• البداية
  • السابق
  • 185 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27337 / تحميل: 6337
الحجم الحجم الحجم
تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

مؤلف:
العربية

ليس هذا، كما أظن، فلقد تعرض الشيعة لأشد وأقسى مما تعرض له المعتزلة وتعرض الخوارج، كذلك، لأشد وأقسى مما تعرض له المعتزلة فلم يثر اسم الأولين، ولا اسم الآخرين الصعوبة التي أثارها اسم المعتزلة.

لماذا ؟ لأن اسم أولئك وهؤلاء، قد ارتبط بشخص معين متشيعين له، أو خارجين عليه، هو علي بن أبي طالب.

ولم يثر اسم الجهمية أية صعوبة للسبب نفسه.

ولم يثر اسم السنة والجماعة لارتباطه بواقعة معينة وبتاريخ معين.

وأعود إلى النقطة التي بدأت حديثي منها: هل سنقف إذن عند هذه النتيجة التي لا تتجاوز في أفضل الحالات دائرة الشكوك ونحن نبحث تسمية فرقة كانت في وقت ما، ذات شأن كبير في تاريخنا الإسلامي ؟ وهل استنفدت جميع الوسائل للوصول إلى رأي مقبول في هذه القضية أليس هناك ما يمكن أن يقدمه البحث بديلا لما رفضنا من آراء فيها ؟

يلوح لي ان رأيا سأبسطه هنا، قد يستطيع ان يكون ذلك البديل المقبول أو الاقرب إلى المقبول.

وأرجو ألا يستغرب القارئ، إذا قلت له إن هذا الرأي يعتمد أساسا له اعتزال واصل مجلس الحسن البصري، وهو الرأي الذي سبق أن رفضته كتفسير لتسمية المعتزلة إذن كيف أعود إلى رأي رفضته أنا قبل قليل لأقدمه الآن كاختيار لي ؟ أليس في هذا من التناقض، ما يمنع في أحسن

٦١

الفروض، من الأخذ بهما أو اطراحهما ورفضهما معاً، أم كنت أعبث بالقارئ ووقته، فأنكر هناك ما أتبناه هنا.

لا شيء من هذا ولا ذاك مطلقا، فقد قلت وأنا أناقش الرواية التي تنسب اعتزال واصل إلى السؤال عن مرتكب الكبيرة في مجلس الحسن، أنني أرفض هذه الرواية بالصيغة التي وردت بها، وكان هذا تحفظي عليها، فأنا لم أرفض الواقعة في ذاتها، ولا التسمية التي ارتبطت بها، إنما رفضت هناك، وارفض هنا الأسباب التي تسوقها الرواية تفسيرا للواقعة.

أنا أتفق مع الرواية في قولها باعتزال واصل مجلس الحسن، وفي أن تسمية المعتزلة جاءت من هذا الاعتزال، لكني أختلف معها فيما وراء ذلك في الأسباب التي دفعت واصلا إلى ترك مجلس الحسن واعتزاله فلست من السذاجة بالدرجة التي أقبل معها، أن شخصا ما سأل الحسن البصري عن مرتكب الكبيرة، فانبرى له واصل بالإجابة دون انتظار رد الحسن، ثم.ثم قام واصل من وقته واعتزل الحسن ومجلسه، ليؤسس مجلسا جديدا.

أن هذا التفسير، لا أحسن الظن به كثيراً ولا قليلاً، وهو إلى العبث أقرب منه إلى الجد، في موضوع لا يحتمل العبث ولا يصلح له.

ولقد أوضحت أسباب رفضي هناك، بشيء من التفصيل، فلا حاجة إلى الخوض فيها من جديد هنا.

٦٢

واختلف مع الرواية الأخرى، التي تقوم هي أيضا على اعتزال واصل مجلس الحسن، ولكنها تعزو الاعتزال إلى طرد واصل من قبل الحسن بعد قوله الخاص في مرتكب الكبيرة، مع أن هذه القضية لم تكن - كما أتصور - الوحيدة التي طرحت وبحثت في مجلس الحسن، ولا الوحيدة التي وقع فيها الاختلاف، فيمكن الافتراض أن قضايا كثيرة كانت تطرح للبحث والمناقشة في ذلك المجلس، فتتفق الآراء، أو تختلف حسب طبيعة القضية واجتهادات المناقشين واتجاهاتهم دون أن يدفع ذلك إلى اعتزال أو إلى ما هو دونه، وإلا لما اجتمع اثنان في حلقة درس.

أنا أقبل الروايتين إذن في جزء منهما، أقبلهما فيما يتعلق باعتزال واصل مجلس الحسن، واعتبار هذا الاعتزال أساسا للتسمية، ولكني أفضهما فيما تقدمانه من أسباب لذلك الاعتزال.

