الدروع الواقية

الدروع الواقية25%

الدروع الواقية مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: دراسات
الصفحات: 317

الدروع الواقية
  • البداية
  • السابق
  • 317 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112906 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
الدروع الواقية

الدروع الواقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أي فئتين من المؤمنين وقع القتال بينهما، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يفضّل أي فئة منهما على الأُخرى، حتّى لا تحدث فتنة. (1)

2 - حرّمت الإباضيّة الزواج بين من ربطت بينهما علاقة إثم، وقد كانوا في تحريمهم لهذا الزواج يستندون إلى روح الإسلام الّذي يحارب الفاحشة. (2) وقد انفردوا به من بين سائر المذاهب.

3 - منعت الإباضيّة المسلم من إراقة ماء الوجه والتعرّض لمذلّة السؤال؛ فإذا هانت عليه كرامته، وذهب يسأل الناس الزكاة، حَرُم منها عقاباً له على هذا الهوان، وتعويداً له على الاستغناء عن الناس، والاعتماد على الكفاح. (3)

مؤسّس المذهب الإباضي ودعاته في العصور الأُولى:

قد تعرّفت على عقائد الإباضيّة، فحان البحث عن أئمّتهم ودعاتهم في العصور الأُولى.

1 - عبد الله بن إباض، مؤسّس المذهب:

هو عبد الله بن إباض، المقاعسي، المري، التميمي، ابن عبيد، ابن مقاعس، من دعاة الإباضيّة، بل هو مؤسّس المذهب.

____________________

(1) انظر: الإباضيّة في مصر والمغرب: 61.

(2) الإباضيّة في موكب التاريخ: 111 - 112.

(3) الإباضيّة في موكب التاريخ: 116.

١٤١

قد اشتهرت هذه الفِرقة بالإباضيّة من أوّل يوم، وهذا يدلُّ على أنّه كان لعبد الله بن إباض، دور في نشوء هذه الفِرقة وازدهارها.

2 - جابر بن زيد العماني، الأزدي:

جابر بن زيد، أبو الشعثاء، الأزدي، اليحمدي، البصري، مشهور بكنيته، فقيه الإباضيّة، مات سنة 93هـ، ويقال: مائة. يروي عن عبد الله بن عبّاس.

3 - أبو عبيدة، مسلم بن أبي كريمة (المتوفّى حوالي 158هـ):

مسلم بن أبي كريمة التميمي، توفّي في ولاية أبي جعفر المنصور المتوفّى سنة 158هـ، قال عنه ابن الجوزي: مجهول.

أخذ العلم عن جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وضمار السعيدي، وجعفر السمّاك وغيرهم.

حمل العلم عنه الربيع بن حبيب الفراهيدي؛ صاحب المسند، وأبو الخطّاب المعافري، وعبد الرحمن بن رستم، وعاصم السدراتي، وغيرهم.

4 - أبو عمرو، ربيع بن حبيب الفراهيدي:

هو من أئمّة الإباضيّة، وهو صاحب المسند المطبوع، ولم نجد له ترجمة وافية في كتب الرجال لأهل السنّة، ويُعدّ في طليعة الجامعين للحديث والمصنّفين فيه.

١٤٢

5 - أبو يحيى عبد الله بن يحيى الكندي:

عبد الله بن يحيى بن عمر الكندي، من حضرموت، وكان قاضياً لإبراهيم بن جبلة؛ عامل القاسم بن عمر على حضرموت، وهو عامل مروان على اليمن، خرج بحضرموت والتفَّ حوله جماعة عام 128هـ، وبسط سيطرته على عُمان واليمن والحجاز، وفي عام 130هـ جهّز مروان بن محمد جيشاً بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطيّة السعدي، فكانت بينهم حرب عظيمة، قُتل فيها عبد الله بن يحيى وأكثر من معه من الإباضيّة، ولحق بقيّة الخوارج ببلاد حضرموت.

دول الإباضيّة:

قد قام باسم الإباضيّة، عدد من الدول في أربعة مواضع من البلاد الإسلاميّة:

1 - دولة في عُمان، استقلّت عن الدولة العباسيّة في عهد أبي العباس السفّاح، سنة 132هـ، ولا تزال إلى اليوم.

2 - دولة في ليبيا، سنة 140هـ، ولم تعمّر طويلاً؛ فقد انتهت بعد ثلاث سنوات.

3 - دولة في الجزائر، قامت سنة 160هـ، وبقيت إلى حوالي 190هـ، ثُمَّ قضت عليها الدولة العبيديّة.

١٤٣

4 - دولة قامت في الأندلس، ولا سيّما في جزيرتي ميورقة ومينورقة، وقد انتهت يوم انتهت الأندلس.

هذه هي الإباضيّة، وهذا ماضيهم وحاضرهم، وقد قدّمنا إليك صورة موجزة من تاريخهم ونشأتهم وشخصيّاتهم وعقائدهم.

١٤٤

13

الشِّيعة الإماميّة

الشّيعة لغة واصطلاحاً:

الشيعة لغة هم: الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم إذا تعاونوا، وربّما يطلق على مطلق التابع، قال سبحانه: ( فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّه ) (1) ، وقال تعالى: ( وَإِنّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (2) .

وأمّا اصطلاحاً، فلها إطلاقات عديدة، بملاكات مختلفة:

1 - الشيعة: من أحبَّ عليّاً وأولاده باعتبارهم أهل بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الّذين فرض الله سبحانه مودّتهم، قال عزَّ وجلَّ: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) . والشّيعة بهذا المعنى تعمّ كلّ المسلمين، إلاّ النواصب؛ بشهادة أنّهم يصلّون على نبيّهم وآله في صلواتهم وأدعيتهم، ويتلون الآيات النازلة في حقّهم صباحاً ومساءً، وهذا هو الإمام الشافعي يصفهم بقوله:

يـا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

____________________

(1) القصص: 15.

(2) الصافات: 83 - 84.

(3) الشورى: 23.

١٤٥

كـفاكم مـن عـظيم الشأن أنّكم

مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له (1)

2 - من يفضّل عليّاً على عثمان، أو على الخلفاء عامّة، مع اعتقاده بأنّه رابع الخلفاء، وإنّما يقدّم؛ لاستفاضة مناقبه وفضائله عن الرسول الأعظم، والّتي دوّنها أصحاب الحديث في صحاحهم ومسانيدهم.

3 - الشيعة من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمة الناس بعده، نَصَبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه، وذكر أسماءهم وخصوصيَّاتهم. والشيعة بهذا المعنى هو المبحوث عنه في المقام، وقد اشتُهر بأنّ عليّاً هو الوصيّ حتّى صار من ألقابه، وذكره الشعراء بهذا العنوان في قصائدهم، وهو يقول في بعض خطبه:

«لا يقاس بآل محمد من هذه الأُمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقِّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة». (2)

ومُجمل القول: إنّ هذا اللفظ يشمل كلَّ من قال إنّ قيادة الأُمّة لعليّ بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإنّه يقوم مقامه في كلِّ ما يمتُّ إليه، سوى النبوّة ونزول الوحي عليه، كلّ ذلك بتنصيص من الرسول.

وعلى ذلك، فالمقوّم للتشيّع، وركنه الرّكين، هو القول بالوصاية والقيادة، بجميع شؤونها، للإمام (عليه السّلام)، فالتشيّع هو الاعتقاد بذلك، وأمّا ما سوى ذلك، فليس مقوّماً لمفهوم التشيّع، ولا يدور عليه إطلاق الشيعة.

____________________

(1) الصواعق: 148.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 2.

١٤٦

الفصل الأوّل:

مبدأ التشيّع وتاريخ تكوّنه

زعم غير واحد من الكتّاب القدامى والجدد، أنّ التشيّع كسائر المذاهب الإسلاميّة، من إفرازات الصراعات السياسيّة، وذهب بعض آخر إلى القول إنّه نتيجة الجدال الكلامي والصراع الفكري، فأخذوا يبحثون عن تاريخ نشوئه وظهوره في الساحة الإسلاميّة، وكأنّهم يتلقّون التشيّع كظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامي، ويظنّون أنّ القطاع الشيعي من جسم الأُمّة الإسلاميّة، باعتباره قطاعاً تكوّن على مرّ الزمن؛ لأحداث وتطورات سياسيّة أو اجتماعيّة أو فكريّة، أدَّت إلى تكوين ذلك المذهب كجزء من ذلك الجسم الكبير، ثُمَّ اتسع ذلك الجزء بالتدريج.

وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ، أخذوا بالفحص والتفتيش عن علّته أو علله، فذهبوا في تعيين المبدأ إلى كونه ردّة فعل سياسيّة أو فكريّة، ولكنّهم لو كانوا عارفين أنّ التشيّع وُلِد منذ عهد النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ لَمَا تسرّعوا في إبداء الرأي في ذلك المجال، ولعلموا أنّ التشيّع والإسلام وجهان لعملة واحدة، وليس للتشيّع تاريخ ولا مبدأ، سوى تاريخ الإسلام ومبدئه، وانّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الغارس لبذرة التشيّع في صميم الإسلام، من أوّل يوم أمَر بالصدع وإظهار الحقيقة، إلى أن لبىَّ دعوة ربه.

١٤٧

فالتشيّع ليس إلاّ عبارة عن استمرار قيادة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد وفاته، عن طريق من نصبه إماماً للناس وقائداً للأُمّة، حتّى يرشدها إلى النهج الصحيح والهدف المنشود، وكان هذا المبدأ أمراً ركّز عليه النبيّ في غير واحد من المواقف الحاسمة، فإذا كانّ التشيع متبلوراً في استمرار القيادة بالوصيّ، فلا نجد له تاريخاً سوى تاريخ الاسلام، والنصوص الواردة عن رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، هم الّذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة، ولم يغيّروه، ولم يتعدّوا عنه إلى غيره، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

ففزعوا في الأُصول والفروع إلى عليّ وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأُخرى؛ الّذين لم يتعبدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة؛ حيث تركوا النصوص وأخذوا بالمصالح.

إنّ الآثار المرويّة في حق شيعة الإمام عن لسان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ترفع اللّثام عن وجه الحقيقة، وتُعرب عن التفاف قسم من المهاجرين حول الوصيّ، فكانوا معروفين بشيعة عليّ في عصر الرسالة، وأنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وصفهم في كلماته بأنّهم هم الفائزون، وإن كنت في شك من هذا الأمر، فسأتلو عليك بعض ما ورد من النصوص في المقام.

____________________

(1) الحجرات: 1.

١٤٨

1 - أخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟، قال: يا عائشة، أما تقرأين ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (1) . (2)

2 - أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأقبل عليّ، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «والّذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة»، ونزلت: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) ، فكان أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة. (3)

3 - أخرج ابن عدي، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيّين». (4)

4 - أخرج ابن مردويه، عن عليّ، قال: قال لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ألم تسمع قول الله: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محج<لين». (5)

5 - روى ابن حجر في صواعقه، عن أُم سلمة: كانت ليلتي، وكان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي، فأتته فاطمة، فتبعها عليّ (رضي الله عنه)، فقال النبيّ: «يا عليّ أنت وأصحابك في الجنّة، أنت وشيعتك في الجنة». (6)

____________________

(1) البينة: 7.

(2 و3 و4 و5) الدر المنثور: 6/589.

(6) الصواعق: 161.

١٤٩

6 - روى أحمد في المناقب: إنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لعليّ: «أمَا ترضى أنّك معي في الجنّة، والحسن والحسين وذريّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريّتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا». (1)

7 - أخرج الديلمي: (يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولذريّتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك، فابشر إنّك الأنزع البطين). (2)

8 - روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يدخلون من أُمّتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم»، ثُمَّ التفت إلى عليّ، فقال: «هم شيعتك وأنت أمامهم». (3)

إلى غير ذلك من الروايات الّتي تُعرب عن أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان متميّزاً بين أصحاب النبيّ؛ بأنّ له شيعة وأتباعاً، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها، في حياة النبيّ وبعدها.

الشيعة في كلمات المؤرّخين وأصحاب الفِرق:

قد غلب استعمال الشيعة بعد عصر الرسول، تبعاً له فيمن يوالي عليّاً وأهل بيته، ويعتقد بإمامته ووصايته، ويَظهر ذلك من خلال كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات؛ نشير إلى بعضها:

1 - روى المسعودي في حوادث وفاة النبيّ: إنّ الإمام عليّاً أقام ومن

____________________

(1) الصواعق: 161.

(2) المصدر نفسه.

(3) مناقب المغازلي: 293.

١٥٠

معه من شيعته في منزله، بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر. (1)

2 - وقال النوبختي (المتوفّى 313هـ): إنّ أوّل الفِرق، الشيعة؛ وهم فِرقة عليّ بن أبي طالب، المسمّون شيعة عليّ في زمان النبيّ وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته. (2)

3 - وقال أبو الحسن الأشعري: وإنّما قيل لهم: الشيعة، لأنّهم شايعوا عليّاً، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). (3)

4 - ويقول الشهرستاني: الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّةً. (4)

5 - وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالإمامة، وولْده من بعده. (5)

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ممّا جاء في كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات، تُعرب عن أنّ لفيفاً من الأُمّة في حياة الرسول وبعده، إلى عصر الخلفاء وبعدهم، كانوا مشهورين بالتشيّع لعليّ، وأنّ لفظة الشيعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الأُمّة عليه.

____________________

(1) الوصيّة: 121.

(2) فِرق الشيعة: 15.

(3) مقالات الإسلاميّين: 1/65.

(4) الملِل والنحل: 1/131.

(5) الفصل في الملِل والنحل: 2/113.

١٥١

رواد التشيع في عصر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

وإليك أسماء لفيف من الصحابة الشيعة المعروفين بالتشيّع:

1 - عبد الله بن عبّاس. 2 - الفضل بن العبّاس. 3 - عبيد الله بن العبّاس. 4 - قثم بن العبّاس. 5 - عبد الرحمن بن العبّاس. 6 - تمام بن العبّاس. 7 - عقيل بن أبي طالب. 8 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. 9 - نوفل بن الحرث. 10 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. 11 - عون بن جعفر. 12 - محمد بن جعفر. 13 - ربيعة بن الحرث بن عبد المُطّلب. 14 - الطفيل بن الحرث. 15 - المغيرة بن نوفل بن الحارث. 16 - عبد الله بن الحرث بن نوفل. 17 - عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث. 18 - العبّاس بن ربيعة بن الحرث. 19 - العبّاس بن عُتبة بن أبي لهب. 20 - عبد المُطّلب بن ربيعة بن الحرث. 21 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث.

هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأمّا غيرهم، فإليك أسماء لفيف منهم:

22 - سلمان المحمّدي. 23 - المقداد بن الأسود الكندي. 24 - أبوذر الغفاري. 25 - عمّار بن ياسر. 26 - حذيفة بن اليمان. 27 - خزيمة بن ثابت. 28 - أبو أيّوب الأنصاري. 29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان. 30 - أُبي بن كعب. 31 - سعد بن عبادة. 32 - قيس بن سعد بن عبادة. 33 - عدي بن حاتم. 34 - عبادة بن الصامت. 35 - بلال بن رباح الحبشي. 36 - أبو رافع مولى رسول الله. 37 - هاشم بن عتبة. 38 - عثمان بن حُنيف. 39 - سهل بن حُنيف. 40 - حكيم بن جبلة العبدي. 41 - خالد بن سعيد بن العاص. 42 - أبو الحصيب الأسلمي. 43 - هند بن أبي هالة

١٥٢

التميمي. 44 - جعدة بن هبيرة. 45 - حجر بن عدي الكندي. 46 - عمرو بن الحمق الخزاعي. 47 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 48 - محمّد بن أبي بكر. 49 - أبان بن سعيد بن العاص. 50 - زيد بن صوحان الزيدي.

هؤلاء خمسون صحابيّاً من الطبقة العليا للشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيّعهم، فليرجع إلى الكتب المؤلَّفة في الرجال.

١٥٣

الفصل الثاني:

شبهات حول تاريخ الشيعة

قد تعرّفت على تاريخ التشيع، وأنّه ليس وليد الجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنيّة؛ وإنّما هو وجه آخر للإسلام، وهما وجهان لعملة واحدة، إلاّ أنّ هناك جماعة من المؤرّخين وكتّاب المقالات، ظنّوا أنّ التشيّع أمر حادث وطارئ على المجتمع الإسلامي، فأخذوا يفتّشون عن مبدئه ومصدره، وراحوا يثيرون الشبهات حول تاريخه، وإليك استعراض هذه الشبهات نقداً وتحليلاً.

الشبهة الأُولى:

الشيعة ويوم السقيفة

إنّ مأساة السقيفة جديرة بالقراءة والتحليل، وقد تخيّل لبعض المؤرخين أنّ التشيّع ظهر بعدها.

