الدروع الواقية

الدروع الواقية25%

الدروع الواقية مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: دراسات
الصفحات: 317

الدروع الواقية
  • البداية
  • السابق
  • 317 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112925 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
الدروع الواقية

الدروع الواقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

قدس الله روحهما وروياه واجيز لهما روايته عني عنهما ، وهذان السيدان زاهدان عابدان ورعان ، وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكي لي بعضها وروى لي والدي البعض الآخر(١) .

٢ ـ وقال عنه ايضاً : السيد رضي الدين كان ازهد اهل زمانه(٢) .

٣ ـ واما ابن عنبة فقد قال عنه في عمدة الطالب : ورضي الدين ابو القاسم علي السيد الزاهد ، صاحب الكرامات ، نقيب النقباء بالعراق(٣) .

٤ ـ وعن خط للشهيد روى المجلسي في البحار عنه ما نصه : صاحب الكرامات لم يزل على قدم الخير والآداب والعبادات والتنزّه عن الدنيات الى ان توفي(٤) .

٥ ـ ووصفه العلامة المجلسي في البحار بقوله : السيِّد النقيب الثقة الزاهد جمال العارفين(٥) .

٦ ـ وأثنى عليه الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل بقوله : حاله في العلم والفضل والعبادة والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يُذكر ، وكان ايضاً شاعراً أديباً منشئاً بليغاً(٦) .

٧ ـ وقال عنه صاحب نقد الرجال السيِّد التفريشي : من أجلاء هذه الطائفة وثِقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقي الكلام ، حاله في العبادة والزهد أشهر من ان يذكر(٧) .

__________________

(١) انظر مستدرك الوساثل ٣ : ٤٦٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٣٥.

(٣) عمدة الطالب : ١٩٠.

(٤) البابليات ١ :٦٥.

(٥) بحار الانوار ١ : ١١٣.

(٦) أمل ألآمل ٢ :٢٠٥ / ٦٢٢.

(٧) نقد الرجال : ٢٤٤.

٢١

٨ ـ وأمّا الشيخ أسد الله الدزفولي فقد قال عنه في مقابس الأنوار: السيِّد السند ، المعظَّم المعتمد. العالم العابد الزاهد ، الطيّب الطاهر ، مالك أزمّة المناقب والمفاخر ، صاحب الدعوات والمقامات والمكاشفات والكرامات ، مظهر الفيض السنيّ ، واللطف الجليّ ، أبي القاسم رضي الدين علي ، بوأه الله تحت ظله العرشي ، وأنزل عليه بركاته كلّ غداة وعشي(١) .

٩ ـ وقال متحدثاً عنه الشيخ النوري في خاتمة المستدرك : السيِّد الأجل أكمل الاسعد الاورع الازهد ، صاحب الكرامات الباهرة رضي الدين أبوالقاسم وابو الحسن علي بن سعد الدين موسى بن جعفرآل طاووس ، الذي ما اتفقت كلمة الاصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه غيره(٢) .

وقال ايضاً : وكان رحمه الله من عظماء المعظِّمين لشعائر الله تعالى ، لا يذكر في أحد من تصانيفه الاسم المبارك إلا ويعقبه بقوله جل جلاله(٣) .

١٠ ـ وفي روضات الجنّات يقول عنه الخوانساري : من جملة العبدة الزهدة المستجابي الدعوة بنص الموافقين لنا والمخالفين ، ومنها كونه في فصاحة المنطق وبلاغة الكلام بحيث تشتبه كثيراً عبارات دعواته الملهمة ، وزياراته الملقمة بعبارات اهل بيت العصمةعليهم‌السلام (٤) .

١١ ـ وامّا المحدث القمي فقد ذكره في كتابه الكنى والالقاب بقوله : السيد الأجل الأورع الأزهد ، قدوة العارفين(٥) .

__________________

(١) مقابس الانوار: ١٢.

(٢ ) مستدرك الوسائل ( النسخة الحجرية ) ٣ : ٣٦٧.

(٣) مستدرك الوسائل ( النسخة الحجرية ) ٣ : ٤٦٩.

