الشيعة تجيب

الشيعة تجيب20%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43495 / تحميل: 6010
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

السؤال الثالث

لماذا تقولون إنّ عليّاًعليه‌السلام وصيّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته ؟

الجواب:

أشرنا - في الجواب على السؤال السابق - إلى أنّ الشيعة تعتقد بوضوح أنّ الخلافة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منصوصةٌ، وتعتقد أنّ الإمامة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تساوق النبوّة من جهات عديدة، فكما أنّ تعيين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله، كذلك تعيين وصيّه وخليفته يجب أن يكون من الله جلّ وعلا.

وتاريخ حياة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد لما نقول ; حيث نراهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرّف عليّاً للناس في مواطن متعدّدة بعنوان الولي والخليفة من بعده، ونحن نكتفي بذكر ثلاث منها:

١ - في بدء البعثة المباركة، وعندما اُمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوة عشيرته للتوحيد بقوله تعالى:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ ) (١) ، خاطب الحاضرين بقوله:

إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

٢١

فأحجم القوم عنها جميعاً، إلاّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فعندها التفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الحاضرين وقال:

إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا(١)

٢ - قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام في غزوة تبوك:

أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ؟ !(٢)

يعني أنّه كما كان هارونعليه‌السلام الوصيّ المباشر ومن دون فصل لموسىعليه‌السلام ، كذلك أنت وصيّي وخليفتي.

٣ - في السنة العاشرة من الهجرة وعند رجوع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع وفي منطقة «غدير خم» و أمام حشود بشريّة عظيمة من المسلمين عرّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً بعنوانه وليّاً للمسلمين، فقال:

«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»

الأمر الجالب للانتباه هو قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك وفي أول خطبته حيث قال:

«ألَستُ أولى بكم من أنفسكم ؟»

فأجابه المسلمون أجمع بقولهم: بلى.

وينبغي القول بأن مراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: «مولاه» هو أولويّته بالمؤمنين وولايته عليهم و أنّه صاحب الاختيار التامّ فيهم. ويمكن أن

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج ٢، ص ٦٣. الكامل في التاريخ، ج ٢، ص ٤٠ - ٤١. مسند أحمد، ج ١، ص ١١١. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ١٣، ص ٢١٠ - ٢١٢.

(٢) سيرة النبي (ص) لابن هشام، ج ٤، ص ٩٤٧. السيرة النبوية لابن كثير، ج ٤، ص ١٢.

٢٢

نستنتج أنّه أثبت بذلك لعليّعليه‌السلام نفس الأولويّة الثابتة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي هذا اليوم قال حسان بن ثابت أبياته التي ذكر فيها هذه الحادثة التاريخيّة المهمّة فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيكم؟ فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت نبينا ولم تلق منّا في الولاية عاصيا فقال له قم يا عليّ فانّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أتباع صدق مواليا هناك دعا اللّهمّ وال وليّه وكن للذي عادى عليّاً معاديا(١)

وحديث الغدير من الأحاديث المتواترة بين المسلمين وقد رواه علماؤنا وحدود ثلاثمئة وستون عالماً من علماء أهل السنّة(٢) ، وتنتهي أسانيدها الى مئة وعشر من الصحابة.

وقد كتب ستة وعشرون من كبار علماء المسلمين كتباً في أسناد وطريق حديث الثقلين. وقد جمع أبو جعفر الطبري - المؤرّخ المعروف - أسناد وطرق هذا الحديث في جزئين كبيرين. وللاطلاع على تفصيل أكثر في هذا المجال راجع كتاب الغدير.

____________________

(١) الغدير، ج ٢، ص ٣٤. المناقب للخوارزمي، ص ٨٠. تذكرة خواصّ الاُمة لسبط ابن الجوزي، ص ٢٠. كفاية الطالب، ص ١٧.

(٢) انظر - كنموذج لذلك - كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر (الطبعة الثانية، طبع مصر) الفصل ٢، ص ١٢٢.

٢٣

السؤال الرابع

من هم الأئمّة ؟

الجواب:

صرّح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته الشريفة أنّ الخلفاء بعده اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش، و أنّ عزة الإسلام في ظل خلافتهم، فروى جابر بن سمرة:

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال ؟ فقال: كلّهم من قريش(١)

ولا نجد في تاريخ الإسلام اثني عشر خليفة حافظين لعزة الإسلام سوى الاثني عشر خليفة الذين يعتقد بهم الشيعة، وذلك أنّ هؤلاء الخلفاء الذين ذكرهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جاؤوا بعده مباشرة ومن دون فصل. ومن هنا فلابدّ من معرفتهم. وإذا لاحظنا الخلفاء - عدا الخلفاء الأربعة والذين يطلق عليهم عند أهل السنّة عنوان «الخلفاء الراشدون» - فلا نجدهم سبب عزّة للإسلام، وتاريخ حياة خلفاء بني اُميّة وبني العباس يشهد لما نقول.

و أمّا أئمّتنا الاثنا عشر فإنّهم جميعاً مظاهر الورع والتقوى في زمانهم وعصرهم، والحافظين لسنّة نبيّنا الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل كانوا محطّ أنظار الصحابة والتابعين ومن تلاهم، بل قد شهد المؤرخون بعلمهم ووثاقتهم.

وهؤلاء الأئمة الاثنا عشر هم:

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ٦، ص ٣.

٢٤

١ - علي بن أبي طالب.

٢ - الحسن بن علي (المجتبى).

٣ - الحسين بن علي.

٤ - علي بن الحسين (زين العابدين).

٥ - محمد بن علي (الباقر).

٦ - جعفر بن محمد (الصادق).

٧ - موسى بن جعفر (الكاظم).

٨ - علي بن موسى (الرضا).

٩ - محمد بن علي (التقيّ).

١٠ - علي بن محمد (النقيّ).

١١ - الحسن بن علي (العسكري).

١٢ - الإمام المهدي (القائم)، والذي روى المحدّثون في شأنه روايات متواترة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنّه (المهدي الموعود).

ولأجل التعرّف والاطلاع على حياة هؤلاء القادة العظماء - والذين وردت أسماؤهم على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - راجع الكتب التالية:

١ - تذكرة خواصّ الاُمّة.

٢ - كفاية الأثر.

٣ - وفيات الأعيان.

٤ - أعيان الشيعة (للسيّد محسن الأمين) وهو أجمع هذه الكتب.

٢٥

السؤال الخامس

لِم تعطفوا الآل على اسم النبيّ عند الصلاة عليه ؟

الجواب:

إنّ من المسلّمات والقطعيّات هو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم المسلمين كيفيّة الصلاة عليه، فعندما نزلت الآية الكريمة:( إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (١) سأله المسلمون عن كيفيّة الصلاة عليه، فأجابهم:

«لا تُصلُّوا عليّ الصلاةَ البتراء»

فسألوه ثانياً: كيف نصلّي عليك يا رسول الله ؟ فقال: قولوا:

«اللّهمَّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد»(٢) .

ولآل الرسول منزلة ذكرها الشافعي في أبياته المعروفة حيث قال:

يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له(٣)

____________________

(١) الأحزاب: ٥٦.