يقول الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؛ ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء - إلى أن

١٥٤

قال: - فبايعه عمر، وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ عليّاً، ثُمَّ قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ، وفيه طلحة والزّبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مسلطاً بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.

وقال أيضاً: وتخلّف عليّ والزّبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتّى يُبَايَع عليّ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقالا: خذوا سيف الزبير. (1)

يُلاحظ عليه: أنّ هذه النصوص تدلّ على أنّ فكرة التشيّع لعليّ، كانت مختمرة في أذهانهم منذ عهد الرسول إلى وفاته، فلمّا رأت الجماعة أنّ الحق خرج عن محوره، عمدوا إلى التمسّك بالحق بالاجتماع في بيت عليّ، الّذي أوصّاهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) به طيلة حياته؛ إذ من البعيد جداً أن يجتمع رأيهم على عليّ في يوم واحد في ذلك اليوم العصيب، فالمعارضة كانت استمراراً لما كانوا يلتزمون به في حياة النبيّ، ولم تكن فكرة خلقتها الظروف والأحداث.

كان أبوذر وقت أخذ البيعة غائباً، ولمّا جاء، قال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم، لَمَا اختلف عليكم اثنان. (2)

وقال سلمان: أصبتم ذا السن، وأخطأتم المعدن، أمّا لو جعلتموه فيهم، ما اختلف منكم اثنان، ولأكلتموها رغداً.

وروى الزبير بن بكار في الموفقيّات: إنّ عامّة المهاجرين، وجلّ الأنصار، كانوا لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 2/443 - 444.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2/103.

١٥٥

وروى الجوهري في كتاب السقيفة: إنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار، كان هواهم أن يبايعوا عليّاً.

وروى أيضاً: إنّه لمّا بويع أبو بكر واستقرَّ أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وهتفوا باسم الإمام عليّ، ولكنّه لم يوافقهم. (1)

ومن المستحيل عادة، اختمار تلك الفكرة بين هؤلاء، في يوم واحد، بل يُعرب ذلك عن وجود جذور لها، قبل رحلة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويؤكد ذلك نداءاته الّتي ذكرها في حق عليّ وعترته، في مواقف متعدّدة، فامتناع الصحابة عن بيعة الخليفةن ومطالبتهم بتسليم الأمر إلى عليّ؛ إنّما هو لأجل مشايعتهم لعليّ زمن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما هذا إلاّ إخلاصاً و وفاءاً منهم للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأين هو من تكوّن التشيع يوم السقيفة؟!

الشبهة الثانية:

التشيّع صنيع عبد الله بن سبأ

كتب الطبري في تاريخه يقول:

كان عبد الله بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء، أُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثُمَّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثُمَّ البصرة، ثُمَّ الكوفة، ثُمَّ الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشّام، فأخرجوه حتّى أتى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6/43 - 44.

١٥٦

مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذِّب بأنّ محمّداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: ( إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادّكَ إِلَى‏ مَعَادٍ ) (1) ، فمحمّد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقُبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمَّ قال لهم بعد ذلك: إنّه كان ألف نبيّ، ولكلّ نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمَّ قال: محمّد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، وإنّ عثمان غاصب حق هذا الوصيّ وظالمه، فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله.

وقد بثّ عبد الله بن سبأ دُعاته في البلاد الإسلاميّة، وأشار عليهم أن يُظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطعن في الأُمراء، فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين، فيهم الصحابي الكبير، والتابعي الصالح، من أمثال: أبي ذر، وعمّار بن ياسر، ومحمّد بن حذيفة، وعبد الرحمن بن عديس، ومحمّد بن أبي بكر، وصعصعة بن صوحان العبدي، ومالك الأشتر، إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم، فكانت السبئيّة تثير الناس على ولاتهم، تنفيذاً لخطة زعيمها، وتضع كتباً في عيوب الأمراءن وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار، فنتج عن ذلك قيام جماعات من المسلمين؛ بتحريض السبئيّين، وقدومهم إلى المدينة، وحصرهم عثمان في داره؛ حتّى قتل فيها، كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم.

إنّ المسلمين بعدما بايعوا علياً، ونكث طلحة والزبير بيعتهما، وخرجا إلى البصرة، رأى السبئيّون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون، وأنّه إن تمّ ذلك

____________________

(1) القصص: 85.

١٥٧

سيؤخذون بدم عثمان، فاجتمعوا ليلاً وقرروا أن يندسّوا بين الجيشين، ويثيروا الحرب بكرة، دون علم غيرهم، وإنّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس الليل، قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان، فناوش المندسّون من السبئيّين في جيش عليّ، من كان بإزائهم من جيش البصرة، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما، وظنّ كلّ بخصمه شرّاً، ثُمَّ إنّ حرب البصرة وقعت بهذا الطريق، دون أن يكون لرؤساء الجيشين رأي أو علم. (1)

إلى هنا انتهت قصة السبئيّة؛ الّتي ذكرها الطبري في تاريخه.

نظرنا في الموضوع:

1 - إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصة، لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن؛ إذ كيف يصحّ لإنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء، وأسلم في عصر عثمان، استطاع أنّ يُغري كبار الصحابة والتابعين ويخدعهم، ويطوف بين البلاد، واستطاع أن يكوّن خلايا ضدَّ عثمان، ويستقدمهم إلى المدينة، ويؤلّبهم على الخلافة الإسلاميّة، فيهاجموا داره ويقتلوه، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان، هذا شيء لا يحتمله العقل، وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب!!

إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين، وتصوّرهم أُمّه ساذجة؛ يغترّون بفكر يهوديٍّ وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكرون.

2 - إنّ القراءة الموضوعيّة للسيرة والتاريخ، تُوقفنا على سيرة عثمان بن

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/378، نقل بتصرف وتلخيص.

١٥٨

عفّان، ومعاوية بن أبي سفيان، فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم، وينفون المخالفين ويضربونهم، فهذا أبوذر الغفاري نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة؛ لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته، كما أنّ غلمانه ضربوا عمّار بن ياسر؛ حتّى أنفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه. إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمالها، يغضّون الطرف عمّن يؤلّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم، وقتل خليفتهم في عقر داره، ويجر الويل والويلات على كيانهم!!

3 - إنّ رواية الطبري، نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم؛ مثلاً: السري؛ الّذي يروي عنه الطبري، إنّما هو أحد رجلين:

أ - السري بن إسماعيل الهمداني؛ الّذي كذّبه يحيى بن سعيد، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ. (1)

ب - السري بن عاصم بن سهل الهمداني؛ نزيل بغداد (المتوفّى عام 258هـ)، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته؛ يربو على ثلاثين سنة، كذّبه ابن خراش، ووهّاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات؛ لا يحلّ الاحتجاج به، فالاسم مشترك بين كذّابين، لا يهمّنا تعيين أحدهما.

4 - عبد الله بن سبأ، أسطورة تاريخيّة، لأنّ القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده، وزمن إسلامه، ومحتوى دعوته، يُشرف

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 2/117.

١٥٩

المحقّق على القول: بأنّ عبد الله بن سبأ، شخصيّة خرافيّة، وضعها القصّاصون، وأرباب السمر والمجون، في عصر الدولتين: الأُمويّة والعباسيّة.

وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين، يدعم كون الرجل أسطورة تاريخيّة، حاكها أعداء الشيعة، نكاية بالشيعة؛ حيث قال:

وأكبر الظنِّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا، إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة، وعظم الخلاف، فهو قد استغلَّ الفتنة ولم يثرها.

إنّ خصوم الشيعة أيّام الأُمويّين والعباسيّين، قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته، من ناحية، وليشنعوا على عليّ وشيعته من، ناحية أُخرى، فيردوا بعض أُمور الشيعة إلى يهوديٍّ أسلم كيداً للمسلمين، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة؟!، وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم؛ في أمر عثمان، وفي غير أمر عثمان؟

فلنقف من هذا كلّه، موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط، ولنُكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم، رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديّاً وكانت أُمّه سوداء، وكان هو يهوديّاً ثُمَّ أسلم لا رغباً ولا رهباً، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً، ثُمَّ أُتيح له من النجاح ما كان يبتغي، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه، وفرّقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً.

