حكايات بحار الانوار

حكايات بحار الانوار20%

حكايات بحار الانوار مؤلف:
الناشر: الحوزة العلمية
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 196

حكايات بحار الانوار
  • البداية
  • السابق
  • 196 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104061 / تحميل: 5397
الحجم الحجم الحجم
حكايات بحار الانوار

حكايات بحار الانوار

مؤلف:
الناشر: الحوزة العلمية
العربية

حكايات بحار الانوار

محمود ناصري

ترجمة

عبد الرحيم الحمراني

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

المقدمة

الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ قطوف مختارة من حكايات بحار الانوار الجديرة بالقراءة والتأمل بفضل ما ينطوي عليه من دروس وعبر وارشادات اقتبست من ذلك الكتاب النفيس لمؤلفه العملاق العلامة المجلسي والذي يجسد بمضمونه الروحي والعلمي تلك الانوار التي تمثل بحار العلوم والمعارف الإلهية الحقة ومعادن الحكمة.

ولد العلامة الجليل محمد باقر المجلسي (ره) عام ١٠٣٧ هجري قمري في مدينة اصفهان(١) ثم ودع الدنيا الفانية والتحق الى جوار ربه بعد عمر يناهز السبعين ونيف، افناه في خدمة الدين الحنيف ومذهب أهل البيت عليهم السلام وفي مقدمة أعماله

____________________

(١) اصفهان أحدى المدن الايرانية التي كانت سابقا عاصمة الدولة الصفوية (المترجم)

٥

جمعه لأضخم مجموعة روائية شيعية ضمها كتابه المعروف (بحار الانوار) ثم دفن في مدينته التي ولد فيها الى جوار المسجد العتيق حيث يزور قبره القاصي والداني من ابناء العالم الاسلامي.

يتصف العلامة المجلسي بالورع والتقوى والزهد والإبتعاد عن زخارف الدنيا وزبرجها رغم مكانته المرموقة التي حظي بها في الدولة الصفوية وبين اوساط الأمة. وقد برع في كافة العلوم الاسلامية من قبيل التفسير، الحديث، الفقه، الاصول، التأريخ، الرجال والدراية حتى عده البعض كصاحب الحدائق اسطورة علمية فريدة من نوعها على مدى التاريخ الاسلامي.

قال المحقق الكاظمي في مقابيسه: كان العلامة مصدرا للفضائل والمناقب، حكيما عائما في بحر النور عجز الزمان ان يجود بمثله وهذا ما دفع بالعلامة بحر العلوم والشيخ الانصاري لأن ينعتوه بالعلامة. يمتاز اسلوب العلامة في هذا الكتاب بجمع كافة الاحاديث والروايات وترتيبها بصورة منظمة مفهرسة مستعينا فيها بما بذله تلامذته ومعاصروه من العلماء من جهد دؤوب في هذا

٦

المجال. مستفيدا من كافة المصادر والمراجع المعدة بهذا الشأن.

الموضوع الرئيسي الذي تدور حوله ابحاث الكتاب انما يكمن في الحديث، سيرة الانبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام وتفسير وشرح الروايات بالإستناد لمختلف المصادر الفقهية، التفسيرية، الكلامية، التأريخية والاخلاقية.

يشتمل الكتاب الذي بين يديك - الجزء الاول على ثلاثة فصول اختص الفصل الاول منها بالاخبار والروايات الواردة بشأن الأئمة المعصومين الاربعة عشر، بينما يتناول الفصل الثاني الأقوال التي ساقها معاصروا الأئمة عليهم السلام. في حين اقتصر الفصل الثالث على قصص الأنبياء والأمم السالفة.

وقد راعينا الدقة والأمانة في نقل نصوص الاحاديث والروايات كما وردت الى جانب التصرف في بعض العبارات والمضامين التي نظم الكتاب من أجلها بغية استفادة الدروس والعبر الواردة فيها.

