الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ١

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 93983
تحميل: 6187


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93983 / تحميل: 6187
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصَّصةً في علي

وفي يوم خمِّ رقى منبراً

وبلّغ والصحب لم ترحلِ

فأمنحه إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحلِ

وفي كفّه كفّه معلناً

ينادي بأمر العزيز العلي

وقال: فمن كنت مولىً له

عليٌّ له اليوم نعم الولي

ومن أولئك: كميت بن زيد الأسدي الشهيد 126 حيث يقول:

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو أُطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطراً مَبيعا

ومنهم: السيِّد إسماعيل الحميري المتوفّى 179 في شعره الكثير الآتي ومنه:

لذلك ما اختاره ربّه

لخير الأنام وصيّاً ظهيرا

فقام بخمّ بحيث الغدير

وحطَّ الرحال وعاف المسيرا

وقُمَّ له الدوح ثمّ ارتقى

على منبر كان رحلاً وكورا

ونادى ضحىً باجتماع الحجيج

فجاءوا إليه صغيراً كبيرا

فقال وفي كفّه حيدرٌ

يليح إليه مبيناً مشيرا

: ألا؟ إنَّ من أنا مولىً له

فمولاه هذا قضاً لن يجورا

فهل أنا بلَّغت؟ قالوا: نعم

فقال: اشهدوا غُيَّباً أو حضورا

يبلِّغ حاضركم غائباً

وأشهد ربّي السميع البصيرا

فقوموا بأمر مليك السما

يبايعه كلٌّ عليه أميراً

فقاموا لبيعته صافقين

أكفّاً فأوجس منهم نكيرا

فقال: إلهيَ؟ وال الوليَّ

وعاد العدوَّ له والكفورا

وكن خاذلاً للأولى يخذلون

وكن للأولى ينصرون نصيرا

فكيف ترى دعوة المصطفى

مجاباً بها أم هباءاً نثيرا؟

أُحبّك يا ثاني المصطفى

ومن أشهد الناس فيه الغديرا

ومنهم: العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني في بائيَّته الكبيرة بقوله.

وكان عنها لهم في خمّ مزدجرٌ

لَمّا رقى أحمد الهادي على قتبِ

٣٤١

وقال والناس من دانٍ إليه ومن

ثاوٍ لديه ومن مُصغٍ ومُرتقبِ

: قم يا عليُّ؟ فإنّي قد أُمرت بأن

أُبلِّغ الناس والتبليغ أجد ربي

إنّي نصبت عليّاً هادياً علماً

بعدي وإنَّ عليّاً خير منتصبِ

فبايعوك وكلٌّ باسطٌ يده

إليك من فوق قلبٍ عنك منقلب

ومنهم شيخ العربيّة والأدب أبو تمام المتوفّى 231 في رائيَّته بقوله:

ويوم الغدير استوضح الحقّ أهله

بضحياء لا فيها حجاب ولا سترُ

أقام رسول الله يدعوهمُ بها

ليقربهم عرفٌ وينآهمُ نكرُ

يمدّ بضبعيه ويُعلم: أنَّه

وليٌّ ومولاكم فهل لكُم خبرُ؟

يروح ويغدو بالبيان لمشعر

يروح بهم غمرٌ ويغدو بهم غمرُ

فكان لهم جهرٌ بإثبات حقِّه

وكان لهم في بزِّهم حقَّه جهرُ

وتبع هؤلاء جماعة من بواقع العلم والعربيَّة الذين لا يعدون مواقع اللغة، ولا يجهلون وضع الألفاظ، ولا يتحرّون إلّا الصحَّة في تراكيبهم وشعرهم، كدعبل الخزاعي. والحمّاني الكوفي. والأمير أبي فراس. وعلم الهدى المرتضى. والسيِّد الشريف الرضيِّ. والحسين بن الحجّاج. وابن الروميِّ. وكشاجم. والصنوبري. والمفجّع. والصّاحب بن عبّاد. والناشي الصغير. والتنوخي. والزاهي. وأبي العلا السروي. والجوهري. وابن علويّة. وابن حمّاد. وابن طباطبا. وأبي الفرج. والمهيار. والصولي النيلي. والفنجكردي. إلى غيرهم من أساطين الأدب وأعلام اللغة، ولم يزل أثرهم مقتصّاً في القرون المتتابعة إلى يومنا هذا، وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً وهم مصادره في اللغة ومراجع الأُمّة في الأدب.

وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنى وإن لم يُعربوا عنه بقريض لكنهم أبدوه في صريح كلماتهم، أو أنّه ظهر من لوائح خطابهم، ومن أولئك الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليه السلام مهنِّئين ومبايعين وهما يقولان: أمسيت يا بن أبي طالب؟ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة(1) فليت شعري أيّ معنى من معاني المولى الممكنة تطبيقه على مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم حتى تجدّد به فأتيا يهنِّئانه لأجله ويصارحانه

_____________________

1 - مرّ حديث التهنئة بأسانيده وتفاصيله ص 270 - 283.

٣٤٢

بأنَّه أصبح متلفِّعاً به يوم ذاك؟ أهو معنى النصرة أو المحبّة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متّصفاً بهما منذ رضع ثُديَّ الإيمان مع صنوه المصطفى صلّى الله عليه وآله؟ أم غيرهما مما لا يمكن أن يراد في خصوص المقام؟ لاها الله لا ذلك ولا هذا، وإنّما أرادا معنىً فهمه كلّ الحضور من أنّه أولى بهما وبالمسلمين أجمع من أنفسهم وعلى ذلك بايعاه وهنَّئاه.

ومن أولئك: الحارث بن النعمان الفهري (أو: جابر) المنتقم منه بعاجل العقوبة يوم جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول: يا محمد؟ أمرتنا بالشهادتين والصلاة والزكاة والحج ثمَّ لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمِّك ففضّلته علينا وقلت: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. وقد سبق حديثه ص 239 - 247 فهل المعنى الملازم للتفضيل الذي استعظمه هذا الكافر الحاسد، وطفق يشكّك أنَّه من الله أم أنّه محاباة من الرسول، يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما؟ أحسبُ أنَّ ضميرك الحرَّ لا يستبيح لك ذلك، ويقول لك بكلِّ صراحة: إنَّه هو تلك الولاية المطلقة التي لم يؤمن بها طواغيت قريش في رسول الله صلّى الله عليه وآله إلّا بعد قهر من آيات باهرة، وبراهين دامغة، وحروب طاحنة، حتى جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم، وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.