هذه كلّها أُمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أنّ تُقام عليها أُمور التاريخ. (1)

____________________

(1) الفتنة الكبرى: 134.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

اليوم الخامس :

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ في اللَيلِ إذ أدبرَ ، ولَكَ الحَمدُ في الليلِ إذا أسفَرَ ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً يبلُغُ أوّلهُ شُكركَ ، وعاقِبتهُ رِضوانكَ ، ولَكَ الحَمدُ في السّماواتِ مَحموداً ، وفي عِبادِكَ مَعبوداً.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ في القضاءِ ، ولَكَ الحَمدُ في الرخاءِ ، ولَكَ الحَمدُ في النِعَمِ الظاهِرةِ ، ولَكَ الحَمدُ في النِعَمِ الباطِنَةَ ، ولَكَ الحَمدُ في النِعَمِ المُتظاهِرَةِ ، ولَكَ الحَمدُ ربَّ العالمين ، أهل الحمدِ ، وولي الحَمدِ ، مِنهُ بَدَأ الحَمدُ ، واليهِ يَنتهي الحَمدُ.

الحَمدُ لله أوَّلِ الليلِ ، وآخِرِ النّهارِ ، وأوّلِ النّهار وآخِرِ الليلِ ، والحَمدُ لله في الأوّلينَ ، والحَمدُ لله مِلء السّماوات والأرضينَ ، وما يشاءُ بَعدَ ذلَكَ حَتى يَرضى ، الحَمدُ لله عَدَدَ خَلقِهِ وأفضلَ من ذلَكَ ما يشاءُ ، فإنّهُ أحصى كُلّ شيء عَدَدَاً ، ووَسِع كُلّ شيءٍ رَحَمةً.

الحَمدُ لله الّذي خَلقَ السّماوات والأرضَ وما بَينهُما في سِتّةِ أيّامٍ ثُمّ استوى على العرشِ ، الحَمدُ لله الّذي رَفَعَ السّماوات بغيرٍ عَمدٍ يرُى ، الحَمدُ لله الّذي جَعلَ في السّماءِ رِزقنا وما وعَدنا ربّنا ، الحَمدُ لله الّذي زَيّن السّماءَ الدُّنيا بمصَابيحَ وَجَعَلها رُجوماً لِلشياطينِ ، الحَمدُ لله الّذي جَعلَ الأرضَ قراراً فَأنْبتَ لَنا من الشّجَر والزّرعِ والفواكهِ والنخل ألواناً ، الحَمدُ للهِ الّذي جَعلَ في الأرضِ جَنّاتٍ وأعناباً وفَجّرَ فيها عُيوناً وَجعلَ

١٨١

فيها أنهاراً ، الحَمدُ لله الّذي جَعلَ في الأرضِ رَواسيَ أن تميدَ بنا فجعلها لِلأرضِ أوتاداً ، الحَمدُ لله الّذي سَخَّرَ لَنا البحر لتجريَ الفُلَكَ فيهِ بأِمرهِ وَلنَبتغي من فَضلِه وَجعَلَ لَنا مِنهُ حليةً نَلَبسها ولَحماً طَرياً ، الحَمدُ لله الّذي سَخّرَ لنَا الأنعامَ لِنَأكُلَ مِنها وَجعلَ ( لنا )(١) مِنها رُكُوباً وجَعلَ لَنا من جُلُودِ الأنعامِ بُيوتاً ولِباساً وفِراشاً ومتاعاً إلى حينٍ.

الحَمدُ لله الَكَريمِ في مُلَكهِ ، القاهرِ لَمِن فيه ، القادِرِ على أمرهِ ، المحمود في صنعِهِ ، اللطيف بعلمِهِ ، الرؤوف بعبادِهِ ، المستأثرِ في جَبَروتِهِ في عزّ جَلالِهِ وهَيبتِهِ.

الحَمدُ لله الفاشِي في خَلقهِ حَمدُهُ ، الظّاهِرِ ( بالَكبرياءِ )(٢) مجدُهُ ، الباسِطِ بالخَير يَده. الحَمدُ لله الّذي تَردّى بالحَمدِ ، وَتعَطَّفَ بالفَخرِ ، وَتَكبَّرَ بالمهابَةِ ، واستشعَرَ بالجَبروتِ ، ( واحتَجبَ بشعاعِ نورهِ عن نواظرِ خَلقِهِ )(٣) .

الحَمدُ لله الّذي لا مُضادَ لهُ في مُلَكَه ، ولا مُنازِعَ لهُ في أمرهِ ، ولا شبِهَ لهُ في خَلقِهِ ، لا إله إلاّ هُوَ لا رادَّ لأِمرهِ ، ولا دافِعَ لِقضائِهِ ، لَيس لَه ضِدٌّ ولا نِدٌّ ولا عِدلٌ ولا شِبهٌ ولا مِثلٌ ، ولا يُعجزُهُ من طَلَبه ، ولا يسبقُهُ مَن هَرَبَ ، ولا يَمَتنِعُ مِنهُ أحَدٌ ، خَلقَ الخلقَ على غَيرِ أصلٍ ، وابتَدَأهم على غَيرِ

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : بالَكَبر في ، وما اثبتناه من نسخة « ن ».

(٣) في نسخة « ك » : اتخذ الأبد حجاباً ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي.

١٨٢

مثالٍ ، وقهرَ العِبادَ بِغيرِ أعوانٍ ، ورَفع السّماء بِغَيرِ عَمَدٍ وبَسطَ الأرضَ على الهواءِ بِغيرِ أركانٍ.

الحَمدُ لله على ما مَضى وعلى ما بَقي ، ولهُ الحَمدُ على ما يُبدي وَعلَى ما يُخفي ، وله الحَمدُ على ما يَكونُ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على حِلمكَ بَعدَ عِلمكَ ، ولَكَ الحَمدُ على عَفوكَ بَعدَ قدرتِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على صَفحِكَ بَعدَ اعذارِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على ما تاخذ وعلى ما تعطي ، ولَكَ الحَمدُ على ما تُبلي وتبتَلي ، ولَكَ الحَمدُ على أمرِكَ حَمداً لا يَعجِزُ عَنكَ ، ولا يَقصِر دُون أفضَل رِضاكَ يا أرحَمَ الرّاحمينَ(١) .

اليوم السادس :

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حمداً أبلُغُ به رِضاكَ ، واُؤدي به شكركَ ، وأستوجِبِ بِه المزيد مِن عِندِكَ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على حلمِكَ بَعدَ عِلمِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على عفوِكَ بعدَ قُدرتِكَ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كما أنعمتَ عَلينا نَعِماً بعدَ نعمٍ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بالإسلام ، ولَكَ الحَمدُ بالقُرآنِ ، ولَكَ الحَمدُ بالأهلِ والمالِ ، ولَكَ الحَمدُ بالمُعافاةِ ، ولَكَ الحَمدُ في السّرّاءِ والضّرّاءِ ، ولَكَ الحَمدُ في الشِدّةِ والرّخاءِ ، ولَكَ الحَمدُ على كُلّ حالٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كما أنت أهلُهُ ، وكما يَنبَغي لوجهِكَ الَكَريمِ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَددَ الشّعرِ والوبرِ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ الشّجرِ والوَرَقِ ،

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩١.

١٨٣

ولَكَ الحَمدُ عَددَ الحَصى والمَدَر ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ رَملِ عالجٍ(١) ، ولَكَ الحَمدُ عَدَدَ أيام الدُّنيا والآخِرَةِ ، ولَكَ الحَمدُ عَدَدَ نُجوُمِ السّماء.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ إنَّما أمرُك إذا أردتَ شيئاً أن تَقُولَ لهُ كُن فَيكوُنُ ، اصطَنَعتَ عِندنا أن نَشكُركَ. الحَمدُ لله الّذي لا ينسى من ذَكَرَهُ ، الحَمدُ لله الّذي لا يُخيّبُ من رَجاه ، الحَمدُ لله الّذي مَن تَوَكّلَ عَليهِ كَفاهُ ، والحَمدُ لله الّذي مَن وَثقَ بِهِ لم يَكِلُه إلى غَيرِهِ ، والحَمدُ لله الّذي يجزي بالصّبرَ نجاةً ، وبالاحسانِ إحساناً ، والحَمدُ للهِ الّذي يَكشِفُ عَنّا الضرَّ والَكَربَ ، والحَمدُ لله الّذي هو ثقتنا حين تَنقَطِعُ الحيلِ مِنّا ، والحَمدُ للهِ الّذي هو رَجاؤنا حين تسُوءُ ظُنونُنا بأعمالِنا.

