• البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43157 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
تأريخ جديد للتأريخ  على هامش الفرق الإسلامية

تأريخ جديد للتأريخ على هامش الفرق الإسلامية

مؤلف:
العربية

تأريخ جديد للتأريخ

على هامش الفرق الإسلامية

أحمد فرج الله

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة

أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

الإهداء

الى الذين لا يخيفهم أن يبحثوا عن حقائق جديدة

ولا يؤذيهم أن يجدوها

الى الأحرار فكرا وسلوكا

أهدي هذا الجهد المتواضع

٦/٦/١٩٩٧

٤

٥

المقدمة

حين كنت أهيئ لكتابي عن المعتزلة(١) اضطررت لمراجعة عدد كبير من الكتب المتصلة بالفرق والمذاهب، لمعرفة موقفها في هذه المسألة أوتلك من المسائل التي تناولها الكتاب، ومقارنتها مع موقف المعتزلة فيها.

ولقد أثار استغرابي ما وجدت من اضطراب كبير فيما ينقله المؤلفون عن مواقف تلك الفرق، وما ينسبونه لها، حتى انك لا تستطيع ان تكون صورة صادقة أو قريبة من الصدق عن الفرقة التي تريد دراستها استناداً الى ما أورده عنها اولئك المؤلفون، فهذه الصورة تفلت من بين يديك كلما انتقلت من مؤلف رآخر، وكأن الأمر يتعلق بأساطير تخضع لخيال المؤلف وهواه، لا بفرق وعقائد، اول ما يفترض فيها ان تكون ثابتة وواضحة ومعروفة، ثم هي فرق وعقائد إسلامية، أو على الاقل نبتت في بيئة اسلامية، فليس من اليسير ان تخرج عن هذه البيئة التي نبتت ونشأت فيها، مهما تعصب بعض المؤلفين ضدها ومهما كانت الاتهامات الموجهة اليها. وهي لو خرجت فلا يمكن ان تتجاوز في ذلك حداً معلوماً. وهي لو تجاوزت هذا الحد فلا يمكن ان تتجاوز الحد الادنى مما هو

____________________

(١) هو ( المعتزلة حقائق وأوهام ).

٦

معقول انسانياً، بصرف النظر عن الدين الذي ينتمي اليه والا لأصبحت واصبح اتباعها موضوع الهزء والسخرية، بل لما كان لها اتباع ابتداء.

واجهت كل هذا وانا أهيئ لكتابي عن المعتزلة، فهالني ذلك وشدد عزمي على ان أعود الى هذا الموضوع بعد الفراغ من الكتاب.

وها انا أفي بوعدي الذي قطعته على نفسي خدمة للحقيقة وانصافاً لأشخاص وفرق، ظلموا لأنهم لا يملكون الرد على من اتهمهم لأسباب كثيرة منها أنهم لم يوجدوا اصلاً.

وبدءً أود ان انبه الى ان كتابي هذا ليس كتاباً في الفرق لأستقصي فيه كلّ هذه الفرق وما يتصل بها وبعقائدها، فذلك ما لم أرده وما هو خارج حدود كتابي الذي لم اقصد فيه الى اكثر من تصحيح بعض ما اخطأ فيه الكتاب عمداً أو سهواً من عقائد فرق لم تجد حتى الان الا من يضيف الى الاخطاء السابقة فيه اخطاء جديدة اليها.

٧

الشيعة

وهم اولى الفرق الاسلامية التي يبحثها غالبية المؤلفين في الفرق والمذاهب(١) .

والشيعة اصطلاحاً هم الذين تشيعوا لعلي ووالوه وفضلوه على باقي الصحابة ورأوه احق بالخلافة من غيره.

وهذا هو ما يجمع عليه الشيعة بكل فرقهم وما لا يختلفون فيه. بل أظنه هو الذي يميزهم عن سواهم من الملسمين الذين لا يختلفون في فضل علي او الذين لا يختلفون في كونه افضل الصحابة. لكنهم لا يرون ما يراه الشيعة في موضوع الخلافة(٢) .

فتفضيل علي والقول بإنه احق الصحابة بالخلافة اذن هو الأصل الذي يجمع فرق الشيعة. واذا كان هناك من اختلاف بينها، ففيما لا يخرج عن هذا الاصل مما هو طبيعي ومعروف لدى جميع الفرق الاسلامية وغير الاسلامية..

لكنك غذا رجعت الى كتب الفرق والمذاهب. فإنك تجد المؤلفين قد ذهبوا فيما يسمونه فرق الشيعة، مذاهب لا يمكن ان تخطر لك او لغيرك على بال. فأول ما يواجهك منها هذا التباين الكبير في عدد الفرق التي يطلقون عليها اسم الشيعة.

____________________

١- الأشعري في مقالات الإسلاميين والبغدادي في الفرق بين الفرق والأسفراييني في التبصير في الدين وابن حزم في الفصل ونشوان الحميري في الحور العين وخالفهم في ذلك الشهرستاني في الملل والنحل والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين والمقريزي في الخطط.

٢- كمعتزلة بغداد الذين يذهبون في عمومهم الى تفضيل علي على الصحابة كافة لكنهم لا يربطون بين أفضلية علي وبين أحقيته في الخلافة.

