الميزان في تفسير القرآن الجزء ٨

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89525 / تحميل: 6764
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

العرش بتدبير الأمر منه، وعقبه بقوله:( مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) والآية لمّا كانت في مقام وصف الربوبيّة والتدبير التكوينيّ كان المراد بالشفاعة الشفاعة في أمر التكوين، وهو السببيّة الّتي توجد في الأسباب التكوينيّة الّتي هي وسائط متخلّلة بين الحوادث والكائنات وبينه تعالى كالنار المتخلّلة بينه وبين الحرارة الّتي يخلقها، والحرارة المتخلّلة بينه وبين التخلخل أو ذوبان الاجسام فنفي السببيّة عن كلّ شئ إلّا من بعد إذنه لافادة توحيد الربوبيّة الّتي يفيده صدر الآية:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .

وفي قوله:( مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) بيان حقيقة اُخرى وهي رجوع التخلّف في التدبير إلى التدبير بعينه بواسطة الإذن، فإنّ الشفيع إنّما يتوسّط بين المشفوع له المحكوم بحكم، المشفوع عنده، ليغيّر بالشفاعة مجرى حكم سيجري لولا الشفاعة فالشمس المضيئة بالمواجهة مثلاً شفيعة متوسّطة بين الله سبحانه وبين الأرض لاستنارتها بالنور ولولا ذلك لكان مقتضى تقدير الأسباب العامّة ونظمها أن تحيط بها الظلمة ثمّ الحائل من سقف أو أيّ حجاب آخر شفيع آخر يسأله تعالى أن لا يقع نور الشمس على الأرض بالاستقامة وهكذا.

فأذا كانت شفاعة الشفيع - وهو سبب مغيّر لما سبقه من الحكم - مستندة إلى إذنه تعالى كان معناه أنّ التدبير العامّ الجاري إنّما هو من الله سبحانه، وأنّ كلّ ما يتّخذ من الوسائل لإبطال تدبيره وتغيير مجرى حكمه أعمّ ممّا يتّخذه الأسباب التكوينيّة وما يتّخذه الإنسان من التدابير للفرار عن حكم الأسباب الجارية الإلهيّة كلّ ذلك من التدبير الإلهيّ.

ولذلك نرى الأشياء الرديّة تعصي فلا تقبل الصور الشريفه والمواهب السامية، لقصور استعدادها عن قبولها، وهذا الردّ منها بعينه قبول، والامتناع من قبول التربية بعينه تربية اُخرى إلهيّة والإنسان على ما به من الجهل يستعلي على ربّه ويستنكف عن الخضوع لعظمته وهو بعينه انقياد لحكمه، ويمكر به وهو بعينه ممكور به قال تعالى:( وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) الأنعام: ١٢٣، وقال تعالى:( وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) آل عمران: ٦٩، وقال تعالى:( وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ

١٦١

وَلَا نَصِيرٍ ) الشورى: ٣١.

فقوله:( مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) يدلّ على أنّ شفاعة الشفاعة أو الأسباب المخالفة الّتي تحول بين التدبير الإلهيّ وبين مقتضياته داخلة من جهة اُخرى وهي جهة الإذن في التدبير الإلهيّ فافهم ذلك.

فما مثل الأسباب والعوامل المتخالفة المتزاحمة في الوجود إلّا كمثل كفّتي الميزان تتعاركان بالارتفاع والانخفاض، والثقل والخفّة لكن اختلافهما بعينه اتّفاق منهما في إعانة صاحب الميزان في تشخيص ما يريد تشخيصه من الوزن.

ويقرب من آية سورة يونس في الدلالة على شمول التدبير ونفي مدبّر غيره تعالى قوله:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) السجدة: ٤، ويقرب من قوله:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) في الإشارة إلى كون العرش مقاماً تنتشئ فيه التدابير العامّة وتصدر عنه الأوامر التكوينيّة قوله تعالى:( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) البروج: ١٦، وهو ظاهر.

وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ) الزمر: ٧٥، فإنّ الملائكة هم الوسائط الحاملون لحكمه والمجرون لامره العاملون بتدبيره فليكونوا حافّين حول عرشه.

وكذا قوله تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: ٧، وفي الآية مضافاً إلى ذكر احتفافهم بالعرش شئ آخر وهو أنّ هناك حملة يحملون العرش، وهم لا محالة أشخاص يقوم بهم هذا المقام الرفيع والخلق العظيم الّذي هو مركز التدابير الإلهيّة ومصدرها، ويؤيّد ذلك ما في آية اُخرى وهي قوله:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) الحاقة: ١٧،.

وإذ كان العرش هو المقام الّذي يرجع إليه جميع أزمّة التدابير الإلهيّة والأحكام الربوبيّة الجارية في العالم كما سمعت، كان فيه صور جميع الوقائع بنحو الإجمال حاضرة عند الله معلومة له، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ

١٦٢

بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد: ٤، فقوله:( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ ) الخ، يجري مجرى التفسير للاستواء على العرش فالعرش مقام العلم كما أنّه مقام التدبير العامّ الّذي يسع كلّ شئ، وكلّ شئ في جوفه.

ولذلك هو محفوظ بعد رجوع الخلق إليه تعالى لفصل القضاء كما في قوله:( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) وموجود مع هذا العالم المشهود كما يدلّ عليه آيات خلق السماوات والأرض، وموجود قبل هذه الخلقة كما يدلّ عليه قوله:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) هود: ٧.

قوله تعالى: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) إلى آخر الايتين.التضرّع هو التذلّل من الضراعة وهي الضعف والذلّة.والخفية هي الاستتار، وليس من البعيد أن يكون كناية عن التذلّل جئ به لتأكيد التضرّع فإنّ المتذلّل يكاد يختفي من الصغار والهوان.

الآية السابقة:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ ) الآية تذكر بربوبيّته وحده لا شريك له من جهة أنّه هو الخالق وحده، وإليه تدبير خلقه وحده، فتعقيبها بهاتين الآيتين بمنزلة أخذ النتيجة من البيان، وهي الدعوة إلى دعائه وعبوديّته، والحكم بأخذ دين يوافق ربوبيّته تعالى وهي الربوبيّة من غير شريك في الخلق ولا في التدبير.

ولذلك دعا أوّلاً إلى دين العبوديّة فقال:( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) فأمر أن يدعوه بالتضرّع والتذلّل وأن يكون ذلك خفية من غير المجاهرة البعيدة عن أدب العبوديّة الخارجة عن زيّها - بناءً على أن تكون الواو في( تضرّعاً وخفيه ) للجمع - أو أن يدعوه بالتضرّع والابتهال الملازم عدّة للجهر بوجه أو بالخفية إخفاتاً فإنّ ذلك هو لازم العبوديّة ومن عدا ذلك فقد اعتدى عن طور العبوديّة وإنّ الله لا يحبّ المعتدين.

ومن الممكن أن يكون المراد بالتضرّع والخفية: الجهر والسرّ وإنّما وضع التضرّع موضع الجهر لكون الجهر في الدعاء منافياً لادب العبوديّة إلّا أن يصاحب التضرّع.

هذا فيما بينهم وبين الله، وأمّا فيما بينهم وبين الناس فإنّ لا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فليس حقيقة الدين فيما يرجع إلى حقّوق الناس إلّا أن يصلح شأنهم بارتفاع

١٦٣

المظالم من بينهم و معاملتهم بما يعينهم على التقوى، ويقرّبهم من سعادة الحياة في الدنيا والآخرة .

