قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 0%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الصفحات: 233
المشاهدات: 49607
تحميل: 6727

توضيحات:

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49607 / تحميل: 6727
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحق أم على الباطل، يعني أنَّا بيَّنا لكم جميع السنن السابقة، من حق وباطل؛ لتكونوا على بصيرة فتأخذوا بالحق منها وتدعوا الباطل.

وهذا معنى لا بأس به، غير أنّ الهداية في القرآن غير مستعمل في هذا المعنى، وإنّما استُعمل فيما استُعمل في الإيصال إلى الحق أو إرادة الحق كقوله: ( إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ... ) (1) .

وقوله: ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (2) ، والأوفق بمذاق القرآن أن يُعبِّر عن أمثال هذه المعاني بلفظ التبيين والقصص ونحو ذلك.

نعم، لو جعل قوله يبيِّن وقوله: ويهديكم متنازعين في قوله: ( ... سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ... ) .

وقوله: ( ... يَتُوبَ عَلَيْكُمْ... ) أيضاً راجعاً إليه، وآل المعنى إلى أنّ الله يُبيِّن لكم سنن الذين من قبلكم، ويهديكم إلى الحق منها، ويتوب عليكم فيما ابتُليتم به من باطلها، كان له وجه؛ فإنّ الآيات السابقة فيها ذكر من سنن السابقين والحق والباطل منها والتوبة، على ما قد سلف من السنن الباطلة.

قوله تعالى: ( ... وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ) ، التوبة المذكورة هو رجوعه إلى عبده بالنعمة والرحمة، وتشريع الشريعة، وبيان الحقيقة، والهداية إلى طريق الاستقامة كل ذلك توبة منه سبحانه، كما أنَّ قبول توبة العبد ورفع آثار المعصية توبة.

وتذييل الكلام بقوله: ( ... وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ) ، ليكون راجعاً إلى جميع فقرات الآية، ولو كان المراد رجوعه إلى آخر الفقرات لكان الأنسب ظاهراً أن يُقال: والله غفور رحيم.

____________________

(1) سورة القصص، الآية: 56.

(2) سورة الإنسان، الآية: 3.

١٨١

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ... ) إلخ، كأنّ تكرار ذكر توبته للمؤمنين للدلالة على أنّ قوله: ( ... وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا ) ، إنَّما يُقابل من الفقرات الثلاث في الآية السابقة الفقرة الأخيرة فقط؛ إذ لو ضمّ قوله: ( ... وَيُرِيدُ الَّذِينَ... ) الخ، إلى الآية السابقة من غير تكرار قوله: ( وَاللَّهُ يُرِيدُ... ) إلخ. أفاد المقابلة في معنى جميع الفقرات ولغى المعنى قطعاً.

والمراد بالميل العظيم، هتك هذه الحدود الإلهية المذكورة في الآيات، بإتيان المحارم وإلغاء تأثير الأنساب والأسباب، واستباحة الزنا، والمنع عن الأخذ بما سنّه الله من السنّة القويمة.

قوله تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) ، كون الإنسان ضعيفاً؛ لما ركَّب الله فيه القوى الشهوية، التي لا تزال تُنازعه في ما تتعلّق به من المشتهيات وتبعثه إلى غشيانها، فمَنَّ الله عليهم بتشريع حلِّية ما تنكسر به سورة شهوتهم، بتجويز النكاح بما يرتفع به غائلة الحرج، حيث قال: ( ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ... ) ، وهو النكاح وملك اليمين، فهداهم بذلك سنن الذين من قبلهم، وزادهم تخفيفاً منه لهم لتشريع نكاح المتعة؛ إذ ليس معه كُلفة النكاح وما يستتبعه من أثقال الوظائف من صداق ونفقة وغير ذلك.

وربّما قيل: إنّ المراد به إباحة نكاح الإماء عند الضرورة تخفيفاً.

وفيه: أنّ نكاح الإماء عند الضرورة كان معمولاً به بينهم قبل الإسلام على كراهة وذمٍّ، والذي ابتدعته هذه الآيات هو التسبب إلى نفى هذه الكراهة والنفرة، ببيان أنّ الأمة كالحرّة إنسان لا تفاوت بينهما، وأنّ الرقِّية لا توجب سقوط صاحبها عن لياقة المصاحبة والمعاشرة.

