأدعية المأثورة لتعجيل الفرج، وهو: (اللّهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللّهمّ عرّفني رسولك، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرّفني حجّتك، فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني) (1) .

ومفاد هذا الدعاء هو أن منظومة المعارف إنما تصحّ وتكون صائبة مع صوابية وحقّانية معرفة الإنسان بربّه، وأن الخلل الناشئ في معرفة الأنبياء والرسل منبعه الخلل في معرفة اللَّه تعالى الصحيحة والتامة، كما أن الخلل في معرفة الحجج والأوصياء والأئمّة منشأه الخلل في معرفة الرسول، وبالتالي يكون ناشئاً من الخلل والنقصان في المعرفة المتعلّقة باللَّه تعالى، كما تشير إلى هذه الحقيقة مجموعة من الآيات القرآنية، منها:

قوله تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ

____________________

(1) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص342.

٤٧

شَيْ‏ءٍ ) (1) ، فإنكار الرسل وعدم الإيمان بهم ناشئ من جهلهم بقدر الباري وقدرته وعظيم حكمته وتدبيره، ومِن خلل المعرفة في أفعال اللَّه عزَّ وجل.

ومن ثَمّ هذا يؤكّد أن الذي ينفي الوسائط والوسائل والرسل والحجج، منشأ نفيه نقصان معرفته باللَّه تعالى؛ إمَّا بالقول بالتجسيم أو القول بالتنبؤ.

والغريب من أصحاب هذه المقالة قولهم بأن التجسيم باطل في النشأة الدنيوية فقط. وأمَّا في الآخرة، فنلاقيه - والعياذ باللَّه - بصورة شابّ أمرد؛ ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) (2) ، وبقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (3) ، وبقوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (4) ، فيصوّرون الفوقية على العرش فوقية مكانية، لا فوقية قدرة وهيمنة.

فهم يفترضون أن اللَّه عزّ وجل في الآخرة جسم، وهذا نتاج ضعفهم وقصورهم في المسائل العقلية والاعتقادية؛ إذ لم يلتفتوا إلى أن قولهم هذا يلزم منه كون اللَّه تعالى مادّياً، وكلّ أمر مادّي قابل للانقسام، فله أجزاء متولّدة من جسمه، وهو منافٍ لِمَا نصّت عليه سورة التوحيد التي نفت التولّد والانقسام والتجسيم والمادّية.

ثُم إن الجسم محدود، وهو تعالى خالق الجسم ومهيمن عليه لا يحدّه حدّ.

وأهل البيت عليهم‌السلام يثبتون الرؤية القلبية للَّه عزّ وجلّ، وهو ما أكَّدته الآيات

____________________

(1) الأنعام: 91.

(2) القلم: 42.

(3) القيامة 75: 23 - 22.

(4) طه: 5.

٤٨

القرآنية كقوله تعالى: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) (1) ، وهم عليهم‌السلام ينفون الرؤية البصرية التي يشترط فيها المحاذاة والمقابلة

الجسمانية، واللَّه عزّ وجلّ منزّه عن الجسم والجسمية في جميع النشآت.

لقاء اللَّه يوم الحساب بآياته وحججه:

وحيث إن حشر الخلائق بأجسامهم، فإن ملاقاة العباد لربّهم تكون بالوسائط والوسائل والآيات، وإلّا للزم أن تكون المقابلة والملاقاة

جسمية؛ أي أن الباري - والعياذ باللَّه - يلاقي أجسام الخلائق بجسمه، وهو باطل بالضرورة.

فإياب الخلائق وحسابهم لابدّ أن يكون عبر الوسائل والوسائط والآيات، وإلّا فإن اللَّه عزّ وجلّ معنا أينما كنّا. وذلك ديدن قرآني في الإسناد، كإسناد الإماتة إلى اللَّه عزّ وجلّ وإلى ملك الموت وإلى الرسل التي يديرها ملك الموت، فإياب الخلق وحسابهم على اللَّه عزّ وجل، ولكن عبر آياته ووسائطه، قال تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) (2) ، وقال تعالى: ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (3) .

فإذا ثبت أن اللَّه عزّ وجلّ ليس بجسم، ونحن أجسام في شطر من ذواتنا وشطر من إدراكاتنا التي تتحقق عبر الارتباط بالأجسام، سواء في الدنيا أو البرزخ أو الآخرة، فلا يمكن الارتباط مباشرة بربّ العزّة والجلال، وحيث إن الارتباط باللَّه عزّ وجلّ في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة ليس منقطعاً تماماً؛ لأن

____________________

(1) النجم: 11.

(2) الأنفال: 17.

(3) التوبة: 74.

٤٩

معناه التعطيل في قدرة الباري تعالى، وحيث ثبت بطلان التعطيل، وأنه لا تعطيل لمعرفة ذاته تعالى ولا لصفاته ولا لأفعاله ولا لعبادته ولا للقائه عزّ وجل، فلابدّ من القول إما بالوسائط أو النبوءة.

والمجسّمة قالوا بالتجسيم لأنهم أنكروا الوسائط وخافوا من الوقوع في التعطيل أو دعوى النبوءة، فلا محيص لهم عن القول بالتجسيم.

هذا كلّه على المستوى التحليلي لِمَا ادّعيناه أولاً.

وأمَّا الدليل القرآني على ذلك، فهو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1) .

فقوله تعالى: ( لِبَشَرٍ ) للإشارة إلى الجسم والخصوصيات الجسمانية.

وقوله تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) بمثابة البرهان والاستدلال على مضمون الآية المباركة.

وقوله تعالى: ( مَا كَانَ ) لنفي الشأنية والإمكان، لا لبيان عدم الوقوع فقط، وإلّا لكان حقّ التعبير أن يقال: إن اللَّه لا يكلّم أحداً إلّا بالطرق الثلاثة المذكورة في الآية.

ومعنى الآية الكريمة أنه لا توجد أي مجابهة جسمانية بين اللَّه عزّ وجلّ وبين البشر، المحكومين بأحكام المادّة والجسمية، فتكليمه عزّ وجلّ للبشر إمَّا وحياً؛ أي عن طريق جانب الروح في البشر، أو من وراء حجاب؛ أي عن طريق خلق الصوت وإيجاده في الأمور المادّية، كما في تكليم اللَّه عزّ وجلّ

____________________

(1) الشورى: 51.

٥٠

لموسى عليه‌السلام ، أو يرسل رسولاً؛ أي إرسال الملائكة أو الأنبياء والحجج، بل وكذا التكلّم مع الملائكة، فإنه يكون عن طريق الوحي كما في قوله تعالى: ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) (1) .

إذن لا وجه للمواجهة الجسمانية مطلقاً؛ سواء في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة.

ثم قال تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) أي متعال أن يكون جسماً محاطاً ومحدوداً، فإن العلو يستلزم نفي الجسمية، وهو عزّ وجلّ حكيم، أي غير معطّل، فمن حكمته أن يرسل رسلاً ويقيم أئمة ويوسّط وسائط، فلا تجسيم ولا تعطيل.

وهذه الآية ليست دلالتها مقصورة على دار الدنيا فقط، بل هي بلحاظ كلّ النشآت الوجودية والتكونيية، فهو تعالى عليّ متعال على الجسمية ومقابلة الأجسام، وحكيم غير معطّل بينه وبين خلقه عن طريق الوسائط والرسل، فهو عزّ وجلّ يُعرِّف برسله وأدلّته وحُججه.