٨

كم هو، في ضوء ما قدمنا، عدد الفرق الشيعية، أي الفرق التي يعالجها مؤرخو المذاهب تحت هذا العنوان، فأنا، وللأسف الشديد، لم اصل الى تحديد العدد الذي يتباين، نزولاً وصعوداً من كاتب لآخر ومن كتاب لآخر. هذا ابو الحسن المللطي(١) ارجع اليه في كتابه ( التنبيه والرد ) فأجد العدد لا يتجاوز الإحدى والعشرين فرقة(٢) . واستطلع البغدادي في ( الفرق بين الفرق ) فأجد العدد قد تخطى الثلاثين(٣) وهو كذلك عند الأسفراييني في ( التبصير في الدين)(٤) .وارجع الى الرازي في ( اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) فاجد العدد قد ارتفع الى الأربعين(٥) . واقرأ ( الحور العين ) لنشوان الحميري فأرى الفرق قد بلغت الإحدى والاربعين(٦) .واراجع ابن حزم فأراه قد أدرك الست والخمسين(٧) . وأقرأ مقالات الإسلاميين للأشعري فأجد عدد الفرق قد وصل أو تجاوز العدد عند ابن حزم(٨) . واعد الفرق عند الشهرستاني فأجدها تجاوزت السبعين، وما أظن الشهرستاني وهو مشغول بخلق فرق الشيعة، الا قد نسي الحديث السيئ الصيت عن الفرق الثلاث والسبعين التي يفترق اليها المسلمون، والفرقة الناجية منها. فهو لم يترك لهذه الفرقة مكاناً للنجاة بعد ما بلغت فرق الشيعة وحدها عنده - ودون جميع الفرق المسلمة الأخرى - الثلاث والسبعين او تجاوزها فاستأثرت،

____________________

١- أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي العسقلاني من فقهاء الشافعية له تصانيف منها التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع الذي ننقل عنه كانت ولادته في ملطية ووفاته في عسقلان ٣٧٧ه-.

٢ - برغم أن الملطي يذكر في بداءة بحثه عن الرافضة أن فرقهم ثماني عشرة فرقة إلا أن الفرقة الثامنة عشرة عنده وهي الزيدية يفصلها الى أربع وبإضافة هذه الأربع فرق الى الصامنة عشرة السابقة يكون المجموع إحدى وعشرين فرقة لا ثماني عشرة كما ذكر ص٢٥، ٣٨ لكن الغريب أن الملطي يعود في ص١٤٨ فيقول انهم خمس عشرة فرقة وحين عددناهم وجدناهم هذه المرة قد نقصوا الى اثنتي عشرة فرقة وربما رأى الملطي أن العدد في المرة الأولى قد تجاوز الثلاث والسبعين ولم يبق مكان للفرقة الناجية في حديث الثلاث والسبعين فرقة فاضطر الى إنزال هذا العدد لينسجم مع الرقم الوارد في الحديث المذكور. هذا عن العدد فحسب أما الأخطاء التي يتضمنها كتابه فلنا وقفة طويلة أخرى فما أظن هذا الهامش يمكن أن يستوعب أخطاء صفحة واحدة من كتابه.

٣- أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي العالم الجليل صاحب المصنفات الكثيرة في مختلف الفنون ت في أسفرايين ٤٢٩ ه- من مصنفاته كتاب ( الفرق بين الفرق ) الذي ننقل عنه تصحيح وتحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري.

٤- أبو المظفر شاهفور بن طاهر بن محمد الأسفراييني الشافعي من كبار العلماء في الاصول والفقه والتفسير ت في طوس ٤٧١ه- من مؤلفاته التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين بتعليق الشيخ محمد زاهد الكوثري ونشر السيد عزة العطار القاهر البغدادي في كتابه ( الفرق بين الفرق ) إلا في القليل.

٥- فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن الرازي من أكابر العلماء ألف في شتى الفنون مولده في الري وإليها نسبته ووفاته في هراة ٦٠٦ كتب ونظم باللغتين العربية والفارسية من مؤلفاته اعقادات فرق المسلمين والمشركين مراجعة وتحرير علي سامي النشار نشر مكتبة النهظة المصرية ١٩٣٨ ص٥٢.

٦- أب سعيد نشوان بن سعيد الحميري اليمني امير وعالم باللغة والأدب من أهل اليمن ت ٥٧٣ه- من كتبه الحور العين تحقيق كمال مصطفى طبعة معادة في طهران ١٩٧٢ ص١٥٤ وما بعدها.

٧- أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري المذهب ولد في قرطبة ٣٨٤ه- وتوفي في ليلة من بلاد الأندلس ٤٥٦ه- احد كبار علماء الأندلس له مصنفات كثيرة منها الفصل في الملل والأهواء والنحل بتحقيق الدكتورين محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميره نشر دار الجيل ١٩٨٥ ص٣٥ وما بعدها.

٨- أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري من نسل أبي موسى الأشعري ت ٣٣٠ ه- شيخ أهل السنة ومؤسس المذهب الأشعري كان في بداية أمره معتزلياً ثم انقلب على المعتزلة وحاربهم، له في الكلام مصنفات عديدة منها مقالات الإسلاميين بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ط أولى ج ١ نشر مكتبة النهضة المصرية في القاهرة ١٩٥٠ ص٦٥ وما بعدها.

