الشيعة تجيب

الشيعة تجيب30%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43511 / تحميل: 6013
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وسافر منها إلى أصفهان ، وصحب فيه العالم المعروف محمّد البيد آبادي ، وعمَّرَ فيها المدارس المعروفة بمدرسة «الماسية» و «بماركية» و «شاهزادها». وتوفي في سنة ١١٩٠ هـ. ق ودفن في تخت فولاد.

ولده : وهو الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب كتاب «سماء المقال» ، وهو الآخر من العلماء الكبار ، ولد في إصفهان ، وشرع في تحصيله للعلوم عند والده المصنف ، وبعد وفاة والده انتقل بصحبة أخيه جمال الدين إلى النجف ، فحضر درس المولى محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية ، والسيّد محمّد كاظم اليزدي صاحب العروة ، حتى بلغ الذروة ، وحصل على درجة الإجتهاد ، وعاد بعدها إلى أصفهان ، واشتغل بالتدريس فيها. وكان له تخصص في الرجال ، وله كتب فيه وفي غيره من العلوم منها كتاب «سماء المقال» و «زلات الأقدام» في بعض الاشتباهات الرجالية ، و «الفوائد الرجالية» ، وله حاشية على الكفاية ، وكتاب في الفقه وغيره. توفي في سنة ١٣٦٥ هـ. ش ، ودفن في مقبرة والده في تخت فولاذ.

زوجته : العابدة الزاهدة بنت المرحوم السيّد زين العابدين ابن الحاج السيّد محمّد باقر حجة الإسلام الشفتي البيدآبادي.

إطراء العلماء له

١ ـ قال الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب : «أبو المعالي الإصفهاني عالم ، فاضل ، متبحّر ، دقيق ، فكور ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، كامل النفس ، منقطع إلى العلم والعمل ، له مصنفات في الفقه والأصول والرجال»(١) ، إلى آخر ما قال.

__________________

(١) الكنى والألقاب : ١ : ١٥٩.

٢١

٢ ـ قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة : «عالم ، عامل ، فاضل ، متجرد ، دقيق النظر ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، عالم رباني منقطع إلى العلم ، لا يفتر عن التحصيل ساعة ، لم يكن في عصره أشد انكباباً منه على الاشتغال» ، وذكر له ٦٥ مؤلفاً(١) .

٣ ـ وقال نجله أبو الهدى في وصفه : «إنه شمس سماء العلم والتحقيق ، وبدر فلك الفضل والتدقيق ، سلطان العلماء وتاج همتهم ، وبرهان الفقهاء ونجم أئمتهم ، خاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحققين وأسوتهم ، فحل الأصوليين وعمادهم ، وقريع الرجاليين وسنادهم ، الزاهد الورع ، العريف العليم ، والحبر البدل الغطريف ، العظمظم العلّامة ، فاق الأفاضل كلهم ، جمعت وأيم الله فيه مناقب.

سيماه ناطقة بنور علومه

فجنا به فلك وهن كواكب

المولع بافتضاض أبكار الأفكار ، والنحرير المتبحر الذي لم يظهر نظيره في الأعصار».

قال ذلك في مطلع رسالة كتبها باسم (البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام) ذكر فيها لكل منهما شرحاً واسعاً عن أحوالهما وكراماتهما وقصصهما وغيرهما(٢) .

مشايخه

١ ـ العالم الجليل السيّد حسن المدرس.

٢ ـ السيّد الأمير محمّد بن عبد الصمد الحسيني الشهشهاني.

٣ ـ والأمير محمّد الصادقي.

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٢ : ٤٣٣.

(٢) البدر التمام : ٢٥.

٢٢

تلامذته

١ ـ السيّد أبو القاسم بن محمّد باقر الحسيني الدهكردي (١٢٧٢ ـ ١٣٥٣ هـ. ق).

٢ ـ الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب «سماء المقال» ولد المصنف

٣ ـ الميرزا جمال الدين الكلباسي (١٣٥٠ هـ) ، ولد المصنف.

٤ ـ السيّد حسن بن السيّد مهدي النحوي الموسوي (١٢٨٧ ـ ١٣٦١ هـ).

٥ ـ المولى محمّد حسين بن المولى أسد الله الكرماني الأصفهاني (١٣٣٠ ـ ١٢٤٥ هـ).

٦ ـ الميرزا حسين بن إبراهيم الطباطبائي المدرس الكهنكي (١٢٨٨ ـ ١٣٧٦)

٧ ـ السيّد العلّامة الحاج حسين بن علي الطباطبائي البروجردي (١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ).

٨ ـ السيّد شهاب الدين النحوي الموسوي (١٢٦٣ ـ ١٣٤٠ هـ).

٩ ـ السيّد مهدي بن زين العابدين الموسوي الكرماني (١٣١٨ هـ).

مؤلفاته

راجع في ذلك ما سطره قدس سره بقلمه الشريف في خاتمة هذا الكتاب فقد ذكر جلّ مؤلفاته.

٢٣
٢٤

شرح زيارة عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

[الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين]

وبعد :

فهذه رسالة في بيان كيفية زيارة عاشوراء على من يزار بها آلاف التحية والثناء وروحي وروح العالمين له الفداء ، ولطالما كنت شائقاً إلى شرح حالها وتفصيل المقال في مجالها إلى أن ساعدني ساعد التوفيق خير رفيق من جانب الربّ الشفيق ،إِلهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك في واضح الطريق؟ (١) ( قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني )(٢) .

فشرعت في الحال في شرح الحال وتفصيل المقال مستعيناً بالله العزيز المتعال ، وباسطاً إليه كفّ السؤال أن يجعله زاد المعاد ووسيلة النوال يوم لا ينفع البنون ولا المال ، إنّه لا تخيب لديه الآمال وإليه المرجع في المبدأ والمآل.

__________________

(١) هذا مقطع من دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام.

(٢) طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٢٧.

