قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 25%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52757 / تحميل: 7385
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأمّا الإسلام، فقد وضع قانونه على أساس التوحيد - كما عرفت - ثمّ في المرتبة التالية على أساس الأخلاق الفاضلة، ثمّ تعرّضت لكل يسير وخطير من الأعمال الفردية والاجتماعية، كائنة ما كانت، فلا شيء - ممّا يتعلّق بالإنسان أو يتعلّق به الإنسان - إلاّ وللشرع الإسلامي فيه قدم أو أثر قدم، فلا مجال ولا مظهر للحرّية بالمعنى المتقدّم فيه.

نعم، للإنسان فيه الحرّية عن قيد عبودية غير الله سبحانه، وهذا وإن كان لا يزيد على كملة واحدة، غير أنّه وسيع المعنى عند مَن بحث بصورة عميقة في السنّة الإسلامية، والسيرة العملية التي تندب إليها وتُقرُّها بين أفراد المجتمع وطباقاته، ثم قاس ذلك إلى ما يُشاهد من سُنن السؤدد والسيادة، والتحكُّمات في المجتمعات المتمدّنة بين طبقاتها وأفرادها أنفسها وبين كل أمّة قوية وضعيفة.

وأمّا من حيث الأحكام، فالتوسعة فيما أباحه الله من طيّبات الرزق ومزايا الحياة المعتدلة، من غير إفراط أو تفريط قال تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ... ) (١) .

وقال تعالى: ( ... خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً... ) (٢) .

وقال تعالى: ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ... ) (٣) .

ومن عجيب الأمر ما رامه بعض الباحثين والمفسّرين، وتكلّف فيه من إثبات حرّية العقيدة في الإسلام بقوله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي

____________________

(١) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.

(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٩.

(٣) سورة الجاثية، الآية: ١٣.

٤١

الدِّينِ... ) (١) ، وما يُشابهه من الآيات الكريمة.

وقد مرّ البحث التفسيري عن معنى الآية في سورة البقرة.

والذي نُضيف إليها هاهنا: أنّك عرفت أنّ التوحيد أساس جميع النواميس الإسلامية، ومع ذلك كيف يمكن أن يشرّع حرية العقائد؟ وهل ذلك إلاّ التناقض الصريح؟ فليس القول بحرّية العقيدة إلاّ كالقول بالحرّية عن حكومة القانون في القوانين المدنية بعينه.

وبعبارة أُخرى: العقيدة بمعنى حصول إدراك تصديقي ينعقد في ذهن الإنسان، ليس عملاً اختيارياً للإنسان حتى يتعلّق به منع أو تجويز أو استعباد أو تحرير، وإنّما الذي يقبل الحظر والإباحة هو الالتزام بما تستوجبه العقيدة من الأعمال، كالدعوة إلى العقيدة وإقناع الناس بها، وكتابتها ونشرها، وإفساد ما عند الناس من العقيدة، والعمل المخالفَين لها، فهذه هي التي تقبل المنع والجواز، ومن المعلوم أنّها إذا خالفت موادّ قانون دائر في المجتمع، أو الأصل الذي يتّكي عليه القانون لم يكن مناص من منعها من قِبَل القانون، ولم يتّكِ الإسلام في تشريعه على غير دين التوحيد (التوحيد والنبوة والمعاد)، وهو الذي يجتمع عليه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس (أهل الكتاب)، فليست الحرّية إلاّ فيها، وليست فيما عداها إلاّ هدفاً لأصل الدين، نعم هاهنا حرّية أُخرى، وهي الحرّية من حيث إظهار العقيدة في مجرى البحث.

- ١٠ -

التكامل في المجتمع الإسلامي

ربّما أمكن أن يُقال: هبْ أنّ السنّة الإسلامية سنّة جامعة للوازم الحياة

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٦.

٤٢

السعيدة، والمجتمع الإسلامي مجتمع سعيد مغبوط، لكنّ هذه السنّة لجامعيّتها وانتفاء حرّية العقيدة فيها تستوجب ركود المجتمع ووقوفه عن التحوّل والتكامل، وهو من عيوب المجتمع الكامل - كما قيل - فإنّ السير التكاملي يحتاج إلى تحقيق القوى المتضادّة في الشيء وتفاعلها؛ حتى تولِّد بالكسر والانكسار مولوداً جديداً خالياً من نواقص العوامل المولدة التي زالت بالتفاعل، فإذا فُرِض أنّ الإسلام يرفع الأضداد والنواقص وخاصة العقائد المتضادّة من أصلها، فلازمه أن يتوقّف المجتمع - الذي يكوِّنه - عن السير التكاملي!!

أقول: وهو من إشكالات المادية الجدلية (ماتر باليسم ديالكتيك) وفيه خلط عجيب؛ فإنّ العقائد والمعارف الإنسانية على نوعين: نوع يقبل التحوُّل والتكامل، وهو العلوم الصناعية التي تُستخدم في طريق ترفيع قواعد الحياة المادّية وتذليل الطبيعة العاصية للإنسان، كالعلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما، وهذه العلوم والصناعات وما في عدادها كلّما تحوّلت من النقص إلى الكمال أوجب ذلك تحوُّل الحياة الاجتماعية لذلك.

ونوع آخر لا يقبل التحوّل - وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر - وهو العلوم والمعارف العامة الإلهية، التي تقضي في المبدأ والمعاد، والسعادة والشقاء وغير ذلك، قضاءً قاطعاً واقفاً غير متغيِّر ولا متحوِّل، وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقّة والتعمُّق، وهذه العلوم والمعارف لا تؤثّر في الاجتماعات وسنن الحياة إلاّ بنحو كلِّي، فوقوف هذه المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد، لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي، كما نُشاهد أنّ عندنا آراء كثيرة كلّية ثابتة في حال واحد، من غير أن يقف اجتماعنا لذلك عن سيره كقولنا: إنّ الإنسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته، وإنّ العمل يجب أن يكون لنفع عائد إلى الإنسان، وإنّ الإنسان

٤٣

يجب أن يعيش في حال الاجتماع (التجمّع). وقولنا: إنّ العالم موجود حقيقة لا وهماً، وإنّ الإنسان جزء من العالم، وإنّ الإنسان جزء من العالم الأرضي، وإنّ الإنسان ذو أعضاء وأدوات وقوى، إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة، التي لا يوجب ثبوتها ووقوفها وقوف المجتمعات وركودها، ومن هذا القبيل القول: بأنّ للعالم إلهاً واحداً، شرّع للناس شرعاً جامعاً لطرق السعادة من طريق النبوة، وسيجمع الجميع إلى يوم يوفّيهم فيه جزاء أعمالهم. وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بنى عليها الإسلام مجتمعه وتحفّظ عليها كل التحفُّظ، ومن المعلوم أنّه ممّا لا يوجب باصطكاك ثبوته ونفيه وإنتاج رأي آخر فيه إلاّ انحطاط المجتمع - كما بُيِّن - مراراً، وهذا شأن جميع الحقائق الحقّة المتعلّقة بما وراء الطبيعة، فإنكارها بأيّ وجه لا يُفيد للمجتمع إلاّ انحطاطاً وخسّة.