آملين من الأخوة القراء الأعزاء أن يتحفونا بما

٧

عندهم من آراء واقتراحات بغية تحقيق الهدف المنشود في خدمة مباديء الدين الحنيف وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمود ناصري

قم - الحوزة العلمية ١٩٩٨ ميلادية

٨

الفصل الاول

الاربعة عشر معصوم(ع)

اربعة عشر بحرا من نور

٩

١٠

١ - تبسم النبي (ص)

ذات يوم رفع رسول الله(ص) رأسه الى السماء فتبسم، فقيل له:

- يارسول الله رأيناك رفعت رأسك الى السماء فتبسمت: فمم ذلك؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

- نعم عجبت لملكين هبطا من السماء الى الارض يلتمسان عبداً مؤمناً صالحاً في مصلى كان يصلي فيه ليكتبا له عمله في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه فعرجا الى السماء، فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك.

فقال الله عز وجل:

- اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي، فان عليّ

١١

ان اكتب له اجر ما كان يعمله اذا حبسته عنه(١) .

٢ - مراعاة حق التقدم

عطش الامام الحسن عليه السلام فالتمس ماءاً فاتاه رسول الله(ص) بقدح من لبن، فجعل الحسين عليه السلام يثب عليه ورسول الله (ص)يمنعه.

فقالت فاطمة عليها السلام حين رأت ذلك منه:

- كأنه احبهما إليك يارسول الله؟

قال (ص):

- ليس الامر كذلك، ولكنه استسقى قبله ولابد من مراعاة حق التقدم(٢) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج٢٢ ص ٨٣

(٢) بحار الانوار، ج ٤٣، ص ٢٨٣

١٢

٣ - بكاء النبي (ص)!

كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت ام سلمة. فنهض من فراشه عند السحر يناجي ربه، رافعاً يديه يبكي.

ففقدته ام سلمه من الفراش فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت اليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه ويقول:

اللهم لاتنزع مني صالح ما اعطيتني ابداً،

اللهم لا تشمت بي عدواً ولا حاسداً،

اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه ابداً،

اللهم ولا تكلني الى نفسي طرفة عين ابداً.

فانصرفت ام سلمة باكية. فسمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عما يبكيها فقالت:

١٣

- يارسول الله! ولم لا أبكي وانت بالمكان الذي انت فيه من الله وتسأله ان لا يشمت بك عدواًً وان لا يردك في سوء استنقذك منه ابداً وان لا يكلك الى نفسك طرفة عين ابدأ.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

- كيف لا أخاف ولا ابكي واخشى عاقبتي يا أم سلمة وقد اوكل الله يونس(ع)(١) الى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان(٢) .

____________________

(١) هو نبي بعثه الله في نينوى وتعرف بالموصل ليدعو قومه للتوحيد وعبادة الله، فلم يستجيبوا له، فظن (ع) ان تكليفه قد انتهى دون أن يتلقى امر الله، فترك قومه مغاضباً حتى آل أمره الى البحر فالتقمه الحوت وهناك اخذ يدعو الله ] لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين [ فاستجاب الله دعاءه فانجاه مما كان فيه.

(٢) بحار الانوار، ج١٦، ص ٢١٧

١٤

١٥

٤ - الاحتجاب من الأعمى

قالت أم سلمة:

كنت عند رسول الله (ص)وكانت عنده ميمونة - أحد ازواج النبي - فدخل ابن ام مكتوم على رسول الله (ص) وكان أعمى؛ فالتفت الينا رسول الله وقال:

- احتجبا امام ابن أم مكتوم.

فقلت: اليس هو أعمى يارسول الله؟ فما يعني الخمار والإحتجاب منه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

- افعمياوان أنتما؟ الستما تبصرانه؟.

وعليه فلا بد للنساء من غض بصرهن امام الاجنبي ايضا وإن كان اعمى(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ١٠١ ص ٣٧.