وبعضهم حيث أنكر التجسيم وفرّ من مغبّة التعطيل ورفض الوسائط - بدعوى أنها صنمية منافية لروح التحرّر - وقع في القول بالتنبؤ، ولجأ إلى الإيمان بقدسية العقل وسعة مدياته وحدوده، وأنه يصيب كلّ صغيرة وكبيرة كما هي مقالة بعض المتعلمنين من الإسلاميين.

وحيث إن التنبؤ والإيحاء إلى الجميع باطل بنصّ القرآن الكريم، وثبت أن التشبيه والتجسيم وكذا التعطيل باطل، فلابدّ من الإيمان بالوسائط والوسائل، ويكون إنكار وليّ اللَّه وحجته تجسيماً أو تعطيلاً أو استكباراً وإكباراً للنفس وصنميّة للعقل، وهي النبوءة المرفوضة في الكتاب والسنّة.

____________________

(1) الأنفال: 12.

٥١

إذن الوسيلة والواسطة أمر برهاني وضروري في كلّ النشئآت، ولذا ورد في الروايات أن الذي بُعث في عالم الذرّ بين اللَّه تعالى وبين باقي الأنبياء هو النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا هو ما قلناه من أن الشهادة الأولى كما أنها مطلوبة في جميع النشئآت، كذلك الشهادة الثانية وأن محمّداً رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله باقية في كلّ النشئآت أبديّة وأزلية، فوصف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ليس خاصاً بالدنيا فقط، وإنما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول في إنزال القرآن، وآياته غير مختصّة بالدنيا، بل تحكي كلّ النشئآت وعالم الربوبية والصفات وعالم الذات، بما لم يُنبّئ به نبيّ من الأنبياء، وهذا معنى واسطته صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ العوالم والنشئآت.

والحاصل: إن لم يكن في البين تشبيه ولا تعطيل، فلابدّ من النبوءة أو قبول الوسائط والحجج، وحيث إن التنبؤ للكلّ باطل؛ فلابدّ من الإيمان والإقرار بالوسائط بين اللَّه تعالى وبين مخلوقاته في كلّ العوالم، فاللَّه عزّ وجلّ لا يُتوجّه إليه باتجاه جسماني، بل يُتوجّه إليه بالمعاني والآيات والحجج.

ومن ذلك كلّه يعلم عظم مكانة الآية والحجّة الإلهية، وأن إنكارها في الحقيقة بمنزلة إنكار الباري عزّ وجل كما ورد ذلك في قوله تعالى: ( فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) (1) ، فإنكار خلافة خليفة اللَّه في الأرض ليس ينصبّ على الوسيلة بما هي هي، بل يرجع إلى الكفر باللَّه تعالى ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) (2) ؛ وذلك لأن

____________________

(1) الأنعام: 33.

(2) الأنعام: 91.

٥٢

الذات المقدّسة إذا لم يكن بينها وبين المخلوقات أي ارتباط، فإن معناه التعطيل، وهو بمنزلة الإنكار للَّه عزّ وجل؛ لأنه إنكار لقدرة تعالى وتدبيره. فعظمة الوسائط والحجج والآيات بعظمة ذي الآية التي أضيفت إليه، ويكون الاستخفاف بها استخفافاً باللَّه عزّ وجل، فلابدّ من تعظيمها وإجلالها.

ووظيفة الخليفة هي الواسطة والوساطة في تدبير شؤون العباد، وهذا النظر والاعتقاد الحقّ ممَّا امتاز به مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أن العوالم بجميع نشئآتها لا تخلو عن حجّة وخليفة وواسطة.

والنقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها في المقام، هي أن التوسّل والشفاعة والتوسّط والوسيلة تحمل في داخلها عدم المحورية الذاتية للشفيع والوسيط، أي ليس للوسيط والشفيع والوسيلة؛ أي استقلالية عن اللَّه عزّ وجل، وذلك لأن الواسطة معناه أن النظرة إليها آلية وحرفية، ليس لها من ذاتها إلّا الفقر والحاجة إلى سلطان اللَّه وإرادته؛ ولذا نجد أن الوسائط التي اتخذت من دون اللَّه عزّ وجلّ أخفقت في وساطتها ووجاهتها وكانت شركاً باللَّه عزّ وجل، لأنها استقلّت عن سلطانه وإرادته وإذنه.

والغريب في هذا المجال هو أن أصحاب هذه المقالة والجاحدين للتوسل آمنوا بأن الشفاعة والتشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة ليس شركاً، وكذا التشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حال حياته. وأمَّا التشفّع به صلى‌الله‌عليه‌وآله حال موته، فزعموا أنه من الشرك الأكبر.

ويرد عليهم السؤال التالي: إن دائرة الشرك من أين نتجت؟ هل مِن حدّ معنى الشفاعة والواسطة، أو من حدّها التعبّدي، أو من خلال المعنى العقلي؟

٥٣

فإذا كان المعنى عقلياً، فالغيرية إذاً أوجبت الشرك، فإنها توجبه في كلّ نشأة، سواء نشأة الدنيا أو الآخرة، وإذا لم توجب الغيرية الشرك لجهة الوساطة، فما هو الفرق بين أنواع التشفّع في الدنيا والآخرة، أو حال الموت وحال الحياة؟!

لا سيما وأن الشرك الأكبر (1) معنىً عقلي يدركه العقل، ونفيه وإثباته في متناول الأحكام العقلية، وهي لا تقبل التخصيص والاستثناء، لا سيما وأنها من الأحكام التي تقرُب من البداهة.

وبعبارة أخرى: إن الوسيلة والوساطة تعني تقوّم الواسطة والوسيلة باللَّه، وكونها مظهر فعله وظهوره، وهذا عين التوحيد في الأفعال والصفات، فكيف يُجحد تحت قناع أنه الشرك الأكبر، وتسمية ذلك الجحود بأنه توحيد؟! فإن ذلك من التلبيس لأحد العنوانين مكان الآخر، خصوصاً وأنه قد مرّ أن إنكار الوسيلة والتوسّل يؤول إلى إنكار الشهادة الثانية؛ لأنه يؤول إلى إنكار ركنية ودخالة رسالة ومقام خاتم الأنبياء في التوحيد.

____________________

(1) المقصود من الشرك الأكبر أو الشرك الصريح هو الذي يوجب ردّة عن الدين. أمَّا الشرك الأصغر أو الشرك الخفي غير الصريح، فهو الذي لا يوجب ردّة، وهو قلّما ينجو منه أحد إلّا المخلَصين. والشرك الصريح إنما يوجب الردّة؛ لأنه منافٍ لمقررات الدين الإسلامي وثوابته وأولياته والإذعان والإقرار بما هو مناف صراحة لأوليات الدين الإسلامي، وهذا نوع إنشاء فسخ وخروج عن عهود ومواثيق الشهادتين؛ وذلك لأن التشهُّد بالشهادتين لحصول الإسلام أو بالشهادة الثالثة لحصول الإيمان - كما هو عند الإمامية - يلزم منه الالتزام بعدّة عهود ومواثيق، فلو أنشأ الشهادات الثلاث والتزم بما هو منافٍ لها صريحاً، فإنه يخرج عن العهد والميثاق الذي التزم به. وأمَّا عدم إيجاب الشرك الأصغر ردّة في الدين؛ فلأن المتكلم والمدّعي لأمر لا يعي تناقض ذلك الأمر مع الشهادتين، ولا يكون ظاهراً عرفاً في الفسخ للعهود والمواثيق.