٩

من غير ان ينتبه طبعاً، بالمكان المخصص للفرقة الثالثة والسبعين الناجية والا لأنقص العدد ونزل به الى حيث تبقى تلك الفرق ضمن الفرق الهالكة(١) ويبقى المكان محجوزاً لا يحله من لا يحمل شارة الفرقة(٧٣) في مكان واضح من جسمه.

بل ان العدد عند المقريزي يتجاوز مجموع الفرق التي رأيناها عند كل الذين سبقوا فهو يصل الى ثلاث مئة فرقة(٢) .

ولا أدري ان كان المقريزي في حالة وعي كامل وهو يحدد هذا الرقم. فما أظن مجموع فرق الأديان كلها، لا المسلمين فقط ولا الشيعة وحدهم من بين المسلمين، يبلغ هذا العدد او يقرب منه.

فهل عرفت سيدي القارئ كم هو عد الفرق الشيعية ؟ وهل تلومني اذا قلت أنني لم اصل بعد الى تحديد دقيق لهذا العدد الذي ينزل ويصعد، تبعاً لموقف المؤلف وهواه. فيبدأ بإحدى وعشرين فرقة لينتهي بثلاثمائة، وكأن الموضوع من التفاهة بحيث نستطيع ان ننقص او نزيد، نلغي او نضيف، ما شئنا من هذه الفرق واليها. لا اننا امام عقائد ومذاهب قد نؤيدها وقد نختلف معها، لكننا لا نستيطع ان نخلقها او نلغيها(٣) .

فاذا تجاوزنا العدد وجدنا ان تصنيف هذه الفرق يختلف كذلك من مؤلف لآخر.

فما هي الاصناف التي عدها آلمؤرخون شيعية ووزعوا بينها فرق الشيعة ؟ هنا ايضا سنواجه الصعوبة نفسها التي واجهناها قبلاً ونحن نحاول الوصول الى عدد الفرق، مع ان تصنيف هذه الفرق ضمن اصناف رئيسية كبيرة يفترض

____________________

١- أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ٤٧٩ه- - ٥٤٨ه- المتكلم والمؤلف المشهور في علم الكلام وأديان الأمم ولد في شهرستان شمال خراسان وإليها نسبته له الكثير من المؤلفات منها المللل والنحل الذي ننقل عنه بتحقيق محمد سيد كيلاني ط أولى نشر دار المعرفة ببيروت ١٩٧٥ ج١ ص١٤٦ وما بعدها.

أما حديث افتراق المسلمين على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون هالكة وواحدة ناجية فتراه باختلاف صيغه يتصدر غالبية كتب الفرق أو الكتب التي تعرضت لها. تجده في التبيه والرد للملطي ص٢٠ والفرق بين الفرق ص٩ والتبصير في الدين ص١٠ والملل والنحل ج١ ص١٣ وشرح مواقف الأيجي للجرجاني ط١٣١١ ه- ج٣ ص٢٨١ وخطط المقريزي ج٤ ص١٦٣ واصول الدين لأبي اليسر البزودي ص٢٤١ وتلبيس ابليس لابن الجوزي ط - بغداد ١٩٨٢ ص٧ فما بعدها.

وقد لعب هذا الحديث - مع الأحاديث المماثلة - دوراً خطيراً في حياة المسلمين وتمزيقهم فكانت كل فرقة تدعي أنها المعنية به وأنها وحدها الناجية دون بقية فرق المسلمين التي تعدها طبعاً فرقاً هالكة.

وأحسب هذا الحديث وراء ما نراه من اضطراب وخلط كبيرين فيما ينقله المؤلفون عن عقائد الفرق الإسلامية وعن أصنافها وعددها.

فيبدو أن كل مؤلف في الفرق أو كاتب عنها كان يضع هذا الحديث أمامه وهو يكتب فيضيف ويحذف وينقل ويوزع ليجمع في الأخير العدد المذكور في الحديث وهو الاثنتان والسبعون فرقة الهالكة دون أي اعتبار لعقائد تلك الفرق والتحري عنها والتأكيد منها.

ولهذا كانت فرق الكيسانية وحدها مثلاً إحدى عشرة عند الأشعري ولم تتجاوز الاثنين عند صاحب الفرق بين الفرق.

ولهذا ايضا جمع الأيجي كل الفرق من غير الغلاة وغير الزيدية وجعل منهم فرقة واحدة تحت اسم الإمامية مع أن تلك الفرق تبلغ عند الأشعري أربعاً وعشرين فرقة تحت اسم الرافضة.

وما كان الأيجي ليلجأ الى هذا فيدمج أربعاً وعشرين فرقة في فرقة واحدة لو لا الحديث المذكور واضطراره للانسجام مع العدد الوارد فيه دون أدنى اهتمام لما يسمى علماً وأمانة وبحثاً.=

١٠

____________________

=بل ان البزودي يذكر أنه رأى ( لمكحول النسفي صاحب اللؤلؤيات تصنيفاً في هذا وجعلهم ستة أصناف... وجعل كل صنف على اثني عشر صنفاً فصاروا اثنين وسبعين ) ( أصول الدين لأبي اليسر محمد بن محمد بن عبد الله البزودي ت ٤٩٦ ه- تحقيق وتقديم الدكتور هانز بيترلنس القاهرة ١٩٦٣ ص٢٤١.