وظاهر الآيات - بما لا ينكر - أنّ الخطاب فيها متوجّه إلى المؤمنين من

١٨٢

هذه الأمّة، فالتخفيف المذكور في الآية تخفيف على هذه الأمّة، والمراد به ما ذكرناه؛ وعلى هذا، فتعليل التخفيف بقوله: ( ... وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) مع كونه وصفاً مشتركاً بين جميع الأُمم - هذه الأمّة والذين من قبلهم - وكون التخفيف مخصوصاً بهذه الأمّة إنّما هو من قبيل ذِكْر المقتضى العام، والسكوت عمّا يتمّ به في تأثيره، فكأنّه قيل: إنّا خفّفنا عنكم؛ لكون الضعف العام في نوع الإنسان سبباً مقتضياً للتخفيف لولا المانع، لكن لم تزل الموانع تمنع عن فعليّة التخفيف وانبساط الرحمة في سائر الأُمم، حتى وصلت التوبة إليكم فعمّتكم الرحمة، وظهرت فيكم آثاره، فبرز حكم السبب المذكور وشُرِّع فيكم حكم التخفيف، وقد حُرِمت الأُمم السابقة من ذلك، كما يدلُّ عليه.

قوله: ( ... رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا... ) (1) .

وقوله: ( ... هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... ) (2) .

ومن هنا يظهر أنّ النكتة في هذا التعليل العام، بيان ظهور تمام النعم الإنسانية في هذه الأمّة.

(بحث روائي)

عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب، وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): الرضاع لحمة كلحمة النسب.

وفي الدرّ المنثور، أخرج مالك وعبد الرزاق، عن عائشة قالت: كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات، فنُسخن بخمس معلومات، فتوفِّي

____________________

(1) سورة البقرة، الآية: 286.

(2) سورة الحج، الآية: 78.

١٨٣

رسول الله (ص) وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن (1) .

أقول: وروي فيه عنها ما يقرب منه بطرق أُخرى، وهي من روايات التحريف مطروحة بمخالفة الكتاب.

وفيه، أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه، من طريقين، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي (ص) قال: (إذا نكح الرجل المرأة فلا يحلُّ له أن يتزوّج أمّها دخل بالابنة أو لم يدخل، وإذا تزوّج الأمَّ فلم يدخل بها، ثمّ طلّقها، فإن شاء تزوّج الابنة) (2) .

أقول: وهذا المعنى مروي من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو مذهبهم وهو المُستفاد من الكتاب، كما مرّ في البيان المتقدِّم، وقد روي من طرق أهل السنّة، عن علي (عليه السلام): (أنّ أمَّ الزوجة لا بأس بنكاحها قبل الدخول بالبنت، وأنّها بمنزلة الربيبة، وأنّ الربيبة إذا لم تكن في حِجر زوج أمِّها لم يَحرُم عليه نكاحها). وهذه أمور يدفعها المروي عنهم (عليهم السلام) من طرق الشيعة.

وفي الكافي، بإسناده عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل، فسأله عن رجل تزوّج امرأة، فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوّج بأُمِّها؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (قد فعله رجل منّا فلم يرَ به بأساً) ، فقلت: جُعلت فداك، ما تفتخر الشيعة إلاّ بقضاء علي (عليه السلام) في هذا في المشيخة (3) التي أفتاه ابن مسعود أنّه لا بأس به.

____________________

(1) الدرّ المنثور: ج 2، ص 135.

(2) الدرّ المنثور: ج 2، ص 135.

(3) لعلّ الصحيح: الشمخي؛ لما في بعض أخبار أهل السنّة أنّه كان رجلاً من بني شمخ، أو الصحيح في الشمخية التي أفتى ابن مسعود.

١٨٤

بذلك (1) .

ثمّ أتى علياً (عليه السلام) فسأله فقال له علي (عليه السلام): (من أين يأخذها؟) (2) ، فقال من قول الله عز وجل: ( ... وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ... ) ، فقال علي (عليه السلام): (إنّ هذه مستثناة، وهي مُرسلة) ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للرجل: (أما تسمع ما يروي هذا عن علي (عليه السلام)؟) .