ومن أولئك: النفر الذين وافوا أمير المؤمنين عليه السلام في رحبة الكوفة قائلين: السَّلام عليك يا مولانا. فاستوضح الإمام عليه السلام الحالة لإيقاف السامعين على المعنى الصحيح وقال: كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب؟ فأجابوه إنّا سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول يوم غدير خمّ: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه(1) عرف القارئ الكريم أنّ المولويّة المستعظمة عند العرب الذين لم يكونوا يتنازلون بالخضوع لكلِّ أحد ليست هي المحبَّة والنصرة ولا شيء من معاني الكلمة وإنَّما هي الرياسة الكبرى التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلّا بموجب يخضعهم لها وهي التي استوضحها أمير المؤمنين عليه السلام للملأ باستفهام فكان من جواب القوم: أنّهم

_____________________

1 - راجع ما أسلفناه من أسانيد هذا الحديث ومتنه ص 187 - 191.

٣٤٣

فهموها من نصِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وهذا المعنى غير خافٍ حتّى على المخدَّرات في الحجال فقد أسلفنا ص 208 عن الزمخشري في ربيع الأبرار عن الدارميَّة الحجونيّة التي سألها معاوية عن سبب حبِّها لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضها له فاحتجَّت عليه بأشياء منها: إنَّ رسول الله عقد له الولاية بمشهد منه يوم غدير خمّ، وأسند بغضها له إلى أنّه قاتل مَن هو أولى بالأمر منه وطلب ما ليس له. ولم يُنكره عليها معاوية.

وقبل هذه كلّها مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام واحتجاجه به يوم الرحبة وقد أوقفناك على تفصيل أسانيده وطرقه الصحيحة المواترة ص 166 - 185، وكان ذلك لَمّا نوزع في خلافته وبلغه إتِّهام الناس له فيما كان يرويه من تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وآله له وتقديمه إيّاه على غيره كما مرَّ ص 183 و300 و301 و304 و309، وقال برهان الدين الحلبي في سيرته 3 ص 303: إحتجَّ به بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً على من نازعه فيها. أفترى والحالة هذه معنىً معقولاً للمولى غير ما نرتأيه وفهمه هو عليه السلام ومَن شهد له من الصحابة ومَن كتم الشهادة إخفاءاً لفضله حتى رُمي بفاضح من البلاء، ومن نازعه حتى أُفحم بتلك الشهادة؟ وإلّا فأيّ شاهد له في المنازعة بالخلافة في معنى الحبِّ والنصرة وهما يعمّان ساير المسلمين؟ إلّا أن يكونا على الحدِّ الذي سنصفه إنشاء الله وهو معنى الأولويَّة المطلوبة.

والواقف على موارد الحجاج بين أفراد الأُمَّة وفي مجتمعاتها وفي تضاعيف الكتب منذ ذلك العهد المتقادم إلى عصورنا هذه جِدُّ عليم بأنَّ القوم لم يفهموا من الحديث إلّا المعنى الذي يُحتجُّ به للإمامة المطلقة وهو الأولويَّة من كلِّ أحد بنفسه وماله في دينه ودنياه الثابت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وللخلفاء المنصوصين عليهم من بعده، نحيل الوقوف على ذلك على حيطة الباحث وطول باع المتتبِّع فلا نطيل بإحصاؤها المقام.

* (مفعل بمعنى أفعل) *

أمّا إنّ لفظ مولى يراد به لغةً الأولى، أو أنَّه أحد معانيه، فناهيك من البرهنة

٣٤٤

عليه ما تجده في كلمات المفسِّرين والمحدِّثين من تفسير قوله تعالى في سورة الحديد:( فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . فمنهم من حصر التفسير بأنها أولى بكم، ومنهم من جعله أحد المعاني في الآية، فمن الفريق الأوَّل:

1 - ابن عبّاس في تفسيره من تفسير الفيروز آبادي ص 342.

2 - الكلبي(1) حكاه عنه الفخر الرازي في تفسيره 8 ص 93.

3 - الفرّاء يحيى بن زياد الكوفيُّ النحويُّ المتوفّى 207، حكاه عنه الفخر الرازيُّ في تفسيره 8 ص 93.

4 - أبو عبيدة معمَّر بن مثنّى البصريُّ المتوفّى 210، ذكره عنه الرازي في تفسيره 8 ص 93 وذكره استشهاده ببيت لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنَّه

مولى المخافة خلفها وأمامها

وذكره عنه، شيخنا المفيد في رسالته في معنى المولى، والشريف المرتضى في الشافي من كتابه «غريب القرآن» وذكر استشهاده ببيت لبيد، واحتجَّ الشريف الجرجاني في «شرح المواقف» 3 ص 271 بنقل ذلك عنه ردّاً على الماتن.

5 - الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة النحوي المتوفّى 215، نقله عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول» وذكر إستشهاده ببيت لبيد.

6 - أبو زيد سعد بن أوس اللغويُّ البصريُّ المتوفّى 215، حكاه عنه صاحب «الجواهر العبقريَّة».

7 - البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المتوفّى 215، قاله في صحيحه 7 ص 240.

8 - ابن قتيبة المتوفّى 276 (المترجم ص 96) قاله في «القرطين» 2 ص 164 واستشهد ببيت لبيد.

9 - أبو العباس ثعلب أحمد بن النحويُّ الشيبانيُّ المتوفّى 291، قال القاضي الزوزني حسين بن أحمد المتوفّى 486 في شرح السبع المعلقة في بيت لبيد المذكور

_____________________

1 - محمد بن سائب المفسر النسابة المتوفّى 146 بالكوفة.

٣٤٥

قال ثعلب: إنَّ المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . أي هي أولى بكم.

10 - أبو جعفر الطبري المتوفّى 310، ذكره في تفسيره 9 ص 117.

11 - أبو بكر الأنباري محمد بن القاسم اللغويُّ النحويُّ المتوفّى 328، قاله في تفسيره - مشكل القرآن - نقله عنه الشريف المرتضى في الشافي وذكر إستشهاده ببيت لبيد، وابن بطريق في «العمدة» ص 55.