١٦

١٧

٥ - سوء الخلق وضغطة القبر

أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن سعد بن معاذ قد مات، فقام النبي (ص) وقام اصحابه معه فأمر (ص) بغسل سعد - وكان يشرف على ذلك بنفسه - وما أن انتهوا من تغسيله وتكفينه حتى وضعوه في التابوت بغية دفنه؛ فتبعهم رسول الله (ص) بلا حذاء ولا رداء ثم يأخذ يمنة التابوت مرة ويسرته اخرى حتى انتهى به الى القبر، فنزل رسول الله (ص) حتى لحده وجعل يأمرهم قائلاً:

- ناولوني حجراً، ناولوني تراباً.

ثم سوى (ص) قبره بيده الشريفة، فلما فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال (ص):

- اني لأعلم ان هذا القبر سيبلى ويصل البلى اليه. لكن الله يحب عبدا اذا عمل عملاً احكمه.

وبينما هم كذلك قالت أم سعد وهي واقفة بجانب

١٨

القبر:

- ياسعد هنيئاً لك الجنة.

فقال رسول الله (ص):

- يا أم سعد مه لا تجزمي على ربك فان سعدا قد اصابته ضمة.

ثم رجع رسول الله (ص) ورجع الناس، فقالوا له:

- يارسول الله! لقد رأيناك صنعت مع سعد ما لم تصنعه لأحد؛ انك تبعت جنازته بلا رداء ولاحذاء.

فقال (ص):

- ان الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها.

قالوا: كنت تأخذ يمنة التابوت مرة ويسرته اخرى!

قال (ص):

- لقد كانت يدي بيد جبرئيل فكنت آخذ ما تأخذه يده.

قالوا يارسول الله: لقد صليت على جنازته ولحدته في قبره وسويته بيدك وتقول لقد ضغط في قبره.

١٩

فقال (ص):

- نعم لقد كان لسعد شيء من سوء الخلق مع أهل بيته(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٢٢، ص ١٠٧ وج ٧٣، ص ٢٨٩ مع بعض الاختلاف.

٢٠

٦ - الدراهم الاثنا عشر المباركة

جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه يرتدي ثوباً بالياً فسلمه اثنى عشر درهماً وقال:

- يارسول الله! اشتر لك ثوباً بهذه النقود.

فقال رسول الله (ص) لعلي (ع):

- خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً.

قال علي (ع):

فاخذت الدراهم وجئت الى السوق فاشتريت له قميصاً باثنى عشر درهماً وجئت به الى رسول الله (ص) فنظر اليه رسول الله(ص) فقال: لا ارغب بهذا القميص اريد ارخص منه، اترى صاحبه يقيلنا؟ قال الامام علي (ع) فذهبت بالقميص الى البائع، وابلغته بما أمرني به النبي (ص) فقبل مني ورد الي الدراهم. ثم رجعت بها الى النبي (ص) فمشى معي الى السوق ليبتاع قميصاً، فرأى (ص)

٢١

جارية على قارعة الطريق تبكي، فاقترب منها (ص) وقال لها:

- مم بكاؤك؟

قالت الجارية: يا رسول الله إن أهل بيت اعطوني اربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت، فلا اجرأ ان ارجع اليهم.

فأعطاها النبي (ص) اربعة دراهم وقال:

- اشتري ما تبغين وارجعي الي بيتك.

ثم مضى (ص) الى السوق فاشترى قميصاً باربعة دراهم ولبسه وحمد الله وحين رجع من السوق رأى عرياناً؛ فخلع (ص) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل. ثم ذهب ثانية الى السوق فاشترى بالاربعة دراهم التي بقيت قميصاً آخر فلبسه ورجع االى البيت واذا به يرى تلك الجارية على قارعة الطريق ايضاً وقد بدت عليها الحيرة والاضطراب. فقال لها:

- لم لم ترجعي الى بيتك؟

قالت: يارسول الله (ص) لقد ابطأت عليهم واخاف ان يضربوني.

