المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات10%

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
ISBN: 978-964-8629-59-0
الصفحات: 551

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234066 / تحميل: 5612
الحجم الحجم الحجم
المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٦٢٩-٥٩-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يكون جاهلاً لسائر اللغات أيضاً، وعلى ذلك فليس للأُمّي إلّا معنى واحد وله مصاديق وأفراد حسب الظروف التي تستعمل الكلمة فيها، واطلاقه في الآية على من لم يعرف اللغات السامية لا يكون دليلاً على كونه موضوعاً لخصوص هذا المعنى، كما أنّ إطلاق الإنسان وإرادة فرد منه بالقرينة لا يكون دليلاً على كونه موضوعاً لذلك الفرد.

هذا هو خلاصة المقال في وصف الاُمّي الذي جاء توصيف النبي به في الذكر الحكيم وهناك آيات أُخر تثبت ذلك المعنى ( اُمّية النبي ) قال سبحانه:

( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت / ٤٨ ).

فالآية بحكم وقوع النكرة فيها في سياق النفي تفيد شمول السلب وعمومه لتلاوة أي كتاب وممارسة أية كتابة.

ثمّ إنّه سبحانه علّل هذا السلب بأنّه خير عون لنفي ريب المبطلين وشك المشكّكين إذ لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ممارساً للقراءة والكتابة قبل البعثة، لاتّهمه اليهود والنصارى والمشركون بأنّ الشريعة التي جاء بها تلقّاها عن طريق قراءة الصحف وتلاوتها، ولأجل صد هذا الريب وقلع جذور هذا الشك لم يُمكّن نبيّه عن تعلّم الكتابة والقراءة حتّى يكون ذا بيّنة قويّة على أنّ شريعته شريعة سماوية.

ومع أنّ النبي الأكرم عاش أربعين سنة بلا ممارسة للكتابة والقراءة فقد اتّهمه بعض المعاندين بأنّ قرآنه استنساخ منه لما تملى عليه، قال سبحانه:

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إلّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا *وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفرقان / ٤ و ٥ ).

وكان المعاند يبثّ بذر هذا الشك حتّى وافاه الوحي الإلهي بالنقد والرد بقوله

٨١

سبحانه:

( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( يونس / ١٦ ).

ومعنى الآية إنّكم أيّها العرب تحيطون بتاريخ حياتي، فقد لبثت فيكم عمراً يناهز الأربعين فهل رأيتموني أقرأ كتاباً أو أخطّ صحيفة، فكيف ترمونني بالإفك الشائن بأنّه أساطير الأوّلين التي اكتتبتها وافتريتها على الله وأعانني على ذلك قوم آخرون ؟ فإذا كنتم واقفين على سيرتي وحياتي في الفترة الماضية فاعلموا أنّه منزّل من الله سبحانه كما أمر الله نبيّه أن يجبهم بقوله:

( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الفرقان / ٦ )

نعم ربّما يقال بأنّ قوله:( مَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ ) لا يدل على أنّ النبي كان أُمّياً بل فيها أنّه لم يكن يكتب الكتاب، وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه كما لا يكتب من لا يحسنه(١) .

يلاحظ عليه: أنّ التعليل الوارد في الآية إنّما يصحّ وقوعه علّة لصدر الآية إذا كان النبي غير مستطيع لأن يقرأ ويكتب لا أن يكون عالماً بهما وإن لم يمارسهما، وذلك لأنّ التعليل بصدد إزالة الشك والريب في أنّه كتاب سماوي وليس من صنع النبي ولا يمت إليه بصلة وذلك إنّما يتحقّق إذا كان النبي أُمّياً محضاً غير قادر عليهما لا ما إذا كان عارفاً بهما ولكن تركهما لمصلحة أو لعلّة أُخرى.

* * *

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن: ج ٨ ص ٢١٦، طبع بيروت. ويظهر من الآلوسي في تفسيره أنّه إعتمد على هذا.

٨٢

وضع النبي بعد البعثة

اتّفق المحقّقون من السنّة والشيعة على أنّه كان أُمّياً قبل البعثة لا يحسن الكتابة والقراءة، وأمّا وضعه بعد البعثة وانّه هل بقي على ما كان عليه قبلها أو تغيّر وضعه وصار عارفاً بالكتابة والقراءة، وعلى فرض ثبوت معرفته بهما فهل مارسهما في بعض الفترات من عمره أو لا ؟ فهذه بحوث خارجة عن موضوع بحثنا لأنّ البحث في حياته وسيرته قبل البعثة وما ذكر يرجع إلى سيرته بعدها، ولعلّنا نرجع إلى تلك المسألة في المستقبل.

* * *

٧ ـ إيمان النبي قبل البعثة

لم يشك أحد من أهل التاريخ والسير في انّ النبي الأكرم كان على خط التوحيد قبل البعثة ويدل عليه مأثورات كثيرة والمسألة إتفاقية بين المسلمين ولا تحتاج إلى اطناب، وقد دلّت الآثار على أنّه كان يكافح الوثنيّة منذ نعومة أظفاره ومن إبّان طفوليته وشبابه.

روى صاحب المنتقى: انّ النبي لـمّا تمّ له ثلاث سنين، قال يوماً لوالدته أي مرضعته « حليمة السعديّة »: ما لي لا أرى أخويّ بالنهار ؟ قالت له: يا بُنيّ إنّهما يرعيان غنيمات.

قال: فما لي لا أخرج معهما ؟

قالت له: أتحبّ ذلك ؟

قال: نعم.

قالت حليمة السعدية: فلمّا أصبح محمّد دهّنته وكحّلته وعلّقت في عنقه

٨٣

خيطاً فيه جزع يماني فنزعه ثمّ قال لأُمّه: « مهلاً يا أُمّاه فإنّ معي من يحفظني »(١) .

ونكتفي في المقام بهذا المقدار وقد بسطنا الكلام في المأثورات حول توحيده وإيمانه في محلّه(٢) .

إنّما المهم تعيين الشريعة التي كان يطبّقها في أعماله الفردية والإجتماعية العبادية وغيرها.

الشريعة التي كان يتعبّد بها قبل البعثة

أمّا الشريعة التي كان يطبقها في أعماله فقد إختلفت الأنظار فيه وانتهت إلى أقوال واحتمالات:

١ ـ إنّه لم يكن يتعبّد بشريعة من الشرائع وإنّما يكتفي في أعماله الفردية والإجتماعية بما يوحي إليه عقله.

وهذا القول لا يُعرَّج عليه، إذ لم تكن أعماله منحصرة في المستقلّات العقليّة كالاجتناب عن البغي والظلم والتحنّن على اليتيم، والعطف على المسكين، بل كانت له أعمال عبادية لا تصحّ بدون الركون إلى شريعة لأنّه كان يخرج في شهر رمضان إلى « حراء » فيعتكف فيه وهل يمكن الاعتكاف بدون الاعتماد على شريعة، وقد رويت عن أئمّة أهل البيت: إنّه حجّ عشرين حجّة مستتراً(٣) ولم يكن البيع والربا ولا الخل والخمر ولا المذكّى والميتة ولا النكاح والسفاح عنده سواسية، فطبيعة الحال تقتضي أن يكون عارفاً بأحكام عباداته وأفعاله.

__________________

(١) المنتقى للكازروني، الباب الثاني من القسم الثاني، ونقله المجلسي في البحار: ج ١٥، ص ٣٩٢.

(٢) لاحظ « مفاهيم القرآن »: ج ٥ ص ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٣) الوسائل: ج ٨، الباب٤٥ ص ٨٧ ـ ٨٨.

٨٤

٢ ـ إنّه كان يعمل بشريعة إبراهيم وسننه وطقوسه المعروفة وهذا هو الذي كان السيّد العلّامة الطباطبائي يستظهره كأحقّ الأقوال بشهادة أنّ أجداد النبي واُسرة البيت الهاشمي وجميع الأحناف في الجزيرة العربية كانوا على دين إبراهيم ولم ينقل أحد من أهل السير تهوّدهم أو تنصّرهم.