يبقى الآن أن أسبب - كما يقول رجال القانون - موقفي هذا، فليس أسهل ولا أبعد عن العملية التي حاولت الالتزام بها من أن أقول ان هذا هو اختياري، ثم ألقي العبء على القارئ وأستريح، ليس هذا فعل من يريد أن يكون صادقا مع نفسه، أمينا لقيم العلم.

يبقى إذن الأصعب في مهمتي كما أظن، لان تفسير الحدث بعد وقوعه قد يكون أحيانا أصعب الأمرين، فكيف بحدث مرت عليه قرون وقرون تنازعت فيه أطراف كثيرة واختلفت أطراف كثيرة بين متعصب في الانتصار له وبين مسرف في الإنكار عليه.

٦٣

لقد مر على ميلاد المعتزلة أكثر من ثلاثة عشر قرنا، لم يتفق مؤرخو المذاهب الإسلامية على تفسير واحد لتسميتهم منذ أقرب العهود بنشأتهم وحتى اليوم.

فبين اعتزال ما اتفقت عليه الأمة، وبين اعتزال ما اختلفت فيه، هوة واسعة لا يمكن ردمها أو تجاوزها.

وبين اعتزال المتحاربين من أصحاب النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتزال مجلس الحسن البصري، هوة أخرى لا يمكن ردمها أو تجاوزها.

ولهذا فأنا لا أنشد اليقين في هذه المسألة، ولا في كثير غيرها من مسائل التاريخ الإسلامي الذي لعبت فيه وما تزال عوامل جعلت الوصول إلى اليقين، أو ما هو قريب منه، أمرا في غاية العسر.

يكفيني أن أطرح رأيا أراه الأقرب إلى القبول من بين آراء مطروحة في موضوع ما يزال قابلا للبحث والوصول إلى نتائج جديدة فيه وسأكون سعيدا لو كشف البحث يوما ما هو أفضل وأولى بالقبول.

لعلي أثقلت على القارئ، وأخذت الكثير من وقته في مقدمة عذري فيها، أنها قد تكون ضرورية، وأنا أحاول أن أتبنى رأيا أو بالأحرى نصف رأي وان أقيمه على أساس جديد غير الذي كان قائما عليه.

والآن أصل إلى السؤال الذي يمثل التكملة الطبيعية لما بدأت به: ما الذي يدعوني إلى تبني الذي يقوم على اعتزال واصل مجلس

٦٤

الحسن كأساس لتسمية المعتزلة ؟ أقوة في هذا الرأي، أم ضعف في الآراء الأخرى ؟

يبدو أن الأمرين معا قد حددا اختياري ودفعاني إلى الأخذ بهذا الرأي، وتفضيله على سواه.

فأنا لم أجد فيما استعرضت معك، من آراء ما يمكن الاطمئنان إليه، فالمطلي ينطلق من خلط غريب بين اعتزال أنصار علي بعد بيعة الحسن لمعاوية، وبين المعتزلة: الفرقة الدينية، موضوع بحثنا ويجمع الاثنين تحت هذه التسمية، وقد ناقشنا رأيه في موضعه هناك، ولم أجد فيه ما يصلح أن يكون مقنعا أو قريبا من الإقناع للتسمية، غير خلط - كما قلت - غريب وغير رؤية ن ان لم يشبها الكثير من التعصب، فقد شابها الكثير من عدم الدقة وعدم الوضوح.

وتسمية المعتزلة باعتزال ما أجمعت عليه الأمة، كما يتهمهم المتعصبون من خصومهم، ينقضها أن الأمة لم تكن مجتمعة على رأي واحد في شأن مرتكب الكبيرة ليجوز القول برفضه واعتزاله ولقد ناقشنا هذه الدعوى فيما سبق، ولن نحتاج إلى إعادة ما قلناه هناك.

كما إننا لا نستطيع الأخذ بقول المعتزلة في أن تسميتهم جاءت من اعتزالهم ما اختلفت فيه الأمة، لأنه قول لا يدعمه دليل، فدعوى اعتزال المختلف فيه ليست بأقوى من دعوى خصومهم باعتزال المجمع عليه فتتكافأ الحجتان ولا تترجح أحداهما على الأخرى.

٦٥

ثم ان أسماء الفرق والمذاهب الإسلامية، لم تأت من مفهوم مبهم واسع كاعتزال ما اختلفت فيه الأمة، فهذا كلام لا يقول شيئاً، لأنه يقول كل شيء، فهو أو مثله لا يصلح أن يكون علما على فرقة أو مذهب، وليس مذهب أولى بادعائه والانتساب إليه من مذهب آخر.

أية فرقة أو مذهب يرضى أن يكون اسمه مشتقا من موقف غاية في السعة والغموض والإبهام إلى الحد الذي لا يمثل شيئاً، بل إلى الحد الذي يمكن ان يستخدم ضده، كما هي الحال بالنسبة للمعتزلة.