فقال (ص): فلنذهب معاً ودليني على اهلك

٢٢

فسأكون شفيعك اليهم في العفو عنك.

فانطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:

- هذا هو البيت يارسول الله.

فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلف الباب قائلاً:

- السلام عليكم يا أهل الدار.

فلم يجيبوه، فاعاد صلى الله عليه وآله وسلم السلام فلم يجيبوه، ثم سلم أخرى، فقالوا:

- وعليك السلام يارسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال (ص): ما لكم تركتم اجابتي في أول السلام؟ الم تسمعوا صوتي؟

قالوا: نعم فقد سمعناك وعرفناك.

قال (ص): فلم لم تجيبوا؟

قالوا: احببنا أن نستكثر منه.

قال (ص): لقد ابطأت هذه الجارية عليكم ارجو الا تؤاخذوها.

قالوا: يا رسول الله (ص) فهي حرة لمجيئك.

فقال (ص): الحمد لله، يا لها من أثنى عشر

٢٣

درهماً مباركة كسا الله بها عريانين واعتق بها جارية(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ١٦ ص ٢١٤

٢٤

٧ - وصايا النبي (ص)

دخل شخص على رسول الله (ص) فقال له: عظني.

فقال له (ص):

اوصيك بتقوى الله والا تشرك به شيئاً وان عذبت واحرقت بالنار،

بر والديك حيين كانا أم ميتين، وإن امراك فاطعهما فان ذلك علامة الايمان،

وتصدق على أخيك المؤمن مما فضل عندك،

الق أخاك بوجه طلق،

ولا تحقرن احدأً من الناس وارأف بهم!

واذا لقيت احداً من المسلمين فابدأه بالسلام ادع الناس للإسلام وعبادة الله وتوحيده،

واعلم ان لقضائك حوائج الآخرين ثواب عتق رقبة، رقبة من اولاد يعقوب(ع).

٢٥

واعلم ان الخمرة والمسكرات حرام(١) .

٨ - البكاء على اليتامى

لقد استشهد الكثير من جند الاسلام في معركة احد، وكان من بينهم حمزة (ع) عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى شاع حينها ان رسول الله (ص) قد استشهد. فانطلقت نساء المدينة نحو احد وفيهن بنت النبي (ص) فاطمة الزهراء (ع) ثم رجعن الىالمدينة بعد ان تأكدن من سلامته ثم رجع رسول الله (ص) فبلغ مقربة من المدينة، فاستقبلته النساء ثانية يولولن ويبكين. فالتفت رسول الله (ص) الى النساء وكانت بينهن زينب بنت جحش فقال لها:

- اصبري واحتسبي.

قالت: من يا رسول الله؟

____________________

(١) البحار، ج ٧٧، ص ١٣٦

٢٦

قال: شهادة اخيك عبد الله.

قالت: هنيئاً له الشهادة.

قال (ص): احتسبي.

قالت: من؟

قال: خالك حمزة (ع)؟

قالت: إنا لله وإنا اليه راجعون، هنيئاً له الشهادة.

فاطرق (ص) هنيئة وقال لها: اصبري.

قالت: من؟

قال (ص): زوجك مصعب بن عمير.

فانفجرت بالبكاء وارتفع انينها. فلما سُئلت عن بكائها على زوجها، قالت:

- ان بكائي ليس عليه. فقد فاز بالشهادة في ركاب رسول الله(ص) غير ان بكائي على يتاماه. فما عساني اجيبهم ان التمسوا اباهم(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج٢٠ ص ٦٣

٢٧

٩ - مداراة الاخوان

بينما كان رسول الله (ص) جالساً بين اصحابه اذ ابتسم حتى بدت نواجذه! فسألوه عن ذلك فقال (ص):

- يؤتي بشخصين من امتي يوم القيامة، فيقول احدهم:

الهي، خذ لي بحقي منه!

فيقول سبحانه وتعالى: اعط حق اخيك!