والحاصل؛ أنّ المجتمع البشري لا يحتاج في سيره الارتقائي إلاّ إلى التحوّل والتكامل يوماً فيوماً في طريق الاستفادة من مزايا الطبيعة، وهذا إنّما يتحقّق بالبحث الصناعي المداوم، وتطبيق العمل على العلم دائماً، والإسلام لا يمنع من ذلك شيئاً.

وأمّا تغيّر طريق إدارة المجتمعات وسنن الاجتماع الجارية، كالاستبداد الملوكي والديموقراطية والشيوعية ونحوها، فليس بلازم إلاّ من جهة نقصها وقصورها عن إيفاء الكمال الإنساني الاجتماعي المطلوب، لا من جهة سيرها من النقص إلى الكمال، فالفرق بينها لو كان، فإنّما هو فرق الغلط والصواب، لا فرق الناقص والكامل، فإذا استقرّ أمر السنّة الاجتماعية على ما يقصده الإنسان بفطرته، وهو العدالة الاجتماعية، واستظلّ الناس تحت التربية الجيدة بالعلم النافع والعمل الصالح، ثمّ أخذوا يسيرون - مرتاحين ناشطين - نحو سعادتهم بالارتقاء في مدارج العلم والعمل، ولا يزالون يتكاملون ويزيدون تمكّناً

٤٤

واتّساعاً في السعادة، فما حاجتهم إلى تحوّل السنّة الاجتماعية زائداً على ذلك؟! ومجرّد وجوب التحوّل على الإنسان من كل جهة - حتى فيما لا يحتاج فيه إلى التحوّل - ممّا لا ينبغي أن يقضي به ذو نظر وبصيرة.

فإن قلت: لا مناص من عروض التحوّل في جميع ما ذكرت، أنّه مستغن عنه، كالاعتقادات والأخلاق الكلّية ونحوها، فأنّها جميعاً تتغيّر بتغيُّر الأوضاع الاجتماعية والمحيطات المختلفة، ومرور الأزمنة، فلا يجوز أن يُنكر أنّ الإنسان الجديد تُغاير أفكاره أفكار الإنسان القديم، وكذا الإنسان يختلف نحو تفكُّره بحسب اختلاف مناطق حياته، كالأراضي الاستوائية والقطبية، والنقاط المعتدلة، وكذا بتفاوت أوضاع حياته، من خادم ومخدوم، وبدوي وحضري، ومثرٍ ومعدم، وفقير وغنيّ، ونحو ذلك، فالأفكار والآراء تختلف باختلاف العوامل وتتحوّل بتحوّل الأعصار - بلا شكّ - كائنة ما كانت.

قلت: الإشكال مبنيّ على نظرية نسبية العلوم والآراء الإنسانية، ولازمها كون الحق والباطل والخير والشرّ أموراً نسبية إضافية، فالمعارف الكلّية النظرية، المتعلّقة بالمبدأ والمعاد، وكذا الآراء الكلّية العملية، كالحكم بكون الاجتماع خيراً للإنسان، وكون العدل خيراً (حكماً كلّياً لا من حيث انطباقه على المورد) تكون أحكاماً نسبيّة متغيّرة بتغيُّر الأزمنة والأوضاع والأحوال، وقد بيّنا في محلّه فساد هذه النظرية من حيث كلّيتها.

وحاصل ما ذكرناه هناك: أنَّ النظرية غير شاملة للقضايا الكلّية النظرية، وقسم من الآراء الكلّية العملية.

وكفى في بطلان كلّيتها أنّها لو صحّت (أي كانت كلّية - مطلقة - ثابتة) أثبتت قضية مطلقة غير نسبية وهي نفسها، ولو لم تكن كلّية مطلقة، بل قضية جزئية أثبتت بالاستلزام قضية كلّية مطلقة، فكلّيتها باطلة على أيّ حال.

٤٥

وبعبارة أُخرى: لو صحّ أنّ (كل رأي واعتقاد يجب أن يتغيّر يوماً) وجب أن يتغيّر هذا الرأي نفسه - أي لا يتغيّر بعض الاعتقادات أبداً - فافهم ذلك.

- ١١ -

هل الإسلام قادر على إسعاد البشرية؟

ربّما يُقال: هَبْ أنّ الإسلام - لتعرُّضه لجميع شؤون الإنسانية الموجودة في عصر نزول القرآن - كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية، وجميع أمانيهم في الحياة، لكنّ الزمن استطاع أن يغيّر طرق الحياة الإنسانية، فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تُشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرناً، المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية، فقد بلغ الإنسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقّة مبلغاً من الارتقاء والتكامل المدني، لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدّة قرون، كان كالقياس بين نوعين متباينين، فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكِّلة العبقرية اليوم؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الأُخرى؟

والجواب: إنّ الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كلّيات شؤونها، وإنّما هو من حيث المصاديق والموارد.

وبعبارة أُخرى: يحتاج الإنسان في حياته إلى غذاء يتغذّى به، ولباس يلبسه، ودار يقطن فيه ويسكنه، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى آخر، ومجتمع يعيش بين أفراده، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك، وهذه حاجة كلّية غير متغيّرة، ما دام الإنسان إنساناً ذا هذه الفطرة والبُنية، وما دام حياته هذه الحياة الإنسانية، والإنسان الأوّلي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حدٍّ سواء.

٤٦

وإنّما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل، التي يرفع الإنسان بها حوائجه المادّية، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبّه لها وبوسائل رفعها.

فقد كان الإنسان الأوّلي - مثلاً - يتغذّى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على وجه بسيط ساذج، وهو اليوم يهيِّئ منها ببراعته وابتداعه أُلوفاً من ألوان الطعام والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته، وألوان يستلذُّ منها بصره، وطعوم يستطيبها ذوقه، وكيفيّات يتنعّم بها لمسه، وأوضاع وأحوال أُخرى يصعب إحصاؤها، وهذا الاختلاف الفاحش لا يُفرِّق الثاني من الأول، من حيث إنّ الجميع غذاء يتغذّى به الإنسان لسدِّ جوعه وإطفاء نائرة شهوته. وكما أنّ هذه الاعتقادات الكلّية التي كانت عند الإنسان أولاً لم تبطل بعد تحوُّله من عصر إلى عصر - بل انطبق الأول على الآخر انطباقاً - كذلك القوانين الكلّية الموضوعة في الإسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة، لا تبطل بظهور وسيلة مكان وسيلة، ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظاً من غير تغيُّر وانحراف، وأمّا مع المخالفة، فالسنّة الإسلامية لا توافقها، سواء في ذلك العصر القديم، والعصر الحديث.