وحسناً فعل مكحول هذا فهو قد أراح نفسه وأراحنا معه من الجمع والطرح واحتمال الزيادة والنقصان في عدد الفرق. لقد كان لديه رقم هو اثنان وسبعون يمثل مجموع الفرق الهالكة في نظره ولا يمكن أن يقسم هذا الرقم بما لا يترك زيادة إلا على ستة. إذن فلتكن هذه الأصناف ستة. يضم كل منها اثنتي عشرة فرقة فيكون حاصل الجمع اثنتين وسبعين فرقة هالكة.

وما فعله مكحول فعله الجرجاني في التعريفات طبع المطبعة الميمنية ص٢٣. وفعله بوضوح وتفصيل أكثر ابن الجوزي في تلبيس ابليس ص١٩ فما بعدها حين خلق تحت كل

صنف من هذه الأصناف الستة اثنتي عشرة فرقة جعل لكل منها اسماً وعقيدة دون أن يقتصر على ذكر العدد الإجمالي لها كما فعل صاحب التعريفات.

هكذا وبهذه البساطة تبحث الفرق الإسلامية وتدرس عقائدها ويعرض تأريخ الإسلام بعد أن تحولت فرق المسلمين وعقائدهم وأفكارهم الى مجرد أرقام لا يهم الباحث منها إلا ما يتعلق بقبولها أو عدم قبولها للقسمة..

ثم ان الفرق الهالكة هي فرق في النار شأنها في ذلك شأن الكفرة في نظر المسلمين فماذا يعني الهلاك غير هذا وليس في الآخرة من مكان ثالث بعد الجنة التي اعدت للمؤمنين والنار التي هيئت للكافرين.

لو كان هناك منازل متعددة غير الجنة والنار وكان الاختلاف يسيراً بينها لجاز أن نتقبل الحديث على أنه لا يعني أكثر من حرمان هذه الفرق من بعض الامتيازات التي كان من الجائز أن تتمتع بها كفرق مسلمة قصرت في بعض واجباتها فقصر في بعض امتيازاتها.

ولكن ما العمل اذا لم يكن هناك، كما قلنا غير الجنة وغير النار ؟ ولم يكن ما يقابلهما غير النجاة وغير الهلاك ولا يمكن طبعاً ان يذهب الناجي والهالك الى المكان نفسه: الى الجنة مثلاً وإلا فلا معنى للهلاك. ولا يمكن ان يذهبا الى النار لأن في ذلك ضلماً للناجي وتسوية له مع الهالك وتناقضاً بين تسميته ناجياً وبين الذهاب به الى النار.

لم يبق إذن إلا أن يذهب كل الى مكانه الذي أُعد له: الناجي الى الجنة والهالك الى النار حيث الكفرة والمشركون.

بل إن الحديث ينص في بعض صيغه المنقولة على دخول النار دون الاقتصار على لفظ الهلاك الذي يعني أيضاً دخول النار وان لم يكن باللفظ نفسه.

فأنا أشهد الشهادتين وأصلي وأصوم وأزكي وأحج ولا أرتكب شيئاً مما حرم الله ثم أدخل النار لأني من فرقة معينة أو لأني لست من فرقة معينة.

أكانت أسماء الفرق والمذاهب قد أضيفت الى أركان الإيمان المعروفة فأصبح المؤمن هو من يجمعها ومن ينتمي بالإضافة إليها لفرقة معينة باسمها ليكون من لم ينتم لتلك الفرقة مثواه النار خالداً فيها مع الكفرة والمشركين بصرف النظر عما أسلف من حسنات حتى لو قضى حياته كلها مصلياً صائماً مجاهداً في سبيل الله وإعلاء كلمة الإسلام ؟

أليست هذه هي النتيجة الوحيدة التي يقودنا إليها هذا الحديث أو في أحسن الحالات إحدى نتيجتين يقودنا إليهما ؟ فالثانية ستكون البقاء في النار مع العصاة وأصحاب الكبائر من المؤمنين ولكن دون تخليد فيها كالكفرة بل المدة التي تتناسب مع المعصية المرتكبة وهي هنا الانتماء أو عدم الانتماء لفرقة معينة.

هذا إذا رضي أصحاب الحديث ان يعاملوا هذه الفرق الاثنتين والسبعين معاملة العصاة الفاسقين لا معاملة الكفرة والمشركين.

ثم كيف يقول الحديث ( ستفترق أمتي... ) يعني أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي المسلمين وقد أخرجت منهم ابتداء تلك الفرق.

وكيف يبحث أصحاب المقالات والمؤلفون هذه الاثنتين والسبعين فرقة ضمن الفرق الإسلامية وهم يعلمون مسبقاً أنهم في النار وحكمهم حكم المشركين والكفار؟

وكيف حددت هذه الفرق على بعد ما بينها في العقيدة والمذهب وجعلت كلها - برغم هذا البعد - في مكان واحد هو النار ؟ وكيف تم تمييز الفرقة الثالثة والسبعين ( الناجية ) ؟ وماذا لو قالت كل فرقة انها هي المعنية بالحديث خصوصاً وان هذا الحديث لم يعين فرقة باسمها ؟=

١١

____________________

=وماذا سنصنع بحديث آخر يرويه مثل رواة الحديث السابق أو أكثر عدداً وهو ( لا تجتمع أمتي على ضلال ) ؟ وقد اجتمعت على الضلال اثنتان وسبعون فرقة من ثلاث وسبعين هي مجموع فرق المسلمين ؟

وحديث ثالث في مثل شهرته يقول ( اختلاف أمتي رحمة ).