(٤ ) روضات الجنات ٤ : ٣٣٠.

(٥) الكنى والالقاب ١ : ٣٢٧.

٢٢

١٢ ـ وفي ريحانة الادب قال محمد علي مدرس في حديثه عنه : من أعاظم علماء الشيعة الامامية وفحولها ، عالم جليل القدر ، عظيم المنزلة ، اديب شاعر ، منشئ ، بليغ ، عابد ، زاهد ، متقي ، جامع الفضائل والكمالات العالية ، المتخلّي من الصفات الرذيلة ، المتحلّي بالاخلاق الفاضلة ، المتجلّي باتيان الوظائف الشرعية ، أورع أهل زمانه وأتقاها وازهدها واعبدها ، الموصوف في كلمات اجلّة العلماء ب‍ ( قدوة العارفين ومصباح المتهجدين )(١) .

مؤلفاته :

لقد كانت حياة السِّيد ابن طاووس; غنية معطاءة خصبة ، أعطت الأُمة الشيء الكثير ولم تبخل عليها بشيء ، وتلك هي حال الرجال الذين اوقفوا أنفسهم وعلمهم على خدمة هذا الدين الحنيف ، وبقوا حتى اللحظات الاخيرة من حياتهم مركزاً للعطاء والخير ، وهو ما نراه متكرراً كثيراً لدى علماء الطائفة ومفكريها رفع الله شأنهم.

والحق يقال أنَّ السيِّد ابن طاووس; ورغم كل ما احاط به من أعباء كثيرة وشاقة ، فقد كان مؤلّفاً مكثاراً ، وكاتباً قديراً ، خلّف من بعده الكثير من المؤلّفات القيّمة التي بلغ ما وصلنا منها العشرات في حين لم ترد اسماء الكثير من تلك المصنّفات لضياعها ، والتي لو وصلتنا لكانت بلا شك خير زاد يتقوّت به طلاب العلم ، وعموم المسلمين. وحقيقة وجود هذه المجاميع من الكتب المجهولة يؤكدها السِّيد; في أحد مؤلفاته وهو كتاب الاجازات المعروف ، حيث يقول :

وجمعت وصنّفت مختصرات كثيرة ما هي الآن على خاطري ، وانشاءات من المكاتبات والرسائل والخطب ما لو جمعته أو جمعه غيري كان عدة مجلدات ،

__________________

(١) ريحانة الادب : ٧٦.

٢٣

ومذكرات في المجالس في جواب المسائل بجوابات واشارات وبمواعظ شافيات ما لو صنّفها سامعوها كانت ما يعلمه الله جل جلاله من مجلدات.

على ان ذلك الامر لا يلغي كون ما وصلنا من المؤلفات القيّمة للسيّد ابن طاووس; قد اغنى المكتبة الاسلامية ، ومدها بخير وفير ، ومن هذه المؤلّفات :

١ ـ الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة.

٢ ـ الإجازات لكشف طرق المفازات.

٣ ـ الإقبال بصالح الاعمال.

٤ ـ الأَسرار المودعة في ساعات الليل والنهار.

٥ ـ جمال الاسبوع.

٦ ـ الدروع الواقية من الأخطار ( وهو الكتاب الماثل بين يديك ).

٧ ـ أسرار الصلاة.

٨ ـ محاسبة الملائكة الكرام آخر كل يوم من الذنوب والآثام.

٩ ـ الاصطفاء في تاريخ الملوك والخلفاء.

١٠ ـ مهج الدعوات.

١١ ـ فلاح السائل.

١٢ ـ إغاثة الداعي وإعانة الساعي.

١٣ ـ المجتبى من الدعاء المجتنى.

١٤ ـ الأمان من أخطار الأسفار والأزمان.

١٥ ـ مصباح الزائر.

١٦ ـ الطرائف في مذاهب الطوائف.

١٧ ـ طرف من الانباء والمناقب ، في التصريح بالوصية والخلافة لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام .

٢٤

١٨ ـ البهجة لثمرة المهجة.

