المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات10%

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
ISBN: 978-964-8629-59-0
الصفحات: 551

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234186 / تحميل: 5615
الحجم الحجم الحجم
المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

المسائل المنتخبة العبادات و المعاملات

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٨٦٢٩-٥٩-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

حين يقع الكلام على المعاد وخلق الإنسان ثانية من التراب يعدّون ذلك أمرا عجيبا ولا يمكن تصوّره وقبوله ، في حين أنّ الأمرين متماثلان : «وحكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد».

وهكذا فإنّ القرآن يستدلّ على المعاد في هذه الآيات والآيات الآنفة بأربعة طرق مختلفة ، فتارة عن طريق علم الله ، وأخرى عن طريق قدرته ، ثالثة عن طريق تكرّر صور المعاد ومشاهده في عالم النباتات ، وأخيرا عن طريق الالتفات إلى الخلق الأوّل.

ومتى ما عدنا إلى آيات القرآن الاخر في مجال المعاد وجدنا هذه الأدلّة بالإضافة إلى أدلّة أخر وردت في آيات مختلفة وبصورة مستقلّة ، وقد أثبت القرآن المعاد بالمنطق القويم والتعبير السليم والأسلوب الرائع (القاطع) للمنكرين وبيّنه بأحسن وجه فلو خضعوا لمنطق العقل وتجنّبوا الأحكام المسبقة والتعصّب الأعمى والتقليد الساذج فسرعان ما يذعنوا لهذه المسألة وسيعلمون بأنّ المعاد أو يوم القيامة ليس أمرا ملتويا وعسيرا.

* * *

٢١

الآيات

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) )

التّفسير

كتابه جميع الأقوال :

يثار في هذه الآيات قسم آخر من المسائل المتعلّقة بالمعاد ، وهو ضبط أعمال الإنسان وإحصاؤها لتعرض على صاحبها عند يوم الحساب.

تبدأ الآيات فتتحدّث عن علم الله المطلق وإحاطته بكلّ شيء فتقول :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) .

كلمة «توسوس» مشتقّة من الوسوسة وهي ـ كما يراه الراغب في مفرداته ـ الأفكار غير المطلوبة التي تخطر بقلب الإنسان ، وأصل الكلمة «الوسواس» ومعناه الصوت الخفي وكذلك صوت أدوات الزينة وغيرها.

والمراد من الوسوسة في الآية هنا هي أنّ الله لمّا كان يعلم بما يخطر في قلب الإنسان والوساوس السابحة في أفكاره ، فمن البديهي أنّه عالم بجميع عقائده

٢٢

وأعماله وأقواله ، وسوف يحاسبه عليها يوم القيامة.

وجملة( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ خالق البشر محال أن لا يعلم بجزئيات خلقه؟! الخلق الدائم والمستمر ، لأنّ الفيض أو الجود منه يبلغ البشر لحظة بعد لحظة ، ولو انقطع الفيض لحظة لهلكنا ، كنور الشمس الذي ينتشر في الفضاء من منبع الفيض وهو الكرة الشمسية «بل كما سنبيّن فإنّ ارتباطنا بذاته المقدّسة أسمى ممّا مثّلنا ـ (بنور الشمس)».

أجل ، هو الخالق ، وخلقه دائم ومستمر ونحن مرتبطون به في جميع الحالات ، فمع هذه الحال كيف يمكن أن لا يعلم باطننا وظاهرنا؟!

ويضيف القرآن لمزيد الإيضاح في ذيل الآية قائلا :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) .

ما أبلغ هذا التعبير!! فحياتنا الجسمانية متعلّقة بعصب يوصل الدم إلى القلب ويخرجه منها بصورة منتظمة وينقله إلى جميع أعضاء البدن ، ولو توقّف هذا العمل لحظة واحدة لمات الإنسان فالله أقرب إلى الإنسان من هذا العصب المسمّى بحبل الوريد.

وهذا ما أشار إليه القرآن في مكان آخر إذ قال :( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .(١)

وبالطبع فإنّ هذا كلّه تشبيه تقريبي ، والله سبحانه أقرب من ذلك وأسمى رغم كون المثال المذكور أبلغ تصوير محسوس على شدّة القرب ، فمع هذه الإحاطة لله تعالى بمخلوقاته ، وكوننا في قبضة قدرته ، فإنّ تكليفنا واضح ، فلا شيء يخفى عليه لا الأفعال ولا الأقوال ولا الأفكار والنيّات ولا تخفى عليه حتّى الوساوس التي تخطر في القلوب!

__________________

(١) سورة الأنفال ، ٢٤.

٢٣

إنّ الالتفات إلى هذه الحقيقة يوقظ الإنسان ، ويكون على بيّنة من أمره وما هو مذخور له في صحيفة أعماله عند محكمة عدل الله فيتحوّل من إنسان غافل إلى موجود واع ملتزم ورع تقيّ ورد في حديث أنّ أبا حنيفة جاء إلى الصادقعليه‌السلام يوما فقال : رأيت ولدك موسى يصلّي والناس يعبرون من أمامه إلّا أنّه لم ينههم عن ذلك ، مع أنّ هذا العمل غير صحيح!.

فقال الصادقعليه‌السلام ادعوا لي ولدي موسى فدعي له فكرّر الإمام الصادق حديث أبي حنيفة لولده موسى بن جعفر فأجاب موسى بن جعفر قائلا : إنّ الذي كنت اصلّي له كان أقرب إليّ منهم يقول اللهعزوجل :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) فاحتضنه الإمام الصادق وقال : بأبي أنت وأمّي يا مستودع الأسرار(١) .

وللمفسّرين آراء عديدة في معنى «الوريد» فمنهم من يعتقد بأنّ «الوريد» هو العصب المتّصل بقلب الإنسان أو كبده ، ويعتقد بعضهم بأنّ الوريد جميع الأعصاب في بدن الإنسان في حين أنّ بعضهم يعتقد بأنّه عصب الرقبة فحسب! إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر تناسبا ، ولا سيّما إذا لا حظنا الآية ٢٤ من سورة الأنفال آنفة الذكر!

وكلمة «الوريد» ـ ضمنا ـ مأخوذة من الورود ، ومعناه الذهاب نحو الماء ، وحيث إنّ الدم ـ يرد من هذا العصب إلى القلب ويخرج منه إلى سائر أعضاء بدن الإنسان سمّي بالوريد.

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الاصطلاح المتداول في هذا العصر في شأن «الوريد والشريان» ـ يعني المجاري التي توصل الدم من سائر أعضاء الجسم إلى قلب الإنسان ، وبالعكس ـ هذا الاصطلاح خاصّ بعلم الأحياء ولا علاقة له بالمفهوم اللغوي للوريد.

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٠٨.

٢٤

ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) (١) .

أي أنّه بالإضافة إلى إحاطة علم الله «التامّة» على ظاهر الإنسان وباطنه ، فهنالك ملكان مأموران بحفظ ما يصدر منه عن يمينه وشماله ، وهما معه دائما ولا ينفصلان عنه لتتمّ الحجّة عليه عن هذا الطريق أكثر ، ولتتأكّد مسألة الحساب (حساب الأعمال).

كلمة «تلقّى» معناها الأخذ والتسلّم ، و «المتلقّيان» هما ملكان مأموران بثبت أعمال الناس.

وكلمة «قعيد» مأخوذة من القعود ومعناها «جالس»(٢) والمراد بالقعيد هنا الرقيب والملازم للإنسان ، وبتعبير آخر أنّ الآية هذه لا تعني أنّ الملكين جالسين عن يمين الإنسان وعن شماله ، لأنّ الإنسان يكون في حال السير تارة ، واخرى في حال الجلوس ، بل التعبير هنا هو كناية عن وجودهما مع الإنسان وهما يترصّدان أعماله.

ويحتمل أيضا أنّهما قعيدان على كتفي الإنسان الأيمن والأيسر ، أو أنّهما قعيدان عند نابيه أو ناجذيه دائما ويسجّلان أعماله ، وهناك إشارة إلى هذا المعنى في بعض الرّوايات غير المعروفة «كما في بحار الأنوار ج ٥٩ ص ١٨٦ رقم الرّواية ٣٢».