الحَمدُ لله الّذي أُسائِلُهُ العافِيةَ فَيُعافيني وان كنت مُتعرِّضاً لما يؤذيني ، الحَمدُ لله الّذي أستغيثُهُ فَيُغيثُني ، الحَمدُ لله الّذي أستعينهُ فَيُعينني ، الحَمدُ لله الّذي أدعُوهُ فَيُجيبني ، الحَمدُ للهِ الّذي أسَتنصرهُ فينتصر لي ، الحَمدُ لله الّذي أسألهُ فَيعُطيني وإن كُنتُ بَخيلاً حينَ يَستَقرضُني ، الحَمدُ لله الّذي أُناجيهِ كما شِئتُ بما أريدُ من حاجَتي ، الحَمدُ للهِ الّذي يَحلمُ عَنّي كأني لا ذَنبَ لي ، الحَمدُ لله الّذي يَتَحبّبُ إليّ وهو غَنيّ عَني ، والحَمدُ لله الّذي لم يَكلني إلى النّاس فَيهينُوني.

__________________

(١) عالج ( باللام المكسورة والجيم ) : رمال بين فيد والقُريات وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكة ، لا ماء بها. انظر معجم البلدان ٤ : ٦٩.

١٨٤

الحَمدُ للهِ الّذي مَنَّ عَلَينا بَنَبِيِّنا مُحمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله . الحَمدُ لله الّذي حَمَلَنا في البرّ والبحرِ وَرزَقَنا من الطَيباتِ وفَضَّلَنا على كثيرٍ ممَّن خَلَقَ تَفَضيلاً ، والحَمدُ لله الّذي آمَنَ رَوعَنا ، والحمدُ للهِ الَّذي سَتَرَ عَورَتَنا ، والحمدُ للهِ الَّذي أشبع جَوعَتَنا ، والحَمدُ لله الّذي أقالنا عَثَرتَنا.

الحَمدُ لله الّذي رَزَقنا ، الحَمدُ لله الّذي آمَنَنا ، الحَمدُ للهِ الّذي كَبتَ عَدُوَنا ، الحَمدُ لله الّذي ألّفَ بَينَ قُلُوبِنا ، الحَمدُ للهِ مالِكِ الحَمدُ ، مُجرِي الفُلَكَ ، الحَمدُ للهِ ناشِرِ الرّياح ، فالِقِ الإصباحِ.

الحَمدُ لله الّذي عَلا فَقَهَرَ ، الحَمدُ للهِ الّذي بَطَنَ فَخَبَرَ ، الحَمدُ للهِ الّذي أحصى كُلّ شيءٍ عَدَداً ، الحَمدُ للهِ الّذي نَفذَ ( في )(١) كُلّ شيءٍ بَصَرهُ ، الحَمدُ للهِ الّذي لَطفَ بِكُلّ شيءٍ خبره ، الحَمدُ للهِ الّذي لَهُ الشّرفُ الأعلى ، والأسماءُ الحُسنى.

الحَمدُ لله الّذي ( ليس )(٢) مِن أمِرهِ مَنجا ، الحَمدُ للهِ الّذي لَيسَ عَنهُ مَحيدٌ ، ولا عَنهُ مُنصرفٌ ، بل إليهِ المَرجع والمُزدَلف. الحَمدُ لله ( الّذي )(٣) لا يَغفلُ عَن شيءٍ ، ولا يُلهيهِ شيءٌ عن شيءٍ.

الحَمدُ للهِ الّذي لا تَستُرُ مِنهُ القصوُرُ ، ولا تُكِنّ مِنهُ السُّتُورُ(٤) ، ولا

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٣) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٤) في هامش نسخة « ك » : الصدور (ظ).

١٨٥

تواري مِنهُ البُحورُ ، وكُلّ شيءٍ إليهِ يصيرُ ، الحَمدُ لله الّذي صَدقَ وَعدهُ ، ونَصرَ عَبدَهُ ، وهَزمَ الأحزابَ وحدَهُ ، الحَمدُ للهِ الّذي يُحيي الموتى ، ويُميتُ الأحياءَ ، وهو على كُلّ شيءٍ قديرٌ.

الحَمدُ للهِ جزيلِ العطاءِ ، فصلِ القضاءِ ، سابِغِ النَّعماءِ ، لَهُ الأرضُ والسَّماءُ ، والحَمدُ للهِ الّذي هُو أولى المحمودينَ بالحَمدِ ، وأولى المَمدوحين بالثّناءِ والمَجدِ. الحَمدُ لله الّذي لا يَزوُلُ مُلَكُهُ ولا يَتَضَعضَعُ رُكْنُهُ ، الحَمدُ لله الّذي لا ترامُ قوتهُ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ في اللَيلِ إذا يَغشى ، ولَكَ الحَمدُ في النّهارِ إذا تَجَلى ، ولَكَ الحَمدُ في الآخِرةِ والأُولى ، ولَكَ الحَمدُ في السّماوات العُلى ، ولَكَ الحَمدُ في الأرَضينَ وما تَحتَ الثّرى. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً يزَيدُ ولا يَبيدُ ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً يَصعَدُ ولا ينفَذُ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حمداً يَبقى ولا يَفنى ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً تَضَعُ لهُ السّماواتُ كَنفيها ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً دائِماً أبَداً ، فَأنتَ الّذي تُسبِّحُ لَكَ الأرضُ وَمَن عَليها(١) .

اليوم السابع :

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً لا يَنفَذُ أوّلُهُ ، ولا يَنقَطِعُ آخِرُهُ ، ولا يقصرُ دون عَرشِك ( مُنتهاهُ )(٢) ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً لا يَحجُبُ عَنكَ ، ولا يَتناهى دونَكَ ،

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٢.

(٢) في نسخة « ك » : منتهى واثبتنا ما في نسخة « ن ».

١٨٦

ولا يَقصِرُ عن أفضلِ رِضاكَ. الحَمدُ لله الّذي لا يُطاعُ إلاّ بإذنِهِ ، والحَمدُ لله الّذي لا يُعصى إلاّ بِعلمِهِ ، والحَمدُ لله الّذي لا يُخافُ إلاّ عَدلُهُ ، والحَمدُ لله الّذي لا يُرجى إلاّ فَضلهُ.

الحَمدُ لله الّذي لَهُ الفضلُ على مَن أطاعَهُ ، والحَمدُ للهِ الّذي لَهُ الحُجّةُ على مَن عَصاهُ ، والحَمدُ لله الّذي من رَحِمَ من جَميع خَلقِهِ كان فَضَلاً مِنُه ، والحَمدُ لله الّذي مَن عَذبَ من خَلقِهِ كان عَدلاً مِنهُ.

الحَمدُ لله الّذي لا يَفُوتُهُ القَريبُ ، ولا يَبعُدُ عَليهِ البَعيدُ ، الحَمدُ لله الّذي حَمِدَ نَفسُهُ واستحمِد إلى خَلقِهِ ، الحَمدُ لله الّذي فَتحَ بالحَمدِكتابَهُ ، وَجَعلَهُ ( آخِر )(١) دَعوى أهل جَنّتِهِ ، وخَتَمَ بِه قَضاءهُ ، الحَمدُ لله الّذي لا يَزولُ ولا يزالُ ، الحَمدُ لله الّذي كانَ قَبلَ كانَ ، ولا يُوجَدُ لَكَانَ مَوضِعُ قَبلَهُ ، والحَمدُ لله الّذي لا يَكونُ كائِنٌ غَيرُهُ ، لأنِهُ هو الأوَّلُ لا شَيءَ قَبلَهُ ، وهُو الآخرُ لا شيءَ مِثلهُ ، وهُو الباقي الدّائم بغيرِ غايةٍ ولا فناءٍ.

الحَمدُ لله الّذي لا تدرك الاوهام وصفه ، الحَمدُ لله الّذي ذَهَلَتِ العُقولُ عن مبَلَغِ كُنهِ عظمَتِهِ حتى رَجعوا إلى ما امتدحَ اللهُ به نَفَسهُ مِن عِزه وجُودِهِ وطولِه.