فلمّا قمت ندمت وقلت: أيّ شيء صنعت؟ يقول: (قد فعله رجل منّا ولم يرَ به بأساً) ، وأقول أنا: قضى علي (عليه السلام) فيها! فلقيته بعد ذلك وقلت: جُعلت فداك، مسألة الرجل إنّما كان الذي قلت كان زلّة منّي فما تقول فيها؟ فقال: (يا شيخ، تُخبرني أنّ علياً (عليه السلام) قضى فيها، وتسألني ما تقول فيها؟) .

أقول: وقصّة قضائه (عليه السلام) في فتوى ابن مسعود على ما رواه في الدرّ المنثور عن سنن البيهقي وغيره: أنّ رجلاً من بني شمخ تزوّج امرأة ولم يدخل بها، ثمّ رأى أمّها فأعجبته، فاستفتى ابن مسعود، فأمره أن يُفارقها ثمّ يتزوّج أمّها، ففعل وولدت له أولاداً، ثمّ أتى ابن مسعود المدينة، فقيل له: لا تصلح. فلمّا رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنّها عليك حرام. ففارقها.

لكن لم ينسب القول فيه إلى علي (عليه السلام) بل ذكر: أنّه سأل عنه أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وفي لفظ: أنّه سأل عنه عمر، وفي بعض الروايات: فأُخبر أنّه ليس كما قال، وأنّ الشرط في الربائب.

وفي الاستبصار، بإسناده عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: (أنّ علياً عليه السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الأمّهات اللاتي دخلتهم بهنّ

____________________

(1) الكافي: ج 5، ص 422 رواية 4.

(2) نسخة الوافي: (من أين أخذ بها؟).

١٨٥

في الحجور وغير الحجور سواء، والأمّهات مبهمات دُخِل بالبنات أم لم يُدخل، فحَرِّموا وأبهِموا ما أبهم الله) (1) .

أقول: وقد عُزي إليه (عليه السلام) في بعض الروايات من طرق أهل السنّة اشتراط الحجور في حرمة الربائب، لكنّ الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تدفعه، وهو الموافق لما يُستفاد من الآية كما تقدّم.

والمبهمات من البُهمة، وهي كون الشيء ذا لون واحد لا يختلط به لون آخر ولا يختلف في لونه، سمِّي به من طبقات النساء المحرّمة مَن كانت حرمة نكاحها مرسلة غير مشروطة، وهي الأمّهات والبنات والأخوات، والعمّات والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت، وما كان من الرضاعة، وأمّهات النساء، وحلائل الأبناء.

وفيه، بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل تكون له الجارية فيُصيب منها، أله أن ينكح ابنتها؟ قال: (لا، هي كما قال الله تعالى: ( ... وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ... ) ).

وفي تفسير العيّاشي، عن أبي عون، قال: سمعت أبا صالح الحنفي قال: قال علي (عليه السلام) ذات يوم: (سلوني!) ، فقال ابن الكوا: أخبرني عن بنت الأُخت من الرضاعة، وعن المملوكتين الأُختين، فقال: (إنّك لذاهب في التيه! سَلْ عمّا يعنيك أو ينفعك) ، فقال ابن الكوا: إنّما نسألك عمّا لا نعلم، وأمّا ما نعلم، فلا نسألك عنه، ثمّ قال: (أمّا الأُختان المملوكتان أحلّتهما آية وحرّمتهما آية؛ ولا أُحلّه ولا أُحرّمه، ولا أفعله ولا واحد من أهل بيتي) (2) .

وفي التهذيب، بإسناده عن معمر بن يحيى بن سالم، قال: سألنا أبا

____________________

(1) الاستبصار: ج 3، ص 156 رواية 2 باب21.

(2) تفسير العيّاشي: ج 1، ص 232.

١٨٦

جعفر (عليه السلام) عمّا يروي الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن أشياء لم يكن يأمر ولا ينهى إلاَّ نفسه وولده، فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: (قد أحلّتها آية وحرّمتها آية أُخرى). فقلنا: هل إلاّ أن يكون إحداهما نسخت الأُخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال: (قد بيّن لهم؛ إذ نهى نفسه وولده) ، قلنا: ما منعه أن يُبيِّن ذلك للناس؟ قال: (خشي أن لا يُطاع، فلو أنّ أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كلّه والحق كلّه) (1) .

