الدروع الواقية

الدروع الواقية18%

الدروع الواقية مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: دراسات
الصفحات: 317

الدروع الواقية
  • البداية
  • السابق
  • 317 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112971 / تحميل: 6370
الحجم الحجم الحجم
الدروع الواقية

الدروع الواقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أنت الحّيُ القيّومُ ، تَنامُ العُيونُ ، وَتغُورُ النّجُومُ ، ولا تَاخُذكَ سِنةٌ ولا نَومٌ ، صَلّ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ وفَرّج غَمّي وهمي ، واجعل لي في كُلِّ أمر يَهمني فَرَجاً ومَخَرجاً ، وثبت رَجاءكَ في قَلبي ، تَصدني بهِ عن رَجاء المخلُوقينَ ورجاءَ من سواكَ ، وحتى لا تكونُ ثِقَتي إلاّ بِكَ.

اللّهُمَّ لا تَرُدّنَي في غَمرةٍ ساهيةٍ ، ولا تكتبُني من الغافلِينَ ، اللّهُمَّ إني أعُوذُ بكَ أن أضِلَّ عبادَكَ ( وأستريبَ إجابتكَ )(١) ، اللّهُمَّ إن لي ذُنوباً قد أحصاها كتابُكَ ، وأحاطَ بها عِلمُكَ ، ولَطُف بها خَبرُك. أنَا الخاطئُ المُذنِب ، وأنت الرَبّ الغفُورُ المُحسنُ ، أرغَبُ إليكَ في التوبةِ والأمانةِ ، وأستَقِيلُكَ فيما سلفَ مني ، فَاغفر لي وأعفُ عني ما سَلفَ ، إنّكَ أنت التّوابُ الرّحيمُ.

اللّهُمَّ أنتَ أولى برحمتي من كُلِّ أحد فارحمني )(٢) ، ولا تُسلِّط عَلَيّ ـ اللّهُمّ في الدّنيا والآخرةِ ـ من لا يَرحمني ، ومن أنَت أولى برحمتي منهُ.

ـ اللّهُمّ ولا تجعل ما سَتَرتَ ( عليّ )(٣) من فِعالِ العُيُوبِ مَكراً مِنكَ واسِتدراجاً لَتاخُذَني به يَومَ القِيامة ، وتَفضحَني بذلكَ على رؤوس الخلائِقِ ، واعفُ عَني في الدّارينِ كليهما يا رَبّ ، فأنّكَ غفُورٌ رحَيمٌ.

اللّهُمَّ إن لَم أكُن أهلاً أن أبلُغ رَحَمتكَ فإنّ رَحمتكَ أهلٌ أن تَبلُغَني ،

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٣) اثبتناه من نسخة « ن ».

١٦١

لأنّها وسعت كُلَّ شَيءٍ وأنا شَيءٌ فَلتَسَعني رَحَمتكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، اللّهُمَّ فَخصني يا سيّدي ويا مَولايَ ، ويا إلهي ويا كهفي ، ويا حِرزي ويا ذُخري ، ويا قُوتي ويا جابِري ، ويا خالِقي ويا رازِقي ، بما خَصّصتَني به ، ووفّقني لِما وَفَقتني لَهُ ، وارحمني رحمةً لامّةً تامّةً ، يا أرحمَ الرّاحمينَ.

يا مَن لا يَشغَلُهُ سَمعٍ عن سَمعٍ ، يا مَن لا يُغلّطُهُ السّائِلوُنَ ، يا مَن لا يُبرمُهُ(١) إلحاحُ المُلحّينَ ، أذِقني بَرَدَ عَفوكَ ، وحَلاوَةَ ذِكرِكَ وَرَحمتِكَ.

اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ للِنّعمِ التي أنعمتَ بها عَلَيّ فَقَوَيتُ بها عَلى مَعصيَتكَ. وأستَغفرُكَ لكُلِّ أمرٍ أردتُ بِه وَجَهكَ فَخَالطَ ما لَيسَ لَكَ. وأستَغفرُكَ لما دَعاني إليهِ الهوى من قَبول الرُّخَصِ فيما أتَيتهُ مِما هُوَ عِندكَ حَرامُ. وأستفَغرُكَ للذُّنُوب التي لا يَعلمُها غَيرُكَ ، ولا يَسَعُها إلاّ حِلمُكَ وَعَفوكَ. وأستغفرُكَ لِكُلِّ يمينٍ حَنثتُ فيها عندَكَ ، يا ذَا الجَلالِ والإكرامِ ، يا مَن عَرّفَني نَفسهُ ، لا تَشغُلني بِغيِركَ ، ولا تَكِلني إلى سِواكَ ، واغنني بِكَ عن كُلِّ مَخلُوقٍ غَيرك ، يا أرحَم الرّاحميِنَ(٢) .

__________________

(١) البَرَم : بالتحريك ، مصدر قولك : بَرَم به بالكسر ، إذا سئمه ، وأبرَمَهُ أي أمله وأضجره. الصحاح ـ برم ـ ٥ : ١٨٦٩.

(٢) رواه العلامة الحلي في العدد القوية : ٣٤٥ / ١ و ٢ و ٥ ، باختلاف فيه ، واورد الدعاء في : ٣٤٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٠ باختلاف يسير.