ثمّ كرّر الدعوة إليه وأعاد البعث إلى دعائه بالجمع بين الطريقين الّذين لم يزل البشر يعبد الربّ أو الأرباب من أحدهما وهما طريق الخوف وطريق الرجاء فإنّ قوماً كانوا يتّخذون الأرباب خوفاً فيعبدونهم ليسلموا من شرورهم، وكان قوماً يتّخذون الأرباب طمعاً فيعبدونهم لينالوا خيرهم وبركتهم لكنّ العبادة عن محض الخوف ربّما ساق الإنسان إلى اليأس والقنوط فدعاه إلى ترك العبادة، وقد شوهد ذلك كثيراً، والعبادة عن محض الطمع ربّما قاد إلى استرسال الوقاحة وزوال زيّ العبوديّة فدعاه إلى ترك العبادة، وقد شوهد أيضاً كثيراً فجمع سبحانه بينهما ودعا إلى الدعاء باستعمالهما معاً فقال:( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) ليصلح كلّ من الصفتين ما يمكن أن تفسده الاخرى، وفي ذلك وقوع في مجرى الناموس العامّ الجاري في العالم أعني ناموس الجذب والدفع.

وقد سمّى الله سبحانه هذا الاعتدال في العبادة والتجنّب عن إفساد الأرض بعد إصلاحها إحساناً وبشّر المجيبين لدعوته بأنّهم يكونون حينئذ محسنين فتقرّب منهم رحمته إنّ رحمة الله قريب من المحسنين.

ولم يقل: رحمة الله قريبة، قيل: لأنّ الرحمة مصدر يستوي فيه الوجهان، وقيل: لأنّ المراد بالرحمة الإحسان، وقيل: لأنّ قريب فعيل بمعنى المفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث ونظيره قوله تعالى:( لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) الشورى: ١٧.

قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) إلى آخر الآية وفي الآية بيان لربوبيّته تعالى من جهة العود كما أنّ في قوله:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ ) الآية بياناً لها من جهة البدء.

وقوله:( بُشْرًا ) وأصله البشر بضمّتين جمع بشير كالنذر جمع نذير، والمراد بالرحمة المطر، وقوله:( بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) أي قدّام المطر، وفيه استعارة تخييليّة بتشبيه المطر بالإنسان الغائب الّذي ينتظره أهله فيقدم وبين يديه بشير يبّشر بقدومه.

والإقلال الحمل، والسحاب والسحابة الغمام والغمامة كتمر وتمرة وكون السحاب

١٦٤

ثقلاً باعتبار حمله ثقل الماء، وقوله( لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ) أي لأجل بلد ميّت أو إلى بلد ميّت والباقي ظاهر.

والآية تحتجّ بإحياء الأرض على جواز إحياء الموتى لأنّهما من نوع واحد، وحكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد وليس الاحياء الّذين عرض لهم عارض الموت بمنعدمين من أصلهم فإنّ أنفسهم وأرواحهم باقية محفوظة و إن تغيّرت أبدانهم، كما أنّ النّبات يتغيّر ما على وجه الأرض منها ويبقى ما في أصله من الروح الحيّة على انعزال من النشوء والنماء ثمّ تعود إليه حياته الفعّالة كذلك يخرج الله الموتى فما إحياء الموتى في الحشر الكلّيّ يوم البعث إلّا كإحياء الأرض الميتة في بعثة الجزئيّ العائد كلّ سنة، وللكلام ذيل سيوافيك في محلّ آخر إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) إلى آخر الآية.النكد القليل والآية بالنظر إلى نفسها كالمثل العامّ المضروب لترتّب الأعمال الصالحة والآثار الحسنة على الذوات الطيّبة الكريمة كخلافها على خلافها كما تقدّم في قوله:( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) لكنّها بانضمامها إلى الآية السابقة تفيد أنّ الناس و إن اختلفوا في قبول الرحمة فالاختلاف من قبلهم والرحمة الإلهيّة عامّة مطلقه.

( بحث روائي)

لم ينقل عن طبقة الصحابة بحث حقيقيّ عن مثل العرش والكرسيّ وسائر الحقائق القرآنيّة وحتّى أصول المعارف كمسائل التوحيد وما يلحقّ بها بل كانوا لا يتعدّون الظواهر الدينيّة ويقفون عليها، وعلى ذلك جرى التابعون وقدماء المفسّرين حتّى نقل عن سفيان بن عيينة أنّه قال: كلّما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه، وعن الإمام مالك أنّ رجلاً قال له: يا أباعبدالله استوى على العرش، كيف استوى؟ قال الراوي فما رأيت مالكاً وجد من شئ كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء يعني العرق وأطرق القوم. قال فسري عن مالك فقال: الكيف غير معقول: والاستواء منه غير مجهول،

١٦٥

والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأنّي أخاف أن تكون ضالّاً، وأمر به فاُخرج.

وكأنّ قوله: الكيف غير معقول الخ، مأخوذ عمّا روي(١) عن إم سلمة أمّ المؤمنين في قوله تعالى:( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والاقرار به إيمان، والجحود به كفر.

فهذا نحو سلوكهم في ذلك لم يورث منهم شئ إلّا ما يوجد في كلام الإمام علىّ بن إبى طالب والأئمّة من ولده بعدهعليهم‌السلام ونحن نورد بعض ما عثرنا عليه في كلامهم.

ففي التوحيد بإسناده عن سلمان الفارسيّ فيما أجاب به علىّعليه‌السلام الجاثليق: فقال علىّعليه‌السلام : إنّ الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظنّ كهيئة السرير ولكنّه شئ محدود مخلوق مدبّر وربّك مالكه لا أنّه عليه ككون الشئ على الشئ الخبر.

وفي الكافي عن البرقيّ رفعه قال: سأل الجاثليق عليّاًعليه‌السلام فقال: أخبرني عن الله عزّوجلّ يحمل العرش أو العرش يحمله ؟ فقالعليه‌السلام : الله عزّوجلّ حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) .

قال: فأخبرني عن قوله:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) فكيف ذاك وقلت: إنّه يحمل العرش والسماوات والأرض؟ فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّ العرش خلقه الله تبارك وتعالى من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرّت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة، ونور أبيض منه ابيضّ البياض.

وهو العلم الّذي حمّله الله الحملة، وذلك نور من نور عظمته فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات

____________________

(١) رواه في الدّر المنثور عن ابن مردويه واللالكائي في السنة عنها.

١٦٦

والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتشتّتة فكلّ شي ء محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكلّ شئ محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شئ، وهو حياة كلّ شئ ونور كلّ شئ سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله أين هو؟ فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : هو ههنا وههنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا، وهو قوله:( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) فالكرسيّ محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السرّ وأخفى ، وذلك قوله:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

فالّذين يحملون العرش هم العلماء الّذين حمّلهم الله علمه، وليس يخرج من هذه الأربعة شئ خلقه الله في ملكوته، وهو الملكوت الّذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله فقال:( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلى معرفته، الخبر.

أقول: قوله أخبرني عن الله عزّوجلّ يحمل العرش أو العرش يحمله الخ ظاهر في أنّ الجاثليق أخذ الحمل بمعنى حمل الجسم للجسم، وقولهعليه‌السلام : الله حامل العرش والسماوات والأرض الخ أخذٌ للحمل بمعناه التحليليّ وتفسيرٌ له بمعنى حمل وجود الشي ء وهو قيام وجود الأشياء به تعالى قياماً تبعيّاً محضاً لا استقلاليّاً، ومن المعلوم أنّ لازم هذا المعنى أن يكون الأشياء محمولة له تعالى لا حاملة.

ولذلك لمّا سمع الجاثليق ذلك سألهعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) فإنّ حمل وجود الشئ بالمعنى المتقدّم يختصّ به تعالى لا يشاركه فيه غيره مع أنّ الآية تنسبه إلى غيره ! ففسّرعليه‌السلام الحمل ثانياً بحمل العلم وفسّر العرش بالعلم.