أقول: والرواية المنقولة عنه (عليه السلام) هي التي نُقلت عنه (عليه السلام) من طرق أهل السنّة، كما رواه في الدرّ المنثور، عن البيهقي وغيره عن علي بن أبي طالب، قال في الأُختين المملوكتين: (أحلّتهما آية، وحرّمتهما آية، ولا آمر ولا أنهى، ولا أُحلّ ولا أُحرّم، ولا أفعله أنا ولا أهل بيتي) (2) .

وروي فيه أيضاً، عن قبيصة بن ذؤيب، أنّ رجلاً سأله (عليه السلام) عن ذلك فقال: (لو كان إليّ من الأمر شيء ثمّ وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً).

وفي التهذيب، بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا كانت عند الإنسان الأُختان المملوكتان فنكح إحداهما، ثمّ بدا له في الثانية، فليس ينبغي له أن ينكح الأُخرى حتى تخرج الأُولى من ملكه، يهبها أو يبيعها، فإن وهبها لولده يُجزيه) (3) .

وفي الكافي وتفسير العيّاشي، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله عز وجل: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... ) ، قال: (هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته، فيقول له: اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثمّ يحبسها عنه حتى تحيض، ثمّ يمسُّها، فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها

____________________

(1) التهذيب: ج 7، ص 463 رواية 46 باب 36.

(2) الدرّ المنثور: ج 2، ص 136.

(3) التهذيب: ج 7، ص 288 رواية 48 باب 21.

١٨٧

ردّها عليه بغير نكاح) (1) .

وفي تفسير العيّاشي، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... ) ، قال: (هنّ ذوات الأزواج، إلاّ ما ملكت أيمانكم، إن كنت زوّجت أمتك غلامك نزعتها منه إذا شئت) ، فقلت: أرأيت إن زوّج غير غلامه؟ قال: ليس له أن ينزع حتى تُباع، فإن باعها صار بُضعها في يد غيره، فإن شاء المشتري فرّق، وإن شاء أقرّ.

وفي الدرّ المنثور، أخرج أحمد وأبو داود والترمذي - وحسّنه - وابن ماجة عن فيروز الديلمي: أنّه أدركه الإسلام وتحته أُختان، فقال له النبي (ص): (طلِّق أيّتهما شئت) (2) .

وفيه أخرج ابن عبد البرّ في الاستذكار، عن أياس بن عامر، قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت: إنّ لي أختين ممّا ملكت يميني، اتّخذت إحداهما سرية وولدت لي أولاداً، ثم رغبت في الأُخرى، فما أصنع؟ قال: (تعتق التي كنت تطأ ثمّ تطأ الأُخرى).

ثمّ قال: (إنّه يحرم عليك ممّا ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر، إلاّ العدد - أو قال: إلاّ الأربع - ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب) (3) .

أقول: ورواه بطرق أُخر غير هذا الطريق عنه.

وفي صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): (لا يُجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة

____________________

(1) الكافي: ج 5، ص 486 رواية 2.

(2) الدرّ المنثور: ج 2، ص 136.

(3) الدرّ المنثور: ج 5، ص 137.

١٨٨

وخالتها) (1) .

أقول: وهذا المعنى مروي بغير الطريقين من طرق أهل السنّة، لكنّ المروي من طرق أئمة أهل البيت خلاف ذلك، والكتاب يُساعده.

وفي الدرّ المنثور، أخرج الطيالسي، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطحاوي، وابن حبان، والبيهقي في سننه، عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله (ص) بعث يوم حنين جيشاً إلى أوطاس، فلقوا عدّواً فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأنّ ناساً من أصحاب رسول الله (ص) تحرّجوا من غشيانهن، من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله في ذلك: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... ) يقول: إلاّ ما أفاء الله عليكم، فاستحللنا بذلك فروجهنّ (2) .

أقول: وروي ذلك عن الطبراني عن ابن عباس.

وفيه، أخرج عبد بن حميد، عن عكرمة: أنّ هذه الآية التي في سورة النساء: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... ) ، نزلت في امرأة يُقال لها: معاذة، وكانت تحت شيخ من بني سدوس يُقال له: شجاع بن الحارث، وكان معها ضرّة لها قد ولدت لشجاع أولاداً رجالاً، وإنّ شجاعاً انطلق يمير أهله من هجر، فمرّ بمعاذة ابن عمٍّ لها، فقالت له: احملني إلى أهلي؛ فإنّه ليس عند هذا الشيخ خير. فاحتملها فانطلق بها، فوافق ذلك جيئة الشيخ، فانطلق إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله وأفضل العرب، إنّي خرجت أبغيها الطعام في رجب، فتولّت وألطت بالذنب، وهي شرّ غالب لمَن غَلب، رأت

____________________

(1) صحيح البخاري: ج 7، ص 15.