12 - أبو الحسن الرماني عليّ بن عيسى المشهور بالورّاق النحوي المتوفّى 384/82، ذكره عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول».

13 - أبو الحسن الواحدي المتوفّى 468 (المترجم ص 111) ففي الوسيط:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، والمعنى: إنّها هي التي تلي عليكم لأنّها قد ملكت أمركم فهي أولى بكم من كلِّ شيء.

14 - أبو الفرج ابن الجوزي المتوفّى 597 (المترجم ص 117) نقله في تفسيره «زاد المسير» عن أبي عبيدة مرتضياً له.

15 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعيُّ المتوفّى 652، قاله في «مطالب السئول» ص 16.

16 - شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيُّ المتوفّى 654، قاله في «التذكرة» ص 19.

17 - محمد بن أبي بكر الرازيّ، صاحب «مختار الصحاح» قال في «غريب القرآن» (فرغ منه 668): المولى: الذي هو أولى بالشيء ومنه قوله:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) ، أي هي أولى بكم، والمولى في اللغة على ثمانية أوجه (وعدّ منها). الأولى بالشئ.

18 - التفتازانيُّ المتوفّى 791، ذكره في «شرح المقاصد» ص 288 نقلاً عن أبي عبيدة.

19 - ابن الصباّغ المالكيّ المتوفّى 855 (المترجم ص 131) عدّ في «الفصول المهمّة» ص 28، الأولى بالشيء من معاني المولى المستعملة في الكتاب العزيز.

٣٤٦

20 - جلال الدين محمد بن أحمد المحلّي الشافعيّ المتوفّى 854، في تفسير الجلالين.

21 - جلال الدين أحمد الخجندي، ففي - توضيح الدلايل على ترجيح الفضايل - عنه أنَّه قال: المولى يطلق على معان، ومنها: الأولى في قوله تعالى:( هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . أي أولى بكم.

22 - علاء الدين القوشجي المتوفّى 879، ذكره في شرح التجريد.

23 - شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجيُّ الحنفيُّ المتوفّى 1069، قاله في حاشية تفسير البيضاوي مستشهداً ببيت لبيد.

24 - السيِّد الأمير محمد الصنعاني، قاله في «الروضة النديّة» نقلاً عن الفقيه حميد المحلّي.

25 - السيّد عثمان الحنفيُّ المكيُّ المتوفّى 1268، قاله في «تاج التفاسير» 2 ص 196.

26 - الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكيُّ المتوفّى 1303، قال في «النور الساري» - هامش صحيح البخاري - 7 ص 240:( هِيَ مَوْلَاكُمْ ) : أولى بكم من كلِّ منزل على كفركم وإرتيابكم.

27 - السيِّد محمد مؤمن الشبلنجي، ذكره في «نور الأبصار» ص 78.

* (ومن الفريق الثاني) *

28 - أبو إسحاق أحمد الثعلبي المتوفّى 427، قال في «الكشف والبيان»:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . أي صاحبتكم وأولى وأحقُّ بأن تكون مسكناً لكم، ثمَّ استشهد ببيت لبيد المذكور.

29 - أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتميري المتوفّى 476، قاله في - تحصيل عين الذهب - (ط تعليق كتاب سيبويه) ج 1 ص 202 في قوله لبيد واستشهد بالآية الكريمة.

30 - الفرّاء حسين بن مسعود البغوي المتوفّى 510، قاله في «معالم التنزيل».

31 - الزمخشري المتوفّى 538، ذكره في «الكشّاف» 2 ص 435، واستشهد

٣٤٧

ببيت لبيد، ثمّ قال: لا يجوز أن يراد هي ناصركم.. إلخ.

32 - أبو البقاء محبُّ الدين العكبريّ البغداديّ المتوفّى 616، قاله في تفسيره ص 135.

33 - القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفّى 692، ذكره في تفسيره 2 ص 497 واستشهد ببيت لبيد.

34 - حافظ الدين النسفي المتوفّى 701/710، ذكره في تفسيره (هامش تفسير الخازن) 4 ص 229.

35 - علاء الدين علي بن محمد الخازن البغداديُّ المتوفّى 741، قاله في تفسيره 4 ص 229.

36 - ابن سمين أحمد بن يوسف الحلبي المتوفّى 856، قال في تفسيره - المصون في علم الكتاب المكنون -:( هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . يجوز أن يكون مصدراً أي ولايتكم أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكاناً أي مكان ولايتكم. وأن يكون أولى بكم كقولك: هو مولاه.

37 - نظام الدين النيسابوري، قاله في تفسيره (هامش تفسير الرازي) 8.

38 - الشربيني الشافعيّ المتوفّى 977، قاله في تفسيره 4 ص 200 واستشهد ببيت لبيد.

39 - أبو السعود محمد بن محمد الحنفيُّ القسطنطينيُّ المتوفّى 972، ذكر في تفسيره (هامش تفسير الرازي) 8 ص 72، ثمَّ ذكر بقيَّة المعاني.

40 - الشيخ سليمان جمل، ذكر في تعليقه على تفسير الجلالين الذي أسماه بالفتوحات الإلهيَّة وفرغ منه سنة 1198.

41 - المولى جار الله الله آبادي، قال في حاشية تفسير البيضاوي: المولى مشتقٌ من الأولى بحذف الزايد.

42 - محبُّ الدين أفندي، قاله في شرح بيت لبيد في كتابه [ تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ] ط سنة 1281.

ولولا أنّ هؤلاء وهُم أئمَّة العربيَّة وبواقع اللغة عرفوا أنّ هذا المعنى من معاني

٣٤٨

اللفظ اللغويّة لما صحَّ لهم تفسيره، وأمّا قول البيضاوي بعد أن ذكر معنى الأولى: وحقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم كقولك: هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل: إنّه الكريم. أو: مكانكم عمّا قريب، من الولي وهو القرب. أو ناصركم على طريقة قوله: تحيَّة بينهم ضربٌ وجيعُ. أو متولّيكم يتولّاكم كما تولَّيتم موجباتها في الدنيا. ا هـ.

