المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى42%

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 137

  • البداية
  • السابق
  • 137 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70234 / تحميل: 6445
الحجم الحجم الحجم
المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

العالم بالشيء اللطيف ، كالبعوضة وخلقه إياها(٧٣) . وأنّه لا يدرك ولا يحدّ ، وفلان لطيف في أمره إذا كان متعمقاً متلطفاً لا يدرك أمره ، وليس معناه أنه تعالى صغر ودقّ.

وقال الهروي(٧٤) في الغريبين(٧٥) : اللطيف من أسمائه تعالى وهو الرفيق بعباده يقال : لطف له يلطف إذا رفق به ، ولطف الله بك أي : أوصل إليك مرادك برفق ، واللطيف منه ، فأما لطف يلطف فمعناه صغر ودقّ.

الخبير :

هو العالم بكنه الشيء المطلع على حقيقته ، والخبر : العلم ، ولي بكذا خبر أي : علم ، واختبرت كذا ، بلوته.

الحليم :

ذو الحلم والصفح والأناة ، وهو : الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يسارع إلى الانتقام مع غاية قدرته ، ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم ، إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة.

* * *

__________________

رياض العلماء ٥ : ١١٩ ، الكنى والألقاب ١ : ٢١٢ ، تنقيح المقال ٣ : ١٥٤.

(٧٣) التوحيد : ١٩٤ حديث ٧ باختلاف.

(٧٤) أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ، أخذ عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة معمر بن المثنى وأبي محمد اليزيدي وغيرهم ، له عدّة مصنّفات ، منها : غريب القرآن ـ منتزع من عدّة كتب ، جاء فيه بالآثار وأسانيدها وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء ـ وغريب الحديث ، وهو منتزع أيضاً من عدة كتب مع ذكر الأسانيد ، وصنف المسند على حدته ، وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين على حدته ، مات سنة ( ٢٢٣ ه‍ ) وقيل غير ذلك.

تاريخ بغداد ١٢ : ٤٠٣ ، معجم الاُدباء ١٦ : ٢٥٤ ، وفيات الأعيان ٤ : ٦٠.

(٧٥) المراد من المغريبين : غريب القرآن مخطوط ، وغريب الحديث مطبوع ولم أجده فيه.

٤١

العظيم :

قال الشهيد : هو الذي لا تحيط بكنهه العقول(٧٦) .

وقال البادرائي : هو ذو العظمة والجلال ، أي : عظيم الشأن جليل القدر ، دون العظم الذي هو من نعوت الأحسام.

وقيل : إنّه تعالى سمي العظيم ، لأنّه الخالق للخلق العظيم ، كما أنّ معنى اللطيف هو الخالق للخلق اللطيف.

العفوّ :

هو المحّاء للذنوب ، وهو فعول من العفو ، وهو : الصفح عن الذنب وترك مجازاة المسيء. وقيل : هو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته ومحته.

الغفور :

الذي تكثر منه المغفرة ، أي : يغفر الذنوب ويتجاوز عن العقوبة ، واشتقاقه من الغفر وهو الستر والتغطية ، وسمي المغفر به لستره الرأس.

وفي العفوّ مبالغة أعظم من الغفور ، لأن ستر الشيء قد يحصل مع بقاء أصله ، بخلاف المحو ، فإنه إزالة رأساً وجملة. ويقال : ما فيهم غفيرة ، أي : لا يغفرون ذنباً لأحد.

الشكور :

الذي يشكر اليسير من الطاعة ، ويثيب عليه الكثير من الثواب ، ويعطي الجزيل من النعمة ، ويرضى باليسير من الشكر ، قال تعالى :( إنّ ربّنا لغفور

__________________

(٧٦) القواعد والفوائد : ٢ : ١٦٨.

٤٢

شكور ) (٧٧) وهما اسمان مبنيّان للمبالغة.

ولما كان تعالى مجازياً للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه ، جعل مجازاته شكراً لهم على سبيل المجاز ، كما سمّيت المكافأة شكراً.

العليّ :

الذي لا رتبة فوق رتبته ، أو المنزّه عن صفات المخلوقين ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم(٧٨) .

الكبير :

ذو الكبرياء(٧٩) في كمال الذات والصفات ، وهو الموصوف بالجلال وكبر الشأن. ويقال : هو الذي كبر عن شبه المخلوقين ، وصغر دون جلاله كلّ كبير. وقيل : الكبير : السيد ، ويقال لكبير القوم سيدهم.

الحفيظ :

الحافظ لدوام الموجودات والمزيل تضاد العنصريات بحفظها عن الفساد ، فهو تعالى يحفظ السماوات والأرض وما بينهما ، ويحفظ عبده من المهالك

__________________

(٧٧) فاطر ٣٥ : ٣٤.