٥٤

الفصل الثاني:

الأدلّة القرآنية

٥٥

1 - حقيقة التوسّل في أربع طوائف قرآنية

2 - قصة آدم مع إبليس

3 - الآيات البيّنات في المسجد الحرام

4 - التوجه إلى القبلة طاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

5 - المودة لذرية إبراهيم عليه‌السلام من شرائط الحجّ وغاياته

6 - الولاية من شرائط المغفرة

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ

8 - الأنبياء مصدر البركة

9 - البقعة المباركة

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهية

11 - بناء المساجد على قبور الأولياء

12 - حبط الأعمال وقبولها

13 - آيات القسَم بشخص النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

14 - الآيات الآمرة بالتوسل بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

15 - آيات التوسّل بمخلوقات كريمة أُضيفت إلى الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام

خاتمة في:

أ - الروايات الواردة في مشروعية التوسّل.

ب - آراء أعلام السنّة في التوسّل.

٥٦

الأدلة القرآنية

1 - (حقيقية التوسّل في أربع طوائف قرآنية):

إنّ الآيات القرآنية المباركة الدالّة على أنّ الإنكار على المشركين مُنصبّ على الوسائط المقترحة دون الوسائط الإلهيّة على طوائف متعدّدة:

الطائفة الأولى: وهي ما كانت بلسان استنكار الأسماء المقترحة من قبل العبيد ومن سلطانهم وهوى أنفسهم.

1 - قوله تعالى: ( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) (1) .

وهذا الكلام يسجّله اللَّه عزّ وجلّ في قرآنه الكريم على لسان نبيّه هود عليه‌السلام ، حيث يحاجج عاداً قومه وينكر عليهم الوسائط المقترحة من عند أنفسهم والتي لم ينزل اللَّه عزّ وجلّ بها سلطاناً.

وقد تقرّر في علم أصول الفقه أن النهي أو النفي إذا ورد على طبيعة مقيّدة بقيد، فإنما يقع ذلك النفي أو النهي على القيد، لا على ذات

المقيَّد، كقولك: لا رجل طويل في الدار، فإنّ النفي في هذا المثال متوجّه إلى القيد وهو الطول،

____________________

(1) الأعراف:71.

٥٧

وليس المراد نفي أصل وجود الرجل في الدار، وبالنتيجة يكون المنفي الصنف والقيد، وهو الرجل الطويل، لا ذات الطبيعة المقيّدة، وهو عموم الرجل.

كذلك في المقام، فالآية في قوله تعالى: ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) تنفي صنفاً خاصّاً من الوسائط والوسائل، وهي الوسائط التي لم ينزّل بها اللَّه تعالى سلطاناً، والأسماء المقترحة والمجعولة من قبل أنفسهم وآبائهم.

فمصبّ الإنكار والتقريع والتخطئة هو كون تلك الأسماء والوسائط مقترحة من غير إذنٍ وسلطان إلهي. ولم تنفِ الآية المباركة أصل وجود الوسائط والوسائل، وإلّا فلو كان أصل الوساطة والتوسيط أمراً مستنكراً، فلا معنى لذكر القيد، بل يكون ذكره لغواً ومخلّاً بالغرض والمراد، مع أن الآية ركّزت على ذكر القيد، وأكّدت على أنّ الأسماء المستنكرة هي التي ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) ، لا مطلق طبيعة الأسماء والوسائط. فليس الإشكال في أصل الاسم والوساطة، بل الإشكال في كونها مقترحة منهم ومسندة إليهم، من دون أن يُسمّها اللَّه عزّ وجلّ أو يجعلها واسطة بينه وبين خلقه.

وفي الآية المباركة إشارة لطيفة؛ حيث لم يطلق فيها الاسم على ذات الباري عزّ وجلّ، بل أطلق على ذات الواسطة بينه تعالى وبين عبيده، أي واسطة في النداء ووسيلة في التوجّه، فالاسم الذي يُدعى به هو الوسيلة أو الواسطة التي يُتوسّل بها إليه.

2 - قوله تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ

٥٨

سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (1) .

وتقريب الاستدلال بهذه الآية الكريمة بنفس ما تقدّم في الآية السابقة؛ حيث إنها تجعل مركز التخطئة والاستنكار هو التصرّف الاقتراحي من العبيد في سلطان اللَّه تعالى، وليست التخطئة لأصل مقالة الحاجة والضرورة إلى الوسائط.

الطائفة الثانية: وهي ما كانت بلسان حصول الشرك بغير اللَّه عزّ وجلّ بسبب الوسائط التي لم تكن بسلطان اللَّه وحكمه وإرادته.

1 - قوله تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (2) .

2 - قوله تعالى: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) (3) .

3 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (4) .

فسبب الشرك الذي وقعوا فيه هو تحكيم سلطانهم ورغبتهم وهواهم وإرادتهم على إرادة اللَّه تعالى وسلطانه، لا أن أصل الوساطة هو المرفوض في منطق القرآن الكريم.

الطائفة الثالثة: وهي ما كانت بلسان العبادة من دون اللَّه تعالى، وأن التوسّل

____________________

(1) النجم: 23.

(2) آل عمران: 151.

(3) الأنعام: 81.

(4) الأعراف: 33.

٥٩

بالوسائط والشفعاء بغير سلطان وإذن من اللَّه عزّ وجلّ يوجب عبادة مَنْ هو دونه، وهي الوسائط المقترحة.

1 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) (1) .

2 - قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) (2) .

لا يقال: إذا كانت العبادة المرفوضة هي عبادة المعبود الذي لم ينزّل اللَّه به سلطاناً، فهل هذا يعني أن العبادة لغير اللَّه تعالى تكون جائزة فيما إذا نزّل به اللَّه عزّ وجلّ سلطاناً؟!

لأننا نقول: العبادة لغير اللَّه تعالى ممنوعة مطلقاً، والباري تبارك وتعالى لا يأمر بعبادة غيره، ومضمون هذه الطائفة من الآيات عين المضمون الذي تقدّم في الطوائف السابقة من الآيات؛ وهو أن العبادة من دون اللَّه تعالى تتحقّق فيما إذا كانت الوسيلة بإرادة العبيد واقتراحهم. وأما إذا لم تكن كذلك، فلا تكون عبادة من دون اللَّه، بل هي عبادة للَّه عزّ وجل كما جاء ذلك في سجود الملائكة لآدم؛ فهو سجود وطاعة للَّه تعالى وامتثالٌ لأمره، لا أن السجود لآدم بنحو الاستقلال لكي يكون عبادة وخضوعاً له من دون اللَّه عزّ وجل.

فهذه الطائفة من الآيات تبيّن أن العبادة من دون اللَّه تعالى إنما تتحقّق فيما إذا كان التوجّه إلى الوسائط المقترحة من قبل العبيد، من دون أن ينزّل بها اللَّه

____________________

(1) الحج: 71.

(2) يوسف: 40.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

( الإقالة )

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر ، والظاهر جريانها في عامة العقود اللازمة حتى الهبة اللازمة ، نعم لا تجري في النكاح وفي جريانها في الضمان والصدقة إشكالٌ فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، وتقع بكل لفظ يدل على المراد وان لم يكن عربياً ، بل تقع بالفعل كما تقع بالقول ، فاذا طلب أحد المتبايعين مثلاً الفسخ من صاحبه فدفع اليه ما أخذه منه كان فسخاً وإقالة ووجب على الطالب إرجاع ما في يده من العوض الى صاحبه.

( مسألة ٧١٧ ) : لا تجوز الاقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان ، فلو أقال كذلك بطلت وبقي كل من العوضين على ملك مالكه.