الحَمدُ لله الّذي سَد الهواءَ بِالسّماءِ ، ودحا الأرضَ على الماءِ ، واختارَ لِنَفسِهِ أحسن الأسماءِ. الحَمدُ للهِ الواحِدِ بِغيرٍ تَشبيهٍ ، العالمِ بغيرِ

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

١٨٧

تكوينٍ ، الباقي بَغيرِ كُلفَةٍ ، الخالِقِ بِغيرِ مَنصبةٍ ، الموصوف بغير غايةٍ ، المعروف بِغيرِ مُنتهى ، الحَمدُ لله رَبِّ العالميَنَ ، رَبِّ السّماوات السّبعِ ورَبِّ العرِشِ العظيمِ ، ورَبِّ الأنبياءِ ، ورَبِّ الأوَّلينَ والآخِرينَ ، أحَداً صَمداً لَم يَلِدْ ولَم يُولَدْ فَيورَثُ ، وَلمْ يَكُنْ لهُ كُفُؤاً أحَدٌ. مَلَكَ المُلوُك بِقدرتِهِ ، واستَعبَدَ الأربابَ بعزتِهِ ، وسَادَ العُظَماء بِجبروُتِهِ ، واصطنَعَ الفَخَر والاستكبارَ لِنَفسِهِ ، والفَضلَ والَكَرمَ والجودَ والمَجدَ لَهُ ، جارُ المُستَجيرينَ ، ولَجأُ المُضطَرينَ ، ومُعتمِدُ المُؤمِنينَ ، وسَبيلُ حاجَةَ العابِدينَ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بجميعِ مَحامِدكَ كُلِّها ما قد عَلِمنا منها وما لم نَعلَم ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً يُوفي نِعَمكَ ويُكافي مَزيدكَ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حمداً أبلُغُ به رِضاكَ ، وأُؤدّيَ به شُكركَ ، واستوجَبُ بِه المزيدَ مِن عِندِكَ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على حِلمِكَ بَعدَ عِلمِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على عَفوِكَ بَعدَ قُدرَتِكَ(١) .

اليوم الثامن :

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَدَدَ الورَقِ والشَّجرِ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ الحَصى والمَدرَ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ الشّعرِ والوَبَرِ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ أيّامِ الدُّنيا والآخِرَةِ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ نُجُوم السّماءِ ، ولَكَ الحَمدُ عَدَدَ قَطرِ المَطَرِ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ قَطر البَحر ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ كُلِّ شيءٍ خَلَقتَ ، ولَكَ

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٤ باختصار.

١٨٨

الحَمدُ عَددَ خَلقِكَ ، ولَكَ الحَمدُ مِلء عَرشِكَ ، ولَكَ الحَمدُ مِدادَ كَلِماتِكَ ، ولَكَ الحَمدُ رِضا نَفسِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على ما أحاطَ به عِلمُكَ ، ولَكَ الحَمدُ في كُلّ شيءٍ احصيتَهُ عَدَداً ، ولَكَ الحَمدُ في كُلّ شيءٍ نَفَذهُ بَصَرُكَ ، ولَكَ الحَمدُ في كُلّ شَيءٍ بَلَغتهُ عَظَمَتُكَ ، ولَكَ الحَمدُ في كُلّ شيءٍ وسعتهُ رَحمتكَ ، ولَكَ الحَمدُ في كُلّ شيءٍ خزائِنُهُ بِيدِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على ما أحاطَ بهِ كِتابُكَ ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً دائِماً سَرمَداً ، لا يَنقضي أبداً ، ولا تُحصيهِ الخلائِقُ عَدَداً.

اللّهُمَّ لَكَ الحمدُ على ما تَستجيبُ به لِمن دَعاكَ ، ولَكَ الحَمدُ بِمحامِدِكَ كُلها على نِعَمِكَ كُلها ، سِرها وعَلانِيتِها ، وأوَّلها واخِرها ، وظاهِرها وباطِنِها. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على ما كانَ وعلى ما لَم يَكُن ، ولَكَ الحَمدُ على ما هُوَ كائِنٌ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً كثيراً ، كما أنَعمتَ عَلَينا رَبّنا كثيراً.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ رَبّنا كُلُّهُ ، ولَكَ المُلكُ كُلُهُ ، وبِيدِكَ الخَيرُ كُلُهُ ، وإليكَ يَرجَعُ الأمرُ كُلُّهُ ، عَلانيتهُ وَسِرُّهُ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على بَلائِكَ وَصَنيعِكَ عِندَنا ، قَديماً وحَدَيثاً ، وعِندِي ( خاصة )(١) . من كَربٍ قَد كَشَفتَهُ عَنّي ، وَكَم من هَمّ قَد فَرّجتَهُ عَنّي ، وكَم من شِدّةٍ قَد جَعَلتَ بَعدَها رَخاءٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على نِعَمِكَ ما نُسي مِنها وما ذُكِرَ ، وما شُكِرَ مِنها

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

١٨٩

وما كُفِرَ ، وما مَضى مِنها وما بَقي. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَددَ مَغفِرتِكَ ورَحَمتِكَ ، ولكَ الحَمدُ عَدَدَ عَفوِكَ وسِترِكَ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ تَفَضُّلَكَ ونعمِكَ ، ولَكَ الحَمدُ بإصلاحِكَ أمرنا ، وحُسنِ بلائِكَ عِندَنا. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ رَبّنا أنتَ أهلٌ أن تُحمد وتُعبدَ وتُشكرَ(١) .

اليوم التاسع :

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على كُلّ خير أعطَيتَناهُ ، ولَكَ الحَمدُ على كُلّ شَرٍّ صرفتَهُ عَنّا ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ ما خَلقتَ وذَرَأتَ ، وبَرأتَ وأنشأتَ ، ولَكَ الحَمدُ عَددَ ما أبليتَ وأوليتَ وأغنيتَ ، وأخَذتَ وأعطَيتَ ، وأمتّ وأحييتَ ، فكُلّ ذلَكَ لَكَ وإليكَ ، فَتَبارَكتَ وتَعالَيتَ ، لا يُذلُّ من واليتَ ، ولا يعزُّ من عاديتَ ، تُبدئ والمعَادُ إليكَ ، وتَقضي ولا يُقضى عَلَيكَ ، وتَستغَني ونَفتقِرُ إليكَ ، فَلَبيكَ رَبَّنا وسَعدَيكَ ، ولَكَ الحَمدُ على ما وَرّثتَ وأوْرَثتَ ، فَإنّكَ تَرِثُ الأرضَ وَمَن عَليها وإليكَ يُرجَعُونَ ، وأنتَ كَما أثنيتَ على نَفسِكَ ، لا يبلغُ مَدحكَ قَولُ قائِلٍ فيكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ وليّ الحمد ، ومنتَهى الحَمدُ ، [ و ] أنتَ حَقيقٌ بالحَمدِ ، ولَكَ الحَمدُ حمداً لا يَنبغي إلاّ لَكَ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ في الليلِ إذا يَغشى ، ولَكَ الحَمدُ في النّهارِ إذا تَجلّى ، ولَكَ الحَمدُ في الآخرة الأُولى ، ولَكَ

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٥.

١٩٠

الحَمدُ في السّماواتِ العُلى ، ولَكَ الحَمدُ في الأرضينَ السُّفلى ، وكُلّ شيءٍ هالَكَ إلاّ وجهكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الفَضلُ ، اللّهُمَّ لَكَ الحمدُ في السّراءِ ، ولَكَ الحَمدُ في الضّراءِ ، ولَكَ الحَمدُ في العُسرِ واليُسرِ ، ولَكَ الحَمدُ في الرّخاءِ والبلاءِ ، ولَكَ الحَمدُ في الآلاءِ والنعماءِ.

اللّهُمَّ ولَكَ الحَمدُ كما حَمدتَ نَفسَكَ في أُمّ الَكِتابِ وفي التّوارةِ والإنجيلِ والزّبورِ والقُرآنِ العظيمِ ، ولَكَ الحَمدُ حَمداً لا يَنفذُ أوّلُهُ ، ولا يَنقطُعِ آخِرهُ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بالإسلام ، ولَكَ الحَمدُ بالقرآن ، ولَكَ الحَمدُ بالأهلِ والمالِ والولدِ ، ولَكَ الحَمدُ بالمعافاةِ والشُّكرِ ، ولَكَ الحَمدُ وإليكَ يَعوُدُ الحَمدُ ، لا شَريك لَكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ على حلمِكَ بَعدَ عِلمِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على عَفوِكَ بَعدَ قُدرتِكَ ، ولَكَ الحَمدُ على نعمَتِكَ عَلَينا ، ولَكَ الحَمدُ على فَضلِكَ عَلَينا. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ لَن تُعدّ نعمُكَ ولا يُحصيها غَيرُكَ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كما ظَهرَت نِعمَتُكَ ولا تَخفى ، ولَكَ الحَمدُ كما كَثُرَتْ أياديكَ فَلا تُحصى ، ولَكَ الحَمدُ كما أحصيتَ كُلّ شيءٍ عَدَداً ، واحَطتَ بكُلّ شيءٍ عِلماً ، وانفذتَ كُلّ شيءٍ بَصراً ، وأحصيت كُلّ شيءٍ كتاباً.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كَما أنت أهلُهُ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لا يواري مِنكَ لَيلٌ داج ، ولا سماءٌ ذاتُ أبراجٍٍ ، ولا أرضٌ ذاتُ فِجاجٍ ، ولا بِحار ذاتُ أمواجٍ ،

١٩١

ولا جِبالٌ ذات اثباجٍ(١) ، ولا ظُلُماتٌ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ.