(2) الدر النثور: ج 2، ص 137.

١٨٩

غلاماً واركاً على قتب، لها وله أرب. فقال رسول الله (ص): (عليّ عليّ، فإن كان الرجل كشف بها ثوباً فارجموها، وإلاّ فردُّوا إلى الشيخ امرأته). فانطلق مالك بن شجاع وابن ضرّتها فطلبها فجاء بها، ونزلت بيتها (1) .

أقول: وقد مرّ مراراً أنّ أمثال هذه الأسباب المرويّة للنزول، وخاصة فيما كانت متعلّقة بأبعاض الآيات وأجزائها، تطبيقات من الرواة، وليست بأسباب حقيقية.

في الفقيه، سُئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ... ) قال: (هنّ ذوات الأزواج)، فقيل: ( ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ... ) ، قال: (هنّ العفائف) (2) .

أقول: ورواه العيّاشي أيضاً عنه (عليه السلام).

وفي المجمع، في قوله تعالى: ( ... وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً... ) ، أي مَن لم يجد منكم غنىً، قال: وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) .

وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام) قال: (لا ينبغي أن يتزوّج الحرٌّ المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال عز وجل: ( ... وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً... ) ، والطول المهر، ومهر الحرّة اليوم مهر الأمة أو أقلّ) (4) .

أقول: الغنى أحد مصاديق الطول كما تقدّم، والرواية لا تدلُّ على أزيد من الكراهة.

وفي التهذيب، بإسناده عن أبي العباس البقباق قال: قلت لأبي

____________________

(1) الدرّ المنثور: ج 2، ص 138.

(2) الفقيه: ج 3، ص 7 رواية 2.

(3) مجمع البيان: ج 2، ص 33.

(4) التهذيب: ج 7، ص 334 رواية 3 باب 21.

١٩٠

عبد الله (عليه السلام): يتزوّج الرجل الأمَة بغير علم أهلها؟ قال: (هو زنا، إنّ الله تعالى يقول: ( ... فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ... ) ) (1) .

وفيه، بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت الرضا (عليه السلام) يتمتّع بالأمَة بإذن أهلها؟ قال: (نعم، إنّ الله عز وجل يقول: ( ... فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ... ) ) (2) .

وفي تفسير العيّاشي، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله في الإماء ( ... فَإِذَا أُحْصِنَّ... ) ما إحصانهنّ؟ قال: (يدخل بهنّ)، قلت: فإن لم يدخل بهنّ ما عليهنّ حُدَّ؟ قال: (بلى).

وفيه عن حريز قال: سألته عن المحصن فقال: (الذي عنده ما يُغنيه) (3) .

وفي الكافي، بإسناده عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في العبيد والإماء إذا زنا أحدهم أن يُجلَد خمسين جلدة إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً، ولا يُرجم ولا يُنفى) (4) .

وفيه، بإسناده عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن عبد مملوك قذف حرَّاً قال: (يُجلد ثمانين، هذا من حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله عز وجل، فإنّه يُضرب نصف الحدِّ) (5) .

قلت: الذي من حقوق الله عز وجل ما هو؟ قال: (إذا زنا أو شرب خمراً، فهذا من الحقوق التي يُضرب عليها نصف الحدِّ).

____________________

(1) الفقيه: ج 3، ص 451 رواية 456 باب 2.

(2) التهذيب: ج 5، ص 463 رواية 3.

(3) التهذيب: ج 10، ص 12.

(4) الكافي: ج 7، ص 238 رواية 23.

(5) الكافي: ج 7، ص 237 رواية 9.

١٩١

وفي التهذيب، بإسناده عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الأمَة تزني قال: (تُجلد نصف الحدِّ كان لها زوج أو لم يكن) (1) .

وفي الدرِّ المنثور، أخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال: المُسافحات المُعلنات بالزنا المتّخذات أخدان ذات الخليل الواحد، قال: كان أهل الجاهلية يُحرِّمون ما ظهر من الزنا ويستحلُّون ما خَفي، يقولون: أمّا ما ظهر منه فهو لؤم، وأمّا ما خفي فلا بأس بذلك، فأنزل الله: ( ... وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ... ) .

