قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 33%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52761 / تحميل: 7385
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قيمومة الرجال على النساء:

قوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ... ) .

والمراد بما فضَّل الله بعضهم على بعض، هو ما يُفضَّل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة قوّة التعقّل فيهم، وما يتفرّع عليه من شدّة البأس والقوّة، والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها، فإنّ حياة النساء حياة عاطفية مبنيّة على الرقّة واللطافة، والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهنّ ونفقاتهن.

وعموم هذه العلَّة يُعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها - أعني قوله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) - غير مقصور على الأزواج، بأن يختصّ القوامية بالرجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة، التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال، كجهتَي الحكومة والقضاء مثلاً اللذين يتوقَّف عليهما حياة المجتمع، وإنَّما يقومان بالتعقُّل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي، الذي يرتبط بالشدّة وقوّة التعقّل، كل ذلك ممَّا

١٢١

يقوم به الرجال على النساء.

وعلى هذا؛ فقوله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ذو إطلاق تامِّ، وأمّا قوله بعد: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ... ) (إلخ) الظاهر في الاختصاص بما بين الرجل وزوجته - على ما سيأتي - فهو فرع من فروع هذا الحكم المطلق، وجزئي من جزئياته مستخرج منه، من غير أن يتقيَّد به إطلاقه.

قوله تعالى: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ... ) المراد بالصلاح معناه اللغوي، وهو ما يُعبَّر عنه بلياقة النفس، والقنوت هو دوام الطاعة والخضوع.

ومقابلتها لقوله: ( ... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ... ) إلى آخره تُفيد أنّ المراد بالصالحات الزوجات الصالحات، وأنّ هذا الحكم مضروب على النساء في حال الازدواج لا مطلقاً، وأنَّ قوله: ( ... قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ... ) - الذي هو إعطاء للأمر في صورة التوصيف أي ليقنتن وليحفظن - حكم مربوط بشؤون الزوجية والمعاشرة المنزلية، وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه عِلَّته - أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجية - فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزوجية.

وبعبارة أُخرى: كما أنَّ قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع، إنّما تتعلّق بالجهات العامة المشتركة بينهما، المرتبطة بزيادة تعقُّل الرجل وشدّته في البأس، وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب، من غير أن يُبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية، وعمل نفسها، بأن تريد ما أحبّت، وتفعل ما شاءت من غير أن يحقَّ للرجل أن يُعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر، فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف، كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تُنفِّذ المرأة في ما تملكه إرادة، ولا

١٢٢

تصرُّف، ولا أن لا تستقلَّ المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية، والدفاع عنها، والتوسُّل إليها بالمقدمات الموصلة إليها، بل معناها أنّ الرجل إذ كان يُنفق ما يُنفق من ماله بإزاء الاستمتاع، فعليها أن تُطاوعه وتُطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وأن تحفظه في الغيب، فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، وأن تمتِّع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتُّع منها بذلك، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، وسلّطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية.

فقوله: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ... ) أي ينبغي أن يتَّخذن لأنفسهن وصف الصلاح، وإذا كنَّ صالحات فهن لا محالة قانتات، أي يجب أن يقنتن ويُطعن أزواجهن إطاعة دائمة فيما أرادوا منهن، ممَّا له مساس بالتمتّع، ويجب عليهن أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

وأمّا قوله: ( ... بِمَا حَفِظَ اللّهُ... ) ، فالظاهر أنّ ما مصدرية، والباء للآلة والمعنى: إنَّهنَّ قانتات لأزواجهن، حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق، حيث شرَّع لهم القيمومة، وأوجب عليهنّ الإطاعة وحفظ الغيب لهم.

ويمكن أن يكون الباء للمقابلة، والمعنى حينئذ: أنّه يجب عليهنَّ القنوت وحفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهن، حيث أحيا أمرهن في المجتمع البشري، وأوجب على الرجال لهنَّ المهر والنفقة. والمعنى الأول أظهر.

وهناك معانٍ ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها؛ لكون السياق لا يُساعد شيء منها.

١٢٣

ماذا تعني قيمومة الرجل؟

تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنساني السليم، وترجيحه إيَّاه على الهوى واتِّباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادَّة وحضُّه وترغيبه في اتِّباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة ممَّا لا ستر عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدِّي إليه، فقد تضمَّن القرآن آيات كثيرة متكثِّرة في الدلالة على ذلك ت، صريحاً وتلويحاً، وبكل لسان وبيان.

ولم يُهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة، ومهامّ آثارها الجميلة، التي يتربّى بها الفرد ويقوم بها صلب المجتمع كقوله: ( ... أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ... ) (١) .

وقوله: ( ... لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً... ) (٢) .

وقوله: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ... ) (٣) .

لكنّه عدلها بالموافقة لحكم العقل، فصار اتّباع حكم هذه العواطف والميول اتّباعاً لحكم العقل، وقد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرّعة على ذلك، أنّ جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تُبطل استقامة العقل في حكمه، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع، كشرب الخمر والقمار، وأقسام المعاملات الغررية، والكذب والبهتان، والافتراء والغيبة، كل ذلك محرّمة في الدين.

____________________

(١) سورة الفتح، الآية: ٢٩.

(٢) سورة الروم، الآية: ٢١.

(٣) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.

١٢٤

والباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار، أنّ من الواجب أن يفوَّض زمام الأمور الكلِّية والجهات العامة الاجتماعية - التي ينبغي أن تُدبِّرها قوّة التعقُّل ويجتنَّب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى مَن يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف، وهو قبيل الرجال دون النساء.

وهو كذلك؛ قال الله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ، والسنّة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بيّنت ذلك كذلك، وسيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم) جرت على ذلك أيام حياته، فلم يولِّ امرأة على قوم، ولا أعطى امرأة منصب القضاء، ولا دعاهن إلى غزاة بمعنى دعوتهن إلى أن يُقاتلن.