ويتوجّه على هذا القول: إنّ لازم ذلك كونه عاملاً بالشريعة المنسوخة فإنّ الشريعتين اللاحقتين كشريعة الكليم والمسيح نسختا تلك الشريعة، إلّا أن يقال: إنّ سنن إبراهيمعليه‌السلام وطقوسه كانت باقية على ما هي عليها في الشرائع اللاحقة لها، وإنّما انقضت نبوّته، ولكن شريعته كانت باقية في غضون الشرائع اللاحقة، ولأجل ذلك صارت الشريعة الإبراهيميّة هي الأساس للشرائع اللّاحقة وإنّما زيد عليها في الفترات اللاحقة أحكام وأُصول أُخر جاء بها الكليم، أو المسيح أو النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم يبقى على هذا القول إشكال آخر وهو أنّه لازم هذا القول أن يكون النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله جزء من أُمّة إبراهيمعليه‌السلام تابعاً له، واقتداء الفاضل بالمفضول غير صحيح عقلاً ولم يخصّ أحد تفضيله على سائر الأنبياء بوقت دون وقت، فيجب أن يكون أفضل في جميع الأوقات فلاحظ وتأمّل.

٣ ـ أن يكون تابعاً للشريعة الأخيرة وهي شريعة المسيح، وأمّا شريعة الكليم فلا شك أنّها كانت منسوخة بالشريعة اللاحقة، ولكن هذا الاحتمال مبني على أن يكون النبي واقفاً بشريعة المسيح ولم يكن له طريق إلّا مخالطة أهل الكتاب وعلمائهم، وحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنسجم مع هذا الإحتمال، إذ لم يتعلّم منهم شيئاً ولم يسألهم.

٤ ـ إنّه كان يعمل حسب ما يُلهم ويوحى إليه سواء أكان مطابقاً لشرع من قبله أم مخالفاً، وسواء أكان مطابقاً لما بعث عليه من الشريعة فيما بعد أم لا ؟ وهذا هو أظهر الأقوال، ويؤيّد ذلك ما نقل عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال:

٨٥

«لَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ مِنْ لَدُنْ اَنْ كَانَ فَطيماً اَعْظَمَ مَلك مِنْ مَلائِكتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَريقَ المَكَارِم وَمحَاسِنَ اَخْلاَقِ العَالم لَيْلِهِ ونَهارِهِ وَلَقَدْ كنْتُ اَتَّبَعهُ اتِّباعَ الفَصِيلِ اثرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي في كُلِّ يوْمٍ منْ أخْلاَقِهِ علماً فاَراه وَلا يَرَاه غَيرِي » (١) .

وعلى ذلك لا جدوى من البحث بعد ما كان العمل على ضوء ما يلهم ويؤيّد ذلك أنّه سبحانه أنعم على المسيح ويحيى بالنبوّة أيام صغرهما قال سبحانه حاكياً عن المسيح:

( قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ( مريم / ٣٠ ).

وقال سبحانه مخاطباً يحيى:

( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا ) ( مريم / ١٢ ).

ولازم ذلك، أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يُلْهم منذ صباه إلى أن بعثه الله سبحانه نبيّاً وهادياً للبشر وليس ذلك أمراً غريباً، وتؤيّد ذلك المأثورات المتضافرات في بدء نزول الوحي عليه فكان له الرؤية الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه ـ وهو التعبّد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك وقال: « اقرأ »(٢) .

خاتمة المطاف

نحن مهما جهلنا بشيء فلا يليق بنا الجهل بأنّ النبوّة منصب إلهي لا يتحمّله

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٨٧ طبعة عبده.

(٢) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣، باب بدء الوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٤.

٨٦

إلّا الأمثل فالأمثل من الناس، ولا يفاض إلّا لمن له مقدرة روحيّة عظيمة ولا يتهيّب عندما يتمثّل له رسول الرب وأمين الوحي ويميّز بين وحي الحقّ وكلامه ووسوسة الشياطين وإلقاءاتهم، ومن المعلوم أنّه عبء فادح ومسؤولية عظمى، لا يحملها إلّا من وقع تحت رعاية الله وتربيته، ولا تتحقّق تلك الغاية إلّا باقتران ملك من ملائكته يرشده إلى معالم الهداية، ويصونه من صباه إلى شبابه إلى كهولته عن كل سوء وخطأ حتّى تستعدّ نفسه لتمثّل أمين الوحي وتحمّل كلامه سبحانه. وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين في كلامه السابق فلاحظ.

٨٧

٨٨

(٤)

الوحي في القرآن الكريم

لقد تعرّفت على حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة وما ورد حولها من الآيات في القرآن الكريم، وبذلك تمّ بيان ما يرجع إلى الشطر الأوّل من حياته، وتسلسل البحث يدفعنا إلى البحث عن الشطر الثاني من حياته وهو ما يرجع إلى الحوادث التي مرّت عليه بعد البعثة ونزول الوحي عليه قبل هجرته إلى المدينة المنوّرة، وقد أقام بعد أن حباه الله بالنبوّة والرسالة قرابة ثلاثة عشر سنة يقود فيها أُمّته إلى الصلاح والفلاح بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن.

ولمـّا ضاق عليه الأمر في موطنه الأوّل ودارت عليه الدوائر من قبل أعدائه وأعداء رسالته إضطرّ إلى مغادرة موطنه وألقى رحاله في مهجره أعني المدينة المنورة وبقي فيها زهاء عشر سنين إلى أن اختاره الله سبحانه إلى جواره، وبذلك طويت صفحات عمره المشرقة، وبقيت آثارها لامعة في سماء الإنسانيّة مشعلاً للهداية على مرّ العصور والتاريخ، وقد إجتازت مراحل ثلاثة:

١ ـ حياته قبل البعثة.

٢ ـ حياته بعد البعثة إلى الهجرة.

٣ ـ حياته بعد الهجرة حتى الإرتحال إلى الرفيق الأعلى.

فها نحن في رحاب المرحلة الثانية من مراحل حياته الشريفة وجاءت الحوادث في هذه المرحلة تترى وتقارع شخصيّته الصامدة وقبل أن نخوض في تحليل هذه

٨٩

الحوادث حسب التسلسل التاريخي على ضوء ما نستفيده من القرآن الكريم ونستوحيه من خلال آياته ; نذكر حادثة نزول الوحي عليه وتكليله بوسام النبوّة التي هي من هبات الله تعالى الجسيمة يمنحها لمن يشاء من عباده( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) .

الوحي لغة واصطلاحاً

الوحي في اللّغة هو الإلقاء في خفاء.نصّ على ذلك ابن فارس في المقاييس، ثم إنّ أئمّة اللّغة وإن ذكروا للوحي معان مختلفة لكن الجميع يرجع إلى أصل واحد وهو تعليم الغير بخفاء، قال ابن منظور: الوحي الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك يقال وحيت إليه الكلام، والمستفاد من كلماتهم: أنّ الوحي هو الإعلام بخفاء بطريق من الطرق والعنصر المقوّم لمعنى الوحي هو الخفاء، وأمّا غيره كالسرعة على ما في مفردات الراغب فليس بمقوّم لمعنى الوحي، كما أَنّ الإشارة والكتابة والإلهام إلى القلب كلّها من طرق الوحي ووسائله.

وقد أُستعمل الوحي في القرآن الكريم في موارد مختلفة كلّها مصاديق وموارد لهذا المعنى الجامع وإنْ شئت قلت من قبيل تطبيق المعنى الكلّي على مصاديقه المختلفة المتنوّعة، وإليك البيان:

١ ـ تقدير الخلقة بالسنن والقوانين:

قال سبحانه:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ

٩٠

سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) ( فصّلت / ١١ و ١٢ ).

فقوله سبحانه:( وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ أَمْرَهَا ) يحتمل وجهين:

( الأوّل ): أودع في كل سماء السنن والأنظمة الكونية وقدّر عليها دوامها إلى أجل معيّن. وبما أنّ السماوات تلقّت هذه السنن والنظم بالإشارة في خلقتها استعير في التعبير لفظ الوحي.

( الثاني ): إنّ الشعور والإدراك ساريان في جميع مراتب الوجود من أعلاه كواجبه إلى أدناه كالهيولي في عالم التكوين، ولكن كل حسب درجته ومرتبته، فالسماوات تلقّت ما أوحى إليها سبحانه بخفاء فقامت بامتثاله ما أوحى إليها من الوظائف.

ومن هذا القبيل قوله سبحانه:( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا *وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا *وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ) ( الزلزلة / ١ ـ ٥ ).

٢ ـ الإدراك بالغريزة:

قال سبحانه:( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ *ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ) ( النحل / ٦٨ و ٦٩ ).

فالأعمال المدهشة الخلّابة للعقول التي تقوم بها النحل في صنع بيوته والقيام بشؤون وظائفها ثمّ التجوّل بين البساتين، ومصّ رحيق الأنهار، ثمّ إيداعها في صفائح الشهد، شيء تتعلّمه بإيحاء من الله سبحانه وذلك بإيداع الغرائز الكفيلة بذلك، وبما أنّ تأثّر النحل بها بخفاء وبلا إلتفات من الشعور والإدراك اُطلق عليه لفظ الوحي.

