قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 25%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52683 / تحميل: 7382
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سائر السبل يحفظهم عن التفرّق ويحفظ لهم الاتّحاد والاتّفاق، ثم قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ... ) (١) .

تدلّ الآيات على لزوم أن يجتمعوا على معارف الدين، ويُرابطوا أفكارهم ويمتزجوا في التعليم والتعلُّم، فيستريحوا في كل حادث فكري أو شُبهة مُلقاة إلى الآيات المتلوّة عليهم والتدبُّر فيها لحسم مادة الاختلاف، وقد قال تعالى: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (٢) .

وقال أيضاً: ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ) (٣) .

وقال تعالى: ( ... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (٤) ، فأفاد أنّ التدبّر في القرآن، أو الرجوع إلى مَن يتدبّر فيه يرفع الاختلاف من البين.

وتدلّ على أنّ الإرجاع إلى الرسول - وهو الحامل لثقل الدين - يرفع من بينهم الاختلاف، ويُبيّن لهم الحق الذي يجب عليهم أن يتّبعوه، قال تعالى: ( ... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٥) .

وقريب منه قوله تعالى: ( ... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ... ) (٦) .

____________________

(١) سورة آل عمران، الآيتان: ١٠٢ - ١٠٣.

(٢) سورة النساء، الآية: ٨٢.

(٣) سورة العنكبوت، الآية: ٤٣.

(٤) سورة النحل، الآية: ٤٣.

(٥) سورة النحل، الآية: ٤٤.

(٦) سورة النساء، الآية: ٨٣.

٦١

وقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (١).

فهذه صورة التفكُّر الاجتماعي في الإسلام.

ومنه يظهر أنّ هذا الدين كما يعتمد بأساسه على التحفُّظ على معارفه الخاصة الإلهية، كذلك يسمح للناس بالحرّية التامّة في الفكر، ويرجع محصّله إلى أنّ من الواجب على المسلمين أن يتفكّروا في حقائق الدين، ويجتهدوا في معارفه تفكّراً واجتهاداً بالاجتماع والمرابطة، وإن حصلت لهم شبهة في شيء من حقائقه ومعارفه، أو لاح لهم ما يُخالفها فلا بأس به، وإنّما يجب على صاحب الشبهة أو النظر المُخالف أن يعرض ما عنده على كتاب الله بالتدبّر في بحث اجتماعي، فإن لم يداوِ داءَه عرضه على الرسول أو مَن أقامه مقامه، حتى تنحلَّ شبهته، أو يظهر بطلان ما لاح له إن كان باطلاً، قال تعالى: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (٢) .

والحرّية في العقيدة، والفكر على النحو الذي بيَّناه غير الدعوة إلى هذا النظر، وإشاعته بين الناس قبل العرض، فإنّه مُفضٍ إلى الاختلاف المفسد لأساس المجتمع القويم.

هذا أحسن ما يمكن أن يُدبَّر به أمر المجتمع، في فتح باب الارتقاء الفكري على وجهه، مع الحفظ على حياته الشخصية، وأمّا تحميل الاعتقاد على النفوس، والختم على القلوب، وإماتة غريزة الفكرة في الإنسان عَنوة

____________________

(١) سورة النساء، الآية: ٥٩.

(٢) سورة الزمر، الآية: ١٨.

٦٢

وقهراً، والتوسُّل في ذلك بالسوط أو السيف، أو بالتفكير والهجرة، وترك المخالفة، فحاشا ساحة الحق والدين القويم أن يرضى به أو يُشرّع ما يؤيّده، وإنَّما هو خصيصة نصرانية، وقد امتلأ تاريخ الكنيسة من أعمالها وتحكُّماتها في هذا الباب - وخاصة فيما بين القرن الخامس وبين القرن السادس عشر الميلاديين - بما لا يوجد نظائره في أشنع ما عملته أيدي الجبابرة والطواغيت وأقساه. ولكن من الأسف أنّا معاشر المسلمين سُلِبنا هذه النعمة وما لزمها (الاجتماع الفكري وحرّية العقيدة) كما سُلبنا كثيراً من النعم العظام، التي كان الله سبحانه أنعم علينا بها، كما فرّطنا في جنب الله و ( ... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ... ) ، فحكمت فينا سيرة الكنيسة، واستتبع ذلك أن تفرّقت القلوب وظهر الفتور وتشتّت المذاهب والمسالك، يغفر الله لنا ويوفِّقنا لمرضاته ويهدينا إلى صراطه المستقيم.

