عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير

عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير0%

عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 127

  • البداية
  • السابق
  • 127 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17528 / تحميل: 3735
الحجم الحجم الحجم
عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير

عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عيد الغدير في الإسلام

والتتويج والقربات يوم الغدير

١

٢

عيد الغدير في الإسلام

والتتويج والقربات يوم الغدير

العلامة الشيخ الأميني

تحقيق

الشيخ فارس تبريزيان

اعداد

مركز الأبحاث العقائدية

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

كتاب الغدير:

كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة، ويمتدّ في الافاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم: من تفسير، وحديث، وتاريخ، وأدب، وعقيدة، وكلام، وفرق، ومذاهب...

جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الاديب الذي خاطب جميع القرّاء، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.

ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الاحد عشر من ذخائر هامة، لا غنى لطالب المعرفة عنها، وتيسيراً لاغتنام فوائدها، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام، لطباعتها ونشرها مستقلّة، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.

٧

مقدّمة الاعداد

في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة، جمع النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمّى غدير خم، وخطبهم خطبة مفصّلة، وفي آخر خطبته قال: « ألستم تعلمون أنّي أَولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ » قالوا: بلى، فأخذ بيد علي فقال: « اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه » فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

فهل لهذا اليوم منزلة في الشريعة؟

٨

ذهب الشيعة إلى أنّه يوم عيد وفرح وسرور، واعتمدوا على روايات كثيرة استدلّوا بها على كونه عيداً.

وذهب قوم من المسلمين إلى أنه ليس بعيد، ومن اتّخذه عيداً فهو مبتدع!!

وتعصّب هذا البعض من المسلمين أشدّ التعصّب ضدّ الشيعة، وأباح دماءهم لاجل اتخاذهم يوم الغدير يوم عيد.

ومن نقّب صفحات التاريخ يجد فيها الكثير من هذه التعصّبات والمجازر الطائفية ضد مذهب أهل البيتعليهم‌السلام لاجل اتخاذهم يوم الغدير عيداً، ويوم عاشوراء - الذي قتل فيه ريحانة الرسول وسبطه الحسين بن عليعليه‌السلام - يوم حزن وعزاء.

ووصل التعصّب إلى حدٍّ كانت فيه الدماء تراق والبيوت والمساجد وأماكن العبادة تحرق... لا لاجل شيء، سوى الاحتفال بيوم الغدير وإقامة المأتم والعزاء يوم عاشوراء.

ولما لم تؤثّر هذه الافاعيل القبيحة ضدّ الشيعة في نقص عزائمهم، بل زادتهم إيماناً وقوّةً في التمسّك بما يعتقدونه عن دليل، اتّخذ أهل السنة منهجاً جديداً للوقوف أمام هذه الشعائر:

حيث عملوا في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرّم - وقال ابن كثير: اليوم الثاني عشر - مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء، من إقامة المأتم والعزاء، وقالوا: هو يوم قتل مصعب بن الزبير،

٩

وزاروا قبره بمسكن، كما يُزار قبر الحسينعليه‌السلام بكربلاء، ونظروه بالحسين! وقالوا: إنه صبر وقاتل حتّى قتل، وإن أباه ابن عمة النبيّ كما أنّ أبا الحسين ابن عمّ النبي!!

وعملوا في مقابل الشيعة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً، واتخذوه عيداً، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجة، وادّعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار.

وأقاموا هذين الشعارين زمناً طويلاً.

راجع: المنتظم 7: 206، البداية والنهاية 11: 325 - 326، الكامل في التاريخ 9: 155، العبر 3: 42 - 43، شذرات الذهب 3: 130، تاريخ الاسلام: 25.

والتعصّب إذا استحوذ على كيان الانسان فإنه يعميه ويصمّه، ويجعله يغيّر حتّى المسلّمات لاجل الوصول إلى أغراضه:

فنشاهد الطبري في تاريخه 6: 162 يصرّح بأنّ مقتل مصعب كان في جمادى الاخرة، فمع هذا فإنهم يجعلوه في اليوم الثامن عشر من المحرّم ليكون في مقابل يوم استشهاد الحسينعليه‌السلام يوم العاشر من المحرّم.