(٢) الصواعق المحرقة، الباب ١١، الفصل الأول، ص ١٤٦ (طبعة مكتبة القاهرة). وورد نظيره في الدر المنثور، ج ٥، ص ٢١٦، تفسير الآية ٥٦ من سورة الأحزاب نقلاً عن جملة من المحدّثين و أصحاب الصحاح كالبخاري ومسلم والترمذي و أبي داود والنسائي وابن ماجة و أحمد وعبد الرزاق وابن ابي شيبة وابن مردويه عن كعب بن عجرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق، ص ٢٠٧: (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء. فقالوا: وما الصلاة البتراء ؟ قال: تقولون: «اللهم صلّ على محمد» وتمسكون، بل قولوا: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد»).

(٣) الصواعق المحرقة، الباب ١١، ص ١٤٨. الاتحاف (للشبراوي)، ص ٢٩. مشارق الأنوار (للحمزاوي المالكي)، ص ٨٨. المواهب (للزرقاني) و الاسعاف (للصبان)، ص ١١٩.

٢٦

السؤال السادس

لِم تسمّون أئمّتكم بالمعصومين ؟

الجواب:

الأدلّة على عصمة أئمتنا - والذين هم جميعاً أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - متعدّدة، نكتفي بذكر أحدها فقط.

روى علماء المسلمين - سنّة وشيعة - عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله في آخر أيام حياته الشريفة:

إني تارك فيكم الثقلين; كتابَ الله، وأهلَ بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض(١)

ومما لا ريب فيه ولا شكّ يعتريه أنّ القرآن الكريم مصون عن التحريف والخطأ، إذ لا يمكن سريان الاشتباه والخطأ إلى الوحي الإلهيّ، مع أنّ الموحي هو الله جل وعلا، والحامل للوحي هو جبرئيلعليه‌السلام ، والمتلقّي له نبيّنا الكريم عليه وآله صلوات المصلّين، فكيف يعقل وقوع الاشتباه والخطأ في مثله مع وضوح عصمة الجميع، بل عصمتهم أجلى من الشمس في رابعة النهار ؟! كما انّ عقيدة جميع المسلمين في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه مصون من الاشتباه والخطأ في مقام تلقي الوحي وفي مقام تبليغه.

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين (للحاكم النيشابوري)، ج ٣، ص ١٤٨، الصواعق المحرقة، الباب ١١، الفصل الأول، ص ١٤٩. وورد هذا المضمون في مسند احمد بن حنبل، ج ٥، ص ١٨٢ و ١٨٩. كنزالعمال، ج ١، ص ١٨٦، ح ٩٤٤.

٢٧

فلمّا كان للكتاب العزيز هذه الصيانة والعصمة فمن الواضح أنها ثابتة لأهل بيت النبيّ أيضاً; وذلك أنّ هذا الحديث الشريف جعلهم عِدلاً للقرآن وقريناً مساوياً له في مقام هداية الناس وقيادتهم، ومن لوازم هذه المقارنة والتساوي هو استواؤهما من ناحية العصمة وعدم الخطأ.

وبعبارة اُخرى: لا يصحّ جعل شخص أو أشخاص غير معصومين كِفئاً وقريناً لما لا يعتريه الخطأ والزلل.

ومن أوضح الأدلّة على عصمتهم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«وإنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض»

فإذا أمكن وقوع الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام في الخطأ ووقعوا فيه، فإنّه يلزم افتراقهم عن الكتاب - الذي لا يعتريه الخطأ والزلل - وسيكون سبيلهم غير سبيل القرآن، مع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى ذلك بشدّة.

نعم، المراد من «أهل البيت» في الحديث الشريف ليس هو جميع من انتسب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسباً أو سبباً; لوضوح عدم كون الجميع مصوناً عن الخطأ. وعلى هذا فالمتّصف بهذه الصفة والمتحلّي بهذا المقام إنّما هو جماعة خاصّة من عترته، وهم أئمّتناعليهم‌السلام الذين هم مشاعل الهداية لاُمة جدّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحافظين لسنّته، والحامين لشريعته.

٢٨

السؤال السابع

لِم تشهدون بالولاية لعليّ في الأذان ؟

الجواب:

من الجدير مدّ النظر إلى الاُمور التالية قبل الجواب على هذا السؤال:

١- ذكر فقهاء الشيعة أجمع في كتبهم الفقهيّة - الاستدلاليّة وغيرها - أنّ الشهادة بالولاية لعليّعليه‌السلام ليست جزءاً للأذان والإقامة، و أنّه لا يجوز ذكرها بعنوان الجزئيّة لهما.

٢- إنّ عليّاً في النظرة القرآنيّة أحد أولياء الله، بل صرّحت آية الولاية بولايته على المؤمنين، حيث تقول:

( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ) (١) .

وقد صرّحت الروايات الصحيحة في كتب الفريقين بأنّ الآية الشريفة نزلت في حقّ عليّ عندما تصدّق بخاتمه على الفقير أثناء الركوع. وقد نظم الشاعر المعروف حسّان بن ثابت هذه الواقعة في أبيات له بعد نزول هذه الآية في شأن عليّ، فقال:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضايعاً! وما المدح في ذات الإله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد ويا خير شار ثمّ يا خير بايع

____________________

(١) المائدة: ٥٥.

٢٩

فأنزل فيك الله خير ولاية وبيّنها في محكمات الشرايع(١)

٣ - قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّما الأعمال بالنيّات»(٢)

أي أنّ حقيقة كلّ عمل رهينة بنيّة العامل.

وعلى هذا الأساس نقول: ما المانع من ذكر الشهادة بولاية عليعليه‌السلام إلى جانب الشهادة بالرسالة إذا لم يُقصد بها الجزئيّة، مع وضوح أنّها أصل قرآني صرّح به الذكر الحكيم ؟!

بقي أمر ينبغي الإشارة إليه، وهو أنّ إضافة جملة إلى الأذان أو حذف جملة منه اذا لم يكن مستحسناً فما هو جوابكم على الأمرين التاليين:

١- يشهد التأريخ الصحيح بأنّ جملة «حيّ على خير العمل» كانت من مقاطع الأذان و أجزائه(٣) ، وفي زمان الخليفة الثاني رُفعت هذه الجملة بسبب تصوّر الخليفة أنّ الناس سيتخلفون عن الجهاد بسبب سماعهم هذه الجملة وفهمهم منها أفضلية الصلاة على الجهاد، فلئلاّ يتخلّف المسلمون عن الجهاد رُفعت هذه الفقرة وبقي الأذان على تلك الصورة إلى يومنا هذا.

____________________

(١) الغدير، ج ٢، ص ٥٨. المناقب للموفق الخوارزمي، ص ٢٦٥.

(٢) تهذيب الأحكام، ج ١، ص ٨٣، ح ٢١٨. صحيح البخاري، ج ١، ص ٢. سنن ابن ماجة، ج ٢، ص ١٤١٣، ح ٤٢٢٧.

(٣) كنز العمال، كتاب الصلاة، ج ٨، ص ٣٤٢ نقلاً عن الطبراني: «كان بلال يؤذن بالصبح فيقول: حيّ على خير العمل». سنن البيهقي، ج ١، ص ٤٢٤ و ٤٢٥. الموطأ لمالك، ج ١، ص ٩٣.