- ١٥ -

الدين الحق هو الغالب على الدنيا بالآخرة

والعاقبة للتقوى، فإنّ النوع الإنساني بالفطرة المودوعة فيه، تطلب سعادته الحقيقة، وهو استواؤه على عرش حياته الروحية والجسمية معاً حياة اجتماعية، بإعطاء نفسه حظّه من السلوك الدنيوي والأخروي، وقد عرفت أنّ هذا هو الإسلام ودين التوحيد. وأمّا الانحرافات الواقعة في سير الإنسانية نحو غايته، وفي ارتقائه إلى أوجّ كماله، فإنّما هو من جهة الخطأ في التطبيق، لا من جهة بطلان حكم الفطرة، والغاية التي يعقبها الصنع والإيجاد لابدّ أن تقع يوماً معجلاً أو على مَهَلٍ، قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * - يريد أنّهم لا يعلمون ذلك علماً تفصيلياً وإن علمته فطرتهم إجمالاً، إلى أن قال: - لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ - إلى أن

٦٣

قال: - ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (١) .

وقال تعالى: ( ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ... ) (٢) .

وقال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٣) ، وقال تعالى: ( ... وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (٤) . فهذه وأمثالها آيات تُخبرنا أنّ الإسلام سيظهر ظهوره التام، فيحكم على الدنيا قاطبة.

ولا تُصْغِ إلى قول مَن يقول: إنّ الإسلام وإن ظهر ظهوراً ما - وكانت أيّامه حلقة من سلسلة التاريخ، فأثّرت أثرها العام في الحلقات التالية، واعتمدت عليها المدنية الحاضرة شاعرة بها أو غير شاعرة - لكنّ ظهوره التامّ (أعني حكومة ما في فرضية الدين بجميع مواردها وصورها وغاياتها) ممّا لا يقبله طبع النوع الإنساني، ولن يقبله أبداً ولم يقع عليه بهذه الصفة تجربة حتى يوثق بصحّة وقوعه خارجاً وحكومته على النوع تامّة.

وذلك أنّك عرفت أنّ الإسلام - بالمعنى الذي نبحث فيه - غاية النوع الإنساني وكماله الذي هوّم بغريزته متوجّه إليه، شعر به تفصيلاً أو لم يشعر، والتجارب القطعية الحاصلة في أنواع المكوّنات يدلّ على أنّها متوجّهة إلى غايات مناسبة لوجوداتها يسوقها إليها نظام الخلقة، والإنسان غير مستثنى من هذه الكلّية.

____________________

(١) سورة الروم، الآيات: ٣٠ - ٤١.

(٢) سورة المائدة، الآية: ٥٤.

(٣) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٥.

(٤) سورة طه، الآية: ١٣٢.

٦٤

على أنّ شيئاً من السُّنن والطرائق الدائرة في الدنيا الجارية بين المجتمعات الإنسانية، لم يتَّكِ - في حدوثه وبقائه وحكومته - على سبق تجربة قاطعة، فهذه شرائع نوح، وإبراهيم، وموسى، عيسى ظهرت حينما ظهرت، ثمّ جرت بين الناس، وكذا ما أتى به (برهما، وبوذا، وماني) وغيرهم، وتلك سُنن المدنية المادية كالديمقراطية والكمونيسم وغيرهما، كل ذلك جرى في المجتمعات الإنسانية المختلفة بجرياناتها المختلفة، من غير سبق تجربة، وإنّما تحتاج السُّنن الاجتماعية - في ظهورها ورسوخها في المجتمع - إلى عزائم قاطعة وهِمَم عالية من نفوس قوية، لا يأخذها في سبيل البلوغ إلى مآربها عيٌّ ولا نصب، ولا تُذعن بأنّ الدهر قد لا يسمح بالمراد والمسعى قد يخيب، ولا فرق في ذلك بين الغايات والمآرب الرحمانية والشيطانية.

٦٥

الفصل الثاني

الطبيعة البشرية

٦٦

٦٧

- ١ -

عمر النوع الإنساني

يذكر تاريخ اليهود، أنّ عمر هذا النوع لا يزيد على ما يقرب من سبعة الآف سنة، والاعتبار يُساعده، فإنّا لو فرضنا ذكراً وأُنثى (زوجين اثنين) من هذا النوع، وفرضناهما عائشين زماناً متوسّطاً من العمر، في مزاج متوسّط في وضع متوسّط من الأمن والخصب والرفاهية، ومساعدة سائر العوامل والشرائط المؤثّرة في حياة الإنسان، ثمّ فرضناهما وقد تزوّجا وتناسلا وتوالدا في أوضاع متوسّطة متناسبة، ثمّ جعلنا الفرض بعينه مطّرداً فيما أولدا من البنين والبنات على ما يُعطيه متوسِّط الحال في جميع ذلك، وجدنا ما فرضناه من العدد أولاً وهو اثنان فقط، يتجاوز في قرن واحد (رأس المئة) الألف، أي أنّ كل نسمة يولَد في المائة سنة ما يقرب من خمسمائة نسمة.