ولا أحسبني متجنبا على المعتزلة، ولا بعيدا عن المنطق، إذا قلت ان فكرة اعتزال ما اختلفت فيه الأمة وتمسك المعتزلة بها، واتخاذها أساسا لتفسير الاسم، كل ذاك قد جاء متأخرا بعد أن صار هذا الاسم علما عليهم لا يستطيعون تغييره، وبعد ما أخذ خصومهم ينبزونهم به، باعتباره اعتزالا لما اتفقت عليه الأمة.

هنا فكر المعتزلة في استخدام نفس السلاح ودفع الحَجة بمثلها في الرد على الخصوم فلماذا اعتزال ما اجتمعت عليه الأمة، وليس اعتزال ما اختلفت فيه، مادام اللفظ قابلا للمعنيين غير مختص بواحد منهما، ولماذا اختلفت فيه، مادام اللفظ قابلا للمعنيين غير مختص بواحد منهما، ولماذا يترك المعتزلة لخصومهم سلاحا يستطيعون هم ان يستعملوه بنفس الحذق والمهارة ودون ان يتكلفوا فيه أكثر من إحلال لفظ محل لفظ.

ثم نقطة أخرى اعرضها هنا، بكل تواضع، فأنا وفي حدود علمي لم أجد الفعل ( اعتزل ) مستعملا في غير المعاني الحسية، فقد جاء في كلام

٦٦

العرب ( اعتزل ) القوم و ( اعتزل ) مجلسهم أو حربهم، ولكني لم أسمع ( اعتزل ) رأي فلان أو فكره أو ( اعتزل ) إجماع الأمة، إنما المستعمل في هذا المعنى أفعال أخرى ك- ( هجر ) أو ( ترك ) أو ( رفض ) . الخ ويكفي ان القرآن قد استعمل لفظ ( اعتزل ) في سبعة مواضع ليس بينها إلا الاعتزال بمعنى اعتزال الأشخاص(١) فكيف جرى استعمال اللفظ بهذا المعنى الذهني، إذا جاز التعبير، من خصوم المعتزلة ومن المعتزلة أنفسهم

بعد هذا العرض لا أستطيع بغير العناد للحق، إلا أن أرفض جميع تلك الآراء، فهي في نظري أضعف من أن تصلح أساسا للتسمية.

وعلي الآن أن أعرض الرأي الذي اخترته، وأنا لا أزعم انه الحق الذي لا يقبل نقضا ولكنه بالقياس إلى الآراء الأخرى يمثل عندي أفضلها وأجدرها بالاختيار وأقربها إلى ما هو معروف من أسماء الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى التي ارتبطت أسماؤها بأشخاص معينين أو بوقائع و مواقف معينة، فالشيعة وأهل السنة والجماعة والخوارج وباقي الفرق والمذاهب الإسلامية في الأصول والفروع، كالجعفرية والاشعرية والزيدية والحنفية والشافعية الخ، كل هؤلاء قد جرت أسماؤهم على هذه القاعدة، وتحددت بواحد مما ذكرنا، فلماذا يكون المعتزلة وحدهم خارجين عليها ليذهب اسمهم بعيدا وبعيدا جدا في السعة والإبهام حتى ( اعتزال ما اتفقت أو ما اختلفت فيه الأمة ).

____________________

(١) سورة البقرة ٢٢٢ والنساء ٩٠، ٩١ والكهف ١٦ ومريم ٤٨، ٤٩، والدخان ٢١.

٦٧

إن واقعة اعتزال واصل مجلس الحسن، واقعة محددة واضحة لا تختلف في شيء عن طبيعة الوقائع التي حددت أسماء الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى، ولهذا فأنا أراها أليق بان تكون التفسير المنشود لاسم المعتزلة خصوصا وان هذه الواقعة تكاد تكون الأكثر شيوعا وانتشارا ان لم تكن أكثرها فعلا.

يضاف إلى هذا أن جميع الذين أرخوا للحسن ولواصل لم ينكروا علاقة واصل واتصاله بالحسن وحضوره مجلسه ثم اختلافه معه بعد ذاك واعتزاله له.

فاعتزال واصل كما أرى، هو الذي يفسر لنا اسم المعتزلة: لا اعتزال أنصار علي ولا اعتزال ما اجتمعت أو ما اختلفت فيه الأمة الذي لا يحدد ولا يقول شيئا.

هذا هو النصف الذي أتفق فيه مع الروايتين واقبله منهما، وهو النصف المتعلق بالواقعة ذاتها.

أما النصف الآخر المتصل بأسباب اعتزال واصل، فقد أعلنت رفضي له من قبل وبينت أسبابه بالتفصيل هناك، وقلت بالنسبة للأولى منهما: ان هذه الرواية بالصورة التي وردت بها، تبدو عاجزة تمام العجز عن تقديم سبب واحد معقول لاعتزال واصل مجلس الحسن: عاجزة عن تفسير السؤال، وعاجزة عن تفسير موقف واصل في تصديه للسائل، وعاجزة - وهذا هو الأهم - عن تفسير اعتزال واصل مجلس الحسن بعد ذاك إنها

٦٨

تقوم على فصل كامل بين المواقف، وكأنك أمام مسرحية لم يحسن تأليفها وإخراجها، لا مواقف إنسانية يرتبط بعضها ببعض، ويفسر بعضها بعضا.