( مسألة ٧١٨ ) : إذا جعل له مالاً خارجياً او في الذمة ليقيله بان قال له أقلني ولك هذا المال ، أو أقلني ولك عليّ كذا صحّ ذلك فيستحق المال بعد الاقالة.

( مسألة ٧١٩ ) : لو أقال بشرط مال عين أو عمل كما لو قال للمستقيل : أقلتك بشرط أن تعطيني كذا ، أو تخيط ثوبي فقبل صح.

( مسألة ٧٢٠ ) : لا يقوم وارث المتعاقدين مقامهما في صحة الاقالة فلا ينفسخ العقد بتقايل الوارثين.

٣٠١

( أحكام الشفعة )

( مسألة ٧٢١ ) : إذا باع أحد الشريكين حصته على ثالث كان لشريكه ـ مع اجتماع الشرائط الآتية ـ حق أن يتملك المبيع بالثمن المقرر له في البيع ، ويسمى هذا الحق بالشفعة وصاحبه بالشفيع.

( مسألة ٧٢٢ ) : تثبت الشفعة في البيع وما يفيد فائدته كالهبة المعوضة والصلح بعوض ، كما تثبت في المنقول وغير المنقول سواء قَبِل القسمة أم لم يقبلها ، وتثبت أيضاً في الوقف فيما يجوز بيعه.

( مسألة ٧٢٣ ) : يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركة بين اثنين ، فإذا كانت مشتركة بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة ، وكذا إذا باعوا جميعاً الا واحداً منهم ويستثنى مما تقدم ما إذا كانت داران يختص كل منهما بشخص وكانا مشتركين في طريقهما فبيعت احدى الدارين مع الحصة المشاعة من الطريق ، ففي مثل ذلك تثبت الشفعة لصاحب الدار الاُخرى ، ويجري هذا الحكم أيضاً في صورة تعدد الدور وإختصاص كل واحدة منها بواحد على الشرط المتقدم.

( مسألة ٧٢٤ ) : يعتبر في الشفيع الاسلام ، إذا كان المشتري مسلماً فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشترى من كافر ، وتثبت للمسلم على الكافر وللكافر على مثله.

( مسألة ٧٢٥ ) : يشترط في الشفيع أن يكون قادراً على أداء الثمن فلا تثبت للعاجز عنه وان بذل الرهن أو وجد له ضامن الا ان يرضى المشتري بذلك ، نعم إذا طلب الشفعة وادعى غيبة الثمن أُجِّل ثلاثة أيام فان لم يحضره بطلت شفعته فان ذكر أن المال في بلد آخر أُجّل بمقدار وصول

٣٠٢

المال اليه وزيادة ثلاثة أيام فان انتهى فلا شفعة ، ويكفي في الأيام الثلاثة التلفيق ، كما ان مبدأها زمان الأخذ بالشفعة لا زمان البيع.

( مسألة ٧٢٦ ) : الشفيع يتملك المبيع باعطاء قدر الثمن لا بأكثر منه ولا بأقل ، ولا يلزم ان يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله ان كان مثلياً.

( مسألة ٧٢٧ ) : في ثبوت الشفعة في الثمن القيمي بان يأخذ المبيع بقيمة الثمن إشكال.

( مسألة ٧٢٨ ) : يلزم المبادرة الى الأخذ بالشفعة ، فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ، ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلاً ، أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو انه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو انه واحد فبان اثنين أو العكس ، أو ان المبيع النصف بمائة دينار فتبين انه الربع بخمسين ديناراً ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وأمثال ذلك من الاعذار.

٣٠٣

( أحكام الشركة )

( مسألة ٧٢٩ ) : تطلق الشركة على معنيين :

١ ـ كون شيء واحدٍ لإثنين أو أزيد بأرث أو عقد ناقل أو حيازة أو امتزاج أو غير ذلك.

٢ ـ العقد الواقع بين إثنين أو أزيد على الاشتراك فيما يحصل لهم من ربح وفائدة من الاتجار أو الاكتساب أو غيرهما ، وتسمى ب‍ ( الشركة العقدية ) وتقع على انحاء بعضها صحيح وبعضها فاسد كما يأتي.

( مسألة ٧٣٠ ) : لو اتفق شخصان ـ مثلاً ـ على الاتجار والتكسب بعين أو أعيان مشاعة بينهما على أن يكون بينهما ما يحصل من ذلك من ربح أو خسران كانت الشركة صحيحة ، وتسمى هذه ب‍ ( الشركة الإذنية ) ولو انشأ شخصان ـ مثلاً ـ المشاركة في رأس مال مكوّن من مالهما للاتجار والتكسب به وفق شروط معينة كانت الشركة صحيحة أيضاً وتسمى ب‍ ( الشركة المعاوضية ) لتضمنها انتقال حصة من مال كل منهما الى الآخر.

( مسألة ٧٣١ ) : لو قرر شخصان ـ مثلاً ـ الاشتراك فيما يربحانه من أُجرة عملهما ، كما لو قرر حلاقان ان يكون كل ما يأخذانه من اجرة الحلاقة مشتركاً بينهما كانت الشركة باطلة ، نعم لو صالح احدهما الآخر بنصف منفعته الى مدة معينة ـ كسنة مثلاً ـ بازاء نصف منفعة الآخر الى تلك المدة وقبل الآخر صح واشترك كل منهما فيما يحصله الآخر في تلك المدة من الأُجرة.

( مسألة ٧٣٢ ) : لا يجوز إشتراك شخصين ـ مثلاً ـ على أن يشتري كل منهما متاعاً نسيئة لنفسه ويكون ما يبتاعه كل منهما بينهما ، فيبيعانه ويؤديان الثمن ويشتركان فيما يربحانه منه ، نعم لا بأس بان يوكل كل منهما صاحبه في أن يشاركه فيما اشتراه بان يشتري لهما وفي ذمتهما ، فإذا اشترى شيئاً

٣٠٤

كذلك يكون لهما ويكون الربح والخسران أيضاً بينهما.

( مسألة ٧٣٣ ) : يعتبر في عقد الشركة ـ مضافاً الى لزوم إنشائها بلفظ أو فعل يدل عليها ـ توفر الشرائط الآتية في الطرفين : البلوغ والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر ـ لسفه أو فلس ـ فلا يصح شركة الصبي والمجنون والمكره والسفيه الذي يصرف امواله في غير موقعه والمفلس فيما حجر عليه من أمواله.

( مسألة ٧٣٤ ) : لا بأس باشتراط زيادة الربح عما تقتضيه نسبة المالين لمن يقوم بالعمل من الشريكين ، أو الذي يكون عمله أكثر أو أهم من عمل الآخر ، ويجب الوفاء بهذا الشرط ، وهكذا الحال لو اشترطت الزيادة لغير العامل منهما أو لغير من يكون عمله أكثر أو أهم من عمل صاحبه ، ولو اشترطا ان يكون تمام الربح لأحدهما أو يكون تمام الخسران على أحدهما ففي صحة العقد اشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.

( مسألة ٧٣٥ ) : إذا لم يشترطا لأحدهما زيادة في الربح ، فان تساوى المالان تساويا في الربح والخسران ، والا كان الربح والخسران بنسبة المالين ، فلو كان مال أحدهما ضعف مال الآخر كان ربحه وضرره ضعف الآخر ، سواء تساويا في العمل أو اختلفا أو لم يعمل أحدهما أصلاً.