وأمّا غيرها من الجهات، كجهات التعليم والتعلّم، والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها، ممّا لا يُنافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف، فلم تمنعهنّ السنّة ذلك، والسيرة النبوية تُمضي كثيراً منها، والكُتب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقهنّ، فإنّ ذلك لازم ما أُعطين من حرّية الإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة؛ إذ لا معنى لإخراجهن من تحت ولاية الرجال وجعل الملك لهن بحيالهن، ثمّ النهي عن قيامهن بإصلاح ما ملكته أيديهن بأيِّ نحو من الإصلاح، وكذا لا معنى لجعل حقِّ الدعوى أو الشهادة لهنّ، ثمّ المنع عن حضورهنّ عند الوالي أو القاضي وهكذا.

اللهمَّ، إلاّ فيما يُزاحم حق الزوج، فإنّ له عليها قيمومة الطاعة في الحضور، والحفظ في الغيبة، ولا يُمضي لها من شؤونها الجائزة ما يزاحم ذلك.

١٢٥

بحث روائي:

في المجمع، في قوله تعالى: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ... ) (الآية): أي لا يقل أحدكم: ليت ما أُعطي فلان من النعمة والمرأة الحُسنى كان لي. فإن ذلك يكون حسداً، ولكن يجوز أن يقول: اللهمّ، أعطني مثله. قال: وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١) .

أقول: وروى العيّاشي في تفسيره، عن الصادق (عليه السلام) مثله (٢) .

في تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ... ) ، وفي قوله: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ... ) (أنّهما نزلتا في عليّ (عليه السلام)) (٣) .

أقول: والرواية من باب الجري والتطبيق.

وفي الكافي وتفسير القمّي، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (ليس من نفس إلاّ وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصّها به من الحلال الذي فرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قول الله عز وجل: ( ... وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ... ) ) (٤) .

أقول: ورواه العيّاشي، عن إسماعيل بن كثير، رفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وروى هذا المعنى أيضاً عن أبي الهذيل، عن الصادق (عليه السلام) (٥) ، وروى قريباً منه أيضاً القمّي في تفسيره عن الحسين بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام).

____________________

(١) تفسير مجمع البيان ج ٢، ص ٤٠.

(٢) تفسير العيّاشي، ج ١، ص ٢٣٩ رواية ١١٥.

(٣) تفسير البرهان ج ١، ص ٣٦١ (دار الكتب العلمية).

(٤) الكافي ج ٥، ص ٨٠ رواية ٢.

(٥) تفسير العيّاشي ج ١، ص ٣٩، رواية ١١٦ ورواية ١١٧.

١٢٦

وقد تقدّم كلام في حقيقة الرزق وفرضه، وانقسامه إلى الرزق الحلال والحرام، في ذيل قول: ( ... وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

وفي صحيح الترمذي، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (سلوا الله من فضله؛ فإنّ الله يُحبُّ أن يُسأل) (٢) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير، عن رجل لم يُسمِّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (سلوا الله من فضله؛ فإنّ الله يُحبُّ أن يُسأل، وإنّ أفضل العبادة انتظار الفرج).

وفي التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... ) قال: (عنى بذلك أُولي الأرحام في المواريث، ولم يَعنِ أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجرُّه إليها) (٣) .

وفيه أيضاً، بإسناده عن إبراهيم بن محرز قال: سأل أبا جعفر (عليه السلام) رجل وأنا عنده قال: فقال رجل لامرأته: أمركِ بيدكِ، قال: (أنَّى يكون هذا، والله يقول: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ؟! ليس هذا بشيء) (٤) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم، من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن، قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم) تستعدي على زوجها أنّه لطمها، فقال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (القصاص) ، فأنزل الله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) الآية، فرجعت بغير قصاص

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٢.

(٢) صحيح الترمذي: ج ٥، ص ٥٢٨ باب ١١٦ حديث ٣٥٧١.

(٣) التهذيب ج ٩، ص ٢٦٨ رواية ٢ باب ٤.

(٤) التهذيب ج ٨، ص ٨٨ رواية ٢٢١ باب ٣٦، وفي الحديث تكملة.

١٢٧

أقول: ورواه بطريق أُخرى عنه (عليه السلام)، وفي بعضها: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أردت أمراً وأراد الله غيره)، ولعلّ المورد كان من موارد النشوز، وإلاّ فذيل الآية: ( ... فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً... ) .

وفي ظاهر الروايات إشكال آخر، من حيث أنّ ظاهرها أنَّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (القصاص) . بيان للحكم عن استفتاء من السائل، لا قضاء فيما لم يحضر طرفاً الدعوى؛ ولازمه أن يكون نزول الآية تخطئة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حكمه وتشريعه، وهو يُنافي عصمته، وليس بنسخ؛ فإنَّه رفع حكم قبل العمل به، والله سبحانه وإن تصرّف في بعض أحكام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وضعاً أو رفعاً، لكنّ ذلك إنّما هو في حكمه ورأيه في موارد ولايته، لا في حكمه فيما شرّعه لأمّته، فإنّ ذلك تخطئة باطلة.

وفي تفسير القمّي، في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ( ... قَانِتَاتٌ... ) يقول (مُطيعات) (١) .

وفي المجمع، في قوله تعالى: ( ... فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ... ) الآية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يُحوِّل ظهره إليها). وفي معنى الضرب، عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنّه الضرب بالسواك) (٢) .

وفي الكافي، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ( ... فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا... ) قال: (الحكمان يشترطان إن شاءا فرَّقا، وإن شاءا جمعا، فإنّ فرّقا فجائز، وإن جمعا فجائز) (٣) .