٢٥

في ضبط عاشوراء ومعناها

قال في الصحاح : «ويوم عاشُوراء وعَشُورَاءَ ممدودان»(١) .

وفي القاموس : «والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه»(٢) .

وحكى في «المصباح» في مادة تسع الخلاف في أن عاشورا تاسع المحرم أو عاشره ، إلّا أنه جعل المشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنها عاشر المحرم(٣) .

وقال في مادة عشر : «وعاشوراء عاشر المحرم ، وفيها لغات المد والقصر وعشوراء بالمد»(٤) .

وقال العلّامة في المنتهى نقلاً : «يوم عاشوراء عاشر المحرم ، وبه قال المسيب والحسن البصري ، وروى عن ابن عباس أنّه التاسع من المحرم ، وليس بمعتمد لما في أحاديثنا من أنه يوم قتل الحسين عليه السلام ، ويوم قتل الحسين يوم العاشر بلا خلاف»(٥) .

__________________

(١) الصحاح : ٣ : ٧٤٧ ، مادّة «عشر».

(٢) القاموس المحيط : ٢ : ١٢٧ ، مادة «عشر».

(٣) المصباح المنير : ٧٥ ، مادّة «تسع».

وهذا نصّ عبارته : «وقوله عليه الصلاة والسلام : لأصومنّ التاسع مذهب ابن عبّاس ، وأخذ به بعض العلماء أنّ المراد بالتاسع يوم عاشوراء فعاشوراء عنده تاسع المحرّم ، والمشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنّ عاشوراء عاشر المحرّم ، وتاسوعاء تاسع المحرّم».

(٤) المصباح المنير : ٤١٢ ، مادّة «عشر». وهذا نصّ عبارته : «... وعاشوراء عاشر المحرّم ، وتقدّم في تسع فيها كلام وفيها لغات المد والقصر مع الألف بعد العين ، وعشوراء بالمدّمع حذف الألف.

(٥) منتهى المطلب : ٢ : ٦١١ ، الطبعة القديمة.

٢٦

والعضدي في بحث جواز نسخ التكليف بتكليف أقل منه جعل عاشورا اسماً للعشر(١) ، وهو المحكي عن آخر.

ومقتضى ما رواه الشيخ في التهذيبين(٢) بسنده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام : «أن علياً عليه السلام قال :صوموا العاشوراء : التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنته؟ »(٣) عموم العاشور للتاسع والعاشر من المحرم.

وقد ظهر لك بما سمعت أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في كون قتل الحسين سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء في اليوم العاشر من المحرم ، ويأتي الكلام في اختصاص عاشوراء بالعاشر أو التاسع من المحرم ، وعمومها لهما ، بل نقول إن كون يوم القتل هو اليوم العاشر من قبيل الضروريات.

وقد حكى في «المجمع» في مادة عشر : «أن في حديث مناجاة موسى أنّه قال : يا ربّ ، لِمَ فضّلت أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله على سائر الأُمم؟

فقال الله تعالى : فضّلتهم بعشر خصال.

قال موسى : وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟

قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء.

قال موسى : يا ربّ ، وما العاشورا؟

قال : البكاء والتباكي على سبط محمّد صلى الله عليه وآله ، والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى.

__________________

(١) الظاهر أنّه قال ذلك في شرحه على مختصر الاُصول لابن الحاجب ، والعضدي هو القاضي عبدالرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفّى سنة ٧٥٦ هـ).

(٢) مصطلح يُطلق على كتابي الشيخ الطوسي : تهذيب الأحكام والاستبصار.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤: ٢٩٩/١١. الاستبصار : ٢ : ١٢٤/١.

٢٧

يا موسى ، ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى صلى الله عليه وآله إلّا وكانت له الجنة ثابتاً فيها ، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً إلّا وبارك له في دار الدنيا والدرهم بسبعين [درهماً] وكان معافاً(١) في الجنة وغفرت له ذنوبه.

وعزتي وجلالي ، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلّا كتبت له أجر مائة شهيد»(٢) .

وأنت خبير بأن تفسير عاشورا بالبكاء والتباكي لا يوافق اللغة ولا العرف وينافي إطلاق يوم عاشوراء في آخر الحديث.

إذا عرفت ما تقدّم فنقول :

رواية ابن قولويه في كامل الزيارات

إنه روى ابن قولويه في كامل الزيارة : عن حكيم بن داود وغيره ، عن محمّد بن موسى [الهمْداني] ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة وصالح بن

__________________

(١) قوله : «وكان معافاً» ـ بالتشديد ـ من عفف بمعنى الكفّ ، كما يقال في العرف : اجعلني معافاً من هذا ، أي مكفوفاً عن استدعائه ، فهي وهذا من باب الحقيقة ، لو كان العفّة بمعنى مطلق الكفّ ، كما هو مقتضى كلام الجوهري ، أو من باب المجاز ، لو كان العفّة بمعنى الكفّ عن الحرام ، كما هو ظاهر القاموس في الحديث : «إنّ الحرام ما حرّم الله ورسوله ، ولكنّهم قد كانوا يعافون شيئاً فنحن نعافها». وربّما استدلّ على أصالة البراءة في الشبهة التحريميّة من الشبهة الحكميّة ، وهو مبنيّ على كون قوله عليه السلام : «يعافون» و «نعافها» من العفو ، لكنّه لا يساعده اللغة ، ويمكن أن يكون من عاف الرجل يعافه من باب تعب عيافة ـ بالكسر ـ أو أكرهه ، ويمكن أن يكون من عفف ، وقد حرّرنا مزيد الكلام في الاُصول. منه عفي عنه.

(٢) مجمع البحرين : مادّة «عشر».

٢٨

عقبة معاً [جميعاً] ، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ومحمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر [الباقر عليه السلام] ، قال : «من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظلّ عنده باكياً لقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة ، وألفي ألف عمرة ، وألفي ألف غزوة , وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من [حج] واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومى إليه بالسلام ، واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلّى بعده(١) ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة [مصيبته] بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً [في البيوت وليعزّ بعضهم بعضاً] بمصاب الحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب.