(٧٨) في هامش (ر) : « والفرق بين العلي والرفيع : أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وبمعنى علوّ المكان ، والرفيع من رفع المكان لا غير ، ولذلك لا يوصف سبحانه بأنه رفيع القدر والشأن ، ذكر ذلك الكفعمي : إبراهيم بن علي الجبعي عفى الله تعالى عنه ، في كتابه جُنّة الأمان الواقية وجّنة الإيمان الباقية. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : جنّة الأمان الواقعية ـ المصباح ـ : ٣٢٤ ، وفيه : « والرفيع من رفع المكان لا غير ، ولذلك لا يوصف تعالى به ، بلى يوصف بأنه رفيع القدر والشأن » وما في نسخة (ر) هو الصحيح.

(٧٩) في هامش (ر) : « الكبرياء : العظمة والسلطان ، والكبرياء أيضاً : الملك ، لأنّه أكبر ما يطلب من اُمور الدنيا ، والأصل أن الكبرياء : استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب ، والملوك موصوفون بالكبر ، قاله المطرزي. منهرحمه‌الله ».

٤٣

والمعاطب.

قال بعضهم : الحفيظ وضع للمبالغة ، فتفسيره بالحافظ فيه هظم لذلك الاسم.

المقيت :

المقتدر ، وأقات على الشيء : اقتدر عليه.

قال :

وذي ضغن كففت النفس عنه

وكنت على مساءته مقيتا

والمقيت : معطي القوت ، والمقيت : الحافظ للشيء والشاهد عليه ، والمقيت : الموقوف على الشيء.

قال :

إليَّ الفضل أم عليَّ إذا

حوسبت إني على الحساب مقيتُ

أي : إنّي على الحساب موقوف ، والمعاني الأربع الاُول كلّها صادقة عليه تعالى ، بخلاف الخامس.

الحسيب :

الكافي ، وهو فعيل بمعنى مفعل كأليم بمعنى مؤلم ، من قولهم أحسَبَني أي : أعطاني ما كفاني ، وحسبك درهم أي : كفاك ، ومنه :( حسبكَ اللهُ ومن اتبعك ) (٨٠) أي : هو كافيك.

والحسيب : المحاسب أيضاً ، ومنه قوله تعالى :( كفى بنفسكَ اليومَ عليكَ حسيباً ) (٨١) أي : محاسباً. والحسيب أيضاً : المحصي والعالم.

__________________

اُنظر : المغرب ٢ : ١٤٠ ، وفيه : « وكبرياء الله : عظمته » ولم ترد العبارة بأكملها.

(٨٠) الأنفال ٨ : ٦٤.

(٨١) الاسراء ١٧ : ١٤.

٤٤

الجليل :

الموصوف بصفات الجلال ، من الغنى والملك والقدرة والعلم والتقدّس عن النقائص ، فهو : الجليل الذي يصغر دونه كلّ جليل ، ويتضع معه كل رفيع.

الكريم :

في اللغة الكثير الخير ، والعرب تسمّي الشيء الذي يدوم نفعه ويسهل تناوله كريماً ، ومن كرمه تعالى : أنه يبتدئ بالنعمة من غير استحقاق ، ويغفر الذنب ويعفو عن المسيء.

وقيل : الكريم الجواد المفضل ، يقال : رجل كريم أي : جواد. وقيل : هو العزيز ، كقولهم : فلان أكرم من فلان ، أي : اعزّ منه ، وقوله تعالى :( إنهُ لقرآنٌ كريمُ ) (٨٢) أي : عزيز.

الرقيب :

الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، ومنه قوله تعالى :( ما يلفظُ من قولٍ إلاّ لديه رقيب ) (٨٣) معناه أي : حافظ ، والعتيد : المهيّأ الحاضر.

وقال الشهيد : الرقيب : الحفيظ العليم(٨٤) .

المجيب :

هو الذي يجيب المضطرّ ويغيث الملهوف إذا دعياه.

* * *

__________________

(٨٢) الواقعة ٥٦ : ٧٧.

(٨٣) ق ٥٠ : ١٨.

(٨٤) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩.

٤٥

القريب :

هو المجيب ، ومنه :( اُجيبُ دعوة الداعِ ) (٨٥) أي : قربت من دعائه ، وقد يكون بمعنى العالم بوساوس القلوب لا حجاب بينها وبينه تعالى ولا مسافة ، ومنه :( ونحنُ أقربُ إليه من حبلِ الوريدِ ) (٨٦) .

الواسع :

الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ، ووسع رزقه جميع خلقه ، والسعة في كلام العرب : الغنى ، ومنه :( لينفق ذو سعةٍ من سعتهِ ) (٨٧) وقيل : هو المحيط بعلم كلّ شيء ، ومنه :( وسعَ كلَّ شيءٍ علماً ) (٨٨) .

وفي كتاب منتهى السّؤول : الواسع مشتق من السعة ، والسعة تضاف تارة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة ، وتضاف اُخرى إلى الإحسان وبسط النعم ، وكيف ما قدّر وعلى أي شيء نزّل ، فالواسع المطلق هو الله تعالى ، لأنّه إن نظر إلى علمه فلا ساحل لبحره ، بل تنفد البحار لو كانت مداداً لكلماته ، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لها ، وكل نعمة تكون من غيره وإن عظمت فهي متناهية ، فهو أحقّ بإطلاق اسم السعة عليه.