غير أنّ ذلك حيث كان يوهم المناقضة بين التفسيرين زادعليه‌السلام في توضيح ما ذكره

١٦٧

من كون العرش هو العلم أنّ هذا العلم غير ما هو المتبادر إلى الافهام العامّيّة من العلم وهو العلم الحصوليّ الّذي هو الصورة النفسانيّة بل هو نور عظمته وقدرته حضرت لهؤلاء الحمله بإذن الله وشوهدت لهم فسمّي ذلك حملاً ، وهو مع ذلك محمول له تعالى ولا منافاة كما أنّ وجود أفعالنا حاضرة عندنا محمولة لنا وهي مع ذلك حاضرة عند الله سبحانه محمولة له وهو المالك الّذي ملّكنا إيّاها.

فنور العظمة الإلهيّة وقدرته الّذي ظهر به جميع الأشياء هو العرش الّذي يحيط بما دونه وهو ملكه تعالى لكلّ شئ دون العرش وهو تعالى الحامل لهذا النور ثمّ الّذين كشف الله لهم عن هذا النور يحملونه بإذن الله والله سبحانه هو الحامل للحامل والمحمول جميعاً.

فالعرش في قوله:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) - و إن شئت قل: الاستواء على العرش هو الملك، وفي قوله:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ ) الآية هو العلم، وهما جميعاً واحد وهو المقام الّذي يظهر به جميع الأشياء ويتمركز فيه إجمال جميع التدابير التفصيليّة الجارية في نظام الوجود فهو مقام الملك الّذي يصدر منه التدابير، ومقام العلم الّذي يظهر به الأشياء.

وقولهعليه‌السلام : فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين الخ يريد أنّ هذا المقام هو المقام الّذي ينشأ منه تدبير نظام السعادة الّذي وقع فيه مجتمع المؤمنين وتسير عليه قافلتهم في مسيرهم إلى الله سبحانه، وينشأ منه نظام الشقاء الّذي ينبسط على جميع المعاندين أعداء الله الجاهلين بمقام ربّهم بل المقام الّذي ينشأ منه النظام العالميّ العامّ الّذي يعيش تحته كلّ ذى وجود، ويسير به سائرهم للتقرّب إليه بأعمالهم وسننهم سواء علموا بما هم فيه من ابتغاء الوسيلة إليه تعالى أو جهلوا.

وقولهعليه‌السلام :( وهو حياة كلّ شئ ونور كلّ شئ) كالتعليل المبيّن لقوله قبله فكلّ شئ محمول يحمله الله إلى آخر ما قال.ومحصّله أنّه تعالى هو الّذي به يوجد كلّ شئ وهو الّذي يدرك كلّ شئ، فيظهر به طريقه الخاصّ به في مسير وجوده ظهور الطريق المظلم لسائره بواسطة النور فهي لا تملك لأنفسها شيئاً بل الله سبحانه هو المالك لها الحامل لوجودها.

١٦٨

وقولهعليه‌السلام : هو ههنا وههنا وفوق وتحت الخ يريد أنّ الله سبحانه لمّا كان مقوّماً الوجود كلّ شئ حافظاً وحاملاً له لم يكن محلّ من المحال خالياً عنه، ولا هو مختصّاً بمكان دون مكان، وكان معنى كونه في مكان أو مع شئ ذى مكان أنّه تعالى حافظ له وحامل لوجوده ومحيط به، وهو وكذا غيره محفوظ بحفظه تعالى ومحمول ومحاط له.

وهذا يؤل إلى علمه الفعليّ بالأشياء، ونعني به أنّ كلّ شئ حاضر عنده تعالى غير محجوب عنه، ولذلك قالعليه‌السلام أوّلاً:( فالكرسيّ محيط بالسماوات والْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ) فأشار إلى الإحاطة ثمّ عقبه بقوله:( وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) فأشار إلى العلم فأنتج ذلك أنّ الكرسيّ ويعني به العرش مقام الإحاطة والتدبير والحفظ، وأنّه مقام العلم والحضور بعينه، ثمّ طبّقه على قوله تعالى:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) الآية.

وقولهعليه‌السلام :( وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله في ملكوته ) كأنّه إشارة إلى الألوان الأربعة المذكورة في أوّل كلامهعليه‌السلام وسيجئ كلام فيها في أحاديث المعراج إن شاء الله.

وقولهعليه‌السلام ( وهو الملكوت الّذي أراه الله أصفياءه) فالعرش هو الملكوت غير أنّ الملكوت اثنان ملكوت أعلى وملكوت أسفل، والعرش لكونه مقام الإجمال وباطن البابين من الغيب كما سيأتي ما يدلّ على ذلك من الرواية كان الاحرى به أن يكون الملكوت الاعلى.

وقولهعليه‌السلام : وكيف يحمل حملة العرش الله الخ تأكيد وتثبيت لأوّل الكلام: أنّ العرش هو مقام حمل وجود الأشياء وتقويمه، فحملة العرش محمولون له سبحانه لا حاملون كيف؟ ووجودهم وسير وجودهم يقوم به تعالى لا بأنفسهم، ولاعتبارهعليه‌السلام هذا المقام الوجوديّ علماً عبّر عن وجودهم وعن كمال وجودهم بالقلوب، ونور الإهتداء إلى معرفة الله إذ قال: وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته.

وفي التوحيد بإسناده عن حنّان بن سدير قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن العرش والكرسيّّ فقال: إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة

١٦٩

على حدة فقوله:( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) يقول: ربّ الملك العظيم، وقوله:( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) يقول: على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفيّة في الأشياء.

ثمّ العرش في الوصل مفرد(١) عن الكرسيّ لأنّهما بأبان من أكبر أبواب الغيوب وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الّذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلّها، والعرش هو الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والأين والمشيّة وصفة الارادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء.

فهما في العلم بأبان مقرونان لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسيّ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ فمن ذلك قال:( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) أي صفته أعظم من صفة الكرسيّ، وهما في ذلك مقرونان.

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسيّ؟ قالعليه‌السلام : إنّه صار جاره لأنّ علم الكيفوفيّة فيه وفيه الظاهر من أبواب البداء وإنّيّتها و حدّ رتقها وفتقها فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف، وبمثل صرّف العلماء، وليستدلّّوا على صدق دعواهما لأنّه يختصّ برحمته من يشاء وهو القويّ العزيز.

أقول: قولهعليه‌السلام : إنّ للعرش صفات كثيرة الخ يؤيّد ما ذكرناه سابقاً أنّ الاستواء على العرش لبيان اجتماع أزمّة التدابير العالميّة عند الله، ويؤيّده ما في آخر الحديث من قوله: وبمثل صرّف العلماء.

وقولهعليه‌السلام :( وهذا علم الكيفوفيّة في الأشياء ) المراد به العلم بالعلل العالية والأسباب القصوى للموجودات فإنّ لفظ( كَيْفَ ) عرفاً كما يسأل به عن العرض المسمّى اصطلاحاً بالكيف كذلك يسأل به عن سبب الشئ ولمّه، يقال: كيف وجد كذا؟ وكيف فعل زيد كذا وهو لايستطيع؟.

وقولهعليه‌السلام : ثمّ العرش في الوصل مفرد عن الكرسيّ الخ مراده أنّ العرش والكرسيّ واحد من حيث إنّهما مقام الغيب الّذي يظهر منه الأشياء وينزل منه إلى هذا

____________________

(١) متفرد خ ل.

