الذّنبُ أسبابه وعلاجه

الذّنبُ أسبابه وعلاجه21%

الذّنبُ أسبابه وعلاجه مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 277

  • البداية
  • السابق
  • 277 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35392 / تحميل: 8619
الحجم الحجم الحجم
الذّنبُ أسبابه وعلاجه

الذّنبُ أسبابه وعلاجه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

« يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في ارضه ومن ابي ».

فقلت له: ومن هم؟

فقال (عليه السلام):

« رسول الله وامير الممؤمنين وآبائي كلهم قد عملوا بايديهم وهو من عمل النبيّين والمرسلين والاوصياء الصالحين ».

عبرة من التأريخ:

إن التجارب المرة التي عاشها الانسان كان سببها الحرص على الثروة والتعلق الشديد بالدنيا. ولم يكن الحرص والتعلق سبباً في تهيئة الارضية للذنب فحسب، بل كانا سبباً للكفر والشرك والارتداد عن الدين. وعلى سبيل المثال نرى:

١ - عندما طلبوا من قارون أن يساعد الفقراء والمحرومين طغى وأعلن الحرب على موسى (عليه السلام).(١)

٢ - أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعى ثعلبة. عاش عيشة مترفة بدعاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما تحسن وضعه المالي وصار مالكاً للمواشي والزراعة نقل ثروته الى خارج المدينة لكثرتها.

وبالرغم من حضوره الى صلاة الجمعة والجماعة ايام فقره أصبح محروماً من نعمة الحضور مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لشغفه في الثروة

____________________

(١) شرح في تاريخ الطبري ط بيروت ج ١ ص ٢٦٢ الى ٢٦٥.

١٠١

والاغنام الى ان استحق ما يملكه الزكاة فارسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجباة اليه. فعارض ثعلبة الجباة وانكر الزكاة عليهم بزجرٍ وتذمر و نسي عهده الله ورسوله ان لو رزقة الله سبحانه وتعالى لكان اول من يساعد الفقراء والمحتاجين ولكن عندما أصبح ثرياً طغى واستكبر.(١)

فنزل قرآن في ذمّه بقوله تعالى:

(ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين. فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون) (التوبة الآية ٧٥ - ٧٦).

٣ - قال الطبري: في معركة أحد أجلس رسول الله رجالاً بازاء الرماة وأمّر عليهم عبد الله بن جبير و قال لهم: لا تبرحوا مكانكم ان رأيتمونا ظهرنا عليهم وان رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقى القوم هزم المشركون حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهنّ وبدت خلا خيلهن فجعلوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال عبدالله بن جبير: مهلاً أما علمتم ما عهد اليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فابوا فانطلقوا فلما أتوهم صرف الله وجوههم فاصيب من المسلمين سبعون: وحتى شفاه واسنان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جرحت واستشهد عمه حمزة (عليه السلام) في هذه المعركة لاجل ترك الرماة مواضعهم من اجل جمع الغنائم.(٢)

____________________

(١) شرح في اسد الغابة ج ١ ص ٢٣٧ - البحار ج ٢٢ ص ٤٠.

(٢) التوضيح في تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٢ - ١٩٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٧ سيرة ابن هشام ج ٣ ص ١٢٩ الى ما بعد.

١٠٢

٤ - قال ابو جعفر الاسكافي: روي ان معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي (عليه السلام):

(ومن الناس من يعجبك قوله....).

وان الآية الثانية (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) نزلت في ابن ملجم فلم يقبل، فبذل له مائتي الف درهم فلم يقبل فبذل ثلاثمائة الف درهم فلم يقبل فبذل له اربعمائة الف فقبل.(١)

٥ - عمر بن سعد لشدة عشقه لملك الري صار قائداً لمعسكر الاعداء وقد شارك في قتل الامام الحسين (عليه السلام).

٦ - عند رحيل الامام الكاظم (عليه السلام) من الدنيا جمعت الأموال عند أحد وكلائه الذي يدعى (عثمان بن عيسى) وكان من الواجب ان يقدّم الاموال الى الامام الرضا (عليه السلام) ولكنه بسبب أكله اموال الناس اعلن ان لا امام بعد الامام السابع وان الامامة قد انتهت وبهذه العقيدة وقفوا عند الامام الكاظم (عليه السلام) فسمي مذهبهم بمذهب الواقفية ».(٢)

٧ - انتقد القرآن الكريم الذين قتلوا اولادهم خوف الفقر والفاقة (الانعام - ١٥١ - الاسراء - ٣١).