ويحتمل أيضاً هناك معنى آخر ذكرناه في الوحي إلى السماء.

٩١

٣ ـ الإلهام والإلقاء في القلب:

وقد استعمل الوحي في الإلقاء إلى القلب في موارد في الذكر الحكيم.

منها قوله سبحانه:( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) ( القصص / ٧ ).

ومنها قوله:( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ) ( المائدة / ١١١ ).

ومنها قوله تعالى في شأن يوسفعليه‌السلام عِندما جعلوه في غيابت الجبّ، قال سبحانه:

( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) ( يوسف / ١٥ ).

إلى غير ذلك من الموارد.

٤ ـ الإشارة:

قال سبحانه:( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) ( مريم / ١١ ).

وبما أنّه استخدم الإشارة في تفهيم مراده فأشبه فعله إلقاء الكلام بخفاء فصار ذلك مصحّحاً لاستعمال لفظ الوحي.

٥ ـ الإلقاءات الشيطانيّة:

قال سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) ( الأنعام / ١١٢ ).

ويعلم وجه استعمال الوحي هنا ممّا ذكرنا فيما سبق.

٩٢

٦ ـ كلام الله المنزّل على نبي من أنبيائه:

قال سبحانه:( كَذَٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الشورى / ٣ ).

وقد عرّف هذا النوع من الوحي بأنّه تعليمه تعالى من اصطفاه من عباده كلّما أراد اطّلاعه على ألوان الهداية واشكال العلم ولكن بطريقة خفيّة غير معتادة للبشر.

وحصيلة البحث: أنّ للوحي معنى واحداً وله مصاديق متنوّعة وليست هي بمعان متكثّرة، وإنّ حقيقة الوحي تعليم غيبي لمن اصطفاه سبحانه من عباده، لا يشابه الطرق المألوفة بين العباد، وإنْ أردت المزيد من الإطّلاع فإليك البيان التالي:

قنوات المعرفة الثلاثة:

إنّ أمام الإنسان طرق ثلاثة للوصول إلى مقاصده:

الطريق الأوّل ـ يستفيد منه جموع الناس غالباً ـ بينما يستفيد طائفة خاصّة منهم من الطريق الثاني، ولا يستفيد من الطريق الثالث إلّا أفراد معدودين تكاملت عقولهم وتسامت أرواحهم وهي كالتالي:

١ ـ الطريق الحسّي والتجربي:

والمقصود منه الإدراكات والمعلومات الواردة إلى الذهن عن طريق الحواس الظاهريّة أو بفضل التجربة التي أسّست الحضارة المعاصرة عليها.

٢ ـ الطريق التعقّلي النظري:

إنّ المفكّرين يتوصّلون إلى كشف الاُمور الخارجة عن إطار الحسّ والتجربة عن طريق الإستدلال وإعمال النظر وإنهاء المجهولات إلى البديهيات، وقد توصّل

٩٣

البشر بهذا الطريق إلى المسائل الفلسفيّة الكلّية وما يضاهيها.

٣ ـ طريق الإلهام:

وهذا هو الطريق الثالث وهو فوق نطاق الحس والتعقّل. إنّه نوع جديد من المعرفة، ونمط متميّز من إدراك الحقائق ليس محالاً من وجهة نظر العلم، وإن كان يصعب على أصحاب الإتجاه المادي قبوله لكونه طريقاً خارجاً عن إطار الحسّ والتعقّل.

إنّ طريق التعرّف على حقائق الكون ـ في منهج المادّيين وأصحاب النزعة المادّية ـ ينحصر في قناتين لا غير وهما اللّذان سبق ذكرهما، في حين أنّ هناك حسب نظر الإلهيين قناة ثالثة أيضاً.

إنّ هذا الطريق الثالث أقوى اُسساً وأوسع آفاقاً عند من يدّعون الرسالة والنبوّة من جانب الله سبحانه، وأنّ نفوس اُولئك الأشخاص لتبدو أكثر صفاءً وطراوة وزهواً.

كلّما حصل ارتباط بين الله سبحانه وفرد من أفراد النوع الإنساني على نحو تلقّي الحقائق من دون توسيط الحواس وأعمال الفكر يسمّى بالإلهام تارة والإشراق اُخرى، وكلّما نتجت من هذا الإرتباط سلسلة تعاليم عامّة يطلق عليها اسم الوحي ويسمّى المتلقّي نبيّاً، ومن هنا اعتبر العلماء « الوحي » الطريقة المطمئنّة الوحيدة إلى المعرفة العامّة.

أنواع الوحي وأقسامه:

إنّ النبي تارة يتلقّى الوحي على نحو الإلهام في القلب، واُخرى يسمع عبارات وكلمات من وراء حجاب كسماع موسىعليه‌السلام كلام الله سبحانه في الطور، وثالثة تنكشف الحقائق له في عالم الرؤيا انكشاف النهار كرؤيا إبراهيم

٩٤

الخليلعليه‌السلام ذبح ولده إسماعيل، وقد ينزل عليه ملك من جانب الله تعالى معه كلامه سبحانه وهو الذي يسمّى بالروح الأمين.

وإلى الطرق الثلاثة: « سوى الرؤيا » اُشير بقوله سبحانه:( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) وإلى نزول الملك بقوله:( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) وأمّا الرؤيا الصادقة فيكفي في ذلك قوله سبحانه حاكياً عن الخليلعليه‌السلام :( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( الصافّات / ١٠٢ ).

فلو لم تكن رؤيا الخليل إدراكاً قطعيّاً واتّضح بها وجه الحقيقة كفلق الصبح لما أخبر ولده بها ولما أجابه الولد بالإمتثال طائعاً. نعم اُشير إلى الملك الحامل لكلام الله سبحانه بقوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ ) ( الشعراء / ١٩٣ و ١٩٤ ).

إنّ هناك من يحاول أن يفسّر الوحي بالاُصول المادّية والطرق الحسّية ولهم في ذلك آراء ونظريات يشبه كثيرها بكلام بعض المشركين في تقييم الوحي والقرآن الكريم، وإليك بيان هذه النظريات واحدة تلو الاُخرى.

١ ـ الوحي وليد النبوغ:

ويقولون: يتميّز بين أفراد الإنسان المتحضّر أشخاص يملكون فطرة سليمة، وعقولاً مشرقة تهديهم إلى ما فيه صلاح المجتمع وسعادة الإنسان، فيضعون قوانين فيها مصلحة المجتمع وعمارة الدنيا، والإنسان المتصدّي لهذه الوظيفة هو النبي، والفكر المترشّح من مكامن عقله وومضات نبوغه هو الوحي، والقوانين التي يسنّها لصلاح المجتمع هي الدين، والروح الأمين ( جبرئيل ) هو نفسه الطاهرة التي تفيض هذه السنن والقوانين إلى مراكز إدراكه، والكتاب السماوي هو كتابه الذي يتضمّن تلك السنن والقوانين، والملائكة التي تؤيّده في حلّه وترحاله هي القوى الطبيعية ،

٩٥

والشيطان الذي ينابذه وينادده هي النفس الأمّارة بالسوء.

أقول: إنّ تفسير النبوّة بالنبوغ وإن صيغ في قالب علمي جديد ليس نظرية جديدة بحدّ ذاتها، فإنّ جذوره تمتد إلى عصر المشركين المعاصرين للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّهم كانوا يحسّون بحالة الإنجذاب للقرآن وبلاغته الخلّابة فينسبونه إلى الشعر ويصفون قائله بالشاعر، قال سبحانه حاكياً عنهم:( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) ( الأنبياء / ٥ ).

ويجيبهم القرآن بقوله:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ) ( يس / ٦٩ ).

إنّ هذه النظرية إبتنت على إنكار ماوراء الطبيعة فصار الوجود عندهم مساوقاً للمادّة فلم يجدوا منتدحاً عن تفسير الوحي بما جاء في هذه النظرية.

إنّا إذا سبرنا تاريخ المصلحين في العالم نجدهم على فئتين.

فئة تتكلّم باسم الدين الإلهي وتخبر عن الله سبحانه وينسب كل ما يأمر وينهي إلى عالم الغيب ولا يرى لنفسه شأناً سوى كونه مبلّغاً لرسالات الله ومؤدّيا لبلاغها وإنذارها.