وقلت بالنسبة للثانية، ان اختلاف الرأي في قضية وهو أمر مشروع لا يمكن أن يبلغ اعتزالا، وإلا لما عرضت قضية ولا كان مجلس ولا درس.

بعد هذه النتيجة التي وصلتها في رفض الأسباب التي تسوقها الروايتان تفسيرا لاعتزال واصل مجلس الحسن، ما هو إذن السبب أو الأسباب التي أراها لتفسير هذه الواقعة.

ولن أطيل هنا فقد أطلت في بداية هذا الحديث، لان ذلك كان ضروريا، لإيضاح موقفي الذي انتهيت إليه، فلأبسط رأيي سريعا في هذه الأسباب مؤكدا مرة أخرى، أن هذا رأي أراه سيسعدني أن يجده القارئ خليقا بالقبول، وسيسعدني أكثر أن يحفزه إلى مزيد من البحث، والوصول في ذلك إلى ما هو أفضل وأكثر قبولا، فالحق أردت فيما قصدت وفيما كتبت.

إن هذا الرأي يقوم، في نظري على أن اعتزال واصل مجلس الحسن قد سبقه اعتزال من نوع آخر، اعتزال ذهني أو روحي، استغرق فترة ربما كانت طويلة، قبل أن ينتهي بترك واصل مجلس أستاذه الشيخ ومفارقته له، فالاعتزال هنا كان خاتمة طبيعية لتطور عميق مستمر في علاقات الرجلين، لا فعلاً معزولاً جاء أثر سؤال لم ينتظر فيه واصل جواب أستاذه، ولم يتبين حتى مواضع اتفاقه أو اختلافه فيه، أو لرأي رآه واصل

٦٩

في حكم مرتكب الكبيرة خالف فيه الآخرين، والحسن نفسه خالفهم قبله حين أعتبر مرتكب الكبيرة منافقا.

لقد كان الحسن شخصية قوية نافذة، وكان مجلسه أو حلقته من الحلقات المشهورة في البصرة، ولا بد أن قضايا كثيرة مما كان يشغل الناس في ذلك العهد كانت تطرح للبحث والمناقشة، وان آراء المشاركين في الحلقة - ومنهم واصل - كانت تتباين بشأنها وتختلف سواء فيما بينهم وبين بعضهم، أم فيما بينهم وبين الشيخ الأستاذ، إذ كانت الحلقة منبرا حرا يستطيع الحاضرون عن طريقه أن يناقشوا ما يشاؤون ويبدوا ما يشاؤون فيما يعرض لهم دون أن يملي عليهم فيه رأي، إلا ما كانوا يقتنعون بصوابه، ودون ان يكون الاختلاف في هذا الرأي موجبا لترك الحلقة واعتزالها.

فليس في الأسباب التي تسوقها الروايتان، إذن ما يمكن أن يبرر اعتزال واصل ويفسره.

هذا ما لا أشك فيه، وهو ما دعاني إلى رفض أحد شطريهما، ولكن ما لا أشك فيه أيضاً، هو أن الخلاف بين واصل يؤيده عدد من أنصاره في الحلقة وبين الحسن والكثرة من طلابه وأتباعه، قد بلغ من العمق حدا وجد واصل نفسه وقد ابتعد عن الحسن لا في هذه القضية أو تلك فقط، فليس لذلك من الأهمية ما يدفعه إلى مفارقة الشيخ أو ما يدفع الشيخ ان يطلب منه اعتزال مجلسه، ولكن في الخط العام لهما، فكراً وعقيدة فكان عليه، وقد بلغ الخلاف هذا الحد أن يترك الحلقة ويعتزلها مكرهاً أو مختاراً.

٧٠

هذا هو منطق الأشياء: فراق لا بد منه بعد خلاف طويل، هو ما وقع لواصل وما يقع لغير واصل، لو تهيأت نفس الظروف سواء كان هناك سؤال عن مرتكب الكبيرة أم لم يكن، وسواء خالف واصل برأي فيها أم لم يخالف، فمن الغفلة أن يعطى لهذه المسألة وحدها كل الأهمية وكل النتائج التي ترتبت عليها.

