الميزان في تفسير القرآن الجزء ٨

الميزان في تفسير القرآن19%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89560 / تحميل: 6768
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قوله تعالى: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) أخبرهم بأوصاف نفسه فبيّن أنّه يبلّغهم رسالات ربّه، وهذا شأن الرسالة ومقتضاها القريب الضروريّ، وفي جمع الرسالة دلالة على كونها كثيرة وأنّ له مقاصد أمره ربّه أنّ يبلّغها إيّاهم وراء التوحيد والمعاد فإنّه نبيّ رسول من أولي العزم صاحب كتاب وشريعة.

ثمّ ذكر أنّه ينصح لهم وهو عظاته بالإنذار والتبشير ليقرّبهم من طاعة ربّهم ويبعدّهم عن الاستكبار والاستنكاف عن عبوديّته كلّ ذلك بذكر ما عرّفه الله من بدء الخلقة وعودها وسننه تعالى الجارية فيها، ولذا ذكر ثالثاً أنّه يعلم من الله ما لا يعلمون كوقائع يوم القيامة من الثواب والعقاب وغير ذلك، وما يستتبع الطاعة والمعصية من رضاه تعالى وسخطه ووجوه نعمه ونقمه.

ومن هنا يظهر أنّ الجمل الثلاث كلّ مسوق لغرض خاصّ أعني قوله:( أُبَلِّغُكُمْ ) الآية و( أَنصَحُ لَكُمْ ) و( َأَعْلَمُ ) الآية وهي ثلاثة أوصاف متوالية لا كما قيل: أنّ الاُوليان صفتان، والثالثة جملة حاليّة عن فاعل( وَأَنصَحُ لَكُمْ ) .

قوله تعالى: ( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) إلى آخر الآية. استفهام إنكاريّ ينكر تعجّبهم من دعواه الرسالة ودعوته إيّاهم إلى الدين الحقّ والمراد بالذكر ما يذكر به الله وهو المعارف الحقّة الّتي أوحيت إليه، وقوله:( مِّن رَّبِّكُمْ ) متعلّق بمقدّر أي ذكر كائن من ربّكم.

وقوله:( لِيُنذِرَكُمْ ) و( لِتَتَّقُوا ) و( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) متعلّقات بقوله:( جَاءَكُمْ ) والمعنى لغرض أن ينذركم الرسول، ولتتّقوا أنتم، ويؤدّي ذلك إلى رجاء أن تشملكم الرحمة الإلهيّة فإنّ التقوى وإن كان يؤدّي إلى النجاة لكنّها ليست بعلّة تأمّة، وقد اشتمل ما حكي من إجمال كلامهعليه‌السلام من معارف عالية إلهيّة.

قوله تعالى: ( فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ) الفلك السفينة يستعمل واحداً وجمعاً على ما ذكره الراغب ويذكّر ويؤنّث كما في الصّحاح، وقوله:( قَوْمًا عَمِينَ ) موصوف وصفة. وعمين جمع عمي كخشن صفة مشبّهة من عمي يعمى، عمى كالأعمى إلّا أنّ العمى يختصّ بعمى البصيرة والأعمى بعمى البصر، كما قيل، ومعنى الآية ظاهر.

١٨١

( سورة الأعراف آية ٦٥ - ٧٢)

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا  قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ  أَفَلَا تَتَّقُونَ ( ٦٥ ) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( ٦٦ ) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( ٦٧ ) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ( ٦٨ ) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ  وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً  فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ٦٩ ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا  فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ٧٠ ) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ  أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ  فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ( ٧١ ) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا  وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ( ٧٢ )

( بيان)

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ) إلى آخر الآيه. الأخ وأصله أخو هو المشارك غيره في الولادة تكويناً لمن ولده وغيره أب أو اُمّ أو هما معاً أو بحسب شرع إلهيّ كالأخ الرضاعيّ أو سنّة اجتماعيّه كالأخ بالدعاء على ما كان يراه أقوام فهذا أصله، ثمّ استعير لكلّ من ينتسب إلى قوم أو بلدة إو صنعة أو سجيّة ونحو

١٨٢

ذلك يقال: أخو بني تميم وأخو يثرب وأخو الحياكة وأخو الكرم، ومن هذا الباب قوله( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ) .

والكلام في قوله:( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) كالكلام في نظير الخطاب من القصّة السابقة. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله:( قَالَ يَا قَوْمِ ) ولم يقل: فقال كما في قصّة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال كأنّه لمّا قال:( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ) قيل: فما قال هود؟ فاُجيب وقيل: قال يا قوم اعبدوا الله الآية. كذا قاله الزمخشريّ في الكشّاف .

ولا يجري هذا الكلام في قصّة نوح لأنّه أول قصّة أوردت، وهذه القصّة قصّة بعد قصّة يهيّأ فيها ذهن المخاطب للسؤال بعد ما وعى إجمال القصّة وعلم أنّ قصّة الارسال تتضمّن دعوة وردّاً وقبولاً فكان بالحريّ إذا سمع المخاطب قوله( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ) أن يسأل فيقول: ما قال هود لقومه؟ وجوابه قال لهم (الخ).

قوله تعالى: ( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ) إلى آخر الآية لمّا كان في هذا الملأ من يؤمن بالله ويستر إيمانه كما سيأتي في القصّة بخلاف الملأ من قوم نوح قال هيهنا في قصّة هود:( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ) وقال في قصّة نوح:( قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِه ) كذا ذكره الزمخشريّ.

وقوله تعالى حكاية عن قولهم:( إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) أكّدوا كلامهم مرّة بعد مرّة لأنّهم سمعوا منه مقالاً ما كانوا ليتوقّعوا صدوره من أحد، وقد أخذت آلهتم موضعها من قلوبهم، واستقرّت سنّة الوثنيّة بينهم استقراراً لا يجترئ معه أحد على أن يعترض عليها فتعجّبوا من مقاله فردّوه ردّاً عن تعجّب، فجبّهوه أوّلا بأنّ فيه سفاهة وهو خفّة العقل الّتي تؤدّي إلى الخطإ في الآراء، وثانياً بأنّهم يظنّون بظنّ قويّ جدّاً أنّه من الكاذبين، وكأنّهم يشيرون بالكاذبين إلى أنبيائهم لأنّ الوثنيّين ما كانوا ليذعنوا بالنبوّة وقد جاءهم أنبياء قبل هود كما يذكره تعالى بقوله:( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ ) هود: ٥٩.

قوله تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ) الكلام في الآية نظير الكلام في

١٨٣

نظيره من قصّة نوح غير أنّ عاداً زادوا وقاحة على قوم نوح حيث إنّ أولئك رموا نوحاً بالضلال في الرأي وهؤلاء رموا هوداً بالسفاهة لكن هوداً لم يترك ما به من وقار النبوّة، ولم ينس ما هو الواجب من أدب الدعوة الإلهيّة فأجابهم بقوله:( يَا قَوْمِ ) فأظهر عطوفته عليهم وحرصه على إنجائهم( يْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) فجرى على تجريد الكلام من كلّ تأكيد واكتفى بمجرّد ردّ تهمتهم وإثبات ما كان يدعيه من الرسالة للدلالة على ظهوره.