وممّا يجدر التنويه عليه أنّه ورد في الرّوايات الإسلامية أنّ ملك اليمين كاتب

__________________

(١) كلمة إذ في جملة (إذ يتلقّى المتلقّيان) ظرف متعلّق بمحذوف وتقديره واذكروا إذ يتلقّى المتلقّيان ولهذا المعنى ذهب إليه جماعة من المفسّرين ، إلّا أنّ جماعة اخرى يرون بأنّ إذ متعلّقة بكلمة أقرب الواردة في الآية الآنفة إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أصحّ لأنّ كلّا من الجملتين «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» و «إذ يتلقّى المتلقّيان» إلخ تحتفظ باستقلالها دون أن يتقيّد كلّ بالأخرى ولا يتناسب الصدر والذيل في التّفسير الثاني.

(٢) كلمة قعيد مفردة مع أنّ كلمة المتلقّيان تثنية لأنّ في الآية حذفا وتقديرها إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد» وقد وقع هذا الحذف بقرينة ذكر الآخر.

٢٥

الحسنات ، وملك الشمال كاتب السيّئات ، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل الإنسان حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات ، فإذا استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء ، وإن لم يستغفر الله كتب له سيّئة واحدة.

كما يظهر من بعض الرّوايات أنّهما يقولان بعد موت المؤمن : ربّنا قبضت روح عبدك فإلى أين؟ قال : سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدي(١) .

وفي رواية اخرى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلّا أمر الله تعالى الحفظة فقال : اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدودا في وثاقي» ثمّ أضافصلى‌الله‌عليه‌وسلم من مرض أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحا مقيما»(٢) .

وهذه الرّوايات جميعها إشارة إلى لطف الله الواسع.

أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث فتتحدّث عن الملكين أيضا فتقول :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٣) .

وكان الكلام في الآية الآنفة عن كتابة جميع أعمال الإنسان ، وفي هذه الآية اهتمام بخصوص ألفاظه ، وهذا الأمر هو للأهميّة القصوى للقول وأثره في حياة الناس ، حتّى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصيرة قد تؤدّي إلى تغيير مسير المجتمع

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) روح المعاني ، ج ٢٦ ، ص ١٦٥ ذيل الآيات محل البحث ، وهذا المضمون نفسه منقول عن الإمام الصادق في كتاب الكافي وكذلك بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ١٨٧ في الرّوايتين ٣٤ و٣٥».

(٣) الضمير في لديه يرجع إلى كلمة قول كما يحتمل أن يكون عائدا على الذي يلفظ القول ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أنسب.

٢٦

نحو الخير أو الشرّ!! كما أنّ بعض الناس لا يعتقدون بأنّ الكلام جزء من أعمالهم ويرون أنفسهم أحرارا في الكلام مع أنّ أكثر الأمور تأثيرا وأخطرها في حياة الناس هو الكلام!.

فبناء على ذلك فإن ذكر هذه الآية بعد الآية المتقدّمة هو من قبيل ذكر الخاص بعد العام.

كلمة «الرقيب» معناها المراقب و «العتيد» معناها المتهيئ للعمل ، لذلك يطلق على الفرس المعدّة للركض بأنّها فرس عتيد كما يطلق على من يعدّ شيئا أو يدّخره بأنّه عتيد ، وهي من مادّة العتاد على زنة الجهاد ومعناها الادّخار!.

ويعتقد أغلب المفسّرين أنّ الرقيب والعتيد اسمان للملكين المذكورين في الآية المتقدّمة وهما «المتلقيان» فاسم ملك اليمين «رقيب» واسم ملك الشمال «عتيد» ، وبالرغم من أنّ الآية محلّ البحث ليس فيها قول صريح على هذا الأمر ، إلّا أنّ هذا التّفسير وبملاحظة مجموع الآيات يبدو غير بعيد!

ولكن أيّ كلام يكتب هذان الملكان؟ هناك أقوال بين المفسّرين قال بعضهم يكتبان كلّ كلام حتّى الصرخات من الألم ، في حين أنّ بعضهم الآخر يعتقد بأنّهما يكتبان ألفاظ الخير والشرّ والواجب والمستحبّ أو الحرام والمكروه ، ولا يكتبان ما هو مباح!

إلّا أنّ عموميّة التعبير يدلّ على أّ الملكين يكتبان كلّ لفظ وقول يقوله الإنسان.

الطريف أنّنا نقرأ رواية عن الإمام الصادق يقول فيها : «إنّ المؤمنين إذا قعدا يتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما!

يقول الراوي : ألم يقل الله تعالى( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )

٢٧

فيجيب الإمامعليه‌السلام : إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السرّ يسمع ويرى»(١) .

ويستفاد من هذه الرّوايات أنّ الله سبحانه يكتم بعض أحاديث المؤمن التي فيها (جانب سرّي) احتراما وإكراما له ، إلّا أنّه حافظ لجميع هذه الأسرار.

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ حفظة الليل غير حفظة النهار ، كما بيّنا هذا المعنى في تفسير الآية ٧٨ من سورة الإسراء من نفس هذا التّفسير.

* * *

ملاحظة

الحبيب أقرب إلى الإنسان من نفسه!!

يقول بعض الفلاسفة : كما أنّ شدّة البعد توجب الخفاء فإنّ شدّة القرب كذلك ، فمثلا لو كانت الشمس بعيدة عنّا جدّا لما رأيناها ولو كانت قريبة منّا جدّا أو اقتربنا منها كثيرا فإنّ نورها سيذهلنا إلى درجة بحيث لا نستطيع رؤيتها.

وفي الحقيقة إنّ ذات الله المقدّسة كذلك : «يا من هو اختفى لفرط نوره»!

وفي الآيات محلّ البحث تشبيه رائع لقرب الله إلى العباد إذ قالت حاكية عنه سبحانه:( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) أي أنّ الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.

والتشبيهات التي تقول مثلا العالم جميعه جسم والله روحه ، أو العالم كشعاع الشمس وهو قرصها وأمثال هذه لا يمكن أن توضّح العلاقة القريبة كما وصفتها الآية.

ولعلّ أفضل تعبير هو ما ورد على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته الاولى من نهج البلاغة إذ قال عنه سبحانه : «مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا

__________________

(١) اصول الكافي طبقا لما نقل في نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

٢٨

بمزايلة».

وقد شبّه بعض الفلاسفة لبيان هذا القرب تشبيها آخر ، فقالوا إنّ ذات الله المقدّسة هي المعنى الاسمي والموجودات هي المعنى الحرفي.

وتوضيح ذلك : حين نقول : توجّه إلى الكعبة ، فإنّ كلمة (إلى) لا مفهوم لها وحدها ، وما لم تضف الكعبة إليها فستبقى مبهمة ، فعلى هذا ليس للمعنى الحرفي مفهوم إلّا تبعا للمفهوم الاسمي ، فوجود جميع موجودات العالم على هذه الشاكلة ، إذ دون ارتباطها بذاته لا مفهوم لها ولا وجود ولا بقاء لها أصلا وهذا يدلّ على نهاية قرب الله إلى العباد وقربهم إليه وإن كان الجهلة غافلين عن ذلك.

* * *

٢٩

الآيات

( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) )

التّفسير

القيامة ـ والبصر الحديد ـ

تعكس الآيات أعلاه مسائل اخرى تتعلّق بيوم المعاد : «مشهد الموت» و «النفخ في الصور» و «مشهد الحضور في المحشر»!

فتقول أوّلا :( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) .

سكرة الموت : هي حال تشبه حالة الثمل السكران إذ تظهر على الإنسان بصورة الاضطراب والانقلاب والتبدّل ، وربّما استولت هذه الحالة على عقل الإنسان وسلبت شعوره وإختياره.

وكيف لا تكون كذلك مع أنّ الموت مرحلة انتقالية مهمّة ينبغي أن يقطع الإنسان فيها جميع علائقه بالدنيا التي تعلّق بها خلال سنين طويلة ، وأن يخطو في

٣٠

عالم جديد عليه مليء بالأسرار ، خاصّة أنّ الإنسان ـ لحظة الموت ـ يكون عنده إدراك جديد وبصر حديد ـ فهو يلاحظ عدم استقرار هذا العالم بعينيه ويرى الحوادث التي بعد الموت ، وهنا تتملّكه حالة الرعب والاستيحاش من قرنه إلى قدمه فتراه سكرا وليس بسكر(١) .

