قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 25%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52762 / تحميل: 7385
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأمّا الإسلام، فقد وضع قانونه على أساس التوحيد - كما عرفت - ثمّ في المرتبة التالية على أساس الأخلاق الفاضلة، ثمّ تعرّضت لكل يسير وخطير من الأعمال الفردية والاجتماعية، كائنة ما كانت، فلا شيء - ممّا يتعلّق بالإنسان أو يتعلّق به الإنسان - إلاّ وللشرع الإسلامي فيه قدم أو أثر قدم، فلا مجال ولا مظهر للحرّية بالمعنى المتقدّم فيه.

نعم، للإنسان فيه الحرّية عن قيد عبودية غير الله سبحانه، وهذا وإن كان لا يزيد على كملة واحدة، غير أنّه وسيع المعنى عند مَن بحث بصورة عميقة في السنّة الإسلامية، والسيرة العملية التي تندب إليها وتُقرُّها بين أفراد المجتمع وطباقاته، ثم قاس ذلك إلى ما يُشاهد من سُنن السؤدد والسيادة، والتحكُّمات في المجتمعات المتمدّنة بين طبقاتها وأفرادها أنفسها وبين كل أمّة قوية وضعيفة.

وأمّا من حيث الأحكام، فالتوسعة فيما أباحه الله من طيّبات الرزق ومزايا الحياة المعتدلة، من غير إفراط أو تفريط قال تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ... ) (١) .

وقال تعالى: ( ... خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً... ) (٢) .

وقال تعالى: ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ... ) (٣) .

ومن عجيب الأمر ما رامه بعض الباحثين والمفسّرين، وتكلّف فيه من إثبات حرّية العقيدة في الإسلام بقوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي

____________________

(١) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.

(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٩.

(٣) سورة الجاثية، الآية: ١٣.

٤١

الدِّينِ... ) (١) ، وما يُشابهه من الآيات الكريمة.

وقد مرّ البحث التفسيري عن معنى الآية في سورة البقرة.

والذي نُضيف إليها هاهنا: أنّك عرفت أنّ التوحيد أساس جميع النواميس الإسلامية، ومع ذلك كيف يمكن أن يشرّع حرية العقائد؟ وهل ذلك إلاّ التناقض الصريح؟ فليس القول بحرّية العقيدة إلاّ كالقول بالحرّية عن حكومة القانون في القوانين المدنية بعينه.

وبعبارة أُخرى: العقيدة بمعنى حصول إدراك تصديقي ينعقد في ذهن الإنسان، ليس عملاً اختيارياً للإنسان حتى يتعلّق به منع أو تجويز أو استعباد أو تحرير، وإنّما الذي يقبل الحظر والإباحة هو الالتزام بما تستوجبه العقيدة من الأعمال، كالدعوة إلى العقيدة وإقناع الناس بها، وكتابتها ونشرها، وإفساد ما عند الناس من العقيدة، والعمل المخالفَين لها، فهذه هي التي تقبل المنع والجواز، ومن المعلوم أنّها إذا خالفت موادّ قانون دائر في المجتمع، أو الأصل الذي يتّكي عليه القانون لم يكن مناص من منعها من قِبَل القانون، ولم يتّكِ الإسلام في تشريعه على غير دين التوحيد (التوحيد والنبوة والمعاد)، وهو الذي يجتمع عليه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس (أهل الكتاب)، فليست الحرّية إلاّ فيها، وليست فيما عداها إلاّ هدفاً لأصل الدين، نعم هاهنا حرّية أُخرى، وهي الحرّية من حيث إظهار العقيدة في مجرى البحث.

- ١٠ -

التكامل في المجتمع الإسلامي

ربّما أمكن أن يُقال: هبْ أنّ السنّة الإسلامية سنّة جامعة للوازم الحياة

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٦.

٤٢

السعيدة، والمجتمع الإسلامي مجتمع سعيد مغبوط، لكنّ هذه السنّة لجامعيّتها وانتفاء حرّية العقيدة فيها تستوجب ركود المجتمع ووقوفه عن التحوّل والتكامل، وهو من عيوب المجتمع الكامل - كما قيل - فإنّ السير التكاملي يحتاج إلى تحقيق القوى المتضادّة في الشيء وتفاعلها؛ حتى تولِّد بالكسر والانكسار مولوداً جديداً خالياً من نواقص العوامل المولدة التي زالت بالتفاعل، فإذا فُرِض أنّ الإسلام يرفع الأضداد والنواقص وخاصة العقائد المتضادّة من أصلها، فلازمه أن يتوقّف المجتمع - الذي يكوِّنه - عن السير التكاملي!!

أقول: وهو من إشكالات المادية الجدلية (ماتر باليسم ديالكتيك) وفيه خلط عجيب؛ فإنّ العقائد والمعارف الإنسانية على نوعين: نوع يقبل التحوُّل والتكامل، وهو العلوم الصناعية التي تُستخدم في طريق ترفيع قواعد الحياة المادّية وتذليل الطبيعة العاصية للإنسان، كالعلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما، وهذه العلوم والصناعات وما في عدادها كلّما تحوّلت من النقص إلى الكمال أوجب ذلك تحوُّل الحياة الاجتماعية لذلك.

ونوع آخر لا يقبل التحوّل - وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر - وهو العلوم والمعارف العامة الإلهية، التي تقضي في المبدأ والمعاد، والسعادة والشقاء وغير ذلك، قضاءً قاطعاً واقفاً غير متغيِّر ولا متحوِّل، وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقّة والتعمُّق، وهذه العلوم والمعارف لا تؤثّر في الاجتماعات وسنن الحياة إلاّ بنحو كلِّي، فوقوف هذه المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد، لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي، كما نُشاهد أنّ عندنا آراء كثيرة كلّية ثابتة في حال واحد، من غير أن يقف اجتماعنا لذلك عن سيره كقولنا: إنّ الإنسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته، وإنّ العمل يجب أن يكون لنفع عائد إلى الإنسان، وإنّ الإنسان

٤٣

يجب أن يعيش في حال الاجتماع (التجمّع). وقولنا: إنّ العالم موجود حقيقة لا وهماً، وإنّ الإنسان جزء من العالم، وإنّ الإنسان جزء من العالم الأرضي، وإنّ الإنسان ذو أعضاء وأدوات وقوى، إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة، التي لا يوجب ثبوتها ووقوفها وقوف المجتمعات وركودها، ومن هذا القبيل القول: بأنّ للعالم إلهاً واحداً، شرّع للناس شرعاً جامعاً لطرق السعادة من طريق النبوة، وسيجمع الجميع إلى يوم يوفّيهم فيه جزاء أعمالهم. وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بنى عليها الإسلام مجتمعه وتحفّظ عليها كل التحفُّظ، ومن المعلوم أنّه ممّا لا يوجب باصطكاك ثبوته ونفيه وإنتاج رأي آخر فيه إلاّ انحطاط المجتمع - كما بُيِّن - مراراً، وهذا شأن جميع الحقائق الحقّة المتعلّقة بما وراء الطبيعة، فإنكارها بأيّ وجه لا يُفيد للمجتمع إلاّ انحطاطاً وخسّة.