قوله تعالى: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ) أي لا شأن لي بما أنّي رسول إلّا تبليغ رسالات ربّي خالصاً من شوب ما تظنّون بي من كوني كاذباً فلست بغاشّ لكم فيما اُريد أن أحملكم عليه، ولا خائن لما عندي من الحقّ بالتغيير ولا لما عندي من حقوقكم بالاضاعة، فما اُريده منكم من التديّن بدين التوحيد هو الّذي أراه حقّاً، وهو الّذي فيه نفعكم وخيركم فإنّما وصف نفسه بالامين محاذاة لقولهم:( وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) .

قوله تعالى: ( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) إلى آخر الآية. البصطة هي البسطة قلبت السين صاداً لمجاورتها الطاء وهو من حروف الاطباق كالصراط والسراط والآلاء جمع ألى بفتح الهمزه وكسرها بمعنى النعمة كآناء جمع أنى وإنى.

ثمّ أنكرعليه‌السلام تعجّبهم من رسالته إليهم نظير ما تقدّم من نوحعليه‌السلام وذكّرهم نعم الله عليهم، وخصّ من بينها نعمتين ظاهرتين هما أنّ الله جعلهم خلفاء في الأرض بعد نوح، وأنّ الله خصّهم من بين الاقوام ببسطة الخلق وعظم الهيكل البدنيّ المستلزم لزيادة الشدّة والقوّة، ومن هنا يظهر أنّهم كانوا ذوي حضارة وتقدّم، وصيت في البأس والقوّة والقدرة. ثمّ أتبعهما بالإشارة إلى سائر النعم بقوله تعالى:( فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .

قوله تعالى: ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) الآية. فيه تعلّق منهم بتقليد الآباء، وتعجيز هود مشوباً بنوع من الاستهزاء بما أنذرهم به من العذاب.

١٨٤

قوله تعالى: ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) إلى آخر الآية. الرّجس والرّجز هو الأمر الّذي إذا وقع على الشئ أوجب ابتعاده أو الابتعاد عنه، ولذا يطلق على القاذورة لأنّ الإنسان يتنفّر ويبتعد عنه، وعلى العذاب لأنّ المعذّب - اسم مفعول - يبتعد عمّن يعذّبه أو من الناس الآمنين من العذاب.

أجابهم بأنّ إصرارهم على عبادة الاوثان بتقليد آبائهم أوجب أن يحقّ عليهم البعد عن الله بالرجس والغضب، ثمّ فرّع عليه أن هدّدهم بما يستعجلون من العذاب، وأخبرهم بنزوله عليهم لا محالة، وكنّى عن ذلك بأمرهم بالانتظار وأخبارهم بأنّه مثلهم في انتظار نزول العذاب فقال:( فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) .

وأمّا قوله:( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) فهو ردّ لما استندوا إليه في اُلوهيّة آلهتهم وهو أنّهم وجدوا آباءهم على عبادتها - وهم أكمل منهم وممّن في طبقتهم كهود وأعقل - فيجب عليهم أن يقلّدوهم.

ومحصّله أنّكم وآباءكم سواء في أنّكم جميعاً أتيتم بأشياء ليس لكم على ما ادّعيتم من صفتها وهي الاُلوهيّة من سلطان وهو البرهان والحجّة القاطعة فلا يبقى لها من الاُلوهيّه إلّا الأسماء الّتي سمّيتموها بها إذ قلتم: إله الخصب وإله الحربّ وإله البحر وإله البرّ، وليس لهذه الأسماء مصاديق إلّا في أوهامكم، فهل تجادلونني في الأسماء، وللإنسان أن يسمّي كلّ ما شاء بما شاء إذا لم يعتبر تحقّق المعنى في الخارج.

وقد تكرّر في القرآن الاستدلال على بطلان الوثنيّة بهذا البيان:( أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) وهو من ألطف البيان وأرقّه، وأبلغ الحجّة وأقطعها إذ لو لم يأت الإنسان لما يدّعيه من دعوى بحجّة برهانيّة لم يبق لما يدّعيه من النعت إلّا التسمية والتعبير، ومن أبده الجهل أن يعتمد الإنسان على مثل هذا النعت الموهوم.

وهذا البيان يطّرد ويجري بالتحليل في جميع الموارد الّتي يثق فيها الإنسان على غير الله سبحانه من الأسباب، ويعطيها من الاستقلال ما يوجب تعلّق قلبه بها وطاعته لها وتقرّبه منها فإنّ الله سبحانه عدّ في موارد من كلامه طاعة غيره والركون إلى من سواه عبادة

١٨٥

له قال:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ) يس: ٦١.

قوله تعالى: ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ) إلى آخر الآية، تنكير الرحمة للدّلالة على النوع أي بنوع من الرحمة وهي الرّحمة الّتي تختصّ بالمؤمنين من النصرة الموعودة لهم قال تعالى:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) المؤمن: ٥١، وقال:( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الروم: ٤٧.

وقوله:( وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) الآية كناية عن إهلاكهم وقطع نسلهم فإنّ الدابر هو الّذي يلي الشئ من خلفه فربّما وصف به الأمر السابق على الشئ كأمس الدابر، وربّما وصف به اللّاحق كدابر القوم وهو الّذي في آخرهم فنسبة القطع إلى الدابر بعناية أنّ النسل اللآحق دابر متّصل بالإنسان في سبب ممتدّ، وإهلاك الإنسان كذلك كأنّه قطع هذا السبب الموصول فيما بينه وبين نسله.

وسيأتي تفصيل البحث عن قصّة هودعليه‌السلام في تفسير سورة هود إن شاء الله

١٨٦

( سورة الأعراف آية ٧٣ - ٧٩)

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا  قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ  قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ  هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً  فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ  وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٧٣ ) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا  فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( ٧٤ ) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ  قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( ٧٥ ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ ( ٧٦ ) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( ٧٧ ) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ( ٧٨ ) فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ( ٧٩ )

( بيان)

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ) إلى آخر الآية. ثمود أمّة قديمة من العرب سكنوا أرض اليمن بالأحقاف بعث الله إليهم( َخَاهُمْ صَالِحًا ) وهو منهم( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) دعاهم إلى التوحيد وقد كانوا مشركين يعبدون الاصنام على النحو الّذي دعا نوح وهودعليهما‌السلام قومهما المشركين.

وقوله:( قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُم ) أي شاهد قاطع في شهادته ويبيّنه قوله

١٨٧

بالإشارة إلى نفس البيّنة:( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَة ) وهي الناقة الّتي أخرجها الله لهم من الجبل آيه لنبوّته بدعائهعليه‌السلام ، وهي العناية في إضافة الناقة إلى الله سبحانه.

وقوله:( فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّه ) الآية. تفريع على كون الناقة آية لله، وحكم لا يخلو عن تشديد عليهم يستتبع كلمة العذاب الّتي تفصل بين كلّ رسول وأمّته قال تعالى:( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) يونس: ٤٧، وفي الآية تلويح إلى أنّ تخليتهم الناقة وشأنها في الكلّ والسير في الأرض كانت ممّا يشقّ عليهم فكانوا يتحرّجون من ذلك وفي قوله:( فِي أَرْضِ اللَّهِ ) إيماء إليه فوصّاهم وحذّرهم أن يمنعوها من إطلاقها ويمسّوها بسوء كالعقر والنحر فإنّ وبال ذلك عذابٌ أليم يأخذهم.