١٩ ـ ربيع الالباب.

٢٠ ـ زهرة الربيع.

٢١ ـ سعد السعود.

٢٢ ـ غياث سلطان الورى لسكان الثرى.

٢٣ ـ فتح الأبواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب.

٢٤ ـ اليقين باختصاص عليعليه‌السلام بامرة المؤمنين.

٢٥ ـ الملهوف على قتلى الطفوف.

٢٦ ـ المنتقى.

٢٧ ـ المواسعة والمضايقة.

٢٨ ـ محاسبة النفس.

٢٩ ـ مهج الدعوات ومنهج العنايات.

٣٠ ـ فرحة الناظر وبهجة الخواطر.

منهج التحقيق :

بعد اكتمال التحقّق من النسخة الحقيقية للكتاب شرعنا بالعمل التحقيقي لهذا الكتاب الدعائي المهم ، معتمدين في عملنا على نسختين مخطوطتين ، وهما :

١ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الاستانة المقدسة في مشهد المقدسة ، وهي نسخة كاملة ، قيّمة ، جميلة النسخ ، يرجع تاريخ نسخها الى الخامس عشر من شهر ربيع الثاني لعام ١٥٩٨ ه‍ ، زوّدنا بها مشكوراً الاخ المحقق الفاضل السيد مهدي رجائي.

وقد اعتمدناها كنسخة أصلية ، ورمزنا لها بالحرف ( ك ).

٢٥

٢ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة المرحوم آية الله العظمى السيّد المرعشي; ، برقم ٤٤٢ ، تأريخ نسخها ٩٦٤ ه‍.

وقد رمزنا لها بالحرف ( ن ).

كما اعتمدنا في عملنا على نقولات العلاّمة المجلسي والحر العاملي رحمها الله كنسختين مساعدتين في عملنا.

ومن ثم فقد اُحيل العمل الى جملة من اللجان المختصة الذي اُوكل اليها مسؤولية اخراج هذا الكتاب وفقاً لمنهجية التحقيق المشترك التي تعتمدها المؤسسة في عملها.

فقد اوكلت مسؤولية مقابلة النسخ المخطوطة وتثبيت الاختلافات الواردة فيها بكل من الأُخوة الافاضل : الحاج عزالدين عبد الملك ، والاخ سعد فوزي جودة.

واما مسؤولية تخريج الروايات والادعية الواردة في الكتاب فقد اُوكلت الى الاخ الفاضل مشتاق المظفر.

كما واُنيطت مسؤولية كتابة هوامش الكتاب بالاخ الفاضل هيثم شاه مراد السّماك.

وكانت مسؤولية تقويم الكتاب وضبط نصه والاشراف على تحقيقة على عاتق الاخ الفاضل علاء آل جعفر مسؤول لجنة مصادر البحار في المؤسسة.

وفّق الله تعالى الجميع الى خدمة تراث العترة الطاهرة واحياء آثارها ، انّه سميع مجيب.

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لاحياء التراث

٢٦

صورة الصفحة الاولى من النسخة المخطوطة التي رمزنا لها بالحرف « ك ».

٢٧

* صورة الصفحة الاخيرة من نسخة « ك ».

٢٨

* صورة الصفحة الاولى من النسخة التي رمزنا لها بالحروف « ن ».

٢٩

* صورة الصفحة الاخيرة من نسخة « ن ».

٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول السيد الإمام العالم العامل ، الفقيه الكامل ، العلامة الفاضل ، الزاهد العابد ، الورع المجاهد ، رضي الدين ، ركن الاسلام والمسلمين ، جمال العارفين ، انموذج سلفه الطاهرين ، من شاع ذكره في البلاد ، واشتهر فضله بين العباد ، سيد السادات وشرفهم ، وبحر العلماء ومغترفهم ، ذوالمناقب الباهرة ، والاعراق الطاهرة ، والايادي الظاهرة ، أوحد دهره ، وفريد عصره ، افتخار السادة ، عمدة أهل بيت النبوة ، مجد آل الرسول ، شرف العترة الطاهرة ، ذو الحسبين ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس ، ضاعف الله سعادته ، وشرَّف خاتمته :