فإنّه لا يعني به الحقيقة اللغويَّة التي نصَّ بها أوّلاً وإنَّما يريد الحاصل من المعنى، ويشعر إلى ذلك تقديم قوله: هِيَ أولى بكُم. واستشهاده ببيت لبيد الّذي لم يحتمل فيه غير هذا المعنى. وقوله أخيراً: مكانكم الذي يقال فيه. إلخ. وإنَّه أخذ في تقريب بقيَّة المعاني بأنحاء من العناية يناسب كلٌ منها واحداً منهنَّ إلّا معنى - الأولى - فإنَّه لم يقرِّبه من الوجهة اللغويَّة، بل أثبته بتقديمه والإستشهاد بالشعر، وإنَّما طفق يقرَّبه من وجهة القصد والإرادة. ويقرب منه ما في تفسير النسفي.

وقال الخازن: هي مولاكم أي وليّكم. وقيل: أولى بكم لِما أسلفتم من الذنوب. والمعنى هي الّتي تلي عليكم لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها، فهي أولى بكم من كلِّ شيء، وقيل: معنى الآية: لا مولى لكم ولا ناصر، لأنَّ من كانت النار مولاه فلا مولى له. ا هـ.

أمّا تفسيره بالوليِّ فلا منافاة فيه لِما نرتأيه لِما ثبت من مساوقة الوليِّ مع المولى في جملة من المعاني، ومنها: الأولى بالأمر، وسيوافيك إيضاح ذلك إنشاء الله، فيكون القولان محض تغاير في التعبير لا تبايناً في الحقيقة. وما استرسل بعد ذلك من البيان فهو تقريبٌ لإرادة المعنى كما أسلفناه. والقول الثالث هو ذكر لازم المعنى سواءٌ كان هو الوليّ أو الأولى، فلا معاندة بينه وبين ما تقدَّمه من تفسير اللفظ. وهناك آيات أخرى اُستعمل فيها المولى أيضاً بمعنى الأولى بالأمر منها:

قوله تعالى في سورة البقرة:( أَنتَ مَوْلَانَا ) . قال الثعلبي في [ الكشف والبيان ] أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا وأولى بنا.

وقوله تعالى في سورة آل عمران:( بَلِ اللَّـهُ مَوْلَاكُمْ ) . قال أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره المشهور بالزاهدي: أي الله أولى بأن يُطاع.

٣٤٩

وقوله تعالى في سورة التوبة:( مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) . قال أبو حيّان في تفسيره 5 ص 52: قال الكلبي: أي أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيّدنا فلهذا يتصرّف كيف شاء. وقال السجستاني العزيزي في [غريب القرآن] ص 154: أي وليّنا، والمولى على ثمانية أوجه المعتق «بالكسر» والمعتَق «بالفتح» والوليّ. والأولى بالشئ. وابن العمّ. والصهر. والجار. والحليف.

* (كلام الرازي في مفاد الحديث) *

أقبل الرازي يتتعتع ويتلعثم بشُبه يبتلعها طوراً، ويجترّها تارةً، وأخذ يُصعِّد ويُصوِّب في الإتيان بالشُبه بصورةٍ مكبَّرة فقال بعد نقله معنى الأولى عن جماعة ما نصّه:

قال تعالى:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وفي لفظ المولى هيهنا أقول: أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه أنّ المولى موضع الولي وهو القرب، فالمعنى: إنّ النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه. والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم. وهو قول الزجّاج والفرّاء وأبي عبيدة. وأعلم أنَّ هذا الذي قالوه معنى وليس بتفسير اللفظ لأنّه لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة لصحَّ استعمال كلِّ واحد منهما في مكان الآخر فكان يجب أن يقال: هذا مولى من فلان. ولَمّا بطل ذلك علمنا أنَّ الذي قالوه معنىً وليس بتفسير، وإنَّما نبَّهنا على هذه الدقيقة لأنَّ الشريف المرتضى لَمّا تمسَّك في إمامة عليّ بقوله عليه السلام: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. قال: أحد معاني مولى إنّه أولى. واحتجَّ في ذلك بأقوال أئمَّة اللغة في تفسيره هذه الآية بأنَّ مولى معناه أولى، وإذا ثبت أنَّ اللفظ محتملٌ له وجب حمله عليه لأنَّ ما عداه إمّا بيِّن الثبوت ككونه ابن العم(1) والناصر، أو بيِّن الإنتفاء كالمعتِق والمعتَق فيكون على التقدير الأوّل عبثاً، وعلى

_____________________

1 - هذه غفلة عجيبة وسيوافيك أن النبي صلى الله عليه وآله كان ابن عم جعفر وعقيل وطالب وآل أبي طالب كلهم ولم يكن أمير المؤمنين ابن عم لهم فإنه كان أخاهم، فهذا مما يلزم منه الكذب لو أريد من لفظ المولى لا مما هو بين الثبوت.

٣٥٠

التقدير الثاني كذباً. وأمّا نحن فقد بيَّنّا بالدليل أنّ قول هؤلاء في هذا الموضع معنىً لا تفسير وحينئذ يسقط الإستدلال به. تفسير الرازي 8 ص 93.

وقال في نهاية العقول: إنّ المولى لو كان يجيئ بمعنى الأولى لصحَّ أن يقرن بأحدهما كلُّ ما يصحُّ قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى، بيان الشرطيَّة: أنّ تصرُّف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأمّا ضمُّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كلِّ واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمرٌ عقليٌّ، مثلاً إذا قلنا: الإنسان حيوانٌ فإفادة لفظ الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع، فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كلِّ واحد من هاتين اللفظين موضوعةً للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع، وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولى إذا كانت موضوعةً لمعنىً ولفظة مِن موضوعة لمعنى آخر، فصحَّة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة الأولى بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة المولى، والعقل حكم بصحَّة اقتران المفهوم من لفظة من بالمفهوم من لفظة الأولى، وجب صحَّة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة المولى لأنَّ صحَّة ذلك الإقتران ليست بين اللفظين بل بين مفهوميهما.

بيان أنَّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صحَّ دخوله على الآخر: إنّه لا يقال: هو مولى مِن فلان، ويصحّ أن يقال هو مولى وهما موليان، ولا يصحّ أن يقال: هو أولى - بدون مِن - وهما أوليان. وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد، ولا تقول: هو أولى الرجل وأولى زيد. وتقول: هما أولى رجلين وهم أولى رجال، ولا تقول: هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال. ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك. لا يقال: أليس يقال: ما أولاه؟ لأنّا نقول: ذاك أفعل التعجب لا أفعل التفضيل، على أنَّ ذاك فعلٌ وهذا إسمٌ، والضمير هناك منصوبٌ وهنا مجرورٌ، فثبت أنَّه لا يجوز حمل المولى على الأولى. إنتهى.