١٦٢

اليوم التاسع والعشرون :

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « هذا يومٌ صالحٌ ، خفيفٌ لسائر الاموروالحوائج والأعمال ، ومن يولد فيه يكون حليماً ، ومن سافر فيه يصيب مالاً كثيراً ، ومن مرض فيه يبرأ سريعاً ، ولا تكتب فيه وصيّة ، فإنه يكره ذلك » والله أعلم.

قال سلمان رحمة الله عليه :روز مار اسفند ، اسمُ الملك الموكل بالأفئدة والعقول والأسماع والأبصار. يوم صالح لكل حاجةٍ ، ولقاء الإخوان والأصدقاءِ والأودّاء ، وفعل الخير ، والأحلام تصحّ فيه من يومها ، والله أعلم.

الدعاء فيه :

الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ ، تَبارَكَ اللهُ أحَسنُ الخالقينُ ، ولاحَولَ ولا قُوّةَ إلا بِاللهِ العليّ العظيمِ ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلهِ والبِسني العافيِةَ حتى تُهنّئني المعيشةَ ، واختِم لي بالمَغفرةِ حتى لا تَضُرّني مَعَها الذّنوبُ ، واكفِني نَوائبِ الدُّنيا وُهُمومَ الآخرةِ ، حتّى تُدخِلني الجَنّةَ برِحمَتكَ ، إنّكَ على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ.

اللّهُمَّ أنت تَعلَمُ سِرّي وعَلانيَتي فاقبلْ معذِرتي ، وتعلَمُ حاجَتي فَاعطني مسألتي ، وَتَعلَمُ ما في نَفسي فاغِفر لي ذُنوبي. اللّهُمَّ أنتَ أنتَ

١٦٣

وأنا أنا ، تَعلَمُ حوائجِي ، ( وَتَعلم ذُنُوبي )(١) فاقضِ لي جميعَ ( حوائجي واغفر لي جميع )(٢) ذُنوُبي.

اللّهُمَّ أنت الرَبُّ وأنا المربُوبُ ، وأنتَ المالِكُ وأنا المَملوكُ ، وأنت العزيزُ وأنا الذّليلُ ، وانت الحيُ وأنا المَيّتُ ، وأنتَ القويُّ وأنا الضّعيفُ ، وأنت الغَنيّ وأنا الفَقيرُ ، وأنتَ الباقي وأنا الفاني ، وأنتَ المُعطي وأنا السّائلُ ، وأنتَ الغَفُورُ وأنا المُذنبُ ، وأنتَ المولى وأنا العبدُ ، وأنتَ العالمُ وأنا الجاهِلُ ، عَصيتُكَ بِجَهلي ، وارتَكبتُ الذُنوبُ لِفساد عَقلي ، وألهتَني الدُّنيا لسوء عَملي ، وسَهوتُ عن ِذكركَ وأنتَ أرحَمُ الرّاحِمينَ ، أنتَ أرحَمُ لي من نَفسي ، وأنظر لي مِنها ، فَاغفِر وارحمَ وتَجاوزَ عما تعلمُ ، إنّك أنتَ الأعزُّ الأكرمُ.

اللّهُمَّ أوسِع ( لي في )(٣) رِزقي ، وأمدُد ( لي في )(٤) عُمري واغفِر ( لي )(٥) ذَنبي ، واجعلني ( ممن تَنَتصر )(٦) بِه لدينِكَ ، ولا تستبدِل بي غيري ، يا حنّانُ يا مَنّانُ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، فَرّغ قَلبي لِذِكرِكَ ، وألبسني عافيِتكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ.

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٣) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٤) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٥) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٦) في نسخة « ك » : منتصراً ، واثبتناها من نسخة « ن ».

١٦٤

اللّهُمَّ رَبّ السّماواتِ السّبعِ وما اظلّت ، ورَبّ الأرضينَ السّبعِ وما أقلّت ، ورَبّ البحارِ وما في قَعرِها ، ورَبّ الجِبالِ الرّواسيَ وما في اقطارِها ، أنتَ رَبّ كُلِّ شيءٍ وبارئهِ ، وخالقُ كُلِّ شيءٍ ومَغنيهِ ، والعالمُ بكُلِّ شيءٍ والقاهِرُ لكُلِّ شيءٍ ، والمحيطُ بكُلِّ شيءٍ عِلماً ، والرّزِاق لكُلِّ شيءٍ ، أسألُكَ بقدرتِكَ على كُلِّ شيءٍ ، أن تُصَلّيَ على مُحمّدٍ وآلهِ ، وتَستجيبَ دُعائي بِرحمتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ(١) .

اليوم الثلاثون :

قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : « هو يوم جيّد للبيع والشراء والتّزويج لا تسافر فيه ولا تتعرض بغيره إلاّ المعاملة. ومن ولد فيه يكون حليماً مُباركاً ، وتُعِزُّ تَربيَتهُ ، ويسوء خُلقُهُ ، ويُرزقُ رِزقاً يكُونُ لِغيرهِ ، ويمنعُ من التمتعِ بشيء مِنهُ. ومن هرَبَ فيه أخذ ، ومَن ضلّت منه ضالة وجدَها ، ومن اقترض فيه شيئاً رَدَّهُ سريعاً ».