ويوم الغار معلوم لدى الكلّ - حتّى من له أدنى معرفة بالتاريخ - أنه لم يكن في ذي الحجة ولا في اليوم السادس والعشرين منه، ومع

١٠

هذا فإنهم يجعلوه في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ليكون بعد يوم الغدير بثمانية أيام.

وكنّا نتمنّى أن تنتهي هذه التعصّبات والمجازر الطائفية في عصرنا هذا الذي يسمّى بعصر التقدّم والنور... وكنّا لا نحتاج إلى إثارة هذه المطالب من جديد.

ولكن ومع الاسف الشديد نرى أنّ هذه التعصّبات لا زالت قائمة، وأنّ الشيعة سنوياً تقتل وتحرق مساجدها لاجل إقامة مراسم العزاء على السبط الشهيد وإقامة الفرح والسرور بيوم الغدير.

وتصاعدت طباعة الكتب ضدّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، فإنها تطبع وبأعداد هائلة وفي أكثر البلدان ملؤها الافتراء والبهتان، ولا رادع ولا صادع!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وهذا الكتيّب الذي نقدّمه بين يدي القارئ العزيز، مستلّ من كتاب الغدير للعلامة الاميني، فيه ثلاثة بحوث مهمّة:

1 - عيد الغدير في الاسلام.

2 - التتويج يوم الغدير.

3 - صوم يوم الغدير.

١١

كتبها العلامة الاميني، معتمداً فيها على أهم المصادر المعتبرة بين المسلمين.

وبعد أن استخرجتُها من كتابه الغدير، الطبعة المتداولة، وقابلتها مع طبعة النجف، واستفدت من بعض الفوارق، أعدت النظر في تقويم النصّ وفقاً للاساليب الحديثة، وأجريت عملية استخراج الاقوال والاحاديث من المصادر الحديثة، وبالنسبة للمصادر المفقودة ذكرت الوسائط الناقلة عنها، وذكرت استدراكاً لما ذكره العلامة الاميني في بحوثه هذه لحديث التهنئة وحديث صوم يوم الغدير، وحديث التعمّم يوم الغدير.

فارس تبريزيان الحسّون

١٢

عيد الغدير في الاسلام

[ مقدّمة المؤلّف ]

وممّا شيء من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور، ولمفاده التحقّق والثبوت، اتّخاذه عيداً يُحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع، وإدرار وجوه البرّ، وصلة الضعفاء، والتوسّع على النفس والعائلات، واتّخاذ الزينة والملابس القشيبة.

فمتى كان للملا الديني نزوعٌ إلى تلكم الاحوال فبطبع الحال يكون له اندفاعٌ إلى تحرّي أسبابها، والتثبّت في شؤونها، فيفحص عن رواتها، أو أنّ الاتّفاق المقارن لهاتيك الصفات يوقفه على من ينشدها ويرويها، وتتجدّد له وللاجيال في كلّ دور لفتةٌ إليها في كلّ

١٣

عام، فلا تزال الاسانيد متواصلة، والطرق محفوظة، والمتون مقروءة، والانباء بها متكرّرة.

[ صلة المسلمين بعيد الغدير ]

إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلك الصفة أمران:

الاوّل: أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة، وإنّما اشترك معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين:

فقد عدّه البيروني في الاثار الباقية في القرون الخالية: 334: ممّا استعمله أهل الاسلام من الاعياد.

وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 53: يوم غدير خمّ، ذكره (أمير المؤمنين) في شعره(1) ، وصار ذلك اليوم عيداً

____________________

(1) وهو قولهعليه‌السلام :

محمد النبيّ أخي وصنوي وجعفر الذي يضحي ويمسي وبنت محمد سكني وعرسي وسبطا أحمد ولداي منها سبقتكم إلى الاسلام طرّاً فأوجبت لي ولايته عليكم فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويل وحمزة سيد الشهداء عمّي يطير مع الملائكة ابن أُمي منوط لحمها بدمي ولحمي فأيّكم له سهم كسهمي على ما كان من فهمي وعلمي رسول الله يوم غدير خمّ لمن يلقى الاله غداً بظلمي

ذكر هذه الابيات العلامة الاميني في كتابه الغدير 2: 25 - 30، وذكر من رواها من أعلام العامة: الحافظ البيهقي المتوفى 458 هـ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود 605 في كتابه ألف باء 1: 39، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى 613 في كتابه المجتنى: 39، وياقوت الحموي في معجم الادباء 5: 266، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السؤول: 11، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرة خواص الامة: 62، وابن أبي الحديد المتوفى 658 في شرح نهج البلاغة 2: 377،... إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة.

١٤

وموسماً، لكونه كان وقتاً نصّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه المنزلة العليَّة، وشرَّفه بها دون الناس كلِّهم.

وقال ص 56: وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ المولى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جعله لعليٍّ، وهي مرتبةٌ ساميةٌ، ومنزلةٌ سامقةٌ، ودرجة عليَّةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ، خصّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لاوليائه. انتهى.

تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيّد بذلك اليوم، سواء رجع الضمير في (أوليائه) إلى النبيِّ أو الوصيِّ صلّى الله عليهما وآلهما.

أمّا على الاوَّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فكلّ المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليّاً شرع، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل،

١٥

ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء، إلاّ شذّاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف.

وتقرئنا كتب التاريخ دروساً من هذا العيد، وتَسالُم الاُمَّة الاسلاميَّة عليه في الشرق والغرب، واعتناء المصريِّين والمغاربة والعراقيِّين بشأنه في القرون المتقادمة، وكونه عندهم يوماً مشهوداً للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فُصِّل في المعاجم.

ويظهر من غير مورد من الوفيات لا بن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيداً:

ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر 1: 60: فبويع في يوم عيد غدير خمّ، وهو الثامن عشر من ذي الحجَّة سنة 487(1) .

وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي 2: 223: وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجَّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى. قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجَّة، وهو غدير خُمّ - بضم الخاء وتشديد الميم - ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجَّة، وهذا المكان بين مكّة والمدينة، وفيه غدير ماء ويقال: إنّه غيضة هناك، ولما رجع النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكّة شرَّفها الله تعالى عام حجَّة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى عليّ بن أبي

____________________

(1) وفيات الاعلام 1: 180 رقم 74، ط دار صادر.

١٦

طالب (رضي الله عنه) قال: « عليُّ مني كهارون من موسى، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله »، وللشيعة به تعلّق كبير. وقال الحازمي: وهو واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة [ به ] غدير عنده خطب النبيُّ (صلى الله عليه وسلم)، وهذا الوادي موصوفٌ بكثرة الوخامة وشدَّة الحرّ. انتهى(1) .

وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلّق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والاشراف: 221 بعد ذكر حديث الغدير بقوله: ووُلد عليٍّ (رضي الله عنه) وشيعته يعظمون هذا اليوم.

ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب - بعد أن عدَّ ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الاُمَّة - بقوله ص 511: وهي الليلة التي خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غدها بغدير خمّ على أقتاب الابل، فقال في خطبته: « مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله »، فالشيعة يعظِّمون هذه الليلة ويُحيونها قياماً. انتهى(2) .

وذلك [ لـ ] اعتقاهم وقوع النصِّ على الخلافة بلا فصل فيه، وهم وإن انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة، لكنّهم لم يبرحوا مشاطرين مع الاُمة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي

____________________

(1) المصدر السابق 5: 230 - 231 رقم 728.

(2) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: 636 رقم 1068.

١٧

المضافة المشهورة، وليست شهرة هذه الاضافة إلاّ لاعتقاد خطر عظيم، وفضيلة بارزة في صبيحتها، ذلك الذي جعله يوماً مشهوداً أو عيداً مباركاً.

ومن جرّاء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة.