وقد يؤكد ما نذهب إليه، أن واصلاً لم يترك حلقة الحسن حين تركها وحده، وإنما تعبه آخرون هم أنصاره ومؤيدوه فيها، وهذا يعني أن واصلاً قد بلغ عند ذاك من استقلال الرأي والابتعاد عن الحسن ما يتجاوز مجرد الاختلاف حول المسألة أو مسائل محددة مما كان مثار بحث في تلك الأيام، وان عددا من زملائه ورفاقه في الحلقة قد انحازوا إليه وتبنوا آراءه، وألفوا معه داخلها ما يمكن أن نسميه اليوم كتلة مستقلة، لها خطها الفكري الخاص ولها قيادتها الخاصة المتمثلة بواصل، ولم يكن يعوزها للإعلان عن نفسها ككيان مستقل إلا خطورة أخيرة خطوها حين تركوا حلقة الحسن واعتزلوها نهائيا، ليؤلفوا مذهبا جديدا هو الذي عرف فيما بعد باسم ( المعتزلة ).

فهذا، وهذا وحده في نظري هو الذي يفسر موقف هؤلاء في اعتزالهم حلقة الحسن والتحاقهم بواصل أثر اعتزاله لها، إذ ما الذي يدعوهم إلى ترك الحسن على جلالة قدره، واعتزاله والانضمام إلى واصل لو أن الأمر اقتصر على مجرد اختلاف في الرأي بين الحسن وبين واصل

٧١

حول مسألة مرتكب الكبيرة، وموقف الحسن فيها معروف من قبل لهم ولواصل، ولم يدفعهم ذلك إلى ترك الحسن واعتزال مجلسه.

ألا يعني هذا انه كان هناك اتجاه أو خط فكري واحد جمع هؤلاء بواصل، وكان أقوى عندهم من علاقتهم بالحسن وحرصهم على دوامها.

وقد يؤكد ذلك أيضا، أن واصلاً قد بدأ بعد اعتزاله حلقة الحسن في إرساء دعائم مذهبه الجديد وتحديد ملامحه بما يميزه عن الفرق والمذاهب الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك، وانه أرسل البعوث من أصحابه للتبشير بمذهبه والدعوة له والوصول به إلى كافة أقطار العالم الإسلامي.

لقد كان مذهب إسلامي كامل في طريقه لأن يقوم فهل أستطيع أن اقتنع الآن بان واصلا ما ترك مجلس الحسن، ولا اتخذ مجلسا خاصا به، ولا تبعه المؤيدون والأنصار، إلا ليقرر أن مرتكب الكبيرة هو في الآخرة بمنزلة بين منزلتي المؤمن والكافر.

وانه لم يرسل البعوث إلى أقطار الإسلام إلا لتحديد مثوى هذا البائس بينهما.

أما أنا فقد أوضحت رأيي مقتنعا به مطمئنا إليه، ولك بعد أن تتفق معي فيه أو تختلف و ( تعتزلني ) و (تعتزله)، فذلك حق لك، لن أضع قيدا عليه.

٧٢

الفصل الثاني

في الكبيرة والفاسق والمنزلة بين المنزلتين

في الفصل السابق كان الحديث يدور كله تقريبا على محاور ثلاثة، تتمثل في مصطلحات ثلاثة، هي الكبيرة والفاسق والمنزلة بين المنزلتين، وقد آن لنا أن نلم بهذه المصطلحات، مبتدئين بالكبيرة التي كان الاختلاف في الحكم على مرتكبها، في نظر طائفة كبيرة من مؤرخي المذاهب، سببا في اعتزال واصل وقيام المعتزلة كفرقة دينية متميزة.

فما هي الكبيرة اصطلاحا، وما هي الظروف التي أثيرت فهيا كقضية، وهل كانت تعكس عند ذاك موقفا سياسيا، وفي أي اتجاه ؟

هذه وغيرها من المسائل، هي التي سنناقشها في هذا الفصل، إذ أن الإجابة عليها قد تسهم في تفسير مواقف المعتزلة من عدد من الأمور التي كانت مثار نزاع بين مختلف الفرق الإسلامية ومن هنا تبرز أهميتها، ومن هنا تأتي محاولاتنا للوصول الى رأي فيها.

ولنبدأ بأولى هذه المسائل واصلها الذي تفرعت عنه، وهي المتعلقة بالكبيرة كمصطلح لعب دورا في الحياة الإسلامية.

فماذا يعني هذا المصطلح على وجه التحديد ؟

٧٣

لقد ورد اللفظ في القرآن بصيغة المفرد ( كبيرة ) وبصيغة الجمع ( كبائر ) في أكثر من سورة(١) ، وتناوله المفسرون وأصحاب المقالات منذ تاريخ بعيد ومع ذاك فإننا لا نملك عنه حتى الآن غير صورة مشوشة و معنى غير واضح ولا دقيق، تستطيع أن تكونه أنت لنفسك، كما أستطيع أن أصوغه أنا لنفسي دون قيد إلا ما يفرضه هذا المعنى العام للفظ.