قوله تعالى: ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ ) إلى آخر الآية دعاهم إلى أن يذكروا نعم الله عليهم كما دعا هود عاداً إلى ذلك، وذكّرهم أنّ الله جعلهم خلفاء يخلفون اُمماً من قبلهم كعاد، وبوّأهم من الأرض أي مكّنهم في منازلهم منها، يتّخذون من سهولها - والسهل خلاف الجبل سمّي به لسهولة قطعه - قصوراً وهى الدور الّتي لها سور على ما قيل، وينحتون الجبال بيوتا يأوون إليها ويسكنونها.

ثمّ جمع الجميع ولخصّها في قوله:( فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ ) وأورده في صورة التفريع مع أنّه إجمال للتفصيل الّذي قبله بإيهام المغايرة كأنّه لما أمر بذكر النعم وعدّ من تفاصيل النعم أشياء كأنّهم لا يعلمون بها قيل ثانياً: فإذا كان لله فيكم آلاء ونعم عظيمه أمثال الّتي ذكرت فاذكروا آلاء الله.

وأمّا قوله:( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) فمعطوف على قوله:( فَاذْكُرُوا ) عطف اللازم على ملزومه، وفسّر العثيّ بالفساد وفسّر بالاضطراب والمبالغة. قال الراغب في المفردات: العيث والعثيّ يتقاربان نحو جذب وجبذ إلّا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الّذي يدرك حسّاً، والعثيّ فيما يدرك حكماً يقال: عثي يعثي عثيّا وعلى هذا:( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) . انتهى.

قوله تعالى: ( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ )

١٨٨

إلى آخر الآيتين، دلّ سبحانه ببيان قوله:( لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) بقوله:( لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ) على أنّ المستضعفين هم المؤمنون وأنّ المؤمنين إنّما كانوا من المستضعفين ولم يكن ليؤمن به أحد من المستكبرين والباقي ظاهر.

قوله:( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ) إلى آخر الآية عقر النخلة قطعها من أصلها، وعقر الناقة نحرها، وعقر الناقة أيضاً قطع قوائمها، والعتوّ هو التمرّد والامتناع وضمّن في الآية معنى الاستكبار بدليل تعديته بعن، والباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) إلى آخر الآيتين. الرجفة هي الاضطراب والاهتزاز الصديد كما في زلزلة الأرض وتلاطم البحر، والجثوم في الإنسان والطير كالبروك في البعير.

وقد ذكر الله هنا في سبب هلاكهم أنّه أخذتهم الرجفة، وقال في موضع آخر:( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) هود: ٦٧، وفي موضع آخر:( فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ) حم السجدة: ١٧، والصواعق السماويّة لا تخلو عن صيحة هائلة تقارنها ولا ينفكّ ذلك غالباً عن رجفة الأرض هي نتيجة الاهتزاز الجوّيّ الشديد إلى الأرض وتوجف من جهة اُخرى القلوب وترتعد الأركان، فالظاهر أنّ عذابهم إنّما كان بصاعقة سماوية اقترنت صيحة هائلة ورجفة في الأرض أو في قلوبهم فأصبحوا في دارهم أي في بلدهم جاثمين ساقطين على وجوههم وركبهم.

والآية تدلّ على أنّ ذلك كان مرتبطاً بما كفروا وظلموا آية من آيات الله مقصوداً بها عذابهم عذاب الاستئصال، ولا نظر في الآية إلى كيفيّة حدوثها، والباقي ظاهر.

١٨٩

( سورة الأعراف آية ٨٠ - ٨٤)

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ( ٨٠ ) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ  بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ( ٨١ ) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ  إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ( ٨٢ ) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ( ٨٣ ) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا  فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ( ٨٤ )

( بيان)

قوله تعالى : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) إلى آخر الآية. ظاهره أنّه من عطف القصّة على القصّة أي عطف قوله:( َلُوطًا ) على( نُوحًا ) في قوله في القصّة الاُولى:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا ) فيكون التقدير ولقد أرسلنا لوطاً إذ قال لقومه (الخ)، لكن المعهود من نظائر هذا النظم في القرآن أن يكون بتقدير( اذْكُرُ ) بدلالة السياق، وعلى ذلك فالتقدير: واذكر لوطاً الّذي أرسلناه إذ قال لقومه (الخ) والظاهر أنّ تغيير السياق من جهة أنّ لوطاً من الأنبياء التابعين لشريعة إبراهيمعليهما‌السلام لا لشريعة نوحعليه‌السلام ، ولذلك غيّر السياق في بدء قصّته عن السياق السابق في قصص نوح وهود وصالح فغيّر السياق في بدء قصّته ثمّ رجع إلى السياق في قصّة شعيبعليه‌السلام .

وقد كان لوط - على ما سيأتي إن شاء الله من تفصيل قصّته في سورة هود - مرسلاً إلى أهل سدوم وغيره يدعوهم إلى دين التوحيد وكانوا مشركين عبدة أصنام.

وقوله:( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) يريد بالفاحشة اللواط بدليل قوله:( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ) وفي قوله:( مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) أي أحد من الاُمم و

١٩٠

الجماعات دلالة على أنّ تاريخ ظهور هذه الفاحشة الشنيعة تنتهي إلى قوم لوط، وسيأتي جلّ ما يتعلّق به من الكلام في تفصيل قصّته في سورة هود.

قوله تعالى: ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ) الآية إتيان الرجال كناية عن العمل بهم بذلك، وقوله:( شَهْوَةً ) قرينة عليه وقوله( مِّن دُونِ النِّسَاءِ ) قرينة اُخرى على ذلك، ويفيد مضافاً إلى ذلك أنّهم كانوا قد تركوا سبيل النساء واكتفوا بالرجال، ولتعدّيهم سبيل الفطرة والخلقة إلى غيره عدّهم متجاوزين مسرفين فقال:( بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ) .

ولكون عملهم فاحشة مبتدعة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين استفهم عن ذلك مقارناً ب( إِنَّ ) المفيدة للتحقيق فأفاد التعجّب والاستغراب، والتقدير:( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ) الآية.

قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ) إلى آخر الآية. أي لم يكن عندهم جواب فهدّدوه بالاخراج من البلد فإنّ قولهم:( أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ) الآية. ليس جواباً عن قول لوط لهم:( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ ) الآية. فجواب الكلام في ظرف المناظرة إمّا إمضاؤه والإعتراف بحقّيته وإمّا بيان وجه فساده، وليس في قولهم:( أَخْرِجُوهُم ) إلى آخره شئ من ذلك فوضع ما ليس بجواب في موضع الجواب كناية عن عدم الجواب ودلالة على سفههم.

وقد استهانوا أمر لوط إذ قالوا:( أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ) الآية أي أنّ القرية أي البلدة لكم وهم نزلاء ليسوا منها وهم يتنزّهون عمّا تأتونه ويتطهّرون، ولا يهمّنّكم أمرهم فليسوا إلّا اُناساً لا عدّة لهم ولا شدّة.