أقول: وروي هذا المعنى وما يقرب منه بعدّة طُرق أُخر فيه وفي تفسير

____________________

(١) تفسير القمّي ج ١، ص ١٣٧. (مؤسسة دار الكتاب: قم).

(٢) تفسير مجمع البيان ج ٢، ص ٤٤.

(٣) الكافي ج ٦، ص ١٤٦ رواية ٣.

١٢٨

العيّاشي.

وفي تفسير العيّاشي، عن ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوّجها رجل، وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوّج عليها امرأة وهجرها أو أبى عليها سريّة فإنّها طالق، فقال: شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى عليها وهجرها إن أتت سبيل ذلك، قال الله في كتابه: ( ... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ... ) ، وقال: ( ... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً )) (١) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج البيهقي، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنّها أتت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم) وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأُمّي، إنِّي وافدة النساء إليك، واعلم - نفسي لك الفداء - أنّه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلاّ وهي على مثل رأيي.

إنّ الله بعثك بالحقّ إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنّكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنّ الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مُرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أموالكم، فما نُشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم) إلى أصحابه بوجهه كلِّه، ثمّ قال: (هل سمعتم مقالة امرأة قطُّ أحسن من مساءلتها في أمر دينها من

____________________

(١) تفسير العيّاشي ج ١، ص ٢٤٠ رواية (١٢١).

١٢٩

هذه؟). فقالوا: يا رسول الله، ما ظننّا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إليها، ثمّ قال لها: (انصرفي - أيّتها المرأة - وأعلِمي من خلفك من النساء: أنّ حسن تبعُّل إحداكنّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتّباعها موافقته يعدل ذلك كلّه، فأدبرت المرأة وهي تُهلِّل وتكبِّر استبشاراً) (١) .

أقول: والروايات في هذا المعنى كثيرة مرويّة في جوامع الحديث، من طرق الشيعة وأهل السنّة، ومن أجمل ما روي فيه ما رواه في الكافي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام): (جهاد المرأة حُسن التبعُّل) (٢) .

ومن أجمع الكلمات لهذا المعنى، مع اشتماله على أُسِّ ما بُني عليه التشريع ما في نهج البلاغة، ورواه أيضاً في الكافي بإسناده، عن عبد الله بن كثير، عن الصادق (عليه السلام) عن علي عليه أفضل السلام، وبإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة عنه (عليه السلام) في رسالته إلى ابنه: (أنّ المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة) (٣) .

وما روي في ذلك، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما المرأة لعبة، مَن اتَّخذها فلا يُضيِّعها).

وقد كان يتعجّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف تُعانق المرأة بيد ضُربت بها؛ ففي الكافي أيضاً، بإسناده عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يَظلُّ مُعانقها؟!).

وأمثال هذه البيانات كثيرة في الأحاديث، ومن التأمُّل فيها يظهر رأي الإسلام فيها.

ولنرجع إلى ما كنّا فيه من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية، فنقول:

____________________

(١) السيوطي: الدرّ المنثور: ج ٢، ص ١٥٣.

(٢) الكافي ج ٥، ص ٩ رواية ١.

(٣) الكافي ج ٥، ص ٥١٠ رواية ٣.

١٣٠

يظهر من التأمُّل فيه، وفي نظائره الحاكية عن دخول النساء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتكليمهنّ إيّاه فيما يرجع إلى شرائع الدين، ومختلف ما قرّره الإسلام في حقهنّ، أنّهنّ على احتجابهنّ واختصاصهنّ بالأمور المنزلية من شؤون الحياة غالباً، لم يكنّ ممنوعات من المراودة إلى وليّ الأمر، والسعي في حلّ ما ربّما كان يُشكل عليهن، وهذه حرّية الاعتقاد التي باحثنا فيها في ضمن الكلام في المرابطة الإسلامية، في آخر سورة آل عمران.

ويُستفاد منه ومن نظائره أيضاً:

أولاً: أنّ الطريقة المرضيّة في حياة المرأة في الإسلام، أن تشتغل بتدبير أُمور المنزل الداخلية وتربية الأولاد، وهذه وإن كانت سنّة مسنونة غير مفروضة، لكنّ الترغيب والتحريض الندبي - والظرف ظرف الدين والجوّ جوّ التقوى وابتغاء مرضاة الله وإيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا والترتبية على الأخلاق الصالحة للنساء كالعفّة والحياء ومحبّة الأولاد والتعلّق بالحياة المنزلية - كانت تحفظ هذه السنّة.

وكان الاشتغال بهذه الشؤون، والاعكتاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهنّ، يشغلهنّ عن الورود في مجامع الرجال، واختلاطهنّ بهم في حدود ما أباح الله لهنّ، ويشهد بذلك بقاء هذه السنّة بين المسلمين على ساقها قروناً كثيرة بعد ذلك، حتى نفذ فيهنّ الاسترسال الغربي المُسمّى بحرّية النساء في المجتمع، فجرت إليهنّ وإليهم هلاك الأخلاق، وفساد الحياة وهم لا يشعرون، وسوف يعلمون، (ولو أنّ أهل القُرى آمنوا واتّقوا، لفتح الله عليهم بركات من السماء، وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن كذّبوا فأُخذوا).

وثانياً: إنّ في السنّة المفروضة في الإسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد والقضاء والولاية.