قال سلمان رحمةُ الله عليه :روز انيران ، اسمُ الملك الموكل بالدّهور والأزمنة ، يوم سعيدٌ خفيفٌ مبارك ، يصلح لكلّ شيء يريده ، والله أعلم.

الدعاء فيه :

اللّهُمَّ اشرح صَدري للإسلامِ ، وزَيّنّي بالإيمانِ ، وقِني عَذاب النّارِ

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية : ٣٦٠ / ١ و ٢ و ٥ باختلاف فيه ، واورد الدعاء في : ٣٦٣ ـ ٣٦٤. وكذا نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٢.

١٦٥

ـ تَقُولُ ذلِكَ سَبع مرّاتٍ وتسأل الله عَزّ وجَلّ حاجَتَكَ ـ اللّهُمَّ يا رَبّ أنتَ هو ، يا رَبّ يا قُدّوُسُ ، أسألُكَ بِاسمِكَ الأعظَمِ ، الله لا إلهَ إلاّ هُو الحَقُّ المُبينُ ، الحيُّ القَيُّومُ لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، لَكَ ما في السّماواتِ وما في الأرضِ ، مَن ذَا الّذي يَشفَعُ عندَكَ إلا بأذنكَ ، تَعلمُ ما بَينَ أيديهِم وما خَلفَهُم ، ولا يُحيطُونَ بشيءٍ من علمهِ إلا بِما شاءَ وسِعَ كُرسيُّهُ السّماواتِ والأرضَ ولا يَؤدُهُ حِفظُهُما وهُو العَلي العَظِيمُ ، أن تُصلّي على مُحمّدٍ وآلهِ في الأوّلينَ ، وان تُصلّي على مُحمّدٍ وآلهِ في الآخرينَ ، وأن تُصلّي على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ بِعَددِ كُلِّ شيءٍ ، وأن تُصلّي على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ في الآخرةِ والأولى ، وأن تُعطِيني سُؤلي للآخِرةِ والدُّنيا ، يا حَيّ حين لا حيّ ، يا حيّ قَبلَ كُلِّ حَيّ ، يا حَيّ لا إلهَ إلا أنتَ ، يا قُيّومُ بِرحمتِكَ أستغيثُ فَأعنّي ، وأصلح لي شأني كُلّه ، ولا تَكلني إلى نَفسي طرفَةَ عَينٍ.

الحمدُ لله رَبّ العالمين ـ تقول ذلك ارَبع مراتٍ ـ يا رَبّ أنتَ لي رحيمٌ ، اسألُكَ يا رَبّ بما حَملَ عَرشكَ من عزِ جَلالِكَ ، أن تَفعلَ ( بي )(١) ما أنتَ أهلهُ لا ما أنا أهلهُ ، فأنتَ أهلُ التَقوى وأهلُ المغَفرةِ.

اللّهُمَّ إنّي أحمُدكَ حَمداً ، وأتوكَلُ عَليكَ حَميداً ، وأستَغفِركَ فَريداً ، وأشهَدُ أن لا إله إلاّ أنتَ ، شهادَةً أفني بها عُمري ، وألقى بها رَبّي ، وأدخلُ بها قَبري ، وأخلو بها في وحدَتي. اللّهُمَّ وأسألُكَ مع ما سألتُكَ فِعلَ الخيراتِ ، وتركَ المُنكراتِ ، وحُبَّ المساكين ، وأن تَغفِرَ لي وتَرحَمني ، وإذا

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

١٦٦

أردتَ بِقَومٍ سُوءاً وفِتنَةً أن تَقِني ذلك وأنا غَير مَفتونٍ. وأسألُكَ حُبَّكَ وحُبَّ ما يُقرّبُ حُبّهُ إلى حُبّكَ.

اللّهُمَّ اجعَل لي من الذُّنوبِ فَرجَاً ومَخرَجاً ، واجعَل لي إلى كُلِّ خَيرٍ سَبيلاً. اللّهُمَّ إنّي خَلقٌ من خَلقِكَ ولخَلقكَ قبلي حُقوقٌ ، ولي فيما بيني وَبيَنكَ ذُنوبٌ. اللّهُمَّ فاجعَل فيّ خَيراً تَجِدهُ ، فَإنّك إلاّ تَجعلهُ لا تَجدهُ ، فَارض عني خَلقِكَ من حُقُوقِهِم عَلَيَّ ، وهَب لي الذُّنوبَ التي بيني وبَينَكَ.

اللّهُمَّ خَلَقتَني كما أردتَ ، فَاجعَلني كما تُحّبُ. اللّهُمَّ اغفِر لَنا وارحَمنا وأعفُ عَنا ، وتَقبَّل مِنّا ، وأدخِلنا الجنّةَ ونجّنا من النّارِ ، واصلح لَنا شأننا كُلِّه(١) .

اللّهُمَّ صَلِّ على النّبيّ الأُمّيّ عَددَ من صلّى عليهِ ، وعَددَ من يُصلّي عليهِ ، وَعددَ مَن لم يُصَلّ عليهِ ، واغفِر لَنا إنّكَ أنَتَ الغفُورُ الرّحيمُ.