قوله تعالى: ( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) فيه دلالة على أنّه لم يكن آمن به إلا أهله، موضع آخر:( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) الذاريات: ٣٦.

وقوله:( كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) أي الماضين من القوم، وهو استعارة بالكناية عن الهلاك والباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) ذكر الإمطار

١٩١

في مورد ترقّب ذكر العذاب يدلّ على أنّ العذاب كان به وقد نكّر المطر للدلالد على غرابة أمره وغزارة أثره، وقد فسّره الله تعالى في موضع آخر بقوله:( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) هود: ٨٣.

وقوله:( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) توجيه خطاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعتبر به هو واُمّته.

١٩٢

( سورة الأعراف آية ٨٥ - ٩٣)

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا  قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ  قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ  فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا  ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( ٨٥ ) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا  وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ  وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( ٨٦ ) وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا  وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( ٨٧ ) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا  قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ( ٨٨ ) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا  وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا  وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا  عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا  رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ( ٨٩ ) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ ( ٩٠ ) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ( ٩١ ) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا  الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ( ٩٢ ) فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ  فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ ( ٩٣ )

١٩٣

( بيان)

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) الآية معطوف على القصّة الاُولى وهي قصّة نوح عليه السلام، وقد بنى عليه السلام دعوته على أساس التوحيد كما بناها عليه من قبله من الرسل المذكورين في القصص المتقدّمة.

وقوله:( قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) يدلّ على مجيئه بآية تدلّ على رسالته ولكنّ الله سبحانه لم يذكر ذلك في كتابه وليست هذه الآية هي آية العذاب الّتي يذكرها الله تعالى في آخر قصته فإنّ عامّة قومه من الكفّار لم ينتفعوا بها بل كان فيها هلاكهم ولا معنى لكون آية العذاب آية للرسالة مبيّنة للدعوة.

على أنّه يفرّع قوله:( فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ) الآية على مجئ الآية ظاهراً وإنّما يستقيم الدعوة إلى العمل بالدين قبل نزول العذاب وتحقّق الهلاك.وهو ظاهر.

وقد دعاهم أوّلا بعد التوحيد الّذي هو أصل الدين إلى إيفاء الكيل والميزان وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم فقد كان الإفساد في المعاملات رائجاً فيهم شائعاً بينهم.

ثمّ دعاهم ثانياً بقوله:( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) إلى الكفّ عن الإفساد في الأرض بعد ما أصلحها الله بحسب طبعها، والفطرة الإنسانيّة الداعيّة إلى إصلاحها كى ينتظم بذلك أمر الحياة السعيدة، والإفساد في الأرض وإن كان بحسب اطلاق معناه يشمل جميع المعاصي والذنوب ممّا يتعلّق بحقوق الله أو بحقوق الناس كائنة ما كانت لكن مقابلته لما قبله وما بعده يخصّه - تقريبا - بالإفساد الّذي يسلب الأمن العامّ في الاموال والاعراض والنفوس كقطع الطرق ونهب الاموال وهتك الاعراض وقتل النفوس المحترمة.

ثمّ علل دعوته إلى الأمرين بقوله:( ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) أمّا كون إيفاء الكيل والميزان وعدم بخس الناس أشياءهم خيراً فلأنّ حياة الإنسان الاجتماعيّة في استقامتها مبنيّة على المبادلة بين الأفراد بإعطاء كلّ منهم ما يفضل من حاجته، و أخذ ما يعادله ممّا يتمّم به نقصه في ضروريّات الحياة وما يتبعها وهذا يحتاج إلى أمن عامّ

١٩٤

في المعاملات تحفظ به أوصاف الأشياء ومقاديرها على ما هي عليه فمن يجوّز لنفسه البخس في أشياء الناس فهو يجوّز ذلك لكلّ من هو مثله وهو شيوعه، وإذا شاع البخس والغشّ والغرر من غير أن يؤمن حلول السمّ محلّ الشفاء والرديّ مكان الجيّد، والخليط مكان الخالص، وبالاخرة كلّ شئ محل كلّ شئ بأنواع الحيل والعلاجات كان فيه هلاك الاموال والنفوس جميعا.

وأمّا كون الكفّ عن إفساد الأرض خيراً لهم فلأنّ سلب الأمن العامّ يوقف رحى المجتمع الإنساني عن حركتها من جميع الجهات وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وفناء الإنسانيّة.

فالمعنى : إيفاء الكيل والميزان وعدم البخس والكفّ عن الفساد في الأرض خير لكم يظهر لكم خيريّته إن كنتم مصدّقين لقولي مؤمنين بي، أوالمعنى: ذلكم خير لكم تعلمون أنّه خير إن كنتم ذوي إيمان بالحقّ.

وربّما قيل: إنّ المعنى ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين بدعوتي فإنّ غير المؤمن لا ينتفع بسبب ما عنده من الكفر القاضي بشقائه وخسرانه وضلال سعيه بهذه الخيرات الدنيويّة بحسب الحقيقة لأنّ انتفاعه إنّما هو انتفاع في موطن خياليّ وهو الحياة الدنيا الّتي هي لعب، وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.

هذا كلّه على تقدير كون المشار إليه بقوله:( ذَٰلِكُمْ ) هو إيفاء الكيل وما بعده كما هو ظاهر السياق، وأمّا أخذ الإشارة إلى جميع ما تقدّم وجعل المراد بالإيمان هو الإيمان المصطلح دون الإيمان اللغويّ كما احتمله بعضهم فهو أشبه باشتراط الشئ بنفسه لرجوع المعنى إلى نحو قولنا : إن كنتم مؤمنين فالعبادة لله وحده بالإيمان به وإيفاء الكيل والميزان وعدم الفساد في الأرض خير لكم.

ويرد على الوجهين الأخيرين جميعاً أن ظاهر قوله:( إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ثبوت اتّصافهم بالإيمان قبل حال الخطاب فإنّه مقتضى تعليق الحكم بقوله:( كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) المؤلف من ماضي الكون الناقص واسم الفاعل من الإيمان المقتضى لاستقرار الصفة فيهم زمانا، ولا يخاطب بمثل هذا المعنى القوم الّذين فيهم الكافر والمؤمن والمستكبر والمنقاد

١٩٥

ولو كان كما يقولون لكان من حقّ الكلام أن يقال: ذلكم خير لكم إن آمنتم أو إن تؤمنوا فالظاهر أنّه لا محيص من كون المراد بالإيمان غير الإيمان المصطلح.

قوله تعالى: ( وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ) الآية ظاهر السياق أنّ( تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ ) حالان من فاعل( لَا تَقْعُدُوا ) وقوله( وَتَبْغُونَهَا ) حال من فاعل( َتَصُدُّونَ ) .