وأمّا الأحكام الجزئية المتعلّقة بالحوادث الجارية، التي تحدث زماناً وزماناً وتتغيّر سريعاً بالطبع، كالأحكام المالية والانتظامية، المتعلّقة بالدفاع وطرق تسهيل الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها، فهي مفوّضة إلى اختيار الوالي ومتصدّي أمر الحكومة، فإنّ الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته، فله أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه - ممّا يتعلّق بالحرب أو السلم مالية أو غير مالية - يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين، كما قال تعالى: ( ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى

٤٧

اللّهِ... ) (١) ، كل ذلك من الأمور العامة.

وهذه أحكام وقواعد جزئية، تتغيّر بتغيُّر المصالح والأسباب التي لا تزال يحدث منها شيء ويزول منها شيء، غير الأحكام الإلهية، التي يشتمل عليها الكتاب والسنّة، ولا سبيل للنسخ إليها ولبيانه التفصيلي محلٌّ آخر.

- ١٢ -

مَن الذي يتقلَّد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته؟

كانت ولاية أمر المجتمع الإسلامي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وافتراض طاعته (صلّى الله عليه وآله وسلم) على الناس واتّباعه صريح القرآن الكريم.

قال تعالى: ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ... ) (٢) .

وقال تعالى: ( ... لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ... ) (٣) .

وقال تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ... ) (٤) .

وقال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ... ) (٥) .

إلى غير ذلك من الآيات الكبيرة، التي يتضمّن كل منها بعض شؤون ولايته العامة في المجتمع الإسلامي أو جميعها.

والوجه الوافي لغرض الباحث في هذا الباب، أن يُطالع سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويمتلئ منه نظراً، ثمّ يعود إلى مجموع ما نزل من الآيات في الأخلاق والقوانين، المشرّعة في الأحكام العبادية والمعاملات والسياسات، وسائر

____________________

(١) سورة آل عمران، الآية: ١٥٩.

(٢) سورة التغابن، الآية: ١٢.

(٣) سورة النساء، الآية: ١٠٥.

(٤) سورة الأحزاب، الآية: ٦.

(٥) سورة آل عمران، الآية: ٣١.

٤٨

المرابطات والمعاشرات، فإنّ هذا الدليل المتّخذ بنحو الانتزاع من ذوق التنزيل الإلهي، له من اللسان الكافي والبيان الوافي ما لا يوجد في الجملة والجملتين من الكلام البتة.

وهاهنا نقطة أُخرى يجب على الباحث الاعتناء بأمرها، وهو أنّ عامة الآيات المتضمّنة لإقامة العبادات، والقيام بأمر الجهاد، وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك، تُوجِّه خطاباتها إلى عامة المؤمنين دون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاصة، كقوله تعالى: ( ... وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ... ) (١) .

وقوله: ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... ) (٢) .

وقوله: ( ... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ... ) (٣) .

وقوله: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... ) (٤) .

وقوله: ( ... وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ... ) (٥) .

وقوله: ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ... ) (٦) .

وقوله: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا... ) (٧) .

وقوله: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا... ) (٨) .

____________________

(١) سورة النساء، الآية: ٧٧.

(٢) سورة البقرة، الآية: ١٩٥.

(٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٣.

(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٠٤.

(٥) سورة المائدة، الآية: ٣٥.

(٦) سورة الحج، الآية: ٧٨.

(٧) سورة النور، الآية: ٢.

(٨) سورة المائدة، الآية: ٣٨.

٤٩

وقوله: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ... ) (١) .

وقوله: ( ... وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ... ) (٢) .

وقوله: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ... ) (٣) .

وقوله: ( ... أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... ) (٤) .

وقوله: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٥) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

ويُستفاد من الجميع؛ أنّ الدين صبغة اجتماعية، حمله الله على الناس ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يرد إقامته إلاّ منهم، فالمجتمع المتكوِّن منهم أمره إليهم، من غير مزيّة في ذلك لبعضهم، ولا اختصاص منهم ببعضهم، والنبي ومن دونه في ذلك سواء.

قال تعالى: ( ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... ) (٦) .

فإطلاق الآية تدلُّ على أنّ التأثير الطبيعي، الذي لأجزاء المجتمع الإسلامي في مجتمعهم، مراعى عند الله سبحانه تشريعاً كما راعاه تكويناً، وأنّه تعالى لا يُضيعه، وقال تعالى: ( ... إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٩.

(٢) سورة الطلاق، الآية: ٢.

(٣) سورة آل عمران، الآية ١٠٣.

(٤) سورة الشورى، الآية: ١٣.

(٥) سورة آل عمران، الآية: ١٤٤.

(٦) سورة آل عمران، الآية: ١٩٥.

٥٠

وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

نعم، لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الدعوة والهداية والتربية، قال تعالى: ( ... يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... ) (٢) .

فهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) المُتعيِّن من عند الله، للقيام على شأن الأمّة وولاية أمورهم في الدينا والآخرة، وللإمامة لهم ما دام حيّاً.

لكنّ الذي يجب أن لا يغفل عنه الباحث، أنّ هذه الطريقة غير طريقة السلطة الملوكية، التي تجعل مال الله فيئاً لصاحب العرش وعباد الله أرقّاء له، يفعل بهم ما يشاء ويحكم فيهم ما يريد، وليست هي من الطرق الاجتماعية التي وُضِعت على أساس التمتُّع المادي من الديمقراطية وغيرها، فإنّ بينها وبين الإسلام فروقاً بيّنة مانعة من التشابه والتماثل.

ومن أعظمها، أنّ هذه المجتمعات لمّا بُنيت على أساس التمتُّع المادي، نفخت في قالبها روح الاستخدام والاستثمار، وهو الاستكبار الإنساني، الذي يجعل كل شيء تحت إرادة الإنسان وعمله، حتى الإنسان بالنسبة إلى الإنسان، ويُبيح له طريق الوصول إليه والتسلُّط على ما يهواه ويأمله منه لنفسه، وهذا بعينه هو الاستبداد الملوكي في الأعصار السالفة، وقد ظهرت في زيّ الاجتماع المدني، على ما هو نُصب أعيننا اليوم، من مظالم الملل القويّة وإجحافاتهم وتحكُّماتهم بالنسبة إلى الأُمم الضعيفة، وعلى ما هو في ذكرنا من أعمالهم المضبوطة في التواريخ.

فقد كان الواحد من الفراعنة والقياصرة والأكاسرة، يُجري في ضعفاء عهده - بتحكُّمه ولعبه - كل ما يريده ويهواه. ويعتذر - لو اعتذر - أنّ ذلك من

____________________

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٢٨.

(٢) سورة الجمعة، الآية: ٢.

٥١

شؤون السلطنة ولصلاح المملكة وتحكيم أساس الدولة، ويعتقد أنّ ذلك حقّ نبوغه وسيادته، ويستدلّ عليه بسيفه، وكذلك إذا تعمّقت في المرابطات السياسية، الدائرة بين أقوياء الأُمم وضعفائهم اليوم، وجدت أنّ التاريخ وحوادثه كرّت علينا ولن تزال تكرّ، غير أنّها أبدلت الشكل السابق الفردي بالشكل الحاضر الاجتماعي، والروح هي الروح، والهوى هو الهوى، وأمّا الإسلام فطريقته بريئة من هذه الأهواء، ودليله السيرة النبوية في فتوحاته وعهوده.