اللّهُمَّ رَبّ البَيتِ الحَرامِ ، ورَبّ الرُّكن وَالمقام ، ورَبّ المشَعر الحَرام ، والحِلِ والإحرام ، أبلغ روُح مُحمّدٍ مني السَّلامَ. اللّهُمَّ رَبّ المثاني والقُرآنَ العَظيم ، ورَبَّ جبرئيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ ، ورَبّ الملائكَةِ والخلقِ أجمعَينَ ، صَلِّ على مُحمّدٍ وآلهِ وأفعل بي كَذا وكذا.

أسألك اللّهُمَّ رَبّ السّماوات السَّبع ومَن فِيهنَّ ، وباسمِكَ الذي به تَرزُقُ الأحياءُ ، وبه أحصيتَ كيلَ البحارِ ، وبه أحصيتَ عَددَ الرّمالِ ،

__________________

(١) اثبتناها من نسخة المجلسي.

١٦٧

وبه تُميتُ الأحياءَ ، وبه تُحيي الموتى ، وبه تُعزّ الذّليلَ ، وبه تُذلّ العزيزَ ، وبه تفعلُ ما تشاءُ ، وتَحكُمُ ما تريدُ ، وبه تَقُولُ لِلشيء كُن فَيكونُ. اللّهُمَّ وباسمِكَ العظيمِ الذي إذا سألكَ به السّائلوُنَ أعطيتَهم سؤلهم ، واذا دَعاكَ به الدّاعون أجبتَهُم ، وإذا استجارَ بِكَ المُستجيروُنَ أجرتَهمُ ، وإذا دَعاكَ به المُضطَرّون أنفَذتَهُم(١) ، وإذا تَشَفّعَ به إليكَ المُتَشفّعونَ شَفّعتهُم ، وإذا استصرَخَكَ بِهِ المُستصرخُونَ أصرخَتهُم وفَرّجَتَ عنَهمُ ، وإذا ناداكَ بِهِ الهاربُون إليكَ سَمِعتَ نِدآءَهُم وأعَنتَهُم ، وإذا أقَبلَ به التائِبوُنَ قَبِلتهم وقَبِلتَ تَوبَتَهُم.

فإنّي أسألُكَ به يا سّيدي ومولايَ وإلهي ، يا حَيّ يا قيّومُ ، يا رَجائي ويا كَهفي ، ويا كنزي ويا ذُخري وذَخيرتي ، ويا عُدّتي لِديني ودُنيايَ وآخرتي ومُنقَلبي ، بذلِكَ الاسمِ الأعظمِ أدعوُك لذِنبٍ لا يغفرُهُ غَيرُكَ ، وِلكَربٍ لا يكشفُهُ غَيركَ ، ولِهمٍّ لا يَقدِرُ على إزالتهِ غيَرُكَ ، ولِذُنُوبي التي بارزتُكَ بها ، وقَلَّ مَعها حباي عِندَكَ بِفعلها.

فها أنا قد أتيتك خاطئاً مذنباً ، قد ضاقتَ عَلَيَّ الأرضُ بما رَحُبت ، وضاقَت عَلَيَّ الحيل ، فَلا مَلجأ ولا مُلتَجَأ مِنكَ إلاّ إليكَ ، فها أنا بَينَ يَديكَ ، قَد أصبحتُ وأمسيتُ مُذنباً خاطِئاً ، فَقيراً مُحتاجاً ، لا أجدُ لِذَنبي غافِراً غيركَ ، ولا لِكسري جَابراً سِواكَ ، ولا لِضُرّي كاشِفاً غَيركَ ،

__________________

(١) انفذتهم : أي خلصتهم.

١٦٨

أقولُ كما قالَ يُونسُ حين سَجنتهُ في الظُّلُمات رَجاءَ أن تَتُوبَ عَليَّ وتُنجيّني من غَم الذُّنوب :( لا إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) وإنّي أسألُكَ يا سَيّدي ومولايَ بإسمِكَ أن تَستَجِيبَ دُعائي ، وتُعطيني سُؤلي ومُناي ، وأن تَعجلَ لي الفَرجَ من عِندِكَ ، في أتمِ نِعمةٍ ، وأعْظَم عافِيةٍ ، وأوسع رزقٍ ، وأفضل دِعَةٍ ، ما لم تَزَل تُعوّدنيهِ يا إلهي ، وتَرزُقَني الشُكرَ على ما آتيتني ، وتَجعلَ ذلكَ باقياً ما أبقَيتني ، وتَعفو عن ذُنوبي وَخَطاياي وإسرافي واجترامي إذا توفيّتني ، حتى تصل نَعيمَ الدُّنيا بنعيمِ الآخرةِ.

اللّهُمَّ بِيدكَ مقاديرُ الليلِ والنّهارِ ، والسّماواتِ والأرض ، والشّمس والقَمَر ، والخير والشرّ ، فبارِكْ لي في ديني ودُيناي وآخرتي ، وبارِك لي اللّهُمَّ في جَميعِ أُموري ، اللّهُمَّ وعدُكَ حَقّ ، ولِقاؤُكَ حَقٌ لازِمٌ لا بُدَّ منهُ ولا مَحيطَ عَنهُ ، فافعلَ بي كذا وكذا.