أحمدُ اللهَ جلَّ جلالهُ بما وهب لي من القدرة على حمده ، واثني عليه جل جلاله على توفيقي لتقديسِ مجدهِ ، واطوفُ بلسانِ حالِ العقلِ حولَ حمى كعبة مراحمهِ ومكارمهِ ورفدهِ ، واستعطفهُ ببيانِِ مقالِ النقلِ رجاءً لتمامِ رحمتِهِ وحلمهِ عن عبدهِ ، واسمعُ من دواعي النصيحةِ والاشفاقِ ، ورسل رسائلِ أهل السباقِ ،

٣١

حثاً عظيماً على التلزّم بأطنابِ(١) سرادقات(٢) منشئ الاحياءِ ومفني الامواتِ ، وواهب الاقواتِ ، ومالكِ الاوقاتِ ، حتى لقد كدتُ أن أجدني كالمضطرّ الى الوقوفِ بمقدسِ جنابِهِ ، والمحمولِ على مطايا لطفِهِ وعطفِهِ الى العكوفِ على شريفِ بابِهِ.

وأشهدُ أن لا الهَ الا هو ، شهادةً تلقّاها العقلُ من مولى رحيمٍ كاملِ القدرةِ ، وعرفَ ورودها(٣) من جنابِ رسولٍ كريمٍ قائلٍ : « كل مولود يولد على الفطرة »(٤) فجاءت الينا بخلعِ الامانِ ، ومعها لواء الولايةِ على دوامِ العنايةِ بدارِ الرضوانِ.

ووجدتُ قلبَ مملوكهِ اليها وامقاً(٥) ، ولها عاشقاً ، ولا يسمح أن يراه واهبها لها مفارقاً ، فمدَّ يدَ السؤالِ الى مالكِ الرفدِ والوعدِ بالسعدِ والاقبالِ ، في ان يعينهُ على عمارةِ منزل يصلحُ لجلالِها ، وتهيئِة فراشِ رحمةٍ يليق بجمالها. فرجعت يداً بنجازِ الوعودِ مملوءة من نفقاتِ عمارةِ منزلِ السعودِ ، وعليها فراش نعمةٍ يصلحُ لاستيطانِ توحيدِ مالكِ الكرمِ والجودِ. فعمَّرَ لها من شُرّف بها منزلَ الاستيطانِ ، وبسط لها ما يختصُ بها من فراشِ التعظيمِ بما وهبهُ مولاهُ من الامكانِ فأقامتْ

__________________

(١) الطُنُب : حبل الخباء ، والجمع اطناب. الصحاح ـ طنب ـ ١ : ١٧٢.

(٢) السرادق : ما يمد فوق سطح الدار. انظر الصحاح ـ سردق ـ ٤ : ١٤٩٦.

(٣) أي ورود الشهادة.

(٤) رواه الحلي في مختصر بصائر الدرجات : ١٦٠ ـ ١٦١ ، والبخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، والترمذي في سننه ٤ : ٤٤٧ / ذيل الحديث ٢١٣٨ ، ومالك بن أنس في الموطأ ١ : ٢٤١ / ٥٢ ، والطيالسي في مسنده : ٣١٩ / ٢٤٣٣ ، وأحمد في مسنده ٢: ٢٣٣ ، ٢٧٥ ، ٣٩٣ ، ٤١٠ ، و ٣ : ٣٥٣ ، والبيهقي في سننه ٦ : ٢٠٢ ، والديلمي في الفردوس ٣ : ٢٤٨ / ٤٧٣٠ ، ٤٧٣١.

(٥) وامقاً : أي محباً من دون ريبة. انظر لسان العرب ١٠ : ٣٨٥.

٣٢

باذنِ واهبها قاطنةً ، واستقرْت بقدرةِ جالبها أقطارُ أماكنها ساكنةً ، فتعطَّرت بارِجها(١) شعابُ تلكَ المساكنِ ، واستبشرتْ بمنهجِها الالبابُ المجاورةُ للترابِ الساكنِ.