٣٠

٢- لم تكن جملة «الصلاة خير من النوم» جزءاً من الأذان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما اُضيفت إليها فيما بعد(١) ، ولهذا قال الشافعي في كتاب الاُم:

«أكره في الأذان الصلاة خير من النوم; لأنّ أبا محذورة لم يذكره»(٢) .

____________________

(١) كنز العمال، كتاب الصلاة، ج ٨، ص ٣٥٧، ح ٢٣٢٥١ و ٢٣٢٥٢.

(٢) نقلاً عن دلائل الصدق، ج ٣، القسم الثاني، ص ٩٧.

٣١

السؤال الثامن

من هو المهدي ولماذا تنتظرونه ؟

الجواب:

ممّا اتّفقت عليه الشرائع السماوية هو مجيء المصلح العالمي في آخر الزمان، وهذا ما يعتقد به النصارى واليهود فضلاً عن المسلمين، والجميع في حال انتظار هذا العادل الذي سيملأ الأرض عدلاً. وبمراجعة كتب العهد القديم والعهد الجديد تتضح هذه الحقيقة بشكل أكثر(١) .

وفي هذا المضمار روى المحدثون عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله:

«لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»(٢) .

فهذا المصلح الذي ينتظره الجميع مما اتّفقت عليه الأديان المختلفة - كما مرّت الإشارة إليه - كما وردت فيه روايات كثيرة من طرق الفريقين بل في صحاح ومسانيد أهل السنة روايات كثيرة في حقه، وقد حرر جملة من المؤلّفين والمحققين كتباً ورسائل كثيرة تعنى به(٣) .

____________________

(١) كتب العهد القديم هي: مزامير داودعليه‌السلام ، المزمور ٩٦ و ٩٧، وكتاب النبيّ دانيالعليه‌السلام ، الباب ١٢.

(٢) سنن أبي داود، ج ٢، ص ٣١٠، ح ٤٢٨٣. ينابيع المودة، ص ٤٣٢. نور الأبصار، الباب ٢، ص ١٥٤.

(٣) من هذه الكتب: البيان في أخبار صاحب الزمان، تأليف: محمد بن يوسف الكنجي الشافعي. والبرهان في علامات مهديّ آخر الزمان، تأليف: عليّ بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي. والمهديّ والمهدوية، تأليف: أحمد أمين.

و أما علماء الشيعة فلهم تأليفات كثيرة في هذا المجال يعسر احصاؤها وعدّها، ككتاب الملاحم والفتن و...

٣٢

وقد ذكرت هذه الروايات أوصافه بنحو بحيث تنطبق بدقّة على الثاني عشر من أئمة أهل البيت وهو المهدي ابن الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام (١) ، ففي هذه الروايات أنّ اسمه كاسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و أنّه الوصي الثاني عشر، و أنّه من ذرّية الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام .

هذا، وقد ولد المهديعليه‌السلام في السنة ٢٥٥ بعد الهجرة، ولا زال حيّاً، يعيش بيننا لكننا لا نعرفه. علماً أنّ طول عمره بهذا المقدار لا ينافي شيئاً مما ثبت علمياً، ولا شيئاً مما ثبت بالنقل. بل يحاول العلم في يومنا هذا إطالة العمر الطبيعي للإنسان، ويرى أنّه ممكن إذا ما أمكن الحدّ من تأثير بعض العوامل الدخيلة في إلحاق الضرر بالانسان. ومن جانب آخر فقد ذكر التأريخ أسماء جملة من المعمّرين، بل إنّ القرآن الكريم صرّح بذلك حيث قال في شأن نوحعليه‌السلام :

( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إِلاّ خَمْسِينَ عامًا ) (٢) .

وقال في شأن يونسعليه‌السلام :

( فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣) .

كما أنّ الخضر وعيسىعليهما‌السلام - من خلال الرؤية القرآنيّة - أحياء فعلاً، بل عليه اتّفاق جميع المسلمين.

____________________

(١) ينابيع المودة، الباب ٧٦، في المناقب المرويّة عن جابر بن عبد الله.

(٢) العنكبوت: ١٤.

(٣) الصافات: ١٤٣ - ١٤٤.

٣٣

السؤال التاسع

إن كانت الشيعة على حقّ فلماذا هم أقلّية بين المسلمين ؟

الجواب:

لا يمكن معرفة الحق وتمييزه عن الباطل من خلال كثرة الاتباع وقلّتهم، فنسبة المسلمين إلى غيرهم في عصرنا الحاضر هي حدود الخمس أو السدس، كما تشكّل أكثرية الشرق الأقصى عَبَدة الأوثان وعَبَدة الأبقار وغيرهما من منكري ما وراء المادة.

كما أنّ نفوس الصين التي تجاوزت المليار نسمة تتشكّل من الشيوعيين الملحدين. وكذا فإنّ نفوس الهند التي هي حدود المليار نسمة تتشكّل من الهندوس وعَبَدة الأوثان.

كما لا تعدّ الأكثرية علامة للحق، بل إنّ القرآن الكريم ذمّ الأكثرية في أغلب الأحيان، ومدح الأقلّية في مواضع عديدة، وإليك نموذجاً من تلك الآيات:

١-( وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ) (١) .

٢-( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٢) (٣) .

٣-( وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (٤) .

____________________

(١) الأعراف: ١٧.

(٢) الأنفال: ٣٤.

(٣) وغيرهما من الآيات الكثيرة والتي منها:( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (البقرة: ١٠٠) ،( وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) (آل عمران: ١١٠) ،( وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (المائدة: ١٠٣) ،( وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (الأنعام: ٣٧) ،( وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) (الأنعام: ١١١) ،( وَ إِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ) (الأعراف: ١٠٢) ،( وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ ) (التوبة: ٨) ،( وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الاَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (الأنعام: ١١٦) ،( فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْت مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (الذاريات: ٣٦).

(٤) سبأ: ١٣.

٣٤

وعليه فينبغي للإنسان الطالب للحقّ أن لا يترك عقيدته لقلّة الأتباع، كما لا ينبغي أن يباهي الآخرين بكثرة الأتباع، وإنما اللازم عليه أن يستنير بنور عقله في معرفة الحقّ من الباطل.

ولهذا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام للحرث بن حوط الليثي عندما سأله عن كثرة مخالفيه في حرب الجمل، فقال: أترى أن طلحة والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل ؟ ! فقال عليعليه‌السلام :

«يا حار، أنت ملبوس عليك، إنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبأعمال الظن، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله»(١) .

فيجب على المسلم أن يبحث المسألة بحثاً علمياً، ويحلّلها تحليلاً منطقياً، ويجعل مشعل هدايته قوله تعالى:

( وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (٢) .

ومع الغض عن ذلك كلّه فإن الشيعة وإن كانوا لا يساوون أهل السنّة عدداً، لكن إذا ما اُجريت إحصائية سكانية لنفوس المسلمين فإنّه سيتبين أنّ نسبتهم إلى جميع المسلمين هي الربع، و أنّهم يسكنون في أغلب المناطق التي يسكنها المسلمون في بقاع العالم المختلفة. وقد عاش - على مرّ العصور - جملة من العلماء والكتّاب المعروفين والذين لهم كتب معروفة بين الشيعة.

من الجدير بالذكر أنّ المؤسس لجملة من العلوم هم من الشيعة، ومنهم:

أبو الأسود الدؤلي (مؤسس علم النحو).

