الشيعة تجيب

الشيعة تجيب0%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب

مؤلف: سيد رضا حسيني نسب
تصنيف:

الصفحات: 191
المشاهدات: 41499
تحميل: 5161

توضيحات:

الشيعة تجيب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41499 / تحميل: 5161
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

السؤال التاسع والعشرون

هل مات أبو طالب على الإيمان حتى تذهبوا لزيارته ؟

الجواب:

أبو طالب ابن عبد المطّلب، ووالد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو من المؤمنين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته الخالدة، وكان عوناً له في جميع الشدائد والمشاكل والمعضلات التي واجهته في صدر الإسلام.

عائلة أبي طالب

ولد أبو طالب في بيت البطل المحامي عن التوحيد الإبراهيمي عبد المطّلبرضي‌الله‌عنه . وبأدنى تحقيق في تأريخ الجزيرة العربيّة يرى المتتبّع أنّ عبد المطّلب حامى عن التوحيد الإبراهيمي في أشدّ الظروف، وأصعب الأيام، وأخطر المواقف، فعندما توجّه أبرهة بجيشه العظيم وفِيَلته نحو مكّة المعظمة قاصداً هدم الكعبة، أغار في طريقه على إبل لعبد المطّلب وأخذها، فلما بلغ ذلك عبد المطلب، أتاه واستأذن عليه، وسأله إطلاق إبله، فتعجّب أبرهة من طلب عبد المطّلب وقال: «هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه، وهو يسألني إطلاق إبله ! أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت، ردّوا عليه إبله». فقال عبد المطلب لترجمانه: ما قال لك الملك ؟ فأخبره، فقال عبد المطلب: «أنا ربّ الإبل، ولهذا البيت ربّ يمنعه»(١) ، وانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأخذ بحلقة الباب قائلاً:

____________________

(١) الكامل لابن الأثير، ج ١، ص ٢٦١.

١٤١

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنع منهم حماكا إنّ عدوّ البيت من عاداكا إمنعهم ان يخربوا فناكا(١)

فهذه الكلمات وأمثالها دليل واضح على توحيده لله سبحانه وتعالى، وإيمانه به تقدّست أسماؤه، وثباته عليه، ولهذا يقول اليعقوبي في تأريخه في شأن عبد المطّلب:

«رفض عبادة الأصنام، ووحّد الله عزّوجلّ»(٢) .

ولنلاحظ الآن ما كان يجول في ذهن هذا الأب حول ابنه أبي طالب:

أبو طالب في نظرة عبد المطّلب

يعلم بوضوح من خلال مراجعة طيّات كتب التاريخ أنّ بعض المتنبّئين أخبر عبد المطّلب بمستقبل حفيده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الزاهر، كما أخبروه بنبوّته.

فعندما استولى «سيف بن ذي يزن» على حكومة الحبشة

وذلك بعد مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة والمدح وذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم واناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء، فاستأذنوا عليه، فأذن لهم، فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه وتكلّم بكلام بليغ، فبشّره أمير الحبشة بأنه سيبعث قريباً نبيٌّ عظيمُ الشأن من أهلك وعشيرتك، وأنّه سينشأ في بيتك، ثمّ شرع في بيان صفاته وأوصافه فقال:

«اسمه محمد، يموت أبوه واُمّه، ويكفله جدّه وعمّه»(٣) .

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تأريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٧ (طبع النجف).

(٣) السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٦ و ١٣٧ (طبع مصر).

١٤٢

إلى أن يقول في بيان صفات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يعبد الرحمن، ويدحض الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله»(١) .

ثم قال لعبد المطّلب:

«إنّك لجدّه يا عبد المطّلب غير كذب»(٢) .

فلمّا سمع عبد المطّلب هذه البشارة في حق حفيده سجد لله شكراً، وقال في بيان حال هذا الولد الميمون:

«نعم أيّها الملك، إنّه كان لي ابن، وكنت به معجباً، وعليه رقيقاً، فزوّجته كريمة من كرائم قومي ; آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سمّيته محمداً، مات أبوه واُمه، وكفلته أنا وعمّه، بين كتفيه شامة، وفيه كلّ ما ذكرت من علامة»(٣) .