فقلت : جعلت فداك ، وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟

قال :أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك.

قال : قلت : جعلت فداك ، فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟

قال :يقولون : عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله ، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل ، فإنّه يوم نحسٍ لا يقضى فيه حاجة [مؤمن] وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ رشداً ، ولا تدّخرن لمنزلك شيئاً ، فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم

__________________

(١) قوله : «بعده» هكذا فيما نقل في بحار الأنوار وغيره ، لكنّه في النسخة التي عندي من كامل الزيارة : «بعده» بدون الهاء. منه عفي عنه.

٢٩

لم يبارك له فيما يدّخره ولا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف وألف عمرة وألف ألف غزوة كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له ثواب مصيبة كل نبّي ورسول وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ودعاء أدعوا به إذا لم أزره من قريب وأومأت إليه من بعد البلاد ومن [سطح] داري؟

قال فقال :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول ، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيئة ، ورفع لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام تشاركهم في درجاتهم ولا تُعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب [زيارة] كلّ نبّي ورسول زيارة كل من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام منذ يوم قتل صلوات الله عليه

تقول :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ

٣٠

الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ ، وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ (١) ،وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ أَنْ يُكْرِمَني بِكَ ، وَيَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللـهُمَّ اجْعَلْني وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَكَ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.ٰ

يا سَيِّدي يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَمِنْ جَميعِ أَعْدائِكُمْ ، وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الْجَوْرِ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَأَجْرىٰ ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَمِنَ النّاصِبينَ لَكُمُ

__________________

(١) قوله : «قَتَلَتْكَ » هكذا في النسخة التي عندي من كامل الزيارة ، وفيما نقله عنه في بحار الأنوار كذلك ، لكن فيما نقل عنه بعض : «قَتَلَتْكُمْ» ، وهو الأوفق بالسياق ، منه عفي عنه.

٣١

الْحَرْبَ ، وَالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُوالٍ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ناطِقٍ لَكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، أَقُولُ إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، يا لَها مِنْ مُصيبَةٍ ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ اِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَنَزَّلَتْ فيهِ اللَّعْنَةُ عَلىٰ آلِ زِيادٍ ، وَآلِ اُمَيَّةَ ، وَابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينِ ابْنِ اللَّعينِ عَلىٰ لِسانِ نَبِيِّكَ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ(١) وَعَلىٰ يَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ،

__________________

(١) وفي زاد المعاد : «وَمُعاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ » ، منه رحمه الله.

٣٢

اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً لِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ.

ثمّ تقول مائة مرّة :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي حارَبَتِ الْحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصارِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً.

ثمّ تقول مائة مرّة :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِكُمْ.

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَأَصْحابِ الْحُسَينِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ.

ثمّ تقول مرّة واحدة :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أَعْداءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلينَ وَالْآخِرينَ ، اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ وأَباهُ ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

٣٣

ثمّ تسجد سجدة تقول فيها :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ. الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي فِيهِمْ ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ.

قال : يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى»(١) .

رواية الشيخ في مصباح المتهجد

وروى الشيخ في «المصباح» ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام في يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة ، وألفي عمرة ، وألفي غزوة ، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء ، أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومأ إليه بالسلام ، واجتهد في الدعاء على قتليه ، وصلّى من بعد ركعتين ، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه ، وليعزّ بعضهم

__________________

(١) كامل الزيارات : ٣٢٥ ، الباب ٧١ ثواب من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، الحديث ٩.

٣٤

بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله تعالى جميع ذلك

قلت : جعلت فداك ، أنت الضامن لذلك لهم والزعيم؟

قال :أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك.

قلت : فكيف يعزي بعضنا بعضاً؟

قال :تقولون : أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمّد عليهم السلام ، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنه يومُ نحسٍ لا تقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً ، ولا يدّخرون أحدكم لمنزله فيه شيئاً ، فمن ادخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادخر ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوةكلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبيّ ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : قلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب ، ودعاء أدعو به أذا لم أزه من قرب ، وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالسلام إليه.

قال : فقال لي :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومي إليه بالسلام فقل بعد الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام حتّى تشاركهم في درجاتهم ولا تعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتب لك ثواب زيارة كل نبيّ وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين عليه السلام منذ يوم قتل عليه السلام.

٣٥

تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ في السَّمٰواتِ عَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.

بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأَكْرَمَني بِكَ أَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

٣٦

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ وإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرىٰ في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍناطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، مُصيبَةً ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

اللّـهُمَّ إِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينُ ابْنُ اللَّعينِ ،

٣٧

عَلىٰ لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ، وَهٰذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ ، اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ الْأَليمَ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ.

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً. تقول ذلك مائة مرّة.

ثمّ تقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ.

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعلىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَينِ. تقول ذلك مائة مرّة.

٣٨

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ، ثُمَّ الْعَنِ الثّاني وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ. اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

ثمّ تسجد وتقول :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.

قال علقمة : قال أبو جعفر عليه السلام :إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل ، ولك ثواب جميع ذلك(١) .

وقد روى في الوسائل هذه الرواية عن «المصباح» أيضاً ، لكن برواية صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

فالراوي عن أبي جعفر عليه السلام هو علقمة(٢) ، وهو مقتضى ما يأتي من نقل السيّد

__________________

(١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٧٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ : ٤٩٤ ، الباب ٦٣ من أبواب المزار وما يناسبه ، الحديث ٣.

ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل أورد مقطعين من الزيارة المباركة في كتابه : أحدهما في المورد آنف الذكر ، وثانيهما : في الباب ٥٥ من أبواب المزار ، الحديث ٥.

والملاحظ أنّه في المورد الأوّل قال : محمّد بن الحسن في المصباح ، عن محمّد بن»

٣٩

الداماد(١) تلك الرواية في رسالته المعمولة في آداب أيام أربعة(٢) .