____________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ج ١ ص ٤٧١ - سفينة البحار ج ١ ص ٦٥٤.

(٢) التوضيح في مجمع البحرين (وقف).

١٠٣

وعلى كل حال نرى عبادة الدنيا وطلب المقام كل يوم، وكل ساعة تجعل اناساً بسطاء يغترون بالدنيا وطلب المقام فهناك كثير من الامثلة التي تحتاج الى مجلدات من الكتب لاحصائها.

٨ - مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) براعي ابل فبعث يستسقيه، فقال: أمّا مافي ضروعها فصبوح الحي و أمّا ما في آنيتها فغبوقهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اكثر ماله وولده، ثم مّر براعي غنم فبعث اليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها واكفأ ما في إنائه في اناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعث اليه بشاة وقال: هذا ما عندنا و ان احببت ان نزيدك زدناك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم ارزقه الكفاف فقال له بعض اصحابه: يا رسول الله دعوت للذي ردك بدعاء عامتنا نحبه ودعوت للذي اسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان ما قل و كفى خير مما كثر وألهى....(١)

فالنتيجة ان الحرص والطمع بالثروة والمقام من العوامل المهيئة للذنب.

الكسل والضجر:

جاء في الآية ٧ من سورة الانشراح: (فاذا فرغت فانصب).

وهدف هذا الأمر الالهي هو القضاء على اوقات الفراغ الذي هو سبب لايجاد الارضية لانواع الذنوب.

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ١٤١.

١٠٤

لان الفراغ يدعو الى ارتكاب الجرائم والادمان عليها وشل نشاط الانسان، لذلك نرى ان سجل الجرائم يرتفع الى سبع مرات بسبب البطالة والفراغ ولهذا نجد ان الروايات الاسلامية مليئة بحثّ الانسان على العمل ونبذ الكسل والضجر.

١ - قال الامام الصادق (عليه السلام):

« أجر العامل أجر المجاهد في سبيل الله ».(١)

٢ - وقال ايضاً (عليه السلام):

« إياك والكسل والضّجر فانهما يمنعانك من حظّك من الدّنيا والآخرة »(٢) .

٣ - وقال الامام الصادق (عليه السلام) ايضاً:

« ومن كسل عمّا يصلح به امر معيشته فليس فيه خير لأمر دينه »(٣) .

٤ - وقال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام):

« ان الله عزوجل يبغض العبد النّوام الفارغ ».

٥ - وقال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ايضاً:

« اياك والكسل والضجّر فانك إن كسلت لم تعمل وإن ضجرت لم تعط الحقّ ».(٤)

____________________

(١) فروع الكافي ج ٥ ص ٨٨.

(٢) فروغ الكافي ج ٥ ص ٨٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) فروع الكافي ج ٥ ص ٨٤.

١٠٥

٦ - قال امير المؤمنين (عليه السلام):

« ان الاشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينهما الفقر »(١)

ومن أهم الاسباب التي تحطم شخصية الانسان وتدعوه الى اقتراف الذنوب هو التسكع ومد اليد للمساعدة والسؤال.

قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): « مسألة الناس من الفواحش ».(٢)

فالنتيجة ان البطالة والضعف يوجبان الفقر ويكونان عاملاً مساعداً للذنب.

____________________

(١) فروع الكافي ج ٥ ص ٨٦.

(٢) جامع السعادات ج ٢ ص ٨٩.

١٠٦

٤ - الارضية الاجتماعية للذنب

حول الارضية الاجتماعية للذنب نستطيع ان نحصرها في الامور التالية:

١ - المحيط الفاسد والسالم.

٢ - القيادة الضالة.

٣ - جلساء السوء.

٤ - المحرومية والنبذ الاجتماعي.

١ - المحيط الفاسد والسالم:

مما لا شك فيه ان المحيط الفاسد والملوث أحد العوامل المؤثرة على ارتكاب الذنب فكما أن مكان النفايات سبب في ايجاد ونمو الجراثيم، كذلك المحيط الفاسد. وللمحيط عدة اقسام من جهة الكمية والكيفية مثل محيط المدرسة، محيط البيت، والمحيط

١٠٧

الثقافي، والمحيط الادراي، ومحيط القرية، ومحيط المدينة، ومحبط الجامعة، ومحيط الحوزة العلمية، ومحيط المستشفى، ومحيط المجلس و....