يا رَبِّ أنَا الصَغيرُ الّذي رَبَّيتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الوضيعُ الّذي رَفَعتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا المهانُ الّذي أكرمتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الذّليلُ الّذي أعززتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا السائِلُ الّذي أعطَيتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الرّاغِبُ الّذي أرضيتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا العائلُ الّذي أغنيتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الرّاجِلُ الّذي حَملتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الضّالُّ الّذي هَديَتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الجاهِلُ الّذي عَلّمتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وأنا الخامِلُ الّذي شَرّفتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الخاطئ الّذي عَفَوتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا المُذنِبُ الّذي رَحمتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا المسافرُ الّذي صَحبتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الغائِبُ الّذي أدَّيت فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الشاهِدُ الّذي حَفَظتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا المَريضُ الّذي شَفَيتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا السقيمُ الَّذي أبرأتَ فَلكَ الحمدُ ، وأنا الجائع الّذي اشبعَتَ فَلَكَ الحمدُ ، وأنا العارِي الّذي كَسوتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الطَريدُ الّذي آويتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا الوحيدُ الذي عَضدتَ فَلكَ الحَمدُ ، وأنا المخذولُ الَّذي نَصرتَ فَلَكَ الحمدُ ، وأنا المهمومُ الّذي فَرّجتَ فلَكَ الحَمدُ ، وأنا المَغمومُ الّذي نَفّستَ فلَكَ الحَمدُ ، ولَكَ الحَمدُ كثيراً كثيراً كثيراً كَما أنعمتَ عليَّ كثيراً.

اللّهُمَّ(٢) وهذهِ نِعمٌ خَصصْتني بها مَعَ نِعمِكَ عَلى بني آدمَ فيما

__________________

(١) اثباج : جمع ثبج ، وهو المكان الكثير الرمل. الصحاح ـ ثبج ـ ١ : ٣٠١.

(٢) اثبتناها من نسخة « ن ».

١٩٢

سَخَّرتَ لَهُم ، ودَفَعتَ عَنهُم ، وأنعمتَ عَليهِم ، فلَكَ الحَمدُ رَبّ العالَمينَ كَثيراً ، اللّهُمَّ وَلَم تؤتني شَيئاً مّما آتيتني بِعَمل خَلا مِني ، ولا لَحِق استَوجبتُهُ مِنكَ ، ولَم تصرِف عنّي شيئاً من هُموم الدُّنيا وكربِها وأوجاعِها وأنواعِ بَلاياها وأمراضِها وأسقامِها ( لشيءٍ )(١) اكَونُ لُهُ أهلاً ، ولَكَن صَرفتهُ عَنّي رَحمةً مِنكَ لي ، وحجّةً لَكَ عَليّ يا أرحمَ الرّاحمينَ. فلَكَ الحَمدُ كثيراً ، كَما أنعمتَ عَليّ كثيراً ، وصَرَفتَ عنّي البلاءَ كثيراً(٢) .

اليوم العاشر :

إلهي كَم من شيءٍ غِبتُ عَنهُ فَحضَرتَهُ ، فَيسَّرَت لي فيهِ المنافع ، ودَفعتَ عَني فيه السوء ، وحَفِظتَ مِنّي فيهِ الغيبِةَ ، وَوَفيتَني فيهِ بلا عِلمٍ مِني ، ولا حَولَ ولا قُوةَ ، فلَكَ الحَمدُ على ذلَكَ والطّولُ والمَنّ. وكم من شيءٍلم أغب عنهُ يا إلهي ( فَتَوليتَهُ )(٣) لي وسَدَدتَ لي فيه الرأي ، وأعَطَيتَني فيهِ القَبُول ، وأنَجحتَ فيهِ الطّلبَةَ ، وقَربتَ فيهِ المعونَةَ ، فلَكَ الحمدُ يا إلهي كَثيراً ، ولَكَ الحَمدُ يا رَبّ العالمينَ.

اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدِ النَّبي المَرضِي الرَّضيّ ، الطَّيبِ التَّقي ، المُبارَك النَّقي ، الطاهِرِ الزَّكي ، المُطهر الوفي ، وعلى آل مُحمّدٍ الطّيبينَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : الا ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٢) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٦.

(٣) في نسخة « ك » : وتوليت ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

١٩٣

الأخيارِ ، كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.

اللّهُمَّ إني أسألَكَ على أثرِ مَحامِدِكَ ، والصّلاةُ على نَبيك مُحمّدٍ وآلهِ ، أن تَغفرَ لي ذُنوبي كُلِّها ، قَديمها وحديثها ، صِغيرِها وكبيرَها ، سِرِّها وعَلانِيتَها ، ما عَلمِتُ مِنها وما لم أعلَم ، وما أحصَيتَ عَليّ وحَفَظتَهُ ونَسيتُهُ أنا من نَفسي.

يا الله يا الله ، يا رَحمنُ يا رَحمنُ ، يا رحيمُ يا رحيمُ ، سُبحانَكَ اللّهُمَّ وَبِحمدِكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، أستَغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ ، أنتَ يا إلهي موضِعُ كُلِّ شَكوى ، ومُنتهى الحاجاتِ ، وأنتَ أمَرتَ خَلقكَ بالدّعاءِ ، وتَكَفّلتَ لَهُم بالإجابةِ ، أنتَ قَريبٌ مُجيبٌ ، سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبحمدِكَ ، ما أعظمَ أسمكَ في أهلِ السّماءِ ، وأحَمدَ فِعالَكَ في أهلِ الأرضِ ، وأفشى(١) خَيرُكَ في البرِ والبحرِ.

سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبحمدِكَ ، لا إله إلاّ أنتَ ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ ، أنتَ الرؤوفُ وإليكَ المرغَبُ ، تُنزِلُ الغَيثَ بِقَدرِ الأقواتِ. وأنتَ قاسِمُ المعاشِ ، قاضي الآجالِ ، رازِقُ العِبادِ ، مُروي البلادِ ، مُخرِجُ الثَمراتِ ، عَظيمُ البَركاتِ.

سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبحمدِكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ ، أنتَ المُغيثُ وإليكَ المَرغبُ ، مُنزلُ الغيث يُسبّحُ الرَّعدُ بحمدِكَ والملائِكةُ من خيفَتِكَ والعرش الأعلى والعموُدُ الأسفَلُ

__________________

(١) في نسخة « ك » : وانشاء ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

١٩٤

والهَواء وما بَينَهُما وما تَحتَ الثَّرى ، والشمسُ والقمرُ ، والنُّجومُ والبُحوُرُ ، والضّياءُ والظُّلمةُ ، والنُّورُ والفيءُ ، والظلُ والحرُورُ. سُبحانَكَ أنتَ تُسيِّرُ الجِبالَ ، وتهب الرِّياحَ.

سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحمدِكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ ، سُبحانَكَ أسألُكَ باسمِكَ المرهوبِ حامِلُ مَن في سمائِكَ وأرضِكَ ، وَمَن في البُحورُ والهواءِ ، ومن في الظّلمةِ ، ومن في لُجج البِحارِ ، ومن تحتِ الثَّرى ، وما بَينَ الخافقين ، سُبحانَكَ ما أعظَمَكَ.

سبحانك اللّهُمَّ وبحمدك ، لا إله إلاّ أنت ، أستغفِرُكَ وأتُوبُ إليكَ ، سُبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنت ، أسألُكَ إجابَةَ الدُّعاءِ في الشّدَّةِ والرَّخاءِ ، سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحمدِكَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، نَظَرتَ إلى السّماواتِ العُلى فَأوثقتَ أطباقَها ، سُبحانَكَ ونَظَرتَ إلى عِمادِ الأرَضينَ السُفلى فَزلزلت أقطارَها ، سُبحانَكَ ونَظَرتَ إلى ما في البُحورِ ولُججِها فَتَمخضَ ما فيها ـ سُبحانكَ ـ فَرقاً مِنك وهَيبةً مِنكَ ، سُبحانَكَ وَنَظرَتَ إلى ما أحاطَ بالخافِقينِ وما بَينَ ذلَكَ من الهَواء فَخضَعَ لَكَ ( خاشعاً )(١) ، ولِجلالِ وجهِكَ الكَريم أكرم الوجُوه وسيّدِ الوجوهِ خَاضِعاً.