رواية أخرى رواها الشيخ في «المصباح»(٣)

وروى الشيخ في «المصباح» أيضاً ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، قال : «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما خرج أبو عبد الله الصادق عليه السلام ، فسرنا من الحيرة(٤) إلى المدينة ،

__________________

«إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

وفي المورد الثاني قال : وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام. ففي المورد الأوّل ذكر الراوي عن صالح بن عقبة: علقمة ، وفي المورد الثاني جعل الراوي عنه أبيه.

(١) ترجمة مختصرة للسيّد الداماد: هو السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي الأصل ، الأصفهاني المنشأ والموطن ، المعروف بـ (الميرداماد) ، الملقّب بـ (المعلّم الثالث) ، من أعلام القرن الحادي عشر ، ومن كبار مؤلّفي الشيعة ، ترجم له كثير من العلماء وأثنوا عليه ، وكان معاصراً للشيخ البهائي وله به علاقة خاصّة ، ووجه اشتهاره بـ (الميرداماد) هو أنّ والده السيّد محمّد الأسترآبادي لمّا تزوّج بنت الشيخ عليّ (المحقّق الثاني) الكركي ، اشتهر هذا السيّد بالداماد ، ثمّ لمّا تولّد من بنت المحقّق الكركي السيّد محمّد باقر اشتهر كما اشتهر والده بالداماد.

توفّي سنة ١٠٤١ هـ. ق ، ودفن في النجف الأشرف ، وكان من أبرز تلامذته: الحكيم الإلهٰي ، والفيلسوف الرّباني صدر الدين الشيرازي ، المعروف بـ (ملّا صدرا) ، وله مصنّفات كثيرة تفوق السبعين مصنّفاً.

(٢) ستأتي الإشارة إلى هذه الرسالة للمحقّق الداماد.

(٣) لا يخفى أنّ الشيخ في المصباح ذكر هذه الرواية في ذيل الرواية السابقة بلا فاصلة ، حيث قال : «وروى محمّد بن خالد الطيالسي الخ».

(٤) الحيرة ـ بالكسر ـ: مدينة قرب الكوفة ، كما ذكره في الصحاح. منه عفي عنه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

السؤال التاسع والعشرون

هل مات أبو طالب على الإيمان حتى تذهبوا لزيارته ؟

الجواب:

أبو طالب ابن عبد المطّلب، ووالد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو من المؤمنين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته الخالدة، وكان عوناً له في جميع الشدائد والمشاكل والمعضلات التي واجهته في صدر الإسلام.

عائلة أبي طالب

ولد أبو طالب في بيت البطل المحامي عن التوحيد الإبراهيمي عبد المطّلبرضي‌الله‌عنه . وبأدنى تحقيق في تأريخ الجزيرة العربيّة يرى المتتبّع أنّ عبد المطّلب حامى عن التوحيد الإبراهيمي في أشدّ الظروف، وأصعب الأيام، وأخطر المواقف، فعندما توجّه أبرهة بجيشه العظيم وفِيَلته نحو مكّة المعظمة قاصداً هدم الكعبة، أغار في طريقه على إبل لعبد المطّلب وأخذها، فلما بلغ ذلك عبد المطلب، أتاه واستأذن عليه، وسأله إطلاق إبله، فتعجّب أبرهة من طلب عبد المطّلب وقال: «هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه، وهو يسألني إطلاق إبله ! أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت، ردّوا عليه إبله». فقال عبد المطلب لترجمانه: ما قال لك الملك ؟ فأخبره، فقال عبد المطلب: «أنا ربّ الإبل، ولهذا البيت ربّ يمنعه»(١) ، وانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأخذ بحلقة الباب قائلاً:

____________________

(١) الكامل لابن الأثير، ج ١، ص ٢٦١.

١٤١

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنع منهم حماكا إنّ عدوّ البيت من عاداكا إمنعهم ان يخربوا فناكا(١)

فهذه الكلمات وأمثالها دليل واضح على توحيده لله سبحانه وتعالى، وإيمانه به تقدّست أسماؤه، وثباته عليه، ولهذا يقول اليعقوبي في تأريخه في شأن عبد المطّلب:

«رفض عبادة الأصنام، ووحّد الله عزّوجلّ»(٢) .

ولنلاحظ الآن ما كان يجول في ذهن هذا الأب حول ابنه أبي طالب:

أبو طالب في نظرة عبد المطّلب

يعلم بوضوح من خلال مراجعة طيّات كتب التاريخ أنّ بعض المتنبّئين أخبر عبد المطّلب بمستقبل حفيده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الزاهر، كما أخبروه بنبوّته.

فعندما استولى «سيف بن ذي يزن» على حكومة الحبشة

وذلك بعد مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة والمدح وذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم واناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء، فاستأذنوا عليه، فأذن لهم، فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه وتكلّم بكلام بليغ، فبشّره أمير الحبشة بأنه سيبعث قريباً نبيٌّ عظيمُ الشأن من أهلك وعشيرتك، وأنّه سينشأ في بيتك، ثمّ شرع في بيان صفاته وأوصافه فقال:

«اسمه محمد، يموت أبوه واُمّه، ويكفله جدّه وعمّه»(٣) .

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تأريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٧ (طبع النجف).

(٣) السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٦ و ١٣٧ (طبع مصر).

١٤٢

إلى أن يقول في بيان صفات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يعبد الرحمن، ويدحض الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله»(١) .

ثم قال لعبد المطّلب:

«إنّك لجدّه يا عبد المطّلب غير كذب»(٢) .

فلمّا سمع عبد المطّلب هذه البشارة في حق حفيده سجد لله شكراً، وقال في بيان حال هذا الولد الميمون:

«نعم أيّها الملك، إنّه كان لي ابن، وكنت به معجباً، وعليه رقيقاً، فزوّجته كريمة من كرائم قومي ; آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سمّيته محمداً، مات أبوه واُمه، وكفلته أنا وعمّه، بين كتفيه شامة، وفيه كلّ ما ذكرت من علامة»(٣) .