فمن خلال هذا الكلام يتضح أنّ عبد المطّلب كان مطّلعاً على مستقبل ابنه وحفيده، ولهذا لم يتركه بعد وفاته هكذا، بل تصدّى لتعيين كفيل له يكفله ويربّيه بعد مماته، فكفّله خير أولاده أبا طالب.

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٤٣

فمن خلال هذا تتبيّن منزلة أبي طالب عند أبيه الموحّد عبد المطّلب، وأنّه كان ينظر لولده أبي طالب نظرة إجلال، وأنّه بمرتبة من الإيمان والصلاح بحيث كان لائقاً لكفالة نبيّ كريم(١) .

وإليك فيما يلي الأدلّة الواضحة على إيمان أبي طالب:

أدلّة إيمان أبي طالب

١- الآثار العلميّة والأدبيّة لأبي طالب

نقل العلماء والمؤرّخون الإسلاميون قصائد رائعة عن أبي طالب، يمكن أن يُتوصَّل من خلالها ومما حَوَته في ثناياها إلى إيمان أبي طالب، ونحن نكتفي بذكر بعضها:

ليعلم خيار الناس أنّ محمداً نبيّ كموسى والمسيح ابن مريم أتانا بهدي مثل ما قد أتانا به فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم(٢)

وقال أيضاً:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً رسولاً كموسى خط في أول الكتب وأنّ عليه في العباد محبّة ولا حيف فيمن خصّه الله بالحبّ(٣)

وقال أيضاً:

لقد أكرم الله النبيّ محمداً فأكرم خلق الله في الناس أحمد

____________________

(١) لتفصيل وإيضاح ما ذكرناه بشكل أكثر راجع السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٤ (طبع مصر). والسيرة النبوية لابن هشام، ج ١، ص ١٨٩. وكتاب «أبو طالب مؤمن قريش» ص ١٠٩ (طبع بيروت). والطبقات الكبرى ج ١، ص ١١٧ (طبع بيروت).

(٢) الحجة، ص ٥٧. ونحوه في المستدرك على الصحيحين، ج ٢، ص ٦٢٣.

(٣) تأريخ ابن كثير، ج ١، ص ٤٢. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧٢.

١٤٤

وشقّ له من اسمه ليُجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد(١)

وقال أيضاً:

والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتّى اُوسّد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منك عيونا ودعوتني وعلمت أنّك ناصحي و لقد دعوت وكنت ثَمّ أمينا ولقد علمت بأن دين محمّد من خير أديان البريّة دينا(٢)

وقال أيضاً:

يا شاهد الله عليّ فاشهد أنّي على دين النبيّ أحمد

من شكّ في الله فإنى مهتد

وقال في آخر أيامه موصياً وجوه قريش بالدفاع عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

اُوصي بنصر نبيّ الخير أربعة إبني علياً وشيخ القوم عباسا وحمزة الأسد الحامي حقيقته وجعفراً أن تذودا دونه الناسا كونوا فداء لكم اُمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا(٣)

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧٨. تاريخ ابن عساكر، ج ١، ص ٢٧٥، تاريخ ابن كثير، ج ١، ص ٢٦٦. تاريخ الخميس، ج ١، ص ٢٥٤.

(٢) خزانة الأدب، ج ١، ص ٢٦١. تاريخ ابن كثير، ج ٣، ص ٤٢. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٥٥. فتح الباري، ج ٧، ص ١٥٣ - ١٥٥. الإصابة، ج ١٤، ص ١١٦. ديوان أبي طالب، ص١٢.

(٣) متشابهات القرآن (ذيل تفسير الآية)) وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) . الغدير، ج ٧ ص ٣٤٢.