والحاصل؛ أنّ المجتمع البشري لا يحتاج في سيره الارتقائي إلاّ إلى التحوّل والتكامل يوماً فيوماً في طريق الاستفادة من مزايا الطبيعة، وهذا إنّما يتحقّق بالبحث الصناعي المداوم، وتطبيق العمل على العلم دائماً، والإسلام لا يمنع من ذلك شيئاً.

وأمّا تغيّر طريق إدارة المجتمعات وسنن الاجتماع الجارية، كالاستبداد الملوكي والديموقراطية والشيوعية ونحوها، فليس بلازم إلاّ من جهة نقصها وقصورها عن إيفاء الكمال الإنساني الاجتماعي المطلوب، لا من جهة سيرها من النقص إلى الكمال، فالفرق بينها لو كان، فإنّما هو فرق الغلط والصواب، لا فرق الناقص والكامل، فإذا استقرّ أمر السنّة الاجتماعية على ما يقصده الإنسان بفطرته، وهو العدالة الاجتماعية، واستظلّ الناس تحت التربية الجيدة بالعلم النافع والعمل الصالح، ثمّ أخذوا يسيرون - مرتاحين ناشطين - نحو سعادتهم بالارتقاء في مدارج العلم والعمل، ولا يزالون يتكاملون ويزيدون تمكّناً

٤٤

واتّساعاً في السعادة، فما حاجتهم إلى تحوّل السنّة الاجتماعية زائداً على ذلك؟! ومجرّد وجوب التحوّل على الإنسان من كل جهة - حتى فيما لا يحتاج فيه إلى التحوّل - ممّا لا ينبغي أن يقضي به ذو نظر وبصيرة.

فإن قلت: لا مناص من عروض التحوّل في جميع ما ذكرت، أنّه مستغن عنه، كالاعتقادات والأخلاق الكلّية ونحوها، فأنّها جميعاً تتغيّر بتغيُّر الأوضاع الاجتماعية والمحيطات المختلفة، ومرور الأزمنة، فلا يجوز أن يُنكر أنّ الإنسان الجديد تُغاير أفكاره أفكار الإنسان القديم، وكذا الإنسان يختلف نحو تفكُّره بحسب اختلاف مناطق حياته، كالأراضي الاستوائية والقطبية، والنقاط المعتدلة، وكذا بتفاوت أوضاع حياته، من خادم ومخدوم، وبدوي وحضري، ومثرٍ ومعدم، وفقير وغنيّ، ونحو ذلك، فالأفكار والآراء تختلف باختلاف العوامل وتتحوّل بتحوّل الأعصار - بلا شكّ - كائنة ما كانت.

قلت: الإشكال مبنيّ على نظرية نسبية العلوم والآراء الإنسانية، ولازمها كون الحق والباطل والخير والشرّ أموراً نسبية إضافية، فالمعارف الكلّية النظرية، المتعلّقة بالمبدأ والمعاد، وكذا الآراء الكلّية العملية، كالحكم بكون الاجتماع خيراً للإنسان، وكون العدل خيراً (حكماً كلّياً لا من حيث انطباقه على المورد) تكون أحكاماً نسبيّة متغيّرة بتغيُّر الأزمنة والأوضاع والأحوال، وقد بيّنا في محلّه فساد هذه النظرية من حيث كلّيتها.

وحاصل ما ذكرناه هناك: أنَّ النظرية غير شاملة للقضايا الكلّية النظرية، وقسم من الآراء الكلّية العملية.

وكفى في بطلان كلّيتها أنّها لو صحّت (أي كانت كلّية - مطلقة - ثابتة) أثبتت قضية مطلقة غير نسبية وهي نفسها، ولو لم تكن كلّية مطلقة، بل قضية جزئية أثبتت بالاستلزام قضية كلّية مطلقة، فكلّيتها باطلة على أيّ حال.

٤٥

وبعبارة أُخرى: لو صحّ أنّ (كل رأي واعتقاد يجب أن يتغيّر يوماً) وجب أن يتغيّر هذا الرأي نفسه - أي لا يتغيّر بعض الاعتقادات أبداً - فافهم ذلك.

- ١١ -

هل الإسلام قادر على إسعاد البشرية؟

ربّما يُقال: هَبْ أنّ الإسلام - لتعرُّضه لجميع شؤون الإنسانية الموجودة في عصر نزول القرآن - كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية، وجميع أمانيهم في الحياة، لكنّ الزمن استطاع أن يغيّر طرق الحياة الإنسانية، فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تُشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرناً، المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية، فقد بلغ الإنسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقّة مبلغاً من الارتقاء والتكامل المدني، لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدّة قرون، كان كالقياس بين نوعين متباينين، فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكِّلة العبقرية اليوم؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الأُخرى؟

والجواب: إنّ الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كلّيات شؤونها، وإنّما هو من حيث المصاديق والموارد.

وبعبارة أُخرى: يحتاج الإنسان في حياته إلى غذاء يتغذّى به، ولباس يلبسه، ودار يقطن فيه ويسكنه، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى آخر، ومجتمع يعيش بين أفراده، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك، وهذه حاجة كلّية غير متغيّرة، ما دام الإنسان إنساناً ذا هذه الفطرة والبُنية، وما دام حياته هذه الحياة الإنسانية، والإنسان الأوّلي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حدٍّ سواء.

٤٦

وإنّما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل، التي يرفع الإنسان بها حوائجه المادّية، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبّه لها وبوسائل رفعها.

فقد كان الإنسان الأوّلي - مثلاً - يتغذّى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على وجه بسيط ساذج، وهو اليوم يهيِّئ منها ببراعته وابتداعه أُلوفاً من ألوان الطعام والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته، وألوان يستلذُّ منها بصره، وطعوم يستطيبها ذوقه، وكيفيّات يتنعّم بها لمسه، وأوضاع وأحوال أُخرى يصعب إحصاؤها، وهذا الاختلاف الفاحش لا يُفرِّق الثاني من الأول، من حيث إنّ الجميع غذاء يتغذّى به الإنسان لسدِّ جوعه وإطفاء نائرة شهوته. وكما أنّ هذه الاعتقادات الكلّية التي كانت عند الإنسان أولاً لم تبطل بعد تحوُّله من عصر إلى عصر - بل انطبق الأول على الآخر انطباقاً - كذلك القوانين الكلّية الموضوعة في الإسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة، لا تبطل بظهور وسيلة مكان وسيلة، ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظاً من غير تغيُّر وانحراف، وأمّا مع المخالفة، فالسنّة الإسلامية لا توافقها، سواء في ذلك العصر القديم، والعصر الحديث.