اللّهُمَّ إنّك تَكَفّلت بِرِزقي ورِزقِ كُلِّ دابّةٍ أنتَ آخِد بِناصِيتِها ، يا خَيرَ مَدعُوّ ، وأكرَمَ مَسؤولٍ ، وأوَسَعَ مُعطٍ ، وأفضَلَ مَرجُوّ ، أوسِع لي في رِزقي ورِزق عيالي. اللّهُمَّ اجعل لي فيما تَقضي وَتُقدّر من الامور المحتومَةِ ، وفيما تُفَرقُ به بَين الحلالِ من الأمر الحكيم في لَيلَةِ القَدر ، وفي القضاءِ الذي لا يُردُّ ولا يُبدَّلُ ، أن تُصلّي على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تكتُبني من حُجّاجِ بَيتكَ الحرامِ ، المَبرُورْ حَجّهُمُ ، المَشكُور سَعيهُمُ ، المَغفُور

١٦٩

ذَنبَهُم ، المُكَفّرِ عَنهُم سّيأتهم ، الموُسّعة أرزاقهُم ، الصَّحيحة أبدانهُم ، الآمنينَ خَوفُهم. واجعلَ فيما تَقضيَ وَتُقدّر أن تُصلّيَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تُطيلَ عُمري ، وَتمُدَّ في أجَلي ، وتزيدَ في رِزقي ، وتُعافيني في جَسدَي ، وكُلّ ما يهمّني من أمرِ ديني ودُنيايَ ، وآخِرتي وعاجِلَتي وآجلتي ، لي وِلمَن يُعنيني أمرُهُ ، ويَلزمُني شأنُهُ ، من قَريبٍ أو بعيدٍ ، إنّكَ جَوادٌ كريمٌ ، رؤوفٌ رحيمٌ. يا كائِناً قَبلَ كُلِّ شيءٍ ، تنامُ العُيونُ ، وَتنكدرُ(١) النُّجومُ ، وأنتَ حيٌّ قَيوّمٌ ، لا تَاخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، وأنتَ الّلطيفُ الخَبيرُ(٢) .

وَيقُولُ السَّيِّدُ الإمامُ العالمُ ، العاملُ ، الفقيهُ الكاملُ ، العلاّمةُ الفاضِلُ ، الزّاهدُ العابدُ ، البارعُ الورعُ ، رضيُّ الدّين ، رُكنُ الإسلامِ ، جَمالُ العارِفينَ ، أفضَلُ السّادَةِ ، شَرفُ العِترةِ ، ذُو الحَسبَين ، أبو القاسمِ علي بن موُسى بن جَعفرَ بن مُحمّد ابن مُحمّد الطاووسِ ، كبتَ الله أعاديه وخَذلَ شانئيه : وَوجدتُ روايةً أُخرى في كتابٍ من كُتُب أصحابنا فيه أدعيةُ كُلِّ يومٍ من كُلِّ شهرٍ ، وفي أدعيته زيادات واختلافات ، فاجببْتُ نَقلها إلى هذا الكتابِ احتياطاً واستظهاراً فيما يُقرِّبُ إلى مالِكِ يومِ الحِساب ، وما يزيدُ في محفِظ النُّفوسِ المشَغُولَةِ بمالِكِها رَبّ الأرَبابِ.

__________________

(١) الكدر : نقيض الصفاء ، والكُدرة من الالوان ، ما نحا نحو السواد والغبرة. لسان العرَب ٥ : ١٣٤.

(٢) رواه العلامة الحلي في العدد القوية : ٣٧٠ / ١ و ٢ و ٣ و ٦ باختلاف فيه ، واورد الدعاء في : ٣٧٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٤ باختلاف يسير.

١٧٠

الفصل الحادي(١) والعشرون :

فيما نَذكُرُهُ من الرّواية الثانية في ثلاثين فَصلاً لِكُلِ يومٍ فصل مُنفَردٌ.

وهي تقارَبُ الرواية الأولى ، وهذا لفظُ ما وَجَدناهُ على ظهر [ كتاب ] الأدعيةِ المشار إليهِ ، أنقُلهُ على وجهِه أداء للأمانةِ التي يجبُ الاعتماد عليها.

بسم الله الرحمن الرحيم

دُعاءُ أمير المؤمنينَعليه‌السلام في كُلِّ يَومٍ من الشَهرِ.

اليوم الأول

( الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) إلى آخرها( الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ *هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ *وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) (٢) .

( الحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

( الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ *رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ *رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ

__________________

(١) صوابه الثاني ، وقد تقدمت الاشارة اليه في صفحة (٣٦) فراجع.

(٢) الأنعام ٦ : ١ ـ ٣.

(٣) المؤمنون ٢٣ : ٢٨.

(٤) النمل ٢٧ : ١٥.

١٧١

وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ ) (١) .

( فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢) ( الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ *يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) (٣) ( الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ *يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) (٤) .