وأشهدُ أنَّ جدي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرفُ محمولٍ اليها ومدلولٍ عليها ، واشرفُ من خَطَبَتْهُ مصوناتُها ورغبَ اليها ، وأبصرُ من اطلع على أسرارِها ، واجتمعَ كمالُ أنوارِهِ بجلالِ أنوارِها ، وأمضى من سرى في سبيلِها ، واحظى من أيقظَ العيونَ من الكرى لدليلِها ، وَبَذلَ للورى خلعَ تجميلِها ، واقوى ماسكٍ بعرى تعظِيمها وتبجيلِها ، واتقى ناسكٍ استقامَ لحملِ الاوامرِ الالهيةِ وتفصيلِها.

وأشهدُ أنَّ أنوارَ معالمِهِ ، ومنارَ مواسمِهِ ، لا تقوى على نظرِها كنظرة عيون رمدتْ بالغفلاتِ ، ولا تقومُ بها كقيامهِ أقدامٌ قُيِّدت بالجهالاتِ ، ولا تمتدُ اليها أيد غُلَّت بالاطماعِ ، ولا تتحكُم فيها قلوبٌ اُعلَّت بداءِ الدنيا التي هي متاعٌ.

وأنَّ النوّابَ عنه صلواتُ الله عليه وآله ، يجبُ أن يكونوا على نحوِ كمالِهِ ، في لبسِ خلعِ كمالِها ، والنهوضِ بمعرفةِ حقِّ جلالِها ، ودوامِ الثبوتِ على هولِ عصمةِ طريقهِ ، وقلوبهم مملوءة من ذخائِرِ انوارِ وجوبِ تأييدهِ وتوفيقِهِ.

( وبعد )(٢) : فانّي حيث علَّمني اللهُ جلَّ جلالهُ وألهمني تأليف كتاب( فلاح السائل ونجاح المسائل ) في عملِ اليومِ والليلةِ ، من كتابِ( مهمات في صلاح المتعبد ، وتتمات لمصباح المتهجد ) ويكمل مجلدين أكثر من ستين كراساً ، وحوى من الاسرار ما يعرفها من نظره استئناساً واقتباساً.

وعملتُ بعدهُ كتاب( زهرة الربيع في أدعية الاسابيع ) ويكمل أكثر من

__________________

(١) الأرج والأريج : توهج ريح الطيب. الصحاح ـ أرج ـ ١ : ٢٩٨.

(٢) أثبتناها في نسخة « ن » ، وفي نسخة «ك » كلمة غير مقروءة.

٣٣

ثلاثين كراساً.

ثم كمّلتُ بعدهُ كتابَ( جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع ) وزادَ على الثلاثين من الكراريسِ ، ويكملُ به عمل الاسبوعِ على الوجهِ النفيسِ.

بقيَ عملُ ما يختص بكلِّ شهرٍ على التكرارِ ، ووجدتُ في الروايةِ أنَّ فيه أدعية كالدروعِ من الأخطارِ ، فشرعتُ في هذا المرادِ ، بما عوَّدني الله جلَّ جلاله وأرفدني من الانجادِ والاسعادِ وسميتهُ : كتاب( الدروع الواقية من الاخطار فيما يعمل مثلها كل شهر على التكرار ).

وسوف أذكرُ تسميةَ فصولِ هذا الجزء الخامسِ من هذا الكتابِ جملةً قبلَ التفصيلِ ، ليعلمَ الناظرُ فيهِ مرادهُ منهُ فيطلبهُ على الوجهِ الجميلِ.

الفصل الاول : فيما يعمل أول ليلة من كل شهر عند رؤية هلاله ، ومن صلاة بسورة الانعام في أول ليلة من الشهر يأمن بها المصلي لها من أكدار ذلك الشهر كله. وما يعمله من له عدو عند رؤية الهلال للامان من عدوه بقدرة الله جل جلاله وفضله.

الفصل الثاني : فيما يؤكل أول الشهر لئلا ترد له حاجة فيه.