تأثير المحيط:

جاء في آية ١٣٨ - ١٣٩ من سورة الاعراف عندما تجاوز موسى (عليه السلام) وأصحابه البحر ونجاهم الله سبحانه وتعالى من فرعون وجنوده الكفرة. وجدوا قوماً عاكفين على عبادة الاصنام فتأثرروا بهذا المنظر والمحيط:

(قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة). (الاعراف آية ١٣٨).

نعم؛ ان اصحاب موسى بالرغم من وجود موسى (عليه السلام) وهدايته المستمرة لهم نرى أن المحيط قد أثر عليهم تأثيراً بالغاً، ولكن موسى (عليه السلام) اعترض عليهم قائلاً:

(انّكم قوم تجهلون - إنّ هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون). (الاعراف آية ١٣٨ - ١٣٩)

قصة قرآنية أخرى عن تأثير المحيط:

كان قارون أحد الاثرياء الطغاة في زمن موسى (عليه السلام). وقد خرج ذات يوم بزينته أمام الناس مستعرضاً ومفتخراً بأمواله وثروته الطائلة.

١٠٨

قال تعالى: (فخرج على قومه في زينته). (القصص آية ٧٩).

وقد وقع اكثر الناس تحت تأثير هذا الجو وتمنوا بحسرات شديدة أن لو عندهم مثل قارون من الثروة كما نرى في قوله تعالى:

(قال الّذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون إنّه لذو حظٍ عظيمٍ). (القصص آية ٧٩).

ولكن عدداً من أصحاب العلم والمعرفة اعترضوا على الطامعين كما جاء في آية (٨٠) من سورة القصص:

(وقال الّذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقّاها إلاّ الصّابرون).(١)

الفرار والهجرة من المحيط الفاسد:

إنّ من المواضيع المهمة في الاسلام هو الهجرة والابتعاد عن المحيط الفاسد. فاذا انتشر الفساد في كل مكان وخاف الانسان المؤمن على دينه بل اضحى دنيه مهدداً بالخطر الشديد فيجب عليه الابتعاد والهجرة من ذلك المكان الفاسد الى مكان يأمن به على دينه. أما اذا اقاموا ولم يهاجروا ووقعوا تحت تاثير هذا المحيط الفاسد فمن المستحيل ان يلقوا تبعات أعمالهم السيئة على عاتق المحيط، لذلك

____________________

(١) يتضح في كلا القصتين ان الجهل وعدم المعرفة هما السبب في ان يجعل للمحيط تاثير بالغ وعلى العكس من العلم والمعرفة فليس للمحيط تأثير عليه.

١٠٩

نرى القرآن الكريم قد حذرهم ووعدهم عذاب جهنم. وتوضيحاً لهذا: جاء في التاريخ ان عدداً من المسلمين قد دخلوا الاسلام في مكة المكرمة ظاهراً وحفظاً على سلامة أموالهم وبيوتهم. ولم يهاجروا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين الى المدينة وايضاً لاجل حفظ بيوتهم وأموالهم اشتركوا مع المشركين في معركة بدر الكبرى وقتل بعضهم على ايدي المؤمنين. وجاء في الآية ٩٧ من سورة النساء:

(إنّ الذّين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً).

وورد إصطلاح الهجرة (٢٦) مرة في القرآن الكريم وإنّ بعض الآيات أكّدت كثيراً على الهجرة والابتعاد عن مواطن الاثم والفساد.

قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله سلم) في بيان اهمية الهجرة:

« من فرّ بدينه من أرضٍ الى أرض وإن كان شبراً من الارض استوجب الجنة وكان رفيق محمدٍ وإبراهيم (صلى الله عليه وآله وسلم) ».(١)

فمن اجل الحفاظ على الدين لابدّ للمسلم ان يهاجر متأسياً بالنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم اللذين كانا من المهاجرين العظماء.

قال الامام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه يدعى (المفضّل):

____________________

(١) نور الثقلين ج ١ ص ٥٤١.