وأمّا الأحكام الجزئية المتعلّقة بالحوادث الجارية، التي تحدث زماناً وزماناً وتتغيّر سريعاً بالطبع، كالأحكام المالية والانتظامية، المتعلّقة بالدفاع وطرق تسهيل الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها، فهي مفوّضة إلى اختيار الوالي ومتصدّي أمر الحكومة، فإنّ الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته، فله أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه - ممّا يتعلّق بالحرب أو السلم مالية أو غير مالية - يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين، كما قال تعالى: ( ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى

٤٧

اللّهِ... ) (١) ، كل ذلك من الأمور العامة.

وهذه أحكام وقواعد جزئية، تتغيّر بتغيُّر المصالح والأسباب التي لا تزال يحدث منها شيء ويزول منها شيء، غير الأحكام الإلهية، التي يشتمل عليها الكتاب والسنّة، ولا سبيل للنسخ إليها ولبيانه التفصيلي محلٌّ آخر.

- ١٢ -

مَن الذي يتقلَّد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته؟

كانت ولاية أمر المجتمع الإسلامي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وافتراض طاعته (صلّى الله عليه وآله وسلم) على الناس واتّباعه صريح القرآن الكريم.

قال تعالى: ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ... ) (٢) .

وقال تعالى: ( ... لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ... ) (٣) .

وقال تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ... ) (٤) .

وقال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ... ) (٥) .

إلى غير ذلك من الآيات الكبيرة، التي يتضمّن كل منها بعض شؤون ولايته العامة في المجتمع الإسلامي أو جميعها.

والوجه الوافي لغرض الباحث في هذا الباب، أن يُطالع سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويمتلئ منه نظراً، ثمّ يعود إلى مجموع ما نزل من الآيات في الأخلاق والقوانين، المشرّعة في الأحكام العبادية والمعاملات والسياسات، وسائر

____________________

(١) سورة آل عمران، الآية: ١٥٩.

(٢) سورة التغابن، الآية: ١٢.

(٣) سورة النساء، الآية: ١٠٥.

(٤) سورة الأحزاب، الآية: ٦.

(٥) سورة آل عمران، الآية: ٣١.

٤٨

المرابطات والمعاشرات، فإنّ هذا الدليل المتّخذ بنحو الانتزاع من ذوق التنزيل الإلهي، له من اللسان الكافي والبيان الوافي ما لا يوجد في الجملة والجملتين من الكلام البتة.

وهاهنا نقطة أُخرى يجب على الباحث الاعتناء بأمرها، وهو أنّ عامة الآيات المتضمّنة لإقامة العبادات، والقيام بأمر الجهاد، وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك، تُوجِّه خطاباتها إلى عامة المؤمنين دون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاصة، كقوله تعالى: ( ... وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ... ) (١) .

وقوله: ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... ) (٢) .

وقوله: ( ... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ... ) (٣) .

وقوله: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... ) (٤) .

وقوله: ( ... وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ... ) (٥) .

وقوله: ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ... ) (٦) .

وقوله: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا... ) (٧) .

وقوله: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا... ) (٨) .

____________________

(١) سورة النساء، الآية: ٧٧.

(٢) سورة البقرة، الآية: ١٩٥.

(٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٣.

(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٠٤.

(٥) سورة المائدة، الآية: ٣٥.

(٦) سورة الحج، الآية: ٧٨.

(٧) سورة النور، الآية: ٢.

(٨) سورة المائدة، الآية: ٣٨.

٤٩

وقوله: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ... ) (١) .

وقوله: ( ... وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ... ) (٢) .

وقوله: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ... ) (٣) .

وقوله: ( ... أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... ) (٤) .

وقوله: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٥) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

ويُستفاد من الجميع؛ أنّ الدين صبغة اجتماعية، حمله الله على الناس ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يرد إقامته إلاّ منهم، فالمجتمع المتكوِّن منهم أمره إليهم، من غير مزيّة في ذلك لبعضهم، ولا اختصاص منهم ببعضهم، والنبي ومن دونه في ذلك سواء.

قال تعالى: ( ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... ) (٦) .

فإطلاق الآية تدلُّ على أنّ التأثير الطبيعي، الذي لأجزاء المجتمع الإسلامي في مجتمعهم، مراعى عند الله سبحانه تشريعاً كما راعاه تكويناً، وأنّه تعالى لا يُضيعه، وقال تعالى: ( ... إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٩.

(٢) سورة الطلاق، الآية: ٢.

(٣) سورة آل عمران، الآية ١٠٣.

(٤) سورة الشورى، الآية: ١٣.

(٥) سورة آل عمران، الآية: ١٤٤.

(٦) سورة آل عمران، الآية: ١٩٥.

٥٠

وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

نعم، لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الدعوة والهداية والتربية، قال تعالى: ( ... يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... ) (٢) .

فهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) المُتعيِّن من عند الله، للقيام على شأن الأمّة وولاية أمورهم في الدينا والآخرة، وللإمامة لهم ما دام حيّاً.

لكنّ الذي يجب أن لا يغفل عنه الباحث، أنّ هذه الطريقة غير طريقة السلطة الملوكية، التي تجعل مال الله فيئاً لصاحب العرش وعباد الله أرقّاء له، يفعل بهم ما يشاء ويحكم فيهم ما يريد، وليست هي من الطرق الاجتماعية التي وُضِعت على أساس التمتُّع المادي من الديمقراطية وغيرها، فإنّ بينها وبين الإسلام فروقاً بيّنة مانعة من التشابه والتماثل.

ومن أعظمها، أنّ هذه المجتمعات لمّا بُنيت على أساس التمتُّع المادي، نفخت في قالبها روح الاستخدام والاستثمار، وهو الاستكبار الإنساني، الذي يجعل كل شيء تحت إرادة الإنسان وعمله، حتى الإنسان بالنسبة إلى الإنسان، ويُبيح له طريق الوصول إليه والتسلُّط على ما يهواه ويأمله منه لنفسه، وهذا بعينه هو الاستبداد الملوكي في الأعصار السالفة، وقد ظهرت في زيّ الاجتماع المدني، على ما هو نُصب أعيننا اليوم، من مظالم الملل القويّة وإجحافاتهم وتحكُّماتهم بالنسبة إلى الأُمم الضعيفة، وعلى ما هو في ذكرنا من أعمالهم المضبوطة في التواريخ.

فقد كان الواحد من الفراعنة والقياصرة والأكاسرة، يُجري في ضعفاء عهده - بتحكُّمه ولعبه - كل ما يريده ويهواه. ويعتذر - لو اعتذر - أنّ ذلك من

____________________

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٢٨.