وإن تعجب فعجبٌ أن يعزب عن الرازي اختلاف الأحوال في المشتقّات لزوماً

٣٥١

وتعديةً بحسب صيغها المختلفة، إنّ إتحاد المعنى أو الترادف بين الألفاظ إنَّما يقع في جوهريّات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب وتصاريف الألفاظ وصيغها، فالإختلاف الحاصل بين المولى والأولى بلزوم مصاحبة الثاني للباء وتجرُّد الأوَّل منه إنَّما حصل من ناحية صيغة أفعل من هذه المادَّة كما أنَّ مصاحبة من هي مقتضى تلك الصيغة مطلقاً، إذن فمفاد فلانٌ أولى بفلان، وفلانٌ مولى فلان واحدٌ حيث يراد به الأولى به من غيره. كما أنّ (أفعل) بنفسه يُستعمل مضافاً إلى المثنّى والجمع أو ضميرهما بغير أدات فيقال: زيد أفضل الرجلين أو أفضلهما، وأفضل القوم أو أفضلهم، ولا يُستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفرداً فلا يقال: زيد أفضل عمرو، وإنّما هو أفضل منه، ولا يرتاب عاقلٌ في إتّحاد المعنى في الجميع، وهكذا الحال في بقيَّة صيغ أفعل كأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل إلى نظائرها.

قال خالد بن عبد الله الأزهري في باب التفضيل من كتابه التصريح: إنَّ صحَّة وقوع المرادف موقع مرادفه إنَّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانعٌ، وههنا منع مانع وهو الإستعمال، فإنَّ إسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجرِّ إلّا (مِن) حاصَّة، وقد تُحذف مع مجرورها للعلم بها نحو: والآخرةُ خَيرٌ وأبقى.

على أنَّ ما تشبَّث به الرازي يطَّرد في غير واحد من معاني المول التي ذكرها هو وغيره، منها ما أختاره معنىً للحديث وهو: الناصر. فلم يستعمل هو مولى دين الله مكان ناصره، ولا قال عيسى على نبيِّنا وآله وعليه السلام: مَن موالي إلى الله. مكان قوله: مَن أنصاري إلى الله، ولا قال الحواريّون: نحن موالي الله. بدل قولهم: نحن أنصار الله.

ومنها الوليُّ فيقال للمؤمن: هو وليُّ الله ولم يرد من اللغة مولاه، ويقال: الله وليُّ المؤمنين ومولاهم. كما نصَّ به الراغب في مفرداته ص 555.

وهلمَّ معي إلى أحد معاني المولى المتَّفق على إثباته وهو المنعَم عليه فإنَّك تجده مخالفاً مع أصله في مصاحبة (على) فيجب على الرازي أن يمنعه إلّا أن يقول: إنَّ مجموع اللفظ وأداته هو معنى المولى لكن ينكمش منه في الأولى به لأمر ما دبَّره بليل.

وهذه الحالة مطِّردة في تفسير الألفاظ والمشتقّات وكثيرٌ من المترادفات على

٣٥٢

فرض ثبوت الترادف فيقال: أجحف به وجحفه. أكبَّ لوجهه وكبَّه الله. أحرس به وحرسه. زريت عليه زرياً وأزريت به. نسأ الله في أجله وأنسأ أجله. رفقت به وأرفقته. خرجت به وأخرجته. غفلت عنه وأغفلته. أبذيت القوم وبذوت عليهم. أشلتُ الحجر وشلتُ به.

كما يقال: رأمت الناقة ولدها أي عطفت عليه. إختتأ له أي خدعه. صلّى عليه أي دعا له. خنقته العبرة أي غصَّ بالبكاء. إحتنك الجراد الأرض وفي القرآن: لأحتنكنّ ذرِّيَّته. أي إستولى عليها وإستوليّن عليهم. ويقال: إستولى عليه أي غلبه وتمكَّن منه. وكلّها بمعنى واحد. ويقال: أجحف فلان بعبده أي كلَّفه ما لا يُطاق. وقال شاه صاحب في الحديث: إنَّ أولى في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. مشتقٌّ من الولاية بمعنى الحبّ. ا هـ. فيقال: أولى بالمؤمنين أي أحبّ إليهم. ويقال بصر به ونظر إليه ورآه وكلّها واحدٌ.

وأنت تجد هذا الإختلاف يطّرد في جُلّ الألفاظ المترادفة التي جمعها الرماني المتوفّى 384 في تأليف مفرد في 45 صحيفة (ط مصر 1321) ولم ينكر أحدٌ من اللغويّين شيئاً من ذلك لمحض إختلاف الكيفيَّة في أداة الصحبة كما لم ينكروا بساير الإختلافات الواردة من التركيب فإنَّه يقال: عندي درهمٌ غير جيِّد. ولم يجز: عندي درهمٌ إلّا جيِّد. ويقال: إنّك عالمٌ. ولا يقال: إن أنت عالم. ويدخل «إلى» إلى المضمر دون حتّى مع وحدة المعنى. ولاحظ أم وأو فإنَّهما للترديد ويفرقان في التركيب بأربعة أوجه. وكذلك هل والهمزة فإنّهما للإستفهام ويفرقان بعشرة فوارق، وأيّان وحتّى مع إتِّحادهما في المعنى يفرقان بثلاث. وكم وكأيِّن بمعنى واحد ويفرقان بخمسة. وأيّ ومَن يفرقان بستَّة مع إتحادهما. وعند ولَدُن ولدي مع وحدة المعنى فيها تفرق بستَّة أوجه.

ولعلَّ إلى هذا التهافت الواضح في كلام الرازي أشار نظام الدين النيسابوري في تفسيره بعد نقل محصَّل كلامه إلى قوله: وحينئذ يسقط الإستدلال به. فقال: قلت: في هذا الإسقاط بحثٌ لا يخفى.