وفئة تتكلّم باسم المصلح الإجتماعي وينسب كل ما يتفوّه به إلى بنات فكره وعقله، فلو صحّت تلك النظرية لما كان لهذا التقسيم مفهوم صحيح وعندئذ يتساءل: لماذا نسبت الفئة الاُولى ما جاؤوا به من التعاليم إلى عالم الغيب مع أنّه من ومضات فكرتهم هذا، ومن جانب آخر: إنّ المصلحين بإسم الأنبياء كانوا رجالاً صادقين وصالحين لم يبدر منهم ما ينافي صدقهم وصلاحهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّهم كانوا يحسّون من صميم ذاتهم بأنّهم مبعوثون من جانبه سبحانه.

إنّ هذه النظرية التي تفسّر الوحي بالنبوغ وتوسّم الأنبياء بالنوابغ لم تدرس أحوال النوابغ والعلل والمبادئ التي يرتكز عليها النبوغ حتّى تقف على أنّ أحوال

٩٦

الأنبياء على طرف نقيض من أحوال النوابغ، فإنّ أفكار النوابغ تتوقّد وتزدهر تحت لواء المجتمعات الراقية، وتحت ظل الحضارات الإنسانية، وأمّا المجتمعات المتخلّفة فلو كانت تمتلك نوابغاً بالذات لاُخمد فيها ذكاؤهم وبارت فيها فطنتهم.

وأمّا الظروف التي كان يعيش فيها الأنبياء خصوصاً النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كانت على نقيض هذا الجانب، فقد بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله بين قوم يغطّون في سبات التخلّف والإنحطاط، فكيف يمكن تفسير النبوّة الخاتمة بالنبوغ مع هذا البون الشاسع بين ظروف النوابغ وظروف خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أضف إلى ذلك: انّ النوابغ تسودهم العزلة والانزواء مع أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بين الناس يعيش معهم في حياتهم الإجتماعية وإن لم يكن على سيرتهم وسلوكهم، فقد قضى عمره في الرعي والتجارة إلى أن بعثه الله سبحانه نبيّاً لهداية الاُمّة.

وأنّى للنوابغ الكتاب الذي حارت فيه العقول وخرست الألسن عن النطق بمثله ؟ وأين لهم هذه النظم والتشريعات الحيّة النابضة التي تتلائم وتنسجم مع جميع الحضارات الإنسانية، فهي كما وصفها شبلي شمّيل اللبناني المتوفّى عام ١٣٣٥ ه‍ ق في رسالته إلى صاحب المنار:

إلى السيّد محمد رشيد رضا صاحب ( المنار ):

أنت تنظر إلى محمّد كنبيّ وتجعله عظيماً، وأنا أنظر إليه كرجل وأجعله أعظم، ونحن وإن كنّا في الاعتقاد على طرفيّ نقيض، فالجامع بيننا العقل الواسع والإخلاص في القول، وذلك أوثق لنا لعرى المودّة ( الحق أولى أن يقال ):

دع من محمّد في صدى قرآنه

ما قد نحاء للحمة الغايات

إنّي وإن أك قد كفرت بدينه

هل أكفرن بمحكم الآيات ؟

أو ما حوت في ناصع الألفاظ من

حكم روادع للهوى وعظات

٩٧

وشرايع لو أنّهم عقلوا بها

ما قيّدوا العمران بالعادات ؟

نعم المدبّر والحكيم وإنّه

ربّ الفصاحة مصطفى الكلمات

رجل الحجى رجل السياسة والدهاء

بطل حليف النصر في الغارات

ببلاغة القرآن قد خلب النهى

وبسيفه أنحى على الهامات

من دونه الأبطال في كل الورى

من سابق أو غائب أو آت

٢ ـ الوحي ثمرة الأحوال الروحيّة:

هذه النظرية هي التي يعتمد عليها المستشرقون في تحليل نبوّة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وفسّرها من بينهم « اميل درمنغام »، وخلاصتها:

إنّ الوحي إلهام يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج، وذلك أنّ سريرته الطاهرة، وقوّة إيمانه بالله، والإعتقاد بوجوب عبادته، وترك ما سواها من عبادة وثنيّة وتقاليد وراثيّة موبوءة، يحدث في عقله الباطن، الرؤى والأحوال الروحيّة فيتصوّر ما يعتقد وجوبه، إرشاداً إليه، نازلاً عليه من السماء بدون وساطة، أو يتمثّل له رجل يلقّنه ذلك، يعتقد أنّه ملك من عالم الغيب، وقد يسمعه يقول ذلك ولكنّه إنّما يرى ويسمع ما يعتقده في اليقظة كما يرى ويسمع مثل ذلك في المنام الذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند جميع الأنبياء، فكلّما يخبر به النبي انّه كلام اُلقى في روعه، أو ملك ألقاه على سمعه، فهو خبر صادق عنده(١) .

نبوّة أو أضغاث أحلام ؟!

وممّا يلاحظ على تلك النظرية إنّها ليست بشيء جديد وإن كانت ربّما تنطلي

__________________

(١) الوحي المحمدي: ص ٦٦.

٩٨

على السذج من الناس بأنّها نظرية جديدة ذات قيمة علمية.

إنّ الذكر الحكيم يحكي لنا مقالة المشركين في سالف عهدهم في حقّ النبي الأكرم وكتابه حيث كا نوا يحلّلون نبوّته والوحي المنزّل عليه، بأنّها أضغاث أحلام، قال تعالى حاكياً عنهم:( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي أنّ ما يحكيه عن الله تبارك وتعالى إنّما هو وحي الأحلام يجري على لسانه، وعلى ذلك فليست تلك النظرية إلّا تفسير للنبوّة بالجنون الذي هو في مرتبة عالية وشديدة من تجلّي النزعات الخيالية فاستغلّه المستشرقون، واستعرضوه بثوب جديد يوهم السذّج أنّها تحليل علمي بني على أساس علمي رصين، ولكن المساكين غير واقفين على أنّه نفس النظرية الجاهلية التي جوبه بها النبي حيث قالوا:( يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ( الحجر / ٦ ).

وقد حكيت هذه التهمة عن لسان المشركين في غير سورة. سبحانك يا ربِّ ما أعظم جناية الإنسان على الصالحين البالغين، ذروة الكمال في العقل والدراية حتى وسمهم هؤلاء المفترون تارة بالخبطة وأُخرى بالمسّ والجنون.

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

بلدها مثلاً وقبل ذلك زوجها لم يجز له اخراجها منه بغير رضاها.

( مسألة ١٠٥١ ) : اذا كانت لزوجة الرجل بنت من غيره جاز له ان يزوجها من ابنه من زوجة غيرها وكذلك العكس.

( مسألة ١٠٥٢ ) : اذا حملت المرأة من السفاح لم يجز لها ان تسقط جنينها.

( مسألة ١٠٥٣ ) : لو زنا بامرأة ليست بذات بعل ولا في عدة الغير ثم تزوج بها فولدت ولم يعلم ان الولد من الحلال أو الحرام فهو يلحق بهما شرعاً ويحكم عليه بأنه من الحلال.

( مسألة ١٠٥٤ ) : لو تزوج بامرأة جاهلاً بكونها في العدة بطل العقد ، وان كان قد دخل بها في عدتها تحرم عليه مؤبداً كما مر ، وان ولدت بعد ذلك فان امكن لحوق الولد به دون الزوج الأوّل أُلحِق به وكذلك العكس ، وان امكن لحوقه بكلٍّ منهما ـ كما لو مضى من وطء كل منهما ستة اشهر فاكثر ولم يتجاوز اقصى مدة الحمل ـ اقرع بينهما ان لم يمكن رفع الإشتباه بالرجوع الى طريقة علمية بينة لا تتخللها الاجتهادات الشخصية كما يدعى ذلك بشان بعض الفحوصات الحديثة.

هذا في لحوق الولد بابيه ، واما لحوقه بامه فان كانت المراة جاهلة بكونها في العدة أو بحرمة التزويج فيها لحق الولد بها ، وإن كانت عالمة بذلك لم يلحق بها شرعاً فإنها زانية حينئذٍ.

( مسألة ١٠٥٥ ) : لو ادعت المرأة انها يائسة لم تسمع دعواها ولو ادعت انها خلية من الزوج صدقت الا اذا كانت متهمة في دعواها فان الأحوط لزوماً عدم الزواج منها الا بعد الفحص عن حالها.