ثمّ إذا اعتبرنا ما يتصدّم به الإنسان من العوامل المضادّة له، من الوجود والبلايا العامة لنوعه، من الحَرِّ والبرد، والطوفان والزلزلة، والجدب والوباء،

٦٨

والطاعون والخسف، والهدم والمقاتل الذريعة والمصائب الأُخرى غير العامة، وأعطيناها حظّها من هذا النوع أوفر حظّ، وبالغنا في ذلك، حتى أخذنا الفناء يعمُّ الأفراد بنسبة تسعمائة وتسعة وتسعين إلى الألف، وأنّه لا يبقى في كل مئة سنة من الألف إلاّ واحد، أي إنّ عامل التناسل في كل مائة سنة يزيد على كل اثنين بواحد وهو واحد من ألف.

ثمّ إذا صعدنا بالعدد المفروض أولاً بهذا الميزان إلى مدّة سبعة الآف سنة (٧٠ قرناً)، وجدناه تجاوز بليونين ونصفاً، وهو عدد النفوس الإنسانية اليوم - على ما يذكره الإحصاء العالمي -.

فهذا الاعتبار يؤيّد ما ذُكِر من عمر نوع الإنسان في الدنيا، لكنّ علماء الجيولوجيا (علم طبقات الأرض)، ذكروا أنّ عمر هذا النوع يزيد على ملايين السنين، وقد وجدوا من الفسيلات الإنسانية والأجساد والآثار، ما يتقدّم عهده على خمسمائة ألف سنة - على ما استظهروه - فهذا ما عندهم، غير أنّه لا دليل معهم يُقنع الإنسان ويُرضي النفس باتِّصال النسل بين هذه الأعقاب الخالية والأُمم الماضية من غير انقطاع، فمن الجائز أن يكون هذا النوع ظهر في هذه الأرض، ثمّ كثر ونما وعاش، ثمّ انقرض، ثمّ تكرّر الظهور والانقراض، ودار الأمر على ذلك عدّة أدوار، على أن يكون نسلنا الحاضر هو آخر هذه الأدوار.

وأمّا القرآن الكريم، فإنّه لم يتعرّض تصريحاً لبيان أنّ ظهور هذا النوع هل ينحصر في هذه الدورة التي نحن فيها، أو أنّ له أدواراً متعدِّدة نحن في آخرها؟ وإن كان ربّما يُستشمُّ من قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء... ) (١) ، سبق دورة إنسانية أُخرى على هذه الدورة الحاضرة.

نعم، في بعض الروايات

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ٣٠.

٦٩

الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما يُثبت للإنسانية أدواراً كثيرة قبل هذه الدورة.

في التوحيد: عن الصادق (عليهم السلام) في حديث قال: (لعلّك ترى أنّ الله لم يخلق بشراً غيركم؟! بلى والله، لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين) (١) .

أقول: ونقل ابن ميثم في شرح نهج البلاغة، عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه، ورواه الصدوق في الخصال أيضاً (٢) .

- ٢ -

أصل المجتمع البشري

ربَّما قيل: إنّ اختلاف الألوان في أفراد الإنسان - وعمدتها البياض كلون أهل النقاط المعتدلة من آسيا وأوربا، والسواد كلون أهل إفريقيا الجنوبية، والصفرة كلون أهل الصين واليابان، والحمرة كلون الهنود الأمريكيين - يقضي بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر؛ لما في اختلاف الألوان من اختلاف طبيعة الدماء، وعلى هذا فالمبادئ الأُوَل لمجموع الأفراد لا ينقصون من أربعة أزواج للألوان الأربعة.

وربّما يُستدلُّ عليه: بأنّ قارّة أمريكا انكشفت ولها أهل، وهم منقطعون عن الإنسان القاطن في نصف الكرة الشرقي - بالبُعد الشاسع الذي بينهما - انقطاعاً لا يُرجى ولا يُحتمل معه أنّ النسلين يتّصلان بانتمائهما إلى أب واحد وأمٍّ واحدة، والدليلان - كما ترى - مدخولان:

أمّا مسألة اختلاف الدماء باختلاف الألوان؛ فلأنّ الأبحاث الطبيعية

____________________

(١) الصدوق: التوحيد ص ٢٧٧، حديث ٢، طبع إيران مكتبة الصدوق.

(٢) الصدوق: الخصال ص ٦٥٢، حديث ٥٤، طبع إيران مؤسّسة النشر الإسلامي.

٧٠

اليوم مبنيّة على فرضية التطوُّر في الأنواع، ومع هذا البناء كيف يطمأنُّ بعدم استناد اختلاف الدماء، فاختلاف الألوان إلى وقوع التطوُّر في هذا النوع، وقد جزموا بوقوع تطوُّرات في كثير من الأنواع الحيوانية، كالفرس، والغنم، والفيل وغيرها، وقد ظهر البحث والفحص بآثار أرضية كثيرة يكشف عن ذلك؟! على أنّ العلماء اليوم لا يعتنون بهذا الاختلاف ذاك الاعتناء.