ثمّ دعاهم ثالثاً إلى ترك التعرّض لصراط الله المستقيم الّذي هو الدين فإنّ في الكلام تلويحاً إلى أنّهم كانوا يقعدون على طريق المؤمنين بشعيبعليه‌السلام ويوعدونهم على إيمانهم به والحضور عنده والاستماع منه وإجراء العبادات الدينيّة معه، ويصرفونهم عن التديّن بدين الحقّ والسلوك في طريقة التوحيد وهم يسلكون طريق الشرك، ويطلبون سبيل الله الّذي هو دين الفطرة عوجا.

وبالجملة كانوا يقطعون الطريق على الإيمان بكلّ ما يستطيعون من قوّة واحتيال فنهاهم عن ذلك، ووصّاهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ويعتبروا بالنظر إلى ما يعلمونه من تاريخ الاُمم الغابرة، وما آل إليه أمر المفسدين من عاقبة السوء.

فقوله:( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) كلام مسوق سوق العظة والتوصية وهو يقبل التعلّق بجميع ما تقدّم من الأوامر والنواهي فقوله:( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ) أمر بتذكّر تدرّجهم من القلّة إلى الكثرة بازدياد النسل فإنّ ذلك من نعم الله العظيمة على هذا النوع الإنسانيّ لأنّ الإنسان لا يقدر على أن يعيش وحده من غير اجتماع إذ الغاية الشريفة والسعادة العالية الإنسانيّة الّتي يمتاز بها عن سائر الأنواع الحيوانيّة وغيرها اقتضت أن تهب لعناية الإلهيّة له أدوات وقوى مختلفة وتركيباً وجوديّاً خاصّاً لا يستطير أن يقوم بضروريّات حوائجها العجيبة المتفنّنة وحده بل بالتعاضد مع غيره في تحصيل المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمنكح وغيرها تعاضداً في الفكر والارادة والعمل.

ومن المعلوم أنّه كلّما ازداد عدد المجتمعين ازدادت القوّة المركّبة الاجتماعيّة، واشتدّت في فكرتها وإرادتها وعملها فأحسّت وشعرت بدقائق الحوائج، وتنبّهت للطائف

١٩٦

من الحيل لتسخير القوى الطبيعيّة في رفع نواقصها.

فمن المنن الإلهيّة أن النسل الإنسانيّ آخذ دائماً في الزيادة متدرّج من القلّة إلى الكثرة، وذلك من الاركان في سير النوع من النقص إلى الكمال فليست الاُمم العظيمة كالشراذم القليلة الّتي تتخطّف من كلّ جانب، ولا الاقوام والعشائر الكبيرة كالطوائف الصغيرة الّتي لا تستقلّ في شأن من شؤونها السياسيّة والاقتصاديّة والحربيّة وغيرها ممّا يوزن بزنة العلم والارادة والعمل.

وأمّا عاقبة المفسدين فيكفي في التبصّر بها ما نقل عن عواقب أحوال الاُمم المستعلية المستكبرة الطاغية الّتي ملأت القلوب رعباً، والنفوس دهشة، وخرّبت الديار، ونهبت الأموال، وسفكت الدماء، وأفنت الجموع، واستعبدت العباد، وأذلّت الرقاب.

مهّلهم الله في عتوّهم واعتداءهم حتّى إذا بلغوا أوج قدرتهم، واستووا على أريكة شوكتهم غرّتهم الدنيا بزينتها واجتذبتهم الشهوات إلى خلاعتها فألهتهم عن فضيلة التعقّل واشتغلوا بملاهي الحياة والعيش واتّخذوا إلههم هواهم وأضلّهم الله على علم فسلبوا القدرة والارادة، وحرّموا النعمة فتفرّقوا أيادى سبا.

فكم في ذكر الدهر من أسماء القياصرة والفراعنة والأكاسرة والفغافرة وغيرهم لم يبق منهم إلّا أسماء إن لم تنس، ولم تثبت من هيمنتهم إلّا أحاديث فمن السنّة الإلهيّة الجارية في الكون أن تبتني حياة الإنسان على التعقّل فإذا تعدّى ذلك وأخذ في الفساد والإفساد أبى طباع الكون ذلك، وضادّته الأسباب بقواها، وطحنته بجموعها، وضربت عليه بكلّ ذلّة ومسكنة.

قوله تعالى: ( وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ) إلى آخر الآية. ثمّ دعاهم رابعاً إلى الصبر على تقدير وقوع الاختلاف بينهم بالإيمان والكفر فإنّه كان يوصّيهم جميعاً قبل هذه الوصيّة بالاجتماع على الإيمان بالله والعمل الصالح، وكأنّه أحسّ منهم أنّ ذلك ممّا لا يكون البتّة، وأنّ الاختلاف كائن لامحالة وأنّ الملأ المستكبرين من قومه وهم الّذين كانوا يوعدون و يصدّون عن سبيل الله سيأخذون في إفساد الأرض وايذاء المؤمنين ويوجب ذلك في المؤمنين وهن عزيمتهم، وتسلّط الناس على قلوبهم فأمرهم جميعاً بالصبر

١٩٧

وانتظار أمر الله فيهم ليحكم بينهم وهو خير الحاكمين.

فإنّ في ذلك صلاح المجتمع، أمّا المؤمنون فلا يقعون في البأس من الحياة الآمنة والاضطراب والحيرة من جهة دينهم وأمّا الكفّار فلا يقعون في ندامة الإقدام من غير رؤيّة ومفسدة المظلمة على جهالة فحكم الله خير فأصل بين الطائفتين فهو خير الحاكمين لا يساهل في حكم إذا حان حينه، ولا يجور في حكم إذا ما حكم

فقوله:( فَاصْبِرُوا ) بالنسبة إلى الكفّار أمر ارشاديّ، وبالنسبة إلى المؤمنين أمر مولويّ أو ارشاديّ، وهو ارشاد الجميع إلى ما يصلح حالهم.

قوله تعالى: ( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ ) الآية لم يسترشد الملأ المستكبرون من قومه بما أرشدهم إليه من الصبر وانتظار الحكم الفصل في ذلك من الله سبحانه بل بادروه بتهديده وتهديد المؤمنين بإخراجهم من أرضهم إلّا أن يرجعوا إلى ملّتهم بالارتداد عن دين التّوحيد.

وفي تأكيدهم القول( لَنُخْرِجَنَّكَ ) ( أَوْ لَتَعُودُنَّ ) بالقسم ونون التأكيد دلالة على قطعهم العزم على ذلك، ولذا بادرعليه‌السلام بعد استماع هذا القول منهم إلى الاستفتاح من الله سبحانه.

قوله تعالى: ( قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم ) الآية أجابعليه‌السلام بكراهة العود في ملّتهم بدليل ما بعده من الجمل ولازم ذلك اختيار الشق الآخر على تقدير الاضطرار إلى أحدهما كما أخبروه.

وقد أجابعليه‌السلام عن نفسه وعن المؤمنين به من قومه وذكر أنّه والمؤمنين به جميعاً كارهون للعود إلى ملّتهم فإنّ في ذلك افتراء للكذب على الله سبحانه بنسبة الشركاء إليه، وما يتبعها من الأحكام المفتراة في دين الوثنيّة فقوله:( قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) الآية بمنزلة التعليل لقوله:( أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) .