وقد رأيت ان اختلافها ادخل اثنتين وسبعين فرقة من ثلاث وسبعين - هي مجموع فرق المسلمين - في النار.

فهل الرحمة الواردة في هذا الحديث تعني الهلاك ودخول النار، كحكم الذين لم يسلموا ولم يعترفوا بنبوة محمد ؟!!

وبمناسبة حديثنا عن هذا ( الحديث ) فإني أرجو ذوي الاختصاص في الديانتين اليهودية والمسيحية إعلامي عن عدد الفرق في كل منهما وهل هو فعلاً إحدى وسبعون فرقة في اليهودية واثنتان وسبعون في المسيحية كما يذكر أصحاب ( الحديث ) ؟ وهل هناك في كل منهما واحدة ناجية فحسب ؟

ولماذا لا يكون افتراق هذه الأديان عن بعضها إلا بزيادة فرقة واحدة ؟ فاحدى وسبعون في اليهودية واثنتان وسبعون في المسيحية وثلاث وسبعون في الإسلام فالاختلاف بينها أو بالأحرى بين اللاحق والسابق منها هو دائما كما ترى بفرقة واحدة زائدة ؟

وأشير هنا الى الشيخ محمد زاهد الكوثري الذي قدم بحثين قيمين عن هذا الحديث في مقدماته لكل من الفرق بين الفرق للبغدادي والتبصير في الدين للأسفراييني وهو ما يستحق عليه أكثر من شكر.

وتجد ثتبنا بمراجع هذا الحديث في هامش ص٢٩٢ من الجزء الثالث من الفصل لابن حزم.

وعلى كل فان هذا الحديث الذي يرويه أكثر الرواة، منقولاً عن النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدته منقولاً عن علي ايضا في الجزء الرابع من تاريخ الطبري ص٤٧٩ والثالث من ابن الأثير ص١١٦ حوادث سنة ٣٦ه- وكان صاحب هذا الحديث هو على نفسه لا النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢- أحمد بن علي بن عبد القادر تقي الدين المقريزي مؤرخ الديار المصرية ولادته ووفاته في القاهرة ٧٦٦ه- - ٨١٥ه- له مصنفات كثيرة خصوصا في التاريخ منها كتاب ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) المعروف بخطط المقريزي نشر الشيخ احمد علي المليجي مطبعة النيل بالقاهرة ١٣٢٥ه- ج٤ ض١٧٣.

٣- فرق الزيدية وحدها تبدأ بثلاث عند البغدادي والأسفراييني والرازي ثم ترتفع الى ست عند الأشعري فثمان كما يذكر المسعودي لتصل الى خمس عشرة عند البرسي في مشارق أنوار اليقين ص٢٥٥.

١٢

الا يثير الصعوبة نفسها ولا الاشكال نفسه. لأننا في هذه الحالة لا نتابع الفرق ذاتها، وهي كثيرة نسبياً، وانما عدداً محدوداً من الأصناف التي تضم تلك الفرق والتي تتحد او تشابه في اصولها العامة.

ولكن حتى هذه الاصناف تبدو وكأنها غير خاضعة لما يميزها عن بعضها ويرسم الحدود بينها. فالفرق تنتقل عبرها كما تشاء، او بالأحرى كما يشاء المؤلف، في سهولة ويسر لا نعرفهما الا عند مؤرخينا سيما عندما يتعرضون لما يخص الشيعة من جليل الأمر وصغيره. فليس هناك منم اعتبار للعقيدة التي يجب ان تكون هي الاساس عند المؤلف وهو يضع ( فرقة ) مكانها من هذا الصنف او ذاك من الأصناف التي سماها المؤلفون شيعية.

فالملطي مثلاً وهو يتحدث عن الرافضة وفرقهم الإحدى والعشرين، يقول انهم يلقبون بالإمامية، ملغياً كل الأصناف الأخرى. فليس لدى هذا المؤلف اذن الإ صنف واحد اسمه الإمامية، جمع فيه كل الفرق التي عدها شيعية على تباعد عقائدها.

ويتفق مع الملطي في وحدة الصف، المقريزي في خططه فهو يطلق اسم ( الروافض ) مكتفياً به عن اسماء الأصناف التي اعتاد المؤلفون ان يرجعوا اليها الفرق الشيعية في نظرهم(١) .

كما يتفق مع الملطي في وحدة الصنف ايضاً، ابن الجوزي في ( تلبيس ابليس ) والجرجاني في ( التعريفات ) فليس عند أي منهما غير صنف واحد لفرق الشيعة تحت اسم ( الرافضة )(٢) .

____________________

١- التنبيه والرد ص٢٥ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٣.