حتّى الأنبياء وأولياء الله الذين يواجهون حالة النزع والموت باطمئنان كامل ينالهم من شدائد هذه الحالة نصيب ، ويصابون ببعض العقبات في حالة الانتقال ، كما قد ورد في حالات انتقال روح النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بارئها عند اللحظات الأخيرة من عمره الشريف المبارك أنّه كان يدخل يده في إناء فيه ماء ويضعها على وجهه ويقول :( لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ) ثمّ يقول : إن للموت سكرات(٢) .

وللإمام علي كلام بليغ يرسم لحظة الموت وسكراتها بعبارات حيّة بليغة إذ يقول : «اجتمعت عليهم سكرت الموت وحسرت الفوت ففترت لها أطرافهم وتغيّرت لها ألوانهم ثمّ إزداد الموت فيهم ولوجا فحيل بين أحدهم ومنطقه وانّه لبيّن أهله ينظر ببصره ويسمع باذنه على صحّة من عقله وبقاء من لبّه يفكّر فيم أفنى عمره؟ وفيم أذهب دهره؟ ويتذكّر أموالا جمعها أغمض في مطالبها وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتّعون بها»(٣) .

كما أنّ هذا المعلّم الكبير ينذر في مكان آخر البشرية فيقول : «إنّكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا وقريب ما يطرح الحجاب»(٤) .

__________________

(١) السّكر ـ على زنة المكر ـ معناه في الأصل سدّ طريق الماء ، والسكر ـ على زنة الفكر ـ معناه المحلّ المسدود ، وحيث أنّ حالة الثمل تقع حاجزا وسدّا بين الإنسان وعقله فقد سمّيت بالسكر على زنة الشكر.

(٢) روح المعاني ، ج ٩ ، ص ١١٨

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٩.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٠.

٣١

ثمّ يضيف القرآن في ذيل الآية قائلا :( ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) (١) أجل إنّ الموت حقيقة يهرب منها أغلب الناس لأنّهم يحسبونه فناء لا نافذة إلى عالم البقاء ، أو أنّهم لعلائقهم وارتباطاتهم الشديدة بالدنيا والمواهب المادية التي لهم فيها لا يستطيعون أن يصرفوا قلوبهم عنها ، أو لسواد صحيفة أعمالهم.

أيّا كان فهم منه يهربون ولكن ما ينفعهم ومصيرهم المحتوم في انتظار الجميع ولا مفرّ لأحد منه ، ولا بدّ أن ينزلوا إلى حفرة الموت ويقال لهم هذا ما كنتم منه تفرّون!!.

وقائل هذا الكلام ربّما هو الله أو الملائكة أو الضمائر اليقظة أو الجميع!.

والقرآن بيّن هذه الحقيقة في آيات أخر كما هو في الآية (٧٨) من سورة النساء إذ يقول :( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) !.

وقد ينسى الإنسان المغرور جميع الحقائق التي يراها بامّ عينيه على أثر حبّ الدنيا وحبّ الذات حتّى يبلغ درجة يقسم فيها أنّه خالد كما يقول القرآن في هذا الصدد :( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ ) .

ولكن سواء أقسم أم لم يقسم ، وصدّق أم لم يصدّق فإنّ الموت حقيقة تحدق بالجميع وتحيق بهم ولا مفرّ لهم منها.

ثمّ يتحدّث القرآن عن النفخ في الصور فيقول :( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) .

والمراد من «النفخ في الصور» هنا هو النفخة الثانية ، لأنّه كما نوّهنا آنفا فإنّ الصور ينفخ فيه مرّتين : فالنفخة الاولى تدعى بنفخة الفزع أو الصعق وهي التي تكون في نهاية الدنيا ويموت عند سماعها جميع الخلق ويتلاشى نظام العالم الدنيوي ، والنفخة الثانية هي نفخة «القيام والجمع والحضور» وتكون في بداية

__________________

(١) كلمة تحيد مشتقّة من مادّة حيد ـ على وزن صيد ـ ومعناها العدول عن الشيء والفرار منه.

٣٢

البعث والنشور والقيامة وبها يحيى الناس جميعهم ويخرجون «وينسلون» من الأجداث والقبور إلى ربّهم وحساب «عدله» وجزائه.

«النفخ» معناه معروف ، و «النفخة» بمعنى المرّة منه ، و «الصور» هو المزمار أو «البوق» والذي يستعمل في القضايا العسكرية عادة لجمع الجنود أو تفريقهم أو الاستعداد أو الذهاب للراحة والنوم ، واستعماله في صور إسرافيل نوع من الكناية والتشبيه «وقد بيّنا تفصيل هذا الموضوع في ذيل الآية ٦٨ من سورة الزمر».

وعلى كلّ حال ، فمع الالتفات وملاحظة جملة «ذلك يوم الوعيد» يتّضح أنّ المراد من نفخة الصور هنا هو النفخة الثانية ويوم النشور والقيامة.

وفي الآية التالية بيان لحال الناس يوم المحشر بهذه الصورة :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

فالسائق يسوقه نحو محكمة عدل الله ، والشهيد يشهد على أعماله! وهي كمحاكم هذا العالم إذ يسوق المأمورون المتّهمين ويأتون معهم للمحكمة ويشهد عليهم الشهود.

واحتمل بعض المفسّرين أنّ السائق هو من يسوق الصالحين نحو الجنّة والصالحين نحو جهنّم ، ولكن مع ملاحظة كلمة «الشهيد» معها يكون المعنى الأوّل وهو السوق نحو محكمة عدل الله أنسب.

ولكن من هما السائق والشهيد؟ أهما «ملكان» من الملائكة أو سواهما ، هناك تفاسير متعدّدة.

قال بعضهم : إنّ «السائق» هو الملك الذي يكتب الحسنات ، و «الشهيد» هو الملك الذي يكتب السيّئات ، فيكون المراد بهما الملكين الوارد ذكرهما في الآيات المتقدّمة.

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ «السائق» ملك الموت و «الشهيد» رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكن هذه الرّواية مع ملاحظة لحن الآيات تبدو ضعيفة.

٣٣

وقال بعضهم : «السائق» الملك الذي يسوق كلّ إنسان و «الشهيد» عمل الإنسان.

كما قيل أنّ «السائق» ملك و «الشهيد» أعضاء جسم الإنسان أو صحيفة أعماله أو الكتاب الذي في عنقه.

ويحتمل أنّ السائق والشهيد ملك واحد ، وعطف اللفظين بعضهما على الآخر هو لاختلاف الوصفين ، أي أنّ مع الإنسان ملكا يسوقه إلى محكمة عدل الله ويشهد عليه أيضا.

إلّا أنّ أغلب هذه التفاسير مخالف لظاهر الآية ، وظاهر الآية كما فهم منه أغلب المفسّرين أنّ ملكين يأتيان مع كلّ إنسان ، فواحد يسوقه والآخر يشهد على أعماله.

ومن الواضح أنّ شهادة بعض الملائكة لا تنفي وجود شهادة اخرى لبعض الشهود في يوم القيامة ، الشهود الذين هم من قبيل الأنبياء وأعضاء البدن ، وصحائف الأعمال والزمان والمكان الذين وقع عمل الإنسان فيهما أو أثم فيهما.

وعلى كلّ حال فالملك الأوّل يمنع الإنسان عن الفرار ، والملك الثاني يمنع عن الإنكار ، وهكذا فإنّ كلّ إنسان في ذلك اليوم مبتلى بأعماله ولا مفرّ له من جزاء أعماله أبدا.

وهنا يخاطب المجرمون أو جميع الناس (فردا فردا) فيقال :( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) .

أجل ، إنّ أستار عالم المادّة من الآمال والعلاقة بالدنيا والأولاد والمرأة والأنانية والغرور والعصبية والجهل والعناد وحبّ الذات لم تكن تسمح أن تنظر إلى هذا اليوم مع وضوح دلائل المعاد والنشور ، فهذا اليوم ينفض عنك غبار الغفلة ، وتماط عنك حجب الجهل والتعصّب واللجاجة ، وتنشقّ أستار الشهوات والآمال ، وما كان مستورا وراء حجاب الغيب يبدو ظاهرا اليوم ، لأنّ هذا اليوم يوم البروز

٣٤

ويوم الشهود ويوم تبلى السرائر!