(٢) سورة الجمعة، الآية: ٢.

٥١

شؤون السلطنة ولصلاح المملكة وتحكيم أساس الدولة، ويعتقد أنّ ذلك حقّ نبوغه وسيادته، ويستدلّ عليه بسيفه، وكذلك إذا تعمّقت في المرابطات السياسية، الدائرة بين أقوياء الأُمم وضعفائهم اليوم، وجدت أنّ التاريخ وحوادثه كرّت علينا ولن تزال تكرّ، غير أنّها أبدلت الشكل السابق الفردي بالشكل الحاضر الاجتماعي، والروح هي الروح، والهوى هو الهوى، وأمّا الإسلام فطريقته بريئة من هذه الأهواء، ودليله السيرة النبوية في فتوحاته وعهوده.

ومنها، أنّ أقسام الاجتماعات على ما هو مشهور ومضبوط في تاريخ، هذا النوع لا تخلو عن وجود تفاضل بين أفرادها مؤدٍّ إلى الفساد، فإنّ اختلاف الطبقات بالثروة أو الجاه والمقام، المؤدِّي - بالآخرة - إلى بروز الفساد في المجتمع من لوازمها، لكنّ المجتمع الإسلامي مجتمع متشابه الأجزاء، لا تقدُّم فيها للبعض على البعض، ولا تفاضل ولا تفاخر، ولا كرامة، وإنّما التفاوت الذي تستدعيه القريحة الإنسانية ولا تسكت عنه، إنّما هو في التقوى وأمره إلى الله سبحانه لا إلى الناس، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ... ) (١) .

وقال تعالى: ( ... فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ... ) (٢) .

فالحاكم والمحكوم، والأمير والمأمور، والرئيس والمرؤوس، والحرّ والعبد، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والصغير والكبير في الإسلام في موقف سواء من حيث جريان القانون الديني في حقّهم، ومن حيث انتفاء فواصل الطبقات بينهم في الشؤون الاجتماعية، على ما تدلّ عليه السيرة النبوية

____________________

(١) سورة الحجرات، الآية: ١٣.

(٢) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.

٥٢

على سائرها السلام والتحيّة.

ومنها، أنّ القوّة التنفيذية في الإسلام ليست هي طائفة متميّزة في المجتمع، بل تعمّ جميع أفراد المجتمع، فعلى كل فرد أن يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهناك فروق أُخر لا تخفى على الباحث المتتّبع.

هذا كله في حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا بعده، فالجمهور من المسلمين، على أنّ انتخاب الخليفة الحاكم في المجتمع إلى المسلمين والشيعة من المسلمين، على أنّ الخليفة منصوص من جانب الله ورسوله، وهم أثنا عشر إماماً على التفصيل المودوع في كتب الكلام.

ولكن على أيّ حال، أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبعد غيبة الإمام - كما في زماننا الحاضر - إلى المسلمين من غير إشكال، والذي يمكن أن يُستفاد من الكتاب في ذلك أنّ عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهي سنّة الإمامة دون الملوكية والإمبراطورية، والسير فيهم بحفاظة الأحكام من غير تغيير، والتولّي بالشَّور في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحلّ - كما تقدّم - والدليل على ذلك كلّه جميع ما تقدّم من الآيات في ولاية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، مضافة إلى قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... ) (١) .

- ١٣ -

العقيدة جنسيّة المجتمع الإسلامي

ألغى الإسلام أصل الانشعاب، من أن يؤثِّر في تكوّن المجتمع أثره، ذاك الانشعاب الذي عامله الأصلي البدوية والعيش بعيشة القبائل والبطون، أو اختلاف منطقة الحياة والوطن الأرضي، وهذان - أعني البدوية واختلاف مناطق الأرض في طبائعها الثانوية من حرارة وبرودة وجدب وخصب -

____________________

(١) سورة الأحزاب، الآية: ٢١.

٥٣

وغيرهما هما العاملان الأصليان لانشعاب النوع الإنساني شعوباً وقبائل، واختلاف ألسنتهم وألوانهم على ما بُيِّن في محلّه.

ثمّ صارا عاملين لحيازة كل قوم قطعة من قطعات الأرض، على حسب مساعيهم في الحياة وبأسهم وشدّتهم، وتخصيصها بأنفسهم، وتسميتها وطناً يألفونه ويذبُّون عنه بكل مساعيهم.

وهذا وإن كان أمراً ساقهم إلى تلك الحوائج الطبيعية، التي تدفعهم الفطرة إلى رفعها، غير أنّ فيه خاصة تنافي ما يستدعيه أصل الفطرة الإنسانية، من حياة النوع في مجتمع واحد، فإنّ من الضروري أنّ الطبيعة تدعو إلى اجتماع القوى المتشتِّته وتآلفها، وتقوِّيها بالتراكم والتوحيد لتنال ما تطلبه من غايتها الصالحة بوجه أتمّ وأصلح، وهذا أمر مشهور من حال المادة الأصلية، حتى تصير عنصراً ثمّ... ثمّ نباتاً، ثمّ حيواناً، ثمّ إنساناً.

والانشعابات - بحسب الأوطان - تسوق الأمّة إلى توحُّد في مجتمعهم، يفصله عن المجتمعات الوطنية الأُخرى، فيصير واحداً منفصل الروح والجسم عن الآحاد الوطنية الأُخرى، فتنعزل الإنسانية عن التوحيد والتجمُّع، وتُبتلى من التفرُّق والتشتُّت بما كانت تفرُّ منه، ويأخذ الواحد الحديث يُعامل سائر الآحاد الحديثة (أعني الآحاد الاجتماعية) بما يُعامل به الإنسان سائر الأشياء الكونية من استخدام واستثمار، وغير ذلك، والتجريب الممتدُّ بامتداد الأعصار منذ أول الدنيا إلى يومنا هذا يشهد بذلك، وما نقلناه من الآيات في مطاوي الأبحاث السابقة يكفي في استفادة ذلك من القرآن الكريم.

وهذا هو السبب في أن ألغى الإسلام هذه الانشعابت والتشتُّتات والفروق، وبنى المجتمع على العقيدة دون الجنسية والقومية والوطن ونحو ذلك، حتى في مثل الزوجية والقرابة في الاستمتاع والميراث، فإنّ المدار

٥٤

فيهما على الاشتراك في التوحيد، لا المنزل والوطن مثلاً.