____________________

(١) انساب الاشراف للبلاذري، ص ٢٣٨. فيض القدير في شرح الجامع الصغير، ج ١، ص ٢٧٢ و ج ٤، ص ٢٣.

(٢) الإسراء: ٣٦.

٣٥

الخليل بن أحمد الفراهيدي (مؤسس علم العروض).

معاذ بن مسلم بن أبي سارة (مؤسس علم الصرف).

أبو عبد الله محمد بن عمران الكاتب الخراساني (أحد المقدّمين في علم البلاغة).

وللاطلاع على التآليف الكثيرة لعلماء الشيعة والتي يعسر إحصاؤها راجع كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، وللتعرّف على الشخصيات والوجوه الشيعية المعروفة راجع كتاب «أعيان الشيعة»، ولمعرفة تأريخ الشيعة الميمون راجع كتاب «تاريخ الشيعة».

٣٦

السؤال العاشر

ما هي الرجعة، ولماذا تعتقدون بها ؟

الجواب:

في اللغة: «الرَّجْعة: الرجوع»، وفي الاصطلاح: «رجوع جمع من الناس بعد الموت وقبل يوم القيامة إلى الحياة الدنيا» وتحصل عند ظهور الإمام المهديّعليه‌السلام ، وهذه الرجعة لا تنافي العقل ولا النقل. فنجد أنّ حقيقة الإنسان - في الرؤية الإسلامية والشرائع السماوية الاُخرى - هي روحه، والتي قد يعبّر عنها بالنفس أيضاً، ولا تفنى هذه الروح بفناء البدن، بل تبقى حيّة، وتدوم حياتها الخالدة.

ومن جانب آخر فإن الباري سبحانه وتعالى - وكما يصرح الكتاب العزيز - قادر مطلق، وليس لقدرته حدّ تنتهي إليه.

فتبيّن من خلال هاتين المقدّمتين أنّ الرجعة ممكنة عقلاً، وذلك أنّ العقل إذا تأمّل قليلاً أذعن أنّ الرجعة أسهل بكثير من أصل الخلقة، فالباري سبحانه الذي ابتدع وفطر الخلائق من العدم قادر على إرجاعهم بلا ريب.

و أما من اُفق النقل، فيمكن أن نرى نماذج من الرجعة في الاُمم السالفة، حيث يصرح القرآن الكريم في هذا المجال بقوله:

( وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

____________________

(١) البقرة: ٥٥ و ٥٦.

٣٧

وقال في موضع آخر عن لسان عيسىعليه‌السلام :

( وَ أُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ ) (١) .

بل إنّ القرآن الكريم مضافاً إلى تصريحه بإمكان الرجعة، يؤيد وقوعها في اُناس ماتوا، فذكر في آيتين رجوع أقوام إلى الدنيا بعد رحلتهم عنها وقبل يوم القيامة، والآيتان هما:

( وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دابَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ * وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (٢) .

ولنذكر مقدمة ليتّضح الاستدلال بالآيتين الشريفتين على الرجعة قبل يوم القيامة، وهي من أمرين:

١- قال المفسّرون إنّ الآيتين الكريمتين تتحدّثان حول يوم القيامة، و أنّ الآية الاُولى تبيّن أحد العلائم التي تكون قبل يوم القيامة، كما يقول جلال الدين السيوطي في تفسيره «الدر المنثور»، حيث أخرج عن ابن أبي شيبة عن حذيفة قال:

«تخرج الدابة مرتين قبل يوم القيامة...»(٣) .

٢- لا ريب أنّه في يوم القيامة يحشر الناس جميعاً، لا طائفة معينة من كلّ اُمّة، ولهذا تقول الآية الكريمة:

( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ ) (٤) (٥) .

____________________

(١) آل عمران: ٤٩.

(٢) النمل: ٨٢ و ٨٣.

(٣) الدر المنثور، ج ٥، ص ١١٧.

(٤) هود: ١٠٣.

(٥) فسّر السيوطي اليوم ب- «يوم القيامة»، (انظر: الدر المنثور، ج ٣، ص ٣٤٩).

٣٨

وقال في موضع آخر:

( وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الاَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) (١) .

وعليه فإن الناس جميعاً محشورون يوم القيامة، ولا يختصّ الحشر بقوم دون آخرين.

٣- إنّ الآية الثانية من الآيتين المذكورتين تصرّح بأنه يوجد حشرٌ لقوم معيّنين دون عموم الناس حيث تقول:

( وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) .

وهي صريحة في عدم حشر جميع الناس.

النتيجة:

اتضح جيداً من هذه المقدمات الثلاث أنّ حشر جمع خاصّ من الناس وهم المكذّبون بآيات الله - كما صرحت به الآية الكريمة - سيكون قبل يوم القيامة; وذلك أنّ الحشر في القيامة سيعمّ الجميع بلا ريب، ولا يختصّ بقوم دون آخرين.

وبهذا البيان اتّضح أنّه سترجع طائفة من الناس بعد الموت وقبل القيامة إلى هذه الحياة الدنيا، وهي الرجعة التي نقول بها.

ومن هنا نجد أنّ أهل البيتعليهم‌السلام - والذين هم قرين القرآن الكريم والمفسّرين للكتاب العزيز - بيّنوا ذلك بوضوح. ورعاية للاختصار ننقل إليك نموذجين من كلماتهم في هذا المجال:

____________________

(١) الكهف: ٤٧.

٣٩

«العطار، عن سعد، عن ابن يزيد، عن محمد بن الحسن الميثمي، عن مثنى الحناط قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة»(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام :

«ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا»(٢) .

ومن المناسب للمقام ذكر الأمرين التاليين:

١- فلسفة الرجعة

عند التأمّل في أهداف الرجعة نجد أنّ من أهدافها ما يلي:

١- لبيان عظمة الإسلام الحقيقي، وإبراز خور الكفر.

٢- لجزاء المؤمنين والمحسنين، وعقوبة الكافرين والظالمين.

٢- الفرق الجوهري بين الرجعة و التناسخ

تجب الإشارة إلى أنّ الاعتقاد بالرجعة - في عقيدة الشيعة - لا يلازم الاعتقاد بالتناسخ ; وذلك أنّ أساس القول بالتناسخ مبنيّ على إنكار القيامة، و أنّ العالم في حالة تكرار مستمرّة، فكلّ جيل ينسخ الجيل السابق عليه، وهكذا. وعلى أساس هذا النظريّة ترجع الروح الانسانية بعد الموت إلى هذا العالم وتحلّ في بدن آخر، فإن كانت الروح روح صالح انتقلت إلى بدن يريحها بالسيرة والأعمال، وإن كانت الروح روح كافر انتقلت إلى بدن يؤذيها بالسيرة والأعمال، وهذا الرجوع بمنزلة الحساب لها.

____________________

(١) بحار الأنوار: ج ٧، ص ٦١، ح ١٣ نقلاً عن الخصال.

(٢) من لا يحضره الفقيه، ج ٣، ص ٤٥٨، ح ٤٥٨٣.

٤٠

و أما القائلين بالرجعة فهم يعتقدون بوجود الحساب والقيامة ; تبعاً للشريعة المقدّسة. ومن جانب آخر فإنّهم يعتقدون باستحالة انتقال الروح المنفصلة عن بدن معيّن إلى بدن آخر. وإنما يعتقدون رجوع جمع من الناس إلى الحياة الدنيا بعد الموت وقبل يوم القيامة.