٣٥٣

* (الشبهة عند العلماء) *

لم تكن هذه الشبهة الرازيَّة الداحضة بالتي تخفى على العرب والعلماء لكنَّهم عرفوها قبل الرازي وبعده، وما عرفوها إلّا في مدحرة البطلان، ولذلك تراها لم تزحزحهم عن القول بمجيئ المولى بمعنى الأولى، قال التفتازاني في شرح المقاصد ص 289، والقوشجي في شرح التجريد ولفظهما واحدٌ: إنّ المولى قد يراد به المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرّف قال الله تعالى:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) . أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيَّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها، ومثله في الشعر كثيرٌ، وبالجملة إستعمال المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرُّف شايعٌ في كلام العرب منقولٌ عن كثير من أئمَّة اللغة، والمراد أنَّه إسمٌ لهذا المعنى لا أنَّه صفةٌ بمنزلة الأولى ليعترض بأنَّه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنَّه لا يستعمل إستعماله. ا هـ.

ذكرا ذلك عند تقريب الإستدلال بالحديث على الإمامة ثمَّ طفقا يردّانه من شتّى النواحي عدا هذه الناحية فأبقياها مقبولةً عندهما، كما أنَّ الشريف الجرجاني في شرح المقاصد حذا حذوهما في القبول، وزاد بأنَّه ردَّ بذلك مناقشة القاضي عضد بأنَّ مفعلاً بمعنى أفعل لم يذكره أحدٌ فقال: أُجيب عنه بأنَّ المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شايعٌ في كلام العرب منقولٌ من أئمَّة اللغة، قال أبو عبيدة: هي موليكم أي أولى بكم، وقال عليه السلام: أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها. ا هـ.

وابن حجر في الصواعق ص 24 على تصلّبه في ردّ الإستدلال بالحديث سلّم مجيئ المولى بمعنى الأولى بالشيء لكنَّه ناقش في متعلق الأولويَّة في أنَّه هل هي عامَّة الأُمور؟ أو إنّها الأولويَّة من بعض النواحي؟ واختار الأخير ونسب فهم هذا المعنى من الحديث إلى الشيخين أبي بكر وعمر في قولهما: أمسيت مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة. وحكاه عنه الشيخ عبد الحق في لمعاته، وكذا حذا حذوه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد القادر الشافعي في «ذخيرة المآل» فقال: التولّي: الولاية وهو الصديق والناصر أو الأولى بالإتّباع والقرب

٣٥٤

منه كقوله تعالى:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) . وهذا الذي فهمه عمر رضي الله عنه من الحديث فإنّه لَمّا سمعه قال: هنيئاً يا بن أبي طالب؟ أمسيت وليَّ كلِّ مؤمن ومؤمنة. ا هـ.

وسبق عن الأنباري في «مشكل القرآن»: إنَّ للمولى ثمان معان أحدها: الأولى بالشيء، وحكاه الرازي عنه وعن أبي عبيدة فقال في «نهاية العقول»: لا نسلّم أنَّ كلّ من قال: إنّ لفظة المولى محتملةٌ للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة عليٍّ رضي الله عنه، أليس إنّ أبا عبيدة وابن الأنباري حكما بأنَّ لفظة المولى للأولى مع كونهما قائلين(1) بإمامة أبي بكر رضي الله عنه؟. ا هـ. ونقل الشريف المرتضى عن أبي العباس المبرَّد إنَّ أصل يا ولىّ أي الذي هو أولى وأحقّ ومثله المولى، وقال أبو نصر الفارابي الجوهري المتوفّى 393 في «صحاح اللغة» 2 ص 564 مادَّة ولي في قول لبيد: إنّه يريد أولى موضع أن يكون فيه الخوف. وأبو زكريا الخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة 1 ص 22 في قول جعفر بن علبة الحارثي:

ألهفي بقرِّي سجل حين أحلبت

علينا الولايا والعدوّ المباسل

عدَّ من وجوه معاني المولى الثمانية(2) الوليّ والأولى بالشيء، وعن عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني في «كشف الكشاف» في بيت لبيد: إنَّ مولى المخافة. أي أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف، وعدّ سبط ابن الجوزي في «التذكرة» ص 19 ذلك من معاني المولى العشرة المستندة إلى علماء العربيّة، ومثله ابن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» ص 16، وذكر الأولى في طليعة المعاني التي جاء بها الكتاب وتبعه الشبلنجي في نور الأبصار ص 78 وأسند ذلك إلى العلماء. وقال شارحا المعلقات السبع: عبد الرحيم بن عبد الكريم، ورشيد النبيّ في بيت لبيد: إنّه أراد بوليّ المخافة: الأولى بها.

وبذلك كلّه تعرف حال ما أسنده صاحب التحفة الإثنى عشريَّة إلى أهل العربيَّة

_____________________

1 - لا يهمنا ما يرتأيانه في الإمامة وإنما الغرض تنصيصهما بمعنى اللفظ اللغوي.

2 - وهي: العبد، والسيد، وابن العم، والصهر، والجار، والحليف، والولي، والأولى بالشيء.

٣٥٥

قاطبة من إنكار استعمال المولى بمعنى الأولى بالشيء. أو يَحسب الرجل أنّ من ذكرناهم من أئمَّة الأدب الفارسي؟ أو أنَّهم لم يقفوا على موارد لغة العرب كما وقف عليها الشاه صاحب الهندي؟ وليس الحَكَم في ذلك إلّا ضميرك الحرّ.

مضافاً إلى أنَّ إنكار الرازي عدم استعمال أولى مضافاً ممنوعٌ على إطلاقه لما عرفت من إضافته إلى المثنّى والمجموع، وجائت في السنَّة إضافته إلى النكرة، ففي صحيح البخاري في الجزؤ العاشر ص 7 و9 و10 و13 بأسانيد جمَّة قد إتّفق فيها اللفظ عن ابن عبّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ألحقوا الفرايض بأهلها فما تركت الفرايض فلأولى رجل ذكر. ورواه مسلم في صحيحه 2 ص 2، وفيما أخرجه أحمد في المسند 1 ص 313: فلأولى ذكر، وفي ص 335: فلأولى رجل ذكر، وفي نهاية ابن الأثير 2 ص 49: لأولى رجل ذكر.

ويُعرب عمّا نرتأيه في حديث الغدير ما يماثله في سياقه جِدّاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما من مؤمن إلّا أنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة إقرؤا إن شئتم: النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإيّما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه. أخرجه البخاري في صحيحه 7 ص 190 وأخرجه مسلم في صحيحه 2 ص 4 بلفظ: إن على الأرض من مؤمن إلّا أنا أولى الناس به، فأيّكم ما ترك دَيناً أو ضياعاً فأنا مولاه.