١٤٥

فكلّ منصف إذا ما شاهد هذه الآثار والأبيات الشعرية التي تفصح عن عقيدة قائلها بصراحة تامّة، يتبيّن له صحّة ما تعتقد به الشيعة من إيمان أبي طالب، ويتأسف ويتألّم للتُّهم الباطلة والعارية عن الأساس التي وجّهها بعض الكتّاب بدوافع سياسيّة لمؤمن قريش وعم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نصره أوائل البعثة في أشدّ الأحوال، وعند قلّة الناصر والمعين.

٢- سيرة ومعاملة أبي طالب مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دليل على إيمانه نقل جميع المؤرخين الإسلاميين مواقف دفاع أبي طالب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والتي لا نرى لها نظيراً في التاريخ الإسلامي، وهي أدلّة واضحة على رسوخ عقيدته الصحيحة في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . فتحمّل أبو طالب عناء المحاصرة والتشريد والعيش في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنين، ورجح العيش إلى جانب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الشعب على رئاسة قريش، وبقي مع المسلمين في ذلك الشعب وتحمّل عناء تلك المصاعب إلى أن تمّت المحاصرة الاقتصادية(١) .

مضافاً إلى ما ذكر فإنّ أبا طالب حثّ ابنه عليّاًعليه‌السلام على أن يتابع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يلازمه في تمام تلك الأوقات والحالات الشديدة التي كانت تواجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في صدر الإسلام.

فروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة أنّ أبا طالب قال لعليّعليه‌السلام :

«يا بني، إلزمه، فإنّه لن يدعوك إلاّ إلى خير»(٢) .

____________________

(١) للاطلاع أكثر راجع المصادر التالية: السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ١٣٤. تاريخ الخميس، ج ١، ص ٢٥٣ - ٢٥٤. السيرة النبويّة لابن هشام، ج ١، ص ١٨٩. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٥٢. تاريخ اليعقوبي، ج ٢. الإصابة، ج ٤، ص ١١٥. الطبقات الكبرى، ج ١، ص ١١٩.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٣، ص ٢٧٢.

١٤٦

فمن الواضح أنّ هذه الخدمات الجليلة من أبي طالب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتضحياته من أجله ومن أجل الإسلام أبرز دليل على إيمانه.

ومن هنا أنشأ ابن أبي الحديد في بيان الدور المهم لأبي طالب في الذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله:

ولو لا أبو طالب وابنه لما مثل الدين شخصاً فقاما فذاك بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب جسّ الحماما تكفل عبد مناف بأمر وأودى فكان علي تماما فقل في ثبير مضى بعدما قضى ما قضاه وأبقى شماما فللّه ذا فاتحاً للهدى ولله ذا للمعالي ختاما وما ضرّ مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامى كما لا يضرّ إياب الصبا ح من ظن ضوء النهار الظلاما(١)

٣ - وصيّة أبي طالب دليل على إيمانه

نقل المؤرخون المسلمون كالحلبي الشافعي في سيرته، ومحمّد الدياربكري في تأريخ الخميس، وغيرهما وصيّة أبي طالب، فعن الكلبي قال:

«لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم، فقال: يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب... وإنّي اُوصيكم بمحمّد خيراً; فإنّه الأمين في قريش، والصدّيق في العرب... دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلاّ رشد، ولا

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٨٤.

١٤٧

يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد، ولو كان لنفسي مدّة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي»(١) .

٤ - حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب شاهد على إيمانه

جلّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه أبا طالب في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة، أسفر فيها عن حبّه لعمّه، إليك فيما يلي نموذجان منها:

أ - روى بعض المؤرخين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعقيل بن أبي طالب:

«أنا اُحبّك يا عقيل حبّين ; حبّاً لك وحبّاً لأبي طالب لأنه كان يحبّك»(٢) .

ب - روى الحلبي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في عمّه أبا طالب:

«ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب».(٣)

ومن الواضح أنّ حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب وتجليله إياه دليل واضح على إيمانه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحبّ إلاّ المؤمنين، وأما الكفّار فهو غليظ شديد عليهم كما صرّح بذلك الذكر الحكيم بقوله عزّ من قائل:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) تاريخ الخميس، ج ١، ص ٣٠٠. السيرة الحلبيّة، ج ١، ص ٣٩١. روضة الواعظين للفتال النيسابوري، ص ١٤٠.