سُبحانَكَ من ذَا الّذي أعانَكَ حينَ بَنيتَ السّماواتِ واستويتَ على عَرشكَ عرش عَظَمتِكَ ؟ سُبحانَكَ من ذَا الّذي حَضَركَ حين بَسطَتَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : خاضعاً ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

١٩٥

الأرضَ فَمددتَها ثُم دَحوَتها فَجَعَلتها فِراشاً ؟ فَمن ذَا الّذي يَقدِرُ( على )(١) قُدرَتِكَ ، سبحانَكَ من ذا الّذي رَآك حينَ نَصَبتَ الجبالَ فأثبتَ أساسها بِأهلِها رَحَمةً مِنكَ لِخلقِكَ ، سُبحانَكَ مَن ذَا الّذي أعانَكَ حين فَجَّرتَ البُحورَ وأحَطت بها الأرضَ ، سُبحانَكَ لا إله إلاّ أنتَ وبحمدِكَ ، مَن ذَا الّذي يُضادّك ويغالِبُكَ ، أو يَمنَعُ مِنكَ أو ينجو مِن قَدَرِكَ.

سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحمدِكَ ، ما للعيونِ لا تبكي لِغفلَةِ القُلوبِ إذا ذَكرتَ مخافَتكَ ؟! سُبحانَكَ ما أفضَلَ حلمكَ ، وأمضى حُكمِكَ ، وأحسنَ خَلقكَ.

سبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنتَ وبِحمدِك من يَبلُغُ مَدحكَ ؟ ويَستَطيعُ أن يَصفَ كُنهك ؟ أو يَستَطيعُ أن يَنالَ مُلَكَكَ ؟

سُبحانَكَ حارَتِ الأبصار دُونَكَ ، وامتلأَت القُلُوبُ فَرقاً مِنكَ ، وَوَجلاً من مَخافتِكَ. سُبحانَكَ اللّهُمَّ لا إله إلاّ أنتَ وبِحمدِكَ ، وما أحكَمكَ وأعدَلَكَ وأرأفَكَ وأرحَمكَ وأبصَركَ ، سُبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لا تَحرمني رَحَمتكَ ، ولا تُعذْبني وأنا أستغْفِرُكَ ، آمينَ آمينَ رَبِّ العالمينَ(٢) .

* * *

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٩٨.

١٩٦

اليوم الحادي عشر :

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) ( سُبحانهُ وَتَعالى عما يَقُولُون عُلُوَّاً كَبيراً *تُسبّحُ لَهُ السّماواتُ السَّبعُ وَالأرضُ وَمَنْ فيهنَّ وإنْ مِنْ شَيء إلاّ يُسّبحُ بِحَمدهِ وَلكِنْ لا تَفْقهونَ تَسْبيحَهُمْ إنه كانَ حَليماً غَفُوراً ) (٢) ( سُبحانه إذا قضى أمراً فَإنّما يَقولُ لهُ كن فيكون ) (٣) ( فَاصبِر على مَا يَقُولونَ وَسَبِّحْ بِحمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلوعِ الشّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِنْ آناءِ الليلِ فَسبّح وأطرافَ النّهارِ لَعلّك تَرضى ) (٤) ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ *وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٥) .

سُبحان اللهِ رَبِّ العرشِ العَظيمِ( سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٦) ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٧) ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا

__________________

(١) الاسراء ١٧ : ١.

(٢) الاسراء ١٧ : ٤٣ ـ ٤٤.

(٣) مريم ١٩ : ٣٥.

(٤) طه ٢٠ : ١٣٠.

(٥) الصافات ٣٧ : ١٨٠ ـ ١٨٢.

(٦) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٧) الأنعام ٦ : ١٠٠.

١٩٧

يُشْرِكُونَ ) (١) ( سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (٢) ( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (٣) ( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٤) سَبَّحَ للهِ ما في السّماوات واْلأرضِ يُحيي وَيُميتُ وَهُو حَيٌّ لا يَموُتُ بيدِهِ الخَيرُ وَهُو على كُلّ شَيءٍ قَديرٌ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ *يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (٥) ( سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٦) ( هُوَ اللهُ الخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٧) ( يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٨) ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ

__________________

(١) الروم ٣٠ : ٤٠.

(٢) الزمر ٣٩ : ٤.

(٣) يس ٣٦ : ٨٣.

(٤) الزخرف ٤٣ : ٨٢.

(٥) الحديد ٥٧ : ٣ ـ ٦.

(٦) الحشر ٥٩ : ١.

(٧) الحشر ٥٩ : ٢٤.

(٨) التغابن ٦٤ : ١.

١٩٨

وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) (١) ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) (٢) سُبحانَكَ أنتَ الّذي يُسبِّحُ لَكَ بِالغدُوّ والآصالِ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) (٣) .

يُسبِّحُ لَهُ ما في السّماواتِ وجلاً ، والملائِكةُ شَفَقاً ، والأرضُونَ طبقاً ، وكُلٌّ يُسبّحونَ داخِرينَ. فَلَهُ الجمالُ أبداً سُبحانهُ بالجمالِ مُتوحِّداً ، وبالتوحيدِ مَعروفاً ، وبالمعروُفِ مَوصُوفاً ، وبالصِّفَةِ على لِسانِ كُلّ قائِل رَبّاً ، وبالرّبوُبيَّةِ على العالمينَ قاهِراً ، فَلَهُ البهجة والحمال أبداً(٤) .

اليوم الثاني عشر :

سُبحانَ الّذي في السّماء عَرشُهُ ، سُبحانَ الّذي في الأرضِ بَطشهُ ، سُبحان الّذي في البرّ والبَحرِ سَبيلهُ ، سُبحانَ الّذي في السّماءِ سَطواتُهُ ، سُبحانَ الّذي في القبورِ قَضاؤهُ ، سُبحان الّذي لا يموتُ ، سُبحان الله حينَ تُمسونَ وحينَ تُصبحونَ ، سُبحانَ من في الجَنّةِ رحمتُهُ ، سُبحانَ الّذي في النار نَقمتهُ ، سُبحانَ الّذي لا مَنجا مِنهُ إلاّ إليهِ( فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ

__________________

(١) الانسان ٧٦ : ٢٦.

(٢) النصر ١١٠ : ٣.

(٣) النور ٢٤ : ٣٧.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢٠٠ ـ ٢٠١.

١٩٩

وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ *يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) (١) ( الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) (٢) .

سُبحانهُ عَددَ كُلّ شيءٍ وزِنَةَ كُلِّ شيءٍ اضعافاً مضاعفةً سَرمدَاً كما يَنبغي لِعَظمةِ رَبّي ، سُبحانكَ لا إله إلاّ أنتَ وبِحمدكَ ، سُبحانَ الله العظيمِ ، وبِحمدِهِ ، سُبحانَ اللهِ الحَيّ الحليمِ الَكَريمِ ، سُبحانَ اللهِ العَليّ العظيمِ ، سُبحانَ مَن هُوَ الحقُّ ، سُبحانَ القابِضُ الباسِطُ ، سُبحانَ الضَارُّ النَافعُ ، سُبحانَ القاضِي بالحَقّ ، سُبحانَ الرّفيعِ الأعلى ، سُبحانَ اللهِ العَظيمِ ، الأكبرِ ، الظّاهِرِ الباطِنِ ، الّذي هُوَ بكُلّ شيءٍ عَليمٌ.

سُبحانَ مَن هُوَ هكذا ولا يَكُون هكذا غَيرُهُ ، سُبحانَ مَن هُوَ دائِمٌ لا يَسهوُ ، سُبحانَ مَن هُوَ قائِمٌ لا يَلهو ، سُبحانَ من هُوَ غَنيٌ لا يَفتقِرٌ ، سُبحانَ مَن هُوَ جَوادٌ لا يَبخلُ ، سُبحانَ مَن هُوَ قَويٌ لا يَضعَفُ ، سُبحانَ مَن هُوَ شَديدٌ لا يَضعَفُ ، سُبحانَ مَن هُوَ رَقيبٌ لا يَغْفلُ ، سُبحانَ الّذي لا يَموُتُ ، سُبحانَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، سُبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنتَ وَحَدكَ لا شَريكَ لَكَ.

__________________

(١) الروم ٣٠ : ١٧ ـ ١٩.

(٢) الاسراء ١٧ : ١١١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317