* (كلمة أخرى للرازي ) *

وللرازي كلمةٌ أخرى صعّد فيها وصوَّب فحسب في كتابه «نهاية العقول» إنَّ أحداً من أئمَّة النحو واللغة لم يذكر مجيئ «مفعل» الموضوع للحدثان أو الزمان أو المكان بمعنى «أفعل» الموضوع لإفادة التفضيل. وأنت إذا عرفت ما تلوناه لك من النصوص على مجيئ مولى بمعنى الأولى بالشيء علمت الوهن في إطلاق ما يقوله هو ومن تبعه كالقاضي عضد الإيجي في المواقف، وشاه صاحب الهندي في التحفة الإثنى عشريّة والكابلي في الصواقع، وعبد الحق الدهلوي في لمعاته، والقاضي سناء الله الپاني پتي في سيفه المسلول، وفيهم من بالغ في النكير حتى أسند ذلك إلى إنكار أهل العربيَّة، و

٣٥٦

وأنت تعلم أنَّ أساس الشبهة من الرازي ولم يسندها إلى غيره، وقلّده أولئك عمىً مهما وجدوا طعناً في دلالة الحديث على ما ترتأيه الإماميَّة.

أنا لا ألوم القوم على عدم وقوفهم على كلمات أهل اللغة وإستعمالات العرب لألفاظها فإنَّهم بُعداء عن الفنِّ، بُعداء عن العربيَّة، فمن رازيّ إلى أيجيّ. ومن هنديّ إلى كابليّ. ومن دهلويّ إلى پاني پتيّ. وأين هؤلاء من العرب الأقحاح؟ وأين هم من العربيَّة؟ نعم - حنّ قدحٌ ليس منها - وإذا اختلط الحابل بالنابل طفق يحكم في لغة العرب من ليس منها في حلّ ولا مرتحل.

إذا ما فُصِّلت عليّاً قريش

فلا في العير أنت ولا النفير

أوَ ما كان الذين نصّوا بأنَّ لفظ المولى قد يأتي بمعنى الأولى بالشيء أعرف بمواقع اللغة من هذا الذي يخبط فيها خبط عشواء؟ كيف لا؟ وفيهم مَن هو من مصادر اللغة، وأئمَّة الأدب، وحُذّاق العربيَّة، وهم مراجع التفسير، أو ليس في مصارحتهم هذه حجَّة قاطعة على أنّ مَفعلاً يأتي بمعنى أفعل في الجملة؟ إذن فما المبرِّر لذلك الإنكار المطلق؟ نعم، لأمر ما جدع قصيرٌ أنفه.

وحَسبُ الرازي مبتدع هذا السفسطة قول أبي الوليد ابن الشحنة الحنفي الحلبي في «روض المناظر» في حوادث سنة ستّ وستمائة من أنّ الرازي كانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربيَّة. وقال أبو حيّان في تفسيره 4 ص 149 بعد نقل كلام الرازي: إنّ تفسيره خارجٌ عن مناحي كلام العرب ومقاصدها، وهو في أكثره شبيهٌ بكلام الذين يُسمّون أنسهم حكماء.

م - وقال الشوكاني في تفسيره 4 ص 163 في قوله تعالى:( لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (القصص): وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدّاً لا تستحق أن تُذكر في تفسير كلام الله عزَّ وجلَّ والجواب عليها يظهر للقصَّر فضلاً عن الكامل ].

ثمّ إنّ الدلالة على الزمان والمكان في «مَفعل» كالدلالة على التفضيل في «أفعل». وكخاصّة كلٍّ من المشتقّات من عوارض الهيئات لا من جوهريّات الموادّ، وذلك أمرٌ غالبيٌّ يُسار معه على القياس ما لم يرد خلافه عن العرب، وأمّا عند ذلك فإنَّهم المحكّمون في معاني ألفاظهم، ولو صفي لِلرازي إختصاص المولى بالحدثان أو الواقع منه في الزمان

٣٥٧

أو المكان لوجب عليه أن ينكر مجيئه بمعنى الفاعل والمفعول وفعيل وها هو يصرّح بإتيانه بمعنى الناصر. والمعتِق بالكسر. والمعتَق بالفتح. والحليف. وقد صافقه على ذلك جميع أهل العربيَّة وهَتَفَ الكلُّ مجيئ المولى بمعنى الوليّ، وذكر غير واحد من معانيه الشريك. والقريب. والمحبّ. والعتيق. والعقيد. المالك. والمليك. على إنّ مَن يذكر الأولى في معاني المولى وهم الجماهير ممن يُحتجُّ بأقوالهم لا يعنون أنّه صفةٌ له حتى يناقش بأنّ معنى التفضيل خارجٌ عن مفاد المولى مزيدٌ عليه فلا يتَّفقان. وإنّما يريدون أنّه إسمٌ لذلك المعنى، إذن فلا شيء يفتّ في عضدهم.

وهب أنَّ الرازي ومن لفَّ لفَّه لم يقفوا على نظير هذا الإستعمال في غير المولى فإنَّ ذلك لا يوجب إنكاره فيه بعد ما عرفته من النصوص، فكم في لغة العرب من إستعمال مخصوص بمادَّة واحدة فمنها: كلمة عجاف جمع أعجف. فلم يجمع أفعل على فِعال إلّا في هذه المادّة كما نصّ به الجوهري في الصحاح، والرازي نفسه في التفسير، والسيوطي في المزهر ج 2 ص 63 وقد جاء بالقرآن الكريم: وقال الملك إنّي أرى سبع بقرات سمان يأكلهنَّ سبعٌ عجافٌ (سورة يوسف) ومنه شعر العرب في مدح سيِّد مضر هاشم ابن عبد مناف.

عمر والعلا هشم لثريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجافُ

ومنها: إنّ ما كان على فَعلتُ (مفتوح العين) من ذوات التضعيف متعدِّياً مثل رددت وعددت يكون المضارع منه مضموم العين إلّا ثلاثة أحرف تأتي مضمومة ومكسورة وهي: شدَّ. ونمَّ. وعلَّ. وزاد بعض: بثَّ (أدب الكاتب ص 361).