وأمّا مسألة وجود الإنسان في ما وراء البحار، فإنّ العهد الإنساني - على ما يذكره علماء الطبيعة - يزهو إلى ملايين من السنين، والذي يضبطه التاريخ النقلي لا يزيد على ستّة آلاف سنة، وإذا كان كذلك، فما المانع من حدوث حوادث فيما قبل التاريخ تُجزِّي قارّة أمريكا عن سائر القارات؟! وهناك آثار أرضية كثيرة، تدلُّ على تغييرات هامّة في سطح الأرض بمرور الدهور، من تبدُّل بحر إلى برٍّ وبالعكس، وسهل إلى جبل وبالعكس، وما هو أعظم من ذلك كتبدُّل القطبين والمنطقة على ما تشرحه علوم طبقات الأرض والهيئة الجغرافيا، فلا يبقى لهذا المستدلِّ إلاَّ الاستيعاب فقط. هذا.

وأمّا القرآن، فظاهره القريب من النصِّ أنّ هذا النسل الحاضر المشهود من الناس ينتهي بالارتقاء إلى ذكر وأُنثى، هما الأب والأمّ لجميع الأفراد، أمّا الأب، فقد سمّاه الله تعالى في كتابه بآدم، وأمّا زوجته فلم يُسمِّها في كتابه، ولكنّ الروايات تُسمِّيها حوّاء، كما في التوراة (الموجودة بين الأيدي).

قال تعالى: ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ) (١).

وقال تعالى: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ

____________________

(١) سورة السجدة، الآيتان: ٧ - ٨.

٧١

لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (١) .

وقال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا... ) (٢) .

وقال تعالى: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) (٣) .

فإن الآيات - كما ترى - تشهد بأنّ سنّة الله في بقاء هذا النسل، أن يتسبّب إليه بالنطفة، لكنّه أظهره حينما أظهره بخلقه من تراب، وأنّ آدم خُلِق من تراب، وأنَّ الناس بَنوه، فظهور الآيات في انتهاء هذا النسل إلى آدم وزوجته ممّا لا ريب فيه، وإن لم تمتنع من التأويل.

وربّما قيل: إنّ المراد بآدم في آيات الخِلْقة والسجدة آدم النوعي دون الشخصي، كأن مطلق الإنسان من حيث انتهاء خَلقه إلى الأرض، ومن حيث قيامه بأمر النسل والإيلاد سُمِّي بآدم، وربّما اسُتظهر ذلك من قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ... ) (٤) ، فإنّه لا يخلو عن إشعار بأنّ الملائكة إنَّما أُمروا بالسجدة لمَن هيّأه الله لها بالخلق والتصوير، وقد ذكرت الآية أنّه جميع الأفراد لا شخص إنساني واحد معيَّن حيث قال: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ... ) ، وهكذا قوله تعالى: ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ - إلى أن قال: - * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * - إلى أن قال: - قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ

____________________

(١) سورة آل عمران، الآية: ٥٩.

(٢) سورة البقرة، الآيتان: ٣٠ - ٣١.

(٣) سورة ص، الآيتان: ٧١ - ٧٢.

(٤) سورة الأعراف، الآية: ١١.

٧٢

أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (١) . حيث أبدل ما ذكره مفرداً أولاً من الجمع ثانياً.

ويردُّه - مضافاً إلى كونه على خلاف ظاهر ما نقلنا من الآيات - ظاهر قوله تعالى بعد سرده لقصّة آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس في سورة الأعراف: ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا... ) (٢) ، فظهور الآية في شخصية آدم ممَّا لا ينبغي أن يرتاب فيه.

وكذا قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ) (٣) .

وكذا الآية المبحوث عنها: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء... ) ، بالتقريب الذي مرّ بيانه، والآيات - كما ترى - تأبى أن يُسمَّى الإنسان آدم باعتبار وابن آدم باعتبار آخر، وكذا تأبى أن تنسب الخِلقة إلى التراب باعتبار وإلى النطفة باعتبار آخر، وخاصّة في مثل قوله تعالى: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) الآية؛ وإلاَّ لم يستقم استدلال الآية على كون خلقة عيسى خلقة استثنائية ناقضة للعادة الجارية، فالقول بآدم النوعي في حدِّ التفريط، والإفراط الذي يُقابله قول بعضهم: إنّ القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر. ذهب إليه زين العرب من علماء أهل السنّة.

____________________

(١) سورة ص، الآيات:٧٥ - ٨٣.

(٢) سورة الأعراف، الآية: ٢٧.

(٣) سورة الإسراء، الآيتان: ٦١ - ٦٢.