١٧٠

العالم لكنّ العرش في الصلة الكلاميّة متميّز من الكرسيّ لأنّ هذا المقام في نفسه ينقسم إلى مقامين وينشعب إلى بابين لكنّهما مقرونان غير متبائنين: أحدهما الباب الظاهر الّذي يلي هذا العالم، والآخر الباب الباطن الّذي يليه ثمّ بيّنه بقوله: لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر الخ .

قولهعليه‌السلام :( لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر الّذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلّها) أي طلوع الاُمور البديعة على غير مثال سابق، ومنها يتحقّق الأشياء كلّها لأنّ جميعها بديعة على غير مثال سابق، وهي إنّما تكون بديعة إذا كانت ممّا لا يتوقّع تحقّقها من الوضع السابق الّذي كان أنتج الاُمور السابقة على هذا الحادث الّتي تذهب هي ويقوم هذا مقامها فيؤل الأمر إلى البداء بإمحاء حكم سبب وإثبات حكم الآخر موضعه فجميع الوقائع الحادثة في هذا العالم المستندة إلى عمل الأسباب المتزاحمة والقوى المتضادّة بدع حادثة وبداءات في الارادة.

وفوق هذه الأسباب المتزاحمة والإرادات المتغائرة الّتي لا تزال تتنازع في الوجود سبب واحد وارادة واحدة حاكمة لا يقع إلّا ما يريده فهو الّذي يحجب هذا السبب بذاك السبب ويغيّر حكم هذه الارادة ويقيّد إطلاق تأثير كلّ شئ بغيره كمثل الّذي يريد قطع طريق لغاية كذا فيأخذ في طيّه، وبينما هو يطوي الطريق يقف احياناً ليستريح زماناً، فعلّة الوقوف ربّما تنازع علّة الطيّ والحركة و توقفها عن العمل والارادة تغيّر الارادة لكن هناك ارادة اُخرى هي الّتي تحكم على الإرادتين جميعاً وتنظم العمل على ما تميل إليه بتقديم هذه تارة وتلك اُخرى والإرادتان أعني سببي الحركة والسكون وإن كانت كلّ منهما تعمل لنفسها وعلى حدتها وتنازع صاحبتها لكنّهما جميعاً متّفقتان في طاعة الارادة الّتي هي فوقهما، ومتعاضدتان في إجراء ما يوجبه السبب الّذي هو أعلى منهما وأسمى.

فالمقام الّذي ينفصل به السببان المتنافيان وينشأ منه تنازعهما بمنزلة الكرسيّ، والمقام الّذي يظهران فيه متلائمين متآلفين بمنزلة العرش، وظاهر أنّ الثاني أقدم من الأوّل وأنّهما يختلفان بنوع من الإجمال والتفصيل، والبطون والظهور.

وأحرى بالمقامين أن يسميّا عرشاً وكرسيّاً لأنّ فيهما خواصّ عرش الملك و

١٧١

كرسيه فإنّ الكرسيّ : الّذي يظهر فيه أحكام الملك من جهة عمّاله وأيديه العمّالة، وكلّ منهم يعمل بحيال نفسه في نوع من اُمور المملكة وشؤونها وربّما تنازعت الكرسييّ فيقدّم حكم البعض على البعض ونسخ البعض حكم البعض، لكنّها جميعاً تتوافق وتتّحد في طاعة أحكام العرش وهو المختصّ بالملك نفسه فعنده الحكم المحفوظ عن تنازع الأسباب غير المنسوخ بنسخ العمّال والأيدي، وفي عرشه إجمال جميع التفاصيل وباطن ما يظهر من ناحية العمّال والأيدي.

وبهذا البيان يتّضح معنى قولهعليه‌السلام : لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر الخ فقوله:( منه مطلع البدع) أي طلوع الاُمور الكونيّة غير المسبوقة بمثل، وقوله:( ومنها الأشياء كلّها) أي تفاصيل الخلقة ومفرداتها المختلفة المتشتّتة.

وقوله:( والعرش هو الباب الباطن) قبال كون الكرسيّ هو الباب الظاهر، والبطون والظهور فيهما باعتبار وقوع التفرّق في الأحكام الصادرة وعدم وقوعه، وقوله يوجد فيه الخ أي جميع العلوم والصور الّتي تنتهي إلى إجمالها تفاصيل الأشياء.

وقوله:( علم الكيف) كأنّ المراد بالكيف خصوصيّة صدور الشئ عن أسبابه، وقوله:( والكون) المراد به تمام وجوده كما أنّ المراد بالعود والبدء أول وجودات الأشياء ونهايتها وقوله:( القدر والحدّ) المراد بهما واحد غير أنّ القدر حال مقدار الشئ بحسب نفسه، والحدّ حال الشئ بحسب إضافته إلى غيره ومنعه أن يدخل حومة نفسه ويمازجه، وقوله:( والأين) هو النسبة المكانية، وقوله:( والمشيّة وصفة الارادة) هما واحد ويمكن أن يكون المراد بالمشيّة أصلها وبصفة الارادة خصوصيّتها.

وقوله:( وعلم الالفاظ والحركات والترك) علم الالفاظ هو العلم بكيفيّة انتشاء دلالة الألفاظ بارتباطها إلى الخارج بحسب الطبع فإنّ الدلالة الوضعيّة تنتهي بالآخرة إلى الطبع، وعلم الحركات والترك، العلم بالأعمال والتروك من حيث ارتباطها إلى الذوات ويمكن أن يكون المراد بمجموع قوله:( علم الالفاظ وعلم الحركات والترك) العلم بكيفيّة انتشاء اعتبارات الأوامر والنواهي من الأفعال والتروك، وانتشاء اللغات من حقائقها المنتهية إلى منشأ واحد، والترك هو السكون النسبيّ في مقابل الحركات.

١٧٢

وقوله:( لأنّ علم الكيفوفيّة فيه) الضمير للعرش، وقوله:( وفيه الظاهر من أبواب البداء ) الضمير للكرسيّ، والبداء ظهور سبب على سبب آخر وإبطاله أثره، وينطبق على جميع الأسباب المتغائرة الكونيّة من حيث تأثيرها.

وقولهعليه‌السلام :( فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف) المراد به على ما يؤيّده البيان السابق أنّ العرش والكرسيّ جاران متناسبان بل حقيقة واحدة مختلفة بحسب مرتبتي الإجمال والتفصيل: وإنّما نسب إلى أحدهما أنّه حمل الآخر بحسب صرف الكلام وضرب المثل، وبالامثال تبيّن المعارف الدقيقة الغامضة للعلماء.

وقوله:( وليستدلّوا على صدق دعواهما ) أي دعوى العرش والكرسيّ أي وجعل هذا المثل ذريعة لأن يستدلّ العلماء بذلك على صدق المعارف الحقّة الملقاة إليهم في كيفيّة انتشاء التدبير الجاري في العالم من مقامي الإجمال والتفصيل والباطن والظاهر، فافهم ذلك.

في التوحيد بإسناده عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن قوله تعالى( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) الآية، فقال: ما يقولون؟ قيل: إنّ العرش كان على الماء والربّ فوقه ! فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صيّر الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أنّ الشئ الّذي يحمله هو أقوى منه.

قال: إنّ الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون سماء أو أرض أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر.

اقول: وهو كسابقه في الدلالة على أنّ العرش هو العلم، والماء أصل الخلقة وكان العلم الفعليّ متعلّقاً به قبل ظهور التفاصيل.

وفي الاحتجاج عن علىّعليه‌السلام : أنّه سئل عن بعد ما بين الأرض والعرش.فقال: قول العبد مخلصاً: لا إله إلّا الله.

أقول: وهو من لطائف كلامهعليه‌السلام أخذه من قوله تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) .