٤١

السؤال الحادي عشر

ما هي الشفاعة التي تعتقدون بها ؟

الجواب:

الشفاعة من الاُصول الإسلامية المسلّمة، والتي تلقّتها جميع الفرق الإسلامية بالقبول; تبعاً للوارد في الآيات الكريمة والروايات الشريفة. نعم اختلفوا في آثارها.

وحقيقة الشفاعة أن يطلب الإنسان الوجيه عند الله المغفرةَ للمذنب من الباري سبحانه، أو يطلب منه علوّ الدرجات لشخص آخر. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«اُعطيت خمساً... واُعطيتُ الشفاعةَ فادّخرتُها لاُمَّتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً»(١) .

تقييد الشفاعة

الذي يرى الشفاعة من اُفق القرآن يجد أنّها بمعناها المطلق ومن دون أي قيد مردودةٌ، و أنّ الشفاعة المؤثرة هي ما كانت بالصفة التالية:

١- أن يكون الشفيع مأذوناً في الشفاعة من الله سبحانه، فلا يجدي القرب لوحده، وإنما يجب أن يكون مأذوناً في الشفاعة أيضاً، قال تعالى:

( يَوْمَئِذ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) (٢) .

____________________

(١) مسند احمد بن حنبل، ج ١، ص ٣٠١. صحيح البخاري، ج ١، ص ٩١ (طبع مصر).

(٢) طه: ١٠٩.

٤٢

٢- أن يكون للمشفوع له استعداد لقبول الفيض الإلهيّ الوارد عليه بواسطة الشفيع ; بمعنى أن لا ينقطع ارتباطه الإيماني بالباري سبحانه، بل يبقى محفوظاً. وعليه فلا شفاعة للكافر، ولا لبعض المسلمين كتارك الصلاة وقاتل النفس المحترمة ظلماً ; وذلك أنّ هؤلاء قطعوا صِلتهم الروحية بالباري سبحانه، قال سبحانه في حقّ تاركي الصلاة والمنكرين ليوم الدين:

( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ ) (١) .

وقال في حق الظالمين:

( ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَ لا شَفِيع يُطاعُ ) (٢) .

فلسفة الشفاعة

الشفاعة كالتوبة، نافذة يدخل منها شعاع الأمل لقلوب المذنبين الذين أحسّوا باشتباههم أثناء السير والسلوك إلى الله، حيث تكون داعياً لترك المعاصي ; حيث أنّهم يعلمون أنّ الشفاعة باب مفتوح أمامهم ضمن شرائط خاصّة، لا مطلقاً، فيمكنهم ولوج هذا الباب والنجاة من العذاب إذا ما راعوا تلك الشرائط، فيحاولون أن لا يتجاوزوا تلك الحدود لئلاّ تفوتهم الشفاعة.

أثر الشفاعة

اختلف المفسرون في أثر الشفاعة ; وهل أنّها تفيد غفران الذنوب، أم رفع الدرجات؟ الذي يتراءى لنا من خلال قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الرأي الأول لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) المدثر: ٤٨.

(٢) غافر: ١٨.

٤٣

«إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من اُمّتي»(١) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة، ج ٢، ص ١٤٤١، ح ٤٣١٠. سنن الترمذي، ج ٤، ص ٤٥. سنن أبي داود، ج ٢، ص ٥٣٧. مسند أحمد، ج ٣، ص ٢١٣.

٤٤

السؤال الثاني عشر

هل طلب الشفاعة من الشفعاء شركٌ بالله ؟

توضيحه: قد يقال: إنّ الشفاعة من شؤون الباري جلّ وعلا المخصوصة به، لقوله عزّ اسمه:

( قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعًا ) (١) .

وعليه فالشفاعة طلبٌ لما هو مخصوص بالباري من غيره سبحانه وهم عبيده، والطلب الذي يتّسم بهذه السمة نوع عبادة لغير الله، وهو ينافي التوحيد في العبادة لله سبحانه وتعالى.

الجواب:

المقصود من الشرك هنا ليس هو الشرك في الذات، ولا الشرك في الخلق، ولا الشرك في التدبير، وإنما المقصود هو الشرك في العبادة. وعليه فبيان الجواب يعتمد على تفسير وفهم معنى العبادة بالدقّة.

ثم إنّ تفسير العبادة لا يرجع إلينا، كي نعتبر الخضوع لكلّ مخلوق أو الطلب منه عبادة.

هذا، والقرآن الكريم يصرّح بأنّ الملائكة سجدت لآدم، قال تعالى:

( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) (٢) .

____________________

(١) الزمر: ٤٤.

(٢) الحجر: ٢٩ - ٣٠.

٤٥

فسجود الملائكة لآدمعليه‌السلام بأمر الله سبحانه، ليس عبادة له ; وإلاّ لما أمر الباري سبحانه به.

كما سجد يعقوبعليه‌السلام و أولاده ليوسفعليه‌السلام ، على ما أفصح به الذكر الحكيم حيث قال:

( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ) (١) .

فإذا كان هذا الخضوع عبادة ليوسفعليه‌السلام لما فعله النبيّ يعقوبعليه‌السلام ، والذي يتحلّى بالعصمة ! بل لو كان هذا الخضوع عبادة ليوسف لما ارتضاه من أولاده أيضاً. كلّ ذلك مع أنّنا لا نجد خضوعاً أشدّ من السجود.

فعلى هذا يجب التفريق بين مفهوم الخضوع والطلب من الآخرين وبين مفهوم العبادة، فحقيقة العبادة أن يعتقد الإنسان الالوهية لمخلوق معيّن، ويعبده، أو أن يعتقد أنّ الأفعال الإلهية - كتدبير العالم وغفران الذنوب - مفوّضة لمخلوق معيّن. و أما إذا كان الخضوع للمخلوق من دون أن نعتقد فيه الالوهية، ومن دون أن نعتقد تفويض الشؤون الإلهيّة إليه، فليس هذا عبادة، بل هو مجرّد احترام له ; نظير احترام الملائكة لآدم، واحترام يعقوب ليوسفعليهما‌السلام .

وفي مقام الجواب عن السؤال نقول: إذا اعتقدنا أنّ الشفاعة مفوّضة للشفعاء، و أنّهم يشفعون لمن يريدون من دون أي قيد أو شرط، وهم السبب في مغفرة ذنوبهم، فهذا شرك ; لأنّنا طلبنا ما هو لله من غيره. و أمّا إذا اعتقدنا أنّ بعض عباد الله الصالحين مجازون بالشفاعة للمذنبين ضمن اطار وحدود معينة والتي من أهمها رضا الله سبحانه، فهذا لا يلازم الاعتقاد باُلوهية هذا الشافع الصالح كما هو واضح، كما لا يلازم تفويض شأن الهي إليه، بل هو طلب ممن هو أهل لذلك.

____________________

(١) يوسف: ١٠٠.

٤٦

ولهذا نجد أنّ المذنبين على عهد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يأتون إليه لطلب المغفرة، ومع ذلك لم ينسبهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للشرك، ففي سنن ابن ماجة:

«أتدرون ما خيرني ربي الليلة ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنّه خيّرني بين أن يدخل نصف اُمتي الجنّة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلنا من أهلها. قال: هي لكل مسلم»(١) .