٧٣

- ٣ -

الإنسان نوع مُستقلٌّ غير متحوِّل من نوع آخر

الآيات التي ذكرناها تكفي مؤونة هذا البحث، فإنَّها تُنهي هذا النسل الجاري بالنطقة إلى آدم وزوجته، وتُبيِّن أنّهما خُلِقا من تراب، فالإنسانية تنتهي إليهما، وهما لا يتّصلان بآخر يُماثلهما ويُجانسهما، وإنّما حدثا حدوثاً.

والشائع اليوم عند الباحثين عن طبيعة الإنسان، أنّ الإنسان الأول فرد تكامل إنساناً، وهذه الفرضية بخصوصها، وإن لم يتسلّمها الجميع تسلُّماً يقطع الكلام، واعترضوا عليه بأمور كثيرة مذكورة في الكتب، لكنّ أصل الفرضية وهي (أنّ الإنسان حيوان تحوّل إنساناً)، ممّا تسلّموه وبنوا عليه البحث عن طبيعة الإنسان.

فإنّهم فرضوا أنّ الأرض - وهي أحد الكواكب السيّارة - قطعة من الشمس مشتقّة منها، وقد كانت في حال الاشتعال والذوبان، ثمّ أخذت في التبرُّد من تسلُّط عوامل البرودة، وكانت تنزل عليها أمطار غزيرة، وتجري عليها السيول، وتتكوَّن فيها البحار، ثمّ حدثت تراكيب مائيّة وأرضية، فحدثت النباتات المائية، ثمّ حدثت بتكامل النبات واشتمالها على جراثيم الحياة السمك، وسائر الحيوان المائي ثمّ السمك الطائر ذو الحياتين، ثمّ الحيوان البرّي، ثمّ الإنسان، كل ذلك بتكامل عارض للتركيب الأرضي الموجود في المرتبة السابقة، يتحوّل به التركيب في صورته إلى المرتبة اللاحقة، فالنبات، ثمّ الحيوان المائي، ثمّ الحيوان ذو الحياتين، ثمّ الحيوان البرّي، ثم الإنسان على الترتيب. هذا.

كل ذلك لما يُشاهد من الكمال المنظّم في بنيها، نَظم المراتب الآخذة من النقص إلى الكمال؛ ولما يُعطيه التجريب في موارد جزئية التطوُّر.

٧٤

وهذه فرضية افتُرضت لتوجيه ما يلحق بهذه الأنواع من الخواص والآثار، من غير قيام دليل عليها بالخصوص ونفي ما عداها، مع إمكان فرض هذه الأنواع متبائنة من غير اتّصال بينها بالتطوُّر، وقصر التطوُّر على حالات هذه الأنواع دون ذواتها، وهي التي جرى فيها التجارب، فإنّ التجارب لم يتناول فرداً من أفراد هذه الأنواع تحوّل إلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان، وإنّما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصّها ولوازمها وأعراضها.

واستقصاء هذا البحث يُطلب من غير هذا الموضع، وإنّما المقصود الإشارة إلى أنّه فرض افترضوه؛ لتوجيه ما يرتبط به من المسائل، من غير أن يقوم عليه دليل قاطع، فالحقيقة التي يُشير إليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعاً مفصولاً عن سائر الأنواع غير معارضة بشيء.

- ٤ -

كيف تناسلت الطبقة الثانية من البشر؟

الطبقة الأُولى من الإنسان، وهي آدم وزوجته، تناسلت بالازدواج، فأولدت بنين وبنات (إخوة وأخوات)، فهل نسل هؤلاء بالازدواج بينهم - وهم أخوة وأخوات - أو بطريق غير ذلك؟ ظاهر إطلاق قوله تعالى: ( ... وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء... ) الآية - على ما تقدّم من التقريب - أنّ النسل الموجود من الإنسان إنّما ينتهي إلى آدم وزوجته، من غير أن يُشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أُنثى، ولم يذكر القرآن للبثّ إلاّ إيّاهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: وبثّ منهما ومن غيرهما، أو ذكر ذلك بما يُناسبه من اللفظ، ومن المعلوم أنّ انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواجٍ بنيهما من بناتهما.

٧٥

وأمّا الحكم بحرمته في الإسلام، وكذا في الشرائع السابقة عليه - على ما يُحكى - فإنّما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد، لا تكويني غير قابل للتغيير، وزمامه بيد الله سبحانه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فمَن الجائز أن يُبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك، ثمّ يُحرِّمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة واستيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع.