١٣١

وثالثاً: إنّ الإسلام لم يُهمل أمر هذه الحرمانات، كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها، وجبر كسرها بما يُعادلها عنده، بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية، كما أنّه جعل حسن التبعُّل - مثلاً - جهاداً للمرأة، وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا - وظرفنا هذا الظرف الحيوي الفاسد - قدر، لكنّ الظرف الإسلامي الذي يقوم الأمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانية المرضية عند الله سبحانه، وهو يُقدِّرها حقّ قدرها، يُقدِّر لسلوك كل إنسان مسلكه الذي نُدب إليه، وللزومه الطريق الذي خُطّ له من القيمة، ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانية، وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المُهج - على ما فيه من الفضل - على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجية، وكذا لا فخار لوالٍ يُدير رحى المجتمع الحيوي، ولا لقاضٍ يتّكي على مسند القضاء، وهما منصّبان ليس للمتقِّلد بهما في الدنيا - لو عمل فيما عمل بالحق وجرى فيما جرى على الحق - إلاّ تحمُّل أثقال الولاية والقضاء، والتعرُّض لمهالك ومخاطر تُهدِّدهما حيناً بعد حين في حقوق مَن لا حامي له إلاَّ ربُّ العالمين. وإنّ ربّك لبالمرصاد - فأيّ فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما، وخطّ له خطّاً وأشار إليه بلزومه وسلوكه.

فهذه المفاخر، إنّما يُحييها ويُقيم صلبها بإيثار الناس لها، نوع المجتمع الذي يُربِّي أجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض، واختلاف الشؤون الاجتماعية والأعمال الإنسانية، بحسب اختلاف المجتمعات في أجوائها ممّا لا يسع أحداً إنكاره.

هو ذا الجندي الذي يُلقي بنفسه في أخطر المهالك، وهو الموت في منفجر القنابل المُبيدة؛ ابتغاء ما يراه كرامة ومزيداً، وهو زعمه أن سيُذكر اسمه في فهرس مَن فَدى بنفسه وطنه، ويفتخر بذلك على كل ذي فخر في عين

١٣٢

ما يعتقد بأنّ الموت فوت وبطلان، وليس إلاّ بُغية وهميّة، وكرامة خرافيّة، وكذلك ما تؤثِّره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات ويُعظِّم قدرهنّ بذلك الناس، تعظيماً لا يكاد يناله رؤساء الحكومات السامية، وقد كان ما يعَتوِرْنه من الشغل وما يُعطينّ من أنفسهن للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانية، أعظم ما يسقط به قدر النساء، وأشنع ما يُعيَّرن به، فليس ذلك كلُّه إلاّ أنّ الظرف من ظروف الحياة يُعين ما يُعينه على أن يقع من سواد الناس موقع القبول ويُعظِّم الحقير، ويُهوِّن الخطير، فليس من المستبعد أن يُعظِّم الإسلام أموراً نستحقرها ونحن في هذه الظروف المضطربة، أو يُحقِّر أموراً نستعظمها ونتنافس فيها فلم يكن الظرف في صدر الإسلام إلاّ ظرف التقوى وإيثار الآخرة على الأُولى.

١٣٣

الزواج

١٣٤

١٣٥

- ١ -

النكاح من مقاصد الطبيعة

أصل التواصل بين الرجل والمرأة ممّا تُبيِّنه الطبيعة الإنسانية - بل الحيوانية - بأبلغ بيانها، والإسلام دين الفطرة، فهو مجوِّزه لا محالة.

وأمر الإيلاد والإفراخ - الذي هو بُغية الطبيعة وغرض الخلقة في هذا الاجتماع - هو السبب الوحيد والعامل الأصلي في تقليب هذا العمل في قالب الازدواج، وإخراجه من مطلق الاختلاط للسفاد والمقاربة إلى شكل النكاح والملازمة؛ ولهذا ترى أنّ الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معاً كالطيور، في حضانة بيضها وتغذية أفراخها وتربيتها، وكالحيوان الذي يحتاج - في الولادة والتربية - إلى وكر، تحتاج الإناث منه في بنائه وحفظه إلى معاونة الذكور، ويختار لهذا الشأن الازدواج، وهو نوع من الملازمة والاختصاص بين الزوجين الذكور والإناث منه، فيتواصلان عندئذ ويتشاركان في حفظ بيض الإناث وتدبيرها وإخراج الأفراخ منها، وهكذا إلى أخر مدّة تربية الأولاد، ثمّ

١٣٦

ينفصلان إن انفصلا، ثمّ يتجدّد الازدواج وهكذا، فعامل النكاح والازدواج هو الإيلاد وتربية الأولاد، وأمّا إطفاء نائرة الشهوة أو الاشتراك في الأعمال الحيوية، كالكسب وجمع المال، وتدبير الأكل والشرب، والأثاث وإدارة البيت، فأمور خارجة عن مستوى غرض الطبيعة والخلقة، وإنما هي أمور مقدّمية، أو فوائد مترتبة.

ومن هنا يظهر؛ أنّ الحرّية والاسترسال من الزوجين، بأن يتواصل كلٌّ من الزوجين مع غير زوجه أينما أراد ومهما أراد من غير امتناع، كالحيوان العُجم الذي ينزو الذكور منه على الإناث، أينما وجدها على ما يكاد يكون هو السنّة الجارية بين الملل المتمدّنة اليوم، وكذا الزنا، وخاصة زنا المُحصنة منها، وكذا تثبيت الازدواج الواقع وتحريم الطلاق والانفصال بين الزوجين، وترك الزوج واتّخاذ زوج آخر ما دامت الحياة تجمع بينهما، وكذا إلغاء التوالد وتربية الأولاد وبناء الازدواج على أساس الاشتراك في الحياة المنزلية، على ما هو المتداول اليوم بين الملل الراقية، ونظيره إرسال المواليد إلى المعاهد العامة المعدّة للرضاع والتربية، كل ذلك على خلاف سنّة الطبيعة، وقد جُهِّز الإنسان بما يُنافي هذه السنن الحديثة، على ما مرّت الإشارة إليه.

نعم، الحيوان الذي لا حاجة - في ولادته وتربيته - إلى أزيد من حمل الأُمّ إيّاه، وإرضاعها له وتربيته بمصاحبتها، فلا حاجة طبيعية فيه إلى الازدواج والمصاحبة والاختصاص، فهذا النوع من الحيوان له حرّية السفاد بمقدار ما لا يضرُّ بغرض الطبيعة من جهة حفظ النسل.