(٢) تاريخ الخميس، ج ١، ١٦٣. الاستيعاب، ج ٢، ص ٥٠٩.

(٣) السيرة الحلبيّة، ج ١، ٣٩١. الأعلام للزركلي ج ٤، ص ١٦٦. سبل الهدى والرشاد، ج ٢، ص ٤٣٥

(٤) الفتح: ٢٩.

١٤٨

وقال في موضع آخر:

( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِيمانَ ) (١) .

فمع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات المذكورة وقرنها إلى حب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لإبي طالب لا يبقى مجال للترديد والشك في أنّ أبا طالب كان في مرتبة عالية من الإيمان.

٥ - شهادة صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

شهد بإيمان أبي طالب جملة من الصحابة نذكر بعضهم فيما يلي:

أ - روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان جالساً في الرحبة والناس حوله، فقام إليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله فيه وأبوك معذّب في النار ! فقال له:

«مه، فضّ الله فاك، والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله تعالى فيهم»(٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في موضع آخر:

«كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه، مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش»(٣) .

فكلام الإمام هذا يدلّ على أنّ أبا طالب كان في درجة عالية من الإيمان، بل كان من الأولياء الذين لهم الشفاعة للمذنبين.

____________________

(١) المجادلة: ٢٢.

(٢) الحجة، ص ٢٤. مئة منقبة لمحمد بن أحمد القمي، ص ١٧٤.

(٣) وسائل الشيعة، ج ١١، ص ٤٨١. الحجة، ص ٢٤.

١٤٩

ب - يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه في حق أبي طالب:

«والله الذي لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب حتى أسلم»(١) .

ب - روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطّلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة:

«انّ أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله»(٢) .

٦ - أبو طالب في نظرة أهل البيتعليهم‌السلام

صرّح جميع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بإيمان أبي طالب الراسخ، ودافعوا في المناسبات المختلفة عن هذا المحامي الناصر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن نكتفي بذكر مثالين منها، هما:

أ - قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام :

«لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الاُخرى لرجح إيمانه»(٣) .

ب - روى إمامنا الصادق جعفر بن محمّد عن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:

«إنّ اصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك، فآتاه الله أجره مرّتين»(٤) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧١. شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي، ج ٢، ص ٢٩٨.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٧١. بحار الأنوار، ج ٣٥، ص ١٥٨.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٤، ص ٦٨.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٤، ص ٧٠. الكافي، ج ١، ص ٤٤٨، ح ٢٨ وفيه: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ; أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين».

١٥٠

فاتّضح من خلال الأدلّة المذكورة أنّ أبا طالب يتمتع بالمقامات التالية:

١- إيمان قوي وراسخ بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢- المؤازرة والنصرة للرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدفاع عنه في سبيل الإسلام.

٣- حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إياه.

٤- له حقّ الشفاعة عند الله يوم القيامة.

وبهذا اتّضح وهن وبطلان التُّهم الموجّهة لأبي طالب من جانب. كما تنجلي الأستار والحجب عن الحقيقتين التاليتين:

١- أنّ إيمان أبي طالب كان مرضياً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعند أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت، بل وصحابة رسول الله.

٢- أنّ الاتّهامات الموجّهة لأبي طالب عارية عن الصحة، فاقدة للأساس، وأنّ السبب الرئيسي في وجودها هو الأهداف السياسيّة، وبتحريك من اُمراء الدولتين الاُموية والعباسيّة، حيث كانوا يجهرون بالعداء لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وذريته الطاهرةعليهم‌السلام .

وفي هذا المقام نستعرض لك أبرز مصداق استُعمل في هذا المجال بتسقيط شخصيّة هذا المحامي للرسول أبي طالب، والمعروف والمشهور بحديث الضحضاح، ليتبيّن لك بعد التحليل الذي نجريه عليه - وفقاً لما ورد في القرآن الكريم والمسلّم من السنّة النبوية الشريفة، والأدلّة العقليّة الواضحة - بطلانه وفقدانه للأساس.