والقول: بأنّه على خلاف الفطرة، وما شرّعه الله لأنبيائه دين فطري، قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ... ) (١) . فاسد ؛ فإنَّ الفطرة لا تنفيه ولا تدعو إلى خلافه من جهة تنفُّرها من هذا النوع من المباشرة (مباشرة الأخ الأخت)، وإنّما تُبغضه وتنفيه من جهة تأديته إلى شيوع الفحشاء والمنكر وبطلان غريزة العفّة بذلك وارتفاعها عن المجتمع الإنساني، ومن المعلوم أنّ هذا النوع من التماس والمباشرة إنّما ينطبق عليه عنوان الفجور والفحشاء في المجتمع العالمي اليوم، وأمّا المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلاّ الأخوة والأخوات، والمشيّة الإلهيّة متعلّقة بتكثُّرهم وانبثاثهم، فلا ينطبق عليه هذا العنوان.

والدليل على أنّ الفطرة لا تنفيه من جهة النفرة الغريزية، تداوله بين المجوس أعصار طويلة (على ما يقصُّه التاريخ)، وشيوعه قانونياً في روسيا (على ما يُحكى)، وكذا شيوعه سُفاحاً من غير طريق الازدواج القانوني في أوروبا.

وربّما يُقال: إنّه مخالف للقوانين الطبيعية، وهي التي تجري في الإنسان قبل عقده المجتمع الصالح لإسعاده، فإنّ الاختلاط والاستيناس في

____________________

(١) سورة الروم، الآية: ٣٠.

٧٦

المجتمع المنزلي يبطل غريزة التعشُّق والميل الغريزي بين الإخوة والأخوات، كما ذكره مونتسكيو في كتابه (روح القوانين).

وفيه أنّه ممنوع كما تقدّم أولاً، ومقصور في صورة عدم الحاجة الضرورية ثانياً، ومخصوص بما لا تكون القوانين الوضعية غير الطبيعية حافظة للصلاح الواجب الحفظ في المجتمع، ومتكفّلة لسعادة المجتمعين، وإلاّ فمعظم القوانين المعمولة والأصول الدائرة في الحياة اليوم غير طبيعية.

وفيما يلي بعض الروايات في هذا المضمار.

عن أبي جعفر (عليه السلام): (لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين، ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثمّ خلق الله عز وجل آدم أبا البشر وخلق ذرِّيته منه) الحديث.

وفي نهج البيان للشيباني، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): من أيِّ شيء خلق الله حواء؟ فقال (عليه السلام): (أيُّ شيء يقولون هذا الخلق؟!). قلت: يقولون: إنّ الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم. فقال: (كذبوا! أكان الله يُعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟!). فقلت: جُعلت فداك، من أيّ شيء خلقها؟ فقال: (أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين، فخلطها بيمينه - وكلتا يديه يمين - فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء).

أقول: ورواه الصدوق عن عمرو مثله، وهناك روايات أُخر، تدلّ على أنّها خُلقت من خلف آدم، وهو أقصر أضلاعه من الجانب الأيسر، وكذا ورد في التوراة في الفصل الثاني من سفر التكوين، وهذا المعنى وإن لم يستلزم

٧٧

في نفسه محالاً، إلاّ أنّ الآيات القرآنية خالية عن الدلالة عليها كما تقدّم.

وفي الاحتجاج، عن السجاد (عليه السلام) في حديث له مع قريش يصف فيه تزويج هابيل بلوزا أُخت قابيل، وتزويج قابيل باقليما أُخت هابيل، قال: فقال له القرشي: فأولداهما؟ قال: (نعم). فقال له القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم، قال: فقال: (إنّ المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله - ثمّ قال له: - لا تُنكر هذا، إنَّما هي شرائع الله جرت، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له؟! فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثمّ أنزل الله التحريم بعد ذلك) (١) .

أقول: وهذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب والاعتبار، وهناك روايات أُخر تُعارضها، وهي تدلُّ على أنّهم تزوّجوا بمَن نزل إليهم من الحور والجانّ، وقد عرفت الحق في ذلك.

وفي المَجْمع في قوله تعالى: ( ... وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ... ) ، عن الباقر (عليه السلام): (واتّقوا الأرحام أن تقطعوها) (٢) .

أقول: وبناؤه على قراءة النصب.

وفي الكافي وتفسير العيّاشي: هي أرحام الناس، إنّ الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى أنّه جعلها معه؟ (٣) .

أقول: قوله: ألا ترى (إلخ) بيان لوجه التعظيم، والمراد بجعلها معه الاقتران الواقع في قوله تعالى: ( ... وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ... ) .

وفي الدرِّ المنثور: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: ( ... الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ... ) قال: قال ابن عباس: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يقول

____________________

(١) الطبري، الاحتجاج ص ١٧١ المطبعة المرتضوية النجف، ١٣٥٠ هـ.

(٢) الطبرسي: مجمع البيان ج ٢، ص ٣ دار إحياء التراث العربي.

(٣) تفسير العيّاشي ج ١، ص ٢١٧ المكتبة العلمية: إيران.

٧٨

الله تعالى: صلوا أرحامكم؛ فإنَّه أبقى لكم في الحياة الدنيا، وخير لكم في آخرتكم) (١) .