ومنها، أنّ أقسام الاجتماعات على ما هو مشهور ومضبوط في تاريخ، هذا النوع لا تخلو عن وجود تفاضل بين أفرادها مؤدٍّ إلى الفساد، فإنّ اختلاف الطبقات بالثروة أو الجاه والمقام، المؤدِّي - بالآخرة - إلى بروز الفساد في المجتمع من لوازمها، لكنّ المجتمع الإسلامي مجتمع متشابه الأجزاء، لا تقدُّم فيها للبعض على البعض، ولا تفاضل ولا تفاخر، ولا كرامة، وإنّما التفاوت الذي تستدعيه القريحة الإنسانية ولا تسكت عنه، إنّما هو في التقوى وأمره إلى الله سبحانه لا إلى الناس، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ... ) (١) .

وقال تعالى: ( ... فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ... ) (٢) .

فالحاكم والمحكوم، والأمير والمأمور، والرئيس والمرؤوس، والحرّ والعبد، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والصغير والكبير في الإسلام في موقف سواء من حيث جريان القانون الديني في حقّهم، ومن حيث انتفاء فواصل الطبقات بينهم في الشؤون الاجتماعية، على ما تدلّ عليه السيرة النبوية

____________________

(١) سورة الحجرات، الآية: ١٣.

(٢) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.

٥٢

على سائرها السلام والتحيّة.

ومنها، أنّ القوّة التنفيذية في الإسلام ليست هي طائفة متميّزة في المجتمع، بل تعمّ جميع أفراد المجتمع، فعلى كل فرد أن يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهناك فروق أُخر لا تخفى على الباحث المتتّبع.

هذا كله في حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا بعده، فالجمهور من المسلمين، على أنّ انتخاب الخليفة الحاكم في المجتمع إلى المسلمين والشيعة من المسلمين، على أنّ الخليفة منصوص من جانب الله ورسوله، وهم أثنا عشر إماماً على التفصيل المودوع في كتب الكلام.

ولكن على أيّ حال، أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبعد غيبة الإمام - كما في زماننا الحاضر - إلى المسلمين من غير إشكال، والذي يمكن أن يُستفاد من الكتاب في ذلك أنّ عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهي سنّة الإمامة دون الملوكية والإمبراطورية، والسير فيهم بحفاظة الأحكام من غير تغيير، والتولّي بالشَّور في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحلّ - كما تقدّم - والدليل على ذلك كلّه جميع ما تقدّم من الآيات في ولاية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، مضافة إلى قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... ) (١) .

- ١٣ -

العقيدة جنسيّة المجتمع الإسلامي

ألغى الإسلام أصل الانشعاب، من أن يؤثِّر في تكوّن المجتمع أثره، ذاك الانشعاب الذي عامله الأصلي البدوية والعيش بعيشة القبائل والبطون، أو اختلاف منطقة الحياة والوطن الأرضي، وهذان - أعني البدوية واختلاف مناطق الأرض في طبائعها الثانوية من حرارة وبرودة وجدب وخصب -

____________________

(١) سورة الأحزاب، الآية: ٢١.

٥٣

وغيرهما هما العاملان الأصليان لانشعاب النوع الإنساني شعوباً وقبائل، واختلاف ألسنتهم وألوانهم على ما بُيِّن في محلّه.

ثمّ صارا عاملين لحيازة كل قوم قطعة من قطعات الأرض، على حسب مساعيهم في الحياة وبأسهم وشدّتهم، وتخصيصها بأنفسهم، وتسميتها وطناً يألفونه ويذبُّون عنه بكل مساعيهم.

وهذا وإن كان أمراً ساقهم إلى تلك الحوائج الطبيعية، التي تدفعهم الفطرة إلى رفعها، غير أنّ فيه خاصة تنافي ما يستدعيه أصل الفطرة الإنسانية، من حياة النوع في مجتمع واحد، فإنّ من الضروري أنّ الطبيعة تدعو إلى اجتماع القوى المتشتِّته وتآلفها، وتقوِّيها بالتراكم والتوحيد لتنال ما تطلبه من غايتها الصالحة بوجه أتمّ وأصلح، وهذا أمر مشهور من حال المادة الأصلية، حتى تصير عنصراً ثمّ... ثمّ نباتاً، ثمّ حيواناً، ثمّ إنساناً.

والانشعابات - بحسب الأوطان - تسوق الأمّة إلى توحُّد في مجتمعهم، يفصله عن المجتمعات الوطنية الأُخرى، فيصير واحداً منفصل الروح والجسم عن الآحاد الوطنية الأُخرى، فتنعزل الإنسانية عن التوحيد والتجمُّع، وتُبتلى من التفرُّق والتشتُّت بما كانت تفرُّ منه، ويأخذ الواحد الحديث يُعامل سائر الآحاد الحديثة (أعني الآحاد الاجتماعية) بما يُعامل به الإنسان سائر الأشياء الكونية من استخدام واستثمار، وغير ذلك، والتجريب الممتدُّ بامتداد الأعصار منذ أول الدنيا إلى يومنا هذا يشهد بذلك، وما نقلناه من الآيات في مطاوي الأبحاث السابقة يكفي في استفادة ذلك من القرآن الكريم.

وهذا هو السبب في أن ألغى الإسلام هذه الانشعابت والتشتُّتات والفروق، وبنى المجتمع على العقيدة دون الجنسية والقومية والوطن ونحو ذلك، حتى في مثل الزوجية والقرابة في الاستمتاع والميراث، فإنّ المدار

٥٤

فيهما على الاشتراك في التوحيد، لا المنزل والوطن مثلاً.

ومن أحسن الشواهد على هذا ما نراه عند البحث عن شرائع هذا الدين، أنّه لم يُهمل أمره في حال من الأحوال، فعلى المجتمع الإسلامي - عند أوجِّ عظمته واهتزاز لواء غلبته - أن يُقيموا الدين ولا يتفرّقوا فيه، وعليه عند الاضطهاد والمغلوبية ما يستطيعه من إحياء الدين وإعلاء كلمته، وعلى هذا القياس، حتى إنّ المسلم الواحد عليه أن يأخذ به، ويعمل منه ما يستطيعه، ولو كان بعقد القلب في الاعتقاديات والإشارة في الأعمال المفروضة عليه.

ومن هنا؛ يظهر أنّ المجتمع الإسلامي قد جعل جعلاً يمكنه أن يعيش في جميع الأحوال، وعلى كل التقادير، من حاكمية ومحكومية، وغالبية ومغلوبية، وتقدُّم وتأخُّر، وظهور وخفاء، وقوة وضعف.

ويدلُّ عليه من القرآن آيات التقيّة بالخصوص.