الفصل الثالث : فيما نذكره مما يعمل اول كل شهر من صلاة ودعاء وصدقة صادر عن كل من تدبيره من جملة تدبير الله جل جلاله وفضله ، ليسلم العبد بذلك من خطر الشهر كله.

الفصل الرابع : فيما نذكره من صوم داودعليه‌السلام .

الفصل الخامس : فيما نذكره من صوم جماعة من الانبياء وأبناء الانبياء صلوات الله جل جلاله عليهم.

الفصل السادس : فيما نذكره من صيام أول خميس في العشر الأول من

٣٤

كل شهر ، وأول أربعاء في العشر الثاني منه ، وآخر خميس من العشر الاخير منه.

الفصل السابع : فيما نذكره من الرواية في أدب الصائم في هذه الثلاثة الايام.

الفصل الثامن : فيما نذكره من الرواية في هذه الثلاثة الايام.

الفصل التاسع : فيما نذكره من الرواية في هذه الثلاثة الايام من الشهر أربعاء بين خميسين ، أو خميسا بين أربعاءين.

الفصل العاشر : فيما نذكره من الرواية في تعيين أول خميس من الشهر ، وآخر خميس منه.

الفصل الحادي عشر : فيما نذكره من الرواية بأنه اذا اتفق خميسان في أوله وأربعاءان في وسطه ، أو خميسان في آخره ، أن صوم الاول منهما أفضل أو الآخر ، وتأويل ذلك.

الفصل الثاني عشر : فيما نذكره مما يعمله من ضعف عن صيام الثلاثة الايام.

الفصل الثالث عشر : فيما نذكره من الاخبار في أنه يجزئ مد من الطعام عن اليوم.

الفصل الرابع عشر : فيما نذكره من صوم اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، وهي الايام البيض.

الفصل الخامس عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة الاعراف فيكل شهر.

الفصل السادس عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة الانفال في كل شهر.

٣٥

الفصل السابع عشر : فيما نذكره من فضل قراءة [ سورتي ] الانفال وبراءة في كل شهر.

الفصل الثامن عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة يونسعليه‌السلام في كل شهر.

الفصل التاسع عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة النحل في كل شهر.

الفصل العشرون : فيما نذكره من زيارة الحسين صلوات الله عليه في كل شهر ، وحديث من كان يزوره كل شهر وتأخّر عنه فعوتب على تأخره.

الفصل الحادي والعشرون : فيما نذكره من الرواية الثانية(١) في ثلاثين فصلاً ، لكل يوم فصل منفرد ، وهو يقارب الرواية الاولى.

الفصل الثاني والعشرون : في رواية اُخرى بتعيين أيام الشهور ، وما فيها من وقت السرور والمحذور.

الفصل الثالث والعشرون : فيما نذكره من حديث اليوم الذي ترفع فيه أعمال كل شيء.

أقول : ذكر تفصيل هذه الفصول :

__________________

(١) يبدو ان هناك سقطاً في تسلسل الفصول ، حيث لم يرد ذكر الفصل الخاص بالرواية الاولى لادعية الشهر فانسحب ذلك على بقية الفصول ، فتأمل.

٣٦

الفصل الاول :

فيما يعمل أول ليلة من كل شهرعند رؤية هلاله ،

ومن صلاة بسورة الانعام في أول ليلة من الشهر يأمن بها المصلي

لها من أكدار ذلك الشهر كله ، وما يعمله من له عدو عند رؤية

الهلال للامان من عدوه بقدرة الله جل جلاله وفضله

أقول : أما ما يعمله عند رؤية هلال كل شهر ، فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه كان اذا رأى الهلال كبَّر ثلاثاً وهلّل ثلاثاً ، ثم قال : « الحَمدُ للهِ الذي اذهَبَ بشَهرِ كذا ، وجاءَ بشَهرِ كذا ».

وروي : أنَّه يقرأ عند رؤية الهلال سورة الفاتحة سبع مرات ، فانه من قرأها عند رؤية الهلال عافاه الله من رمد العين في ذلك الشهر.