الغني :

هو الذي استغنى عن الخلق وهم إليه محتاجون ، فلا تعلق له لغيره لا في ذاته ولا في شيء من صفاته ، بل يكون منزّهاً عن العلاقة مع الغير ، فمن تعلقت

__________________

(٨٥) البقرة ٢ : ١٨٦.

(٨٦) ق ٥٠ : ١٦.

(٨٧) الطلاق ٦٥ : ٧.

(٨٨) طه ٢٠ : ٩٨.

٤٦

ذاته أو صفاته بأمر خارج عن ذاته يتوقف في وجوده أو كماله عليه ، فهو محتاج إلى ذلك الأمر ، ولا يتصور ذلك في الله تعالى.

المغني :

الذي جبر مفاقر الخلق وأغناهم عمن سواه بواسع الرزق.

الحكيم(٨٩) :

هو المحكم خلق الأشياء ، والإحكام هو : اتقان التدبير وحسن التصوير والتقدير. وقيل : الحكم العادل ، والحكمة لغة : العلم ، ومنه :( يؤتي الحكمة من يشاءُ ) (٩٠) والحكيم أيضاً : الذي لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب ، والذي يضع الأشياء مواضعها.

الودود :

الذي يودّ عباده ، أي : يرضى عنهم ويقبل أعمالهم ، مأخوذ من الودّ وهو المحبة. أو يكون بمعنى : أن يودّهم إلى خلقه ، ومنه :( سيجعلُ لهمُ الرحمنُ ودّاً ) (٩١) أي : محبته في قلوب العباد. أو يكون فعول هذا بمعنى مفعول ، كمهيب بمعنى مهيوب ، يريد : أنه مودود في قلوب أوليائه بما ساق إليهم من المعارف وأظهر لهم من الألطاف.

__________________

(٨٩) في هامش (ر) : « الحكيم يحتمل أمرين ، الأول : أنه تعالى بمعنى العالم [ لأن العالم ] بالشيء يسمّى حكيماً ، فعلى هذا يكون من صفات الذات ، مثل العالم ، ويوصف بهما فيما لم يزل. الثاني : أن معناه المحكم لأفعاله ، ويكون فعيل بمعنى مفعل ، وعلى هذا يكون من صفات الأفعال ، ومعناه : أن أفعاله سبحانه كلّها حكمة وصواب ، ولا يوصف بذلك فيما لم يزل ، وعن ابن عباس : العليم الذي كمل في علمه ، و [ الحكيم ] الذي كمل في حكمته ، قاله الطبرسي في مجمعه. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : مجمع البيان ١ : ٧٨ ، باختلاف وزيادة أدخلنا بعضها في المتن بين معقوفتين.

(٩٠) البقرة ٢ : ٢٦٩.

(٩١) مريم ١٩ : ٩٦.

٤٧

المجيد الماجد :

بمعنى ، والمجد : الكرم ، قاله الجوهري(٩٢) . والمجيد : الواسع الكرم ، ورجل ماجد إذا كان سخياً واسع العطاء.

وقيل : هو الكريم العزيز ، ومنه قوله تعالى :( بل هو قرآن مجيد ) (٩٣) أي : كريم عزيز.

وقيل : معنى مجيد أي : ممجد ، أي : مجّده خلقه وعظموه ، قال ابن فهد في عدته(٩٤) .

وقال الهروي في قوله تعالى :( ق والقرآن المجيد ) (٩٥) والمجد في كلامهم : الشرف الواسع ، ورجل ماجد : مفضال كثير الخير ، ومجدت الإبل : إذا وقعت في مرعى كثير واسع.

وقال الشهيد : المجيد هو الشريف ذاته الجميل فعاله ، قال : والماجد مبالغة في المجد(٩٦) .

الباعث :

محيي الخلق في النشأة الاُخرى وباعثهم للحساب.

الشهيد :

الذي لا يغيب عنه شيء ، وقد يكون الشهيد بمعنى العليم ، ومنه :( شهدَ

__________________

(٩٢) الصحاح ٢ : ٥٣٦ ، مجد.

(٩٣) البروج ٨٥ : ٢١.

(٩٤) عدّة الداعي : ٣٠٩.

(٩٥) ق ٥٠ : ١.

(٩٦) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٩.

٤٨

الله أنّه لا إله إلاّ هو ) (٩٧) أي : علم.

الحقّ :

هو المتحقّق وجوده وكونه ، وكل شيء تحقق وجوده وكونه فهو حقّ ، ومنه :( الحاقّةُ ما الحاقةُ ) (٩٨) أي : الكائنة حقاً لا شك في كونها ، وقولهم : الجنة حقّ أي : كائنة ، وكذلك النار.

الوكيل :

هو الكافي ، أو الموكول إليه جميع الاُمور.

وقيل : هو الكفيل بأرزاق العباد والقائم بمصالحهم ، ومنه :( حسبنا الله ونعمَ الوكيلُ ) (٩٩) أي : نعم الكفيل باُمورنا القائم بها. وقد يكون بمعنى المعتمد والملجأ ، والتوكّل : الاعتماد والالتجاء.

القويّ :

القادر ، من قوي على الشيء إذا قدر عليه ، أو الذي لا يستولي عليه العجز والضعف في حال من الأحوال ، وقد يكون معناه : التامّ القوة.