ولذلك فقد وجدت عينا حادّة البصر ويمكن أن تدرك جميع الحقائق بصورة جيّدة.

أجل ، إنّ وجه الحقيقة لم يكن مخفيا ولا لثام على جمال الحبيب ، ولكن ينبغي أن ينفض غبار الطريق ليمكن رؤيته.

إلّا أنّ الغرق في بحر الطبيعة والابتلاء بأنواع الحجب لا يسمحان للإنسان أن يرى الحقائق بصورة واضحة ، لكنّه في يوم القيامة حيث تنقطع كلّ هذه العلائق فمن البديهي أن يحصل للإنسان إدراك جديد ونظرة ثاقبة ، وأساسا فإنّ يوم القيامة يوم الظهور وبروز الحقائق!

حتّى في هذه الدنيا استطاع البعض تخليص أنفسهم من قبضة الأهواء واتّباع الشهوات وأن يلقوا الحجب عن عيون قلوبهم لرزقوا بصرا حديدا يرون به الحقائق ، أمّا أبناء الدنيا فمحرومين منه.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الحديد نوع من المعدن كما يطلق على السيف والمدية ، ثمّ توسّعوا فيه فأطلقوه على حدّة البصر وحدّة الذكاء ، ومن هنا يظهر أنّ المراد بالبصر ليس العين الحقيقية الظاهرة ، بل بصر العقل والقلب.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في أولياء الله في أرضه : «هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استعوره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ـ الكلمات القصار ـ الكلمة ١٤٧.

٣٥

بحوث

١ ـ حقيقة الموت

يتصوّر أغلب الناس أنّ الموت أمر عدمي ومعناه الفناء ، إلّا أنّ هذه النظرة لا تنسجم مع ما ورد في القرآن المجيد وما تدلّ عليه الدلائل العقلية ولا توافقها أبدا.

فالموت في نظر القرآن أمر وجودي ، وهو انتقال وعبور من عالم إلى آخر ، ولذلك عبّر عن الموت في كثير من الآيات بـ «توفّي» ويعني تسلّم الروح واستعادتها من الجسد بواسطة الملائكة.

والتعبير في الآيات المتقدّمة( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) هو إشارة إلى هذا المعنى(١) أيضا ، وقد جاء في بعض الآيات التعبير عن الموت بالخلق :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ ) (الملك ـ ٢).

وهناك تعبيرات متعدّدة عن حقيقة الموت في الرّوايات الإسلامية ، ففي رواية أنّ الإمام علي بن الحسين سئل : ما الموت؟ فقال :عليه‌السلام : «للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والاستبدال بأفخر ثياب وأطيبها روائح وأوطئ المراكب وآنس المنازل وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنقل عن منازل أنيسة والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب».

وسئل الإمام محمّد بن عليّعليه‌السلام السؤال الآنف ذاته فقال : «هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلّا أنّه طويل مدّته لا ينتبه منه إلّا يوم القيامة»(٢) .

وقد قلنا في المباحث المتعلّقة بالبرزخ أنّ حالات الأشخاص متفاوتة في البرزخ ، فبعضهم كأنّهم يغطّون في نوم عميق ، وبعضهم «كالشهداء في سبيل الله

__________________

(١) في المراد من الباء في كلمة بالحقّ هناك احتمالات عديدة ، فمنهم قال معناه التعدية والحقّ معناه الموت ، ويكون معنى الجملة إنّ سكرات الموت لها واقعية أي أنّ السكرات تصحب معها الموت ، وقيل أنّ الباء للملابسة ، أي أنّ سكرات الموت تأتي مع الحقّ.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١٥٥ [ويظهر أنّ المراد من الإمام محمّد بن علي هو الإمام التاسع محمّد الجوادعليه‌السلام ].

٣٦

والمؤمنين الراسخين» ينعّمون بأنواع النعم بينما يعذّب الأشقياء والجبابرة بعذاب الله الأليم!

وقد بيّن الإمام الحسينعليه‌السلام لأصحابه حقيقة الموت يوم عاشوراء عند اشتداد المأزق والقتال بتعبير لطيف بليغ فقال : «صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة ، والنعم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب إنّ أبي حدّثني عن رسول الله إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم»(١) .

ونقرأ في حديث آخر أنّ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام دخل على رجل يعاني سكرات الموت ولم يكلّم أحدا ، فسأل الحاضرون الإمام موسى بن جعفر : يا بن رسول الله وددنا لو عرفنا كيف الموت وكيف هو حال صاحبنا؟

فقالعليه‌السلام : «الموت هو المصفاة يصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم ويصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم ، وأمّا صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا وصفّي من الآثام تصفية وخلص حتّى نقي كما ينقّى الثوب من الوسخ وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد»(٢) .

٢ ـ سكرات الموت

كان الكلام في الآيات الآنفة على سكرات الموت ، وقلنا أنّ «السكرات» جمع سكرة ، ومعناها الحالة التي تشبه حالة الثمل على أثر اشتداد حالة الإنسان اضطرب منها فيرى سكرا وليس بسكر!

صحيح أنّ الموت هو للمؤمنين بداية انتقال إلى عالم أوسع مليء بمواهب

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٨٩ باب معنى الموت الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق.

٣٧

الله ، إلّا أنّه مع ذلك فإنّ هذه الحالة الانتقالية ليست سهلة لأي إنسان ، لأنّ روحه تطبّعت مع البدن سنين طوالا وارتبطت به.

ولذلك فإنّه حين يسأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن سبب اضطراب الجسد حين خروج الروح منه يجيب : لأنّه نما عليها البدن(١) .

وهذا يشبه تماما حالة قلع السنّ الفاسد من اللثّة ، فإنّه عند قلعه يحسّ الإنسان بالألم إلّا أنّه يشعر بالراحة بعدئذ.

ونقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الإنسان يستوحش من ثلاثة أيّام ، يوم يولد فيه فيرى هذا العالم الذي لم يعرفه ، ويوم يموت ويرى عالم ما بعد الموت ، ويوم القرآن يقول في شأن يحيى بن زكريا :( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) (٢) ويحكى على لسان عيسى بن مريم مثل هذا الكلام ، فهذان النبيّان مشمولان بعناية الله في هذه الأيّام الثلاثة!.

وبالطبع فإنّه من المسلّم به أنّ المرتبطين بهذه الدنيا يكون انتقالهم منها أصعب وقطع القلوب منها أشدّ ، كما أنّ الآثمين وأصحاب الذنوب تكون عليهم سكرات الموت أكثر ألما ومرارة!.

٣ ـ الموت حقّ

ليست الآيات محلّ البحث وحدها تتحدّث عن الموت بأنّه حقّ ، بل هناك آيات كثيرة في القرآن تصرّح بأنّ الموت حقّ ويقين ، إذ نقرأ في الآية (٩٩) من

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١٥٦.

(٢) المصدر نفسه مع شيء من التلخيص : نقرأ في سورة مريم الآية ١٥ في شأن يحيى :( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) كما نقرأ في شأن عيسى بن مريم في السورة ذاتها( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) .

٣٨

سورة الحجر( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) . وفي الآية (٤٧) من سورة المدثر نقرأ ما يشبه هذا التعبير أيضا.

كلّ ذلك لأنّ الإنسان إذا أنكر كلّ شيء فليس بوسعه أن ينكر أنّ الموت حقّ وأنّه لا بدّ أن يطرق بابه ، فالموت يطرق أبواب الجميع ويأخذهم معه أخيرا.

والالتفات ـ إلى حقيقة الموت ـ يعدّ إنذارا لجميع الناس ليفكّروا أكثر وأحسن ويعرفوا طريقهم المقدمين عليه وما هو أمامهم ويستعدّوا له!

الطريف أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات أنّ رجلا جاء إلى عمر فقال : إنّي أحبّ الفتنة وأكره الحقّ وأشهد على ما لم أره ، فأمر عمر به فحبس ، فبلغ ذلك علياعليه‌السلام فقال : يا عمر إنّ حبسه ظلم وقد أثمت على ذلك. فقال : ولم؟ فقال علي : إنّه ـ يحبّ أمواله وأولاده وقد قال الله عنهما في بعض آياته أنّهما فتنة( إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) ويكره الموت والقرآن يعبّر عنه بأنّه حقّ( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) (٢) ويشهد بوحدانية الله وهو لم يره. فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر(٣) .