ووجهه أنّ العبد إذا نفى عن غيره تعالى الاُلوهيّة بإخلاص الاُلوهيّة والاستقلال له تعالى أوجب ذلك نسيان غيره، والتوجّه إلى مقام استناد كلّ شئ إليه تعالى، وهذا

١٧٣

هو مقام العرش على ما مرّ بينه.

ونظيره في اللطافة قولهعليه‌السلام قد سئل عن بعد ما بين الأرض والسماء: مدّ البصر ودعوة المظلوم.

في الفقيه و المجالس العلل للصدوق: روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل لم سمّي الكعبة كعبة؟ قال: لأنّها مربّعة فقيل له: ولم صارت مربّعة؟ قال: لأنّها بحذاء البيت المعمور وهو مربّع.

فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربّعاً؟ قال: لأنّه بحذاء العرش وهو مربّع، فقيل له: ولم صار العرش مربّعاً؟ قال: لأنّ الكلمات الّتي بني عليها الإسلام أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر.الحديث.

أقول: وهذه الكلمات الأربع أولاها: تتضمّن التنزيه والتقديس والثانية التشبيه والثناء، والثالثة التوحيد الجامع بين التنزيه والتشبيه، والرابّعة: التوحيد الاعظم المختصّ بالإسلام، وهو أنّ الله سبحانه أكبر من أن يوصف فإنّ الوصف تقييد وتحديد وهو تعالى أجلّ من أن يحدّه حدّ ويقيّده قيد وقد تقدّم نبذة من الكلام فيه في تفسير قوله تعالى:( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ) الآية.

وبالجملة يرجع المعنى إلى تفسيره بالعلم على ما مرّ والروايات المختلفة في هذا المعنى كثيرة كما ورد أنّ آية الكرسيّ وآخر البقرة وسورة محمّد من كنوز العرش وما ورد أنّ ص نهر يخرج من ساق العرش، وما ورد أنّ الاُفق المبين قاع بين يدي العرش فيه أنهار تطّرد فيه من القدحان عدد النجوم.

وفي تفسير القمّيّ عن عبد الرحيم الاقصر عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن( ن  وَالْقَلَمِ ) قال: إنّ الله خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها: الخلد، ثمّ قال لنهر في الجنّة: كن مداداً فجمد النهر، وكان أشدّ بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد.ثمّ قال للقلم: اكتب. قال: يا ربّ ما أكتب؟ قال: اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب القلم في رقّ أشدّ بياضاً من الفضّة وأصفى من الياقوت ثمّ طواه فجعله في ركن العرش ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق بعد، ولا ينطق أبداً فهو الكتاب المكنون الّذي منه النسخ كلّها (الحديث).وسيجئ تمامه في سورة ن إن شاء الله تعالى.

١٧٤

أقول: وفي معناها روايات أخر، وفي بعضها لمّا استزاد الراوي بياناً وأصرّ عليه قالعليه‌السلام : القلم ملك واللّوح ملك، فبيّن بذلك أنّ ما وصفه تمثيل من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لتفهيم الغرض.

وفي كتاب روضة الواعظين عن الصادق عن أبيه عن جدّهعليه‌السلام قال: في العرش تمثال ما خلق الله في البرذ والبحر. قال: وهذا تأويل قوله:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) .

أقول: أي وجود صور الأشياء وتماثيلها في العرش هو الحقيقة الّتي يبتنى عليها بيان الآية، وقد تقدّم توضيح معنى وجود صور الأشياء في العرش، وفي معنى هذه الرواية ما ورد في تفسير دعاء( يا من أظهر الجميل ) .

وفيه أيضاً عن الصادق عن أبيه عن جدّهعليه‌السلام في حديث: وإنّ بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسير ألف عام، والعرش يكسى كلّ يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله، والأشياء كلّها في العرش كحلقة في فلاة.

أقول: والجملة الاخيرة ممّا نقل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الشيعة وأهل السنّة، والّذي ذكرهعليه‌السلام بناءً على ما تقدّم تمثيل، ونظائره كثيرة في رواياتهمعليهم‌السلام .

ومن الدليل عليه أنّ ما وصف في الرواية من عظم العرش بأيّ حساب فرض يوجد من الدوائر الّتي ترسمها الاشعة النوريّة ما هي أعظم منه بكثير فليس التوصيف إلّا لتقريب المعقول من الحسّ.

وفي العلل عن علل محمّد بن سنان عن الرضاعليه‌السلام : علّة الطواف بالبيت أنّ الله تبارك وتعالى قال للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، فردّوا على الله تبارك وتعالى هذا الجواب فعلموا أنّهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا فأحبّ الله عزّوجلّ أن يتعبّد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمّى( الضراح) ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى( وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ) بحذاء الضراح ثمّ وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثمّ أمر آدم فطاف به فجرى

١٧٥

في ولده إلى يوم القيامة الحديث.

أقول: الحديث لا يخلو عن الغرابة من جهات، وكيف كان فبناءً على تفسير العرش بالعلم يكون معنى لواذ الملائكة بالعرش هو إعترافهم بالجهل وإرجاع العلم إليه سبحانه حيث قالوا:( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وقد مرّ الكلام في هذه القصّة في أوائل سورة البقرة. وفي الرواية ذكر الضراح والبيت المعمور في السماء ومعظم الروايات تذكر في السماء بيتاً واحداً وهو البيت المعمور في السماء الأربعة، وفيها إثبات الذنب للملائكة وهم معصومون بنصّ القرآن، ولعلّ المراد من العلم بالذنب العلم بنوع من القصور.

وأمّا كون الكعبة بحذاء البيت المعمور فالظاهر أنّه محاذاة معنويّة لا حسّيّة جسمانيّة، ومن الشاهد عليه قوله:( فوضع في السماء الأربعة بيتاً بحذاء العرش) إذ المحصّل من القرآن والحديث أنّ العرش والكرسيّ محيطان بالسماوات والأرض، ولا يتحقّق معنى المحاذاة بين المحيط والمحاط إذا كانت الإحاطة جسمانيّة.

وفي الخصال عن الصادقعليه‌السلام : أن حملة العرش أحدهم على صورة ابن آدم يسترزق الله لولد آدم. والثاني على صورة الديك يسترزق الله الطير، والثالث على صورة الاسد يسترزق الله للسباع، والرابع على صورة الثور يسترزق الله للبهائم، ونكس الثور رأسه منذ عبد بنو اسرائيل العجل فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية. الخبر.

أقول: والأخبار فيما يقرب من هذا المعنى كثيرة متظافرة، وفي بعضها عدّ الاربع حملة للكرسيّ، وهو الخبر الوحيد الّذي يذكر للكرسيّ حملة - فيما عثرنا عليه - وقد أوردناها في تفسير آية الكرسيّ في سورة البقرة.

وفي حديث آخر: حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين: فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأمّا الأربعة من الآخرين: فمحمّد وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام .

أقول: بناءً على تفسير العرش بالعلم لا ضير في أن تعدّ أربعة من الملائكة حملة له ثمّ تعدّ عدّة من غيرهم حملة له.

١٧٦

والروايات في العرش كثيرة متفرّقة في الابواب، وهي تؤيّد ما مرّ من تفسيره بالعلم وما له ظهور مّا في الجسميّة منها، مفسّرة بما تقدّم وأمّا كون العرش جسماً في هيئة السرير موضوعاً على السماء السابعة فممّا لا يدلّ عليه حديث يعبأ بأمره بل من الروايات ما يكذّبه كالرواية الأولى المتقدّمة.

وفي تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) الآية قال: قالعليه‌السلام : في ستة أوقات.