الحمدُ لله رَبّ العالمينَ ، الحيَّ الّذي لا يَموُتُ ، والقائمِ الَّذي لا يَتَغيّرُ ، والدّائمِ الذي لا يَفنى ، والملِكِ الّذي لا يَزوُلُ ، والعَدلِ الّذي لا يَغفُلُ ، والحَكمِ الّذي لا يَحيفُ ، والّلطيفِ الّذي لا يَخفى عَليهِ شَيءٌ ، والواسعِ اّلذي لا يُعجزُه شيءٌ ، والمُعطي ما يَشاءُ من يشاءُ ، ( والأوّلِ الّذي لا يزوُلُ ، والآخِرِ الّذي لا يسبقُ )(٥) والظّاهِرِ الّذي لَيسَ فوقهُ شيءٌ ،

__________________

(١) ابراهيم ١٤: ٣٩ ـ ٤١.

(٢) الجاثية ٤٥ : ٣٦ ـ ٣٧.

(٣) سبأ ٣٤ : ١ ـ ٢.

(٤) فاطر ٣٥ : ١ ـ ٣.

(٥) يبدو ان هناك اشتباهاً وقع فيه الناسخ حيث ان العبارة مضطرَبّة وغير متوافقة ، ولعل الصواب ما في نسخة « ن » كما هو في نسخة المجلسي ايضاً حيث وردت العبارة بهذا الشكل : الأول الذي لا يُسبق.

١٧٢

والباطِنِ الّذي لَيس دُونَه شيءٌ ، أحاط بِكُلِّ شيءٍ عِلماً ، وأحصى كُلِّ شَيء عَدَداً.

اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدٍ وآلهِ ، وأطلِقِ بِدُعائِكَ لِساني ، وأنجح بِهِ طَلَبتي ، واعطِني به حاجَتي ، وبَلّغني بِه أمَلي ، وقِني به رَهبَتي ، وأسبِغ بِه نَعمايَ ، واستجِب بِه دُعائي ، وَزكّ به عَملي تَزكِيةً تَرحَمُ بها تَضَرّعي وشَكواي ، وأسألُكَ أن ترحَمني وَتَرضى عَنّي ، وتَستَجيبَ لي ، آمينَ رَبّ العالمينَ.

الحمدُ لله( يُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ *وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ ) (١) .

الحمدُ لله الّذي لَهُ دعوةُ الحَقِّ وَهُو الحَقُ المُبينُ [ و ] ما يُدعى مِن دُونه فَهو الباطِلُ ، وهو العَليّ الكبيرُ. الحمدُ للهِ الَّذي( يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) .

الحمدُ لله الّذي( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا

__________________

(١) الرعد ١٣ : ١٢ ـ ١٣.

(٢) الزمر ٣٩ : ٤٢.

١٧٣

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (١) الحمدُ لله( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ *هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٢) .

( الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) (٣) (٤) .

اليوم الثاني :

( الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا *قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا *مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا *وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا *مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا ) (٥) .

( الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) (٦) ( الحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ *أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٢) الحشر ٥٩ : ٢٢ ـ ٢٣.

(٣) الاسراء ١٧ : ١١١.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٧ باختلاف فيه.

(٥) الكهف ١٨ : ١ ـ ٥.

(٦) فاطر ٣٥ : ٣٤.

١٧٤

وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ءَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ءَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ *أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ ءَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ *أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ءَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *أَمَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ءَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (١) .

( الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢) .

الحَمدُ لله الغَفُورِ الغَفّارِ ، الودَوِد التّواب الوَهّاب الكبيرِ ، السّميعِ البَصير العليم ، الصّمَدِ ، الحَيّ القيّومِ ، العزيز الجّبار ، الملكَ المُقتَدرِ القادر ، المِلَكِ الحقّ المُبين ، العليّ الأعلى المُتعالِ ، الأوّلِ الآخِر ، الظّاهر الباطن ، الولي الحميد ، المَولى النّصيرِ ، الخلاق الخالقِ ، البارِئِ المُصوّرِ ، القاهرِ البَرّ ، الشاكِرِ

__________________

(١) النمل ٢٧ : ٥٩ ـ ٦٥.

(٢) فاطر ٣٥ : ١.

١٧٥

الشَّكوُرِ ، الوكيلِ الشهيدِ ، الرَؤوفِ الرّقيبِ ، الفتّاحِ العليمِ ، الكريم ِالمَحمودِ الجليلِ ، غافِرِ الذّنبِ ، وقابِلِ التّوبِ ، مَلكِ المُلُوكِ ، عالِمِ الغيبِ والشّهادَة ، الدّائِمِ الكريِم ، رَبّ العالمينَ.

الحمدُ للهِ عَظيم الحمدِ ، عظيمِ العَرشِ ، عَظيمِ المُلكِ ، عظيمِ السُّلطانِ ، عظيمِ العلمِ ، عَظيمِ الحلمِ ، عَظيمِ الكَرَامةِ ، عَظيمِ الرّحَمةِ ، عَظيمِ البَلاءِ ، عَظيمِ النعمةِ ، عَظيمِ الفَضلِ ، عَظيمِ العزّةِ ، عَظيمِ الكبرياءِ ، عظيمِ الشأنِ ، عظيمِ الأمرِ ، تَباركَ الله رَبُّ العالمينَ.