أقول: والروايات فيما تقدّم من المعاني كثيرة اقتصرنا منها على أُنموذج يسير.

(بحث آخر روائي)

في الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المتعة، فقال: (نزلت في القرآن: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ... ) ) (2) .

وفيه، بإسناده عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إنّما نزلت: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً... ) ).

أقول: وروى هذه القراءة العيّاشي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، ورواها الجمهور بطرق عديدة عن أُبي بن كعب وعبد الله بن عباس كما سيأتي: ولعلّ المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول

____________________

(1) الكافي: ج 7، ص 234 رواية 4. والتهذيب: ج 10 ص 27 رواية 12 باب 4.

(2) سورة النساء، الآية: 24.

١٩٢

اللفظي.

وفيه، بإسناده عن زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: (أحلّها الله في كتابه وعلى لسان نبيّه؛ فهي حلال إلى يوم القيامة)، فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا؛ وقد حرّمها عمر ونهى عنها؟! فقال: (وإن كان فعل). فقال: إنّي أُعيذك بالله، من ذلك أن تُحلَّ شيئاً حرّمه عمر.

قال: فقال له: (فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فهلمَّ أُلاعِنُك أن القول ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأن الباطل ما قال صاحبك)، فأقبل عبد الله بن عمير فقال: أيسرُّك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمّك يفعلن؟!

قال: فأعرض عنه أبو جعفر (عليه السلام) حين ذكر نساءه وبنات عمِّه.

وفيه، بإسناده عن أبي مريم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنّة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)) (1) .

وفيه، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة. فقال: (أيُّ المتعتين تسأل؟). قال: سألتك عن متعة الحج، فأنبئني عن متعة النساء أحقٌّ هي؟ فقال: (سبحان الله! أما قرأت كتاب الله عز وجل: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً... ) ؟!). فقال: والله، كأنّها آية لم أقرأها قطُّ (2) .

وفي تفسير العيّاشي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال جابر بن عبد الله، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنّهم غزوا معه فأحلّ لهم المتعة

____________________

(1) الكافي: ج 5، ص 449 رواية 5.

(2) الكافي: ج 5، ص 449 رواية 6.

١٩٣

ولم يُحرِّمها، وكان علي يقول: (لولا ما سبقني به ابن الخطاب - يعني عمر - ما زنى إلاّ شقيّ) (1). وكان ابن عباس يقول: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ - إلى أجل مسمى - فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً... ) ، وهؤلاء يكفرون بها، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أحلّها ولم يُحرِّمها (2) .

وفيه، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة قال: (نزلت هذه الآية: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ... ) . قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما؛ يقول: استحللتك بأجل آخر برضى منها، ولا تحلُّ لغيريك حتى تنقضي عدّتها، وعدّتها حيضتان) (3) .

وعن الشيباني، في قوله تعالى: ( ... وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ... ) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: (هو أن يزيدها في الأجرة، وتزيده في الأجل).

أقول: والروايات في المعاني السابقة مستفيضة أو متواترة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وإنّما أوردنا طرفاً منها، وعلى مَن يُريد الاطِّلاع عليها جميعاً أن يُراجع جوامع الحديث.

وفي الدرّ المنثور (4) ، أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: كان متعة النساء في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه مَن يُصلح له ضيعته، ولا يحفظ متاعه، فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه، وتُصلح له ضيعته، وكان يقرأ: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ - إلى

____________________

(1) وفي نسخة: إلاّ الأشقى.

(2) تفسير العيّاشي: ج 1، ص 232.

(3) تفسير العيّاشي: ج 1، ص 233.

(4) أخبار في قراءة: إلى أجل مسمّى.

١٩٤

أجل مسمى -. .. ) ، نسختها: محصنين غير مسافحين، وكان الإحصان بيد الرجل يُمسك متى شاء، ويُطلِّق متى شاء (1) .

وفي مستدرك الحاكم، بإسناده عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عباس: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً... ) ، قال ابن عباس: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ - منهن إلى أجل مسمى -. .. ) ، فقلت: ما نقرؤها كذلك؟! فقال ابن عباس: والله، لأنزلها الله كذلك (2) .

أقول: ورواه في الدرّ المنثور، عنه وعن عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف.