١١٠

« وفرّ منها الى قلّة الجبال ومن الحجر الى الحجر ».(١)

يبن هذا الحديث الشريف ان الابتعاد عن المحيط الفاسد والملوث من الواجبات لحفظ سلامة دين الانسان، أما اذا كان الانسان مؤثراً في المحيط الملوث فبقاؤه جائز بل واجب احياناً، واذا لم يمكنه فالابتعاد أفضل.

التأثير بالناس:

ان احدى العوامل المهمة لتهيئة الارضية للمحيط الفاسد هي (التأثر بالناس)، ويعبر عنه احياناً بالتأثر بالعوام او الجو. ان الدين الاسلامي يعلّم الانسان ان يكون فكره، وذكره، وعمله خالصاً لله سبحانه وتعالى ومحباً لكل شيء فيه مرضاة الله جل وعلا ومبغضاً لكل شيء يثير غضب الله سبحانه وسخطه. وان تكون أعماله وفقاً للموازين الشرعية.

فلا للمحيط ولا للناس في المجتمع ولا للعوام تأثير عليه. ولكن اذا وقع تحت تأثير المحيط والناس والعوام أصبح بعيداً كل البعد عن المحيط الالهي ويتلوث بالاهواء النفسية.

لذا يجب عليه ان يرفض أي رأي يخالف الامر الالهي حتى ولو كانت أغلبية الناس متفقة عليه. وما أعظم الحكمة التي وردت في قول الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) لأحد تلامذته البارزين وهو (هشام ابن

____________________

(١) متتخب التواريخ ص ٨٧٥.

١١١

الحكم) إذا قال:

« يا هشام! لو كان في يدك جوزة وقال الناس لؤلؤة ما كان ينفعك وانت تعلم أنها جوزة ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس إنّها جوزة ما ضرك وانت تعلم أنّها لؤلؤة؟ ».(١)

وجاء في وصية لقمان (عليه السلام) الى ابنه أنه قال:

(لا تعلّق قلبك برضى الناس فانّ ذلك لا يحصل فلا تلتفت اليهم واشتغل برضى الله جلّ جلاله ».(٢)

ولأجل أن يوضح هذا الأمر لابنه. خرج لقمان وابنه مع حمارهما من البيت فركب لقمان الحمار وترك ابنه يمشي خلفه فمرّا على جماعة من الناس فسمعهم يقولون: انظروا الى هذا الرجل العجوزكم هو قسي القلب وعديم الرحمة، كيف ركب الحمار وترك ابنه ماشياً وراءه، فنزل من الحمار وركب ابنه وسارا. حتى مرّا على جماعةٍ آخرين فسمعهم يقولون: انظروا الى هذا الابن والاب. الاب لم يربّ ابنه تربية جيدة والابن لم يحترم ويرحم أباه. فنزل الابن من على ظهر الحمار وسارا معاً خلف الحمار فسمعوا جماعة من الناس يقولون: عجيب أمر هذين الرجلين تركا الحمار يمشي ولم يركباه وسارا خلفه. فركب لقمان وابنه على ظهر الحمار فمرّا على جماعةٍ آخرين فسمعهم يقولون: انظروا الى هذين الرجلين، عديمي الرحمة

____________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٢٨.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥١١.

١١٢

ركبا الحمار على ضعفه.

عندها نظر لقمان الى ابنه وقال له: بنيّ العزيز هل نظرت الى ان إرضاء الناس لا يدرك؟ فلا تلتفت اليهم واشتغل برضى الله جل جلاله.

قال الرسول الاكرم:

« من أرضى سلطاناً بسخط الله عزّ وجل كان حامده من الناس ذامّاً ».(١)

وقال الامام الباقر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

« من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله عزوجل كان حامده من الناس ذامّاً؛ ومن آثر طاعة الله عز وجل بما يغضب الناس كفاه الله عز وجل عداوة كل عدو وحسد كل حاسد وبغي كل باغ، وكان الله له ناصراً وظهيراً ».(٢)

عوامل فساد المحيط:

نهى الاسلام وبشدة عن امورٍ كثيرة مثل: التجاهر بالفسق، اشاعة المنكرات، ومساعدة الظالم والرضا بالذنب، والغيبة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختيار القادة المفسدين وتعطيلٍ حدود الله سبحانه وتعالى و... فهذه عوامل تؤدي الى تلوث

____________________

(١) فروع الكافي ج ٥ ص ٦٣.