( مسألة ١٠٥٦ ) : لو تزوج بامرأة ادعت انها خلية وادعى ـ بعد ذلك ـ مدع انها زوجته لم تسمع دعواه الا بالبينة ، فان اقامها حكم له بها والاّ فليس له طلب توجيه اليمين اليهما.

٣٨١

( مسألة ١٠٥٧ ) : حضانة الولد وتربيته وما يتعلق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدة الرضاع ـ اعني حولين كاملين ـ من حق ابويه بالسوية ، فلا يجوز للاب ان يفصله عن أُمه خلال هذه المدة وان كان انثى والأحوط الأولى عدم فصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وان كان ذكراً.

واذا افترق الابوان بطلاق ونحوه قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حق الأم في حضانته ما لم تتزوج من غيره ، فلا بد من توافقهما على حضانته بالتناوب ونحوه.

( مسألة ١٠٥٨ ) : ينبغي ان لا يردّ الخاطب اذا كان ممن يرضى خلقه ودينه فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

( مسألة ١٠٥٩ ) : إذا صالحت المرأة زوجها على أن لا يتزوج عليها ويكون له مهرها صحت المصالحة ووجب على زوجها أن لا يتزوج عليها كما ليس لها أن تطالب زوجها بالمهر.

( مسألة ١٠٦٠ ) : المتولد من ولد الزنى اذا لم يكن الحمل به بالزنى فهو ولد حلال.

( مسألة ١٠٦١ ) : اذا جامع زوجته حراماً كما في نهار شهر رمضان أو في حيضها ارتكب معصية الا انها اذا حملت فولدت يعتبر الولد ولداً شرعياً لهما.

( مسألة ١٠٦٢ ) : اذا تيقنت زوجة الغائب بموت زوجها فتزوجت بعد ما اعتدت عدة الوفاة ثم علمت بحياة زوجها الأوّل انفصلت عن زوجها الثاني بغير طلاق ، وهي محللة لزوجها الأوّل ، ثم أن الثاني ان كان دخل بها لزمه مهر مثلها ويجب عليها الاعتداد من وطئها شبهة فلا يجوز لزوجها الأوّل مقاربتها أيام عدتها وأما سائر الاستمتاعات فيجوز لَهُ ، ولا تجب على الواطىء نفقتها في مدة العدة وانما هي على زوجها.

٣٨٢

( من أحكام الرضاع )

اذا أرضعت امرأة ولداً لغيرها اوجب ذلك حرمة النكاح بين عدد من الذكور والإناث ، وتفصيل ذلك في المسائل الآتية :

( مسألة ١٠٦٣ ) : تحرم على المرتضع عدة من النساء :

(١) المرضعة لأنها امه من الرضاعة ، كما ان صاحب اللبن ابوه.

(٢) ام المرضعة وان علت نسبية كانت أم رضاعية لانها جدته.

(٣) بنات المرضعة ولادة لانهن أخواته ، واما بنات المرضعة رضاعاً اذا ارتضعن بلبن رجل آخر فلا يحرمن على هذا المرتضع.

(٤) البنات النسبيات والرضاعيات من اولاد المرضعة ولادة ذكوراً واناثاً لان المرتضع اما ان يكون عمهن أو خالهن من الرضاعة.

(٥) اخوات المرضعة وان كن رضاعيات ، لانهن خالات المرتضع.

(٦) عمات المرضعةُ وخالاتها وعمات آبائها وامهاتها نسبيات كنّ أم رضاعيات ، فانهن عمات المرتضع وخالاته من الرضاعة.

(٧) بنات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات بلا واسطة أو مع الواسطة لان المرتضع اما ان يكون اخاهن أو عمهن أو خالهن من الرضاعة.

(٨) امهات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات لانهن جدات المرتضع من الرضاعة.

(٩) اخوات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات لانهن عمات المرتضع.

٣٨٣

(١٠) عمات صاحب اللبن وخالاته وعمات وخالات آبائه وامهاته النسبيات والرضاعيات لانهن عمات المرتضع وخالاته من الرضاعة.

(١١) حلائل صاحب اللبن لانهن حلائل أبيه.

( مسألة ١٠٦٤ ) : تحرم المرتضعة على عدة من الرجال :

(١) صاحب اللبن لأنّه ابوها من الرضاعة ، والمقصود به الأب الشرعي للولد الذي در اللبن بولادته.

(٢) آباء صاحب اللبن والمرضعة من النسب أو الرضاع لانهم اجدادها من الرضاعة.

(٣) اولاد صاحب اللبن من النسب أو الرضاع وان نزلوا لانها تكون اختهم أو عمتهم أو خالتهم وكذلك اولاد المرضعة ولادة واولادهم نسباً أو رضاعاً ، واما اولاد المرضعة رضاعاً فان لم يكونوا اولاداً لصاحب اللبن نسباً او رضاعاً لم يحرموا عليها.

(٤) اخوة صاحب اللبن من النسب او الرضاع لانهم اعمامها من الرضاعة.

(٥) اعمام صاحب اللبن واخواله واعمام آبائه وامهاته من النسب والرضاع لانهم اما ان يكونوا اعمامها أو اخوالها.

( مسألة ١٠٦٥ ) : تحرم بنات المرتضع ـ أو المرتضعة ـ النسبيات والرضاعيات وان نزلت على آبائه واخوته واعمامه واخواله من الرضاعة.

( مسألة ١٠٦٦ ) : تحرم على ابناء المرتضع أو المرتضعة امهاته واخواته وخالاته وعماته من الرضاعة.

( مسألة ١٠٦٧ ) : لا يجوز ان يتزوج ابو المرتضع أو المرتضعة بنات المرضعة النسبيات وان نزلن ، والاولى ان لا يتزوج بناتها الرضاعيات وان كان يحرم عليه ان ينظر منهن الى ما لا يحل النظر اليه لغير المحارم.

٣٨٤

( مسألة ١٠٦٨ ) : لا يجوز ـ على الأحوط ـ ان يتزوج ابو المرتضع أو المرتضعة بنات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات.

( مسألة ١٠٦٩ ) : لا تحرم اخوات المرتضع والمرتضعة على صاحب اللبن ولا على آبائه وأبنائه واعمامه واخوانه ، وان كان الأولى ان لا يتزوج صاحب اللبن بهن.

( مسألة ١٠٧٠ ) : لا تحرم المرضعة وبناتها وسائر اقاربها من النساء على اخوة المرتضع والمرتضعة ، كما لا تحرم عليهم بنات صاحب اللبن وسائر اقاربه من النساء.

( مسألة ١٠٧١ ) : اذا تزوج امرأة ودخل بها حرمت عليه بنتها الرضاعية ، كما تحرم عليه بنتها النسبية ، واذا تزوج امراة حرمت عليه امها الرضاعية وان لم يكن دخل بها كما تحرم عليه امها النسبية.

( مسألة ١٠٧٢ ) : لا فرق في نشر الحرمة بالرضاع بين ما إذا كان الرضاع سابقاً على العقد وما اذا كان لاحقاً له مثلاً : اذا زوّج الولي صغيراً من صغيرة فارضعتها ام الصغير أو زوجة ابيه او جدته صاحب اللبن بطل العقد وحرمت الصغيرة عليه لانها تكون اخته أو عمته أو خالته.

( مسألة ١٠٧٣ ) : اذا ارضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها سواء أكان الطفل من بنتها أم من ضرتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها مؤبداً لأنّه يحرم على أبي المرتضع بنات المرضعة النسبيات كما مر ، واما اذا ارضعت المرأة طفلاً لابنها لم يبطل عقد الابن على زوجته ولم تحرم عليه نعم يترتب عليه سائر الآثار كحرمة المرتضع او المرتضعة على اولاد عمه وعمته لصيرورته عمّا او عمة لأولاد عمه وخالاً أو خالة لأولاد عمته.

( مسألة ١٠٧٤ ) : اذا ارضعت زوجة الرجل بلبنه طفلاً لزوج بنته سواء أكان الطفل من بنته أم من ضرتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها

٣٨٥

مؤبداً بناءاً على انه يحرم على أبي المرتضع بنات صاحب اللبن وقد مر في المسألة ١٠٦٤. انه مبني على الاحتياط ومقتضاه الانفصال عنها مع الطلاق.

( مسألة ١٠٧٥ ) : ليس للرضاع اثر في التحريم ما لم تتوفر فيه شروط ثمانية وهي :

(١) حياة المرضعة ، فلو كانت المرأة ميتة حال ارتضاع الطفل منها الرضعات كلها أو بعضها لم يكن لهذا الرضاع أثر.