أقول: قوله: فإنّه أبقى لكم (إلخ) إشارة إلى ما ورد مستفيضاً: (أنَّ صلة الرحم تزيد في العمر)، وقطعها بالعكس من ذلك، ويمكن أن يستأنس لوجهه كما سيأتي في تفسير قوله تعالى: ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ... ) (٢) .

ويمكن أن يكون المراد بكونه أبقى، كون الصلة أبقى للحياة من حيث أثرها، فإنّ الصلة تحكم الوحدة السارية بين الأرقاب؛ فيتقوّى بذلك الإنسان قِبال العوامل المخالفة، لحياته المضادّة لرفاهية عيشه في البلايا والمصائب والأعداء.

وفي تفسير العيّاشي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل النار، فأيُّما رجل منكم غضب على ذي رحمه، فليدنُ منه؛ فإن الرحم إذا مسَّتها الرحم استقرّت، وإنّها متعلّقة بالعرش تنقضه انتقاض الحديد فتُنادي: اللهمّ، صلْ مَن وصلني، واقطع مَن قطعني، وذلك قول الله في كتابه: ( ... وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، وأيُّما رجل غضب وهو قائم، فليلزم الأرض من فوره؛ فإنّه يُذهب رجس الشيطان) (٣) .

أقول: والرحم - كما عرفت - هي جهة الوحدة الموجودة بين أشخاص الإنسان، من حيث اتِّصال مادة وجودهم في الولادة من أب وأمٍّ أو أحدهما، وهي جهة حقيقية سائرة بين أُولي الأرحام، لها آثار حقيقية خُلُقية وخَلقية،

____________________

(١) السيوطي: الدرّ المنثور، ج ٢، ص ١١٧ (مكتبة مرعشي: إيران).

(٢) سورة النساء، الآية: ٩.

(٣) تفسير العياشي: ج ١، ص ٢١٧، وكذا مجمع البيان، ج ٢، ص ٣.

٧٩

وروحية وجسمية، غير قابلة الإنكار، وإن كان ربّما توجد معها عوامل مخالفة تُضعف أثرها أو تُبطله بعض الأبطال، حتى يلحق بالعدم، ولن يبطل من رأس.

وكيف كان؛ فالرحم من أقوى أسباب الالتئام الطبيعي بين أفراد العشيرة، مستعدّة للتأثير أقوى الاستعداد؛ ولذلك كان ما يُنتجه المعروف بين الأرحام أقوى وأشدَّ ممّا يُنتجه ذلك بين الأجانب، وكذلك الإساءة في مورد الأقارب أشدّ أثراً منها في مورد الأجانب.

وبذلك يظهر معنى قوله (عليه السلام): (فأيُّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدنُ منه) إلخ، فإنّ الدنوّ من ذي الرحم رعاية لحكمها وتقوية لجانبها، فتتنبّه بسببه وتحرَّك لحكمها، ويتجدَّد أثرها، بظهور الرأفة والمحبّة.

وكذلك قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية: (وأيُّما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض) إلخ، فإنّ الغضب إذا كان عن طيش النفس ونزقها كان في ظهوره وغليانه مستنداً إلى هواها، وإغفال الشيطان إيّاها وصرفها إلى أسباب واهية وهميّة، وفي تغيير الحال من القيام إلى القعود صرف النفس عن شأن إلى شأن جديد، يمكنها بذلك أن تشتغل بالسبب الجديد، فتنصرف عن الغضب بذلك؛ لأنّ نفس الإنسان بحسب الفطرة أميل إلى الرحمة منها إلى الغضب؛ ولذلك بعينه ورد في بعض الروايات مطلق تغيير الحال في حال الغضب، كما في المجالس عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه أنّه ذكر الغضب فقال: (إنّ الرجل ليَغضب حتى ما يرضى أبداً، ويدخل بذلك النار، فأيُّما رجل غضب وهو قائم فليجلس؛ فإنَّه سيُذهب عنه رجز الشيطان، وإن كان جالساً فليقم، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليقم إليه وليدنُ منه وليمسّه؛ فإنّ الرحم إذا مسّت الرحم سكنت).

أقول: وتأثيره محسوس مجرَّب.

قوله (عليه السلام): (وإنّها متعلِّقة بالعرش تنقضه انتقاض الحديد) إلخ، أي

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليه‌السلام لا تضاهى :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)

ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليه‌السلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليه‌السلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.

وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).

٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليه‌السلام :

(النص والاجتهاد)

سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليه‌السلام ؟

فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :

ـ ائتمانه على (براءة).

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.

ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.

٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليه‌السلام دليل الإيمان وطهارة المولد :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :

ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :

١٤١

في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بوروا

(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».

وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٦٠ ـ فضائل فاطمةعليها‌السلام الخاصة :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)

من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمةعليها‌السلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».