وفي الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة قال: في قراءة أُبيّ بن كعب: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ - منهن إلى أجل مسمى -. .. ) .

وفي صحيح الترمذي، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: إنّما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوّج المرأة بقدر ما يرى أنّه يُقيم، فيحفظ له متاعه ويُصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية: ( ... إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ... ) قال ابن عباس، فكل فرج سوى هذين فهو حرام.

أقول: ولازم الخبر أنّها نُسخت بمكّة؛ لأنّ الآية مكّية.

وفي مستدرك الحاكم، عن عبد الله بن أبي مليكة: سألت عائشة رضي الله عنها عن متعة النساء، فقالت: بيني وبينكم كتاب الله.

قال: وقرأت هذه الآية: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) ، فمن ابتغى وراء ما زوّجه الله أو ملّكه فقد عدا.

____________________

(1) الدر المنثور: ج 2، ص 139.

(2) الدر المنثور: ج 2، ص 139.

١٩٥

وفي الدرّ المنثور (1) ، أخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر والنحّاس من طريق عطاء، عن ابن عباس في قوله: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال: (نسختها: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... ) (2) ، ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ... ) (3) ، ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ... ) (4)) (5) .

وفيه، أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحّاس والبيهقي عن سعيد بن المسيب، قال: نسخت آية الميراث المتعة (6) .

وفيه، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: المتعة منسوخة، نسخها الطلاق والصدقة والعدّة والميراث.

وفيه، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علي قال: نسخ رمضان كل صوم، ونسخت الزكاة كل صدقة، ونسخ المتعة الطلاق والعدّة والميراث، ونسخت الضحية كل ذبيحة (7) .

وفيه، أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني (8) ، قال: أذِن لنا رسول الله (ص) عام فتح مكّة في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منّا بُرد، وأمّا بُردي فخلق، وأمّا بُرد ابن عمّي فبُرد جديد غضٌّ، حتى إذا كنّا بأعلى

____________________

(1) جملة من الأخبار الدالّة على نسخ آية المتعة بالكتاب.

(2) سورة الطلاق، الآية: 1.

(3) سورة البقرة، الآية: 228.

(4) سورة الطلاق، الآية: 4.

(5) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(6) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(7) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(8) جملة من الأخبار الدالّة على نسخ المتعة بالسنّة.

١٩٦

مكة تلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة، فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت: وما تبذلان؟ فنشر كل واحد منّا بُرده، فجعلت تنظر إلى الرجلين، فإذا رآها صاحبي قال: إن بُرد هذا خلق، وبُردي جديد غضّ. فتقول: وبُرد هذا لا بأس به، ثمّ استمتعت منها، فلم نخرج حتى حرّمها رسول الله (ص) (1) .

وفيه، أخرج مالك، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن علي بن أبي طالب: (أنّ رسول الله (ص) نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسيّة) .

وفيه، أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم عن سلمة بن الأكوع، قال رخّص لنا رسول الله (ص) في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيّام، ثمّ نهى عنها بعدها (2) .

وفي شرح ابن العربي لصحيح الترمذي، عن إسماعيل، عن أبيه عن الزهري: أنّ سبرة روى، أنّ النبي (ص) نهى عنها في حجّة الوداع؛ أخرجه أبو داود قال: وقد رواه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، فذكر فيه: أنّه كان في حجّة الوادع بعد الإحلال، وأنّه كان بأجل معلوم، وقد قال الحسن: إنّها في عمرة القضاء.

وفيه، عن الزهري: أنّ النبي (ص) جمع المتعة في غزوة تبوك.

أقول: والروايات كما ترى، تختلف في تشخيص زمان نهيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين قائلة: إنّه كان قبل الهجرة. وقائلة: بأنّه بعد الهجرة بنزول آيات النكاح والطلاق العدّة والميراث، أو بنهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عام خيبر، أو زمن عمرة القضاء، أو عام أوطاس، أو عام الفتح، أو عام تبوك، أو بعد حجّة الوداع؛ ولذا حُمل على تكرر

____________________

(1) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(2) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

١٩٧

النهي عنها مرّات عديدة، وأنّ كلاَّ ًمن الروايات تُحدِّث عن مرّة منها، لكنّ جلالة بعض رواتها كعلي وجابر وابن مسعود مع ملازمتهم للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وخبرتهم بالخطير واليسير من سيرته، تأبى أن يخفى عليهم نواهيه (صلّى الله عليه وآله وسلم).