٢- تلبيس إبليس ص٢٢ وتعريفات الجرجاني ص٢٣ ويلاحظ ان ابن الجوزي لا يكتفي بجعل الشيعة فرقة من فرق الرافضة بل يجعل العباسية القائلين ان ( العباس كان أولى بالخلافة من غيره ) وبينهم علي طبعاً من فرق الرافضة فضلا عن فرق جديدة وخلط كبير.

١٣

ونحب ان نشير هنا الى ما فاتنا ذكره من قبل، وهو ان ابن الجوزي والجرجاني يجعلان فرق الرفض اثنتي عشرة فرقة، وهو عدد جديد للفرق الشيعية يخالف ما مر بنا من اعداد سابقة، ويزيد الموضوع غموضاً وتعقيداً، الى غموضه وتعقيده.

وعجبت لم نزل ابن الجوزي والجرجاني بعدد الفرق الشيعية الى اثنتي عشرة، وكان الاتجاه يميل - كما رأينا - الى زيادة العدد كلما تقدمنا في الزمان.

لكن عجبي هذا لم يطل حين وجدت المؤلفين قد وزعا المسلمين، من غير الفرقة الناجية، الى ستة اصناف. فكان عليهما، تحقيقاً للعدل بينها كما أظن ! ان يجعلا تحت كل صنف اثنتي عشرة فرقة دون زيادة او نقص لكي لا يتجاوز مجموع الفرق، الاثنتين والسبعين، فتعتدى بالتالي على حقوق الفرقة التي تحمل الرقم ٧٣.

وربما عدنا الى ابن الجوزي فيما بعد لكن ما يجب تسجيله هنا ان ابن الجوزي يجعل الشيعة فرقة من فرق ( الرافضة ) لا العكس مخالفا في ذلك اجماع المؤرخين.

واعود بعد هذا الاستطراد الى الأشعري الذي يرد الفرق التي يسميها شيعية الى ثلاثة اصناف هي الغالية والرافضة والزيدية.

ويتفق معه في العدد ابن حزم في ( الفصل ) لكنه يضع بدل الرافضة ( الإمامية من الرافضة ) والأسفراييني الذي يجعلها هو الآخر ثلاثة اصناف تحت اسم ( الروافض ) وهي الزيدية والكيسانية والإمامية. اما الفرق التي يسميها

١٤

الغلاة ( فلا يعدون في زمرة الملسمين ) كما يقول ويبحثها في مكان آخر بعدهم(١) .

ويوزع البغدادي والرازي الرافضة على اربعة اصناف هي الزيدية والإمامية والكيسانية والغلاة(٢) .

ويحدد الشهرستاني الأصناف بخمسة هي الكيسانية والزيدية والإمامية والغلاة والإسماعيلية(٣) .

اما صاحب ( الحور العين ) فيخالف السابقين جميعاً، حين يجعل الزيدية كلهم فرقة واحدة، والإمامية، بكل فرقهم بما فيهم الكيسانية فرقة واحدة، مضيفاً اليهم اربع فرق اخرى ثم يبدأ في تفصيل فرق الزيدية والإمامية..

فأنت لا تدري ان كان يتكلم عن اصناف ام عن فرق أم انه يجمع بين الاثنين(٤) .

والاختلاف في عدد الأصناف بين واحد وخمسة أو ستة يستدعي طبعاً، اختلافا آخر في عدد الفرق الداخلية تحت كل صنف.

ولكن هل انتهينا عند هذا الحد من الاختلاف في عدد الفرق، وفي اصنافها، وفيما يضمه كل صنف منها، وهو اختلاف كبير ؟ لا اظن، فحتى لو تسامحنا في ذلك، فإننا سنواجه الاختلاف في اسماء الفرق التي جعلوا منها فرقا شيعية. فهذه الفرقة ليس لها اسم عند هذا المؤلف وفي هذا الكتاب. او لها اسم ولكنه يختلف عن الاسم الذي تجده عند مؤلف آخر كتاب آخر، وهو ما يسد منافذ الرؤية امامك وانت تحاول ان تدرس وتبحث وتحقق.

____________________

١- مقالات الاسلاميين ج١ ص٦٥ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٣٥ والتبصير في الدين ص١٥.

٢ - الفرق بين الفرق ص١٨ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٢.

٣- الملل والنحل ج١ ص١٤٦ - ١٤٧.

٤- الحور العين ص١٥٤.

١٥

فاذا تركت الأسماء، وجدت ان هذه الفرقة الواحدة تتكرر بالاسم نفسه احياناً، في اكثر من صنف من اصناف الفرق الشيعية، وكأنها ليست الفرقة ذاتها هنا وهناك.

فاذا رضيت بذلك، وجدت ان بعض هذه الفرق ليس وراءها اكثر من شخص واحد، وقد يكون مختلفا، هو الذي تحمل اسمه وتنسب اليه، او عدد محدود من الأشخاص لا يسمح مطلقا بأن يؤلفوا فرقة او يبحثوا بوصفهم فرقة.

فاذا قبلت بكل ذلك ادهشك ان غالبية هذه الفرق ( الشيعية ) كما تصنف عادة، لا علاقة لها من قريب او بعيد، بعلي بن ابي طالب الذي يفترض ان اسمها جاء من تشيعها له. وادهشك أكثر، ان من بين هذه الفرق الشيعية، من يبغض علياً ويعاديه. بل وفيها من يكفره، ثم لا يتحرج المؤرخون من مناقشة هذه الفرق وبحثها بوصفها من فرق الشيعة.