وإيّاك أن تتوهّم، أنّ الخروج عن سنّة الخلقة وما تستدعيه الطبيعة لا بأس به، بعد تدارك النواقص الطارئة بالفكر والرويّة، مع ما فيه من لذائذ الحياة

١٣٧

والتنعم؛ فإنّ ذلك من أعظم الخبط، فإنّ هذه البُنيات الطبيعية، التي منها البُنية الإنسانية مركّبات مؤلّفة من أجزاء كثيرة، تستوجب بوقوع كلٍّ في موقعه الخاص، على شرائطه المخصوصة به وضعاً، هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة، وهو المناسب لكمال النوع، كالمعاجين والمركّبات من الأدوية، التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف، ومقادير، وأوزان وشرائط خاصة لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الأثر.

فالإنسان - مثلاً - موجود طبيعي تكويني، ذو أجزاء مركّبة تركيباً خاصاً، يستتبع أوصافه داخلية وخواص روحية، تستعقب أفعالاً وأعمالاً، فإذا حوّل بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها؛ يستتبع ذلك انحرافاً وتغيُّراً في صفاته وخواصّه الروحية، وانحرف بذلك جميع الخواصّ والصفات عن مستوى الطبيعة، وصراط الخلقة، وبطل بذلك ارتباطه بكماله الطبيعي، والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة.

وإذا بحثنا في المصائب العامة، التي تستوعب اليوم الإنسانية، وتُحبِط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، وتهدّد الإنسانية بالسقوط والانهدام، وجدنا أنّ أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى وتمكُّن الخرق والقسوة والشدّة والشره من نفوس المجتمعات البشرية، وأعظم أسبابه وعلله الحرّية والاسترسال والإهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الأولاد، فإنّ سنّة المجتمع المنزلي (الأُسرة) وتربية الأولاد اليوم تُميت قرائح الرأفة والرحمة، والعفّة والحياء والتواضع من الإنسان، من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش.

وأمّا تدارك هذه النواقص بالكفر والرويّة، فهيهات ذلك، فإنّما الفكر - كسائر لوازم الحياة - وسيلة تكوينية اتّخذتها الطبيعة وسيلة لردّ ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين إليه، لا لإبطال سعي الطبيعة والخلقة

١٣٨

وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشرّ عنها، ولو استُعمل الفكر - الذي هو أحد وسائل الطبيعة - في تأييد ما أُفسد من شؤون الطبيعة، عادت هذه الوسيلة أيضاً فاسدة منحرفة كسائر الوسائل؛ ولذلك ترى أنّ الإنسان اليوم كلّما أصلح بقوّة فكره واحداً من المفاسد العامة التي تُهدِّد مجتمعه، أنتج ذلك ما هو أمرَّ وأدهى، وزاد البلاء والمصيبة شيوعاً وشمولاً.

نعم، ربّما قال القائل من هؤلاء: إنّ الصفات الروحية - التي تُسمّى الفضائل النفسانية - هي بقايا من عهد الأساطير والتوحُّش، لا تُلائم حياة الإنسان الراقي اليوم، كالعفّة والسخاء والحياء والرأفة والصدق، فإنّ العفّة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه، والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال، وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه؛ على أنّه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذلِّ السؤال، والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضميره، والرأفة تُضعف القلب، والصدق لا يُلائم الحياة اليومية. وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذي ذكرناه.

ولم يَدرِ هذا القائل، أنّ هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرورية، التي لو ارتفعت من أصلها لم يعشْ المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة.

فلو ارتفعت هذه الخصال، وتعدّى كل فرد إلى ما لكلّ فرد، من مختصّات الحقوق والأموال والأعراض، ولم يسخُ أحد ببذل ما مسّت إليه حاجة المجتمع، ولم ينفعل أحد من مُخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين، ولم يرأف أحد بالعَجَزَة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومَن في تلوهم، وكذَّب كل أحد لكل أحد في جميع ما يُخبر به ويَعِده، وهكذا؛ تلاشى المجتمع الإنساني من حينه.

١٣٩

فينبغي لهذا القائل، أن يعلم أنّ هذه الخصال لا ترتحل ولن ترتحل عن الدنيا، وأنّ الطبيعة الإنسانية مستمسّكة بها حافظة لحياتها، ما دامت داعية للإنسان إلى الاجتماع، وإنّما الشأن كل الشأن في تنظيم هذه الصفات وتعديلها بحيث توافق غرض الطبيعة والخلقة في دعوتها الإنسان إلى سعادة الحياة، ولو كانت الخصال الدائرة في المجتمع المترقِّي اليوم فضائل للإنسانية، مُعدَّلة بما هو الحريِّ من التعديل لما أوردت المجتمع مورد الفساد والهلكة، ولأقرَّ الناس في مستقرِّ أمن وراحة وسعادة.

ولنعد إلى ما كنّا فيه من البحث، فنقول: الإسلام وضع أمر الازدواج فيما ذكرناه موضعه الطبيعي، فأحلّ النكاح وحرّم الزنا والسفاح، ووضع عُلقة الزوجية على أساس جواز المفارقة وهو الطلاق، ووضع هذه العُلقة على أساس الاختصاص في الجملة على ما سنشرحه، ووضع عقد هذا المجتمع على أساس التوالد والتربية، ومن الأحاديث النبوية المشهورة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (تناكحوا تناسلوا) ... تكثروا (الحديث).