( مسألة ٧٣٦ ) : لو اشترطا في عقد الشركة أن يشتركا في العمل كل منهما مستقلاً ، أو يعمل أحدهما فقط ، أو يعمل ثالث يستأجر لذلك وجب العمل على طبق الشرط.

( مسألة ٧٣٧ ) : إذا لم يعيِّنا العامل فان كانت الشركة اذنية لم يجز لأيّ منهما التصرف في رأس المال بغير إجازة الآخر ، وان كانت الشركة معاوضية جاز تكسب كل منهما برأس المال على نحو لا يضرّ بالشركة.

( مسألة ٧٣٨ ) : يجب على من له العمل ان يكون عمله على طبق ما هو المقرر بينهما ، فلو قررا ـ مثلاً ـ أن يشتري نسيئة ويبيع نقداً ، أو يشتري من المحل الخاص وجب العمل به ، ولو لم يعين شيء من ذلك لزم العمل

٣٠٥

بما هو المتعارف على وجه لا يضر بالشركة.

( مسألة ٧٣٩ ) : لو تخلّف العامل عما شرطاه ، أو عمل على خلاف ما هو المتعارف في صورة عدم الشرط أثم ولكن تصح المعاملة ، فان كانت رابحة اشتركا في الربح وان كانت خاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو التلف.

( مسألة ٧٤٠ ) : الشريك العامل في رأس المال أمين ، فلا يضمن التالف كلاً أو بعضاً من دون تعدٍّ أو تفريط.

( مسألة ٧٤١ ) : لو ادعى العامل التلف في مال الشركة فان كان مأموناً عند صاحبه لم يطالبه بشيء ، والا جاز له رفع امره الى الحاكم الشرعي.

( مسألة ٧٤٢ ) : لو جعلا للشركة أجلاً فان كانت معاوضية لزم مطلقاً ، وان كانت اذنية لم يلزم ؛ فيجوز لكل منهما الرجوع قبل الانقضاء ، نعم لو اشترطا عدم فسخها الى أجل معين صحّ الشرط ووجب العمل به ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخ أي منهما وان كان الفاسخ آثماً.

( مسألة ٧٤٣ ) : إذا مات أحد الشركاء لم يجز للآخرين التصرف في مال الشركة ، وكذلك الحال في الجنون والاغماء والسفه.

( مسألة ٧٤٤ ) : لو اتجر أحد الشريكين بمال الشركة ثم ظهر بطلان عقد الشركة ، فان لم يكن الإذن في التصرف مقيداً بصحة الشركة صحت المعاملة ويرجع ربحها اليهما ، وان كان الإذن مقيداً بصحة العقد كان العقد بالنسبة الى الآخر فضولياً ، فان أجاز صح والا بطل.

( مسألة ٧٤٥ ) : لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في المال المشترك الا برضا الباقين ، ومتى طلب أحدهم القسمة فان كانت قسمة ردّ ( أي يتوقف تعديل السهام على ضم مقدار من المال الى بعضها ليعادل البعض الآخر ) او كانت مستلزمة للضرر لم يجب على الباقين القبول وإلاّ وجب عليهم ذلك ، ولو طلب احدهم بيع ما يترتب على قسمته ضرر ليقسم الثمن تجب اجابته ويجبر عليه الممتنع.

٣٠٦

( أحكام الصلح )

( مسألة ٧٤٦ ) : الصلح هو ( التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حق بعوض مادي أو مجاناً ). ولا يشترط كونه مسبوقاً بالنزاع.

( مسألة ٧٤٧ ) : يعتبر في المتصالحين البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة ان يتصرف في ماله من الطرفين ان لا يكون محجوراً عليه من ذلك لسفه أو فلس.

( مسألة ٧٤٨ ) : لا يعتبر في الصلح صيغة خاصة ، بل يكفي فيه كل لفظ أو فعل دال عليه.

( مسألة ٧٤٩ ) : لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به ، فاذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما ان يتصالحا على الشركة بالتساوي او بالاختلاف ، كما يجوز لأحدهما ان يصالح الآخر بمال خارجي معين ، ولا يفرق في ذلك بين ما اذا كان التمييز بين المالين متعذراً وما اذا لم يكن متعذراً.

( مسألة ٧٥٠ ) : اسقاط الحق أو الدين لا يحتاج الى قبول ، وأما المصالحة عليه فلا بد فيها من القبول.

( مسألة ٧٥١ ) : لو علم المديون بمقدار الدين ، ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقل منه لم يحل الزائد للمديون ، الا ان يعلم برضا الدائن بالمصالحة حتى لو علم بمقدار الدين أيضاً.

( مسألة ٧٥٢ ) : إذا كان شخصان لكل منهما مال في يد الآخر أو على ذمته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر ، فان كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما

٣٠٧

أيضاً ، لأن حرمة الربا تعم الصلح على هذا النحو ، وهكذا الحكم في صورة احتمال الزيادة وعدم العلم بها على الأحوط لزوماً.

ويمكن الاستغناء عن الصلح بالمبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بان يقول احدهما لصاحبه في الفرض الأوّل ( صالحتك على ان تهب لي ما في يدي وأهب لك ما في يدك ) فيقبل الآخر ، ويقول في الفرض الثاني ( صالحتك على أن تبرأني مما لك في ذمتي وابرأك ممّا لي في ذمتك ) فيقبل الآخر.

( مسألة ٧٥٣ ) : لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مر في المسألة السابقة ، مثلاً إذا كان أحد الدينين الحالّين من الحنطة الجيدة والآخر من الحنطة الرديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما بالآخر ، ولا يجوز ذلك في صورة عدم التساوي.

( مسألة ٧٥٤ ) : يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان المقصود ابراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً لا المعاوضة بين الزائد والناقص ، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما في المكيل أو الموزون ، وأما في غير ذلك كالعملات الورقية فتجوز المعاوضة عنه ـ صلحاً وبيعاً ـ بالأقل نقداً ؛ سواء من المديون وغيره ومن ذلك خصم الصكوك وتنزيل الكمپيالات من المصارف وغيرها كما مر في المسألة (٦٥٧).

( مسألة ٧٥٥ ) : ينفسخ الصلح بتراضي المتصالحين بالفسخ ، وكذا إذا فسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصلح.

( مسألة ٧٥٦ ) : لا يجري خيار المجلس ولا خيار الحيوان في الصلح ، كما لا يجري خيار الغبن في الصلح الواقع في موارد قطع النزاع والخصومات بل ولا في غيره على الأحوط لزوماً ، وكذلك لا يجري في

٣٠٨

الصلح خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم لو أخّر تسليم المصالح به عن الحد المتعارف ، أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة ، واما بقية الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضاً.

( مسألة ٧٥٧ ) : لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ ، والأحوط لزوماً عدم المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب عند عدم امكان الرد.

( مسألة ٧٥٨ ) : يجوز للمتنازعين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدعى به أو بشيء آخر حتى مع إنكار المدعى عليه ، ويسقط بهذا الصلح حق الدعوى ، وكذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر ، فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة ، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً ولا يحل لغير المحق ما يأخذه بالصلح الا مع رضا صاحب الحق بذلك واقعاً لا لمجرد استنقاذ بعض حقه أو تخلصاً من الدعوى الكاذبة.