وفي تفسير البرهان : صاحب ثاقب المناقب أسنده إلى أبي هاشم الجعفريّ عن محمّد بن صالح الارمني قال: قلت لابي محمّد العسكريّعليه‌السلام عرّفني عن قول الله:( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) فقال: لله الأمر من قبل أنّ يأمر ومن بعد أنّ يامر ما يشاء، فقلت في نفسي هذا تأويل قول الله:( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) فأقبل عليّ وقال: هو كما أسررت في نفسك: ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.

أقول: معناه أنّ قوله:( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) يفيد إطلاق الملك قبل الصدور وبعده لا كمثلنا حيث نملك الأمر - فيما نملك - قبل الصدور فإذا صدر خرج عن ملكنا واختيارنا.

وفي الدّر المنثور أخرج ابن جرير عن عبد العزيز الشاميّ عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لم بحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط ما عمل، ومن زعم أنّ الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله: ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.

اقول: المراد من الكفر بالعجب هو الكفر بالنعمة أو بكون الحسنات لله على ما يدلّ عليه القرآن، والمراد بنفي كون شئ من الأمر للعباد نفي الجعل بنحو الاستقلال دون التبعيّ من الملك والأمر.

وفي الكافي بإسناده عن ميسر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت قول الله عزّوجلّ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) ؟ قال: فقال: يا ميسر إنّ الأرض كانت فاسدة فأحياها الله عزّوجلّ بنبيّه، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.

١٧٧

أقول: ورواه العيّاشيّ في تفسيره عن ميسر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مرسلاً.

وفي الدّر المنثور أخرج أحمد والبخاريّ ومسلم والنسائيّ عن أبي موسى قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكانت منها بقيّة فبلّت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة اُخرى إنّما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الّذي اُرسلت به.

١٧٨

( سورة الأعراف آية ٥٩ - ٦٤)

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( ٥٩ ) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( ٦٠ ) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( ٦١ ) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( ٦٢ ) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ٦٣ ) فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ ( ٦٤ )

( بيان)

تعقيب لما تقدّم من الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك بالله سبحانه والتكذيب لآياته بذكر قصّة نوحعليه‌السلام وإرساله إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة غيره وما واجهته به عامّة قومه من الإنكار والاصرار على تكذيبه فأرسل الله إليهم الطوفان وأنجى نوحاً والّذين آمنوا معه ثمّ أهلك الباقين عن آخرهم. ثمّ عقب الله قصّته بقصص عدّة من رسله كهود وصالح وشعيب ولوط وموسىعليهم‌السلام للغرض بعينه.

قوله تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ) إلى آخر الآية. بدء الله سبحانه بقصّته وهو أوّل رسول يذكر الله سبحانه تفصيل قصّته في القرآن كما سيأتي تفصيل القول في قصّته في سورة هود إن شاء الله تعالى.

واللّام في قوله:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا ) للقسم جئ بها للتأكيد لأنّ وجه الكلام إلى المشركين وهم ينكرون النبوّة، وقوله:( فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )

١٧٩

ناداهم بقوله:( يَا قَوْمِ ) فأضافهم إلى نفسه ليكون جرياً على مقتضى النصح الّذي سيخبرهم به عن نفسه، ودعاهم أوّل ما دعاهم إلى توحيد الله تعالى فإنّ دعاهم إلى عبادته، وأخبرهم بانتفاء كلّ إله غيره فيكون دعوة إلى عبادة الله وحده من غير أن يشرك به في عبادته غيره وهو التوحيد.

ثمّ أنذرهم بقوله:( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) وظاهره يوم القيامة فيكون في ذلك دعوة إلى أصلين من أصول الدين وهما التوحيد والمعاد، وأمّا الأصل الثالث وهو النبوّة فسيصرّح به في قوله:( يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ ) الآيه.

على أنّ في نفس الدعود وهي دعوة إلى نوع من العبادة لا يعرفونها وكذا الإنذار بما لم يكونوا يعلمونه وهو عذاب القيامة إشعاراً بالرسالة من قبل من يدعو إليه، ومن الشاهد على ذلك قوله في جوابهم:( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ) فإنّه يدلّ على تعجّبهم من رسالته باستماع أوّل ما خاطبهم به من الدعوة وهو قوله:( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) .

قوله تعالى: ( قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) الملأ هم أشراف القوم وخواصّهم سمّوا به لأنّهم يملؤن القلوب هيبة والعيون جمالاً وزينة، وإنّما رموا بالضلال المبين وأكدّوه تأكيداً شديداً لأنّهم لم يكونوا ليتوقّعوا أنّ معترضاً يعترض عليهم بالدعوة إلى رفض آلهتهم وتوجيه العبادة إلى الله سبحانه بالرسالة والإنذار فتعجّبوا من ذلك فأكّدوا ضلالة مدّعين أنّ ذلك من بيّن الضلال تحقيقاً. والرؤية هي الرؤية بحسب الفكر أعني الحكم.

قوله تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ ) الآية. أجابهم بنفي الضلال عن نفسه والاستدراك بكونه رسولاً من الله سبحانه، وذكره بوصفه( رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) ليجمع له الربوبيّة كلّها قبال تقسيمهم إيّاها بين آلهتهم بتخصيص كلّ منها بشئ من شؤونها وأبوابها كربوبيّة البحر وربوبيّة البرّ وربوبيّة الأرض وربوبيّة السماء وغير ذلك.

وقد جرّدعليه‌السلام جوابه عن التأكيد للاشارة إلى ظهور رسالته وعدم ضلالته تجاه إصرارهم بذلك وتأكيد دعواهم.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(الاول): في الانساب.

ومراتبهم ثلاث: (الاولى): الآباء والاولاد: لا لاب يرث المال إذا انفرد.

والام الثلث والباقي بالرد.

ولو اجتمعا فللام الثلث وللاب الباقي.

ولو كان له أخوة كان لها السدس.

ولو شاركهما زوج او زوجة، فللزوج النصف، وللزوجة الربع.

وللام ثلث الاصل إذا لم يكن حاجب والباقي للاب، ولو كان لها حاجب كان لها السدس.

ولو انفرد الابن فالمال له.

ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية.

ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان، وللانثى سهم.

ولو اجتمع معهما الابوان فلهما السدسان والباقي للاولاد ذكرانا كانوا او اناثا او ذكرانا وإناثا ولو كانت بنت فلها النصف وللابوين السدسان، والباقي يرد أخماسا.

ولوكان من يحجب الام ردعلى الاب والبنت أرباعا.

ولو كانت بنتان فصاعدا فللابوين: السدسان، وللبنتين او البنات: الثلثان بالسوية.

ولو كان معهما او معهن أحد الابوين كان له: السدس، ولهما اولهن: الثلثان والباقي يرد أخماسا.

ولو كان مع البنت والابوين زوج او زوجة كان للزوج: الربع، وللزوجة الثمن، وللابوين: السدسان، والباقي للبنت.

وحيث يفضل عن النصف يرد الزائد عليها وعلى الابوين أخماسا.

ولو كان من يحجب الام رددناه على البنت والاب أرباعا.

ويلحق مسائل: (الاولى): الاولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الانثيين، اولاد ابن كانوا او أولاد البنت على الاشبه.

(ويمنع) الاقرب الابعد.

ويرد على ولد البنت كما يرد

٢٦١

على امه ذكرا كان او انثى.

ويشاركون الابوين كما يشاركهما الاولاد للصلب على الاصح.

(الثانية): يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك.

ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما ترك من صيام او صلاة.

وشرط بعض الاصحاب ألا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.

(الثالثة): لا يرث مع الابوين ولا مع الاولاد جد ولا جدة ولاأحد من ذوي القرابة.