فيقول: الهي لم يبق لي شيئاً من اعمالي الصالحة، وليس لدي شيء من متاع الدنيا.

آنذاك يقول صاحب الحق: الهي! فاحمل عليه

٢٨

من سيئاتي!

وهنا دمعت عينا رسول الله (ص) ثم قال:

- ذلك يوم يحتاج فيه الناس من يحمل سيئاتهم.

فيقول الله لذلك الشخص الذي يطلب حقه:

ارجع بصرك وانظر الى الجنة، فماذا ترى فيرفع رأسه، فيرى عجباً - مما لا يوصف من الاء الله ونعمته -

فيقول: لمن هذه؟

يقول عز وجل: لمن يعطيني ثمنها.

فيقول: ومن له بثمنها؟

يقول سبحانه: انت.

فيسأل: كيف ذاك؟

فيقول سبحانه: بعفوك عن أخيك.

فيقول: اللهم لقد عفوت عنه.

فيقول تعالى: فخذ بيد أخيك وادخلا الجنة!

ثم قال (ص) فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ٧٧ ص ١٨٢

٢٩

٣٠

١٠ - الاجتهاد والغنى

دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليسأله شيئا، فسمع النبي يقول:

من سألنا اعطيناه ومن استغنى اغناه الله.

فانصرف الرجل دون أن يسأل حاجته رسول الله (ص). ثم جاء ثانية للنبي (ص) وانصرف ايضا وفي اليوم الثالث استأجر فأسا فذهب اعلى الجبل وجمع بها حزمة من الحطب ثم باعها بنصف صاع من الشعير (تقريبا كيلو ونصف) وأكلها مع عياله، ثم استمر في عمله حتى اشترى طبرا ثم اشترى عبدا وجملين فاصبح ذا مكنة.

فجاء الى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره القضية فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

- ألم أقل من سألنا اعطيناه ومن استغنى اغناه

٣١

الله(١)

١١ - علي عليه السلام والعدالة

ان احدى خصائص الامام علي عليه السلام تكمن في التسوية بين الناس في العطاء من بيت مال المسلمين ولم يكن يفضل احد على آخر، وهذا ما دفع بالبعض من اصحابه للالتحاق بمعاوية. فاقترح عليه بعض اصحابه استهوائهم بالاموال والاجزال لهم في العطاء، فغضب عليه السلام وقال:

اتأمرونني ان اطلب النصر بالجور لا والله لا افعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم؛ والله لو كان المال لي لساويت بينهم، وكيف وانما هي اموالهم.

ثم قال (ع):

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٧٥،ص ١٠٨

٣٢

ان اعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف وهو ان كان ذاكراً لصاحبه في الدنيا فهو تضييعة عند الله، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير اهله الا حرمه الله شكرهم، وليس له بذلك الا محمدة اللئام وثنائهم فان زلت به النعل فاحتاج الى معونتهم او مكافأتهم فهم شر خليل وألأم خدين(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤١، ص ١٠٨و ١١١

٣٣

١٢ - وقائع الوادي اليابس

قال ابو بصير: سألت الامام الصادق (ع) عن سورة والعاديات.

فقال (ع): لقد نزلت هذه السورة في واقعة الوادي اليابس.

فسألته قائلاً: وما كان حالهم وقصتهم؟

فقال (ع): ان اهل الوادي اليابس اجتمعوا اثنى عشر الف فارساً، وتعاقدوا وتواثقوا ان لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل احدٌ احداً ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم ويقتلوا محمد(ص) وعلياً (ع) فنزل جبرئيل على محمد (ص) فأخبره بقصتهم.