قال تعالى: ( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) (١) .

وقوله: ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) (٢) .

وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ... ) (٣) .

وقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (٤) .

____________________

(١) سورة النحل، الآية: ١٠٦.

(٢) سورة آل عمران، الآية: ٢٨.

(٣) سورة التغابن، الآية: ١٦.

(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.

٥٥

- ١٤ -

البُعد الاجتماعي للإسلام

يدلّ على ذلك قوله تعالى: ( ... وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ... لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، على ما مرّ بيانه وآيات أُخَر كثيرة.

وصفة الاجتماع مرعيّة مأخوذة في الإسلام في جميع ما يمكن أن يؤدّي بصفة الاجتماع، من أنواع النواميس والأحكام، بحسب ما يليق بكلٍّ منها من نوع الاجتماع، وبحسب ما يمكن فيه من الأمر والحثّ الموصل إلى الغرض، فينبغي للباحث أن يعتبر الجهتين معاً في بحثه.

فالجهة الأُولى من الاختلاف، ما نرى أنّ الشارع شرّع الاجتماع مستقيماً في الجهاد، إلى حدٍّ يكفي لنجاح الدفاع وهذا نوع، وشرّع وجوب الصوم والحجّ مثلاً للمستطيع غير المعذور، ولازمه اجتماع الناس للصيام والحجّ وتممّ ذلك بالعيدين: الفطر، والأضحى، والصلاة المشروعة فيهما، وشرّع وجوب الصلوات اليومية عينياً لكل مكلّف، من غير أن يوجب فيها جماعة واحدة في كل أربعة فراسخ، وهذا نوع آخر.

والجهة الثانية، ما نرى أنّ الشارع شرّع وجوب الاجتماع في أشياء بلا واسطة - كما عرفت - وألزم على الاجتماع في أمور أُخرى غير واجبة، لم يوجب الاجتماع فيها مستقيماً، كصلاة الفريضة مع الجماعة، فإنّها مسنونة مستحبّة، غير أنّ السنّة جرت على أدائها جماعة، وعلى الناس أن يُقيموا السنّة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في قوم من المسلمين تركوا الحضور في الجماعة -: (ليوشك قوم يدَعُون الصلاة في المسجد، أن نأمر بحطب فيوضَع على أبوابهم، فتوقَد عليهم نار فتُحرق عليهم بيوتهم).

وهذا هو السبيل في جميع ما سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيجب حفظ سنّته على المسلمين، بأيّ وسيلة أمكنت لهم، وبأيّ قيمة حصلت.

٥٦

وهذه أمور سبيل البحث فيها الاستنباط الفقهي من الكتاب والسنّة، والمتصدّي لبيانها الفقه الإسلامي.

وأهمّ ما يجب هاهنا هو عطف عنان البحث إلى جهة أُخرى، وهي اجتماعية الإسلام في معارفه الأساسية، بعد الوقوف على أنّه يُراعي الاجتماع في جميع ما يدعو الناس إليه من قوانين الإعمال (العبادية والمعاملية والسياسية)، ومن الأخلاق الكريمة ومن المعارف الأصلية.

نرى الإسلام يدعو الناس إلى دين الفطرة، بدعوى أنّه الحق الصريح الذي لا مرية فيه، والآيات القرآنية الناطقة بذلك كثيرة مستغنية عن الإيراد، وهذا أول التآلف والتآنس مع مختلف الأفهام، فإنّ الأفهام على اختلافها وتعلُّقها بقيود الأخلاق والغرائز لا تختلف في أنّ (الحق يجب اتّباعه).

ثمّ نراه يعذر مَن لم تقُم عليه البيّنة، ولم تتّضح له المحجّة، وإن قرعت سمعه الحجّة.

قال تعالى: ( ... لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ... ) (١) .

وقال تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) (٢) ، أنظر إلى إطلاق الآية ومكان قوله: ( ... لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) ، وهذا يُعطي الحرّية التامّة لكل متفكِّر يرى نفسه صالحة للتفكُّر، مستعدّة للبحث والتنقير أن يتفكّر فيما يتعلّق بمعارف الدين ويتعمّق في تفهُّمها والنظر فيها.

على أنّ الآيات القرآنية مشحونة بالحثِّ والترغيب، في التفكر والتعقّل والتذكّر.

____________________

(١) سورة الأنفال، الآية: ٤٢.

(٢) سورة النساء، الآيتان: ٩٨ - ٩٩.

٥٧

ومن المعلوم، أنّ اختلاف العوامل الذهنية والخارجية مؤثّرة في اختلاف الأفهام، من حيث تصوُّرها وتصديقها ونيلها وقضائها، وهذا يؤدّي إلى الاختلاف في الأصول التي بُني على أساسها المجتمع الإسلامي كما تقدّم.

إلاّ أنّ الاختلاف بين إنسانين في الفهم - على ما يقضي به فنّ معرفة النفس وفنّ الأخلاق وفنّ الاجتماع - يرجع إلى أحد أمور:

إمّا إلى اختلاف الأخلاق النفسانية والصفات الباطنة من الملكات الفاضلة والردية؛ فإنّ لها تأثيراً وافراً في العلوم والمعارف الإنسانية؛ من حيث الاستعدادات المختلفة التي تودعها في الذهن، فما إدراك الإنسان المُنصف وقضاؤه الذهني كادراك الشَّموس المتعسِّف، ولا نيل المعتدل الوقور للمعارف كنيل العجول والمتعصّب وصاحب الهوى والهمجي، الذي يتبع كل ناعق، والغوي الذي لا يدري أين يريد، ولا أنّى يُراد به، والتربية الدينية تكفي مؤونة هذا الاختلاف، فإنّها موضوعة على نحو يلائم الأصول الدينية في المعارف والعلوم، وتستولد من الأخلاق ما يُناسب تلك الأصول، وهي مكارم الأخلاق.

قال تعالى: ( ... كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (١) .

وقال تعالى: ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٢) .

وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ

____________________

(١) سورة الأحقاف، الآية: ٣٠.

(٢) سورة المائدة، الآية: ١٦.

٥٨

الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

وانطباق الآيات على مورد الكلام ظاهر.

وإمّا أن يرجع إلى اختلاف الأفعال؛ فإنّ الفعل المخالف للحق كالمعاصي وأقسام التهوّسات الإنسانية ومن هذا القبيل أقسام الإغواء والوساوس يلقّن الإنسان - وخاصّة العامي الساذج - الأفكار الفاسدة، ويعدّ ذهنه لدبيب الشبهات وتسرّب الآراء الباطلة فيه، وتختلف إذ ذاك الأفهام، وتتخلّف عن اتّباع الحق! وقد كفى مؤونة هذا أيضاً الإسلام؛ حيث أمر المجتمع بإقامة الدعوة الدينية دائماً أولاً، وكلّف المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثانياً، وأمر بهجرة أرباب الزيغ والشبهات ثالثاً، قال تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... ) (٢) .