فمن خلال هذا الكلام يتضح أنّ عبد المطّلب كان مطّلعاً على مستقبل ابنه وحفيده، ولهذا لم يتركه بعد وفاته هكذا، بل تصدّى لتعيين كفيل له يكفله ويربّيه بعد مماته، فكفّله خير أولاده أبا طالب.

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٤٣

فمن خلال هذا تتبيّن منزلة أبي طالب عند أبيه الموحّد عبد المطّلب، وأنّه كان ينظر لولده أبي طالب نظرة إجلال، وأنّه بمرتبة من الإيمان والصلاح بحيث كان لائقاً لكفالة نبيّ كريم(١) .

وإليك فيما يلي الأدلّة الواضحة على إيمان أبي طالب:

أدلّة إيمان أبي طالب

١- الآثار العلميّة والأدبيّة لأبي طالب

نقل العلماء والمؤرّخون الإسلاميون قصائد رائعة عن أبي طالب، يمكن أن يُتوصَّل من خلالها ومما حَوَته في ثناياها إلى إيمان أبي طالب، ونحن نكتفي بذكر بعضها:

ليعلم خيار الناس أنّ محمداً نبيّ كموسى والمسيح ابن مريم أتانا بهدي مثل ما قد أتانا به فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم(٢)

وقال أيضاً:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً رسولاً كموسى خط في أول الكتب وأنّ عليه في العباد محبّة ولا حيف فيمن خصّه الله بالحبّ(٣)

وقال أيضاً:

لقد أكرم الله النبيّ محمداً فأكرم خلق الله في الناس أحمد

____________________

(١) لتفصيل وإيضاح ما ذكرناه بشكل أكثر راجع السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٤ (طبع مصر). والسيرة النبوية لابن هشام، ج ١، ص ١٨٩. وكتاب «أبو طالب مؤمن قريش» ص ١٠٩ (طبع بيروت). والطبقات الكبرى ج ١، ص ١١٧ (طبع بيروت).

(٢) الحجة، ص ٥٧. ونحوه في المستدرك على الصحيحين، ج ٢، ص ٦٢٣.

(٣) تأريخ ابن كثير، ج ١، ص ٤٢. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧٢.

١٤٤

وشقّ له من اسمه ليُجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد(١)

وقال أيضاً:

والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتّى اُوسّد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منك عيونا ودعوتني وعلمت أنّك ناصحي و لقد دعوت وكنت ثَمّ أمينا ولقد علمت بأن دين محمّد من خير أديان البريّة دينا(٢)

وقال أيضاً:

يا شاهد الله عليّ فاشهد أنّي على دين النبيّ أحمد

من شكّ في الله فإنى مهتد

وقال في آخر أيامه موصياً وجوه قريش بالدفاع عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

اُوصي بنصر نبيّ الخير أربعة إبني علياً وشيخ القوم عباسا وحمزة الأسد الحامي حقيقته وجعفراً أن تذودا دونه الناسا كونوا فداء لكم اُمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا(٣)

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧٨. تاريخ ابن عساكر، ج ١، ص ٢٧٥، تاريخ ابن كثير، ج ١، ص ٢٦٦. تاريخ الخميس، ج ١، ص ٢٥٤.

(٢) خزانة الأدب، ج ١، ص ٢٦١. تاريخ ابن كثير، ج ٣، ص ٤٢. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٥٥. فتح الباري، ج ٧، ص ١٥٣ - ١٥٥. الإصابة، ج ١٤، ص ١١٦. ديوان أبي طالب، ص١٢.

(٣) متشابهات القرآن (ذيل تفسير الآية)) وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) . الغدير، ج ٧ ص ٣٤٢.

١٤٥

فكلّ منصف إذا ما شاهد هذه الآثار والأبيات الشعرية التي تفصح عن عقيدة قائلها بصراحة تامّة، يتبيّن له صحّة ما تعتقد به الشيعة من إيمان أبي طالب، ويتأسف ويتألّم للتُّهم الباطلة والعارية عن الأساس التي وجّهها بعض الكتّاب بدوافع سياسيّة لمؤمن قريش وعم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نصره أوائل البعثة في أشدّ الأحوال، وعند قلّة الناصر والمعين.

٢- سيرة ومعاملة أبي طالب مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دليل على إيمانه نقل جميع المؤرخين الإسلاميين مواقف دفاع أبي طالب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والتي لا نرى لها نظيراً في التاريخ الإسلامي، وهي أدلّة واضحة على رسوخ عقيدته الصحيحة في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . فتحمّل أبو طالب عناء المحاصرة والتشريد والعيش في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنين، ورجح العيش إلى جانب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الشعب على رئاسة قريش، وبقي مع المسلمين في ذلك الشعب وتحمّل عناء تلك المصاعب إلى أن تمّت المحاصرة الاقتصادية(١) .

مضافاً إلى ما ذكر فإنّ أبا طالب حثّ ابنه عليّاًعليه‌السلام على أن يتابع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يلازمه في تمام تلك الأوقات والحالات الشديدة التي كانت تواجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في صدر الإسلام.

فروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة أنّ أبا طالب قال لعليّعليه‌السلام :

«يا بني، إلزمه، فإنّه لن يدعوك إلاّ إلى خير»(٢) .

____________________

(١) للاطلاع أكثر راجع المصادر التالية: السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٤. تاريخ الخميس، ج ١، ص ٢٥٣ - ٢٥٤. السيرة النبويّة لابن هشام، ج ١، ص ١٨٩. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٥٢. تاريخ اليعقوبي، ج ٢. الإصابة، ج ٤، ص ١١٥. الطبقات الكبرى، ج ١، ص ١١٩.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٣، ص ٢٧٢.

١٤٦

فمن الواضح أنّ هذه الخدمات الجليلة من أبي طالب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتضحياته من أجله ومن أجل الإسلام أبرز دليل على إيمانه.