ومن أحسن الشواهد على هذا ما نراه عند البحث عن شرائع هذا الدين، أنّه لم يُهمل أمره في حال من الأحوال، فعلى المجتمع الإسلامي - عند أوجِّ عظمته واهتزاز لواء غلبته - أن يُقيموا الدين ولا يتفرّقوا فيه، وعليه عند الاضطهاد والمغلوبية ما يستطيعه من إحياء الدين وإعلاء كلمته، وعلى هذا القياس، حتى إنّ المسلم الواحد عليه أن يأخذ به، ويعمل منه ما يستطيعه، ولو كان بعقد القلب في الاعتقاديات والإشارة في الأعمال المفروضة عليه.

ومن هنا؛ يظهر أنّ المجتمع الإسلامي قد جعل جعلاً يمكنه أن يعيش في جميع الأحوال، وعلى كل التقادير، من حاكمية ومحكومية، وغالبية ومغلوبية، وتقدُّم وتأخُّر، وظهور وخفاء، وقوة وضعف.

ويدلُّ عليه من القرآن آيات التقيّة بالخصوص.

قال تعالى: ( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) (١) .

وقوله: ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) (٢) .

وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ... ) (٣) .

وقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (٤) .

____________________

(١) سورة النحل، الآية: ١٠٦.

(٢) سورة آل عمران، الآية: ٢٨.

(٣) سورة التغابن، الآية: ١٦.

(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.

٥٥

- ١٤ -

البُعد الاجتماعي للإسلام

يدلّ على ذلك قوله تعالى: ( ... وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ... لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، على ما مرّ بيانه وآيات أُخَر كثيرة.

وصفة الاجتماع مرعيّة مأخوذة في الإسلام في جميع ما يمكن أن يؤدّي بصفة الاجتماع، من أنواع النواميس والأحكام، بحسب ما يليق بكلٍّ منها من نوع الاجتماع، وبحسب ما يمكن فيه من الأمر والحثّ الموصل إلى الغرض، فينبغي للباحث أن يعتبر الجهتين معاً في بحثه.

فالجهة الأُولى من الاختلاف، ما نرى أنّ الشارع شرّع الاجتماع مستقيماً في الجهاد، إلى حدٍّ يكفي لنجاح الدفاع وهذا نوع، وشرّع وجوب الصوم والحجّ مثلاً للمستطيع غير المعذور، ولازمه اجتماع الناس للصيام والحجّ وتممّ ذلك بالعيدين: الفطر، والأضحى، والصلاة المشروعة فيهما، وشرّع وجوب الصلوات اليومية عينياً لكل مكلّف، من غير أن يوجب فيها جماعة واحدة في كل أربعة فراسخ، وهذا نوع آخر.

والجهة الثانية، ما نرى أنّ الشارع شرّع وجوب الاجتماع في أشياء بلا واسطة - كما عرفت - وألزم على الاجتماع في أمور أُخرى غير واجبة، لم يوجب الاجتماع فيها مستقيماً، كصلاة الفريضة مع الجماعة، فإنّها مسنونة مستحبّة، غير أنّ السنّة جرت على أدائها جماعة، وعلى الناس أن يُقيموا السنّة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في قوم من المسلمين تركوا الحضور في الجماعة -: (ليوشك قوم يدَعُون الصلاة في المسجد، أن نأمر بحطب فيوضَع على أبوابهم، فتوقَد عليهم نار فتُحرق عليهم بيوتهم).

وهذا هو السبيل في جميع ما سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيجب حفظ سنّته على المسلمين، بأيّ وسيلة أمكنت لهم، وبأيّ قيمة حصلت.

٥٦

وهذه أمور سبيل البحث فيها الاستنباط الفقهي من الكتاب والسنّة، والمتصدّي لبيانها الفقه الإسلامي.

وأهمّ ما يجب هاهنا هو عطف عنان البحث إلى جهة أُخرى، وهي اجتماعية الإسلام في معارفه الأساسية، بعد الوقوف على أنّه يُراعي الاجتماع في جميع ما يدعو الناس إليه من قوانين الإعمال (العبادية والمعاملية والسياسية)، ومن الأخلاق الكريمة ومن المعارف الأصلية.

نرى الإسلام يدعو الناس إلى دين الفطرة، بدعوى أنّه الحق الصريح الذي لا مرية فيه، والآيات القرآنية الناطقة بذلك كثيرة مستغنية عن الإيراد، وهذا أول التآلف والتآنس مع مختلف الأفهام، فإنّ الأفهام على اختلافها وتعلُّقها بقيود الأخلاق والغرائز لا تختلف في أنّ (الحق يجب اتّباعه).

ثمّ نراه يعذر مَن لم تقُم عليه البيّنة، ولم تتّضح له المحجّة، وإن قرعت سمعه الحجّة.

قال تعالى: ( ... لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ... ) (١) .

وقال تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) (٢) ، أنظر إلى إطلاق الآية ومكان قوله: ( ... لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) ، وهذا يُعطي الحرّية التامّة لكل متفكِّر يرى نفسه صالحة للتفكُّر، مستعدّة للبحث والتنقير أن يتفكّر فيما يتعلّق بمعارف الدين ويتعمّق في تفهُّمها والنظر فيها.

على أنّ الآيات القرآنية مشحونة بالحثِّ والترغيب، في التفكر والتعقّل والتذكّر.

____________________

(١) سورة الأنفال، الآية: ٤٢.

(٢) سورة النساء، الآيتان: ٩٨ - ٩٩.

٥٧

ومن المعلوم، أنّ اختلاف العوامل الذهنية والخارجية مؤثّرة في اختلاف الأفهام، من حيث تصوُّرها وتصديقها ونيلها وقضائها، وهذا يؤدّي إلى الاختلاف في الأصول التي بُني على أساسها المجتمع الإسلامي كما تقدّم.

إلاّ أنّ الاختلاف بين إنسانين في الفهم - على ما يقضي به فنّ معرفة النفس وفنّ الأخلاق وفنّ الاجتماع - يرجع إلى أحد أمور:

إمّا إلى اختلاف الأخلاق النفسانية والصفات الباطنة من الملكات الفاضلة والردية؛ فإنّ لها تأثيراً وافراً في العلوم والمعارف الإنسانية؛ من حيث الاستعدادات المختلفة التي تودعها في الذهن، فما إدراك الإنسان المُنصف وقضاؤه الذهني كادراك الشَّموس المتعسِّف، ولا نيل المعتدل الوقور للمعارف كنيل العجول والمتعصّب وصاحب الهوى والهمجي، الذي يتبع كل ناعق، والغوي الذي لا يدري أين يريد، ولا أنّى يُراد به، والتربية الدينية تكفي مؤونة هذا الاختلاف، فإنّها موضوعة على نحو يلائم الأصول الدينية في المعارف والعلوم، وتستولد من الأخلاق ما يُناسب تلك الأصول، وهي مكارم الأخلاق.

قال تعالى: ( ... كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (١) .

وقال تعالى: ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٢) .

وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ

____________________

(١) سورة الأحقاف، الآية: ٣٠.