فالدعوة إلى الخير تستثبت الاعتقاد الحق، وتقرُّها في القلوب، بالتلقين والتذكير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنعان من ظهور الموانع، من رسوخ الاعتقادات الحقّة في النفوس.

وقال تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ... ) (٣) .

ينهى الله تعالى عن المشاركة في الحديث الذي فيه خوض في شيء من المعارف الإلهية والحقائق الدينية، بشبهة أو اعتراض أو استهزاء، ولو بنحو الاستلزام أو التلويح، ويذكر أنّ ذلك من فقدان الإنسان أمر الجَدّ في

____________________

(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٩.

(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٠٤.

(٣) سورة الأنعام، الآيات: ٦٨ - ٧٠.

٥٩

معارفه، وأخذه بالهزل واللعب واللهو، وأنّ منشأ الاغترار بالحياة الدينا، وأنّ علاجه التربية الصالحة والتذكير بمقامه تعالى.

وإمّا أن يكون الاختلاف من جهة العوامل الخارجية، كبُعد الدار، وعدم بلوغ المعارف الدينية إلاّ يسيرة أو محرفة، أو قصور فهم الإنسان عن تعقُّل الحقائق الدينية تعقُّلاً صحيحاً، كالجُربزة والبَلادة المستندتَين إلى خصوصية المزاج، وعلاجه تعميم التبليغ والإرفاق في الدعوة والتربية، وهذان من خصائص السلوك التبليغي في الإسلام، قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي... ) (١) .

ومن المعلوم أنّ البصير بالأمر يعرف مبلغ وقوعه في القلوب، وأنحاء تأثيراته المختلفة باختلاف المتلقّين والمستمعين، فلا يبذل أحداً إلاّ مقدار ما يعيه منه، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على ما رواه الفريقان: (إنّا - معاشر الأنبياء - نُكلِّم الناس على قدر عقولهم)، وقال تعالى: ( ... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٢).

فهذه جُمل ما يُتَّقى به وقوع الاختلاف في العقائد، أو يُعالج به إذا وقع، وقد قرّر الإسلام لمجتمعه دستوراً اجتماعياً فوق ذلك، يقيه عن دبيب الاختلاف المؤدِّي إلى الفساد والانحلال، فقد قال تعالى: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٣) .

فبيَّن أنَّ اجتماعهم على اتّباع الصراط المستقيم، وتَحذُّرهم عن اتّباع

____________________

(١) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.

(٢) سورة التوبة، الآية: ١٢٢.

(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٥٣.

٦٠

باب فضل السخاء والجود

١٧٠٧ - قال الصادق عليه السلام: " خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران(١) ، ودخول الجنان، ثم قال لجميل: يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك(٢) ، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".

١٧٠٨ - وقال عليه السلام: " شاب سخي مرهق في الذنوب(٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ".

١٧٠٩ - وروي " أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ".(٤)

___________________________________

(١) " مرغمة " بفتح الميم مصدر، وبكسرها اسم آلة من الرغام بفتح الراء بمعنى التراب.

والتزحزح: التباعد (الوافى) والخبر رواه الكلينى باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول الخبر ".

(٢) " غرر " بالغين المعجمة والمهملتين النجباء جمع الاغر.

وفى بعض النسخ هنا وما يأتى بالعين المهملة والزاء‌ين المعجمتين جمع العزيز.

(٣) المرهق: المفرط في الشر ومرتكب المحارم.

وفى القاموس الرهق محركة: السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤١ عن على بن ابراهيم رفعه قال: " أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام الخ ".

٦١

١٧١٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ".(١)

١٧١١ - وقال الصادق عليه السلام: " من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرأ، وأنصف الناس من نفسك(٢) ، وافش السلام في العالم(٣) واترك المراء وإن كنت محقا "(٤) .

١٧١٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ".

 (٥) وقال الله عزوجل: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين "(٦) .

١٧١٣ - وقال الصادق عليه السلام: " في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "(٧) قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله(٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل(٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ".

١٧١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من

___________________________________

(١) أى بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.

(٢) أى كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك، واكره لهم ما تكره لها.

(٣) أى سلم على من لقيت من اخوانك جهارا.

(٤) المراء: الجدال، أى اترك الجدال في الكلام وان كان الحق لك.

والخبر مروى في الكافى بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام.

(٥) الخلف بفتح المعجمة واللام: العوض.

وقوله " سخت " أى جادت وفى بعض نسخ الكافى " سمحت ".

(٦) من كلام المؤلف رحمه الله كما يظهر من الكافى.

(٧) الحسرات جمع الحسرة وهى أشد الندامة.

(٨) في الكافى " أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله الخ ".

(٩) في بعض النسخ والكافى " وان كان عمل به في معصية الله ".

٦٢

ماله وأعطى البائنة في قومه(١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك ".

١٧١٥ - وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: " قال لي أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ".

١٧١٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك ".(٢)

١٧١٧ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ".(٣)

١٧١٨ - " وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم(٤) فقال له: كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الضلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف(٥) والنفقة في سبيل الله

___________________________________

(١) البائنة العطية، سميت بها لانها ابينت من المال (الوافى) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لانها ابينت من المال.

(٢) الدبيب: المشى اللين أى حركة خفيفة لا تحس، والشرك محركة: حبائل الصيد.

وقرأه الفاضل التفرشى بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج اليه.

(٣) أى إذا كان غير منظور اليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.

(٤) أى عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.

(٥) اقراء الضيف: ضيافته وخدمته والاحسان اليه.

هذه الاخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.

٦٣

عزوجل وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ".

١٧١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ".

 [فضل القصد]

١٧٢٠ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " ما عال امرء في اقتصاد "(١)

١٧٢١ - وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ".(٢)

وقال الله عزوجل: " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " والعفو الوسط(٣) .

وقال الله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام الوسط.

باب فضل سقى الماء

١٧٢٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعني في الاجر ".

١٧٢٣ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرى(٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ".

١٧٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان

___________________________________

(١) العيلة والعالة: الفاقة، أى ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه.

والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذى قبله.

(٢) مروى في الكافى مسندا عن مدرك بن أبى الهزهاز عنه (ع).

(٣) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله تعالى " و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: العفو الوسط " (الكافى ج ٤ ص ٥٢)

(٤) في القاموس: الحران العطشان، والانثى حرى مثل عطشى.

٦٤

كمن أحيا نفسا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ".(١)

باب ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية

١٧٢٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة".

١٧٢٦ - وقال عليه السلام: " إني شافع يوم القيامة لاربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ".(٢)

١٧٢٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بابائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله عزوجل: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة(٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ".

___________________________________

(١) هذه الاخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافى ج ٣ ص ٥٧ مسندة.

(٢) التشريد: الطرد والتفريق، والخبر مروى في الكافى وفيه " ورجل يسعى في حوائج ذريتى الخ ".

(٣) الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معانى الاخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " الوسيلة هى درجتى في الجنة وهى ألف مرقاة الخ "

٦٥

باب فضل الصدقة

١٧٢٨ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله".