والكتب التي بين أيدينا خير شاهد على ذاك، فهي لا تتفق على تعريف الكبيرة يلم شتاتها وينظم مفرداتها كما هو الشأن في المصطلحات الدينية الأخرى، فالكبيرة عند بعضهم ( كل معصية فيها حد من الحدود ) وعند بعضهم الآخر ( ما أصر عليه العبد من المعاصي ) أو ( ما كان حراما لعينه ) وعند غيرهم ( ما كان من المعاصي شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله وهتك الدين أو توعد الله أو رسوله فاعلها ) أو ( كل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده أو عظّم ضرره في الوجود ) وعند آخرين ( كل ما أوعد الله عليه بالنار ) أو ( كل ما يشعر بالاستهانة بالدين وعدم الاكتراث به )(٢) .

وإذا كان المسلمون قد أختلفوا في تحديد الكبيرة عن طريق تعريفها كما رأينا، فإنهم أختلفوا أيضا في تحديدها عن طريق تعداد ما يعتبر من الكبائر، فذهبوا بين من نزل بها الى الثلاث أو الأربع وبين من صعد بها الى ما يقارب السبعمائة.

ويبدو أن السبب في كل هذا الاختلاف، يرجع من جهة الى أن المسلمين في الصدر الأول للإسلام لم يكونوا قد وصلوا بعد الى صياغة

____________________

(١) البقرة ٤٥، ١٤٣، والنساء ٣١ والتوبة ١٢١ والكهف ٤٩ والشورى ٣٧ والنجم ٣٢.

(٢) كتاب الكبائر للذهبي ط مكتبة النقاء ببغداد ص٦، ٧ و ( عقوبة أهل الكبائر ) لأبي الليث السمرقندي ت ٣٧٣ المقدمة بقلم محققه مصطفى عبد القادر عطا نشر مكتبة الشرق الجديد ببغداد ومقدمة كتاب ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) لابن حجر ط أولى ١٣٢٥ ه- ص٣ وما بعدها وتفسير القرطبي دار الكتاب المصرية ١٩٣٧ ج٥ ص١٥٨ وما بعدها ومواهب الرحمن في تفسير القرآن للسيد عبد الأعلى السبزواري مطبعة الآداب في النجف ج٨ ص١٤١ - ١٤٨ و ١٥١ - ١٥٨.

٧٤

تعريف للكبيرة يجنبهم ويجنب من بعدهم الاختلاف فيها وفي الحكم على مرتكبها، وإنما كانوا يناقشون وقائع جزئية مما يعتبرونه كذلك فمرحلة الأبنية العقلية كانت تبدو مرحلة متقدمة بالقياس الى ذلك العهد، ولم يبلغها المسلمون إلا في زمن تالٍ.

كما يرجع من جهة ثانية إلى أن الكبيرة من المفاهيم التي يصعب تحديدها انك تستطيع أن تعرف، وبسهولة، هذه الكبيرة أو تلك من الكبائر: القتل أو السرقة أو الزنا ولكنك ما أن تحاول صياغة تعريف للكبيرة كمفهوم، حتى تستشعر العجز ذلك أن المعاصي والآثام التي تنطوي تحت هذا المفهوم من الكثرة والاختلاف بحيث لا يمكن أن يضمها تعريف تطمئن إليه، كما ظهر لك من تعدد التعاريف وتباينها، وهذا ما دفع أحد أعلام الإمامية المعاصرين الى القول ( ان اختلاف العلماء في تعريف الكبائر وتعيينها لا يرجى زواله . )(١) .

على ان هذا الاختلاف في تعريف الكبيرة لم يمنع الفرق الإسلامية قبل المعتزلة، من تحديد مواقفها منها كل حسبما أداه إليه اجتهاده وما أملته عليه ظروفه، فقد سارع الخوارج في غالبيتهم وبتفصيل لا يغير كثيرا في الصورة، الى تكفير مرتكبي الكبائر واعتبار أصحابها مخلدين في النار، مخالفين في ذلك جميع المسلمين.

ورد المرجئة بتصحيح إيمان المسلم مهما كانت ذنوبه، ما لم تبلغ الكفر وذهب جمهور المسلمين سنة وشيعة ( إمامية ) الى اعتبار صاحب الكبيرة مؤمنا لكنه فاسق بكبيرته.

____________________

(١) هو السيد عبد الاعلى الموسوي السبزواري صاحب ( مواهب الرحمن في تفسير القرآن ) الذي أشرنا إليه قبل قليل انظر ج٨ ص١٥٤.

٧٥

وقضي الحسن البصري بنفاقه(١) .

وأعتذر للقارئ من استطراد يجرني إليه هذا الحديث عن مواقف الفرق والمذاهب الإسلامية من مرتكب الكبيرة فمن بين هذه المواقف والأسماء التي أطلقتها تلك الفرق والمذاهب عليه، يستوقفني رأي الحسن البصري وإطلاقه اسم المنافق على مرتكب الكبيرة، مع بعد ما بين الاثنين ويستوقفني أكثر ان هذا الاسم لم يثر أي اهتمام لدى المؤلفين الذين لم يتجاوزوا صيغته اللفظية، ولم يفكروا فيما يمكن ان يكون الحسن قد قصده وأراد الوصول إليه من اختياره له.