(٢) سورة المائدة، الآية: ١٦.

٥٨

الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

وانطباق الآيات على مورد الكلام ظاهر.

وإمّا أن يرجع إلى اختلاف الأفعال؛ فإنّ الفعل المخالف للحق كالمعاصي وأقسام التهوّسات الإنسانية ومن هذا القبيل أقسام الإغواء والوساوس يلقّن الإنسان - وخاصّة العامي الساذج - الأفكار الفاسدة، ويعدّ ذهنه لدبيب الشبهات وتسرّب الآراء الباطلة فيه، وتختلف إذ ذاك الأفهام، وتتخلّف عن اتّباع الحق! وقد كفى مؤونة هذا أيضاً الإسلام؛ حيث أمر المجتمع بإقامة الدعوة الدينية دائماً أولاً، وكلّف المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثانياً، وأمر بهجرة أرباب الزيغ والشبهات ثالثاً، قال تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... ) (٢) .

فالدعوة إلى الخير تستثبت الاعتقاد الحق، وتقرُّها في القلوب، بالتلقين والتذكير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنعان من ظهور الموانع، من رسوخ الاعتقادات الحقّة في النفوس.

وقال تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ... ) (٣) .

ينهى الله تعالى عن المشاركة في الحديث الذي فيه خوض في شيء من المعارف الإلهية والحقائق الدينية، بشبهة أو اعتراض أو استهزاء، ولو بنحو الاستلزام أو التلويح، ويذكر أنّ ذلك من فقدان الإنسان أمر الجَدّ في

____________________

(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٩.

(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٠٤.

(٣) سورة الأنعام، الآيات: ٦٨ - ٧٠.

٥٩

معارفه، وأخذه بالهزل واللعب واللهو، وأنّ منشأ الاغترار بالحياة الدينا، وأنّ علاجه التربية الصالحة والتذكير بمقامه تعالى.

وإمّا أن يكون الاختلاف من جهة العوامل الخارجية، كبُعد الدار، وعدم بلوغ المعارف الدينية إلاّ يسيرة أو محرفة، أو قصور فهم الإنسان عن تعقُّل الحقائق الدينية تعقُّلاً صحيحاً، كالجُربزة والبَلادة المستندتَين إلى خصوصية المزاج، وعلاجه تعميم التبليغ والإرفاق في الدعوة والتربية، وهذان من خصائص السلوك التبليغي في الإسلام، قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي... ) (١) .

ومن المعلوم أنّ البصير بالأمر يعرف مبلغ وقوعه في القلوب، وأنحاء تأثيراته المختلفة باختلاف المتلقّين والمستمعين، فلا يبذل أحداً إلاّ مقدار ما يعيه منه، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على ما رواه الفريقان: (إنّا - معاشر الأنبياء - نُكلِّم الناس على قدر عقولهم)، وقال تعالى: ( ... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٢).

فهذه جُمل ما يُتَّقى به وقوع الاختلاف في العقائد، أو يُعالج به إذا وقع، وقد قرّر الإسلام لمجتمعه دستوراً اجتماعياً فوق ذلك، يقيه عن دبيب الاختلاف المؤدِّي إلى الفساد والانحلال، فقد قال تعالى: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٣) .

فبيَّن أنَّ اجتماعهم على اتّباع الصراط المستقيم، وتَحذُّرهم عن اتّباع

____________________

(١) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.

(٢) سورة التوبة، الآية: ١٢٢.

(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٥٣.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[٢٠٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ وليّ كل مؤمن من بعدي.

[٢٠٤] وبآخر عن البراء بن عازب ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذ بعضد عليعليه‌السلام فأقامه ، ثم قال : هذا وليكم من بعدي والى الله من والاه وعادى من يعاديه. قال : فقام عمر بن الخطاب إليه. فقال : يهنيك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، أو قال : أمسيت(١) ولي كل مسلم.

[٢٠٥] وبآخر عن بريدة ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي وليكم من بعدي.

[٢٠٦] وبآخر عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

[٢٠٧] وبآخر ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ، باسناده عن سلمان الفارسي ( رضوان الله عليه ) ، انه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده جماعة من أصحابه إذ وقف أعرابي [ من بني عامر وسلم ] فقال : والله يا محمد لقد آمنت بك من قبل أن أراك ، وصدقتك من قبل أن ألقاك ، وقد بلغني عنك أمر ، فأردت سماعه منك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الذي بلغك عني يا أعرابي؟ قال : دعوتنا الى أن نشهد أن لا إله إلا الله والى. الإقرار بأنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجبناك ، وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، فأجبناك ، ثم لم ترض حتى دعوت الناس إلى حبّ ابن عمّك علي وولايته ، فذلك فرض علينا من الأرض أم الله فرضه من السماء؟

__________________

(١) وفي غاية المرام ص ٨٤ : أصبحت وأمسيت.

٢٢١

قال : فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل الله عز وجل فرضه من السماء(١) .

قال الأعرابي : فان كان الله عز وجل فرضه ، فحدّثني به يا رسول الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أعرابي أني اعطيت في علي خمس خصال الواحدة منها خير من الدنيا بحذافيرها ، يا أعرابي ألا انبئك بهن؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم بدر جالسا وقد انقضت الغزاة فهبط عليّ جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : إني آليت على نفسي بنفسي ألا الهم حب علي ، إلا من أحببته ، فمن أحببته ألهمته ذلك ، ومن أبغضته ألهمته بغضه وعداوته.

يا أعرابي ألا انبئك بالثانية؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم أحد جالسا ، وقد فرغت من جهاز عمي حمزة فاذا أنا بجبرائيلعليه‌السلام وقد هبط عليّ ، فقال : يا محمد ، الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : اني فرضت الصلاة ووضعتها عن العليل(٢) ، والزكاة ووضعتها عن المقسر ، والصوم فوضعته عن المسافر ، والحج ووضعته عن المقتر(٣) ، والجهاد فوضعته عمّن له عذر وفرضت ولاية علي ومحبته على جميع الخلق ، فلم أعط أحدا فيها رخصة

__________________

(١) وفي الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ بل فرضه الله تعالى في السماوات على أهل السماوات والأرض.

(٢) وهو المريض ، ووضعناها بمعنى خففت من أحكامها لعلّة مرضه بأحكام مرنة ملائمة لحاله.

(٣) الفقير.

٢٢٢

طرفة عين.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالثالثة؟

قال : بلى.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ما خلق الله عز وجل شيئا إلا جعل له سيدا ، فالنسر سيد الطيور(٢) والثور سيد البهائم والأسد سيد السباع وإسرافيل سيد الملائكة ويوم الجمعة سيد الأيام وشهر رمضان سيد الشهور(٣) وأنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ، إلا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : يا أعرابي : إن الله عز وجل خلق حبّ علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة ، وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده في النار.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بمنبري فينصب عن يمين العرش ويؤتى بمنبر إبراهيمعليه‌السلام فينصب عن يمين العرش. يا أعرابي والعرش له يمينان ، فمنبري عن يمين ، ومنبر إبراهيم عن يمين ثم يؤتى بكرسي عال مشرف فينصب بين المنبرين المعروف بكرسيّ الكرامة

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٩ : إنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق الله ...