ومن أسخف الاستدلال الاحتجاج بقوله:( إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ) على أنّ شعيباًعليه‌السلام كان قبل نبوّته مشركاً وثنياً - حاشاه - وقد تقدّم آنفاً أنّه يتكلّم عن نفسه وعن المؤمنين به من قومه وقد كانوا كفّاراً مشركين قبل الإيمان به فإنّجاهم الله من ملّة

١٩٨

الشرك وهداهم بشعيب إلى التوحيد فقول:( شعيب نجّانا الله) تكلّم عن المجموع بنسبة وصف الجلّ إلى الكل، هذا لو كان المراد بالتنجية التنجية الظاهريّة من الشرك الفعلي وأمّا لو أريد بها التنجية الحقيقيّة وهي الاخراج من كلّ ضلال محقّق موجود أو مقدّر مترّقب كان شعيب - وهو لم يشرك بالله طرفة عين - وقومه - وهم كانوا مشركين قبل زمان إيمانهم بشعيب - جميعاً ممّن نجّاهم الله من الشرك إذ لايملك الإنسان لنفسه الهالكة ضرّاً ولا نفعاً وما إصابه من خير فهو من الله سبحانه.

وقوله:( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ) كالإضرب والترقّي بالجواب القاطع كأنّه قال: نحن كارهون العود إلى ملّتكم لأنّ فيه افتراءً على الله بل إنّ ذلك ممّا لا يكون البتّة، وذلك أنّ كراهة شئ إنّما توجب تعسّر التلبّس به دون تعذّره فأجابعليه‌السلام ثانياً بتعذّر العود بعد جوابه أوّلاً بتعسّره، وهو ما ذكرناه من الإضراب والترقّي.

ولمّا كان قوله:( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا ) في معنى أن يقال:( لن نعود إليها أبدا) والقطع في مثل هذه العزمات ممّا هو بعيد عن أدب النبوّة فإنّه في معنى: لن نعود على أي تقدير فرض حتّى لو شاء الله، وهو من الجهل بمقامه تعالى، استثنى مشيّة الله سبحان فقال:( إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ) فإنّ الإنسان كيفما كان جائز الخطأ فمن الجائز أن يخطئ بذنب فيعاقبه الله بسلب عنايته به فيطرده من دينه فيهلك على الضلال.

وفي الجمع بين الاسمين في قوله:( اللَّهُ رَبُّنَا ) إشارة إلى أنّ الله الّذي يحكم ما يشاء هو الّذي يدبّر أمرنا وهو إله وربّ، على ما يقتضيه دين التوحيد لا كما يعلّمه دين الوثنيّة فإنّه يسلّم الاُلوهيّه لله ثمّ يفرز الربوبيّة بمختلف شؤونها بين الاوثان ويسمّيها ربّ البحر وربّ البرّ وهكذا.

وقوله:( وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) كالتعليل لتعقيب الكلام بالاستثناء كأنّه قيل لما استثنيت بعد ما أطلقت الكلام وقطعت في العزم؟ فقال: لأنّه وسع ربّي كلّ شئ علماً ولا اُحيط من علمه إلّا بما شاء فمن الجائز أن يتعلّق مشيّته بشئ غائب عن علمي ساءني أو سرّنى كأن يتعلّق علمه بأنّا سنخالفه في بعض أوامره فيشاء عودنا إلى ملّتكم، وإن

١٩٩

كنّا اليوم كارهين له، ولعلّ هذا المعنى هو السبب في تعقيب هذا القول بمثل قوله:( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) فإنّ من يتوكّل على الله كان حسبه وصانه من شرّ ما يخاف.

ولمّا بلغ الكلام هذا المبلغ وقد أخبروهم بعزمهم على أحد الأمرين: الإخراج أو العود، وأخبرهم شعيبعليه‌السلام بالعزم القاطع على عدم العود إلى ملّتهم البتّة التجأعليه‌السلام إلى ربّه واستفتح بقوله عن نفسه وعن المؤمنين:( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) يسأل ربّه أنّ يفتح بينهم أي بين شعيب والمؤمنين به، وبين المشركين من قومه، وهو الحكم الفصل فإنّ الفتح بين شيئين يستلزم إبعاد كلّ منهما عن صاحبه حتّى لا يماسّ هذا ذاك ولا ذاك هذا دعاعليه‌السلام بالفتح وكنّى به عن الحكم الفصل وهو الهلاك أو هو بمنزلته وأبهم الخاسر من الرابح والهالك من الناجي وهو يعلم أنّ الله سينصره وأنّ الخزي اليوم والسوء على الكافرين لكنّهعليه‌السلام أخذ بالنصفة للحقّ وتأدّب بإرجاع الأمر في ذلك إلى الله كما أتى بنظير ذلك في قوله السابق:( فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) .

وخير الحاكمين وخير الفاتحين اسمان من أسماء الله الحسنى، وقد تقدّم البحث عن معنى الحكم فيما مرّ، وعن معنى الفتح آنفاً وسيجئ الكلام المستوفى في الأسماء الحسنى في تفسير قوله تعالى:( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) الآية ١٨٠ من السورة إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:( وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ) إلى آخر الآية : هذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب أو أراد أن يؤمن به ويكون من جملة الايعاد والصدّ للّذين كان شعيب ينهى عنهما بقوله:( وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ويكون إفراد هذا بالذكر ههنا من بين سائر أقوالهم ليكون كالتوطئة والتمهيد لما سيأتي من قولهم بعد ذكر هلاكهم:( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ) .

ويحتمل أن يكون الاتّباع بمعناه الظاهر العرفيّ وهو اقتفاء أثر الماشي على الطريق والسالك السبيل بأن يكون الملأ المستكبرون لمّا اضطرّوه ومن معه إلى أحد الأمرين: الخروج من أرضهم أو العود في ملّتهم ثمّ سمعوه يردّ عليهم العود إلى ملّتهم ردّاً قاطعاً ثمّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وقال السيد المرتضى : يشترط طهارة المكان(1) ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لأنهعليه‌السلام نهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة(3) ، ولا علة سوى النجاسة. ونقول بموجبه ، لأنها نجاسات متعدية ، أو نمنع نهي التحريم.

وقال الشافعي : يشترط الطهارة في جهة الصلاة ، والجوانب أيضا بحيث يكون ما يلاقي بدن المصلّي وثيابه طاهرا حتى لو وقف تحت سقف يحتك به أو بجدار نجس لم تصح صلاته ، وبه قال أحمد(4) .

وقال أبو حنيفة : لا يشترط إلاّ طهارة موضع القدمين ، وفي رواية موضع القدمين والجبهة ، ولا تضر نجاسة ما سواه إلاّ أن يتحرك بحركته(5) .

والكل ممنوع.

فروع :

أ ـ لو كان على رأسه عمامة وطرفها يسقط على نجاسة صحت صلاته عندنا ، خلافا للشافعي ، وأحمد في رواية ، وفي اخرى : أنه لا يشترط طهارة ما تقع عليه ثيابه(6) ، ولو كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلّي الى‌

__________________

(1) حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 143 ـ 144.