(٢) حصول اللبن للمرضعة من ولادة شرعية وان كانت بوطء شبهة ، فلو درّ اللبن من المرأة من دون ولادة أو ولدت من الزنا فأرضعت بلبنها منه طفلاً لم يكن لإرضاعها أثر.

(٣) الإرتضاع بالامتصاص من الثدي ، فاذا القي اللبن في فم الطفل أو شرب اللبن المحلوب من المرأة ونحو ذلك لم يكن له أثر.

(٤) خلوص اللبن ، فالممزوج في فم الطفل بشيء آخر مائع أو جامد كاللبن والسكر لا أثر له.

(٥) كون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه الى رجل واحد ، فلو طلق الرجل زوجته وهي حامل أو بعد ولادتها منه فتزوجت شخصاً آخر وحملت منه وقبل ان تضعٍ حملها ارضعت طفلاً بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأوّل ثمان رضعات مثلاً واكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات لم يكن هذا الرضاع مؤثراً ، ويعتبر أيضاً وحدة المرضعة فلو كان لرجل واحد زوجتان ولدتا منه فارتضع الطفل من احداهما سبع رضعات ومن الاُخرى ثمان رضعات ـ مثلاً ـ لم يكن لرضاعه أثر.

(٦) تعذي الطفل بالحليب فلو ارتضع ثم قاء الحليب لمرض أو نحوه لم يترتب اثر على تلك الرضعة.

٣٨٦

(٧) بلوغ الرضاع حدّ انبات اللحم وشدّ العظم ، ويكتفي مع الشك في حصوله برضاع يوم وليلة ( ٢٤ ساعة ) أو بما بلغ خمس عشرة رضعه ، واما مع القطع بعدم حصوله وتحقق احد التقديرين ـ الزماني والكمي ـ فلا يترك مراعاة مقتضى الأحتياط.

ويلاحظ في التقدير الزماني ـ أي اليوم والليلة ـ ان يكون ما يرتضعه الطفل من المرضعة هو غذاؤه الوحيد طيلة تلك المدة بحيث يرتضع منها متى احتاج اليه أو رغب فيه ، فلو منع منه في بعض المدة أو تناول طعاماً آخر أو لبناً من مرضعة اخرى لم يؤثر ، نعم لا بأس بتناول الماء أو الدواء أو الشيء اليسير من الأكل بدرجة لا يصدق عليه الغذاء عرفاً ، والأحوط وجوباً اعتبار ان يكون الطفل في اول المدة جائعاً ـ ليرتضع كاملاً ـ وفي آخرها روّياً.

كما يلاحظ في التقدير الكمي ـ أي الخمس عشرة رضعة ـ توالي الرضعات بان لا يفصل بينها رضاع من امرأة اخرى ولا يضر تخلل غير الرضاع وان تغذى به بشرط ان يرتضع بعده جائعاً فيرتوي من اللبن فقط ، ويلاحظ فيه أيضاً ان تكون كل واحدة منها رضعة كاملة بان يكون الصبي جائعاً فيرتضع حتى يرتوي ، فلا تندرج الرضعة الناقصة في العدد ولا تعتبر الرضعات الناقصة المتعددة بمثابة رضعة كاملة ، نعم إذا التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد الاعراض عنه ، بل لغرض التنفس أو الانتقال من ثدي الى آخر ونحوهما ثم عاد اليه اعتبر عوده استمراراً للرضعة وكان الكل رضعة واحدة كاملة.

(٨) عدم تجاوز الرضيع للحولين ، فلو رضع أو أكمل الرضاع بعد ذلك لم يؤثر شيئاً ، وأما المرضعة فلا يلزم في تأثير ارضاعها ان يكون دون الحولين من ولادتها.

٣٨٧

( مسألة ١٠٧٦ ) : يعتبر في تحقّق الأخوة الرضاعية بين مرتضعين اتحاد صاحب اللبن فاذا ارضعت امرأة صبياً رضاعاً كاملاً ، ثم طلقها زوجها وتزوجت من آخر وولدت منه وتجدد لديها اللبن ـ لأجل ذلك ـ فارضعت به صبية رضاعاً كاملاً لم تحرم هذه الصبية على ذلك الصبي ولا اولاد احدهما على اولاد الآخر لاختلاف اللبنين من ناحية تعدد الزوج ، واما إذا ولدت المرأة مرتين لزوج واحد وارضعت في كل مرة واحداً منهما اصبح الطفلان أخوين وحرم احدهما على الآخر كما يحرم الرضيع على المرضعة والرضيعة على زوجها ، وكذلك الحال إذا كان للرجل زوجتان ولدتا منه وارضعت كل منهما واحداً منهما ، فان احد الطفلين يحرم على الآخر كما يحرمان على المرضعتين وزوجهما ، فالمناط ـ اذن ـ في حرمة احد الطفلين على الآخر بالرضاعة وحدة الرجل المنتسب اليه اللبن الذي ارتضعا منه ، سواء اتحدت المرضعة أم تعددت ، نعم يعتبر ان يكون تمام الرضاع المحرم من امرأة واحدة كما تقدم.

( مسألة ١٠٧٧ ) : إذا حرم احد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب الى رجل واحد لم يؤد ذلك الى حرمة اخوة احدهما على اخوات الآخر ، ولا الى حرمة الأخوة على المرضعة.

( مسألة ١٠٧٨ ) : لا يجوز الزواج ببنت أخي الزوجة وبنت اختها من الرضاعة الا برضاها ، كما لا يجوز الزواج بهما من النسب الا برضاها فان الرضاع بمنزلة النسب ، وكذلك الأخت الرضاعية بمنزلة الأخت النسبية فلا يجوز الجمع بين الاختين الرضاعيتين كما لا يجوز الجمع بين الاختين النسبيتين ، ويحرم على من ارتكب فاحشة اللواط بنت الملوط وامه واخته الرضاعيات كما هو الحال في النسبيات على التفصيل المتقدم من المسألة (١٠٠٦).

٣٨٨

( مسألة ١٠٧٩ ) : لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا ارضعت بلبنه من اقربائها اخاها أو اولاد اخيها ، أو اختها أو اولاد اختها ، أو عمها أو خالها أو اولادهما أو عمتها أو خالتها أو اولادهما أو ابن ابنها ، وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا ارضعت بلبنه من اقربائه اخاه أو اخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الاُخرى أو ولد اخته.

( مسألة ١٠٨٠ ) : لا تحرم على الرجل امرأة أرضعت طفل عمته أو طفل خالته وان كان الأحوط الأولى ترك الزواج منها ، كما لا تحرم عليه زوجته إذا ارتضع ابن عمها من زوجة اخرى له.

( مسألة ١٠٨١ ) : لا توارث في الرضاع فيما يتوارث به من النسب.

٣٨٩

( الرضاع وآدابه )

( مسألة ١٠٨٢ ) : الأم أحق بارضاع ولدها من غيرها ، فليس للاب تعيين غيرها لإرضاع الولد ، الا إذا طالبت بأجرة وكانت غيرها تقبل الارضاع بأجرة أقل أو بدون اجرة فان للاب حينئذٍ ان يسترضع له اخرى ، وان كان الأفضل ان لا يفعل ذلك ويتركه مع امه لانها خير له وارفق به كما ورد في الخبر.

( مسألة ١٠٨٣ ) : ينبغي ان يختار لرضاع الولد المرضعة المسلمة العاقلة ذات الصفات الحميدة خَلقاً وخُلقاً ففي الخبر عن علي (عليه‌السلام ) : ( انظروا من يرضع اولادكم فان الولد يشب عليه ) ولا ينبغي ان تسترضع الكافرة والحمقاء والعشماء وقبيحة الوجه ، كما يكره استرضاع الزانية من اللبن الحاصل من الزنا أو المرأة المتولدة من الزنا.

( مسألة ١٠٨٤ ) : يحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ولا ينبغي ارضاعه أقل من ذلك ، كما لا ينبغي ارضاعه فوق حولين كاملين ، ولو اتفق ابواه على فطامه قبل ذلك كان حسناً.

٣٩٠

( مسائل متفرقة في الرضاع )

( مسألة ١٠٨٥ ) : الأولى امتناع النساء من الاسترسال في ارضاع الاطفال حذراً من نسيانهن وحصول الزواج المحرم بلا التفات الى العلاقة الرضاعية.

( مسألة ١٠٨٦ ) : لا يجوز للزوجة ارضاع ولد الغير إذا زاحم ذلك حق زوجها الا أن يأذن لها في ذلك.