* * *

__________________

(١) التغابن ، الآية ١٥.

(٢) سورة ق ، الآية ١٩.

(٣) تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ١١٨.

٣٩

الآيات

( وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) )

التّفسير

قرناء الإنسان من الملائكة والشياطين :

مرّة اخرى ترتسم في هذه الآيات صورة اخرى عن المعاد ، صورة مثيرة مذهلة حيث أنّ الملك ـ قرين الإنسان ـ يبيّن محكومية الإنسان بين الملأ ويصدر حكم الله لمعاقبته وجزائه.

تقول الآية الاولى من هذه الآيات : يقول صاحبه وقرينه هذا كتاب أعمال

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

يعرف ربه ولا يترك معصية إلاّ ركبها ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها ولا رحماً ماسة إلاّ قطعها ولا فاحشة إلاّ أتاها وإن شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون وإن شربها حتى سكر منها نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ولم تقبل صلاته أربعين يوماً ).

( مسألة ١٢٣٥ ) : يحرم عصير الزبيب اذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس فان لم يصر بذلك مسكراً تزول حرمته بذهاب ثلثيه ، وأما إذا صار مسكراً فلا تزول حرمته الا بالتخليل.

واذا طبخ العنب نفسه فان حصل العلم بغليان ما في جوفه من الماء حرم على الأحوط والا لم يحرم ، كما لا يحرم ما يسمى بالعصير الزبيبي وان غلى الا ان يصير مسكراً فيحرم عندئذٍ ولا تزول حرمته الا بالتخليل.

( مسألة ١٢٣٦ ) : يحرم الفقاع وهو شراب معروف يوجب النشوة عادة لا السكر ويسمى اليوم بالبيرة.

( مسألة ١٢٣٧ ) : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس السائلة حتى الدم في البيضة وما يتخلف في الأجزاء المأكولة من الذبيحة ، نعم لا اشكال مع استهلاكه في المرق ونحوه.

( مسألة ١٢٣٨ ) : يحرم لبن الحيوان المحرم أكله ـ ولو لعارض ـ وكذلك بيضه ، وأما لبن الانسان فالأحوط ترك شربه.

( مسألة ١٢٣٩ ) : يحرم الأكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر ، بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الأحوط لزوماً.

( مسألة ١٢٤٠ ) : إذا أشرفت نفس محترمة على الهلاك أو ما يدانيه لشدة الجوع أو العطش وجب على كل مسلم انقاذها بأن يبذل لها من الطعام أو الشراب ما يسدّ به رمقها.

٤٤١

( آداب الأكل والشرب )

( مسألة ١٢٤١ ) : قد عدّ من آداب أكل الطعام أمور : أن يغسل يديه معاً قبل الطعام وبعده وينشفهما بالمنديل بعده ، وأن يبدأ صاحب الطعام قبل الجميع ويمتنع بعد الجميع ، وأن يبدأ في الغسل قبل الطعام بصاحب الطعام ثم بمن على يمينه إلى أن يتم الدور على من في يساره ، وأن يبدأ في الغسل بعد الطعام بمن على يسار صاحب الطعام إلى أن يتم الدور على صاحب الطعام ، وأن يسمّي عند الشروع في الطعام ولو كانت على المائدة الوان من الطعام استحبت التسمية على كل لون بانفراده ، وأن يأكل باليمين ، وبثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل باصبعين ، وان يأكل مما يليه إذا كانت على المائدة جماعة ولا يتناول من قدام الآخرين ، وان يصغّر اللقم ويطيل الأكل والجلوس على المائدة ، ويجيد المضغ ، وأن يحمد الله بعد الطعام ، وأن يلعق الأصابع ويمصها ، ويخلّل بعد الطعام ولا يكون التخلل بعودة الريحان وقضيب الرمان والخوص والقصب ، وأن يلتقط ما يتساقط خارج السفرة ويأكله إلاّ في البراري والصحاري فإنّه يستحب فيها أن يدع المتساقط عن السفرة للحيوانات والطيور ، وأن يكون أكله غداة وعشياً ويترك الأكل بينهما ، وأن يستلقي بعد الأكل على القفا ويجعل الرجل اليمنى على اليسرى ، وأن يفتتح ويختتم بالملح وأن يغسل الثمار بالماء قبل أكلها ، ولا يأكل على الشبع ، ولا يمتلئ من الطعام ، ولا ينظر في وجوه الناس لدى الأكل ، ولا يأكل الطعام الحار ، ولا ينفخ في الطعام والشراب ، ولا ينتظر بعد

٤٤٢

وضع الخبز في السفرة غيره ، ولا يقطع الخبز بالسكين ، ولا يضع الخبز تحت الإناء ، ولا ينظف العظم من اللحم الملصق به على نحو لا يبقى عليه شيء من اللحم ، ولا يقشر الثمار التي تؤكل بقشورها ، ولا يرمي الثمرة قبل أن يستقصي أكلها.

( مسألة ١٢٤٢ ) : قد عدّ من آداب شرب الماء أمور : أن يشرب الماء مصاً لاعباً ، ويشربه قائماً بالنهار ولا يشربه قائماً بالليل ، وان يسمّي قبل شربه ويحمّد بعده ويشربه بثلاثة أنفاس وعن رغبة وتلذذ ، وأن يذكر الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ويلعن قتلته بعد الشرب ، وأن لا يكثر من شرب الماء ، ولا يشربه على الأغذية الدسمة ، ولا يشرب من محل كسر الكوز ومن محل عروته ، ولا يشرب بيساره.

٤٤٣

٤٤٤

( أحكام النذر )

( مسألة ١٢٤٣ ) : النذر هو ( ان يجعل الشخص لله على ذمته فعل شيء أو تركه ).

( مسألة ١٢٤٤ ) : لا ينعقد النذر بمجرد النية بل لابد فيه من الصيغة ويعتبر في صيغة النذر اشتمالها على لفظ ( لله ) أو ما يشابهه من اسمائه المختصة به ، فلو قال الناذر مثلاً ( لله عليَّ أن آتي بنافلة الليل ) أو قال ( للرحمان عليّ أن اتصدق بمائة دينار ) صح النذر ، وله أن يؤدي هذا المعنى بأية لغة اُخرى غير العربية ، ولو اقتصر على قوله ( علي كذا ) لم ينعقد النذر وان نوى في نفسه معنى ( لله ) ، ولو قال ( نذرت لله أن اصوم ) أو ( لله عليّ نذر صوم ) ففي انعقاده اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.

( مسألة ١٢٤٥ ) : يعتبر في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر عن التصرف في متعلق النذر ، فيلغو نذر الصبي وإن كان مميزاً ، وكذلك نذر المجنون ـ ولو كان ادوارياً ـ حال جنونه ، والمكره ، والسكران ، ومن اشتد به الغضب إلى أن سلبه القصد أو الإختيار ، والمفلس إذا تعلق نذره بما تعلق به حق الغرماء من امواله ، والسفيه سواء تعلق نذره بمال خارجي أو بمال في ذمته.

( مسألة ١٢٤٦ ) : يعتبر في متعلق النذر من الفعل أو الترك أن يكون مقدوراً للناذر حين العمل ، فلا يصح نذر الحج ماشياً ممن ليس له قدرة على ذلك ، وكذلك يعتبر فيه أن يكون راجحاً شرعاً حين العمل كأن ينذر

٤٤٥

فعل واجب أو مستحب أو ترك حرام أو مكروه ، وأما المباح فإن قصد به معنى راجحاً كما لو نذر أكل الطعام قاصداً به التقوّي على العبادة مثلاً انعقد نذره وإلاّ لم ينعقد ، كما ينحل فيما إذا زال رجحانه لبعض الطوارئ كما لو نذر ترك التدخين لتتحسن صحته ويقوى على خدمة الدين ثم ضرّه تركه.