تحليل حديث الضحضاح

١٥١

نقل بعض الكتّاب والمؤلّفين - كالبخاري ومسلم - روايتان عن مثل «سفيان بن سعيد الثوري»، و «عبد الملك بن عمير»، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد»، فنسبوها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والروايتان هما:

أ - فروى مسلم في صحيحه:

«سمعت العباس يقول قلت: يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك ؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح»(١) .

ب - وروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال:

«لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه اُمّ دماغه»(٢) .

فهذا الحديث المفترى وإن كان واضح البطلان ; لما تقدّم من الأدلّة الدالّة على إيمان أبي طالب، لكنّنا مع ذلك سنتعرض للبحث عن هذا الحديث، وسنبحث ذلك ضمن نقطتين:

أ - ضعف أسانيده.

ب - مخالفته للكتاب العزيز والسنّة النبويّة الشريفة.

ضعف أسانيد حديث الضحضاح

كما اتّضح مما سبق أنّ رواة حديث الضحضاح هم:

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ١، ص ١٣٥. المستدرك على الصحيحين، ج ٤، ص ٥٨١.

(٢) صحيح البخاري، ج ٧، ص ٢٠٢.

١٥٢

«سفيان بن سعيد الثوري»، و «عبد الملك بن عمير»، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد».

وسنبحث أحوال هؤلاء الرواة وأقوال الرجاليين من أهل السنّة فيهم، كي يتبين لك حالهم.

أ - سفيان بن سعيد الثوري:

قال الرجالي المعروف بين أهل السنّة أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي:

«كان يدلّس عن الضعفاء»(١) .

فهذا الكلام دليل واضح على وجود التدليس في روايات سفيان، مما يسقط أحاديثه عن الاعتبار.

ب - عبد الملك بن عمير:

قال الذهبي في شأنه:

؟ ؟ «طال عمره، وساء حفظه. قال أبو حاتم: ليس بحافظ، تغيّر حفظه. وقال أحمد: ضعيف، يخلّط. وقال ابن معين: مخلّط. وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه. وذكر الكوسج عن أحمد: أنّه ضعّفه جدّاً»(٢) .

فمن مجموع هذا الكلام يستفاد أنّ عبد الملك بن عمير كان متّصفاً بالصفات التالية:

أ - عدم الحفظ والنسيان.

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ١٦٩.

(٢) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ٦٦٠.

١٥٣

ب - ضعيف (وهو - في علم الرجال - من لا يمكن الاعتماد على روايته).

ج - كثير الخطأ.

د - مخلّط (وهو من يخلط الحديث الصحيح بغيره).

ومن الواضح أنّ كل صفة من هذه الصفات كافية لتضعيف أحاديث هذا الرجل، مع أنّه اجتمعت فيه تمام هذه الصفات.

عبد العزيز بن محمد الدراوردي:

وصفه علماء الرجال من أهل السنّة بعدم الحفظ، والنسيان، وبعدم إمكان الاحتجاج برواياته ; قال أحمد بن حنبل:

«إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل»(١) .

وقال أبو حاتم:

«لا يحتجّ به»(٢) .

وقال أبو زرعة:

«سيّئ الحفظ»(٣) .

د - الليث بن سعد:

من خلال مراجعة كتب الرجال لعلماء أهل السنّة يعلم أنّ جميع من اسمه «ليث» من الرواة فهو مجهول أو ضعيف فلا يمكن الاعتماد والاستدلال بأحاديثهم.

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٢، ص ٦٣٣.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٥٤

وليث بن سعد هو أحد الضعفاء والمتساهلين في الشيوخ وفي سماع الحديث، قال يحيى بن معين:

«كان يتساهل في الشيوخ والسماع»(١) .

واعتبره النباتي أيضاً من الضعفاء ; حيث ذكره في تذييله على الكامل والذي يختصّ بذكر الضعفاء(٢) .