المتين :

هو الشديد القوة الذي لا يعتريه وهن ، ولا يمسّه لغوب ، ولا يلحقه في أفعاله مشقة.

* * *

__________________

(٩٧) آل عمران ٣ : ١٨.

(٩٨) الحاقة ٦٩ : ١ ـ ٢.

(٩٩) آل عمران ٣ : ١٧٣.

٤٩

الوليّ :

هو المستأثر بنصر عباده المؤمنين ، ومنه :( الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرينَ لا مولى لهم ) (١٠٠) أي : لا ناصر لهم. أو يكون بمعنى : المتولّي للأمر القائم به(١٠١) .

المولى :

قد قيل فيه ما مرّ من المعنيين المتقدمين في الولي. أو يكون بمعنى الأولى ، ومنه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألست أولى منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه(١٠٢) . أي : من كنت أولى منه بنفسه فعلي أولى منه بنفسه ، وقوله تعالى :( مأواكُم النارُ هي مولاكمُ ) (١٠٣) أي : أولى بكم.

الحميد :

هو المحمود الذي استحقّ الحمد بفعاله في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء.

__________________

(١٠٠) محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤٧ : ١.

(١٠١) في هامش (ر) : « ووليّ الطفل : هو الذي يتولّى إصلاح شأنه ( والله وليّ المؤمنين [ ٣ : ٦٨ ] ) لأنّه المتولّي لإصلاح شؤونهم في الدارين ، وفي الحديث : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ، وروي وليّها ، قال الفراء : المولى والولي واحد ، وقوله : ( أنت وليّي في الدنيا والآخرة [ ١٢ : ١٠١ ] ) أي : المتولّي أمري والقائم به ، والولي والوالي والمولى والمتولّي : الناصر ، و ( أولياء الشيطان [ ٤ : ٧٦ ] ) أنصاره ، وقوله : ( ومن يتولّهم منكم [ ٥ : ٥١ و٩ : ٢٣ ] ) أي : من يتبعهم وينصرهم. منهرحمه‌الله ».

(١٠٢) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة عند المسلمين كافة. اُنظر ترجمة الإمام علي ـعليه‌السلام ـ من تاريخ دمشق ٢ : ٥ ، والبحار ٣٧ : ١٠٨ ، وإحقاق الحق ٤ : ٣٦ ، وكتاب الغدير للعلاّمة الأميني وغيرها.

(١٠٣) الحديد ٥٧ : ١٥.

٥٠

المحصي :

الذي أحصى كلّ شيء بعلمه ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة.

المبدئ المعيد :

فالمبدئ الذي أبدأ الأشياء اختراعاً وأوجدها.

والمعيد الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات ، ثم يعيدهم بعد الممات إلى الحياة ، لقوله تعالى :( وكنتم أمواتاً فأحياكم ثمَّ يميتكم ثُمّ يُحييكم ثمَّ إليهِ تُرجعونَ ) (١٠٤) ولقوله :( هو يبدئ ويعيدُ ) (١٠٥) .

المحيي المميت :

فالمحيي هو : الذي يحيي النطفة الميتة فيخرج منها النسمة الحية ، ويحيي الأجسام بإعادة الأرواح إليها للبعث.

والمميت : هو الذي يميت الأحياء ، تمدّح سبحانه بالإماتة كما تمدّح بالإحياء ، ليعلم أنّ الإحياء والإماتة من قبله.

الحيّ :

هو الذي لم يزل موجوداً وبالحياة موصوفاً ، لم يحدث له الموت بعد الحياة ولا العكس ، قاله البادرائي.

وفي منتهى السؤول : أنه الفعّال المدرك ، حتّى أن ما لا فعل له ولا إدراك فهو ميّت ، وأقل درجات الإدراك أن يشعر المدرك نفسه ، فالحيّ الكامل هو الذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه ، حتى لا يشذّ عن علمه مدرك ولا

__________________

(١٠٤) البقرة ٢ : ٢٨.

(١٠٥) البروج ٨٥ : ١٣.

٥١

عن فعله مخلوق ، وكلّ ذلك لله تعالى ، فالحيّ المطلق هو الله تعالى.

القيّوم :

هو القائم الدائم بلا زوال بذاته ، وبه قيام كلّ موجود في إيجاده وتدبيره وحفظه ، ومنه قوله :( أفمن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت ) (١٠٦) أي : يقوم بأرزاقهم وآجالهم وأعمالهم. وقيل : هو القيم على كل شيء بالرعاية له.

ومثله : القيّام ، وهما من فيعول وفيعال ، من قمت بالشيء إذا توليته بنفسك وأصلحته ودبرته ، وقالوا : ما فيها ديّور ولا ديّار(١٠٧) .

وفي الصحاح : أن عمر(١٠٨) قرأ : الحي القيّام ، قال وهو لغة(١٠٩) .

الواجد :

أي : الغني ، مأخوذ من الجدّ ، وهو : الغنى والحظ في الرزق ، ومنه قولهم في الدعاء : ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد ، أي : من كان ذا غنى وبخت في الدنيا لم ينفعه ذلك عندك في الآخرة ، إنّما ينفعه الطاعة والإيمان ، بدليل :( يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ ) (١١٠) .