ومن هنا أنشأ ابن أبي الحديد في بيان الدور المهم لأبي طالب في الذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله:

ولو لا أبو طالب وابنه لما مثل الدين شخصاً فقاما فذاك بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب جسّ الحماما تكفل عبد مناف بأمر وأودى فكان علي تماما فقل في ثبير مضى بعدما قضى ما قضاه وأبقى شماما فللّه ذا فاتحاً للهدى ولله ذا للمعالي ختاما وما ضرّ مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامى كما لا يضرّ إياب الصبا ح من ظن ضوء النهار الظلاما(١)

٣ - وصيّة أبي طالب دليل على إيمانه

نقل المؤرخون المسلمون كالحلبي الشافعي في سيرته، ومحمّد الدياربكري في تأريخ الخميس، وغيرهما وصيّة أبي طالب، فعن الكلبي قال:

«لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم، فقال: يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب... وإنّي اُوصيكم بمحمّد خيراً; فإنّه الأمين في قريش، والصدّيق في العرب... دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلاّ رشد، ولا

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٨٤.

١٤٧

يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد، ولو كان لنفسي مدّة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي»(١) .

٤ - حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب شاهد على إيمانه

جلّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه أبا طالب في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة، أسفر فيها عن حبّه لعمّه، إليك فيما يلي نموذجان منها:

أ - روى بعض المؤرخين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعقيل بن أبي طالب:

«أنا اُحبّك يا عقيل حبّين ; حبّاً لك وحبّاً لأبي طالب لأنه كان يحبّك»(٢) .

ب - روى الحلبي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في عمّه أبا طالب:

«ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب».(٣)

ومن الواضح أنّ حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب وتجليله إياه دليل واضح على إيمانه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحبّ إلاّ المؤمنين، وأما الكفّار فهو غليظ شديد عليهم كما صرّح بذلك الذكر الحكيم بقوله عزّ من قائل:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) تاريخ الخميس، ج ١، ص ٣٠٠. السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ٣٩١. روضة الواعظين للفتال النيسابوري، ص ١٤٠.

(٢) تاريخ الخميس، ج ١، ١٦٣. الاستيعاب، ج ٢، ص ٥٠٩.

(٣) السيرة الحلبيّة، ج ١، ٣٩١. الأعلام للزركلي ج ٤، ص ١٦٦. سبل الهدى والرشاد، ج ٢، ص ٤٣٥

(٤) الفتح: ٢٩.

١٤٨

وقال في موضع آخر:

( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِيمانَ ) (١) .

فمع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات المذكورة وقرنها إلى حب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لإبي طالب لا يبقى مجال للترديد والشك في أنّ أبا طالب كان في مرتبة عالية من الإيمان.

٥ - شهادة صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

شهد بإيمان أبي طالب جملة من الصحابة نذكر بعضهم فيما يلي:

أ - روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان جالساً في الرحبة والناس حوله، فقام إليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله فيه وأبوك معذّب في النار ! فقال له:

«مه، فضّ الله فاك، والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله تعالى فيهم»(٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في موضع آخر:

«كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه، مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش»(٣) .

فكلام الإمام هذا يدلّ على أنّ أبا طالب كان في درجة عالية من الإيمان، بل كان من الأولياء الذين لهم الشفاعة للمذنبين.

____________________

(١) المجادلة: ٢٢.

(٢) الحجة، ص ٢٤. مئة منقبة لمحمد بن أحمد القمي، ص ١٧٤.

(٣) وسائل الشيعة، ج ١١، ص ٤٨١. الحجة، ص ٢٤.

١٤٩

ب - يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه في حق أبي طالب:

«والله الذي لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب حتى أسلم»(١) .

ب - روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطّلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة:

«انّ أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله»(٢) .

٦ - أبو طالب في نظرة أهل البيتعليهم‌السلام

صرّح جميع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بإيمان أبي طالب الراسخ، ودافعوا في المناسبات المختلفة عن هذا المحامي الناصر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن نكتفي بذكر مثالين منها، هما:

أ - قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام :

«لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الاُخرى لرجح إيمانه»(٣) .

ب - روى إمامنا الصادق جعفر بن محمّد عن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:

«إنّ اصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك، فآتاه الله أجره مرّتين»(٤) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧١. شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي، ج ٢، ص ٢٩٨.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧١. بحار الأنوار، ج ٣٥، ص ١٥٨.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٦٨.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٤، ص ٧٠. الكافي، ج ١، ص ٤٤٨، ح ٢٨ وفيه: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ; أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين».

١٥٠

فاتّضح من خلال الأدلّة المذكورة أنّ أبا طالب يتمتع بالمقامات التالية:

١- إيمان قوي وراسخ بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢- المؤازرة والنصرة للرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدفاع عنه في سبيل الإسلام.

٣- حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إياه.

٤- له حقّ الشفاعة عند الله يوم القيامة.

وبهذا اتّضح وهن وبطلان التُّهم الموجّهة لأبي طالب من جانب. كما تنجلي الأستار والحجب عن الحقيقتين التاليتين:

١- أنّ إيمان أبي طالب كان مرضياً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعند أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت، بل وصحابة رسول الله.

٢- أنّ الاتّهامات الموجّهة لأبي طالب عارية عن الصحة، فاقدة للأساس، وأنّ السبب الرئيسي في وجودها هو الأهداف السياسيّة، وبتحريك من اُمراء الدولتين الاُموية والعباسيّة، حيث كانوا يجهرون بالعداء لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وذريته الطاهرةعليهم‌السلام .

وفي هذا المقام نستعرض لك أبرز مصداق استُعمل في هذا المجال بتسقيط شخصيّة هذا المحامي للرسول أبي طالب، والمعروف والمشهور بحديث الضحضاح، ليتبيّن لك بعد التحليل الذي نجريه عليه - وفقاً لما ورد في القرآن الكريم والمسلّم من السنّة النبوية الشريفة، والأدلّة العقليّة الواضحة - بطلانه وفقدانه للأساس.