فيعلم مما ذكرناه أنّ رواة حديث الضحضاح في غاية الضعف، ولا يمكن الاعتماد على روايتهم.

عدم موافقة حديث الضحضاح للكتاب والسنّة في هذا الحديث نسب إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال إن أبا طالب «في غمرات من النار» «في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه»، أو رجا بلوغ شفاعته له بقوله: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة »، والحال أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة خصّت الشفاعة بالمؤمنين والمسلمين، فإذا كان أبو طالب كافراً فكيف يرجو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلوغ شفاعته إليه وتخفيف عذابه !

وبهذا يتبيّن وهن محتوى هذا الحديث بناء على قول من يرى كفر أبي طالب.

والآن نستعرض لك الأدلة الدالة على عدم الشفاعة للكافر سواء من الكتاب أو من السنة، وهي:

أ - قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم:

( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور ) (٣) .

____________________

(١) ميزان الاعتدال، ج ٣، ص ٤٢٣.

(٢) ميزان الاعتدال، ج ٣، ٤٢٣.

(٣) المصنف لابن أبي شيبة، ج ٧، ص ٤٣٢، ح ١٠٤. كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم، ص ٣٥٩، ح ٨٠٣.

١٥٥

ب - نفت السنّة النبوية الشفاعة للكفار، فروى ابن أبي شيبة في «المصنّف»، وعمرو بن أبي عاصم في كتاب «السنّة» عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:

( اُعطيت الشفاعة، وهي نائلة من لم يشرك بالله شيئاً ) (١) .

فعلى هذا الأساس يكون حديث الضحضاح - بناء على قول من يعتقد كفر أبي طالب - عارياً عن الصحّة ومخالفاً لكتاب الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النتيجة:

على ضوء ما مر تبين أنّ حديث الضحضاح فاقد للاعتبار سنداً ومتناً، فلا يمكن الاستدلال به. وبهذا ينهار أقوى دليل يعتمد عليه من يخدش بشخصيّة أبي طالب، ويشرق بذلك وجه مؤمن قريش أبي طالب ليقشع ظلام الافتراء والفتنة.

____________________

(١) فاطر: ٣٦.

١٥٦

السؤال الثلاثون

هل يعتقد الشيعة خيانة جبرئيل في إبلاغ الرسالة رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدل عليٍّعليه‌السلام ؟

الجواب:

قبل الدخول في بيان وهن هذه التهمة الشنيعة والتي نسبها إلى الشيعة بعض الجهّال أو المغرضين، لا بأس ببيان أصلها وجذرها، فنقول:

أصل التهمة وجذرها

ذكرت الآيات الكريمة والروايات المفسّرة لها أنّ اليهود كانوا يتّهمون جبرئيلعليه‌السلام بالخيانة في إبلاغ الرسالة ; فإنّ الله أمره أن يجعل النبوّة في ذرّية يعقوب إسرائيل الله، فجعلها في ذرّية إسماعيل. وعلى هذا الأساس اعتبر اليهود جبرئيلعليه‌السلام عدوّاً لهم(١) ، وجعلوا عبارة «خان الأمين» شعاراً لهم. ولهذا فإنّ القرآن الكريم في مقام الردّ على دعوى اليهود وصف جبرئيلعليه‌السلام بالأمين، في قوله عزّ من قائل:

( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) (٢) .

وقال في موضع آخر:

( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) (٣) .

____________________

(١) انظر تفسير الفخر الرازي، ج ١، ص ٤٣٦ و ٤٣٧ (طبعة مصر).

(٢) الشعراء: ١٩٤.

(٣) البقرة: ٩٧.

١٥٧

فمن الآيات الشريفة المذكورة ومما جاء في تفسيرها يعلم بوضوح أنّ اليهود كانوا يعادون جبرئيلعليه‌السلام ، ويسمّونه «ملك العذاب»، ويتّهمونه بالخيانة في إبلاغ الرسالة.