الحمدُ لله العَليّ العظيمِ ، الرؤوفِ الرّحيمِ ، العزيزِ الحكيمِ ، الخلاّقِ العليمِ ، الملِكِ القُدّوسِ ، الجليلِ الكبيرِ ، المُتعالي المُتَعظِّمِ ، المُتَكبّرِ المُتَجَبّرِ ، الجَبّارِ القَهارِ ، مالِكِ الجَنّةِ والنّارِ ، لهُ الكِبرياءُ والجبَرَوُتُ ، وَلهُ الحُكمُ ، وإليهِ يَصعَدُ الكلِم الطّيّبُ والعملُ الصّالحُ يَرفَعُهُ(١) .

اليوم الثالث :

الحمدُ للهِ القائمِ الدائِمِ ، الحَليمِ الكريمِ ، الأوّلِ الآخِرِ ، الظّاهِرِ الباطِنِ ، الواحِدِ ( الأحدِ الفردِ )(٢) الصّمَد ، الّذي لَم يَلْدَ وَلمْ يُولد وَلمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ.

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٨ باختلاف فيه.

(٢) اثبتناها من نسخة « ن » ونسخة المجلسي.

١٧٦

الحمدُ للهِ الهادي العَدل الحَقّ المُبينِ ، ذِي الفَضلِ الكريمِ ، العظيمِ المُنعِمِ المُكرِمِ ، القابضِ الباسِطِ ، المانعِ الفاتحِ المُعطِي ، المُبلي المُحي المُميتِ ، ذِي الجَلال والإكرامِ ، أهلِ التَّقوى وأهلِ المَغفِرةِ ، ذِي المَعارِجِ تَعرُجُ الملائِكةُ والرُّوحُ إليهِ.

الحمدُ للهِ الرّازِقِ البارِئِ الرّحيمِ ، ذِي الرّحَمةِ الواسِعةِ ، والنّعمَةِ السّابِغَةِ ، والحُجّةِ البالِغةِ ، والأمثالِ العُلى ، والأسماءِ الحُسنى ، شديدِ القوى ، فالِقِ الإصباحِ ، فالِقِ الحَبِ والنّوى ، يُخرِجُ الحَيّ من الميّتِ ، ويُخرجُ الميَّت من الحي ، ويُدَبّرُ الأمرَ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (١) ، الحمدُ لله( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) .

فاعل كُلِّ صالح ، رَبِّ العِبادِ ، ورَبّ البلادِ ، وإليه المَعادُ ، وَهُوَ بالمَنظرِ الأعلى ، يعلَمُ ما تَكسِبُ كُلُّ نفسٍ( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ ) (٣) شديدُ المِحال ، سَريُع الحِسابِ ، القائِمِ بالقِسطِ ، إذا قَضى أمراً فإنّما يَقوُلُ لهُ كُن فَيكُونُ.

باسِطِ اليَدَينِ بالخَيرِ ، وهّابِ الخَير كَيفَ يَشاءُ ، لا يخيبُ سائِلهُ ، ولا يَندمُ آمِلُهُ ولا تَضيقُ رَحمتُهُ ، ولا تحصى نِعمتُهُ ، وَعدُهُ حَقٌ وَهُو أحكَمُ

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٩٦.

(٢) غافر ٤٠ : ١٥.

(٣) غافر ٤٠ : ٣.

١٧٧

الحاكمِينَ ، وأسرعُ الحاسِبينَ ، وأوَسَعُ المُفضِلينَ ، واسِعُ الفَضلِ ، شَديدُ البَطشِ ، حُكمُهُ عَدلٌ ، وهُو للحَمدِ أهَلٌ ، صادِقُ الوَعدِ ، يُعطي الخَيرَ ، ويقَضي بالحَقِّ ، ويهدِي من يشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيم ، ويَهدِي السّبيلَ ، واسِعُ المَغفِرةِ لَيسَ كَمثلهِ شَيء ، خلَقَ السّماواتِ والأرضِ ، والموتَ والحَياةَ لَيبلَوكَم أيّكُم احسنُ عمَلاً وهو الغَفُورُ الرّحيمُ.

جميلُ الثّناءِ ، حَسنَ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، يَخلُقُ كيفَ يَشاءُ ويَفعلُ ما يَشاءُ ، لَهُ الحَمدُ ، ولَهُ العِزّةُ ، ولَهُ الكِبرياءُ ، ولَهُ الجَبَروُتُ ، وَله العَظَمةُ ، ينّزِل الغيثَ ، وَيعلَمُ الغَيبَ ، وَيبسُطُ الرِزقَ لَمِن يَشاءُ ، ويُرسِلُ الرَّياحَ ، وَيُنشئُ السّحابَ الثِقالَ ، ويُدبّرُ الأمرَ ، وَيُجيبُ المُضطَرّ إذا دَعاهُ ، ويُجيبُ الدّاعي ويَكشِفُ السُّوءَ ويُعطِي السّائِلَ فَلا مانِعَ لما أعطى ، ولا مُعطيِ لما مَنَع( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) تَقَدّسَتْ لَهُ أسماؤُهُ( لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٢) جلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَسَبغتَ(٣) نِعمَتُهُ ظاهِرةً وباطِنَةً بجوُدِهِ(٤) .