- ٢ -

استيلاء الذكور على الإناث:

ثمّ إنّ التأمُّل في سفاد الحيوانات، يُعطي أنّ للذكور منها شائبة الاستيلاء على الإناث في هذا الباب، فإنّا نرى أنّ الذكر منها كأنّه يرى نفسه مالكاً للبُضع مسلّطاً على الأُنثى؛ ولذلك ما ترى أنّ الفحولة منها تتنازع وتتشاجر على الإناث من غير عكس، فلا تثور الأنثى على مثلها إذا مال إليها الذكر بخلاف العكس، وكذا ما يجري بينها مجرى الخطبة في الإنسان إنّما يبدأ من ناحية الذكران دون الإناث، وليس إلاّ أنّها ترى بالغريزة بأنّ الذكور في هذا العمل كالفاعل المُستعلي والإناث كالقابل الخاضع، وهذا المعنى غير ما

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[٢٠٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ وليّ كل مؤمن من بعدي.

[٢٠٤] وبآخر عن البراء بن عازب ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذ بعضد عليعليه‌السلام فأقامه ، ثم قال : هذا وليكم من بعدي والى الله من والاه وعادى من يعاديه. قال : فقام عمر بن الخطاب إليه. فقال : يهنيك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، أو قال : أمسيت(١) ولي كل مسلم.

[٢٠٥] وبآخر عن بريدة ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي وليكم من بعدي.

[٢٠٦] وبآخر عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

[٢٠٧] وبآخر ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ، باسناده عن سلمان الفارسي ( رضوان الله عليه ) ، انه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده جماعة من أصحابه إذ وقف أعرابي [ من بني عامر وسلم ] فقال : والله يا محمد لقد آمنت بك من قبل أن أراك ، وصدقتك من قبل أن ألقاك ، وقد بلغني عنك أمر ، فأردت سماعه منك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الذي بلغك عني يا أعرابي؟ قال : دعوتنا الى أن نشهد أن لا إله إلا الله والى. الإقرار بأنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجبناك ، وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، فأجبناك ، ثم لم ترض حتى دعوت الناس إلى حبّ ابن عمّك علي وولايته ، فذلك فرض علينا من الأرض أم الله فرضه من السماء؟

__________________

(١) وفي غاية المرام ص ٨٤ : أصبحت وأمسيت.

٢٢١

قال : فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل الله عز وجل فرضه من السماء(١) .

قال الأعرابي : فان كان الله عز وجل فرضه ، فحدّثني به يا رسول الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أعرابي أني اعطيت في علي خمس خصال الواحدة منها خير من الدنيا بحذافيرها ، يا أعرابي ألا انبئك بهن؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم بدر جالسا وقد انقضت الغزاة فهبط عليّ جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : إني آليت على نفسي بنفسي ألا الهم حب علي ، إلا من أحببته ، فمن أحببته ألهمته ذلك ، ومن أبغضته ألهمته بغضه وعداوته.

يا أعرابي ألا انبئك بالثانية؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم أحد جالسا ، وقد فرغت من جهاز عمي حمزة فاذا أنا بجبرائيلعليه‌السلام وقد هبط عليّ ، فقال : يا محمد ، الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : اني فرضت الصلاة ووضعتها عن العليل(٢) ، والزكاة ووضعتها عن المقسر ، والصوم فوضعته عن المسافر ، والحج ووضعته عن المقتر(٣) ، والجهاد فوضعته عمّن له عذر وفرضت ولاية علي ومحبته على جميع الخلق ، فلم أعط أحدا فيها رخصة

__________________

(١) وفي الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ بل فرضه الله تعالى في السماوات على أهل السماوات والأرض.

(٢) وهو المريض ، ووضعناها بمعنى خففت من أحكامها لعلّة مرضه بأحكام مرنة ملائمة لحاله.

(٣) الفقير.

٢٢٢

طرفة عين.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالثالثة؟

قال : بلى.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ما خلق الله عز وجل شيئا إلا جعل له سيدا ، فالنسر سيد الطيور(٢) والثور سيد البهائم والأسد سيد السباع وإسرافيل سيد الملائكة ويوم الجمعة سيد الأيام وشهر رمضان سيد الشهور(٣) وأنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ، إلا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : يا أعرابي : إن الله عز وجل خلق حبّ علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة ، وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده في النار.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بمنبري فينصب عن يمين العرش ويؤتى بمنبر إبراهيمعليه‌السلام فينصب عن يمين العرش. يا أعرابي والعرش له يمينان ، فمنبري عن يمين ، ومنبر إبراهيم عن يمين ثم يؤتى بكرسي عال مشرف فينصب بين المنبرين المعروف بكرسيّ الكرامة

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٩ : إنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق الله ...

(٢) وفي الأصل : الطير.

(٣) وفي الفضائل ص ١٤٧ أضاف : وآدم سيد البشر.

٢٢٣

لعلي ، وأنا عن يمين العرش على منبري وإبراهيم على منبره وعلي على كرسيّ الكرامة وأصحابي حولي ، وشيعة علي حوله فما رأيت أحسن من حبيب بين خليلين.

يا أعرابي : أحبب عليا حق حبّه ، فما هبط عليّ جبرائيل إلا سألني عن علي وشيعته ، ولا عرج من عندي إلا قال أقرئ مني عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام السّلام.

[ فعند ذلك قال الأعرابي : سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب ](١) .

[٢٠٨] وبآخر ، أبو بصير ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : إذا مات العبد المؤمن من أهل ولايتنا وصار الى قبره دخل معه قبره ست حور منهن حورة أحسنهن وجها وأطيبهن ريحا وأنظفهن هيئة ، حورة تكون عند رأسه ، وتكون الاخرى منهن عن يمينه ، والاخرى عن يساره ، والاخرى من خلفه ، والاخرى عن قدامه ، والاخرى عند رجليه ، فيمنعنه من حيث ما أتى من الجهات ويؤنسنه في قبره ، فيقول الميت من أنتنّ ، جزاكنّ الله خيرا. فتقول التي عن يمينه : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي من خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا الجهاد وأنا من وصلته من إخوانك ، وتقول التي عند رأسه وهي أحسنهن : أنا الولاية لعليعليه‌السلام والائمة من ذرّيته.