(٢) فروع الكافي ج ٥ ص ٦٢.

١١٣

المحيط.

وكذلك نهى الاسلام عن امورٍ لها صلة و ثيقة بنشر الفساد في المجتمع مثل: ترك الحجاب، برامج الضلالة مثل الافلام الجنسية والادمان على المواد المخدرة ولم ينه عنها فحسب، بل وقف امامها بشدة وجعل احدى وظائف الحكومة الاسلامية الوقوف امامها، كما جعل مراقبة الاوضاع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً شرعياً في ذمة الناس. واذا دققنا النظر في تلك الوظيفتين الخطيرتين نجد ان اجراء هاتين الوظيفتين له دور حيوي في طهارة المحيط، وبعبارة اوضح: ان الانسان موجود أجتماعي يعيش في وسط المجتمع الكبير. فطهارة المجتمع والمحيط عامل مساعد على طهارة البيت، لأن بيته هو المجتمع الذي يعيش فيه وعدم طهارة المجتمع يؤدي الى عدم طهارة الفرد.

وعلى هذا الاساس وقف الاسلام بشدة أمام التلوث الاجتماعي وجعل مرتبته اعلى من التلوث الفردي، لان التلوث الاجتماعي موجب للاستهانة بالذنب ونشر بذور الذنوب في كل مكان. فمثلاً: اذا شب حريق في نقطة من نقاط المجتمع فيجب اطفاؤه او محاصرته والا التهم الحريق كل مكان وأحرق تمام المجتمع.

قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): « ان قوماً ركبوا سفينة في البحر واقتسموا فصار كل واحد منهم موضعه فنقر رجل موضعه بفأس

١١٤

فقالوا: ما تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع به ما شئت، فإن اخذوا على يديه نجا ونجوا وإن لم يأخذوا على يديه هلك وهلكوا ».(١) والآن: نستعرض وبصورة مختصرة الذنوب التي تسبب فساد المجتمع ولنتعرف على درجات قبح اقتراف الذنوب.

أ: اشاعة الذنب:

جاء في آية ١٩ من سورة النور قوله تعالى:

(إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا والآخرة).

الملاحظة في هذه الآية الشريفة أنّ من أحبّ شيوع الفاحشة بدون ارتكابها يوجب العذاب الاليم. وهذا التعبير يبين لنا شدة التأكيد على ترك اشاعة الذنب.

وعلى كل حال فاذا أردنا مجتمعاً سالماً يجب علينا ستر العيوب وعدم إشاعتها، لكي لا يستهان بها.

ولاجل توضيح هذا الأمر نذكر عدة روايات:

١ - قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ».

٢ - وقال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

____________________

(١) مجموعة ورّام ج ٢ ص ٢٩٤.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٣٥٦ (باب التّعبير).

١١٥

« المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له ».(١)

٣ - وقال الامام الباقر (عليه السلام):

« يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرةً »(٢) .

٤ - وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« إني لأرجو النجاة لهذه الامة لمن عرف حقنا منهم إلاّ لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى والفاسق المعلن ».(٣)

٥ - وقال الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

« اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة ».(٤)

٦ - وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« اللهمّ اني أعوذ بك من خليلٍ ماكرٍ... ان رأى حسنةً دفنها. وإن رأى سيئةً أذاعها ».(٥)

٧ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« ذوو العيوب يحبون إشاعة معائب الناس لهم العذر ».(٦)

وفي الفقه هناك احكام شرعية متشعبة تتعلق بالمذنب، منها الذي يخفي الذنب والمذنب المعلن المتجاهر بالذنب، واليك نموذج

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ١٦٠ (باب ستر الذنوب).

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٥٩٨.

(٣) البحار ج ٧٣ ص ٣٥٥.

(٤) سفينة البحار ج ٢ ص ٣٦١.

(٥) نهج الفصاحة ص ١٠١.

(٦) فهرس الغرر ص ٢٨٨.