ومنها أنّ ضمير المثنى والمجموع لا يظهر في شيء من أسماء الأفعال كصه ومه إلّا: ها [ بمعنى خذ ] فيقال: هاؤما، وهاؤم، وهاؤنَّ، وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه: هاؤم اقرؤا كتابيه. راجع التذكرة لابن هشام، والأشباه والنظائر للسيوطي.

ومنها: أنَّ القياس المطَّرد في مصدر تفاعل هو التفاعُل بضمِّ العين إلّا في مادَّة (التفاوت) فذكر الجوهري فيها ضمَّ الواو أوَّلاً ثمَّ نقل عن ابن السكيت عن الكلابيّين فتحه، وعن الغنبري كسره، وحُكي عن أبي زيد الفتح والكسر كما في «أدب الكاتب» ص 59، ونقل السيوطي في المزهر 2 ص 39: الحركات الثلاث.

٣٥٨

ومنها: أنّ المطرَّد في مضارع «فَعَلَ» بفتح العين الذي مضارعه «يفعِل» بكسره أنّه لا يستعمل مضموم العين إلّا في «وجد» فإنّ العامريّين ضمّوا عينه كما في الصحاح وقال شاعرهم لبيد:

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

فدع الصوادي لا يجُدن غليله

وصرَّح به ابن قتيبة في أدب الكاتب ص 361، والفيروز آبادي في القاموس 1 ص 343، وفي المزهر 2 ص 49 عن ابن خالويه في شرح الدريديّة إنّه قال: ليس في كلام العرب فَعَل يفعُل ممّا فاؤه واو إلّا حرفٌ واحد: وَجَدَ يَجُدُ.

ومنها: إنّ اسم الفاعل من «أفعل» لم يأت على «فاعل» إلّا أبقل. وأورس. وَأيفعَ فيقال: أبقل الموضع فهو بأقل. وأورس الشجرة فهو وارس. وأيفع الغلام فهو يافع: كذا في المزهر 2 ص 40، وفي الصحاح: بلدٌ عاشبٌ ولا يقال في ماضية إلّا أعشبت الأرض.

ومنها: إنَّ اسم المفعول من أفعل لم يأت على فاعل إلّا في حرف واحد وهو قول العرب: أسأمت الماشية في المرعى فهي سائمة. ولم يقولوا: مُسأمة. قال تعالى:( فِيهِ تُسِيمُونَ ) . من أسام يسيم. ذكره السيوطي في المزهر 2 ص 47.

وتجد كثيراً من أمثال هذه من النوادر في المخصَّص لإبن سيدة، ولسان العرب، وذكر السيوطي في المزهر ج 2 منها أربعين صحيفة.

* (جواب الرازي عما أثبتناه ) *

هناك لِلرازي جوابٌ عن هذه كلِّها يكشف عن سوئة نفسه قال في «نهاية العقول»: وأمّا الذي نقلوا عن أئمَّة اللغة من: أنَّ المولى بمعنى الأولى فلا حجَّة لهم، إذ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يُحتجَّ به في إثبات اللغة فنقول: إنَّ أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالى:( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) : معناه هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً الأخفش، والزجّاج، وعليّ بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد ولكن ذلك تساهلٌ من هؤلاء الأئمَّة لا تحقيق، لأنَّ الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أُخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصليَّة من اللغة. إنتهى.

٣٥٩

ليت شعري مَن ذا الذي أخبر الرازي: إنَّ ذلك تساهلٌ مِن هؤلاء الأئمَّة لا تحقيق؟ وهل يطَّرد عنده قوله في كلِّ ما نقل عنهم من المعاني اللغويَّة؟ أو إنَّ له مع لفظ المولى حساباً آخر؟ وهل على اللغويِّ إذا أثبت معنىً إلّا الإستشهاد ببيت للعرب؟ أو آية من القرآن الكريم؟ وقد فعلوه.

وكيف تخذ عدم ذكر الخليل وأضرابه حجَّةً على التسامح؟ بعد بيان نقله عن أئمَّة اللغة. وليس من شرط اللغة أن يكون المعنى مذكوراً في جميع الكتب، وهل الرازي يقتصر فيها على كتاب العين وأضرابه؟

ومَن ذا الذي شرط في نقل اللغة عنعنة الإسناد؟ وهل هو إلّا ركونٌ إلى بيت شعر؟ أو آية كريمة؟ أو سنَّة ثابتة؟ أو إستعمال مسموع؟ وهل يجد الرازي خيراً من هؤلاء لتلقّي هاتيك كلِّها؟ وما باله لا يقول مثل قوله هنا إذا جاءه أحد من القوم بمعنى من المعاني العربيَّة؟ أقول: لأنّ له في المقام مرمىً لا يعدوه.

وهل يشترط الرجل في ثبوت المعنى اللغويِّ وجوده في المعاجم اللغويَّة فحسب؟ بحيث لا يقيم له وزناً إذا ذُكر في تفسير آية، أو معنى حديث، أو حلّ بيت من الشعر، ونحن نرى العلماء يعتمدون في اللغة على قول أيِّ ضليع في العربيَّة حتى الجارية الأعرابيَّة(1) ولا يشترط عند الأكثر بشيء من الإيمان والعدالة والبلوغ، فهذا القسطلاني يقول في شرح البخاري 7 ص 75: قول الشافعي نفسه حجَّةٌ في اللغة. وقال السيوطي في المزهر 1 ص 77: حُكم نقلٍ واحدٍ من أهل اللغة القبول. وحكى في ص 83 عن الأنباري قبول نقل العدل الواحد ولا يشترط أن يوافقه غيره في النقل. وفي ص 87 بقول شيخ أو عربيّ يثبت اللغة. وحكى في ص 27 عن الخصايص لابن جنّي قوله: من قال: إنّ اللغة لا تُعرف إلّا نقلاً فقد أخطأ فإنَّها قد تعلم بالقرائن أيضاً، فإنّ الرجل إذا سمع قول الشاعر:

قومٌ إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافات ووُحدانا

يعلم أنّ الزرافات بمعنى الجماعات. وذكر أيضاً ثبوت اللغة بالقرينة وبقول شاعر عربيّ. فهذه المصادر كلّها موجودةٌ في لفظ المولى غير أنَّ الرازي لا يعلم أنَّ اللغة بماذا

_____________________

1 - راجع المزهر 1 ص 83 و84.

٣٦٠