أو يكون مأخوذاً من الجدة ، وهي : السعة في المال والمقدرة ، ورجل واجد أي : غني بين الوجد والجدة ، وافتقر بعد وجد ، ووجد بعد فقر ، وقوله تعالى :( أسكنوهنَّ من حيثُ سكنتمُ من وجدكم ) (١١١) أي : سعتكم ومقدرتكم.

__________________

(١٠٦) الرعد ١٣ : ٣٣.

(١٠٧) اُنظر : عدة الداعي : ٣٠٨.

(١٠٨) أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ، روى عن النبي وعن أبي بكر وأبي بن كعب ، روى عنه أولاده وغيرهم ، قتل سنة ( ٢٣ ه‍ ).

طبقات الفقهاء ١٩ ، اسد الغابة ٤ : ٥٢ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٤٣٨.

(١٠٩) الصحاح ٥ : ٢٠١٨ ، قوم. وقال الزمخشري في الكشّاف ١ : ٣٨٤ : « وقرئ القيام والقيم ».

(١١٠) الشعراء ٢٦ : ٨٨.

(١١١) الطلاق ٦٥ : ٦.

٥٢

وقد يكون الواجد : هو الذي لا يعوزه شيء ، والذي لا يحول بينه وبين مراده حائل من الوجود.

الواحد الأحد :

هما دالان على معنى الوحدانية وعدم التجزي.

قيل : والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو : الفرد الذي لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء.

و قيل : الفرق بينهما من وجوه :

أ ـ أنّ الواحد يدخل الحساب ، ويجوز أن يجعل له ثانياً ، لأنه لا يستوعب جنسه ، بخلاف الأحد ، ألا ترى أنك لو قلت : فلان لا يقاومه واحد من الناس ، جاز أن يقاومه اثنان ، ولو قلت : لا يقاومه أحد ، لم يجز أن يقاومه أكثر ، فهو أبلغ ، قاله الطبرسي(١١٢) .

قلت : لأنّ أحداً نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة ، قال تعالى :( لستنَّ كأحدٍ من النساء ) (١١٣) ولم يقل كواحدة ، لما ذكرناه.

ب : قال الأزهري(١١٤) : الفرق بينهما أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد.

ج : قال الشهيد : الواحد يقتضي نفي الشريك بالنسبة إلى الذات ، والأحد يقتضي نفي الشريك بالنسبة إلى الصفات(١١٥) .

__________________

(١١٢) مجمع البيان ٥ : ٥٦٤ باختلاف.

(١١٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٢.

(١١٤) أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح الأزهري الهروي ، أحد الأئمة في اللغة والأدب ، روى عن أبي الفضل محمد بن أبي جعفر المنذري عن ثعلب وغيره ، له عدّة مصنّفات ، منها : تفسير أسماء الله عزّ وجلّ ، والظاهر أن الكفعمي نقل قول الأزهري من هذا الكتاب ، مات سنة ( ٣٧٠ ه‍ ).

وفيات الأعيان ٤ : ٣٣٤ ، معجم الاُدباء ١٧ : ١٦٤ ، أعلام الزركلي ٥ : ٣١١.

(١١٥) القواعد والفوائد ٢ : ١٧١ ، وفيه : « وقيل الفرق بينهما : أن الواحد هو المنفرد بالذات لا يشابهه

٥٣

د : قال صاحب العدة : إن الواحد أعم مورداً ، لكونه يطلق على من يعقل وغيره ، ولا يطلق الأحد إلاّ على من يعقل(١١٦) .

الصمد :

السيد الذي يصمد إليه في الحوائج ، أي : يقصد ، وأصل الصمد : القصد.

قال :

ما كنتُ أحسبُ أنّ بيتاً طاهراً

لله في أكنافِ مَكّة يَصمِدُ

وقيل : هو الباقي بعد فناء الخلق.

وعن الحسينعليه‌السلام : الصمد الذي انتهى إليه السؤدد ، والدائم ، والذي لا جوف له ، والذي لا يأكل ولا يشرب ولا ينام(١١٧) .

قال وهب(١١٨) : بعث أهل البصرة إلى الحسينعليه‌السلام يسألونه عن الصمد ، فقال : إنّ الله قد فسّره ، فقال :( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ) (١١٩) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ، ولا لطيف كالنفس ، ولا تنبعث منه البدورات كالنوم والغمّ والرجاء والرغبة والشبع والخوف وأضدادها ، وكذا هو لا يخرج من كثيف كالحيوان والنبات ، ولا لطيف كالبصر وسائر الآلات(١٢٠) .

__________________

أحد ، والأحد المتفرد بصفاته الذاتية ، بحيث لا يشاركه فيها أحد ».

(١١٦) عدّة الداعي : ٣٠٠.

(١١٧) التوحيد : ٩٠ حديث ٣ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٥ ، باختلاف.

(١١٨) أبو البختري وهب بن وهب بن عبدالله القرشي ، من الضعفاء ، يروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، له عدّة كتب ، منها : الألوية والرايات ، وكتاب مولد أمير المؤمنين ، وكتاب صفات النبي وغيرها.