( مسألة ١٠٨٧ ) : ذكر بعض الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) انه يمكن لأحد الاخوين ان يجعل نفسه محرماً على زوجة الآخر عن طريق الرضاع ، وذلك بان يتزوج طفلة ثم ترضع من زوجة اخيه لتصير المرضعة أم زوجته ، وبذلك تندرج في محارمه فيجوز له النظر اليها فيما يجوز النظر الى المحارم ، ولا يجب عليها التستر عنه مثلما يلزمها التستر عن الاجنبي ولكن هذا محل اشكال الا اذا كان الرضاع بلبن رجل آخر غير الاخ فانه يحقق الغرض المذكور كما لو كان للمرأة زوج سابق قد ارضعت صبية بلبنه فتزوجها اخو زوجها الثاني فانه تحرم عليه المرضعة اى زوجة الاخ لانها تصبح أم زوجته من الرضاعة.

( مسألة ١٠٨٨ ) : إذا اعترف الرجل بحرمة امرأة اجنبية عليه بسبب الرضاع وامكن صدقه لم يسعه ان يتزوجها ، وإذا ادعى حرمة المراة عليه ـ بعد أن عقد عليها ـ وصدقته المرأة حكم ببطلان العقد وثبت لها مهر المثل إذا كان قد دخل بها ولم تكن عالمة بالحرمة وقتئذٍ ، واما إذا لم يكن قد دخل بها أو كان قد دخل بها مع علمها بالحرمة فلا مهر لها ، ونظير اعتراف الرجل بحرمة المرأة اعتراف المرأة بحرمة رجل عليها قبل العقد أو بعده

٣٩١

فيجري فيه التفصيل الآنف الذكر.

( مسألة ١٠٨٩ ) : يثبت الرضاع المحرم بأمرين :

( الأوّل ) : اخبار شخص أو أكثر يوجب العلم أو الاطمينان بوقوعه.

( الثاني ) : شهادة عدلين على وقوع الرضاع المحرم بالتفصيل المتقدم كأن يشهدا على خمس عشرة رضعة متوالية ونحو ذلك ، وفي ثبوته بشهادة رجل مع امراتين أو نساء اربع اشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في مثله.

( مسألة ١٠٩٠ ) : إذا لم يعلم بوقوع الرضاع أو كماله حكم بعدمه ، وان كان الأحتياط مع الظن بوقوعه كاملاً ـ بل مع احتماله ـ حسناً.

٣٩٢

( أحكام الطلاق )

( مسألة ١٠٩١ ) : يُشترط في المطلق أمور :

(١) البلوغ ، فلا يصح طلاق الصبي المميز ان لم يبلغ عشر سنين ، وأما طلاق من بلغها فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه.

(٢) العقل ، فلا يصح طلاق المجنون وان كان جنونه ادوارياً اذا كان الطلاق في دور جنونه.

(٣) الإختيار ، فلا يصح طلاق المكره ومَن بحكمه وان تعقبه الرضا.

(٤) قصد الفراق حقيقة بالصيغة ، فلا يصح الطلاق إذا صدرت الصيغة من السكران ونحوه ممن ليس له قصد معتد به ، كما لا تصح لو تلفظ بها في حالة النوم ، أو هزلاً ، أو سهواً ، أو نحو ذلك.

( مسألة ١٠٩٢ ) : اذا طلق ثم ادعى عدم القصد فيه أو الإكراه عليه فان صدقته المرأة فهو والا لم يسمع منه.

( مسألة ١٠٩٣ ) : لا يجوز الطلاق ما لم تكن المطلقة طاهرة من الحيض والنفاس ، وتستثنى من ذلك موارد :

( الأوّل ) : ان لا يكون الزوج قد دخل بزوجته.

( الثاني ) : ان تكون الزوجة مستبينة الحمل ، فان لم يستبن حملها وطلقها زوجها ـ وهي حائض ـ ثم علم انها كانت حاملاً ـ وقتئذٍ ـ بطل طلاقها وان كان الأولى رعاية الاحتياط في ذلك ولو بتطليقها ثانياً.

( الثالث ) : ان يكون الزوج غائباً أو نحوه ، والمناط انفصاله عن زوجته بحيث لا يعلم حالها من حيث الطهر والحيض ، فانه يصح منه طلاقها حينئذٍ

٣٩٣

وان صادف أيام حيضها ، ولكن مع توفر شرطين : ( احدهما ) ان لا يتيسر له استعلام حالها ولو من جهة الاطمينان الحاصل من العلم بعادتها الوقتية أو بغيره من الامارات الشرعية ( ثانيهما ) ان تمضي على انفصاله عنها مدة شهر واحد على الأحوط وجوباً واحوط منه مضي ثلاثة أشهر ، ولو طلقها ولم يتوفر الشرطان وصادف أيام حيضها لم يحكم بصحة الطلاق.

وإذا انفصل الزوج عن زوجته وهي حائض لم يجز له طلاقها الا بعد مضي مدة يقطع بانقطاع ذلك الحيض وعدم طرو حيض آخر ، ولو طلقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً صح طلاقها بالشرطين المتقدمين.

وإذا طلق الزوج زوجته في غير هذه الصور الثلاث ـ وهي حائض ـ لم يجز الطلاق ، وان طلقها باعتقاد انها حائض فبانت طاهرة صح الطلاق.

( مسألة ١٠٩٤ ) : كما لا يجوز طلاق المرأة في الحيض والنفاس كذلك لا يجوز طلاقها في طهر قاربها فيه ولو بغير انزال ، فلو قاربها في طهر او قبل طهرها لزمه الانتظار حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بدون مواقعة ، ويستثنى من ذلك الصغيرة واليائسة فانه يجوز طلاقهما في طهر المواقعة ، وكذلك الحامل المستبين حملها ، ولو طلقها قبل ذلك ثم ظهر انها كانت حاملاً بطل طلاقها وان كان الأولى رعاية الاحتياط في ذلك ولو بتطليقها ثانياً ، وأما المسترابة التي لا تحيض ومثلها تحيض فلا يجوز طلاقها إذا واقعها الزوج إلا بعد ان يعتزل عنها ثلاثة أشهر.

وإذا انفصل الزوج عن زوجته في طهر واقعها فيه لم يجز له طلاقها ما دام يعلم بعدم انتقالها من ذلك الطهر الى طهر آخر ، وأما مع الشك

٣٩٤

فيجوز له طلاقها بالشرطين المتقدمين في المسألة السابقة وان انكشف وقوعه في طهر المواقعة.

( مسألة ١٠٩٥ ) : لا يقع الطلاق إلاّ بالصيغة الخاصة الدالة على تعيين المطلقة والمشتملة على لفظ ( طالق ) كان يقول الزوج مثلاً ( زوجتي فلانه طالق ) او يخاطب زوجته ويقول ( انت طالق ) أو يقول وكيله ( زوجة موكلي فلانة طالق ) وإذا كانت الزوجة معينة لم يلزم ذكر اسمها ، ولا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المذكورة من سائر اللغات مع القدرة على ايقاعه بتلك الصيغة ، وأما مع العجز عنه وعدم تيسر التوكيل أيضاً فيجزي ايقاعه بما يرادفها بأيّ لغة كانت ، ويشترط في صحة الطلاق ايقاعه بمحضر عدلين ذكرين مجتمعين يسمعان الانشاء.

( مسألة ١٠٩٦ ) : لا يصح طلاق المستمتع بها ، بل فراقها يتحقق بانقضاء المدة أو بذله لها ، بان يقول الرجل : ( وهبتك مدة المتعة ) ولا يعتبر في صحة البذل الاشهاد ، ولا خلوها من الحيض والنفاس.

( عدّة الطلاق )

( مسألة ١٠٩٧ ) : لا عدة على الصغيرة التي لم تكمل التسع وان دخل بها زوجها ، وكذلك اليائسة ـ وهي التي بلغت خمسين سنة قمرية وقد انقطع عنها الدم ولا يرجى عوده لكبر السن ـ ، فيسمح لهما بالزواج بمجرد الطلاق ، وكذلك من لم يدخل بها زوجها وان كانت بالغة الا إذا دخل ماؤه في فرجها بجذب أو نحوه فان عليها العدة منه.

( مسألة ١٠٩٨ ) : إذا طلق الرجل زوجته المدخول بها ومن بحكمها ـ

٣٩٥

غير الصغيرة واليائسة ـ وجبت عليها العدة ، وعدة غير الحامل ـ التي يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها اقل من ثلاثة أَشهر ـ ثلاثة اطهار ، ويحسب الطهر الفاصل بين الطلاق وحيضها ولو كان لحظة طهراً واحداً ، فتنقضي عدتها برؤية الدم الثالث.