(2) المجموع 3 : 151 ، المهذب للشيرازي 1 : 68 ، فتح العزيز 4 : 34.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 ، سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346 وانظر المهذب للشيرازي 1 : 69.

(4) المجموع 3 : 152 ، المغني 1 : 750 ، الشرح الكبير 1 : 509 ، فتح العزيز 4 : 35.

(5) بدائع الصنائع 1 : 82 ، فتح العزيز 4 : 34 ، حلية العلماء 2 : 49 ، شرح فتح القدير 1 : 168.

(6) مغني المحتاج 1 : 190 ، كفاية الأخيار 1 : 56 ، المغني 1 : 750 و 751 ، الشرح الكبير 1 : 509.

٤٠١

جانبه أو حائط لا يستند إليه صحّت صلاته عندنا ، خلافا للشافعي ، وأحمد(1) .

ب ـ قال أبو حنيفة : إن كان تحت قدميه أكثر من قدر درهم من النجاسة لم تصح صلاته ، ولو وقعت ركبته أو يده على أكثر من قدر درهم صحّت صلاته ، ولو وضع جبهته على نجاسة تزيد على قدر الدرهم فروايتان(2) ، وعند الشافعي لا تصح في الجميع(3) ، وعندنا تصح في الجميع إلاّ موضع الجبهة فإن النجاسة إن استوعبته لم تصح صلاته وإن قلّت عن الدرهم ، ولو وقع ما يجزي من الجبهة على موضع طاهر والباقي على نجاسة فالأقوى عندي الجواز.

ج ـ لو كان ما يلاقي بدنه وثيابه طاهرا أو ما يحاذي بطنه أو صدره في السجود نجسا صحّت صلاته عندنا ـ وبه قال أحمد ، والشافعي في أحد الوجهين ـ لأنه لم يباشر النجاسة فصار كما لو صلّى على سرير وتحته نجاسة ، وفي الآخر : لا تصح(4) لأن ذلك الموضع منسوب إليه فإنه مكان صلاته ، ويبطل بما لو صلّى على خمرة طرفها نجس فإن صلاته تصح وإن نسبت إليه بأنّها مصلاّه.

د ـ يجوز أن يصلّي على بساط تحته نجاسة ، أو سرير قوائمه على النجاسة وإن تحرك بحركته ، وبه قال الشافعي(5) ، وقال أبو حنيفة : إن تحرك‌

__________________

(1) المجموع 3 : 152 ، المغني 1 : 751 ، الشرح الكبير 1 : 509 ، كشاف القناع 1 : 289 و 290.

(2) المبسوط للسرخسي 1 : 204 ، بدائع الصنائع 1 : 82 ، حلية العلماء 2 : 49.

(3) المجموع 3 : 151 و 152 ، فتح العزيز 4 : 34.

(4) المجموع 3 : 152 ، مغني المحتاج 1 : 190 ، المغني 1 : 751 ، الشرح الكبير 1 : 509.

(5) المجموع 3 : 152 ، فتح العزيز 4 : 35.

٤٠٢

بحركته بطلت(1) ولا يصح ذلك في المغصوب سواء كان الساتر أو ما تحته.

هـ ـ لو اشتبه موضع النجاسة لم يضع جبهته على شي‌ء منه إن كان محصورا كالبيت والبيتين ، بخلاف المواضع المتسعة كالصحاري ، ولا يجوز التحري عندنا.

وقال الشافعي : يتحرى إن وقع الاشتباه في بيتين ، ولو اشتبه الموضع النجس من بيت أو بساط لم يتحر على أصح الوجهين(2) .

و ـ لو اضطر إلى الصلاة في المشتبه وجب تكرير الصلاة كالثوبين.

مسألة 85 : تكره الصلاة في أماكن :

أ ـ معاطن الإبل : وهي مباركها ، سواء خلت من أبوالها أو لا عندنا لأنّ أبوالها طاهرة على ما تقدم(3) .

لقولهعليه‌السلام : ( إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة وبركة ، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل فاخرج منها وصل فإنها جن من جن خلقت )(4) .

والفرق ظاهر فإن الغنم لا يمنعه السكون في مراحها من الخشوع ، والإبل يخاف نفورها فتمنعه من الخشوع والسكون ، وقيل : إن عطنها مواطن الجن(5) .

ومنع الشافعي من الصلاة فيها مع وجود أبوالها فيها لأنها نجسة‌

__________________

(1) المجموع 3 : 152 ، فتح العزيز 4 : 35.

(2) المجموع 3 : 153 و 154 ، فتح العزيز 4 : 35.

(3) تقدم في المسألة 15 من كتاب الطهارة.

(4) سنن البيهقي 2 : 449.

(5) فتح العزيز 4 : 38 وانظر حياة الحيوان للدميري 1 : 25.

٤٠٣

عنده وقد تقدم ، وسوّغ الصلاة مع الخلوّ ، وبه قال مالك ، وأبو حنيفة(1) للحديث(2) .

وقال أحمد : لا تصح الصلاة فيها وإن خلت ، وبه قال ابن عمر ، وجابر ابن سمرة والحسن ، وإسحاق ، وأبو ثور(3) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة فيها(4) ، والنهي يدل على الفساد ، وهو ممنوع لأن النهي للكراهة.

ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم عملا بالأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم »(5) .

ب ـ المقابر : وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعطاء ، والنخعي ، وابن المنذر ، فإن صلى صحّت سواء استقبلها ، أو صلّى بينها في الكراهة ، والصحة ، وبه قال الشافعي ، ومالك(6) ـ لأنها بقعة طاهرة فصحت الصلاة فيها كغيرها.

وقال أحمد : لا يجوز وإن تحقق طهارتها أو استقبلها ـ وفي صحة‌

__________________

(1) المجموع 3 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 117 ، عمدة القارئ 4 : 182 ، المغني 1 : 753 ، الشرح الكبير 1 : 512.

(2) سنن الترمذي 2 : 131 ـ 317 ، مسند أحمد 5 : 145 ، صحيح البخاري 1 : 91 ، سنن أبي داود 1 : 132 ـ 489 ، سنن ابن ماجة 1 : 188 ـ 567.

(3) عمدة القارئ 4 : 182 ، المغني 1 : 753 ، نيل الأوطار 2 : 141.

(4) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن الترمذي 2 : 181 ـ 348 ، سنن النسائي 2 : 56 ، سنن الدارمي 1 : 323 ، مسند احمد 2 : 451 و 491 و 509 ، سنن أبي داود 1 : 133 ـ 493 ، سنن البيهقي 2 : 449.

(5) الكافي 3 : 388 ـ 2 ، التهذيب 2 : 22 ـ 868 ، الاستبصار 1 : 395 ـ 1507.

(6) المجموع 3 : 158 ، بداية المجتهد 1 : 117 ، المغني 1 : 753.

٤٠٤

الصلاة عنه روايتان(1) ـ للنهي(2) ، ونحن نحمله على الكراهة.

ولو جعل بينه وبين القبر حائلا ولو عنزة(3) ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه ، ويساره ، وقدامه زالت الكراهة ، وقد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمةعليهم‌السلام في النوافل خاصة(4) ، قال الشيخ : والأحوط الكراهة(5) .