فأساس شعار «خان الأمين» من خرافات اليهود وإبداعاتهم، فبعض الكتّاب الجهّال الذين لهم عداوة قديمة وأحقاد دفينة ضدّ الشيعة يشربون من هذا المنبع الكدر، والماء الاُجاج، فيتّهمون الشيعة بهذه التهمة الشنيعة.

النبوّة في نظر الشيعة

يعتقد الشيعة تبعاً للكتاب العزيز والروايات الشريفة الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ مرسل مبعوث من الله سبحانه، بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم وأرفعهم رتبة، وهو المبعوث بأفضل دين للعالمين. يقول سيدنا ومقتدانا أمير المؤمنين وسيّد الوصيين في خطبة له عندما بويع بعد مقتل عثمان:

«أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيّين، وحجّة الله على العالمين»(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

«لم يبعث الله عزّوجلّ من العرب إلاّ خمسة أنبياء: هوداً، وصالحاً، وإسماعيل، وشعيباً، ومحمداً خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

فهذا الحديث الشريف يثبت بطلان ما اتُّهم به الشيعة، فإنّ إمامنا الصادقعليه‌السلام بيّن أنّ النبيّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين.

____________________

(١) الكافي، ج ٨، ص ٦٧. بحار الأنوار، ج ٩٢، ص ٥٨٤. نهج السعادة، ج ١، ص ١٨٨.

(٢) بحار الأنوار، ج ١١، ص ٤٢.

١٥٨

وعليه فالشيعة يعتقدون أنّ جبرئيل الأمينعليه‌السلام لم يخُن في إبلاغ الرسالة، وأنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ بالحقّ، وخاتم الأنبياء والمرسلين، ويعتقدون أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وصيّه وخليفته بالحق.

ونرى من المناسب هنا أن نذكر الحديث التالي والذي رواه كلا الفريقين في كتبهم المعتبرة، وهو الحديث المعروف بحديث المنزلة، حيث إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيّن فيه أنّ رسالته آخر رسالة سماوية، وأنّ وصيّه وخليفته عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، حيث يخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً بقوله:

«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».(١)

فهذه الرواية من الناحية السنديّة محلّ اعتماد كبار المحدّثين الإسلاميين سنّة وشيعة، وهي دليل واضح على صحة ما يقول به الشيعة في أمرين هما:

١ - أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء وأفضلهم، وأنّ الله اجتباه واختاره من بين خلقه لهذه الرسالة الخالدة، وأنّه لا نبيّ بعده.

٢ - أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته من بعده.

____________________

(١) هذا الحديث له مصادر كثيرة نشير إلى بعضها فيما يلي:

صحيح البخاري، ج ٦، ص ٣، باب غزوة تبوك. صحيح مسلم، ج ٧ ص ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالب. سنن ابن ماجة، ج ١، ص ٥٥، باب فضائل أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . سنن الترمذي، ج ٥، ص ٣٠٢. و ص ٣٠٤. الكافي، ج ٨، ص ١٠٧، ح ٨٠. علل الشرائع، ج ٢، ص ٤٧٤. معاني الأخبار، ص ٧٤.

١٥٩

السؤال الحادي والثلاثون

ما هو الملاك والمعيار في التقيّة ؟

الجواب:

التقيّة: ستر الاعتقاد وكتمان الإيمان عن المخالفين للوقاية من التعرّض للضرر المادّي والمعنوي الدينيّ والدنيويّ، وهي أحد التكاليف الشرعيّة على كل مسلم، وجذور التقيّة في القرآن الكريم.

التقيّة في النظرة القرآنيّة

نجد في القرآن الكريم والذكر الحكيم آيات عديدة في هذا المعنى، نذكر بعضها فيما يلي:

أ –( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْء إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (١) .

فهذه الآية شاهد للحقيقة التي ذكرناها، وأنّه لا يجوز إبراز المحبّة للكفّار إلاّ من أجل حفظ النفس وتوقّي الأخطار، ففي هذه الحال يجوز إبراز المحبّة لهم.

ب –( مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَ-رَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

____________________

(١) آل عمران: ٢٨.

(٢) النحل: ١٠٦.

١٦٠