لكن يستحب للاب أن يطعم أباه وأمه: السدس من أصل التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان.

وتطعم الام أباها وأمها: النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد.

ولو حصل لاحدهما نصيبه الاعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه.

ولا طعمة لاحد الاجداد إلا مع وجود من يتقرب به.

(الرابعة): لا يحجب الاخوة الام إلا بشروط أربعة: أن يكون أخوين او أخا وأختين او أربع أخوات فما زاد لاب وأم او لاب مع وجود الاب، غير كفرة ولا رق.

وفي القتلة قولان، أشبههما: عدم الحجب وان يكونوا منفصلين لا حملا.

(المرتبة الثانية): الاخوة والاجداد اذا لم يكن أحد الابوين، ولا ولد وان نزل، فالميراث للاخوة والاجداد.

فالاخ الواحد للاب والام يرث المال، وكذا الاخوة.

والاخت انما ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.

وللاختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

ولو اجتمع الاخوة والاخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللانثى سهم.

٢٦٢

وللواحد من ولد الام السدس ذكرا كان او انثى.

وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا او اناثا.

ولا يرث مع الاخوة للاب والام ولا مع أحدهم أحد من ولد الاب، لكن يقومون مقامهم عند عدمهم.

ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع ذلك الحكم.

ولو اجتمع الكلالات كان لولد الام السدس إن كان واحدا، والثلث ان كانوا أكثر، والباقي لولد الاب والام ويسقط أولاد الاب.

فان أبقت الفريضة فالرد على كلالة الاب والام، وان ابقت الفريضة مع ولد الام وولد الاب، ففي الرد قولان، أحدهما: يرد على كلالة الاب، لان النقص يدخل عليهم، مثل أخت لاب مع واحد او اثنين فصاعدا من ولد الام، او أختين للاب، مع واحد من ولد الام.

والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما وهو أشبه.

وللجد المال إذا انفرد لاب كان او لام.

وكذا الجدة.

ولو اجتمع جد وجدة، فان كانا لاب فلهما المال، للذكر مثل حظ الانثيين وإن كانا لام فالمال بالسوية.

واذا اجتمع الاجداد المختلفون، فلمن يتقرب بالام الثلث على الاصح، واحدا كان او اكثر.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان ولو كان واحدا.

ولو كان معهم زوج او زوجة أخذ النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

والجد الادنى يمنع الاعلى.

واذا اجتمع معهم الاخوة، فالجد كالاخ والجدة كالاخت.

مسألتان: (الاولى): لو اجتمع أربعة أجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم أرباعا.

ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي أبيه ثلثا الثلثين

٢٦٣

أثلاثا ولابوي امه الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مئة وثمانية.

(الثانية): الجد وإن علا يقاسم الاخوة والاخوات.

وأولاد الاخوة والاخوات وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به.

ثم إن كانوا أولاد أخوة او أخوات لاب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(المرتبة الثانية): الاعمام والاخوال: المعلم المال اذا انفرد.

وكذا للعمين فصاعدا.

وكذا العمة والعمتان والعمات.

والعمومة والعمات: للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.

والباقي لمن يتقرب بالاب والام للذكر مثل حظ الانثيين ويسقط من يتقرب بالاب معهم.

ويقومون مقامهم عند عدمهم.

ولا يرث الابعد مع الاقرب مثل ابن خال مع خال او عم.

اوابن عم مع خال او عم، الا ابن عم لاب وأم مع عم لاب فابن العم أولى.

وللخال المال اذا انفرد.

وكذا للخالين والاخوال والخالة والخالتين والخالات.

ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا.

ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا اكثر.

والثلثان لمن يتقرب بالاب والام.

ويسقط من يتقرب بالام معهم.

والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو اجتمع الاخوال والاعمام فللاخوال الثلث وللاعمام الثلثان.

ولو كان معهم زوج او زوجة فلهما النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

ولو اجمتع عم الاب وعمته وخاله وخالته وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان

٢٦٤

لمن يتقرب بالام الثلث بينهم أرباعا.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان: ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا.

وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.

مسائل: (الاولى): عمومة الميت وعماته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا أولاد كل بطن أقرب.

أولى من البطن الابعد.

ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر.

(الثانية): من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.

فالاول كابن عم لاب هو خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني كابن عم هو أخ لام.

(الثالثة): حكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب بالام ثلث الاصل والزوج نصيبه الاعلى.

وما يبقى لمن يتقرب بالاب.

المقصد الثاني في ميراث الازواج: للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع.

ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج، رد عليه الفاضل.

وفي الزوجة قولان: أحدهما: لها الربع والباقي للامام.

والآخر: يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام والاول: أظهر.

واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.

وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج.

وكذا الزوج.

وكذا في العدة

٢٦٥

الرجعية خاصة.

لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرأ ولم تتزوج.

ولا ترث البائن إلا هنا.

ويرث الزوج من جمع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرب، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

مسألتان: (الاولى): إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد او ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية): نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة.

(القسم الاول): ولاء العتق: ويشترط التبرع بالعتق وألا يتبرأ من ضمان جريرته.

فلو كان واجبا كان المعتق سائبة.

وكذا لو تبرع بالعتق وتبرأ من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد.

ويرث مع الزوج والزوجة.

وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر.

ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه أقوال، أظهرهما.

انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث.

فان لم يكن الذكور، فالولاء لعصبة المنعم.

ولو كان المعتق امرأة فالى عصبها دون أولادها ولو كانوا ذكورا.

ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم.

ولا يصح بيعه ولا هبته.

ويصح جره من مولى الام إلى المولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

٢٦٦

القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه: ويكون ولاؤه له.

ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له.

ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الامام.

القسم الثالث ولاء الامامة: ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجوده (ع) فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا.

ومع غيبته يقسم في الفقراء ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.

وأما اللواحق فأربعة: (الاول): في ميراث ابن الملاعنة: ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد.

ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد.

ولو انفردت الاولاد فللواحد النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

وللذكران المال بالسوية.

وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم.

ولو عدم الولد يرثه من تقرب بأمه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء.

ومع عدم الوارث يرثه الامام.

ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.

ولو اعترف به الاب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه ولا عبرة بنسب الاب.

فلو ترك اخوة الاب وأم مع أخ أو اخت لام كانوا سواء في المال.

وكذا لو ترك جدا لام مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.

٢٦٧

خاتمة تشتمل على مسائل: (الاولى): ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الانساب.

ويرثه ولده إن نزل والزوج أو الزوجة.

ولو لم يكن أحدهم فميراثه للامام.

وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.

(الثانية): الحمل يرث ان سقط حيا وتعتبر حركة الاحياء كالاستهلال، والحركات الارادية، دون التقلص.

(الثالثة): قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.

ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الادنى.

(الرابعة): يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالاب.

(الخامسة): اذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما البينة.

(السادسة): المفقود يتربص بماله.

وفى قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف.

وعشر سنين وهي في حكم خاص.

وفي ثالثة يقتسمه الورثة اذا كانوا ملاء، وفيها ضعف أيضا.

وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى في الاحتياط وأبعد من التهجم على الاموال المعصومة بالاخبار الموهومة.

(السابعة): لو تبرأ من جريرة ولده و ميراثه، ففي رواية يكون ميراثه للاقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.

(الثاني): في ميراث الخنثى: من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث عليه.

فان

٢٦٨

بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا، وفيه تردد.

وإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم الهدى: تعد أضلاعه.

وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.

ولو اجتمع مع الانثى ذكر وانثى، قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة وللانثى سهمان.

وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة انثى ويعطى نصف النصيبين وهو أظهر.

مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة.

ولو كان بدل الذكر انثى حصل للخنثى سبعة وللانثى خمسة.

ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.

ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة.

ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فان انتبه أحدهما فهما اثنان.

(الثالث): في الغرقى والمهدوم عليهم: وهؤلاء يرث بعضهم إذا كان لهم أو لاحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.

وفيه قول آخر.

والتقديم على الاستحباب على الاشبه.

فلو غرق أب وابن، ورث الاب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل تركة

٢٦٩

أبيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

ولو كان لاحدهما وارث اعطي ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام.

ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى الامام.

واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كأخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.

وإن كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام.

ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.

(الرابع): في ميراث المجوس: وقد اختلف الاصحاب فيه.

فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم بالنسب، صحيحه وفاسده.

والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.

واختيار الفضل أشبه.

ولو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

ولو خلف جدة هي أخت ورثت بهما.

ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

٢٧٠

خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا.

فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر: فما كان بقدرها فان انقسم من غير كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة، فتضرب خمسة في اصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن.

ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في اصل الفريضة مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة فما اجتمع صحت منه.

ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالاب والام، أو الاب، مثل: ابوين، وزوج وبنت.

فللابوين السدسان وللزوج الربع، والباقي للبنت.

وكذا الابوان أو أحدهما، وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام والاختان للاب والام أو للاب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، أو الاب خاصة.

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة والا ضربت سهام من انكسر عليهم.

في أصل الفريضة.

٢٧١

ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم.

ولا تعصيب.

ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل أبوين وبنت.

فاذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا.

وان كان حاجب فالرد ارباعا تضرب فخرج سهام الرد في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في (المناسخات) ونعني به أن يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.

فان اختلف الوارث او الاستحقاق اوهما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق.

وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

٢٧٢

كتاب القضاء والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى

والصفات ست: التكليف، والايمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة ويدخل في العدالة اشتراط الامانة والمحافظة على الواجبات.

ولا ينعقد الا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.

ولابد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.

وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا يتيسر لغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا بها، ولا ينعقد للمرأة.

وفي انعقاده للاعمى تردد، والاقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة وفي اشتراط الحرية تردد، الاشبه: أنه لا يشترط.

ولا بد من اذن الامام ولا ينعقد بنصب العوام له.

نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.

ومع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ، الجامع للصفات.

وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق بنفسه، وربما وجب النظر الثاني في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة.

فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره.

والجلوس في قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم.

والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الاقامة، فانه اوثق، خصوصا في موضع الريبة.

٢٧٣

عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه(١) في المسائل المشتبهة.

والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وان يقضي مع ما يشغل النفس، كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في اسقاط أو ابطال.

مسائل: (الاولى): للامام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.

(الثانية): إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الامرين، فالاصح: التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة): تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة.

(الرابعة): اذا التمس الغريم احضار الغريم وجب اجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة.

ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة): الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.

النظر الثالث في كيفية الحكم، وفيه مقاصد: (الاول): في وظائف الحاكم، وهي أربع: (الاولى): التسوية بين الخصوم في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم.

ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.

(الثانية): لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه.

٢٧٤

(الثالثة): اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه.

(الرابعة): اذا بدر أحد الخصمين سمع منه.

ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته.

ولو ابتدرا الدعوى.

سمع من الذي عن يمين صاحبه.

وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه.

المقصد الثاني - في جواب المدعى عليه.

وهو إما اقرار، او انكار، او سكوت.

أما الاقرار فيلزم إذا كان جائز الامر، رجلا كان او امرأة.

فان التمس المدعي الحكم به حكم له.

ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه او يشهد بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية.

ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة، ولو التمس حبسه حبس.

ولو ادعى الاعسار كلف البينة، ومع ثبوته ينظر.

وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر منها: تخليته.

ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.

وأما الانكار فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فان قال: نعم، امر باحضارها فاذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، اجل بمقدار احضارها.

وفي تكفيل المدعى عليه تردد، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الاجل.

وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي.

فان تبرع او احلفه الحاكم لم يعتد بها، واعيدت مع التماس المدعي.

ثم المنكر: إما أن يحلف او يرد او ينكل، فان حلف سقطت الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة.

ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه.

ولو

٢٧٥

أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح.

فان حلف استحق.

وان امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر، قضي عليه بالنكول، وهو المروي.

وقيل: يرد اليمين على المدعي، فان حلف ثبت حقه، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره او انكاره.

ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد.

ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

المقصد الثالث - في كيفية الاستحلاف: ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن ان رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه اردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة.

ويجزيه ان يقول: والله ماله قبلي كذا.

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان.

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الاخرس بالاشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه فان شربه كان حالفا وإن امتنع الزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض، او امرأة غير برزة.

٢٧٦

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العمل كما لو ادعى على الوارث فأنكر، او ادعى أن يكون وكيله قبض او باع.

واما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد او مع نكول المنكر على قول.

ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الانكار الحلف على نفي الاستحقاق.

فلو ادعى المنكر الابراء او الاداء انقلب مدعيا.

والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه الا مع دعوى علمه بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة.

ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

ويقضى بالشاهد واليمين في الاموال والديون.

ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله.

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية.

ويفتقر إلى اعادتها بعد الاقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ولا يثبت مال غيره(١) .

مسألتان: (الاولى): لا يحكم الحاكم باخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره.

نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه فشهد شاهدان

____________________ ___

(١) إي: مال لغيره.

وفى الشرح الكبير: فلو ادعى غريم الميت مالا له (للميت) على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ثبت وان امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث عليه.. لان يمينه لاثبات مال الغير.

(*)

٢٧٧

يحكم عند آخر وجب على المشهود عنده انفاذ ذلك الحكم.

(الثانية): القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو أحوط فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة.

وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر.

كالارض، والخشب.

ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

المقصد الرابع - في الدعوى.

وهي تستدعي فصولا: (الاول) في المدعي: وهو الذي يترك لو ترك الخصومة.

وقيل: هو الذي يدعي خلاف الاصل او امرا خفيا.

ويشترط التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وايراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، اشبهه: الجواز.

مسائل: (الاولى): من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به.

ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية): لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لاهله.

وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وفي الرواية ضعف.

(الثالثة): روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال: يرجع عليه

٢٧٨

بماله ويرجع هو على اولئك بما أخذوا.

ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة): لو وضع المستأجر الاجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة): يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع اليه المال إلا بكفلاء.

(الفصل الثاني): في الاختلاف في الدعوى: وفيه مسائل: (الاولى): لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فان أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاء‌ت.

(الثانية): لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ولكل منهما احلاف صاحبه.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث وللخارج احلافه.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر إحلافه.

ولو صدقهما قضى لهما بالسوية.

ولكل منهما احلاف الآخر وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة): اذا تداعيا خصا قضي لمن اليه القمط(١) وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف.

وعن منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة): إذا ادعى ابوالميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الانساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة): اذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية: هو للمرأة وعلى الرجال البينة.

____________________ ___

(١) القمط بالكسر: الحبل الذى يشد به الخص.

(*)

٢٧٩

وفي المبسوط: اذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث): في تعارض البينات: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الاشبه.

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالاعدل فالاكثر، فان تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له.

ولو امتنع احلف الآخر.

ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق.

ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد.

والاول أشبه.

كتاب الشهادات

والنظر في امور أربعة: (الاول): في صفات الشاهد، وهي ستة: (الاول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات و محصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: ألا يفترقوا.

(الثاني): كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهادته.

ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408