٣٠٩

( أحكام الاجارة )

( مسألة ٧٥٩ ) : الاجارة هي ( المعاوضةُ على المنفعة عملاً كانت أو غيره ) والأول مثل اجارة الخياط للخياطة والثاني مثل اجارة الدار للسكنى ، ويعتبر في المؤجر والمستأجر البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، ولا تصح إجارة المفلّس امواله التي حجر عليها ، ولكن تصح اجارته نفسه.

( مسألة ٧٦٠ ) : لا تصح الاجارة اذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة أو بحكمه ولم يكن ولياً على المالك ولا وكيلاً عنه ، نعم تصح إذا تعقبت بالاجازة.

( مسألة ٧٦١ ) : إذا آجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الاجارة بالنسبة الى ما بعد بلوغه موقوفه على اجازته حتى فيما إذا كان عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الايجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا آجر الولي الطفل نفسه الى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الايجار الى ما بعد البلوغ مقتضى مصلحة ملزمةً شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الايجار كذلك باذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل ان يفسخه بعد بلوغه.

( مسألة ٧٦٢ ) : لا يجوز استيجار الطفل الذي لا ولي له ـ من الأب أو الجد من طرفه أو الوصي لأحدهما ـ إلاّ بأجازة المجتهد العادل أو وكيله ، وإذا لم يتمكن من الوصول إليه جاز استيجاره باجازة بعض عدول المؤمنين.

( مسألة ٧٦٣ ) : لا تعتبر العربية في صيغة الاجارة ، بل لا يعتبر اللفظ في صحتها ، فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الايجار وقبضه المستأجر بقصد الاستيجار صحت الاجارة ، وتكفي في الأخرس الاشارة

٣١٠

المفهمة للايجار والاستيجار.

( مسألة ٧٦٤ ) : لو استأجر دكاناً أو داراً أو بيتاً بشرط أن ينتفع به هو بنفسه لم يجز ايجاره للغير على وجه ينتفع به الغير ، ويجوز لو كان على نحو يرجع الانتفاع به لنفس المستأجر الأوّل ، كأن تستأجر إمراة داراً ثم تتزوج فتؤجر الدار لزوجها لسكناها.

( مسألة ٧٦٥ ) : إذا استأجر عيناً فله أن يؤجرها من غيره ـ الا إذا اشترط عليه عدم ايجارها صريحاً أو كان الايجار غير متعارف خارجاً بحيث أغنى ذلك عن التصريح باشتراط عدمه ـ ولكن الأحوط لزوماً عدم تسليم العين الى المستأجر الثاني من دون رضا المؤجر المستكشف ولو من قرائن الحال ، وعلى هذا فلو استأجر سيارة للركوب أو لحمل المتاع مدة معينة فآجرها في تلك المدة أو في بعضها من آخر صحّ ولكن يستأذن المالك في تسليمها اليه أو لا يسلِّمها بل يبقى فيها وان ركبها ذلك الآخر أو حَمَّلها متاعه.

( مسألة ٧٦٦ ) : لو جاز للمستأجر ان يؤجر العين المستأجرة واراد ان يؤجرها بأزيد مما استأجرها به فلا بد ان يحدث فيها شيئاً كالترميم أو التبييض أو يغرم فيها غرامة ولو لحفظها وصيانتها ، والا لم يجز له ذلك.

هذا في الدار والسفينة والحانوت ، وكذا في غيرها من الاعيان المستأجرة ـ حتى الأراضي الزراعية ـ على الأحوط لزوماً ، ولا فرق في عدم جواز الايجار بالازيد بين ان يؤجرها بنفس الجنس الذي استأجرها به أو بغير ذاك الجنس سواء كان من النقود أم من غيرها.

( مسألة ٧٦٧ ) : لو اشترط في الاجارة ان يكون عمل الأجير لشخص المستأجر لم يجز له إيجاره ليعمل لشخص آخر ، ويجوز ذلك مع عدم الاشتراط أو ما بحكمه كما مر ، الا انه لا يجوز أن يؤجره بأزيد مما استأجره سواء أكانت الاجرتان من جنس واحد أم لا.

( مسألة ٧٦٨ ) : إذا آجر نفسه لعمل من دون تقييد بالمباشرة ولا مع

٣١١

الانصراف اليها لم يجز له أن يستأجر غيره لذلك العمل بعينه بالأقل قيمة من الأجرة في اجارة نفسه ، نعم لا بأس بذلك إذا أتى ببعض العمل ولو قليلا فاستأجر غيره للباقي بالأقل قيمة من الاجرة.

( مسألة ٧٦٩ ) : إذا استأجر الدكان ـ مثلاً ـ لمدة وانتهت المدة لم يجز له البقاء فيه من دون رضا المالك ، الا إذا كان قد اشترط عليه في ضمن عقد الاجارة أو في عقد لازم آخر أن يكون له أو لمن يعينه مباشرة أو بواسطة حق اشغال الدكان والاستفادة منه ازاء مبلغ معين سنوياً أو ازاء ما يعادل اُجرته المتعارفة في كل سنة ، فانه في هذه الصورة يجوز للمستأجر أو لمن يعينه البقاء في الدكان ولو مِنْ دون رضا المالك ولا يحق للمالك الا أن يطالب بالمبلغ الذي اتفقا عليه ازاء الحق المذكور المسمى في عرفنا ب‍ ( السرقفلية ).

( مسألة ٧٧٠ ) : يعتبر في العين المستأجرة أمور :

(١) التعيين ، فلو قال آجرتك إحدى دوري لم تصح الاجارة.

(٢) المعلومية ، بأن يشاهد المستأجر العين المستأجرة ، أو توصف له خصوصيتها التي تختلف فيها الرغبات ولو كان ذلك بتوصيف المؤجر ، وهكذا فيما لو كانت كلية.

(٣) التمكن من التسليم ، ويكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء عليها ، فتصح اجارة الدابة الشاردة ـ مثلاً ـ إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

(٤) إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة النقود ونحوها للاتجار بها.

(٥) قابليتها للانتفاع المقصود من الاجارة ، فلا تصح إجارة الارض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( مسألة ٧٧١ ) : يصح إيجار الشجر للانتفاع بثمرها غير الموجود فعلاً ، وكذلك إيجار الحيوان للانتفاع بلبنه أو البئر للاستقاء.

( مسألة ٧٧٢ ) : يجوز للمرأة إيجار نفسها للارضاع من غير حاجة الى

٣١٢

إجازة زوجها ، نعم لو أوجب ذلك تضييع حقه توقفت صحة الاجارة على إجازته.

( مسألة ٧٧٣ ) : تعتبر في المنفعة التي يستأجر المال لأجلها أمور أربعة :

(١) ان تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرّم منها أو اوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الاجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط ان يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر السيارة بشرط أن يحمل الخمر عليها.

(٢) أن تكون لها مالية يبذل المال بازائها عند العقلاء على الأحوط لزوماً.

(٣) تعيين نوع المنفعة ، فلو آجر سيارة تصلح للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

(٤) تعيين مقدار المنفعة ، وهو اما بتعيين المدة كما في إجارة الدار والدكان ونحوهما ، واما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى بلد معلوم من طريق معين واما بتعيين المسافة كركوب السيارة لمسافة معلومة.

( مسألة ٧٧٤ ) : يحرم حلق اللحيّة وأخذ الأجرة عليه على الأحوط لزوماً إلاّ إذا كان مكرهاً على الحلق أو مضطراً إليه لعلاج أو نحوه أو خاف الضرر من تركه أو كان تركه حرجياً عليه بحدٍّ لا يتحمل عادةً ، ففي هذه الموارد يجوز الحلق كما يجوز للحلاق أخذ الأجرة عليه.