فالحديث صريح في طلب الصحابة المغفرة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقولهم: «ادع الله». كما أنّ الكتاب العزيز يصدع بقوله:

( وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابًا رَحِيمًا ) (٢) .

وقال في مقام آخر:

( قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ ) (٣) .

وقد أجابهم نبيّ الله يعقوب إلى ذلك ووعدهم أن يستغفر لهم بقوله:

( قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٤) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة، ج ٢، ص ١٤٤٤ باب ذكر الشفاعة.

(٢) النساء: ٦٤.

(٣) يوسف: ٩٧.

(٤) يوسف: ٩٨.

٤٧

السؤال الثالث عشر

هل الاستعانة بغير الله شرك ؟

الجواب:

جميع الناس وجميع الأشياء - في النظرة الاسلامية وبنظر العقل - محتاجة إلى الله في تأثيرها كحاجته إليه عند بدء الخلقة، يقول الباري في محكم كتابه:

( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (١) .

وقال في موضع آخر:

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (٢) .

وعلى هذا الأساس نكرر الآية التالية في كلّ صلاة:

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٣) .

ولإيضاح الجواب عن السؤال المذكور نقول: الاستعانة بغير الله لها صورتان:

١- أن نستعين بغير الله مع اعتقاد أنّه مستقلّ عن الباري في أفعاله وغنيّ عنه في إعانته. فهذا الشكل من الاستعانة لا ريب في أنّه شرك بالله سبحانه، والقرآن الكريم يصف هذا النوع من التصور بفقدانه للأساس وبعده عن الصواب، حيث يقول:

( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيرًا ) (٤) .

____________________

(١) فاطر: ١٥.

(٢) آل عمران: ١٢٦.

(٣) الفاتحة: ٥.

(٤) الأحزاب: ١٧.

٤٨

٢- أن نستعين بغير الله مع اعتقاد أنّه لا استقلال له عن الحقّ جلّ وعلا، وإنّما هو محتاج إليه في أفعاله وتأثيراته، بل إنّ تأثيره في الأشياء إنما هو من جانب الله سبحانه أيضاً، وقد جعل الله له هذه القدرة والتأثير رفعاً لحاجة العباد.

وعلى أساس هذه النظرة تكون استعانتنا بهذا المخلوق استعانة به بما هو واسطة جعلها الله وسيلة لقضاء حوائج الآخرين. وهذه الاستعانة في حقيقتها استعانة بالله سبحانه ; فهو الذي أفاض عليه الوجود، و أفاض عليه قدرة التأثير لتأمين حوائج الآخرين، وذلك أنّ حياة البشر في النشأة الدنيا مبنية على أساس الاستعانة بالأسباب والمسببات، بحيث لو لم يستعينوا بها اختلّ نظام الحياة.

فإذا نظرنا إليها بما هي عوامل و أسباب لتأثير الباري في الموجودات، و أنها محتاجة في تأثيرها إلى الباري كحاجتها إليه في أصل وجودها. فهذه الاستعانة لا تنافي التوحيد أبداً.

فالفلاح الموحّد إذا استعان في زراعته بأسباب وعوامل طبيعية نظير التربة والماء والهواء والشمس لنموّ البذور حتى يجني منها محاصيله، هو في الحقيقة مستعين بالله سبحانه; لأنّه هو المعطي لها هذا الاستعداد والقابلية لإنماء الزرع. وهذه الاستعانة تنسجم تماماً مع التوحيد ولا تنافيه بالمرّة، بل إنّ القرآن الكريم يوصينا بالاستمداد ببعض الاُمور; كالصبر والصلاة، في قوله عزّ من قائل:

( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) (١) .

ومن الواضح أنّ الصبر والصلاة من أفعال البشر، ونحن مأمورون بالاستعانة بهما. في الوقت الذي نجد الآية حصرت الاستعانة به سبحانه في قوله تعالى:

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢) .

ولا تنافي بينهما أصلاً.

____________________

(١) البقرة: ٤٥.

(٢) الفاتحة: ٥.

٤٩

السؤال الرابع عشر

هل دعاء ونداء الآخرين من الشرك بالله ؟

الذي أثار هذا التساؤل هو ظاهر بعض الآيات والروايات الناهية عن ذلك، كقوله تعالى:

( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (١) .

وقوله تعالى:

( وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ ) (٢) .

حيث تمسكت طائفة من الناس بظاهر هذه الآيات وقالوا: إنّ نداء أولياء الله والصالحين - بعد رحيلهم عن هذه الدنيا - عبادة لهم وشرك بالله العظيم.

الجواب:

لإيضاح الجواب عن السؤال المذكور ينبغي بيان معنى اللفظتين: «الدعاء» و «العبادة»، فنقول: لا شكّ أنّ لفظ «الدعاء» في اللغة العربية بمعنى النداء والدعوة. ولفظ «العبادة» بمعنى الخضوع الخاص مقابل الإله. ومن هنا فلا يمكن عدّهما مترادفين وبمعنى واحد ; أي لا يمكن القول بأن كلّ نداء ودعاء عبادةٌ ; لأنّه:

١- استعملت مادة «دعو» في القرآن الكريم في موارد لا يمكن القول بأن المراد منها هو العبادة، نظير:

( قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهارًا ) (٣) .

____________________

(١) الجن: ١٨.

(٢) يونس: ١٠٦.

(٣) نوح: ٥.

٥٠

فهل يا ترى يمكن القول بأن مراد نبيّ الله نوحعليه‌السلام أنّه كان يعبد قومه ليلاً ونهاراً!!

وعليه فلا يمكن القول بأن «الدعاء» و «العبادة» مترادفان، فإذا نادى شخص أحداً من الأولياء والصالحين فقد عبده ; وذلك أنّ النداء أعمّ من العبادة.

٢- المراد من الدعاء في مجموع هذه الآيات ليس هو مطلق النداء، بل هو الدعوة الخاصة التي يمكن ان تلازم العبادة ; وذلك أنّ جميع هذه الآيات واردة في شأن عبدة الأوثان الذين يعتقدون أنّ الأوثان آلهة صغار. ولا ريب أنّ دعاء واستغاثة هؤلاء بآلهتهم التي يعتقدون أنها المالكة للشفاعة والمغفرة و… وانها المتصرّف المستقلّ في اُمور الدنيا والآخرة. ومن الواضح أنّه في مثل هذه الظروف والشرائط يكون طلب ودعاء هؤلاء لهذه الموجودات عبادة.

ومن أوضح الشواهد على أنّ دعوة هؤلاء كانت مقرونة بعقيدة الاُلوهية هو هذه الآية الشريفة:

( فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْء ) (١) .

وعلى هذا فالآيات المبحوث عنها لا ربط لها بالبحث، فمحلّ البحث هو طلب عبد من آخر لا يعتقد الوهيته ولا يرى أنّه المالك والمتصرف المختار في شؤون الدنيا والآخرة، وإنما يرى أنّه عبد عزيز ومحترم من عبيد الله سبحانه، اجتباه الله رسولاً أو نبياً، ووعده قبول دعائه في حق العبيد بقوله:

( وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَ-هُمْ جاؤُوكَ فَاسْ-تَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْ-تَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُ-ولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابًا رَحِيمًا ) (٢) .