[٢٠٩] وبآخر ، معاذ بن مسلم ، قال : دخلت مع أخي عمرو ، على أبي عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك هذا

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في الفضائل لابن شاذان ص ١٤٧.

٢٢٤

أخي يريد أن يسمع منك. فقال له : سل عمّا شئت.

فقال : أسألك عن الذي لا يقبل الله عز وجل من العباد غيره ، ولا يعذرهم على جهله؟

قالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله والطهارة والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد لمن قدر عليه والائتمار(١) مع ذلك بأئمة الحق من آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة.

قال له عمرو : سمّهم لي جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : علي أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ويعطي الله الخير من يشاء.

قال له : فأنت جعلت فداك؟ قال : يجري لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، ومحمد وعلي أفضلنا.

[٢١٠] أبو صالح ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال في قول الله عز وجل «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (٢) . قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط من أهل الكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الظهر ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيوتنا قاصية ولا نجد محدثا دون أهل المسجد ، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا وتبرّءوا منا ومن ولايتنا و[ قاطعونا ] ، فشقّ ذلك علينا.

فبيناهم يشكون ذلك الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انزل عليه : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ». فقرأها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الافتداء.

(٢) المائدة : ٥٥

٢٢٥

عليه وآله. فقالوا : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين ، وأذّن بلال لصلاة الظهر.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المسجد والناس يصلّون ، ومسكين يسأل ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم فضة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك؟ قال : ذلك الرجل القائم ـ وأومى الى علي ـ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلى أيّ حال أعطاك؟ قال : وهو راكع مررت به ، وأنا أسأل ، فاستلّه(١) من إصبعه وناولني إياه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر(٢) .

[٢١١] وفي إسناد آخر ، إنه لما فرغ من الصلاة دعا علياعليه‌السلام فبشره بما أنزل الله فيه وما أوجب من ولايته.

[٢١٢] وبآخر عن علي بن عامر ، يرفعه الى أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فاذا عليعليه‌السلام بين يديه مال مصبوب وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لا يموت عبدا وهو يحبني إلا جئت أنا وهو كهاتين يوم القيامة ـ وجمع المسبحتين من يديه جمعا ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين

__________________

(١) استلّه أي : استخرجه من إصبعه.

(٢) روى عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنينعليه‌السلام وزن أربعة مثاقيل حلقته من فضة ـ وفضته خمسة مثاقيل ـ وهو من ياقوتة حمراء ، وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لمران بن طوق ، قتله أمير المؤمنين ـ في الجهاد ـ وأخذ الخاتم من إصبعه ، وأتى به الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الغنائم وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأخذ الخاتم.

قال الغزالي في كتاب سرّ العالمين : إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين كان خاتم سليمان بن داود.

قال الشيخ الطوسي : إن التصدق بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.

٢٢٦

المسبحة والوسطى من يده اليمنى ـ وقال : أنا يعسوب المؤمنين ووليهم ، وهذا ـ وأشار الى المال ـ يعسوب المنافقين ومقصدهم ، فبي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٢١٣] وعن جعفر بن سليمان الهاشمي ، يرفعه الى عمر بن الخطاب ، إنه قال : أحبّوا الأشراف وتودّدوهم ، واتقوا على أعراضكم السفلة ، ولا يتم إسلام مسلم حتى يتولّى علي بن أبي طالب.

[٢١٤] الحسين بن الحكم الحبري ، يرفعه الى أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وعليعليه‌السلام معه في بعض طرق الجبانة ، إذ عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فوقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهوا بها إليه ، فقال : قفوا ، من هذا الميت؟ فقالوا : يا رسول الله هذا عبد لنبي الرياح(١) كان كثير الاسراف على نفسه فجفاه الناس ، فلما مات قلّ تبعه. قال : أصلّيتم عليه؟ قالوا : لا. فقال : امضوا. ومضى معهم حتى انتهوا إلى موضع فيه سعة. فقال : أنزلوه. فأنزلوه ، فصلّى عليه ، ثم مشى معهم الى قبره ، فدفنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى عليه التراب ، فلما تفرقوا ، قال لعليعليه‌السلام : أما سمعت ما قال هؤلاء القوم في هذا الميت؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكني أخبرك عنه إنه والله ما استقبلني قط إلا قال لي : يا مولاي أنا والله أحبك وأتولاّك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبها والله أدرك ما أدرك لقد رأيت معه قبيلا من الملائكة(٢) يشيّعون جنازته.

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٢٨٩ : هذا رياح غلام آل النجار.

(٢) وفي البحار أيضا : شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة كل قبيل سبعون الف ملك.

٢٢٧

[٢١٥] وعن [ الحسين ](١) أيضا ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنت أرى رأي الخوارج الى أن جلست يوما الى أبي سعيد الخدري ، قال : ألا إن الاسلام بني على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة ، فقلت : وما هي يا أبا سعيد؟ قال : أما الأربع التي عمل بها الناس فالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما التي تركوها فولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : ما تقول ، هي مفروضة؟ قال : إي والله مفروضة.

[٢١٦] وبآخر عنه ، يرفعه الى زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، إنهما قالا : سمعنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من انتمى الى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصيه إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ألا وأني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، ولأستنقذن من النار رجل ، وليستنقذن من يدي آخرون ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢١٧] وبآخر ، سعد بن ظريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : بينا عليعليه‌السلام يصلّي إذ مرّ به سائل ، فرمى إليه بخاتمه وهو راكع ، فلما فرغ من صلاته أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا علي ، ما صنعت في صلاتك؟ فأخبره. فقال : إن الله تعالى أنزل فيك آيتين وتلا عليه قوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله : «هُمُ

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن. وفي نسخة ـ ب ـ الحسين بن الحكم.