فبعث (ص) لهم باديء ذي بدء ابا بكر في اربعة آلاف فارس، فعاد دون ان يحقق شيئا وكذلك بعث عمرا فكان كأبي بكر فبعث (ص) اخيراً بعلي (ع) في اربعة آلاف فارس من المهاجرين

٣٤

والانصار فسمع اهل الوادي اليابس بمقدم علي (ع) وجيوش المسلمين. فخرج اليهم العدو بمئتي رجل شاكين السلاح، فبرز اليهم علي (ع) في نفر من اصحابه فقالوا:

- من أنتم؟ ومن اين اقبلتم؟ وماذا انتم فاعلون؟

فقال (ع):

- انا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص) واخوه ورسوله، ادعوكم الى شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله. فان قبلتم لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر.

قالوا: قد سمعنا مقالتك، فاستعد للقتال، واعلم اننا اياك اردنا وانت طلبتنا وانا قاتليك واصحابك، وموعدنا الصبح.

فقال (ع): ويحكم! تهددوني بكثرتكم؟ فانا استعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فانصرفوا الى مواضعهم وانصرف علي (ع) وصحبه الى مراكزهم، واستعدا للقتال، فلما جن الليل امر اصحابه ان يحسنوا الى دوابهم ويقضموا ويسرجوا. فلما انشق عمود الصبح صلى (ع)

٣٥

بالناس ثم غار عليهم. ولم يعلموا بهجوم المسلمين حتى وطئهم الخيل فما ادرك آخر اصحابه حتى قتل جل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم.

ونزل جبرئيل فاخبر رسول الله (ص) بما فتح الله على علي وجنود الاسلام. فصعد (ص) المنبر، فحمد الله واثنى عليه، واخبر المسلمين بالنصر واعلمهم انه لم يصب منهم الا رجلان.

ثم خرج النبي (ص) ومعه المسلمون من المدينة ليستقبل علياً، حتى لقيه على اميال من المدينة. فلما رآه علي (ع) مقبلا نزل من دابته ونزل النبي (ص) وقبل ما بين عينيه، فنزل المسلمون الى على عليه السلام، الذي اقبل بالغنائم والأسارى والاموال التي حصلوا عليها من أهل الوادي اليابس. فانزل الله على رسوله

] والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا [ فسالت دموع الفرح بين عيني رسول الله (ص) فقال لعلي (ع):

لولا اني اشفق ان تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالا لا

٣٦

تمر بملأ من الناس ألا اخذوا التراب من تحت قدميك(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٢١، ص ٧٢

٣٧

١٣ - الفتى المتمرد

خرج الامام علي (ع) ذات يوم شديد الحرارة فرآه سعد بن قيس فسأله قائلاً:

- يا أمير المؤمنين! مالذي اخرجك من البيت بهذه الساعة؟

قال عليه السلام:

- لأعين مظلوماً او اغيث ملهوفاً.

فبينما هو كذلك اذ أتته امرأة مضطربة قلقة، وقالت:

- يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وحلف ليضربني.

فطأطأ رأسه (ع) ثم رفعه وهو يقول:

- لا والله! حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع.

ثم سألها (ع): اين منزلك؟

فدلته عليه. فانطلق معها حتى انتهت الى المنزل فوقف (ع) امام المنزل وسلم وخرج له شاب عليه

٣٨

إزار ملوّن، فقال له (ع):

- إتق الله فقد اخفت زوجتك واخرجتها من البيت.

فرد الشاب بكل وقاحة:

- وما أنت وذاك، والله لأحرقنها بالنار لكلامك.

فغضب عليه السلام وسل سيفه وقال له:

- آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر، فتنكر علي؟ تب وإلا قتلتك..

فاقبل بعض الناس حتى بلغوا عليا عليه السلام فسلموا عليه بإمرة المؤمنين وناشدوه العفو عنه. وهنا التفت ذلك الشاب الذي لم يكن يعرفه آنذاك فطأطأ رأسه خجلا ثم قال:

- اعف عني يا أمير المؤمنين، والله لأكونن لها ارضا تطؤني.

فعفا عنه عليه السلام وأمرها بالدخول الى منزلها واوصاها بزوجها خيرا(١) .

____________________

(١) يحار الانوار، ج ٢، ص ١١٣

٣٩

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196