تنقيح المقال ٣ : ٢٨١ ، معجم رجال الحديث ١٩ : ٢١١.

(١١٩) الإخلاص ١١٢ : ٣ ـ ٤.

(١٢٠) التوحيد ٩١ حديث ٥ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، باختلاف.

٥٤

ابن الحنفية(١٢١) : الصمد هو القائم بنفسه الغني عن غيره(١٢٢) .

زين العابدينعليه‌السلام : هو الذي لا شريك له ، ولا يؤوده حفظ شيء ، ولا يعزب عنه شيء(١٢٣) .

زيد بن علي(١٢٤) : هو الذي( إذا أرادَ شيئاً أن يقول لهُ كُن فيكونُ ) (١٢٥) وهو الذي أبدع الأشياء أمثالاً وأضداداً وباينها(١٢٦) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : قدم على أبي الباقرعليه‌السلام وفد من فلسطين(١٢٧) بمسائل منها الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، هو خمسة أحرف :

الألف : دليل على إنّيّته ، وذلك قوله تعالى :( شهد الله أنّه لا إله إلاّ

__________________

(١٢١) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب اُمّه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع ، شديد القوة ، وحديث منازعته في الإمامة مع علي بن الحسينعليه‌السلام وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر له مشهور ، بل في بعضها : وقوعه على قدمي السّجادعليه‌السلام بعد شهادة الحجر له ولم ينازعه بعد ذلك بوجه ، توفي سنة ( ٨٠ ه‍ ) وقيل ( ٨١ ه‍ ).

الطبقات الكبرى ٥ : ٩١ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٦٩ ، تنقيح المقال ٣ : ١١٥.

(١٢٢) التوحيد : ٩٠ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٥.

(١٢٣) التوحيد : ٩٠ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٥.

(١٢٤) أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، من أصحاب السجاد والباقر ، اتفق علماء الإسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله ، وقد روي في ذلك أخبار كثيرة ، حتى عقد ابن بابويه في العيون باباً لذلك ، وأنّ خروجه ـ طلباً بثارات الحسين ـ كان بإذن الإمامعليه‌السلام ، واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة ولم يكن يريدها لمعرفته باستحقاق أخيه لها ، استشهد مظلوماً سنة ( ١٢٠ ه‍ ) وقيل : ( ١٢١ ه‍ ) ولمّا بلغ خبر استشهاده أبا عبداللهعليه‌السلام حزن له حزناً شديداً عظيماً حتى بان عليه.

تنقيح المقال ٣ : ٤٦٧ ، معجم رجال الحديث ٧ : ٣٤٥.

(١٢٥) يس ٣٦ : ٨٢.

(١٢٦) التوحيد : ٩٠ حديث ٤ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٥.

(١٢٧) بالكسر ثم الفتح وسكون السين ، آخر كور الشام من ناحية مصر ، قصبتها البيت المقدّس ، ومن مشهور مدنها عسقلان والرملة وغزة.

معجم البلدان ٤ : ٢٧٤.

٥٥

هو ) (١٢٨) .

واللام : تنبيه على إلهيّته. وهما مدغمان لا يظهران ولا يسمعان ، بل يكتبان ، فإدغامهما دليل لطفه ، والله تعالى لا يقع في وصف لسان ولا يقرع الأذان ، فإذا فكّر العبد في إنّيّة الباري تعالى تحيّر ولم يخطر له شيء يتصوّر ، مثل لام الصمد لم تقع في حاسة ، وإذا نظر في نفسه لم يرها ، فإذا فكّر في أنّه الخالق للأشياء ظهر له ما خفي ، كنظره إلى اللام المكتوبة.

والصاد : دليل صدقة في كلامه ، وأمره بالصدق لعباده.

والميم : دليل ملكه الذي لا يحول ، وأنه ملك لا يزول.

والدال : دليل دوامه المتعالي عن الزوال(١٢٩) .

القدير القادر :

بمعنى ، غير أن القدير مبالغة في القادر(١٣٠) ، وهو الموجد للشيء اختياراً من غير عجز ولا فتور.

__________________

(١٢٨) آل عمران ٣ : ١٨.

(١٢٩) التوحيد ٩٠ ـ ٩٢ حديث ٥ ، مجمع البيان ٥ : ٥٦٦ ، باختلاف.