(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليها‌السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.

٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليه‌السلام وفضل أمه الزهراءعليها‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)

حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام

١٤٢

وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليه‌السلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليه‌السلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليه‌السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.

٦٢ ـ حبّ فاطمةعليها‌السلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.

فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام

٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام :

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».

٦٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو لفاطمة وعليعليهما‌السلام بالبركة في نسلهما :

روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة وعليعليهما‌السلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهما‌السلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١٤٣

٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)

روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.

٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهم‌السلام على هذه الأمة :

(المصدر السابق ص ١١٠)

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.

٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :

(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.

فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.

يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :

أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.

١٤٤

٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.

فضائل الأئمة الاثني عشر

مدخل :

يقصد بأهل البيتعليهم‌السلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام ، أو ما نعبّر عنه

(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.

٦٩ ـ أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)

أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».

وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».

وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.

٧٠ ـ أهل البيتعليهم‌السلام كسفينة نوح وباب حطّة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٤٥

يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».

٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم رجال الأعراف :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)

عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.

فقالعليه‌السلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يحفظون الشريعة :

وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ محبة أهل البيتعليه‌السلام

٧٣ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)

إن محبة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

(رواه البخاري عن أنس بن مالك).

وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناف المحبة في محبته.

وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن

١٤٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».

وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».

٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».

٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)

وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.

منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.

٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(المصدر السابق)

ومن توقير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».

قال بعضهم :

(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.

وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.

١٤٧

ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.

وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتا كحرمته حيّا.

٧٧ ـ تفسير آية المودة :

(المصدر السابق ، ص ١٧)

قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.

روايات أخرى :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.

وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهم‌السلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.

وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام .

١٤٨

٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام هي أجر الرسالة المحمدية :

(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)

أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].

٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)

أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،

لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.

فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليه‌السلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.

ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

١٤٩

٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام فله الشفاعة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)

أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».

٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام يثبّته الله على الصراط :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)

أخرج الديلمي عن عليعليه‌السلام ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.

٨٣ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.

٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهم‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)

وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».

٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهم‌السلام تطيل العمر :

(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)

وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».

١٥٠

ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».

ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهم‌السلام

(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.

٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :

لقد طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.

فمنذ أن أغمض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهم‌السلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليها‌السلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليه‌السلام على طول المدة وشدة المحنة.

ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.

عقاب من يبغض أهل البيتعليهم‌السلام

٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام في النار :

(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)

أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٥١

«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دخل النار».

٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)

أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».

٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)

أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.

٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».

٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهم‌السلام أو يسبّهم :

(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)

عن الإمام علي الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].

١٥٢

موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(حديث الثّقلين وحديث الغدير)

٩٣ ـ معنى الموالاة :

ليست الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).

وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهم‌السلام . أما محبة أهل البيتعليهم‌السلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهم‌السلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.

ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.

وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.

٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».

١٥٣

جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.

٩٥ ـ ولاية عليعليه‌السلام نسوها :

(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)

قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.

٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.

معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.

إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليه‌السلام ، وعدد حواريي عيسىعليه‌السلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.

[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]

٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».

١٥٤

٩٨ ـ موالاة العترة :

وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.

٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :

(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)

الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].

وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :

«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن

١٥٥

تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].

وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».

تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليه‌السلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.

هذا وإن في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :

الأولى : أن أهل البيتعليهم‌السلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.

والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليه‌السلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه‍ ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه‍ حين توفي والدهعليه‌السلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام من أعدائه.

١٥٦

١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)

عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)

وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليه‌السلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.

١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :

قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم :

١٥٧

ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».

١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :

(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)

وفي عليعليه‌السلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،

( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).

١٥٨

أشعار في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)

١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :

قال الإمام الشافعي :

قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمام وخير هاد

إن كان حبّ الوليّ رفضا

فإنني أرفض العباد

وقالرحمه‌الله :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحبّ بني النبيّ المصطفى

وأعدّه من واجبات فرائضي

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام والصلاة عليهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النّجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما قد جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلّاك آل محمّد

أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني

رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي

فخلّ عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :

١٥٩

إذا في مجلس ذكروا عليّا

وشبليه وفاطمة الزّكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّه

هربت من المهيمن من أناس

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهليه

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام من قصيدة :

تأوّب همّي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي والرقاد غريب

ومما نفى همّي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام ، لهنّ خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

يصلىّ على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

وقالرحمه‌الله :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه ، إلا المودة في القربى

وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومعاداة أعدائهم :

يا بني الزهراء والنور الّذي

ظنّ موسى أنه نار قبس

لا أوالي الدهر من عاداكم

إنه آخر آي من (عبس)

يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233