____________________

(١) هود: ١٠١.

(٢) النساء: ٦٤.

٥١

٣ - الآيات المذكورة دليل واضح على أنّ المراد من الدعوة ليس هو مطلق طلب الحوائج، وإنما الدعوة للعبادة، وذلك للتعبير في نفس الآية بعد ذلك بلفظ العبادة، فالآية هي:

( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) (١) .

ففي أول الآية ورد لفظ «ادْعُونِي» وفي آخرها لفظ «عِبادَتِي»، وهذا دليل على أنّ المراد من الطلب أو الاستغاثة انما هو بالموجودات الاُخرى التي يعتقد أنها بالصفات الإلهية.

النتيجة:

نستنتج من المقدمات الثلاث المذكورة أنّ الهدف الرئيسي للقرآن من هذه الآيات هو النهي عن دعوة عَبَدة الأوثان الذين يرون أنّ الأوثان شريكة للباري سبحانه و أنها المدبّرة والشفيعة، فكل خضوع وتذلل واستعانة واستغاثة واستشفاع بهذه كان من خلال النظر إليها كآلهة صغار هي المتولية لشؤون الإله في الدنيا والآخرة، و أنّ الباري فوّض إليها شؤون الخلق. وليست لهذه الآيات علاقة بالتوسّل والاستغاثة بالأرواح الطاهرة والنفوس الزكية للأولياء الذين هم في نظر الداعي عبيد لله سبحانه وتعالى ولا يسمو مقامهم عن حد العبودية شيئاً أصلاً، وإنما هم عباد محبوبون لله جلّ وعلا. وإذا قالت الآية الكريمة:

( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (٢) .

فالمراد هو دعوة عرب الجاهلية لمعبوداتهم من الأصنام أو الأجرام السماوية أو الملائكة أو الجنّ. فهذه الآية ونظائرها ناظرة لدعوة الشخص أو الشيء المقرونة باعتقاد الالوهية، ولا ريب أنّ دعاء هذه المخلوقات مع هذه العقيدة يعدّ عبادة

____________________

(١) غافر: ٦٠.

(٢) الجن: ١٨.

٥٢

لها، لكن ما هي علاقة هذه الآيات بالدعاء والطلب من شخص مع عدم اعتقاد ربوبيته ؟ !

لكن يمكن أن يتصوّر أنّ الاستغاثة بالأولياء والصالحين جائز في زمان حياتهم فحسب، و أمّا بعد مماتهم فهو غير جائز، وشرك بالله العظيم.

وللجواب عن هذا التصور نقول:

١ - نحن إنما نستعين بأرواح الصالحين من عباد الله كنبيّنا و أئمّتنا صلوات الله عليهم أجمعين، الذين صرح القرآن الكريم بحياتهم، و أنّهم يعيشون في مقام أسمى من مقام الشهداء في عالم البرزخ، ولا نستعين بأبدانهم المودعة في لحود القبور، وإن كنا نستعين بهم عند قبورهم، فهو لأنّ هذه الحالة تقوّي حالة الارتباط بأرواحهم الطاهرة والتوجه إليها. مضافاً إلى أنّ مضاجعهم الطاهرة من مواضع استجابة الدعاء كما ورد في الروايات الشريفة.

٢ - لا يمكن جعل الحياة والممات معياراً للشرك والتوحيد، مع أنّ كلامنا هنا عن المعيار في ذلك، لا في مقام قبول هذه الأدعية والاستغاثات وعدمه. مع أننا بينّا هذه الجهة في محلّها أيضا.

٥٣

السؤال الخامس عشر

ما هو البداء ولماذا تعتقدون به ؟

البداء لغة: هو الظهور والجلاء. وفي اصطلاح علماء الشيعة: تغيّر المسير الطبيعي لمصير الإنسان على أثر سلوكه وعمله الصالح.

والبداء من المسائل العقائديّة السامية في المذهب الشيعي، وهي مستوحاة من العقل والنقل. فالإنسان في الرؤية القرآنية ليس محدوداً ومقيداً بمصير معين، بل له الرجوع عن جادة الضلال وتغيير مصيره من الشقاء إلى السعادة، وستكون أعماله الصالحة سبباً لتغيير مصيره. ومن هنا يبين القرآن الكريم هذه الحقيقة كأصل ثابت وشامل، فيقول:

( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (١) .

وقال في موضع آخر:

( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَ الاَرْضِ ) (٢) .

وقال في شأن النبيّ يونسعليه‌السلام وتغيير مصيره:

( فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣) .

____________________

(١) الرعد: ١١.

(٢) الأعراف: ٩٦.

(٣) الصافات: ١٤٣ و ١٤٤.

٥٤

والذي يبدو من الآية الأخيرة هو أنّ مقتضى الحال كان يوجب بقاء يونس في هذا السجن إلى يوم القيامة، لكن عمله الصالح - وهو التسبيح - غيّر مصيره و أنجاه مما كان فيه.

كما أنّ الروايات الشريفة أيدت هذه الحقيقة، حيث يقول نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردّ القدرَ إلاّ الدعاء، ولا يزيد في العمر إلاّ البرّ»(١) .

فيستفاد من هذه الرواية و أمثالها أنّ الإنسان يحرم من الرزق بسسبب المعاصي، ولكنه بالعمل الصالح كالدعاء يمكنه تغيير المقدّر له، وبالإحسان يزيد في عمره.

النتيجة:

المستفاد من آي الذكر الحكيم و السنّة الشريفة أنّ الإنسان - وفقاً لنظام الأسباب والمسببات - قد يكون محكوماً بمصير مظلم نتيجة لسوء أعماله، بل قد يخبره أحد الأولياء أو الأنبياءعليهم‌السلام بسوء منقلبه وعاقبته، ومعنى هذا الإخبار هو أنّ نتيجة هذا السلوك والتصرف إذا ما استمرّ هو هذه النتيجة المشؤومة. وأما إذا حصل تغيّر وتحوّل في سلوكه فإن مآله و مصيره سينقلب و يتغيّر.

فهذه الحقيقة النابعة من الوحي الإلهي والروايات الشريفة والعقل هي المسماة عند علماء الشيعة ب- «البداء».

____________________

(١) مسند احمد بن حنبل، ج ٥، ص ٢٧٧. المستدرك على الصحيحين، ج ١، ص ٤٩٣، وج ٣، ص ٤٨١.

٥٥

الجدير بالذكر أنّ اصطلاح «البداء» ليس من التعابير المختصة بالشيعة، وإنما نجده في كتب أهل السنة أيضاً، بل نجد أساسه في أحاديث نبينا الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ننقل على سبيل المثال حديثاً واحداً استعمل فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لفظ البداء، وهو:

وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى «بدا للّهِ عزّوجلّ أن يبتليهم»(١) .

نعم، البداء لا يعني حصول التغيير في ساحة العلم الإلهي الأقدس ; لإن الباري عزّوجلّ عالم بسلوك الناس وسيرتهم الطبيعية، وعالم بالعوامل المؤثرة في تغيير هذه المسيرة والحركة نحو اتجاه آخر التي هي السبب في حصول البداء، وهذا ما صرح به الذكر الحكيم بقوله:

( يَمْحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (٢) .