( مسألة ١٢٤٧ ) : لا يصح نذر الزوجة بدون إذن زوجها فيما ينافي حقه في الإستمتاع منها ، وفي صحة نذرها في مالها من دون اذنه ـ في غير الحج والزكاة والصدقة وبرّ والديها وصلة رحمها ـ اشكال فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه ، ويصح نذر الولد سواء أذن له الوالد فيه أم لا ، ولكن إذا نهاه أحد الأبوين عما تعلق به النذر فلم يعد بسببه راجحاً في حقه انحل نذره ولم يلزمه الوفاء به ، كما لا ينعقد مع سبق توجيه النهي إليه على هذا النحو.

( مسألة ١٢٤٨ ) : إذا نذر المكلف الإتيان بالصلاة في مكان بنحو كان منذوره تعيين هذا المكان لها لا نفس الصلاة ، فإن كان في المكان جهة رجحان بصورة أولية ـ كالمسجد ـ أو بصورة ثانوية طارئة مع كونها ملحوظة حين النذر كما إذا كان المكان أفرغ للعبادة وأبعد عن الرياء بالنسبة إلى الناذر صح النذر وإلاّ لم ينعقد وكان لغواً.

( مسألة ١٢٤٩ ) : إذا نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين وجب عليه التقيد بذلك الزمان في الوفاء ، فلو أتى بالفعل ـ قبله أو بعده ـ لم يعتبر وفاءً ، فمن نذر أن يتصدق على الفقير إذا شفي من مرضه ، أو أن يصوم اول كل شهر ، ثم تصدق قبل شفائه ، أو صام قبل اول الشهر أو بعده لم يتحقق الوفاء بنذره.

( مسألة ١٢٥٠ ) : إذا نذر صوماً ولم يحدده من ناحية الكمية كفاه صوم يوم واحد ، وإذا نذر صلاة من دون تحديد كيفيتها أو كميتها كفته صلاة

٤٤٦

واحدة حتى مفردة الوتر ، وإذا نذر صدقة ولم يحددها نوعاً وكماً اجزأه كل ما يطلق عليه اسم الصدقة ، وإذا نذر التقرب إلى الله بشيء ـ على وجه عام ـ كان له أن يأتي بأيّ عمل قربي ، كالصوم أو الصدقة أو الصلاة ولو ركعة الوتر من صلاة الليل ، ونحو ذلك من طاعات وقربات.

( مسألة ١٢٥١ ) : إذا نذر صوم يوم معين جاز له أن يسافر في ذلك اليوم ولو من غير ضرورة فيفطر ويقضيه ولا كفارة عليه ، وكذلك إذا جاء عليه اليوم وهو مسافر فإنه لا يجب عليه قصد الاقامة ليتسنى له الصيام ، بل يجوز له الإفطار والقضاء ، وإذا لم يسافر فإن صادف في ذلك اليوم أحد موجبات الإفطار كمرض أو حيض أو نفاس أو اتفق احد العيدين فيه أفطر وقضاه ، أما إذا أفطر فيه ـ دون موجب ـ عمداً فعليه القضاء والكفارة ، وهي كفارة حنث النذر الآتي بيانها.

( مسألة ١٢٥٢ ) : إذا نذر المكلف ترك عمل في زمان محدود لزمه تركه في ذلك الزمان فقط ، وإذا نذر تركه مطلقاً أي قاصداً الالتزام بتركه في جميع الأزمنة لزمه تركه مدة حياته ، فإن خالف وأتى بما التزم بتركه عامداً أثم ولزمته الكفارة وقد بطل نذره ولا إثم ولا كفارة عليه فيما أتى به خطأ أو غفلة أو نسياناً أو اكراهاً أو اضطراراً ، ولا يبطل بذلك نذره فيجب الترك بعد ارتفاع العذر.

( مسألة ١٢٥٣ ) : إذا نذر المكلف التصدق بمقدار معين من ماله ومات قبل الوفاء به ، لم يخرج ذلك المقدار من أصل التركه ، والأحوط استحباباً لكبار الورثة اخراجه من حصصهم والتصدق به من قبله.

( مسألة ١٢٥٤ ) : إذا نذر الصدقة على فقير لم يجزه التصدق بها على غيره ، وإذا مات الفقير المعين قبل الوفاء بالنذر لم يلزمه شيء وكذلك إذا

٤٤٧

نذر زيارة أحد الأئمةعليهم‌السلام معيناً فإنه لا يكفيه أن يزور غيره وإذا عجز عن الوفاء بنذره فلا شيء عليه.

( مسألة ١٢٥٥ ) : من نذر زيارة أحد الأئمة (ع) لا يجب عليه الغسل لها ولا أداء صلاتها الا إذا كان ذلك مقصوداً له في نذره والتزامه.

( مسألة ١٢٥٦ ) : المال المنذور لمشهد من المشاهد المشرفة إذا لم يقصد الناذر له مصرفاً معيناً يصرف في مصالحه ، فينفق منه على عمارته أو انارته ، أو لشراء فراش له أو لأداء أُجور خدمه والقائمين على حفظه وصيانته وما إلى ذلك من شؤون المشهد ، فان لم يتسير صرفه فيما ذكر واشباهه أو كان المشهد مستغنياً من جميع الوجوه صرف في معونة زواره ممن قصرت نفقتهم أو قطع بهم الطريق أو تعرضوا لطارئ آخر.

( مسألة ١٢٥٧ ) : المال المنذور لشخص صاحب المشهد ـ من دون أن يقصد الناذر له مصرفاً معيناً ـ يصرف على جهة راجعة إلى المنذور له كأن ينفق على زواره الفقراء أو على مشهده الشريف أو على ما فيه احياء ذكره ونحو ذلك.

( مسألة ١٢٥٨ ) : لو نذر التصدق بشاة معينة ـ مثلاً ـ فنمت نمواً متصلاً كالسمن كان النماء تابعاً لها في اختصاصها بالجهة المنذورة لها ، وإذا نمت نمواً منفصلاً كما إذا اولدت شاة اخرى أو حصل فيها لبن فالنماء للناذر إلاّ إذا كان قاصداً للتعميم حين انشاء النذر.

( مسألة ١٢٥٩ ) : إذا نذر المكلف صوم يوم إذا برئ مريضه أو قدم مسافره فتبين برء المريض وقدوم المسافر قبل نذره لم يكن عليه شيء.

( مسألة ١٢٦٠ ) : إذا نذر الأب أو الأم تزويج بنتهما من هاشمي أو من غيره في أوان زواجها لم يكن لذلك النذر أثر بالنسبة إليها وعدّ كأن لم يكن.

٤٤٨

( احكام اليمين )

( مسألة ١٢٦١ ) : اليمين على ثلاثة أنواع :

١ ـ ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للأخبار عن تحقّق أمرٍ أو عدم تحققه في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، والايمان من هذا النوع أما صادقة وأما كاذبة ، والايمان الصادقة ليست محرمة ولكنها مكروهة بحد ذاتها ، فيكره للمكلف أن يحلف على شيء صدقاً أو ان يحلف على صدق كلامه ، وأما الايمان الكاذبة فهي محرمة ، بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة كاليمين الغموس وهي اليمين الكاذبة في مقام فصل الدعوى ، ويستثنى منها اليمين الكاذبة التي يقصد بها الشخص دفع الظلم عن نفسه أو عن سائر المؤمنين ، بل قد تجب فيما إذا كان الظالم يهدد نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن آخر أو عرضه ، ولكن اذا التفت إلى إمكان التورية وكان عارفاً بها ومتيسرة له فالأحوط وجوباً ان يورّي في كلامه ، بان يقصد بالكلام معنى غير معناه الظاهر بدون قرينة موضحة لقصده ، فمثلاً إذا حاول الظالم الاعتداء على مؤمن فسألة عن مكانه وأين هو ؟ يقول ( ما رأيته ) فيما إذا كان قد رآه قبل ساعة ويقصد انه لم يره منذ دقائق.

٢ ـ ما يقرن به الطلب والسؤال ويقصد به حث المسؤول على انجاح المقصود ويسمى ب‍ ( يمين المناشدة ) كقول السائل : ( اسألك بالله ان تعطيني ديناراً ). واليمين من هذا النوع لا يترتب عليها شيء من اثم ولا كفارة لا على الحالف في احلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم انجاح

٤٤٩

مسؤوله.

٣ ـ ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من ايقاع امر أو تركه في المستقبل ويسمى ( يمين العقد ) كقوله ( والله لأصومنّ غداً ) أو ( والله لأتركن التدخين ).