١١٦

ورد في تحرير الوسيلة للامام الخميني (قدس سره) في مصرف سهم السادات قوله:

« الاحوط عدم الدفع الى المتهتك المتجاهر بالكبائر بل يقوى عدم الجواز ان كان في الدفع اعانة على الاثم والعدوان وإغراء بالقبيح ».(١)

وفي مورد أهل الكتاب من (المسيحيين واليهود....) من شرائط الذمة عدم جواز التجاهر بالذنوب امام المسلمين مثل (شرب الخمر علناً، والزنا واكل لحم الخنزير، والزواج من المحرماتٍ من النساء ».(٢)

إنّ كل ذلك يعتبر خروجاً عن شرائط الذمة.

وسأل شخص الامام الكاظم (عليه السلام): أنه لو قبض على يهودي او مسيحي او مجوسيّ مرتكباً الزنا او شارياً للخمر فما حكمه؟

قال الامام الكاظم (عليه السلام): « تقام عليه حدود المسلمين اذا فعلوا ذلك في مصرٍ من أمصار المسلمين او في غير امصار المسلمين اذا رفعوا الى حكام المسلمين ».(٣)

تبين لنا هذه الروايات وهذه الاحكام ان التجاهر بالذنوب يوجب إقامة الحد على فاعلها حتى لو كان من اهل الكتاب. وإقامة

____________________

(١) تحرير الوسيلة ج ١ ص ٣٦٥.

(٢) تحرير الوسيلة ج ٢ ص ٥٠١.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٣٣٨.

١١٧

الحد موقوفة على التجاهر بالذنوب. وفي الختام نأتي بهذه الرواية عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« شر الناس من لا يعفو عن الهفوة ولا يستر العورة ».(١)

لابد من الالتفات الى ان ايجاد مراكز الفحشاء والفسق واغراء الناس على ارتكاب الذنب وعدم ارتداء الحجاب، هي موارد لاشاعة الذنب علناً.

ب - عدم الحياء وتمزيق الستار:

ان تمزيق الستار وعدم الحياء أحد العوامل المهيئة لفساد المحيط. وعلى هذا الاساس يجب حفظ الحياء الاسلامي، الحياء من الله جل وعلا، والحياء من الناس، والحياء من النفس... كل هذا له تأثير مباشر على سلامة المحيط.

قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« استحيوا من الله حقّ الحياء ».(٢)

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« من لم يستحي من الناس، لم يستحي من الله سبحانه ».(٣)

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) ايضاً:

____________________

(١) غرر الحكم ج ١ ص ٤٤٦ « قلنا في تحقيق سابق: ان الذنوب الصغيرة تتحول أو تحتسب ذنوباً كبيرة اذا تجاهر بها صاحبها ».

(٢) مصباح الشريعة ص ٨٦.

(٣) ميزان الحكمة ج ٢ ص ٥٦٦ نقل من غرر الحكم.

١١٨

« أحسن الحياء استحياؤك من نفسك ».(١)

القرآن ومسألة الحياء.

جاءت في القرآن الكريم تعابير مختلفة حول مسالة الحياء مثل:

١ - الحياء في اللسان. ذكر الآية (الانعام - آية ١٠٨)

(ولا تسبّوا الذّين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم).

٢ - الحياء في طريقة التكلم. ذكر الآية (الاحزاب - آية ٣٢)

(يا نساء النبي لستنّ كأحدٍ من النساء ان اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً).

٣ - الحياء في السير والحركة. ذكر الآية (القصص - آية ٢٥)

(فجاء ته إحداهما تمشي على استحياء).

٤ - الحياء في الاشتراك في مجالس الضيوف. ذكر الآية (الاحزاب. آية ٥٣).

(يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الاّ أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث).

٥ - الحياء في غض البصر. ذكر الآية (النور - آية ٣٠ و ٣١)

____________________

(١) نفس المصدر السابق.

١١٩

(قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ....).

٦ - الحياء الاقتصادي. ذكر الآية (البقرة - آية ٢٧٣)

(للفقراء الّذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل اغنياء من التّعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس ألحافاً).

٧ - الحياء في الدخول الى البيوت. ذكر الآية (النور - ٥٨ و ٥٩)

(يا ايّها الذّين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّاتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم.....).

وخلاصة الكلام: ان التوجه الى الحياء تلك الصفة الطاهرة بجميع ابعادها كما اكد عليه الدين الاسلامي يكون باعثاً على تطهير المحيط. وعلى العكس من ذلك فأن كسر طوق الحياء يهيىء الأرضية لاتساع فجوة الفساد في المحيط.

١٢٠

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277