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ١١.

(٢) الأعراف ٧ : ٥٤.

(٣) شيء سابغ أي كامل وافٍ ، وسبغت النعمة تسبغ سبوغاً : اتسعت ، واسبغ الله عليه النعمة ، أي اتمها. الصحاح ـ سبغ ـ ٤ : ١٣٢١.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٨٨ باختلاف فيه.

١٧٨

اليوم الرابع :

اللّهُمَّ لَكَ الحمدُ ، ظَهَرَ دينُكَ ، وَبَلغتَ حُجَّتُكَ ، وأشتَدَ مُلكُكَ ، وعَظُمَ سُلطانكَ ، وصَدَقَ وعدُكَ ، وأرتَفَعَ عَرشُكَ ، وأرسلتَ رَسولَكَ بالهدى ودينِ الحقِّ لِتُظهِرهُ على الدينِ كُلِهِ وَلو كَرِهَ المُشرِكُونَ ، كَملت وَبَلغت رِسالَتكَ ، وتَقَدستَ بالوعيدِ ، وأخَذتَ الحُجّةَ على العِبادِ ، فَأتممتَ نُورَكَ ، وَتمت كَلماتُكَ صِدقاً وعَدلاً.

اللّهُمَّ لكَ الحمدُ ، ولَكَ النِعمةُ ، وَلكَ المَنُّ ، تَكشِفُ الضُرَ ، وتُعطِي اليُسر ، وتَقضي الحقّ ، وتَعدِل بالقِسطِ ، وتَهديِ السبيلَ ، تَبارَكَ وَجهكَ وسُبحانَكَ وبِحمدِكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ رَبُّ السّماواتِ وَمَن فِيهنّ ورَبُّ العَرش العظيمِ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ في التّوراةِ ، وَلكَ الحمدُ في الإنجيلِ ، وَلكَ الحمدُ في زُبُرِ الأوّلين ، وَلكَ الحمدُ في السّبعِ المَثاني والقُرآنِ العظيمِ ، ولَكَ الحمدُ في الملائِكَةِ المُقرَبّين ، وَلكَ الحمدُ في الأنبياءِ والمُرسلينَ ، وَلكَ الحَمدُ في الكِرامِ الكاتبينَ.

اللّهُمَّ لكَ الحمدُ والحمد ثَناؤكَ ، والحَسَن بَلاؤكَ والعدلُ قَضاؤُكَ ، والأرضُ في قَبضتِكَ ، والسّماواتُ مَطويّاتٌ بِيمينِكَ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُقسِطُ الميزانِ ، رَفيعُ المكانِ ، قاضي البرهانِ ، صادِقُ الكَلامِ ، ذُو الجلالِ

١٧٩

والإكرامِ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُنزّلُ الآياتِ ، مُجيبُ الدَّعواتِ ، كاشِفُ الحوباتِ(١) النفَّاحُ(٢) بالخيراتِ ، مالِكُ المَحيا والمماتِ.

اللّهُمَّ لكَ الحَمدُ ( ماجداً )(٣) ، ولكَ الحمدُ واحِداً ، ولَكَ الدّينُ واصِباً(٤) ، ولكَ العَرشُ واسِعاً ، وَلكَ الحَمدُ دائِماً ، وَلكَ الحَمدُ قادِراً ، وَلكَ الحمدُ عادلاً ، ولكَ الحمدُ كَما حَمِدتَ نَفَسكَ ، ولَكَ الحَمدُ كما تُحبُّ أن تُحمدَ وتُعبَدَ وتُشكرَ ، جَلّ ثَناؤُكَ رَبّنا وأنتَ أرحمُ الرّاحمِينَ.

اللّهُمَّ لكَ الحمدُ في اللَيلِ إذا يَغشى ، ولكَ الحمدُ في النّهارِ إذا تَجلّى ، وَلكَ الحمدُ في الآخِرة والأولى.

اللّهُمَّ لكَ الحمدُ ما أجملَكَ وأجَلّكَ ، ولَكَ الحَمدُ ما أجودَكَ وأمَجَدكَ ، ولَكَ الحَمدُ ما أفضلَكَ وأكرمَكَ ، وَلكَ الحَمدُ ( على )(٥) ما أحَبّ العِباد وكَرهُوا مِن مَقاديرِكَ وحُكمِكَ ، ولَكَ الحمدُ على كُلِّ حالٍ من أمِر الدُّنيا والآخِرةِ(٦) .

__________________

(١) الحوبات : الهموم والحاجات. انظر الصحاح ـ حوب ـ ١ : ١١٦.

(٢) النفاح : الوهاب ، والكثير العطاء. انظر : الصحاح ـ نفح ـ ١ : ٤١٢.

(٣) في نسخة « ك » : ساجداً ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٤) واصباً : دائماً. يقال : وصب يصب : دام. ويقال : خالصاً.

معاني القرآن للفراء ٢ : ١٠٤.

(٥) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٦) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317