وفي الدرّ المنثور، أخرج البيهقي، عن علي قال: (نهى رسول الله (ص) عن المتعة، وإنّما كانت لمَن لم يجد، فلمّا نزل النكاح والطلاق والعدّة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت) (1) .

وفيه، أخرج النحّاس، عن علي بن أبي طالب: أنّه قال لابن عباس: (إنّك رجل تائه، إنّ رسول الله (ص) نهى عن المتعة) (2) .

وفيه، أخرج البيهقي، عن أبي ذر قال: إنّما أُحلّت لأصحاب رسول الله (ص) المتعة ثلاثة أيّام، ثمّ نهى عنها رسول الله (ص) (3) .

وفي صحيح البخاري، عن أبي جمرة قال: سئل ابن عباس عن متعة النساء، فرخّص فيها، فقال له مولى له: إنّما كان ذلك وفي النساء قلّة والحال شديد، فقال ابن عباس: نعم.

وفي الدرّ المنثور، أخرج البيهقي، عن عمر أنّه خطب فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة، وقد نهى رسول الله (ص) عنها لا أُوتى بأحد نكحها إلاَّ رجمته (4).

وفيه، أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سبرة قال: رأيت رسول الله (ص) قائماً بين الركن والباب وهو يقول: (يا أيُّها الناس، إنّي كنت

____________________

(1) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(2) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(3) الدرّ المنثور: ج 2، ص 140.

(4) الدرّ المنثور: ج 2، ص 141.

١٩٨

أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإنّ الله حرّمها إلى يوم القيامة؛ فمَن كان عنده منهنّ شيء فليخلّ سبيلها، ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً) (1) .

وفيه، أخرج ابن أبي شيبة، عن الحسن قال: والله، ما كانت المتعة إلاّ ثلاثة أيّام، أذِن لهم رسول الله (ص) فيها، ما كانت قبل ذلك ولا بعد.

وفي تفسير الطبري (2) عن مجاهد: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ... ) قال: يعني نكاح المتعة.

وفيه، عن السدّي في الآية قال: هذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى، فإذا انقضت المدّة، فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه (3) .

وفي صحيحي البخاري ومسلم، ورواه في الدرّ المنثور، عن عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، عن ابن مسعود قال: (كنّا نغزو مع رسول الله (ص) وليس معنا نساؤنا، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخّص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ... ) (4) ) (5) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة، عن نافع، أنّ ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام. فقيل له: إنّ ابن عباس يُفتي بها، قال: فهلاّ تَزمزَم بها في

____________________

(1) تفسير الطبري ج 5، ص 9 دار المعرفة.

(2) جملة من الأخبار الدالّة على قول بعض الصحابة والتابعين عن المفسرين بجواز المتعة.

(3) تفسير الطبري ج 5، ص 9.

(4) سورة المائدة، الآية: 87.

(5) الدرّ المنثور ج 2، ص 140.

١٩٩

زمان عمر (1) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي، من طريق سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: ماذا صنعت؟ ذهب الرُّكاب بفُتياك، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالوا: قلت: قالوا:

أقول للشيخ لمّا طال مجلسه

يا صاح هل لك في فُتيا ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لا والله، ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللتها إلاّ للمضطرّ، ولا أحللت منها إلاّ ما أحلّ الله من الميتة والدم ولحم الخنزيز (2) .

وفيه، أخرج ابن المنذر، من طريق عمار مولى الشريد، قال: سألت ابن عباس عن المتعة، أسُفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي المتعة كما قال الله. قلت: هل لها من عدّة؟ قال: عدّتها حيضة. قلت: هل يتوارثان. قال: لا.

وفيه، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر، من طريق عطاء، عن ابن عباس قال: يرحم الله عمر! ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله رحم بها أمّة محمد، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقي. قال: وهي التي في سورة النساء: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ... ) إلى كذا وكذا، من الأجل على كذا وكذا، قال: وليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنِعْمَ، وإن تفرّقا فنِعْمَ، وليس بينهما نكاح.

وأخبر: أنّه سمع ابن عباس: أنّه يراها الآن

____________________

(1) الدرّ المنثور ج 2، ص 141.

(2) الدرّ المنثور ج 2، ص 141.

٢٠٠