وهذا اليمين هي التي تنعقد عند اجتماع الشروط الآتية ويجب الوفاء بها وتترتب على حنثها الكفارة وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، وفي حال العجز عن هذه الامور يجب صيام ثلاثة أيام متواليات.

واليمين من هذا النوع هي الموضوع للمسائل الآتية.

( مسألة ١٢٦٢ ) : يعتبر في إنعقاد اليمين ان يكون الحالف بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرف في متعلق اليمين ، نظير ما تقدم في النذر.

( مسألة ١٢٦٣ ) : لا تنعقد اليمين الا باللفظ أو ما هو بمثابتة كالاشارة من الأخرس ، وتكفي أيضاً الكتابة من العاجز عن التكلم بَلْ لا يترك الاحتياط في الكتابة من غيره.

( مسألة ١٢٦٤ ) : لا تنعقد اليمين الا اذا كان المحلوف به هو الذات الالهية سواء بذكر اسمه المختص به كلفظ الجلالة ( الله ) وما يلحقه كلفظ ( الرحمن ) ، أو بذكر وصفه أو فعله المختص به الذي لا يشاركه فيه غيره ( مقلب القلوب والابصار ) و ( الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ) ، أو بذكر وصفه أو فعله الذي يغلبُ إطلاقه عليه بنحو ينصرف اليه تعالى وإن شاركه فيها غيره بل يكفي ذكرُ فعله أو وصفه الذي لا ينصرف اليه في حد نفسه ولكن ينصرف إليه في مقام الحلف كالحي والسميع والبصير.

واذا كان المحلوف به بعض الصفات الإلهية أو ما يلحق بها كما لو

٤٥٠

قال ( وحق الله ، أو بجلال الله أو بعظمة الله ) لم تنعقد اليمين إلاّ إذا قصد ذاته المقدسة.

( مسألة ١٢٦٥ ) : لا يحرم الحلف بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام وسائر النفوس المقدسة والقرآن الشريف والكعبة المعظمة وسائر الأمكنة المحترمة ولكن لا تنعقد اليمين بالحلف بها ، ولا يترتب على مخالفتها إثم ولا كفارة.

( مسألة ١٢٦٦ ) : يعتبر في متعلق اليمين أن يكون مقدوراً في ظرف الوفاء بها ، فلو كان مقدوراً حين اليمين ثم عجز عنه المكلف ـ لا لتعجيز نفسه ـ فان كان معذوراً في تأخيره ولو لاعتقاد قدرته عليه لاحقاً انحلت يمينه وإلاّ أثم ووجبت عليه الكفارة ، ويلحق بالعجز فيما ذكر الضرر الزائد على ما يقتضيه طبيعة ذلك الفعل أو الترك والحرج الشديد الذي لا يتحمل عادة ، فانه تنحل اليمين بهما.

( مسألة ١٢٦٧ ) : تنعقد اليمين فيما اذا كان متعلقها راجحاً شرعاً كفعل الواجب والمستحب وترك الحرام والمكروه ، وتنعقد أيضاً اذا كان متعلقها راجحاً بحسب الأغراض العقلائية الدنيوية أو مشتملاً على مصلحة دنيوية شخصية للحالف بشرط ان لا يكون تركه راجحاً شرعاً.

وكما لا تنعقد اليمين فيما اذا كان متعلقها مرجوحاً كذلك تنحل فيما اذا تعلقت براجح ثم صار مرجوحاً ، كما لو حلف على ترك التدخين أبداً ثم ضرّه تركه بعد حين فانه تنحل يمينه حينئذٍ ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها.

( مسألة ١٢٦٨ ) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، ولا يعتبر في إنعقاد يمينهما اذن الوالد والزوج فلو حلف الولد أو الزوجة ولم يطّلعا على حلفهما أو لم يمنعا مع علمهما به صح

٤٥١

حلفهما ووجب الوفاء به.

( مسألة ١٢٦٩ ) : إذا ترك المكلف الوفاء بيمينه نسياناً أو اضطراراً أو اكراهاً أو عن جهل يعذر فيه لم تجب عليه الكفارة ، مثلاً اذا حلف الوسواسي على عدم الاعتناء بالوسواس ، كما اذا حلف ان يشتغل بالصلاة فوراً ، ثم منعه وسواسه عن ذلك فلا شيء عليه اذا كان الوسواس بالغاً إلى درجة يسلبه الإختيار والا لزمته الكفارة.

٤٥٢

( احكام العهد )

( مسألة ١٢٧٠ ) : لا ينعقد العهد بمجرد النية بل يحتاج إلى الصيغة ، فلا يجب العمل بالعهد القلبي وان كان ذلك احوط استحباباً ، وصيغة العهد ان يقول ( عاهدت الله ، أو عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو اترك كذا ).

( مسألة ١٢٧١ ) : يعتبر في منشئ العهد ان يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرف في متعلق العهد على حذو ما تقدم اعتباره في النذر واليمين.

( مسألة ١٢٧٢ ) : لا يعتبر في متعلق العهد ان يكون راجحاً شرعاً كما مرّ اعتباره في متعلق النذر ، بل يكفي ان لا يكون مرجوحاً شرعاً مع كونه راجحاً بحسب الأغراض الدنيوية العقلائية أو مشتملاً على مصلحة دنيوية شخصية مثل ما مرّ في متعلق اليمين.

( مسألة ١٢٧٣ ) : اذا انشأ العهد مطلقاً أي غير مُعلِّق على تحقّق امرٍ وجب الوفاء به على أي حال ، واذا انشاه معلقاً على قضاء حاجته مثلاً كما لو قال ( عليّ عهد الله أن أصوم يوماً اذا برئ مريضي ) وجب عليه الوفاء به اذا قضيت حاجته.

ومتى خالف المكلف عهده بعد انعقاده لزمته الكفارة ، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكيناً.

٤٥٣

٤٥٤

( أحكام الوقف )

( مسألة ١٢٧٤ ) : الوقف هو ( تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ) واذا تمّ بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف واصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع الا في موارد معينة يجوز فيها البيع كما تقدم في المسألة (٦٧٤) وما بعدها.

( مسألة ١٢٧٥ ) : لا يتحقق الوقف بمجرد النية ، بل لابد من انشائه بلفظ ك‍ ( وقفت هذا الفراش على المسجد ) أو بفعل كاعطاء الفراش إلى قيمّ المسجد بنية وقفه ، ومثله تعمير جدار المسجد أو بناء أرض على طراز ما تُبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً فانه يكون وقفاً بذلك.

( مسألة ١٢٧٦ ) : يعتبر في الواقف : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، وعدم الحجر عن التصرف في الموقوف لسفه أو فلس ، فلا يصح وقف الصبي والمجنون والمكره والغافل والساهي والمحجور عليه.

( مسألة ١٢٧٧ ) : يعتبر في الوقف أمور :

أ ـ عدم توقيته بمدة ، فلو قال ( داري وقف على الفقراء إلى سنة ) بطل وقفاً ، ويصح حبساً اذا قصد ذلك.

ب ـ ان يكون منجزاً ، فلو قال ( هذا وقف بعد مماتي ) لم يصح ، نعم اذا فهم منه عرفاً انه اراد الوصية بالوقف وجب العمل بها اذا كانت الوصية نافذة فيجعل وقفاً بعد وفاته.

ج ـ ان لا يكون وقفاً على نفس الواقف ولو في ضمن آخرين ، فلو

٤٥٥

وقف أرضاً لأن يدفن فيها لم يصح ، ولو وقف دكاناً لأن تصرف منافعه بعد موته على من يقرأ القرآن على قبره ويهدي اليه ثوابه صحّ ، واذا وقف بستاناً على الفقراء لتصرف منافعه عليهم وكان الواقف فقيراً حين الوقف أو أصبح كذلك بعده جاز له الانتفاع بمنافعه كغيره الا اذا كان من قصده خروج نفسه.

د ـ قبض العين الموقوفة إذا كان من الاوقاف الخاصة ، فلا يصح الوقف إذا لم يقبضها الموقوف عليه أو وكيله أو وليّه ، نعم يكفي قبض الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة ، بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن يوجد منها بعد ذلك ، وإذا وقف على اولاده الصغار واولاد اولاده وكانت العين في يده كفى ذلك في تحقّق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر.