ولو صلّى على قبر كره سواء تكرر الدفن فيه ونبش أو لا ، إلاّ أن تمازجه نجاسة متعدية فيحرم.

وقال الشافعي : إن تكرر الدفن فيه ونبش بطلت صلاته ، لأنه صلّى على النجاسة لمخالطة صديد الموتى ولحومهم ، وإن كان جديدا لم ينبش كره(6) للنهي(7) ، وإن لم يعلم التكرر ، ولا عدمه فقولان لأصالة الطهارة وقضاء العادة بتكرر الدفن(8) .

وكره الاستقبال إلى القبر ، إلاّ الى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه منعه(9) لقولهعليه‌السلام : ( لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم‌

__________________

(1) المغني 1 : 753 ، المجموع 3 : 158 ، الشرح الكبير 1 : 512.

(2) سنن النسائي 2 : 67 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747.

(3) العنزة بالتحريك : أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زجّ كزج الرمح. الصحاح 3 : 887 « عنز ».

(4) كامل الزيارات : 122 ـ 1.

(5) المبسوط للطوسي 1 : 85.

(6) الام 1 : 92 ، المجموع 3 : 158 ، المهذب للشيرازي 1 : 70 ، رحمة الأمة 1 : 57 نيل الأوطار 2 : 137.

(7) سنن الترمذي 2 : 131 ـ 317 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(8) المجموع 3 : 158 ، فتح العزيز 4 : 39.

(9) المجموع 3 : 158 ، فتح العزيز 4 : 39.

٤٠٥

مساجد )(1) وإنما قاله تحذيرا لأمته أن يفعلوا.

ج ـ الحمام إن علمت طهارته أو جهلت ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لقول الصادقعليه‌السلام : « عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان الطرق(3) ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى الماء ، والسبخ ، والثلج »(4) .

وقال أحمد : لا تجوز الصلاة فيه(5) للنهي(6) .

ولو علمت نجاسته فإن لم تتعد إليه كرهت الصلاة فيه أيضا ـ خلافا للشافعي(7) ـ وإلاّ بطلت.

وهل تكره في المسلخ؟ فيه احتمال ينشأ من علة النهي إن قلنا : النجاسة لم تكره ، وإن قلنا : كشف العورة فيكون مأوى ( الشيطان )(8) كره.

د ـ بيوت الغائط لعدم انفكاكها عن النجاسة ، ولو صلّى صحت ما لم تتعد نجاستها إليه ـ وبه قال الشافعي(9) ـ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل‌

__________________

(1) الفقيه 1 : 114 ـ 532 ، صحيح البخاري 1 : 116 ، صحيح مسلم 1 : 376 ـ 529 و 531 ، مسند أحمد 1 : 218.

(2) حلية العلماء 2 : 50 ، المجموع 3 : 159.

(3) مسان الطرق : المسلوك منها. مجمع البحرين 6 : 269 « سنن ».

(4) الكافي 3 : 390 ـ 12 ، التهذيب 2 : 219 ـ 863 ، الإستبصار 1 : 394 ـ 1504.

(5) المغني 1 : 753 ، عمدة القارئ 4 : 190 ، نيل الأوطار 2 : 137.

(6) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(7) الام 1 : 92 ، المجموع 3 : 159.

(8) في نسخة ( ش ) : الشياطين.

(9) المجموع 3 : 162.

٤٠٦

أقوم في الصلاة فأرى بين يدي العذرة : « تنح عنها ما استطعت »(1) . ولأنها لا تناسب العبادة المأمور بالتنظيف حال إيقاعها.

وقال أحمد : لا تصح ، ولا على سطحها(2) ، وليس بجيد.

هـ ـ بيوت النيران لئلاّ يتشبه ( بعبّادها )(3) .

و ـ بيوت المجوس لعدم انفكاكها من النجاسة ، فإن رشت الأرض زالت الكراهة ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الصلاة في بيوت المجوس : « رش وصلّ »(4) .

ولا بأس بالبيع والكنائس مع النظافة ـ وبه قال الحسن البصري ، وعمر ابن عبد العزيز ، والشعبي ، والأوزاعي(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( أينما أدركتني الصلاة صليت )(6) وسأل عيص ، الصادقعليه‌السلام عن البيع والكنائس يصلّى فيها؟ قال : « لا بأس »(7) وقال الصادقعليه‌السلام : « صل فيها قد رأيتها ما أنظفها »(8) .

وكره ابن عباس ، ومالك الكنائس من أجل الصور(9) . ونحن نقول‌

__________________

(1) الكافي 3 : 391 ـ 17 ، التهذيب 2 : 376 ـ 1563 ، المحاسن : 365 ـ 109.

(2) المغني 1 : 753 و 756 ، كشاف القناع 1 : 294.

(3) في نسخة ( م ) بعبادتها.

(4) التهذيب 2 : 222 ـ 877.

(5) المجموع 3 : 158 ـ 159 ، المغني 1 : 759 ، عمدة القارئ 4 : 190 و 192.

(6) مسند أحمد 2 : 222.

(7) التهذيب 2 : 222 ـ 874.

(8) التهذيب 2 : 222 ـ 876 ، والفقيه 1 : 157 ـ 731 وفيه : « صلّ فيها » بدون الذيل.

(9) المجموع 3 : 158 ، عمدة القارئ 4 : 190 و 192 ، المغني 1 : 759 ، المدونة الكبرى 1 : 90 ـ 91.

٤٠٧

بموجبه إن كان فيها صور.

ز ـ بيوت الخمور والمسكر لعدم انفكاكها من النجاسة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر »(1) .

ح ـ جواد الطرق ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة في محجة الطريق(3) ومعناه الجادة المسلوكة ، وفي حديث : ( عن قارعة الطريق )(4) يعني التي تقرعها الأقدام ، ففاعلة هنا بمعنى مفعولة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « فأما على الجواد فلا »(5) ولأنها لا تنفك غالبا عن النجاسة ، ويمنع السابلة من الاستطراق.

وقال أحمد : لا تصح(6) للنهي(7) . وهو عندنا للكراهة.

ولا بأس بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يصلّى في الظواهر التي بين الجواد »(8) ولا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن للعموم.

ط ـ مساكن النمل لما تقدم في الحديث(9) ، ولعدم انفكاكه من ضررها ، أو قتل بعضها.

__________________

(1) الكافي 3 : 392 ـ 24 ، التهذيب 2 : 220 ـ 864 و 377 ـ 1568.

(2) المجموع 3 : 162 ، فتح العزيز 4 : 36 ، المهذب للشيرازي 1 : 71 ، مغني المحتاج 1 : 203.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(4) سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746.

(5) الكافي 3 : 388 ـ 5 ، التهذيب 2 : 220 ـ 865.

(6) المغني 1 : 754 ـ 755 ، العدة شرح العمدة : 69 ، المحرر في الفقه 1 : 49.

(7) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن البيهقي 2 : 329 ، سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346.

(8) الكافي 3 : 389 ـ 10 ، التهذيب 5 : 425 ـ 1475.

(9) تقدم في فرع « ج ».

٤٠٨