(٢) وفي الأصل : الطير.

(٣) وفي الفضائل ص ١٤٧ أضاف : وآدم سيد البشر.

٢٢٣

لعلي ، وأنا عن يمين العرش على منبري وإبراهيم على منبره وعلي على كرسيّ الكرامة وأصحابي حولي ، وشيعة علي حوله فما رأيت أحسن من حبيب بين خليلين.

يا أعرابي : أحبب عليا حق حبّه ، فما هبط عليّ جبرائيل إلا سألني عن علي وشيعته ، ولا عرج من عندي إلا قال أقرئ مني عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام السّلام.

[ فعند ذلك قال الأعرابي : سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب ](١) .

[٢٠٨] وبآخر ، أبو بصير ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : إذا مات العبد المؤمن من أهل ولايتنا وصار الى قبره دخل معه قبره ست حور منهن حورة أحسنهن وجها وأطيبهن ريحا وأنظفهن هيئة ، حورة تكون عند رأسه ، وتكون الاخرى منهن عن يمينه ، والاخرى عن يساره ، والاخرى من خلفه ، والاخرى عن قدامه ، والاخرى عند رجليه ، فيمنعنه من حيث ما أتى من الجهات ويؤنسنه في قبره ، فيقول الميت من أنتنّ ، جزاكنّ الله خيرا. فتقول التي عن يمينه : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي من خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا الجهاد وأنا من وصلته من إخوانك ، وتقول التي عند رأسه وهي أحسنهن : أنا الولاية لعليعليه‌السلام والائمة من ذرّيته.

[٢٠٩] وبآخر ، معاذ بن مسلم ، قال : دخلت مع أخي عمرو ، على أبي عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك هذا

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في الفضائل لابن شاذان ص ١٤٧.

٢٢٤

أخي يريد أن يسمع منك. فقال له : سل عمّا شئت.

فقال : أسألك عن الذي لا يقبل الله عز وجل من العباد غيره ، ولا يعذرهم على جهله؟

قالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله والطهارة والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد لمن قدر عليه والائتمار(١) مع ذلك بأئمة الحق من آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة.

قال له عمرو : سمّهم لي جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : علي أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ويعطي الله الخير من يشاء.

قال له : فأنت جعلت فداك؟ قال : يجري لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، ومحمد وعلي أفضلنا.

[٢١٠] أبو صالح ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال في قول الله عز وجل «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (٢) . قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط من أهل الكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الظهر ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيوتنا قاصية ولا نجد محدثا دون أهل المسجد ، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا وتبرّءوا منا ومن ولايتنا و[ قاطعونا ] ، فشقّ ذلك علينا.

فبيناهم يشكون ذلك الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انزل عليه : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ». فقرأها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الافتداء.

(٢) المائدة : ٥٥

٢٢٥

عليه وآله. فقالوا : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين ، وأذّن بلال لصلاة الظهر.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المسجد والناس يصلّون ، ومسكين يسأل ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم فضة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك؟ قال : ذلك الرجل القائم ـ وأومى الى علي ـ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلى أيّ حال أعطاك؟ قال : وهو راكع مررت به ، وأنا أسأل ، فاستلّه(١) من إصبعه وناولني إياه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر(٢) .

[٢١١] وفي إسناد آخر ، إنه لما فرغ من الصلاة دعا علياعليه‌السلام فبشره بما أنزل الله فيه وما أوجب من ولايته.

[٢١٢] وبآخر عن علي بن عامر ، يرفعه الى أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فاذا عليعليه‌السلام بين يديه مال مصبوب وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لا يموت عبدا وهو يحبني إلا جئت أنا وهو كهاتين يوم القيامة ـ وجمع المسبحتين من يديه جمعا ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين

__________________

(١) استلّه أي : استخرجه من إصبعه.

(٢) روى عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنينعليه‌السلام وزن أربعة مثاقيل حلقته من فضة ـ وفضته خمسة مثاقيل ـ وهو من ياقوتة حمراء ، وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لمران بن طوق ، قتله أمير المؤمنين ـ في الجهاد ـ وأخذ الخاتم من إصبعه ، وأتى به الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الغنائم وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأخذ الخاتم.

قال الغزالي في كتاب سرّ العالمين : إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين كان خاتم سليمان بن داود.

قال الشيخ الطوسي : إن التصدق بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.

٢٢٦

المسبحة والوسطى من يده اليمنى ـ وقال : أنا يعسوب المؤمنين ووليهم ، وهذا ـ وأشار الى المال ـ يعسوب المنافقين ومقصدهم ، فبي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٢١٣] وعن جعفر بن سليمان الهاشمي ، يرفعه الى عمر بن الخطاب ، إنه قال : أحبّوا الأشراف وتودّدوهم ، واتقوا على أعراضكم السفلة ، ولا يتم إسلام مسلم حتى يتولّى علي بن أبي طالب.

[٢١٤] الحسين بن الحكم الحبري ، يرفعه الى أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وعليعليه‌السلام معه في بعض طرق الجبانة ، إذ عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فوقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهوا بها إليه ، فقال : قفوا ، من هذا الميت؟ فقالوا : يا رسول الله هذا عبد لنبي الرياح(١) كان كثير الاسراف على نفسه فجفاه الناس ، فلما مات قلّ تبعه. قال : أصلّيتم عليه؟ قالوا : لا. فقال : امضوا. ومضى معهم حتى انتهوا إلى موضع فيه سعة. فقال : أنزلوه. فأنزلوه ، فصلّى عليه ، ثم مشى معهم الى قبره ، فدفنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى عليه التراب ، فلما تفرقوا ، قال لعليعليه‌السلام : أما سمعت ما قال هؤلاء القوم في هذا الميت؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكني أخبرك عنه إنه والله ما استقبلني قط إلا قال لي : يا مولاي أنا والله أحبك وأتولاّك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبها والله أدرك ما أدرك لقد رأيت معه قبيلا من الملائكة(٢) يشيّعون جنازته.

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٢٨٩ : هذا رياح غلام آل النجار.

(٢) وفي البحار أيضا : شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة كل قبيل سبعون الف ملك.