فعلى هذا الأساس يكون معنى البداء لله سبحانه هو أن تظهر لنا الحقيقة المخفيّة علينا والمعلومة له سبحانه من الأزل. ولهذا يقول إمامنا الصادقعليه‌السلام :

«ما بَدا لِلهِ في شيء إلاّ كان في عِلمِه قبلَ أن يَبدوَ لَهُ»(٣) .

فلسفة البداء:

لا شك ولا ريب أنّ الإنسان إذا علم أنّ بإمكانه تغيير مصيره فإنّه سيندفع نحو تحقيق مستقبل أفضل، وسيتحرك إلى ذلك بحافز أقوى وجدّية أكثر. وبعبارة اُخرى وبيان آخر: كما أنّ التوبة والشفاعة لهما الأثر في إيجاد النشاط والحيوية في الحياة والحيلولة دون اليأس والقنوط، فكذا البداء ; فإنّه باعث على الحيويّة والأمل في الحياة، ويبعث على الثقة بمستقبل زاهر ; لأنّه يعلم أنّ القضاء الإلهي فسح له المجال لتغيير مستقبله ومصيره ومآله نحو الأفضل.

____________________

(١) النهاية في غريب الحديث لابن الاثير، ج ١، ص ١٠٩.

(٢) الرعد: ٣٩.

(٣) الكافي، ج ١، ص ١٤٨، ح ٩.

٥٦

السؤال السادس عشر

هل تعتقد الشيعة بتحريف القرآن ؟

المشهور بين علماء الشيعة هو أنّ القرآن الكريم مصون عن التحريف، وأنّه لم يتطرّق إليه التصحيف أصلاً، وأنّ القرآن الموجود بأيدينا اليوم هو عين القرآن النازل على نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون زيادة ونقصان، ولأجل إيضاح ما قلناه نذكر بعض الأدلّة على ذلك:

١ - إنّ الباري سبحانه وتعالى ضمن لنا حفظ كتابه العزيز، حيث قال:

( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (١) .

وبما أنّ الشيعة يعتبرون القرآن منهجاً فكرياً وعملياً لهم فهم يعظمون هذه الآية ويؤمنون بما تنادي به من حفظ وصيانة الكتاب العزيز.

٢ - إن قائد الشيعة الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي كان مرافقاً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دوماً، وكان من كتّاب الوحي، كان يوصي الناس - وفي مناسبات مختلفة - بالرجوع إلى القرآن، وإليك بعض كلماته النيّرة:

«واعلَموا أنّ هذا القرآنَ هو الناصِحُ الذي لا يَغِشُّ، والهادي الذي لا يَضِلُّ، والمُحدِّثُ الذي لا يَكذِبُ»(٢) .

وقال:

____________________

(١) الحجر: ٩.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

٥٧

«وإنّ اللهَ سبحانَه لم يَعِظ أحَداً بمِثلِ هذا القُرآنِ، فإنّه حبلُ اللهِ المتينُ، وسَبَبُه الأمينُ»(١) .

وقال:

«ثمّ أنزلَ عليهِ الكِتابَ نوراً لا تُطفأُ مصابيحُه، وسِراجاً لا يَخبو تَوقُّدُه، وبَحراً لا يُدرَكُ قَعرُه، ومِنهاجاً لا يَضِلُّ نَهجُه، وشُعاعاً لا يُظلمُ ضَوؤُهُ، وفُرقاناً لا يَخمَدُ بُرهانُه»(٢) .

فكلام سيد الأوصياء يوضح أنّ القرآن مصباح هداية لمن استضاء به، لا يطفأ نوره إلى الأبد، فكلّ تغيّر يوجب إطفاء هذا النور، أو يسبّب الضلالة، فهو غير ممكن فيه.

٣- اتفق علماء الشيعة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

«إنّي تاركٌ فيكُم الثَّقَلينِ ما إن تَمَسَّكتُم بهما لن تَضِلّوا ; كِتابَ اللهِ وعِترتي، وإنّهما لَن يَفتَرِقا حتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ»(٣) .

وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين، فرواه السنّة والشيعة. ومنه يعلم بوضوح أنّ القرآن الكريم - في نظر الشيعة - لا يتسرّب إليه التحريف والتغيير، لأنّه إذا نفذ التحريف إلى الكتاب العزيز فلا يكون التمسّك به موجباً للهداية، وهذه النتيجة تخالف النص المتواتر.

٤- صرّحت روايات أئمتنا المعصومين والتي رواها علماؤنا وفقهاؤنا أنّ القرآن ميزان لتمييز الحقّ من الباطل، والصحيح من غيره، وهذا بمعنى أنّ الكلام الوارد علينا باسم الحديث يجب عرضه على القرآن ; فما وافقه فهو حقّ وصحيح، وما

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

(٣) المعجم الصغير للطبراني، ج ١، ص ١٣٥.

٥٨

خالفه فهو باطل. والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة، مروية في كتب الحديث والفقه، نذكر منها رواية واحدة:

روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام :

«ما لم يُوافِق مِن الحديثِ القُرآنَ فهو زُخرُفٌ»(١) .

فيستفاد من هذه الرواية أيضاً أنّ التغيّر والتحريف لا مجال له في القرآن الكريم، ومن هنا فإنّ القرآن معيار لمعرفة الحقّ من الباطل إلى الأبد.

٥- صرّح كبار علماء الشيعة والذين لهم قدم السبق في الثقافة الشيعية بأن القرآن لا يعتريه التحريف والتغيير. وبما أنّه يعسر إحصاء أسماء هؤلاء الأجلاّء جميعاً، نذكر جملة منهم:

١- قال أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (المتوفّى سنة ٣٨١ ه-): «اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس»(٢)

٢- وقال السيد المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي العلوي، المعروف بعلم الهدى (المتوفّى سنة ٤٣٦ ه-): «وإنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، واُبي بن كعب، وغيرهما، ختموا القرآن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عدّة ختمات، وكلّ ذلك يدل بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث»(٣) .

٣- وقال أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المعروف بالشيخ الطوسي (المتوفّى سنة ٤٦٠ ه-): «وأما الكلام في زيادته

____________________

(١) الكافي، ج ١، ص ٦٩، ح ٤.

(٢) الاعتقادات: ص ٩٣.

(٣) تفسير مجمع البيان، ج ١، ص ٤٣.

٥٩

ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضىرحمه‌الله ، وهو الظاهر من الروايات. غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها، لأنه يمكن تأويلها»(١) .

٤- وقال أبو علي الطبرسي صاحب التفسير المعروف «مجمع البيان»: «ومن ذلك: الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنه لا يليق بالتفسير; فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه. وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه»(٢) .

٥- وقال عليّ بن طاووس الحلّي المعروف بالسيد ابن طاووس (المتوفّى سنة ٦٦٤ ه-): «في نظر الشيعة أنّ القرآن لا يتطرق إليه التحريف»(٣) .

٦- وقال زين الدين العاملي (المتوفّى سنة ٨٧٧ ه-) في تفسير الآية:( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٤) : «يعني أنّنا نصون القرآن ونحافظ عليه من كلّ تغيير وتحريف»(٥) .

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي، ج ١، ص ٣.

(٢) تفسير مجمع البيان، ج ١، ص ٤٢.

(٣) سعد السعود: ص ١٤٤.

(٤) الحجر: ٩.

(٥) اظهار الحق: ج ٢، ص ١٣٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191