١٧٢٩ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ".

١٧٣٠ - وقال الصادق عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان(١) .

وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"(٢) .

١٧٣١ - وقال عليه السلام: " الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ".

١٧٣٢ - وقال عليه السلام: " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له ".

___________________________________

(١) قال بعض الشراح: كأن الصدقة دخلت في أفواهم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فانك تصير فقيرا، وبعضهم يقول: لا تتصدق فانك أحوج منه، أو أن السائل غير مستحق، أو تصدق على آخر أحوج منه انتهى.

أقول يمكن أن يقرأ " تفك " بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله اليك، أو بصيغة المجهول أى الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة.

وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.

(٢) كناية عن قبوله تعالى، ولعله اشارة إلى قوله تعالى: " أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".

٦٦

١٧٣٣ - وقال عليه السلام: " باكروا بالصدقة(١) فإن البلايا لا تتخطاها(٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ".

١٧٣٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة(٣) والحرق والغرق والهدم والجنون، وعد عليه السلام سبعين بابا من الشر "(٤) .

١٧٣٥ - وقال صلى الله عليه وأله: " صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله "(٥) .

١٧٣٦ - وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: " قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ".(٦)

١٧٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ".(٧)

١٧٣٨ - وقال صلى الله عليه وآله: " الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر(٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ".

___________________________________

(١) أى ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله وفى الكافى " بكروا " بتشديد الكاف.

(٢) أى ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هى تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.

(٣) الدبيلة كجهينة مصغرة: الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥ " سبعين بابا من السوء " وهو أصوب.

(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.

(٦) في المحكى عن دروس الشهيد رحمه الله الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة، أو يقصد اقتداء غيره به، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.

(٧) " طرقكم " أى نزل عليكم، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.

(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج.

وقيل: انما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فاذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله " فيضاعفه له " فتصير ثمانية عشر.

٦٧

١٧٣٩ - وسئل عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح "(١) .

١٧٤٠ - وقال عليه السلام: " لا صدقة وذو رحم محتاج "(٢) .

١٧٤١ - قال عليه السلام " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس(٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول "(٤) .

١٧٤٢ - وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته".(٥)

١٧٤٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن السائل يسأل ولا يدري ما هو؟ فقال: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقال: اعطه دون الدرهم، قلت: أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق "(٦) .

١٧٤٤ - وروى الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليه السلام أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك(٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ".

___________________________________

(١) في النهاية " الكاشح ": العدو الذى يضمر لك عداوته ويطوى عليها كشحه أى باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذى المحبة.

(٢) حمل على الصدقة الكاملة أى لا صدقة كاملة.

(٣) الكل بالفتح: الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.

(٤) أى تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.

(٥) مروى في الكافى باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليه السلام وفيه " كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الاية " ويطعمون الطعام على حبه الآية " وقال: الاسير عيال الرجل ينبغى للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراء‌ه في السعة عليهم ; ثم قال: ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراء‌ه وجعلها عند فلان فذهب الله بها، وقال معمر: وكان فلان حاضرا".

(٦) الدوانيق جمع دانق كصاحب: سدس الدرهم.

(٧) خوله الله عزوجل أى أعطاه متفضلا.

والنوال: العطاء، ونولته أى أعطيته نوالا.

٦٨

١٧٤٥ - وقال عليه السلام: " اعط السائل ولو على ظهر فرس "(١) .

١٧٤٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقطعوا على السائل مسألته(٢) فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي‍] ردهم ".

١٧٤٧ - وروي عن الوليد بن صبيح قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فجاء‌ه سائل فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاه، ثم جاء‌ه آخر فقال: وسع الله، عليك ثم قال: إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال: قلت: من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير](٣) وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل: ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق، ورجل له أمرأة تؤذيه فيقول: يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل: ألم أجعل أمرها بيدك ".

١٧٤٨ - وقال الصادق عليه السلام في السؤال(٤) : " أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ".

١٧٤٩ - وقال عليه السلام: " إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ".

١٧٥٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لاوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ "(٥) .

___________________________________

(١) أى ولو كان السائل على ظهر فرس أى غنيا غير فقير، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذى أنت على ظهره. (م ح ق)

(٢) المراد بالقطع على السائل رده.

(٣) لفظة " غير " ليست في كثير من النسخ.

(٤) السؤال كتجار: جمع سائل وهو الفقير.

(٥) رواه الكلينى باختلاف في خبرين مسندين عن أبى نهشل وابن أبى عمير عن جميل.

٦٩

١٧٥١ - وسئل الصادق عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل(١) أما سمعت قول الله عزوجل: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " هل ترى ههنا فضلا "(٢) .

١٧٥٢ - وقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ضمنت(٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ".

١٧٥٣ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ".

١٧٥٤ - وقال الصادق عليه السلام: " ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ".(٤)

١٧٥٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض عزوجل لخلقه المسألة(٥) وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ".(٦)

١٧٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة ".

___________________________________

(١) في النهاية " أفضل الصدقة جهد المقل " أى قدر ما يحتمله حال قليل المال.

(٢) أى هل ترى في الاية تقييدا بالفضل عما يحتاجون اليه.

(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.

(٤) قوله " ما من عبد " النفى راجع إلى القيد الاخير وهو الموت، أى لا يموت عبد يسائل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول: رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ١٩ وفيه " يثبت الله له بها النار ".

(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم.(الوافى)

(٦) الشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما: قبال النعل وهو زمان بين الاصبع الوسطى والتى تليها.

٧٠

١٧٥٧ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ".

١٧٥٨ - و " جاء‌ت فخذ من الانصار(١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة، قال: هاتوا حاجتكم، قالوا: إنها حاجة عظيمة قال: هاتوا ما هي؟ قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس صلى الله عليه وآله رأسه ونكت في الارض(٢) ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول: ناولني حتى يقوم فيشرب ".

١٧٥٩ - وقال عليه السلام: " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك "(٣) .

١٧٦٠ - وقال الصادق عليه السلام: " المن يهدم الصنيعة ".

١٧٦١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور ".

١٧٦٢ - وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " أن أميرالمؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة(٤) وكان الرجل

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن هشام بن سالم عن أبى بصير ن الصادق عليه السلام (ج ٤ ص ٢١ والفخذ: القبيلة.

(٢) نكت في الارض بقضيبه أى ضرب بها فأثر فيها.

(٣) الشوص بالفتح ثم السكون: الغسل والتنظيف أى استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك إى بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد: اغسل سواكى أو نظفه.

(٤) البغيبغة بباء‌ين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء: ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لال الرسول صلى الله عليه وآله، قال المسهودى في وفاء الوفاء: البغيبغة تصغير البغبغ وهى البئر القريبة الرشا، والبغبغات عيون عملها على بن أبى طالب عليه السلام بينبغ أول ما صارت اليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الاراك وخيف ليلى وخيف الطاس.