٢٢٧

[٢١٥] وعن [ الحسين ](١) أيضا ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنت أرى رأي الخوارج الى أن جلست يوما الى أبي سعيد الخدري ، قال : ألا إن الاسلام بني على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة ، فقلت : وما هي يا أبا سعيد؟ قال : أما الأربع التي عمل بها الناس فالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما التي تركوها فولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : ما تقول ، هي مفروضة؟ قال : إي والله مفروضة.

[٢١٦] وبآخر عنه ، يرفعه الى زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، إنهما قالا : سمعنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من انتمى الى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصيه إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ألا وأني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، ولأستنقذن من النار رجل ، وليستنقذن من يدي آخرون ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢١٧] وبآخر ، سعد بن ظريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : بينا عليعليه‌السلام يصلّي إذ مرّ به سائل ، فرمى إليه بخاتمه وهو راكع ، فلما فرغ من صلاته أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا علي ، ما صنعت في صلاتك؟ فأخبره. فقال : إن الله تعالى أنزل فيك آيتين وتلا عليه قوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله : «هُمُ

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن. وفي نسخة ـ ب ـ الحسين بن الحكم.

٢٢٨

الْغالِبُونَ » (١) .

[٢١٨] وبآخر ، محمد بن جرير الطبري ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، إنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام وهو يقول : هذا ولي من أنا وليه ، عاديت من عاداه وسالمت من سالمه(٢) .

[٢١٩] وبآخر ، أبو نعيم ( الفضل بن دكين ) عن سفيان بن عيينة ، قال : سألت أبا عبد الله ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » (٣) .

فنظر أبي كالمتعجب ، فقال لي : يا سفيان ، كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني عنها أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي محمد بن عليعليه‌السلام فقال لي : بابني كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه الحسين بن عليعليه‌السلام فقال له مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له مثل

__________________

(١) الآيتين في سورة المائدة الآية ٥٥ و ٥٦( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

(٢) ولقد أجاد المؤلف حيث أشار في ارجوزته الى هذا المعنى :

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا ربّ وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

(٣) الشعراء : ٢٠٤. ( الارجوزة المختارة ص ١٠٧ ).

٢٢٩

ذلك ، وانه قال لأبيه عليعليه‌السلام ، إذ قال ذلك له : أردت أن تخبرني عنها فيمن انزلت؟

قال : نعم ، لما رجعنا من حجة الوداع نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ، فقال : معاشر الناس ، اني مسئول عنكم وانتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، بلّغت رسالة ربك ونصحت لامّتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا من نبي خيرا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنتم ، فجزاكم الله عني خيرا ، فلقد صدقتموني وأعنتموني على تبليغ وحي الله عز وجل ورسالته ، وجاهدتم معي فجزاكم الله عني خيرا.

ثم أخذ بيدي فرفعها كأنها مروحة ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنا وليّ جميعهم؟

قالوا : نعم.

قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. هل سمعتم وأطعتم.

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد.

فقام نعمان بن الحارث الفهري(١) فقال : يا رسول الله أتيتنا فذكرت لنا إنك رسول الله إلينا ، فقلنا لك : أعن الله ذلك؟ قلت :

نعم ، فصدّقناك.

ثم أتيتنا بالفرائض ـ وذكرت كل فريضة منها ـ فقلنا لك : أعن الله هذا؟ قلت : نعم ، فصدّقناك.

__________________

(١) وفي البحار ذكر أنه الحارث بن النعمان الفهري راجع تخريج الاحاديث.

٢٣٠

ثم أخذت الآن بيد ابن عمك هذا ، فأمرتنا بولايته ، فالله أمرك بهذا؟ قال : نعم والله عز وجل أمرني أن أقول ذلك لكم.

فقال كلمة يعنى بها التكذيب ، ثم ولّى مغضبا ، وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم أتى ناقته ، فحلّ عقالها ، وركبها ، فانطلق يريد أهله ، فأصابته حجارة من السماء [ فسقطت في رأسه وخرجت من دبره وسقط ميتا ](١) .

وفي رواية اخرى : نار فقتلته قبل أن يصل الى أهله ، فأنزل الله عز وجل :( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) (٢) .

[٢٢٠] وبآخر عيسى بن عبد الله بن عمر ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فسمع الرعد ، فقال : سبحان من سبّحت له.

ثم قال : يا أبا محمد أخبرني أبي عن أبيه عن جده ، عن الصدّيق الأكبر عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني ، بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإن ولاءه ولائي ، وولائي ولاءه ، أمر أمرني به ربي عز وجل ، وعهد عهده إليّ ، وأمرني أن أبلغكموه وإن منكم من ينقصه حقّه ويركب عقّه.

قالوا : يا رسول الله أولا تعرّفنا بهم؟

قال : أما إني قد عرفتهم ، ولكن امرت بالإعراض عنهم لأمر هو كائن ، وكفى بالمرء منكم ما في قلبه لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٣٧ / ١٧٦.

(٢) الشعراء : ٢٠٤.

٢٣١

[٢٢١] وبآخر ، مسعر عن طلحة بن عميرة ، قال : شهدت علياعليه‌السلام على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اناشدكم الله من كانت لي عنده شهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قام فأداها.

فقام القوم فذكروا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وكان فيهم أنس بن مالك ، فلم يقم ، ولم يقل شيئا.

فقال له عليعليه‌السلام : يا أنس بن مالك ، ما منعك أن تقوم فتشهد بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إن كان كاذبا فابتله ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة : فو الله ما متّ حتى رأيتها نكتة(١) بين عينيه من برص أصابه.

[٢٢٢] وبآخر في حديث آخر عن زيد بن أرقم(٢) ، قد ذكرناه فيما تقدم إنه قال : أنشد عليعليه‌السلام الناس [ في المسجد ] : من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، إلا قام فشهد.

فقام جماعة ، فشهدوا ، وكنت فيمن كتم ، فعمي بصري ، وكان يحدث بذلك بعد أن عمي.

[٢٢٣] وبآخر ، محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي عبيدة عن عمار بن ياسر ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن

__________________

(١) النكتة ونكت ونكات : النقطة البيضاء في الأسود.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ عن بريدة.

٢٣٢

بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله يوشك أن يأخذه عقاب.

[٢٢٤] وبآخر ، عن عباس ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيد الناس(١) ولا فخر ، وعليّ سيد المؤمنين ولا فخر ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٢٥] وبآخر سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قوله الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » (٢) .

قال : [ ناكبون ] عن ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٦] وقالعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٣) .

قال : في ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٧] وبآخر ، أبو حمزة ، عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله عز وجل : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » (٤) .

قال : الدخول في الولاية.

«وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : الجنة.

[٢٢٨] وبآخر ، الشعبي عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله تعالى :

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ سيد البشر.

(٢) المؤمنون : ٧٤.

( ٣ ـ ٤ ) البقرة : ٢٠٨ و ٢٠١.

٢٣٣