(١٣٠) في هامش (ر) : « والقدير [ الذي ] قدرته لا تتناهي ، فهو أبلغ من القادر ، ولهذا لا يوصف به غير الله تعالى ، والقدرة هي التمكن من إيجاد الشيء ، وقيل : قدرة الإنسان : هيئة يتمكن بها من الفعل ، وقدرة الله تعالى : عبارة عن نفي العجز عنه ، والقادر : هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك ، والقدير : الفعّال لما يشاء على ما يشاء ، واشتقاق القدرة من القدر ، لأنّ القادر يوقع الفعل على مقدار ما تقتضيه مشيّته ، وفيه دليل على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى ، لأنه شيء وكلّ شيء مقدور له تعالى ، قاله البيضاوي في تفسيره. وقال الطبرسي ـ قدّس الله سرّه ـ في كتابه مجمع البيان في قوله تعالى :( إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير [ ٢ : ٢٠ ]) إنّه عام ، فهو قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه : على المعدومات بأن يوجدها ، وعلى الموجودات بأن ينفيها ، وعلى مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه ، وقيل : هو خاص في مقدوراته دون مقدور غيره ، فإن مقدوراً واحداً بين قادرين لا يمكن ، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الشيء الواحد موجوداً معدوماً في حالة واحدة ، ولفظة كلّ قد تستعمل في غير العموم ، نحو قوله تعالى :( تدمّر كل شيء بأمر ربّها [ ٤٦ :٢٥ ]) يعني : تهلك كلّ شيء مرّت به من الناس والدواب والأنعام ، لا من غيرهم. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : أنوا ر التنزيل وأسرار التأويل ١ : ٣٠ ـ ٣١ باختلاف ، مجمع البيان ١ : ٥٩ باختلاف.

٥٦

وفي منتهى السَّؤول : القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وليس من شرطه أن يشاء(١٣١) ، لأنّ الله قادر على إقامة القيامة الآن ، لأنّه لو شاء أقمها وإن كان لا يقيمها الآن ، لأنّه لم يشأ إقامتها الآن ، لما جرى في سابق علمه من تقدير أجلها ووقتها ، فذلك لا يقدح في القدرة ، والقادر المطلق هو الذي يخترع كلّ موجود اختراعاً يتفرد به ، ويستغني فيه عن معاونة غيره ، وهو الله تعالى.

المقتدر :

هو التام القدرة الذي لا يطاق الامتناع عن مراده ولا الخروج عن إصداره وإيراده.

وقال الشهيد : المقتدر أبلغ من القادر لاقتضائه الإطلاق ، ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى(١٣٢) .

المقدّم المؤخّر :

هو المنزّل الأشياء منازلها ، ومرتّبها في التكوين والتصوير والأزمنة على ما تقتضيه الحكمة ، فيقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء.

الأول الآخر :

فالأول هو : الذي لا شيء قبله ، الكائن قبل وجود الأشياء.

والآخر : الباقي بعد فناء الخلق بلا انتهاء ، كما أنه الأول بلا ابتداء ، وليس معنى الآخر ما له الانتهاء ، كما ليس معنى الأول ما له الابتداء.

* * *

__________________

(١٣١) في هامش (ر) : « أي : ليس القدرة مشروطة بأن يشاء ، حتى إذا لم يكن يشاء لم يكن قادراً ، بل هو جلّت عظمته قادر مطلقاً من غير اعتبار المشيّة وعدمها. منهرحمه‌الله ».

(١٣٢) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٢.

٥٧

الظاهر الباطن :

فالظاهر أي : بحججه الظاهرة وبراهينه الباهرة الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته ، فلا موجود إلاّ وهو يشهد بوجوده ، ولا مخترع إلاّ وهو يعرب عن توحيده.

وفي كلّ شيء له آية

تدلّ على أنّه واحــدُ

وقد يكون الظاهر بمعنى : العالي ، ومنه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت الظاهر فليس فوقك شيء.

وقد يكون بمعنى : الغالب ، ومنه قوله تعالى :( فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين ) (١٣٣) .

والباطن : المتحجب عن إدراك الأبصار وتلوث الخواطر والأفكار ، وقد يكون بمعنى : البطون وهو الخبر ، وبطنت الأمر عرفت باطنه ، وبطانة الرجل : وليجته الذين يطلعهم على سرّه.

والمعنى : أنه عالم بسرائر القلوب والمطلع على ما بطن من الغيوب.

الضارّ النافع :

أي : يملك الضر والنفع ، فيضرّ من يشاء وينفع من يشاء.

وقال الشهيد : معناهما أنه تعالى خالق(١٣٤) ما يضرّ وينفع(١٣٥) .

المقسط :

هو العادل في حكمه الذي لا يجور ، والسقط بالكسر : العدل ، ومنه قوله

__________________

(١٣٣)الصف ٦١ : ١٤.

(١٣٤) في المصدر : أي خالق.

(١٣٥) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٣.

٥٨

تعالى :( قائماً بالقسط ) (١٣٦) وقوله :( ذلكم أقسط ) (١٣٧) أي : أعدل.

وأقسط : إذا عدل ، وقسط بغير ألف : إذ جار ، ومنه :( وأما القاسطون فكانوا لجهنّمّ حطباً ) (١٣٨) .

الجامع :

الذي يجمع الخلائق ليوم القيامة ، أو الجامع للمتباينات والمؤلف بين المتضادات ، أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء ، ويقال : الجامع الذي قد جمع الفضائل وحوى المكارم والمآثر.

البرّ :

بفتح الباء ، وهو : العطوف على العباد ، الذي عمّ برّه جميع خلقه : ببرّه المحسن بتضعيف الثواب ، والمسيء بالعفو عن العقاب وبقبول التوبة. وقد يكون بمعنى الصادق ، ومنه : برّ في يمينه ، أي : صدق.