أقول : ووجدت في رؤية الهلال شيئاً لم أظفر باسناده على العادة ، نذكره احتياطاً للعبادة. وهو ما يفعل عند رؤية الهلال : تكتب على يدك اليسرى بسبابة يمينك : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة الى آخرهمعليهم‌السلام ، وتكتب :( قُل هُو الله أحدٌ ) الى اخرها ، ثم تقول : اللَّهمَّ انَّ النّاسَ اذا نَظَروا الى الهِلال نَظَر بَعضُهُمُ الى بَعضٍ ، وانِّي نَظَرتُ الى أسمائِك وأسماءِ نَبيِّكَ وَوَلِيِّكَ وَأولِيائِكَعليهم‌السلام والى كِتابِكَ ، فاعطِني كلَّ الذي اُحبُ مِنَ الخَير ، واصرِف عني كلَّ الذي اُحبُ أنْ تَصرِفَهُ عنّي مِنَ الشّرّ ، وزِدني مِن فَضِلكَ ما أنتَ أهلهُ ، ولا حَولَ ولا

٣٧

قُوةَ إلاّ بالله العليِّ العظيمِ(١) .

قلتُ أنا : انَّ اليد اليسرى محل استعمال النجاساتِ ، وهذهِ الاسماء من أشرفِ المسميات ، فان أراد الانسان أن يكتبها في رقعة ويجعلها في كفه اليسار عند رؤية الهلال ويقول ما ذكرناه ، فعسى يكون أحوط في تعظيم من سميناه.

أقول : وقد روينا في شهر رمضان وغيره أدعية عند رؤية هلاله ، وفيها من اللفظ والمعاني ما يقتضي عموم الحاجة الى الدعاء عند رؤية كل هلال لدفع أخطاره وأهواله ، وفتح مساره وإقباله. ولم اقف الى الآن على دعاء شامل للمعاني التي يحتاج الداعي اليها عند رؤية هلال كل على البيان ، وجوّزت أن يكون قد روي ذلك ولم اقف عليه ، ورأيت أن انشاء الدعوات بمقتضى الحاجات مأذون فيه في الروايات ، فأنشأت فيه دعاء لكل شهر لأعمل عليه ، ويعمل من يهديه الله جل جلاله اليه ، الى ان أجد ما عساه قد روي في معناه فأعمل بمقتضاه.

وهو هذا الدعاء : اللّهمَّ انَّكَ جعلتَ مِن آياتِكَ الدالةِ عَليكَ ، ومِن هباتِكَ لِمَن تُريدُ هدايتَهُ اليكَ ، تَدبيرَ كلِّ هالِكٍ عندَ ابتدائِهِ وانتهائِهِ ، مِن اظهارِ النُقصانِ عليهِ واقبالِ التَمامِ اليهِ ، وجَعلتَ ذلك على التدرِيجِ الدالِّ على قُدرتِكَ وكمالِ اختيارِكَ ، وعلى رَحمَتِكَ بمبارِّكَ وأنوارِكَ.

اللّهمَّ وهذا شَهرٌ جَديدٌ ، وَما نَعلَمُ ما يختَصُّ بهِ هِلالهُ السعيدُ ، مِن خيرٍ فنسألُكَ تَسهِيلُه والزِّيادَةَ عليهِ ، أو مكروهٍ فنسألُكَ مَحوَهُ وتَبدِيلَهُ بخيرٍ مما نحتاجُ اليهِ.

__________________

(١) رواه الطبرسي فى مكارم الأخلاق : ٣٤٢.

٣٨

فنحنُ قائِلونَ : اللّهمّ هَبْ لََنا ما نَحتاجُ اليهِ في هذا الشّهرِ الجديدِ من العُمرِ المديدِ ، والعَيشِِ الرَغيدِ ، ومِنَ التَأييدِ والمزيدِ ، وكلِّ عَمَلٍ سَعيدٍ. وامحُ كلََّ ما اشتَمَلَ عليهِ مِن كَدَرٍ أو ضَرَرٍ ، أو امتحانٍ أو نُقصانٍ ، أو أذى مِن قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ أو ضَعِيفٍ أو شَدِيدٍ.