أراني قد اطلت عليك الحديث، لكن عذري فيه، انه يتناول قضايا لها من الخطورة بقدر ما لها من الإمتاع، فهو يتناول جانباً مهماً من جوانب الفكر الإسلامي: ذلك الذي يمس عقائد الفرق الإسلامية، ما هو صادق وما هو منحول منها، ونظرة المؤرخين اليها.

على ان حديثي لم يتجاوز حتى الآن، الكلام العام، دون ان يعرض لتلك الفرق وعقائدها، بما يؤكد هذا الكلام ويعززه.

واحسب منم حقك ان تطالبني بذلك، والا فإنني لم أفعل اكثر من اضافة واحد الى هؤلاء الذين انتقدتهم قبل قليل، ولن يكون حديثي فيما انتقدتهم فيه،

١٦

الا ضرباً من اللغو الذي لا يحفل بعقل الإنسان ولا يضيف الى الصورة التي شوهتها أقلام سابقة الا تشويهاً جديداً لم يبق له مكان فيها.

سأحاول اذن ان اتناول فرق الشيعة ومواقف المؤرخين منها، مبتدئاً بما يسمى بفرق ( الرافضة ).

ولكن قبل الفرق ذاتها، أرى من الضروري ان اقف عند مفهوم الرافضة الذي يضم تلك الفرق، ليكون البحث فيها بعد ذاك اوضح واسهل، واقرب الى قواعد المنطق.

ويتصل بالرافضة مفهوم آخر، هو الكيسانية الذي سنبحثه ايضا بعد الفراغ من الرافضة، وقبل البحث في فرقهم، ذلك ان المؤلفين في الفرق والعقائد، كما رأينا وكما سنرى، يجعلون الكيسانية، اصحاب المختار، جزءاً من الرافضة، وفرقهم من فرق الرافضة.

١٧

الرافضة

ماذا يعني لفظ الرافظة وكيف بدأ وما هي الفرق التي يتناولها وما هي عقائدها ؟

تلك هي الاسئلة او القضايا التي سنواجهها ونحن نبحث موضوع ما اصطلح عليه مؤرخو الفرق والمذاهب ب- ( الرافضة ).

الرواية الأكثر تداولاً والأوسع انتشاراً في تسمية الرافضة، هي تلك التي تربط في عمومها، بين هذه التسمية وموقف زيد بن علي من الشيخين ابي بكر وعمر، خلال أحداث ثورته في الكوفة عام ١٢٢ ه-.

وقلت عن الرواية ( في عمومها ) لأن هناك اختلافاً في التفاصيل التي يوردها المؤلفون الذين اخذوا بها، قد يكون من المناسب ان نلم بها ولو مسرعين.

فمن المؤلفين من يذهب الى ان جماعة من رؤساء اصحاب زيد، جاؤوا الى زيد يسألونه رأيه في ابي بكر وعمر، وحين اعلن عن توليهما وعدم براءاته منهما فارقوه ونكثوا بيعته فسماهم زيد رافضة(١) .

____________________

١- تأريخ الطبري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط رابعة نشر درا المعارف بالقاهرة ج٧ ص١٨٠ حوادث سنة ١٢٢، والكامل لأبن الاثير مراجعة الدكتور محمد يوسف الدقاق ط أولى نشر دار الكتب العلمية ببيروت ١٩٨٧ ج٤ ص٤٥٢ حوادث سنة ١٢٢. والفرق بين الفرق ص٢٥ والتبصير في الدين للأسفراييني ص١٨.

١٨

بل ان من هؤلاء من يريد ان يحدد وقت السؤال فيجعله عند اشتداد القتال بين زيد وجيش يوسف(١) .

ومن المؤلفين من يكتفي من ذلك بمنع زيد وإنكاره على من طعن من اصحابه او عسكره في ابي بكر وعمر او في ابي بكر، فرفضه الذين بايعوه وتفرقوا عنه، فقال لهم رفضتموني فكانت التسمية(٢) .

ومنهم من يرى ان الشيعة في الكوفة، حين سمعوا مقالة زيد ورأيه في خلافة ابي بكر وعمر، وعرفوا أنه لا يتبرأ منهما، رفضوه فسموا رافضة(٣) .

اما صاحب الحور العين فيجعل ( الرفض ) متبادلاً بين زيد واصحابه، وان هؤلاء هم الذين بدأوا فقالوا له ( ان برئت منهما - الشيخين - والا رفضناك فأجابهم زيد ( اذهبوا فانكم الرافضة ) بعد ان يورد نشوان حديثاً بالمناسبة عن ( قوم لهم نبز ) يمهد به لعبارة زيد هذه(٤) .

فهؤلاء المؤلفون كلهم - برغم اختلافهم في التفاصيل كما ذكرنا - متفقون على الربط بين موقف زيد من الشيخين، وتسمية الذين فارقوه، بسبب هذا الموقف، بالرافضة.