وبكسر الباء ، قال الهروي : هو الاتساع والأحسان والزيادة ، ومنه سمّيت البريّة لاتساعها ، وقوله :( لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون ) (١٣٩) البر : الجنّة.

قال الجوهري : والبرّ بالكسر خلاف العقوق ، وبررت والدي بالكسر أي : اطعته ، ومن كسر باء البرّ في اسمه تعالى فقد وهم(١٤٠) .

قال الحريري(١٤١) في كتابه درة الغواص : وقولهم برّ والدك وشمّ يدك

__________________

(١٣٦) آل عمران ٣ : ١٨.

(١٣٧) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(١٣٨) الجنّ ٧٢ : ١٥.

(١٣٩) آل عمران ٣ : ٩٢.

(١٤٠) الصحاح ٢ : ٥٨٨ برر ، باختلاف.

(١٤١) أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري ، قرأ الأدب على أبي القاسم الفضل بن

٥٩

وهمٌ ، والصواب فتح الباء والشين(١٤٢) ، لأنهما مفتوحان في قولك : يبرّ ويشمّ ، وعقد هذا الباب : أن حركة أول فعل الأمر من [ جنس ](١٤٣) حركة ثاني الفعل المضارع إذا كان متحركاً ، فتفتح الباء في قولك : برّ أباك ، لانفتاحها في قولك : يبرّ ، وتضمّ الميم في قولك : مدّ الحبل ، لانضمامها في قولك : يمدّ ، وتكسر الخاء في قولك : خف في العمل ، لانكسارها في قولك : يخف(١٤٤) (١٤٥) .

* * *

__________________

محمد القصباني ، له عدّة مصنّفات ، منها : درّة الغواص في أوهام الخواصّ ، وهو عبارة عن ذكر الأوهام التي وقعت لبعض الأعلام مع ذكر ما هو الصواب لها ، مات سنة ( ٥١٦ ه‍ ).

المنتظم ٩ : ٢٤١ ، معجم الاُدباء ١٦ : ٢٦١ ، وفيات الأعيان ٤ : ٦٣ ، النجوم الزاهرة ٥ : ٢٢٥.

(١٤٢) في المصدر : « ويقولون للمأمور بالبرّ والشمّ : بِرّ والدك بكسر الباء ، وشُمّ يدك بضمّ الشين ، والصواب أن يفتحهما جميعاً ».

(١٤٣) زيادة من المصدر.

(١٤٤) درّة الغواصّ في أوهام الخواصّ : ٢٢.

(١٤٥) في هامش (ر) : « قلت : الفعل المضاعف الذي ماضيه فعل ـ نحو : ردّ وشدّ وعفّ وكلّ ـ إن كان متعدياً مضارعه يأتي على يفعل بالضم نحو يرّد ويشدّ ، وإن كان غير متعدّ فمضارعه يأتي على يفعل بالكسر نحو يعفّ ويكلّ. وما جاء على فعل ـ سواء كان متعدياً أو غير متعدّ ، فالمتعدي نحو شممته وعضضته ، وغير المتعدي نحو ظللت وبللت ـ فالمضارع منها يفعل بالفتح ، نحو : يشمّ ويعضّ ويلجّ ويظلّ ويبلّ ، وربما قالوا يبل بالكسر ، جعلوه من قبيل حسب يحسب ، ولا يأتي من هذا فعل بالضم ، قال سيبويه : لأنهم يستثقلون فعل والتضعيف. وقد يشتبه فعل يفعل هنا ، ألا ترى أنك تقول : حرّ يومنا وحرّ المملوك ، فلفظهما سواء ، وتقول في مستقبل حرّ يومنا : يحر بالفتح حراراً. وتقول : قرّ بالمكان يقر بالكسر قراراً ، وإن عنيت به قرة العين عند السرور بالشيء قلت : قرّ به عيناً يَقرّ ـ بالفتح ـ قرّة. وأما الألفاظ المشتركة من يفعل بالضم ويفعل بالكسر ، فمنها : جدّ إن عنيت به القطع كان متعديا ، فتقول : جدّ الشيء يجدّه جداً فهو جادّ والأمر منه جدُ بالضم ، وإن عنيت به جدّ في الأمر إذا اجتهد كان لازماً ، فتقول : جدّ يجدّ بالكسر والأمر منه جد بالكسر. ومنها : فرّ إن عنيت به الكشف عن سنّ الدابة كان متعدياً ، فتقول : فرّ عن الدابة يفرّ بالضم فراً ، وفرّ عن الغلام إذا نظر إلى ما عنده من العلم وإن عنيت به الهرب والفرار كان لازماً ، فتقول : فرّ مني زيد يفرّ بالكسر فراراً. ومنها : صرّ إن عنيت به الشدّ كان متعدياً ، فتقول : صرّ الصرة يصرها بالضم صراً والصرة مصرور ، وإن عنيت به الصوت كان لازماً ، فتقول : صرّ الجندب أو الباب يصرّ صريراً والأمر صر بالكسر والنهي لا تصر ، ملخص من كتاب شرح الملوكي ، وكتاب عبد الواحد بن زكريا. منهرحمه‌الله ».

٦٠

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137