تحليل حديث الضحضاح

١٥١

نقل بعض الكتّاب والمؤلّفين - كالبخاري ومسلم - روايتان عن مثل «سفيان بن سعيد الثوري»، و «عبد الملك بن عمير»، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد»، فنسبوها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والروايتان هما:

أ - فروى مسلم في صحيحه:

«سمعت العباس يقول قلت: يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك ؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح»(١) .

ب - وروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال:

«لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه اُمّ دماغه»(٢) .

فهذا الحديث المفترى وإن كان واضح البطلان ; لما تقدّم من الأدلّة الدالّة على إيمان أبي طالب، لكنّنا مع ذلك سنتعرض للبحث عن هذا الحديث، وسنبحث ذلك ضمن نقطتين:

أ - ضعف أسانيده.

ب - مخالفته للكتاب العزيز والسنّة النبويّة الشريفة.

ضعف أسانيد حديث الضحضاح

كما اتّضح مما سبق أنّ رواة حديث الضحضاح هم:

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ١، ص ١٣٥. المستدرك على الصحيحين، ج ٤، ص ٥٨١.

(٢) صحيح البخاري، ج ٧، ص ٢٠٢.

١٥٢

«سفيان بن سعيد الثوري»، و «عبد الملك بن عمير»، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد».

وسنبحث أحوال هؤلاء الرواة وأقوال الرجاليين من أهل السنّة فيهم، كي يتبين لك حالهم.

أ - سفيان بن سعيد الثوري:

قال الرجالي المعروف بين أهل السنّة أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي:

«كان يدلّس عن الضعفاء»(١) .

فهذا الكلام دليل واضح على وجود التدليس في روايات سفيان، مما يسقط أحاديثه عن الاعتبار.

ب - عبد الملك بن عمير:

قال الذهبي في شأنه:

؟ ؟ «طال عمره، وساء حفظه. قال أبو حاتم: ليس بحافظ، تغيّر حفظه. وقال أحمد: ضعيف، يخلّط. وقال ابن معين: مخلّط. وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه. وذكر الكوسج عن أحمد: أنّه ضعّفه جدّاً»(٢) .

فمن مجموع هذا الكلام يستفاد أنّ عبد الملك بن عمير كان متّصفاً بالصفات التالية:

أ - عدم الحفظ والنسيان.

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ١٦٩.

(٢) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ٦٦٠.

١٥٣

ب - ضعيف (وهو - في علم الرجال - من لا يمكن الاعتماد على روايته).

ج - كثير الخطأ.

د - مخلّط (وهو من يخلط الحديث الصحيح بغيره).

ومن الواضح أنّ كل صفة من هذه الصفات كافية لتضعيف أحاديث هذا الرجل، مع أنّه اجتمعت فيه تمام هذه الصفات.

عبد العزيز بن محمد الدراوردي:

وصفه علماء الرجال من أهل السنّة بعدم الحفظ، والنسيان، وبعدم إمكان الاحتجاج برواياته ; قال أحمد بن حنبل:

«إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل»(١) .

وقال أبو حاتم:

«لا يحتجّ به»(٢) .

وقال أبو زرعة:

«سيّئ الحفظ»(٣) .

د - الليث بن سعد:

من خلال مراجعة كتب الرجال لعلماء أهل السنّة يعلم أنّ جميع من اسمه «ليث» من الرواة فهو مجهول أو ضعيف فلا يمكن الاعتماد والاستدلال بأحاديثهم.

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ٦٣٣.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٥٤

وليث بن سعد هو أحد الضعفاء والمتساهلين في الشيوخ وفي سماع الحديث، قال يحيى بن معين:

«كان يتساهل في الشيوخ والسماع»(١) .

واعتبره النباتي أيضاً من الضعفاء ; حيث ذكره في تذييله على الكامل والذي يختصّ بذكر الضعفاء(٢) .

فيعلم مما ذكرناه أنّ رواة حديث الضحضاح في غاية الضعف، ولا يمكن الاعتماد على روايتهم.

عدم موافقة حديث الضحضاح للكتاب والسنّة في هذا الحديث نسب إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال إن أبا طالب «في غمرات من النار» «في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه»، أو رجا بلوغ شفاعته له بقوله: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة »، والحال أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة خصّت الشفاعة بالمؤمنين والمسلمين، فإذا كان أبو طالب كافراً فكيف يرجو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلوغ شفاعته إليه وتخفيف عذابه !

وبهذا يتبيّن وهن محتوى هذا الحديث بناء على قول من يرى كفر أبي طالب.

والآن نستعرض لك الأدلة الدالة على عدم الشفاعة للكافر سواء من الكتاب أو من السنة، وهي:

أ - قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم:

( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور ) (٣) .

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٣، ص ٤٢٣.

(٢) ميزان الاعتدال، ج ٣، ٤٢٣.

(٣) المصنف لابن أبي شيبة، ج ٧، ص ٤٣٢، ح ١٠٤. كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم، ص ٣٥٩، ح ٨٠٣.

١٥٥

ب - نفت السنّة النبوية الشفاعة للكفار، فروى ابن أبي شيبة في «المصنّف»، وعمرو بن أبي عاصم في كتاب «السنّة» عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:

( اُعطيت الشفاعة، وهي نائلة من لم يشرك بالله شيئاً ) (١) .

فعلى هذا الأساس يكون حديث الضحضاح - بناء على قول من يعتقد كفر أبي طالب - عارياً عن الصحّة ومخالفاً لكتاب الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النتيجة:

على ضوء ما مر تبين أنّ حديث الضحضاح فاقد للاعتبار سنداً ومتناً، فلا يمكن الاستدلال به. وبهذا ينهار أقوى دليل يعتمد عليه من يخدش بشخصيّة أبي طالب، ويشرق بذلك وجه مؤمن قريش أبي طالب ليقشع ظلام الافتراء والفتنة.