ولا يعتبر القبض في صحة الوقف على العناوين العامة ، فلو قال ( وقفت هذه الارض مقبرة للمسلمين ) صارت وقفّا وان لم تقبض من قبل المتولي أو الحاكم الشرعي.

ه‍ ـ ان يكون الموقوف عيناً خارجية ومما يمكن الانتفاع بها مدة معتداً بها منفعة محللة مع بقاء عينها ، فلا يصح وقف الدين ولا وقف الأطعمة ونحوها مما لا نفع فيه الا باتلاف عينه ولا وقف الورد للشم مع انه لا يبقى الا مدة قصيرة ، ولا وقف الآت اللهو المحرّم.

و ـ وجود الموقوف عليه حال الوقف إذا كان من الاوقاف الخاصة ، فلا يصح الوقف على المعدوم في حين الوقف ، كما إذا وقف على من سيولد له من الأولاد ، وفي صحة الوقف على الحمل قبل ان يولد اشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه ، نعم إذا لوحظ الحمل بل المعدوم

٤٥٦

تبعاً لمن هو موجود بالفعل بان يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صح الوقف.

( مسألة ١٢٧٨ ) : لا يعتبر قصد القربة في صحة الوقف ولا سيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية ، كما لا يعتبر القبول في الوقف بجميع انواعه وان كان اعتباره احوط استحباباً.

( مسألة ١٢٧٩ ) : يجوز للواقف في وقف غير المسجد ان يجعل في ضمن انشاء الوقف تولية الوقف ونظارته لنفسه مادام الحياة أو الى مدة محددة وكذلك يجوز ان يجعلها لغيره ، كما يجوز ان يجعل أمر التولية لنفسه أو لشخص آخر بان يكون المتولي كل من يعيّنه نفسه أو ذلك الشخص ، ولو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول سواء أكان حاضراً في مجلس ايقاع الوقف أم كان غائباً ثم بلغه ذلك ، ولو قبل التولية تعين ووجب عليه العمل بما قرره الواقف من الشروط ، ولكن له ان يعزل نفسه عن التولية بعد ذلك.

( مسألة ١٢٨٠ ) : يعتبر في متولي الوقف ان تكون له الكفاية لأدارة شؤونه ولو بالاستعانة بالغير ، كما يعتبر ان يكون موثوقاً به في العمل وفق ما يقتضيه الوقف.

( مسألة ١٢٨١ ) : إذا لم يجعل الواقف متولياً للوقف ولم يجعل حق نصبه لنفسه أو لغيره فالعين الموقوفة ان كانت وقفاً على أفراد معينين على نحو التمليك كأولاد الواقف ـ مثلاً ـ جاز لهم التصرف فيها بما يتوقف عليه انتفاعهم منها من دون اخذ اجازة أحد فيما إذا كانوا بالغين عاقلين رشيدين ، وان لم يكونوا كذلك كان زمام ذلك بيد وليّهم الشرعي ، وأما التصرف في العين الموقوفة بما يرجع الى مصلحة الوقف ومراعاة مصلحة

٤٥٧

البطون اللاحقة من تعميرها واجارتها على الطبقات اللاحقة فالأمر فيه بيد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

وإذا كانت العين الموقوفة وقفاً على جهة عامة أو خاصة أو عنوان كذلك كالبستان الموقوف على الفقراء أو الخيرات فالمتولي له في حال عدم نصب الواقف احداً للتولية وعدم جعل حق النصب لنفسه أو لغيره هو الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

( مسألة ١٢٨٢ ) : تختص المساجد بانه لا تولية لأحد عليها ، فليس لواقف الارض مسجداً ان ينصب متولياً عليه ، نعم تجوز التولية لموقوفات المسجد من بناء وفرش والآت انارة وتبريد وتدفئة ونحوها.

( مسألة ١٢٨٣ ) : إذا ظهرت خيانة من المتولي للوقف كعدم صرفه منافع الوقف في الموارد المقررة في الوقفية ضمّ اليه الحاكم الشرعي من يمنعه عنها ، وأن لم يمكن ذلك عزله ونصب شخصاً آخر متوليّا له.

( مسألة ١٢٨٤ ) : إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن الوقفية ولا يجوز بيعها وان تعذر تعميره إلى الابد ، واما غير المسجد من الاعيان الموقوفة مثل البستان والدار فتبطل وقفيتها بالخراب الموجب لزوال العنوان إذا كانت الوقفية قائمة بذلك العنوان كوقف البستان مادام كذلك وعندئذٍ يرجع ملكاً للواقف ومنه إلى ورثته حين موته ، وهذا بخلاف ما إذا كان الملحوظ في الوقفية كلاًّ من العين والعنوان ـ كما هو الغالب ـ فانه إذا زال العنوان فان امكن تعمير العين الموقوفة واعادة العنوان من دون حاجة إلى بيع بعضها ـ كأن يصالح شخص على اعادة تعميرها على أن تكون له منافعها لمدة معينة ولو كانت طويلة نسبياً ـ لزم ذلك وتعين ، وان توقف اعادة عنوانها على بيعِ بعضها ليعمر الباقي فالأحوط لزوماً تعينه ، وان تعذر

٤٥٨

اعادة العنوان اليها مطلقاً ولكن أمكن إستنماء عرصتها بوجه آخر فهو المتعين ، وان لم يمكن بيعت ، والأحوط لزوماً ان يشترى بثمنها ملك آخر ويوقف على نهج وقف الأوّل ، بل الأحوط لزوماً أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأوّل مع الإمكان وإلا فالاقرب اليه ، وان تعذر هذا ايضاً صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها.

( مسألة ١٢٨٥ ) : ما يوقف على المساجد والمشاهد ونحوهما من آلات الإنارة والتكييف والفرش ونحوها لا يجوز نقلها إلى محل آخر مادام يمكن الانتفاع بها في المكان الذي وقفت عليه ، وأما لو فرض استغناؤه عنها بالمرة بحيث لا يترتب على ابقائها فيه إلا الضياع والتلف نقلت إلى محل آخر مماثل له ، بان يجعل ماللمسجد لمسجدٍ آخر وما للحسينية في حسينية اخرى ، فان لم يوجد المماثل أو استغنى عنه بالمرة جعل في المصالح العامة.

هذا إذا امكن الانتفاع به باقياً على حاله ، وأما لو فرض انه لا ينتفع إلا ببيعه بحيث لو بقي لضاع وتلف بيع وصرف ثمنه في ذلك المحل الموقوف عليه ان كان في حاجة اليه وإلا ففي المماثل ثم المصالح العامة مثل ما مرّ.

( مسألة ١٢٨٦ ) : لا يجوز صرف منافع المال الموقوف على ترميم مسجد معين في ترميم مسجد آخر ، نعم إذا كان المسجد الموقوف عليه في غنى عن الترميم إلى أمد بعيد ولم يتيسر تجميع عوائد الوقف وادخارها إلى حين احتياجه فالأحوط لزوماً صرفها فيما هو الأقرب إلى مقصود الواقف من تأمين سائر احتياجات المسجد الموقوف عليه أو ترميم مسجد آخر حسب اختلاف الموارد.

( مسألة ١٢٨٧ ) : إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم

٤٥٩

لأجل بقائها وحصول النماء منها ، فان لم يكن لها ما يصرف عليها في ذلك صرف جزء من نمائها وجوباً مقدماً على حق الموقوف عليهم ، وإذا احتاج إلى تمام النماء في التعمير أو الترميم بحيث لولاه لا يبقى للطبقات اللاحقة صرف النماء بتمامه في ذلك وان أدى إلى حرمان الطبقة الموجودة.

( مسألة ١٢٨٨ ) : إذا أراد المتولي للوقف بيعه بدعوى وجود المسوغ للبيع لم يجز الشراء منه إلا بعد التثبت من وجوده ، واما لو بيعت العين الموقوفة ثم حدث للمشتري أو لطرف ثالث شك في وجود المسوغ للبيع في حينه جاز البناء على صحته ، نعم إذا تنازع المتولي والموقوف عليه مثلاً في وجود المسوغ وعدمه فرفعوا أمرهم إلى الحاكم الشرعي فحكم بعدم ثبوت المسوغ وبطلان البيع لزم ترتيب آثاره.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551