( مسألة ٧٧٥ ) : لا بد من تعيين الزمان في موارد تعيين المنفعة بالمدة ـ كسكنى الدار ـ أو بالمسافة ـ كركوب السيارة ـ الا اذا كان هناك قرينة على التعيين كالاطلاق الذي هو قرينة على أن ابتداءها من حين اجراء العقد ، ولا يعتبر تعيين المدة في الاجارة على الاعمال كالخياطة الا إذا اختلفت الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل فلا بد من تعيين الزمان فيه أيضاً

٣١٣

إلاّ إذا وُجدت قرينة عليه كالاطلاق الذي يقتضي التعجيل على الوجه العرفي.

( مسألة ٧٧٦ ) : لو آجر داره سنة ، وجعل إبتداءها بعد مضي شهر ـ مثلاً ـ من إجراء الصيغة صحت الاجارة ، وان كانت العين عند اجراء الصيغة مستأجرة للغير.

( مسألة ٧٧٧ ) : لا تصح الاجارة إذا لم تتعين مدة الايجار فلو قال ( آجرتك الدار كل شهر بدينار مهما أقمت فيها ) لم تصح ، وإذا آجرها شهراً معيناً بدينار وقال ( كلما أقمت بعد ذلك فبحسابه ) صحت الاجارة في الشهر الأوّل خاصة.

( مسألة ٧٧٨ ) : الدور المعدة لاقامة الغرباء والزوار إذا لم يعلم مقدار مكثهم فيها ، وحصل الاتفاق على أداء مقدار معين عن إقامة كل ليلة ـ مثلاً ـ يجوز التصرف فيها ، ولكن لا يصح ذلك إجارة حيث لا يعلم مدة الايجار بل يكون من الاباحة المشروطة بالعوض فللمالك إخراجهم متى ما أراد.

( مسألة ٧٧٩ ) : لا بأس بأخذ الأجرة على ذكر مصيبة سيد الشهداء وسائر الأئمةعليهم‌السلام وذكر فضائلهم والخطب المشتملة على المواعظ ونحو ذلك.

( مسألة ٧٨٠ ) : تجوز الاجارة عن الميت في العبادات الواجبة عليه نظير الصلاة والصيام والحج ، ولا يجوز ذلك عن الحي الا في الحج عن المستطيع العاجز عن المباشرة أو من استقر عليه الحج ولم يتمكن من المباشرة ، وتجوز الاجارة عن الحي والميت في بعض المستحبات العبادية كالحج المندوب وزيارة الأئمةعليهم‌السلام ، وما يتبعهما من الصلاة ، ولا بأس باتيان المستحبات واهداء ثوابها الى الاحياء كما يجوز ذلك في الأموات.

( مسألة ٧٨١ ) : لا تجوز ـ على الأحوط ـ الاجارة على تعليم مسائل الحلال والحرام وتعليم الواجبات مثل الصلاة والصيام ونحوهما مما كان محل الابتلاء دون غيره ، والأحوط لزوماً عدم أخذ الأجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم ، نعم لا بأس بأخذ الأجرة على خصوصية زائدة

٣١٤

فيها على المقدار الواجب.

( مسألة ٧٨٢ ) : يعتبر في الأجرة أن تكون معلومة ، فلو كانت من المكيل أو الموزون قدرت بهما ، ولو كانت من المعدود كالنقود قدرت بالعد ، وإن كانت مما تعتبر مشاهدته في المعاملات لزم ان يشاهدها المؤجر أو يبين المستأجر خصوصياتها له.

( مسألة ٧٨٣ ) : يجوز للأجير على الخياطة ونحوها أن يحبس العين التي استؤجر للعمل فيها بعد اتمام العمل الى أن يستوفي الأجرة ، واذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

( مسألة ٧٨٤ ) : لا يستحق المؤجر مطالبة الأجرة قبل تسليم العين المستأجرة ، وكذلك الأجير لا يستحق مطالبة الأجرة قبل اتيانه بالعمل الا إذا جرت العادة بتسليمها مسبقاً ـ كالاجير للحج ـ أو اشترط ذلك.

( مسألة ٧٨٥ ) : إذا سلّم المؤجر العين المستأجرة وجب على المستأجر تسليم الأجرة ، وان لم يتسلّم العين المستأجرة أو لم ينتفع بها في بعض المدة أو تمامها.

( مسألة ٧٨٦ ) : إذا آجر نفسه لعمل وسلّم نفسه الى المستأجر ليعمل له استحق الأجرة ، وان لم يستوفه المستأجر ، مثلاً : إذا آجر نفسه لخياطة ثوب في يوم معين ، وحضر في ذلك اليوم للعمل وجب على المستأجر اعطاء الأجرة وان لم يسلمه الثوب ليخيطه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الأجير فارغاً في ذلك اليوم أو مشتغلاً بعمل آخر لنفسه أو لغيره.

( مسألة ٧٨٧ ) : لو ظهر بطلان الاجارة بعد انقضاء مدتها وجب على المستأجر أداء اجرة المثل ، فلو استأجر داراً سنة بمائة دينار وظهر بطلانها بعد مضي المدة ، فان كانت اجرته المتعارفة خمسين ديناراً لم يجب على المستأجر أزيد من خمسين ديناراً ، نعم لو كانت الأجرة المتعارفة مائتي دينار مثلاً وكان المؤجر هو المالك أو وكيله المفوض اليه أمر تحديد الأجرة

٣١٥

ـ وكان عالماً بأجرة المثل ـ لم يكن له أخذ الزائد على الأجرة المسماة وهي المائة دينار ، ولو ظهر بطلان الاجارة اثناء المدة فحكمه بالنسبة الى ما مضى حكم ظهور البطلان بعد تمام المدة.

( مسألة ٧٨٨ ) : إذا تلفت العين المستأجرة لم يضمنها المستأجر إذا لم يتعدّ ولم يقصر في حفظها ، وكذلك الحال في تلف المال عند الأجير كالخياط ، فانه لا يضمن تلف الثوب إذا لم يكن منه تعدّ أو تفريط ، نعم إذا أفسده بعمله فيه كان ضامناً له وان لم يكن عن قصدٍ ، ومثله كل من آجر نفسه لعمل في مال غيره اذا افسد ذلك المال.

( مسألة ٧٨٩ ) : إذا ذبح القصاب حيواناً بطريق غير مشروع فهو ضامن له ، ولا فرق في ذلك بين الأجير والمتبرع بعمله.

( مسألة ٧٩٠ ) : إذا استأجر سيارة لحمل كمية معلومة من المتاع فحمّلها اكثر من تلك الكمية ، فعابت كان عليه ضمانها ، وكذا إذا لم تعين الكمية وحملها اكثر من المقدار المتعارف ، وعلى كلا التقديرين يجب عليه دفع اجرة الزائد أيضاً سواء عابت السيارة أم لا.

( مسألة ٧٩١ ) : لو آجر دابة لحمل الزجاج ـ مثلاً ـ فعثرت فانكسر الزجاج لم يضمنه المؤجر ، إلاّ إذا كانت عثرتها بسببه كما لو ضربها ضرباً غير متعارف فعثرت.

( مسألة ٧٩٢ ) : الختّان إن قصّر أو أخطأ في عمله كأن تجاوز عن الحد المتعارف فتضرر الطفل أو مات كان ضامناً ، وان تضرر أو مات بأصل الختان لم يكن عليه ضمان إذا لم يعهد الا اجراء عملية الختان ـ دون تشخيص ما اذا كان الطفل يتضرر بها أم لا ـ ولم يكن يعلم بتضرره مسبقاً.