٢٢٨

الْغالِبُونَ » (١) .

[٢١٨] وبآخر ، محمد بن جرير الطبري ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، إنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام وهو يقول : هذا ولي من أنا وليه ، عاديت من عاداه وسالمت من سالمه(٢) .

[٢١٩] وبآخر ، أبو نعيم ( الفضل بن دكين ) عن سفيان بن عيينة ، قال : سألت أبا عبد الله ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » (٣) .

فنظر أبي كالمتعجب ، فقال لي : يا سفيان ، كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني عنها أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي محمد بن عليعليه‌السلام فقال لي : بابني كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه الحسين بن عليعليه‌السلام فقال له مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له مثل

__________________

(١) الآيتين في سورة المائدة الآية ٥٥ و ٥٦( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

(٢) ولقد أجاد المؤلف حيث أشار في ارجوزته الى هذا المعنى :

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا ربّ وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

(٣) الشعراء : ٢٠٤. ( الارجوزة المختارة ص ١٠٧ ).

٢٢٩

ذلك ، وانه قال لأبيه عليعليه‌السلام ، إذ قال ذلك له : أردت أن تخبرني عنها فيمن انزلت؟

قال : نعم ، لما رجعنا من حجة الوداع نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ، فقال : معاشر الناس ، اني مسئول عنكم وانتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، بلّغت رسالة ربك ونصحت لامّتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا من نبي خيرا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنتم ، فجزاكم الله عني خيرا ، فلقد صدقتموني وأعنتموني على تبليغ وحي الله عز وجل ورسالته ، وجاهدتم معي فجزاكم الله عني خيرا.

ثم أخذ بيدي فرفعها كأنها مروحة ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنا وليّ جميعهم؟

قالوا : نعم.

قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. هل سمعتم وأطعتم.

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد.

فقام نعمان بن الحارث الفهري(١) فقال : يا رسول الله أتيتنا فذكرت لنا إنك رسول الله إلينا ، فقلنا لك : أعن الله ذلك؟ قلت :

نعم ، فصدّقناك.

ثم أتيتنا بالفرائض ـ وذكرت كل فريضة منها ـ فقلنا لك : أعن الله هذا؟ قلت : نعم ، فصدّقناك.

__________________

(١) وفي البحار ذكر أنه الحارث بن النعمان الفهري راجع تخريج الاحاديث.

٢٣٠

ثم أخذت الآن بيد ابن عمك هذا ، فأمرتنا بولايته ، فالله أمرك بهذا؟ قال : نعم والله عز وجل أمرني أن أقول ذلك لكم.

فقال كلمة يعنى بها التكذيب ، ثم ولّى مغضبا ، وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم أتى ناقته ، فحلّ عقالها ، وركبها ، فانطلق يريد أهله ، فأصابته حجارة من السماء [ فسقطت في رأسه وخرجت من دبره وسقط ميتا ](١) .

وفي رواية اخرى : نار فقتلته قبل أن يصل الى أهله ، فأنزل الله عز وجل :( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) (٢) .

[٢٢٠] وبآخر عيسى بن عبد الله بن عمر ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فسمع الرعد ، فقال : سبحان من سبّحت له.

ثم قال : يا أبا محمد أخبرني أبي عن أبيه عن جده ، عن الصدّيق الأكبر عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني ، بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإن ولاءه ولائي ، وولائي ولاءه ، أمر أمرني به ربي عز وجل ، وعهد عهده إليّ ، وأمرني أن أبلغكموه وإن منكم من ينقصه حقّه ويركب عقّه.

قالوا : يا رسول الله أولا تعرّفنا بهم؟

قال : أما إني قد عرفتهم ، ولكن امرت بالإعراض عنهم لأمر هو كائن ، وكفى بالمرء منكم ما في قلبه لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٣٧ / ١٧٦.

(٢) الشعراء : ٢٠٤.

٢٣١

[٢٢١] وبآخر ، مسعر عن طلحة بن عميرة ، قال : شهدت علياعليه‌السلام على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اناشدكم الله من كانت لي عنده شهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قام فأداها.

فقام القوم فذكروا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وكان فيهم أنس بن مالك ، فلم يقم ، ولم يقل شيئا.

فقال له عليعليه‌السلام : يا أنس بن مالك ، ما منعك أن تقوم فتشهد بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إن كان كاذبا فابتله ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة : فو الله ما متّ حتى رأيتها نكتة(١) بين عينيه من برص أصابه.

[٢٢٢] وبآخر في حديث آخر عن زيد بن أرقم(٢) ، قد ذكرناه فيما تقدم إنه قال : أنشد عليعليه‌السلام الناس [ في المسجد ] : من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، إلا قام فشهد.

فقام جماعة ، فشهدوا ، وكنت فيمن كتم ، فعمي بصري ، وكان يحدث بذلك بعد أن عمي.

[٢٢٣] وبآخر ، محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي عبيدة عن عمار بن ياسر ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن

__________________

(١) النكتة ونكت ونكات : النقطة البيضاء في الأسود.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ عن بريدة.

٢٣٢

بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله يوشك أن يأخذه عقاب.

[٢٢٤] وبآخر ، عن عباس ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيد الناس(١) ولا فخر ، وعليّ سيد المؤمنين ولا فخر ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٢٥] وبآخر سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قوله الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » (٢) .

قال : [ ناكبون ] عن ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٦] وقالعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٣) .

قال : في ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٧] وبآخر ، أبو حمزة ، عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله عز وجل : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » (٤) .

قال : الدخول في الولاية.

«وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : الجنة.

[٢٢٨] وبآخر ، الشعبي عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله تعالى :

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ سيد البشر.

(٢) المؤمنون : ٧٤.

( ٣ ـ ٤ ) البقرة : ٢٠٨ و ٢٠١.

٢٣٣