( مسألة ١٠٩٩ ) : المطلقة الحامل عدتها مدة حملها ، فتنقضي بوضع الحمل تاماً أو سقطاً ـ حتى العلقة ـ ولو كان بعد الطلاق بساعة ، ولكن يعتبر في ذلك الحاق الولد بذي العدة ، فلو لم يلحق به كما لو حملت من الزنا لم يكن وضعه موجباً للخروج عن العدة منه ، بل تكون عدتها بالإقراء أو الشهور.

( مسألة ١١٠٠ ) : إذا حملت باثنين فانقضاء عدتها بوضع الأخير منهما.

( مسألة ١١٠١ ) : المطلقة غير الحامل إذا كانت مسترابة وهي التي لا تحيض مع كونها في سن من تحيض ولو لانقطاع حيضها لمرض أو رضاع أو استعمال دواء ونحو ذلك عدتها ثلاثة اشهر ومثلها من يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة اشهر او ازيد ، فإذا طلقها في أول الشهر اعتدت الى ثلاثة اشهر هلالية ، وإذا طلقها في اثناء الشهر اعتدت بقية شهرها وشهرين هلاليين آخرين ومقداراً من الشهر الرابع تكمل به نقص الشهر الأوّل ثلاثين يوماً على الأحوط ، فمن طلقت في غروب اليوم العشرين من شهر رجب ـ مثلاً ـ وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً وجب عليها ان تعتد الى اليوم الحادي والعشرين من شوال ليكتمل بضمه الى أيام العدة من رجب ثلاثون يوماً.

( مسألة ١١٠٢ ) : عدة المتمتع بها إذا كانت بالغة مدخولاً بها غير يائسة

٣٩٦

حيضتان كاملتان ولا تكفي حيضة واحدة على الأحوط لزوماً ، واما من لا تحيض لمرض او رضاع ونحوه فعدتها خمسة واربعون يوماً ، وعدة الحامل المتمتع بها وضع حملها.

(مسألة ١١٠٣ ) : ابتداء عدة الطلاق من حين وقوعه ، فلو طلقت المرأة ـ وهي لا تعلم به ـ فعلمت به والعدة قد انقضت جاز لها الزواج دون ان تنتظر مضي زمان ما ، وإذا علمت بالطلاق ـ اثناء العدة ـ اكملتها ، ومثلها المتمتع بها فان ابتداء عدتها من حين انقضاء المدة او هبتها وان لم تعلم بهما.

( مسألة ١١٠٤ ) : إذا توفي الزوج وجبت على زوجته العدة مهما كان عمر الزوجة فتعتد الصغيرة والبالغة واليائسة على السواء من دون فرق بين الزوجة المنقطعة والدائمة والمدخول بها وغيرها ، ويختلف مقدار العدة تبعاً لوجود الحمل وعدمه ، فإذا لم تكن الزوجة حاملاً اعتدت اربعة اشهر وعشرة أيام ، وإذا كانت حاملاً كانت عدتها ابعد الأجلين من هذه المدة ووضع الحمل فتستمر الحامل في عدتها الى ان تضع ثم ترى ، فان كان قد مضى على وفاة زوجها ـ حين الوضع ـ أربعة اشهر وعشرة أيام فقد انتهت عدتها ، والا استمرت في عدتها الى ان تكمل هذه المدة ، ومبدأ عدة الوفاة ـ فيما اذا لم يبلغها خبر وفاته الا بعد مدة لسفر او مرض أو حبس او غير ذلك ـ من حين بلوغ خبر الموت الى الزوجة دون زمان الوفاة واقعاً على اشكال في المجنونة والصغيرة فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

( مسألة ١١٠٥ ) : كما يجب على الزوجة ان تعتد عند وفاة زوجها ، كذلك يجب عليها إذا كانت بالغة عاقلة الحداد بترك ما يُعدّ زينة لها سواء

٣٩٧

في البدن او الثياب ، فيحرم عليها لبس الأحمر والأصفر ونحوهما واستخدام الحلي والتّزين بالكحل والطيب والخضاب وما الى ذلك مما يعد زينة الزوجات بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه المرأة.

( مسألة ١١٠٦ ) : إذا غاب الزوج عن زوجته ، وبعد ذلك تأكدت الزوجة لقرائن خاصة من موت زوجها في غيبته ، كان لها ان تتزوج بآخر بعد انتهاء عدتها ، فلو تزوجت شخصاً آخر ودخل بها ثم ظهر ان زوجها الأوّل مات بعد زواجها من الثاني وجب عليها الانفصال من زوجها الثاني والاعتداد منه عدة وطء الشبهة ( وهي تماثل عدة الطلاق ) ومن الأوّل عدة الوفاة ، ولا تتداخل العدتان على الأحوط وجوباً وعليه فإذا كانت حاملاً اعتدت منه عدة وطء الشبهة الى ان تضع حملها ثم تعتد أربعة اشهر وعشراً عدة الوفاة لزوجها الأوّل ، واما إذا لم تكن حاملاً فتعتد اولاً عدة الوفاة للزوج الأوّل ثم تعتد عدة وطء الشبهة للثاني.

( مسألة ١١٠٧ ) : إذا ادعت المرأة انقضاء عدتها قبلت دعواها ويجوز الزواج بها ما لم تكن متهمة على الأحوط لزوماً كان تكون دعواها مخالفة للعادة الجارية بين النساء كما لو ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات فانها لا تصدق الا إذا شهدت النساء من بطانتها بان عادتها كانت فيما مضى كذلك.

٣٩٨

( الطلاق البائن والرجعي )

( مسألة ١١٠٨ ) : الطلاق البائن ما ليس للزوج بعده الرجوع الى الزوجة إلاّ بعقد جديد وهو ستة :

(١) طلاق الصغيرة التي لم تبلغ التسع.

(٢) طلاق اليائسة.

(٣) الطلاق قبل الدخول.

(٤) الطلاق الذي سبقه طلاقان إذا وقع منه رجوعان ـ أو ما بحكمهما ـ في البين دون ما لو وقعت الثلاثة متوالية.

(٥) طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت وإلا كانت له الرجعة كما سيأتي.

(٦) طلاق الحاكم زوجة الممتنع عن الطلاق وعن الانفاق عليها ، وستمر عليك احكام تلك الأقسام ، وأما غير الأقسام المذكورة فهو طلاق رجعي وهو الذي يحق للمطلق بعده ان يراجع المطلقة ما دامت في العدة.

( مسألة ١١٠٩ ) : تثبت النفقة والسكنى لذات العدة الرجعية في العدة ويجب عليها ان تمكنه من نفسها في الاستمتاعات التي يستحقها الزوج ويستحب لها التزين له ويحرم عليها ان تخرج من دارها بدون اذنه إلا في حاجة لازمة ، كما يحرم عليه اخراجها من دار سكناها عند الطلاق الا ان تأتي بفاحشة مبينة وابرزها الزناء.

٣٩٩

( الرجعة )

( مسألة ١١١٠ ) : الرجعة عبارة عن ( رد المطلقة الرجعية في زمان عدتها الى نكاحها السابق ) فلا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدتها ، وتتحقق الرجعة بأحد أمرين :

( الأوّل ) ان يتكلم بكلام دال على انشاء الرجوع كقوله : ( راجعتك ) ونحوه.

( الثاني ) ان يأتي بفعل يقصد به الرجوع اليها ، فلا يتحقق بالفعل الخالي عن قصد الرجوع حتى مثل النظر بشهوة ، نعم في تحققه باللمس والتقبيل بشهوة من دون قصد الرجوع اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق ، وأما الوطء فالظاهر تحقّق الرجوع به مطلقاً وان لم يقصد به ذلك.

( مسألة ١١١١ ) : لا يعتبر الاشهاد في الرجعة وان كان افضل ، كما لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها ، وعليه فلو رجع بها عند نفسه من دون اطلاع احد صحت الرجعة وعادت المرأة الى نكاحها السابق.

( مسألة ١١١٢ ) : إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً ثم صالحها على ان لا يرجع اليها بأزاء مال اخذه منها صحت المصالحة ولزمت ، ولكنه مع ذلك لو رجع اليها بعد المصالحة صح رجوعه.

( مسألة ١١١٣ ) : لو طلق الرجل زوجته ثلاثاً مع تخلل رجعتين أو

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551