لقد مر به هؤلاء المؤلفون معجلين، فمنهم من أورده كما جاءت به الرواية دون مناقشة أو بحث، ومنهم من سارع الى نقده وتفنيده، متصورا ان الحسن أخطأ في تسمية مرتكب الكبيرة بالمنافق، لأن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويعلن الإسلام وهو شر من الكافر.

وقصر أولئك فلم يناقشوا ولم يجهدوا، وأخطأ هؤلاء فلم يوفقوا ولم يصيبوا، فما كان الحسن ليجهل ان المنافق هو الذي يسر الكفر ويعلن الإسلام وهو شر على المسلمين من الكافر المعلن لكفره فهل أراد الحسن شيئاً آخر غير ما فهمه المؤلفون، حين ربط بين ارتكاب الكبيرة وبين النفاق ؟ هل أراد ان يسم بالنفاق جهة محددة يتهمهما بارتكاب الكبائر ؟ ربما كان ذاك وأراني مضطرا هنا للجوء الى ( ربما ) والاتكاء عليها، فأنا لا أملك الدليل على ما أقول، وإنما هو رأي أراه، أخطئ فيه أو أصيب، فاشتراط الإصابة في بحث كهذا قد يمنع من الكتابة فيه، لأنها كتابة عن ماض

____________________

(١) تقدمت مواقف الفرق من مرتكب الكبيرة في الفصل السابق.

٧٦

تضافرت عوامل كثيرة، ما هو مقصود وما هو غير مقصود، على تشويه صورته عبر قرون طويلة.

والآن من هي الجهة التي قد يكون الحسن عناها وأرداها حين ربط بين ارتكاب الكبيرة وبين النفاق ؟ هل هو المسلم العادي ؟ هل هم الخوارج، أم المرجئة، أم جهة أخرى غير أولئك وهؤلاء ؟

أستبعد أولا أن يكون الحسن قد أراد بالمنافق المسلم العادي المرتكب للكبيرة، فقد يسمى هذا مسلما فاسقا بإضافة الفسق إليه، وهو اسمه لدى جمهور المسلمين من السنة والشيعة، أو كافرا كما هو اسمه عند الخوارج، أو غير ذلك من الأسماء، لكن من غير الجائز ان يسمى منافقا لأن النفاق لا يصدق عليه لغة ولا دينا، ولا يمكن أن يكون هذا بعيدا عن الحسن، لأنه لا يمكن أن يكون بعيدا عمن هو دون الحسن معرفة باللغة وبالدين.

وكما استبعدت المسلم العادي، فما أظنني سأعدو رأي الحسن إذا أنا استبعدت الخوارج مما أراد بالاسم، فما كان هؤلاء منافقين في دينهم، ولا مداهنين في عقيدتهم لقد كانوا مصحرين واضحين فيما يؤمنون فتهمة النفاق لا تتجه إليهم ولا تصدق عليهم.

ثم أن الحسن لم يسمع عنه انه سمى الخوارج منافقين، مع انهم قد ارتكبوا الكبائر بقتالهم المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم، قريبا منه وفي مدينة البصرة وكان يفترض ان يدعوهم بالمنافقين، التزاما منه بالاسم الذي عرف به مرتكب الكبيرة.

٧٧

كذلك لا أظن الحسن كان يريد المرجئة برأيه ذاك، فليس فيما يقوله المرجئة، من عدم عد العمل جزءاً من الإيمان الذي لا تضر معه معصية، ما يمكن ان يسمى نفاقاً وصاحبه منافقاً، وهو بتأخيره العمل وعدم عده من الإيمان، يجيز ضمنا ارتكاب الكبيرة ومن أجاز فعلاً ثم أتاه فلا يسمى منافقاً.

قد تنكر تشدد الخوارج وتسامح المرجئة، وقد تنقم على أولئك ما أزهقوا من أرواح وما أسالوا من دماء، وتنعى على هؤلاء ما أباحوا من حرمات حين أطمعوا الفساق في عفو الله(١) ، لكنك لا تستطيع أن تنعتهما بما هو بعيد عنهما وما ليس من مذهبهما.

ماذا بقي إذن ممن يجوز أن يكون الحسن قد قصده في تسميته بالمنافق غير السلطة القائمة آنذاك.

فهل أراد الحسن هذه السلطة وعناها، حين ربط بين ارتكاب الكبيرة وبين النفاق ؟

أما أنا فأميل الى هذا الرأي وأرجحه، ولك أنت أن تأخذ به وان ترفضه، ما دمت لا أملك الدليل عليه، وما دام ميلي وترجيحي لا يصلحان دليلا ولا يعوضان عن دليل، وليس لدي في الموضوع إلا ( ربما ) التي أتوكأ عليها.