قال تميم بن المعزّ صاحب الديار المصريَّة المتوفّى 374 من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر: 38:

تروح علينا بأحداقها حِسانٌ حكتهنَّ من نشرِ هنَّهْ

نواعمُ لا يستطعن النهوض إذا قمن من ثِقل أردافِهنَّهْ

حَسُنَّ كحُسن ليالي الغدير وجئنَ ببهجة أيّامهنَّهْ(1)

ومّما يدل على ذلك: التهنئة لامير المؤمنينعليه‌السلام من الشيخين وأمهات المؤمنين وغيرهم من الصحابة بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ستقف على ذلك مفصَّلاً إن شاء الله، والتهنئة من خواصّ الاعياد والافراح.

[ مبدأ عيد الغدير ]

الامر الثاني: إن عهد هذا العيد يمتد إلى أمد قديم متواصل

____________________

(1) دمية القصر وعصرة أهل العصر 1: 113، ط مؤسسة دار الحياة.

وفي قائل هذه الابيات كلام تجده في هامش ص 111 و 175.

١٨

بالدور النبويّ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجّة الوداع بعد أن أصحر نبيُّ الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله بمرتكز خلافته الكبرى، وأبان للملا الديني مستقر إمرته من الوجهة الدينيَّة والدنيويَّة، وحدَّد لهم مستوى أمر دينه الشامخ، فكان يوماً مشهوداً يسرُّ موقعه كلّ معتنق للاسلام، حيث وضح له فيه منتجع الشريعة، ومنبثق أنوار أحكامها، فلا تلويه من بعده الاهواء يميناً وشمالاً، ولا يسفّ به الجهل إلى هوّة السفاسف وأيّ يوم يكون أعظم منه؟ وقد لاح فيه لاحب السنن، وبان جدد الطريق، وأكمل فيه الدين، وتمَّت فيه النعمة، ونوّه بذلك القرآن الكريم.

وإن كان حقّاً اتخاذ يوم تسنّم فيه الملوك عرش السلطنة عيداً يحتفل به بالمسرّة والتنوير وعقد المجتمعات وإلقاء الخطب وسرد القريض وبسط الموائد كما جرت به العادات بين الامم والاجيال، فيوم استقرّت فيه الملوكيّة الاسلاميّة والولاية الدينيّة العظمى لمن جاء النصّ به من الصادع بالدين الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، أولى أن يُتّخذ عيداً يُحتفل به بكلّ حفاوة وتبجيل، وبما أنّه من الاعياد الدينية يجب أن يزاد فيه على ذلك بما يقرّب إلى الله زلفى من صوم وصلاة ودعاء وغيرها من وجوه البرّ، كما سنوقفك عليه في الملتقى إن شاء الله تعالى.

ولذلك كلّه أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مَن حضر المشهد من أُمته،

١٩

ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الانصار، كما أمر أُمَّهات المؤمنين، بالدخول على أمير المؤمينعليه‌السلام وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصَّة الولاية ومرتبع الامر والنهي في دين الله.

حديث التهنئة

أخرج الامام الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية حديثاً بإسناده عن زيد بن أرقم، مرّ شطر كبير منه ص 214 - 216(1) ، وفي آخره فقال:

« معاشر الناس، قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألسنتنا وصفقةً بأيدينا نؤدِّيه إلى أولادنا وأهالينا لا نبغي بذلك بدلاً وأنت شهيدٌ علينا وكفى بالله شهيداً، قولوا ما قلت لكم، وسلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا:( الحَمدُ للهِ الّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَوْ لا أنْ هَدانا الله ) (2) فإنَّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس،( فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ على نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسيُؤتِيهِ أجْراً عَظِيماً ) (3) ، قولوا ما يُرضي الله عنكم فـ( إنْ تَكْفُروا فإنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم ) (4) ».

____________________

(1) أي: 1: 214 - 216 من كتابه الغدير.

(2) الاعراف: 43.

(3) الفتح: 10.

(4) الزمر: 7.

٢٠