ولا أدري لماذا تذكرني حادثة زيد مع اهل الكوفة كما تبسطها الرواية، بحادثة سبقتها، ما أظن الذين وضعوا الرواية ورتبوا وقائعها، كانوا بعيدين عنها وعن اشخاصها ووقائعها. فيذكر المؤرخون ان الخوارج الذين كانوا يقاتلون الجيش الاموي في مكة مع عبد الله بن الزبير، جاؤوا الى ابن الزبير يوماً يسألونه رأيه في عثمان - ورأي الخوارج معروف فيه - فقال لهم عبد الله بعد كلام طويل

____________________

١- الفرق بين الفرق والتبصير في الدين الصفحات نفسها اعلاه.

٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص١٣٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص٥٢.

٣- الملل والنحل للشهرستاني ص١٥٥.

٤- الحور العين ص١٨٤- ١٨٥.

١٩

( اني ولي لابن عفان في الدنيا والاخرة وولي اوليائه وعدو اعدائه قالوا فبرئ الله منك يا عدو الله قال فبرئ الله منكم يا اعداء الله)(١) وعند ذاك تركه الخوارج وانصرفوا عنه و ( رفضوه ).

فهل كانت هذه الحادثة ماثلة امام بعض الذين ارخوا لثورة زيد، فانتقلوا بها، بعد حوالي الستين سنة، مع بعض التحوير، لتستقر في الكوفة بدلاً من مكة، وتستبدل بابن الزبير زيداً، وبالخوارج الرافضة، وبعثمان ابا بكر وعمر(٢) .

وعلى كل فان الرواية لا تصلح اصلاً لتسمية الرافضة لأكثر من سبب.

منها ان لفظ ( الرافضة ) اصطلاحاً سياسياً دينياً قد عرف واستعمل قبل ثورة زيد وربما قبل ولادته وهو ما ينسف بشكل قاطع الأساس الذي بنيت عليه الرواية.

فالخليفة الأموي عبد الملك بن مروان المتوفى عام ٨٦ ه- ( قبل ثورة زيد بست وثلاثين سنة ) يقول للفرزدق بعد ان سمع قصيدته الميمية في علي بن الحسين ( او رافضي ايضا انت ) ؟(٣) .

والشعبي المتوفى عام ١٠٣ ه- ( قبل ثورة زيد بحوالي العشرين سنة ) يقول مفصحاً عن كرهه للرافضة ( أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً ) ويقول ايضاً (... أحذرك الأهواء المضلة شرها الرافضة )(٤) .

والمغيرة بن سعيد العجلي المقتول عام ١٩ ه- ( قبل ثورة زيد كذلك ) يزعم انه ( هو الذي سماهم بهذا الاسم - رافضة- )(٥) .

____________________

١- تأريخ الطبري ج٥ حوادث سنة ٦٤ ص٥٦٤ - ٥٦٦ والكامل لابن الأثير ج٣ حوادث سنة ٦٤ ص٤٩٠ ورغبة الأمل من كتاب الكامل لسيد بن علي المرصفي ط أولى مطبعة النهضة بالقاهرة ١٩٢٩ ج٧ ض٢٢١ وما بعدها وهو يجعل السؤال عن الخلفاء الأربعة لا عن عثمان فحسب.

٢- ويروي الطبري حادثة مشابهة أخرى قد لا تكون هي أيضا بعيدة عن فكر الذين اخترعوا رواية (رفض ) زيد وهذه الحادثة حصلت لزعيم الخوارج شبيب بن يزيد الشيباني عام ٧٧ه- ( قبل حادثة زيد ) حين جاءه أحد أصحابه هو مصقلة بن مهلهل الضبي في آخر معركة خاضها شبيب ضد جيش الأمويين قبل أن يموت غرقا في دجيل فقد جاءه مصقلة واخذ بلجام فرسه وسأله ( ما تقول في صالح بن مسرح ؟ - احد زعماء الخوارج قبل شبيب - وبم تشهد عليه قال: أعلى هذه الحال وفي هذه الحزة والحجاج ينظر ؟ قال فبرئ من صالح فقال مصقلة برئ الله منك وفارقوه - مصقلة وأصحابه - الا أربعين فارسا ) تاريخ الطبري ج٦ أحداث سنة ٧٧ ص٢٧٥.

٣- امالي المرتضى تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم دار أحياء الكتب العربية ١٩٥٤ القسم الأول هامش ص٦٨.

٤- عامر بن شراحيل من التابعين خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عام ٨١ - ٨٥ واسر وأطلقه الحجاج واتصل بعبد الملك بن مروان وأصبح نديما له. في وفاته اختلاف بين ١٠٣ه- - ١٠٧ه- أنظر ما جاء عنه بشأن الرافضة في العقد الفريد لابن عبد ربه تحقيق محمد سعيد العريان نشر دار الفكر ج٢ ص٢٢٢ وتهذيب ابن عساكر ج٧ ص١٤٠ وطبقات المعتزلة لأحمد بن يحيى بن المرتضى تحقيق سوسنة ويفلد - فلزر نشر فرانز شتاينر المطبعة الكاثوليكية بيروت ١٩٦١ ص١٣٠ والفرق

المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة لأبي محمد عثمان بن عبد الله بن الحسن العراقي الحنفي تحقيق وتقديم الدكتور يشار قوتلراي أنقرة ١٩٦١ ص٩.

٥- رأس فرقة المغيرية من الغلاة قتله خالد بن عبد الله القسري والي العراق في زمن هشام بن عبد الملك عام ١١٩.

٢٠