وأصل أخيرا الى النقطة التي أنهي بها الحديث عن الكبيرة، وهي المتعلقة بطبيعة الاختلاف حول مرتكبها وهل كان يعكس موقفا سياسيا للفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة فيه.

____________________

(١) والقول منسوب لزيد بن علي انظر فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة لقاضي القضاة تحقيق فؤاد سيد - الدار التونسية للنشر ١٩٧٤ ص٢٢٨ وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص١٦.

٧٨

لا يبدو الأمر كذلك، فالاختلاف في مرتكب الكبيرة - كما رأينا - لا يعكس أي موقف سياسي ولا يتصل به، وإنما هو اختلاف في شأن من شؤون الدين ذلك ان مفهوم الكبيرة التي يدور حول مرتكبها الاختلاف، هو مفهوم ديني بحت يتصل بالإيمان والكفر والجنة والنار، وهي الأخرى مفاهيم دينية لا تتصل بالسياسة، لأنها لا تتصل بحياة الإنسان الدنيوية، بل بحياته بعد الموت.

ولقد رأينا هذا واضحا في جميع التعاريف التي وضعت للكبيرة فليس بينها تعريف واحد يخرج عما ذكرنا ليدخل في مجال السياسة.

أين هو المعنى السياسي في اختلاف ينصب أصلا كما قلنا على الإيمان والكفر والثواب والعقاب هل مرتكب الكبيرة مؤمن أم كافر، وأين سيكون مكانه في الآخرة، هل سينعم هناك بجنات الخلد كما ينعم المؤمن الكامل الإيمان، أم سيواجه العقاب الذي يواجه العقاب الذي يواجه الكافر، أم شيء آخر غير هذا وذاك.

فالحديث عن الكبيرة كمصطلح، وعن مرتكبها والاختلاف بشأنه بين الفرق والمذاهب، حديث عن أموات، ولا يمكن للأموات أن يكونوا موضوعا سياسيا أو موضوعا للسياسة.

هكذا كانت الكبيرة عندما أثيرت، وعندما اختلفت الفرق والمذاهب الإسلامية في الحكم على مرتكبها.

لم يكن السؤال هل تجوز الثورة على مرتكب الكبيرة أم لا تجوز، ولم يكن الاختلاف في هذا، رغم أن افتراضه لا يغير من طبيعة الموضوع ،

٧٩

ولكن السؤال والاختلاف كانا دائما: ما هو حكم مرتكب الكبيرة إيمانا أو كفرا، أي ما هو مكانه وأين سيكون مثواه بين المؤمن والكافر بعد الموت.

ولهذا فمن الخطأ ربط الكبيرة، وهي مفهوم إيماني فردي، بمفهوم ثوري أو موقف سياسي.

وهذه مواقف الفرق الإسلامية خير شاهد على ما نقول لقد بدأت تلك الفرق بتحديد مواقفها من السلطة منذ وقت مبكر في الإسلام، بعيدا عن الكبيرة وبمعزل عنها، بل وقبل ان تطرح كمسألة يختلف فيها الرأي بوقت طويل.

وقد بلغت هذه المواقف عند بعضها حد الثورة وحمل السلاح.

ثار الخوارج منذ زمن علي، واستمرت ثوراتهم حتى زمن العباسيين.

وثار الشيعة بعد علي، واستمرت ثوراتهم حتى زمن العباسيين.

ثاروا قبل ان تطرح مسألة مرتكب الكبيرة، وقبل ان يختلف فيها الرأي، ثم ثاروا بعد ان طرحت المسألة واختلف فيها الرأي.

ثار الذين كانوا يعتبرون مرتكب الكبيرة كافرا ويخلدونه في النار(١)

وثار الذين كانوا يعتبرون مرتكب الكبيرة مؤمنا فاسقا بكبيرته(٢)

وثار الذين كانوا يعتبرونه مؤمنا كامل الإيمان(٣) .

ثار كل هؤلاء، مع اختلاف مواقفهم أو تناقضا من مرتكب الكبيرة، دون أن تحدد هذه المسألة مواقفهم من الثورة أو تؤثر فيها، وذلك لسبب

____________________

(١) وهم الخوارج كما مر.

(٢) وهم الشيعة.

(٣) وهم المرجئة وقد ثاروا مع الحارث بن سريج المجاشعي أواخر العهد الأموي واستمرت الثورة مدة تجاوزت العشر سنوات حتى قتل قائد الثورة الحارث عام ١٢٨ وقارئ سيرته جهم بن صفوان وكانوا قد شاركوا أيضا قبل ذاك في ثورة زيد بن المهلب ضد الأمويين عام ١٠٢ أنظر تأريخ ابن الأثير ج٤ حوادث سنة ١٠٢ في مقتل يزيد بن المهلب ص٣٤٠.

٨٠