٧١

ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده(١) وكان لا يسأل عليا عليه السلام ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لاكثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت به(٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له(٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: " الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات " فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل "(٤) .

باب ثواب صلة الامام عليه السلام

١٧٦٣ - سئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: نزلت في صلة الامام عليه السلام "(٥) .

___________________________________

(١) النوافل: العطايا، والنائل: العطاء، والرفد بالكسر: الصلة والعطاء.

(٢) " ضربك " أى مثلك، وفى الكافى " أعطى أنا وتبخل أنت، لله أنت ".

(٣) " فلم يصدق الله " من الصدق المتعدى إلى مفعولين.

قال الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " أى أخبره بالحق. (سلطان)

(٤) أى لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة واحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه.(مراد)

(٥) رواه الكلينى ج ١ ص ٥٣٨ باسناد عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام.

٧٢

١٧٦٤ - وقال عليه السلام: " درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل".(١)

١٧٦٥ - وقال الصادق عليه السلام: " من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا(٢) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ".

كتاب الصوم

باب علة فرض الصيام

٦ ١٧٦ سأل هشام بن الحكم أبا عبدالله عليه السلام " عن علة الصيام فقال: " إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ".

١٧٦٧ - وكتب أبوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".

١٧٦٨ - وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليه السلام " لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ".(٣)

١٧٦٩ - وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من

___________________________________

(١) في الكافى ج ١ ص ٥٣٨ وفيه " أفضل من ألفى ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ".

(٢) في بعض النسخ وثواب الاعمال ص ١٢٤ " صالحى موالينا ".

(٣) أى يعطى، من عليه أى أنعم واصطنع عنده صنيعة.

٧٣

اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: " لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض الله على الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براء‌ة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد ".

باب فضل الصيام

١٧٧٠ - قال أبوجعفر عليه السلام: " بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية"(١)

١٧٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصوم جنة من النار "(٢) .

١٧٧٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما

___________________________________

(١) المراد بالولاية معرفة الامام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه، والتصديق بكونه ولى أمر الامة، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله.

والولاية بالكسر بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.

(٢) رواه الكلينى عن على عن ابيه عن حماد عن حريز عن زرارة.

٧٤

لم يغتب مسلما ".(١)

١٧٧٣ - وقال صلى الله عليه وآله: " قال الله تبارك وتعالى: الصوم لي وأنا أجزي به(٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل(٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم(٤) عند الله أطيب من ريح المسك ".

١٧٧٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: " ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه(٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام".

١٧٧٥ - وقال الصادق عليه السلام لعلي بن عبدالعزيز: " ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: بلى، قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل، ألا أخبرك بابواب الخير؟ الصوم جنة من النار "(٦) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبدالله بن طلحة عن الصادق عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله، ويدل على جواز النوم للصائم.

(٢) انما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافى).

(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.

(٤) الخلوف بضم الخاء المعجمة قبل اللام، والفاء بعد الواو: رائحة الفم، أو الرائحة الكريهة.

(٥) المؤازرة: المعاونة، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافى)

(٦) أى وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافى: لانه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الاخرة، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.

٧٥

١٧٧٦ - وقال عليه السلام " في قول الله عزوجل: " واستعينوا بالصبر والصلاة " قال: يعني بالصبر الصوم ".

١٧٧٧ - وقال عليه السلام: " إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة(١) فليصم فإن الله عزوجل يقول: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(٢) .

١٧٧٨ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ".

١٧٧٩ - وقال الصادق عليه السلام: " أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ".

١٧٨٠ - وقال الصادق عليه السلام: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ".

١٧٨١ - وقال عليه السلام: " من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر، قال الله عزوجل: ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ".

١٧٨٢ - وقال أبوالحسن الاول عليه السلام: " قيلوا(٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

١٧٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ".

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٦٤ " بالرجل النازلة والشديدة الخ ".

(٢) في الكافى " يقول " استعينوا بالصبر " يعنى الصيام ".

(٣) من القيلولة وهى نوم الضحى، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.

٧٦

باب وجوه الصوم

١٧٨٤ - روي عن الزهري أنه قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام يوما: " يا زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد، قال: ففيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الاباحة، وصوم السفر والمرض، قلت: جعلت فداك فسرهن لي.

قال: فأما الواجب فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا(١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا "، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(٢) إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين "، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام(٣) قال الله عزوجل: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق

___________________________________

(١) " ثم يعودون " أى يريدون الوطى ونقض قولهم، فعليهم الكفارة " من قبل أن يتماسا " أى يجامعا.

(٢) أى مدفوعة إلى أهل القتيل.

(٣) أى لم يجده مع اختيه من العتق والكسوة، وترك للظهور. (م ت)

٧٧

الرأس واجب قال عزوجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "(١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا، وصوم دم المتعة(٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ثم قال: أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى قال: يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب(٣) ، وصوم الاعتكاف واجب(٤) .

وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الاضحى، وثلاثة أيام التشريق(٥) ، وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه، امرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من

___________________________________

(١) جمع نسيكة وهى الذبيحة.

(٢) أى الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.

(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)

(٤) المراد به الوجوب الشرطى بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)

(٥) أى لمن كان بمنى، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.

(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)

٧٨

شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت له: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه(١) ، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام(٢) ، وصوم نذر المعصية حرام(٣) ، وصوم الدهر حرام(٤) .

___________________________________

(١) أى أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لاجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لانه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لانه لا يعلم أنه من رمضان فاذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليه السلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)

(٢) ذهب الشيخ رحمه الله في النهاية وأكثر الاصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر، وذهب هو في الاقتصاد وابن ادريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وانما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزء‌ا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فانه لا يحرم فيها، قطع به الاصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الاصحاب على تحريمه. (المرآة)

(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)

(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الايام المحرمة ان كان المراد كل السنة، وان كان المراد ما سوى الايام المحرمة فلعله انما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فانه يقتضى الافتراء على الله تعالى: ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزى في المغرب: وفى الحديث انه عليه السلام " سئل عن صوم الدهر فقال: لا صام ولا أفطر " قيل انما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الايام المنهى عنها انتهى، وقال الجزرى في النهاية في الحديث انه " سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر " أى لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى " وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة، وقيل: دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)

٧٩

وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار(١) فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين وصوم البيض(٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان(٣) ، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.

وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها(٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ".

وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق(٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله

___________________________________

(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أو لا يجب صومه.

(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالى فيها مع الايام، أو لابيضاض جسد آدم عليه السلام لصيامها.(م ت)

(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكانما صام الدهر لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ.(م ت)

(٤) المشهور بين الاصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الاذن.(المرآة)

(٥) راهق الغلام مراهقة: قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترابادى أنه قال: اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبى المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت، وجعله عليه السلام صوم الصبى قسيما للصوم الذى صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبى ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233