( مسألة ٧٩٣ ) : لو عالج الطبيب المريض مباشرة أو وصف له الدواء حسب ما يراه ، فاستعمله المريض وتضرر أو مات كان ضمانه عليه وان لم يكن مقصراً.

٣١٦

( مسألة ٧٩٤ ) : لو تبرأ الطبيب من الضمان ومات المريض أو تضرر بطبابته لم يضمن إذا كان حاذقاً وقد أعمل دقته واحتاط في المعالجة.

( مسألة ٧٩٥ ) : تنفسخ الاجارة بفسخ المؤجر والمستأجر إذا تراضيا على ذلك ، وكذلك تنفسخ بفسخ من اشترط له حق الفسخ في عقد الاجارة من المؤجر أو المستأجر أو كليهما.

( مسألة ٧٩٦ ) : إذا ظهر غبن المؤجر أو المستأجر كان له خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ ولو اسقط حقه في ضمن العقد أو بعده لم يستحق الفسخ.

( مسألة ٧٩٧ ) : إذا غصبت العين المستأجرة قبل التسليم الى المستأجر فله فسخ الاجارة واسترجاع الأجرة ، وله أن لا يفسخ ويطالب الغاصب بعوض المنفعة الفائتة ، فلو استأجر سيارة شهراً بعشرة دنانير وغصبت عشرة أيام ، وكانت اجرتها المتعارفة في العشرة أياماً خمسة عشر ديناراً جاز للمستأجر ان يطالب الغاصب بخمسة عشر ديناراً.

( مسألة ٧٩٨ ) : إذا منع المستأجر من تسلّم العين المستأجرة أو غصبت منه بعد تسلمها أو منع من الانتفاع بها لم يجز له الفسخ ، وكانت له المطالبة من الغاصب بعوض المنفعة الفائتة.

( مسألة ٧٩٩ ) : لا تبطل الاجارة ببيع المؤجر العين المستأجرة قبل انقضاء المدة من المستأجر أو من غيره.

( مسألة ٨٠٠ ) : تبطل الاجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الاجارة ، وإذا انهدمت اثناء السنة تبطل الاجارة بالنسبة الى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الايجار ، فان فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة الى المدة الماضية ، وان لم يفسخ قسطت

٣١٧

الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

( مسألة ٨٠١ ) : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فان كانت بحيث لو اعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وان لم تعد كذلك فان أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الاجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وان لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ، فان لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما ان له الخيار في فسخ الاجارة رأساً ـ ولو مع التمكن من الزامه ـ فإن فسخ كان عليه للمؤجر اجرة مثل ما استوفاه من المنافع ويرجع عليه بتمام الأجرة المسماة ، وان لم يقدم على تعميرها على الوجه المذكور لتعذره ولو في حقه فتلف مقدار من منفعة الدار بطلت الاجارة بالنسبة الى المنافع الفائتة ، وكان للمستأجر حق فسخ اصل الاجارة فان فسخ جرى عليه ما تقدم في الصورة السابقة عند الفسخ.

( مسألة ٨٠٢ ) : الظاهر ان موت المؤجر أو المستأجر لا يقتضي بنفسه بطلان الاجارة مطلقاً ، نعم قد يقتضيه من جهة اخرى ، كما إذا لم يكن المؤجر مالكاً للعين المستأجرة بل مالكاً لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية أو نحوها ـ فمات اثناء مدة الاجارة فانها تبطل حينئذٍ بالنسبة الى المدة الباقية.

( مسألة ٨٠٣ ) : لو وكل شخصاً في أن يستأجر له عمالاً فاستأجرهم بأقل مما عيّن الموكل حرمت الزيادة على الوكيل ووجب ارجاعها الى الموكل.

( مسألة ٨٠٤ ) : اذا استأجره على عملٍ مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلةٍ أو وصفٍ فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فان لم يمكن الاتيان بالعمل ثانياً تخيّر المستأجر بين فسخ الاجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه ، فان طالبه بها لزمه اعطاؤه اجرة المثل ، وان أمكن أداء العمل ثانياً وجب الاتيان به على النهج الذي وقعت عليه الاجارة.

٣١٨

( أحكام الجعالة )

( مسألة ٨٠٥ ) : الجعالة : هو ( الالتزام بعوض معلوم ولو في الجملة على عمل معلوم كذلك ) كأن يلتزم شخص بدينار لكل من يجد ضالته ، ويسمى الملتزم ( جاعلا ) ومن يأتي بالعمل ( عاملاً ) ، ومما تفترق به عن الاجارة وجوب العمل على الأجير بعد العقد دون العامل ، كما تشتغل ذمة المستأجر للأجير قبل العمل بالاُجرة ، ولا تشتغل ذمة الجاعل للعامل ما لم يأت بالعمل.

( مسألة ٨٠٦ ) : يعتبر في الجاعل : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر لسفه أو فلس ، فالسفيه الذي يصرف ماله فيما لا يجدي لا تصح الجعالة منه ، وكذا المفلس فيما حجر عليه من امواله.

( مسألة ٨٠٧ ) : يعتبر في الجعالة أن لا يكون العمل محرماً ، أو خالياً من الفائدة ، فلا يصح جعل العوض لشرب الخمر ، أو الدخول ليلاً في محل مظلم ـ مثلاً ـ إذا لم يكن فيه غرض عقلائي.

( مسألة ٨٠٨ ) : لا يعتبر في الجعالة تعيين العوض بخصوصياته ، بل يكفي أن يكون معلوماً لدى العامل بحد لا يكون معه الاقدام على العمل سفهياً فلو قال ( بع هذا المال بأزيد من عشرة دنانير والزائد لك ) صح ، وكذا لو قال ( من ردّ فرسي فله نصفها أو له كذا مقدار من الحنطة ).

( مسألة ٨٠٩ ) : إذا كان العوض في الجعالة مجهولاً محضاً كما لو قال ( من ردّ فرسي فله شيء ) بطلت ، وللعامل اجرة المثل.

( مسألة ٨١٠ ) : لا يستحق العامل شيئاً إذا اتى بالعمل قبل الجعالة أو بعدها تبرعاً.

( مسألة ٨١١ ) : يجوز للجاعل الرجوع عن الجعالة قبل الشروع في

٣١٩

العمل ، وأما بعد الشروع فالأحوط لزوماً عدم الرجوع الا بالتوافق مع العامل.

( مسألة ٨١٢ ) : الجعالة لا تقتضي وجوب اتمام العمل على العامل إذا شرع فيه ، نعم قد تقتضيه لجهة اخرى ، كما إذا اوجب تركه الاضرار بالجاعل أو من يكون له العمل ، كأن يقول : ( كل من عالج عيني فله كذا ) فشرع الطبيب باجراء عملية في عينه ، بحيث لو لم يتمها لتعيبت عينه فيجب عليه الاتمام.

( مسألة ٨١٣ ) : لا يستحق العامل شيئاً من العوض إذا لم يتم العمل الذي جعل بازائه ، فإذا جعل العوض على ردّ الدابة الشاردة مثلاً فجاء بها الى البلد ولم يوصلها اليه لم يستحق شيئاً ، وكذا لو جعل العوض على مثل خياطة الثوب فخاط بعضه ولم يكمله ، نعم لو جعله موزعاً على اجزاء العمل من دون ترابط بينها في الجعل ، استحق العامل منه بنسبة ما اتى به من العمل.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551