____________________

(١) فاطر: ٣٦.

١٥٦

السؤال الثلاثون

هل يعتقد الشيعة خيانة جبرئيل في إبلاغ الرسالة رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدل عليٍّعليه‌السلام ؟

الجواب:

قبل الدخول في بيان وهن هذه التهمة الشنيعة والتي نسبها إلى الشيعة بعض الجهّال أو المغرضين، لا بأس ببيان أصلها وجذرها، فنقول:

أصل التهمة وجذرها

ذكرت الآيات الكريمة والروايات المفسّرة لها أنّ اليهود كانوا يتّهمون جبرئيلعليه‌السلام بالخيانة في إبلاغ الرسالة ; فإنّ الله أمره أن يجعل النبوّة في ذرّية يعقوب إسرائيل الله، فجعلها في ذرّية إسماعيل. وعلى هذا الأساس اعتبر اليهود جبرئيلعليه‌السلام عدوّاً لهم(١) ، وجعلوا عبارة «خان الأمين» شعاراً لهم. ولهذا فإنّ القرآن الكريم في مقام الردّ على دعوى اليهود وصف جبرئيلعليه‌السلام بالأمين، في قوله عزّ من قائل:

( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) (٢) .

وقال في موضع آخر:

( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) (٣) .

____________________

(١) انظر تفسير الفخر الرازي، ج ١، ص ٤٣٦ و ٤٣٧ (طبعة مصر).

(٢) الشعراء: ١٩٤.

(٣) البقرة: ٩٧.

١٥٧

فمن الآيات الشريفة المذكورة ومما جاء في تفسيرها يعلم بوضوح أنّ اليهود كانوا يعادون جبرئيلعليه‌السلام ، ويسمّونه «ملك العذاب»، ويتّهمونه بالخيانة في إبلاغ الرسالة.

فأساس شعار «خان الأمين» من خرافات اليهود وإبداعاتهم، فبعض الكتّاب الجهّال الذين لهم عداوة قديمة وأحقاد دفينة ضدّ الشيعة يشربون من هذا المنبع الكدر، والماء الاُجاج، فيتّهمون الشيعة بهذه التهمة الشنيعة.

النبوّة في نظر الشيعة

يعتقد الشيعة تبعاً للكتاب العزيز والروايات الشريفة الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ مرسل مبعوث من الله سبحانه، بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم وأرفعهم رتبة، وهو المبعوث بأفضل دين للعالمين. يقول سيدنا ومقتدانا أمير المؤمنين وسيّد الوصيين في خطبة له عندما بويع بعد مقتل عثمان:

«أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيّين، وحجّة الله على العالمين»(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

«لم يبعث الله عزّوجلّ من العرب إلاّ خمسة أنبياء: هوداً، وصالحاً، وإسماعيل، وشعيباً، ومحمداً خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

فهذا الحديث الشريف يثبت بطلان ما اتُّهم به الشيعة، فإنّ إمامنا الصادقعليه‌السلام بيّن أنّ النبيّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين.

____________________

(١) الكافي، ج ٨، ص ٦٧. بحار الأنوار، ج ٩٢، ص ٥٨٤. نهج السعادة، ج ١، ص ١٨٨.

(٢) بحار الأنوار، ج ١١، ص ٤٢.

١٥٨

وعليه فالشيعة يعتقدون أنّ جبرئيل الأمينعليه‌السلام لم يخُن في إبلاغ الرسالة، وأنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ بالحقّ، وخاتم الأنبياء والمرسلين، ويعتقدون أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وصيّه وخليفته بالحق.

ونرى من المناسب هنا أن نذكر الحديث التالي والذي رواه كلا الفريقين في كتبهم المعتبرة، وهو الحديث المعروف بحديث المنزلة، حيث إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيّن فيه أنّ رسالته آخر رسالة سماوية، وأنّ وصيّه وخليفته عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، حيث يخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً بقوله:

«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».(١)

فهذه الرواية من الناحية السنديّة محلّ اعتماد كبار المحدّثين الإسلاميين سنّة وشيعة، وهي دليل واضح على صحة ما يقول به الشيعة في أمرين هما:

١ - أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء وأفضلهم، وأنّ الله اجتباه واختاره من بين خلقه لهذه الرسالة الخالدة، وأنّه لا نبيّ بعده.

٢ - أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته من بعده.

____________________

(١) هذا الحديث له مصادر كثيرة نشير إلى بعضها فيما يلي:

صحيح البخاري، ج ٦، ص ٣، باب غزوة تبوك. صحيح مسلم، ج ٧ ص ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالب. سنن ابن ماجة، ج ١، ص ٥٥، باب فضائل أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . سنن الترمذي، ج ٥، ص ٣٠٢. و ص ٣٠٤. الكافي، ج ٨، ص ١٠٧، ح ٨٠. علل الشرائع، ج ٢، ص ٤٧٤. معاني الأخبار، ص ٧٤.

١٥٩

السؤال الحادي والثلاثون

ما هو الملاك والمعيار في التقيّة ؟

الجواب:

التقيّة: ستر الاعتقاد وكتمان الإيمان عن المخالفين للوقاية من التعرّض للضرر المادّي والمعنوي الدينيّ والدنيويّ، وهي أحد التكاليف الشرعيّة على كل مسلم، وجذور التقيّة في القرآن الكريم.

التقيّة في النظرة القرآنيّة

نجد في القرآن الكريم والذكر الحكيم آيات عديدة في هذا المعنى، نذكر بعضها فيما يلي:

أ –( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْء إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (١) .

فهذه الآية شاهد للحقيقة التي ذكرناها، وأنّه لا يجوز إبراز المحبّة للكفّار إلاّ من أجل حفظ النفس وتوقّي الأخطار، ففي هذه الحال يجوز إبراز المحبّة لهم.

ب –( مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَ-رَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

____________________

(١) آل عمران: ٢٨.

(٢) النحل: ١٠٦.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191