وألهمنا مِن حَمدك وتَقديسِ مجدِكَ ما يَكونُ مُكمِّلاً لنا لِما أنت أهلُه مِن رفدِكَ.

وَسَيِّرنا فيهِ على مَطايا السَّلامَةِ والاستِقامَةِ ، والامانِ مِنَ الندامَةِ في الدنيا وَيَوم القيامَةِ.

واجعَل حَرَكاتَنا وسَكَناتِنا وارادَاتِنا وكَراهاتِنا صادِرةً عَنِ المُعامَلَةِ لكَ بوسائِلِ الاخلاصِ ، وَفَضائِلِ الاختِصاصِ.

وتَفَضَّل عَلينا بالعَفوِ والعافِيةِ في أديانِنا وأبدانِنا ومن يَعُزُّ عَلينا ، وكلُّ ما أحسنتَ بهِ الينا.

واجعَل كلَّ لَيلةٍ ويومٍ حَضَرَ مِنهُ خَيراً ممّا مضى قَبلهُ ، وضاعِف لَنا خَيرَ ذلك وَفَضلَهُ حتى نَكون مُجتَهِدينَ بالاعمالِ والاقوالِ ، في زياداتِ الكمالِ والاقبالِ ، ومُتعوّضينَ من نُقصانِ الاعمارِ بانقِضاءِ اللَّيلِ والنَّهار ، بما نَظهَرُ بهِ مِنَ الاستِظهارِ لِلمَقامِ تحتَ التُرابِ والاحجارِ ، وَلِدفعِ هوال يَومِ الاخطارِ ، وَلِعمارةِ دارِ القرارِ.

فأدخِلنا في شَهرِنا هذا مَدخَلَ صدقٍ ، واقِمنا بهِ مَقامَ صِدقٍ ، وَأخرِجنا مخرَجَ صِدقٍ ، واجعَل لَنا مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصِيراً ، وَزِدنا في

٣٩

الدنيا اِنعاماً كثيراً ، وفي الاخرةِ نَعيماً ومُلكاً كَبيراً ، وابدَأ في ذلكَ بمن تُريدُ تقديمَهُ في الدُعآءِ عَلَينا ، وأنزِل عَلينا وكُلّ مُحسنٍ الينا رَحمَتَكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ.

وأما الصلاة في أول ليلة من الشهر ، فانني وجدت في بعض الروايات عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه أفضل الصلوات : ان من صلّى أول ليلة من الشهر وقرأ سورة الانعام في صلاته في ركعتين ، ويسأل الله تعالى أن يكفيه كل خوف ووجع امن في بقية ذلك الشهر مما يكرهه(١) باذن الله تعالى.

أقول : وأما ما يعمله عند وقت رؤية الهلال من يخاف من عدو يؤذيه ببعض الاهوال ، فاننا روينا : عن محمد بن قرة ـ باسناده ـ قال : روي عن النبي صلوات الله عليه أنه قال : « إذا خفت أحدا فأردت أن تكفى أمره وشره ـ أو كما قالعليه‌السلام ـ فاعتمد ليلة الهلال كأنك تومئ اليه بالخطاب وقل :( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) (٢) فاحترقت ( ثلاثا ) ، وتومئ بهذه الكلمة نحو دار الرجل الذي تخافه ( وتقول ) : اللّهمَّ(٣) طُمَّهُ بالبلاءِ طَمَّاً ، وعُمَّهُ بالبلاءِ عَمّاً ، وارمِهِ بحجارَةٍ من سِجّيلٍ ، وَطَيركَ الابابِيلِ ، يا عليُّ يا عَظِيمُ.

ثم تقول مثل ذلك في الليلة الثانية من الشهر والليلة الثالثة ، فان نجع وبلغ ما تريده في الشهر الاول ، والا فعلمت مثل ذلك في الشهر الثاني ، تلتمس

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٣٣ / ١.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٦.

(٣) اثبتناها من نسخة « ن ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317